• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105975 / تحميل: 4948
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

لك و لقومك . . . ١ فليذهب الحكم يمينا و شمالا ، فو اللّه لا يؤخذ العلم إلاّ من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السّلام ٢ .

و قال عليه السّلام له و لسلمة بن كهيل : شرّقا و غرّبا فلا تجدان علما صحيحا إلاّ شيئا خرج من عندنا أهل البيت ٣ .

« بهم أقام انحناء ظهره و أذهب ارتعاد فرائصه » فرائص جمع فريصة :

اللحمة بين الجنب و الكتف ترعد عند الفزع ، قال الباقر عليه السّلام : إنّ الأرض لا تبقي إلاّ و منّا فيها من يعرف الحقّ ، فإذا زاد الناس قال : قد زادوا ، و إذا نقصوا منه قال : قد نقصوا .

رواه الحسين بن أبي حمزة الثمالي عن أبيه عنه عليه السّلام لعبد الحميد بن عواض الطائي ، فقال له عبد الحميد : باللّه الذي لا إله إلاّ هو لسمعته أنا أيضا منه عليه السّلام ٤ .

هذا و جعل ابن أبي الحديد ٥ الضمائر من قوله : « موضع سرّه إلى جبال دينه » راجعة إلى النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و في : ( ظهره ) و ( فرائصه ) إلى الدّين في :

« و جبال دينه » ، و جعل الخوئي ٦ الضمائر كلّها راجعة إلى النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و كلّ منهما كما ترى . و الصواب : كون الستّة الأولى راجعة إلى اللّه تعالى ، المذكور قبل هذا الكلام ، و الأخيرين إلى دينه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الزخرف : ٤٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٤٠٠ ح ٥ ، و البصائر للصفر : ٢٩ ح ٣ ، و معرفة الرجال للكشي إختياره : ٢٠٩ ح ٣٦٩ .

( ٣ ) الكافي للكليني : ٣٩٩ ح ٣ ، و البصائر للصفار : ٣٠ ح ٤ ، و معرفة الرجال للكشي اختياره : ٢٠٩ ح ٣٦٩ .

( ٤ ) أخرجه الصدوق في كمال الدين : ٢٢٢ ح ١٢ ، و أخرج معناه هو في المصدر : ٢٢٨ ح ٢١ ، و الصفار بثلاث طرق في البصائر : ٣٥١ ، ٣٥٢ ح ٥ ، ٦ ، ٩ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ .

( ٦ ) شرح الخوئي ١ : ٢٣٤ .

٥٨١

قول المصنّف : « و منها يعني قوما آخرين » هكذا في ( المصرية ) و كذا في ( الخطية ) ، لكن بدون الواو ، و في ( ابن ميثم ) : « منها » ١ بدون زيادة ، و في ( ابن أبي الحديد ) ٢ : « منها في المنافقين » . ثمّ قال ابن أبي الحديد : ليست إشارته عليه السّلام إلى المنافقين كما ذكر الرضي ، بل إلى من تغلّب عليه و جحد حقّه كمعاوية و غيره ، و لعلّ الرّضي عرف ذلك و كنّى عنه ٣ .

قلت : لا ريب أنّ إشارته عليه السّلام بأيّ لفظ كان إلى الثلاثة ، يوضحه قوله عليه السّلام بعد : « لا يقاس بآل محمّد صلى اللّه عليه و آله من هذه الأمّة أحد » بطريق العموم ، و كيف كان فالواو في ( المصرية ) زائدة قطعا .

« زرعوا الفجور » لمّا بادرت الأوس إلى بيعة أبي بكر ، لئلاّ يصل الأمر إلى الخزرج ، و بادر الأوس بشير بن سعد الخزرجي أبو النّعمان بن بشير و ابن عمّ سعد بن عبادة في بيعة أبي بكر ، لئلاّ يصل الأمر إلى ابن عمّه حسدا منه له ،

قام الحباب بن المنذر و قال : يا معشر الأنصار أما و اللّه لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم ، قد و قفوا يسألونهم بأكفّهم ، و لا يسقون الماء .

« و سقوه الغرور » أي : ماءه ، و في ( خلفاء ابن قتيبة ) لمّا طعن عمر جعلوا يثنون عليه و يذكرون فضله ، فقال : إنّ من غررتموه لمغرور ، إنّي و اللّه وددت أن أخرج منها كفافا كما دخلت فيها ٤ .

« و حصدوا الثّبور » قال ابن عمر لمّا بايع الناس أبا بكر : سمعت سلمان يقول : ( كرديد و نكرديد ) أما و اللّه لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها أبناء الطلقاء ،

و لعناء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فلمّا سمعته يقول ذلك أبغضته ، و قلت : لم يقل هذا إلاّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ مثل المصرية أيضا .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٢١ .

٥٨٢

بغضا منه لأبي بكر . فأبقاني اللّه حتّى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فقلت : رحم اللّه أبا عبد اللّه ، لقد قال ما قال بعلم عنده ١ .

قلت : صحّة بيعة أبي بكر تستلزم صحّة بيعة يزيد بن معاوية الّذي استأصل أهل بيت النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أنكر النّبوّة ، و جعل أمر النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إرادة السلطنة دون إله و وحي منه ، فقال :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

« لا يقاس بآل محمّد صلى اللّه عليه و آله من هذه الأمّة أحد » في أيّ درجة كان من الرياسة أو الدّيانة .

في ( محاضرات الراغب ) قال عمر بن عبد العزيز يوما : من أشرف الناس ؟ و قد كان قام من عنده عليّ بن الحسين عليه السّلام ، فقالوا : أنتم . فقال : كلاّ ، إنّ أشرف النّاس هذا القائم من عندي آنفا ، من أحبّ الناس أن يكونوا منه و لم يحبّ أن يكون من أحد ٢ .

و روى الطبري في كتاب المنصور إلى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن : و ما ولد فيكم بعد وفاة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أفضل من عليّ بن الحسين و هو لامّ ولد ، و لهو خير من جدّك حسن بن حسن ، و ما كان فيكم بعده مثل ابنه محمّد بن عليّ وجدّته أمّ ولد ، و لهو خير من أبيك ، و لا مثل ابنه جعفر و جدّته أمّ ولد ، و لهو خير منك ٣ .

و في كتاب المأمون إلى أهل الآفاق لمّا جعل الرّضا عليه السّلام ولي عهده بعد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المرتضى في الشافي عنه كتاب الفتن من البحار : ٧٦ ، و الطبرسي في الاحتجاج : ٧٦ بفرق في اللفظ .

( ٢ ) رواه الراغب في المحاضرات ، و ابن الجوزي في مناقبه عنهما مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١٦٧ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٦ : ١٩٨ سنة ١٤٥ .

٥٨٣

ذكر اختياره له من بين جميع الناس : أنّه فعل ذلك لمّا رأى من فضله البارع ،

و علمه الذائع ، و ورعه الظاهر الشائع ، و زهده الخالص النافع ، و تخليته من الدّنيا ، و تفّرده عن الناس ، و قد استبان له منه ما لم تزل الأخبار عليه مطبقة ،

و الألسن عليه متّفقة ، و الكلمة فيه جامعة ، و الأخبار واسعة ، و لمّا لم نزل نعرفه به من الفضل يافعا ، و ناشئا ، و حدثا ، و كهلا ، فلذلك عقد بالعهد و الخلافة من بعده ، واثقا بخيرة اللّه تعالى في ذلك ، إذ علم اللّه تعالى أنّه فعله إيثارا له و للدين ١ .

و روى ( العيون ) مسندا عن عباد بن صهيب قال : قلت للصادق جعفر بن محمّد عليه السّلام : أخبرني عن أبي ذر ، أهو أفضل أم أنتم أهل البيت ؟ فقال : يا بن صهيب كم شهور السنة ؟ فقلت : اثنا عشر شهرا . فقال : و كم الحرم ؟ قلت :

أربعة أشهر . قال : فشهر رمضان منها ؟ قلت : لا . قال : فشهر رمضان أفضل ، أم الأشهر الحرم ؟ فقلت : بل شهر رمضان . قال : فكذلك نحن أهل البيت ، لا يقاس بنا أحد ٢ .

و روى ( غرر المرتضى ) أنّ نفيعا الأنصاري أراد حطّ موسى بن جعفر عليه السّلام فقال له : من أنت ؟ قال : يا هذا إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمّد حبيب اللّه ، ابن إسماعيل ذبيح اللّه ، ابن إبراهيم خليل اللّه ، و إن كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللّه على المسلمين و عليك إن كنت منهم الحجّ إليه ، و إن كنت تريد المفاخرة فو اللّه ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفّاء لهم ، حتّى قالوا : يا محمّد اخرج إلينا أكفّاءنا من قريش إلى أن قال و انصرف بخزي ٣ .

فانصرف مخزيا .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقل كتاب المأمون بتمامه ابن الصباغ في الفصول المهمة : ٢٥٧ ، ٢٥٨ .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في علل الشرائع : ١٧٧ ح ٢ ، لا في عيون الأخبار ، و هو من سهو قلم الشارح .

( ٣ ) أخرجه المرتضى في الغرر و الدرر ، و هو كتاب أماليه ١ : ١٩٩ المجلس ١٩ .

٥٨٤

و قال الكميت :

عادلا غيرهم من النّاس طرا

بهم لا همام لي لا همام

و قال الأمير الميكالي : لا يقاس المهاوي بالمراقي ، و لا الأقدام بالتّراقي ،

و لا البحور بالسّواقي .

هذا ، و قال أبو عبيدة : كان أبو قيس بن رفاعة يفد سنة إلى النّعمان بن المنذر اللخمي ، و سنة إلى الحرث بن أبي شمر الغسّاني ، فقال له الحرث يوما و هو عنده : بلغني أنّك تفضّل النعمان عليّ . قال : كيف أفضّله عليك ؟ أبيت اللعن ، فو اللّه لقفاك أحسن من وجهه ، و أمّك أشرف من أبيه ، و لأمسك أفضل من يومه ، و لشمالك أفضل من يمينه ، و لحرمانك أنفع من بذله ، و لقليلك أكثر من كثيره .

« و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا » و فيه عليه السّلام أنزل تعالى قوله :

اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ١ ، و حيث إنّ المنعم عليه لا يمكن أن يكون مساويا للمنعم ،

و النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و أهل بيته هم المنعمون ، و باقي الناس المنعم عليهم ، قال تعالى :

ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم . . . ٢ .

و قال الفرزدق في قصيدته في عليّ بن الحسين عليه السّلام :

أي الخلائق ليست في رقابهم

لأوّلية هذا أوله نعم

من يعرف اللّه يعرف أوّلية ذا

فالدين من بيت هذا ناله الامم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نزول الآية في علي عليه السّلام أخرجه ابن عساكر في ترجمة علي عليه السّلام ٢ : ٧٥ ح ٧٥٧ ، و ابن مردويه و الخطيب عنهما الدر المنثور ٢ : ٢٥٩ ، و الحسكاني بطريقين في شواهد التنزيل ١ : ١٥٦ ، ١٥٨ ح ٢١٠ ، ٢١٣ ، عن أبي هريرة ، و في الباب عن أبي سعيد و غيره ، و الآية ٣ من سورة المائدة .

( ٢ ) الروم : ٢٨ .

٥٨٥

و قال المفيد : إنّ رجلا قال للسّجّاد : أخبرني بماذا فضلتم الناس جميعا و سدتموهم ؟ فقال له : أنا أخبرك بذلك ، اعلم أنّ النّاس كلّهم لا يخلون من أن يكونوا أحد ثلاثة : إمّا رجل أسلم على يد جدّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فهو مولى لنا و نحن ساداته و إلينا يرجع بالولاء ، أو رجل قاتلناه فقتلناه فمضى إلى النّار ، أو رجل أخذنا منه الجزية عن يد و هو صاغر ، و لا رابع للقوم ، فأيّ فضل لم نحزه و شرف لم نحصله بذلك ١ .

و قال الخوئي : قال الصادق عليه السّلام لأبي حنيفة : ما هو عندك في قوله تعالى : ثمّ لتسألنّ يومئذ عن النّعيم ٢ ؟ قال الأمن في السرب و صحّة البدن و القوت الحاضر . فقال عليه السّلام : يا أبا حنيفة لئن أوقفك اللّه يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولنّ و قوفك . قال : فما النعيم ،

جعلت فداك ؟ قال : النعيم نحن الذين أنقذ اللّه الناس بنا من الضلالة ، و بصّرهم بنا من العمى ، و علّمهم بنا من الجهل ٣ .

و قال ابن أبي الحديد : لا ريب أنّ محمّدا صلى اللّه عليه و آله و أهله الأدنين من بني هاشم ، لا سيّما عليّ عليه السّلام ، أنعموا على الخلق كافّة بنعمة لا يقدّر قدرها ، و هي الدّعاء إلى الاسلام ، و الهداية إليه ، فمحمّد صلى اللّه عليه و آله و إن كان هدى الخلق بالدعوة التي قام بها بلسانه و يده ، و نصرة اللّه تعالى له بملائكته و تأييده ، و هو السّيّد المتبوع ، و المصطفى المنتخب الواجب الطاعة ، إلاّ أنّ لعليّ عليه السّلام من الهداية أيضا و إن كان ثانيا لأوّل ، و مصلّيا على أثر سابق ما لا يجحد ، و لو لم يكن إلاّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المفيد في العيون و المحاسن عنه الفصول المختارة : ٧ .

( ٢ ) التكاثر : ٨ .

( ٣ ) لم أجده في مظانه في شرح الخوئي ، و لكن رواه شرف الدين في كنز جامع الفوائد عنه البحار ٢٤ : ٥٩ ح ٣٤ ، و العياشي في تفسيره عنه مجمع البيان ١٠ : ٥٣٤ ، و الراوندي في الدعوات عنه البحار ٢٤ : ٤٩ و غيرهم ، بل روى الخوئي في شرحه ١ : ٢٤٢ رواية في هذا المعنى عن أبي خالد الكابلي .

٥٨٦

جهاده بالسّيف أوّلا و ثانيا و ما كان بين الجهادين من نشر العلوم و تفسير القرآن و إرشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمة و لا متصوّرة لكفى في وجوب حقّه و سبوغ نعمه عليه السّلام .

فإن قيل : لا ريب في أنّ كلامه هذا تعريض بمن تقدّم عليه ، فأيّ نعمة له عليهم ؟ قيل : نعمتان : الاولى منهما الجهاد عنهم و هم قاعدون ، فإنّ من أنصف علم أنّه لو لا سيف علي عليه السّلام لاصطلم المشركون من أشار إليه و غيرهم من المسلمين ، و قد علمت آثاره في بدر ، و أحد ، و الخندق و خيبر و حنين ، و أنّ الشّرك فيها فغرفاه ، فلو لا أن سدّه بسيفه لا لتحم المسلمين كافّة ، و الثانية علومه التي لولاها لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام ، و قد اعترف له بذلك ، و الخبر مشهور : « لو لا عليّ لهلك عمر » إلى أن قال و اعلم أنّ عليًّا عليه السّلام كان يدّعي التقدّم على الكلّ ، و الشرف على الكلّ ، و النعمة على الكلّ بابن عمّه صلوات اللّه عليه و بنفسه و بأبيه أبي طالب عليهما السّلام ، فإنّ من قرأ علوم السّير عرف أنّ الإسلام لو لا أبو طالب لم يكن شيئا مذكورا . . . ١ .

« هم أساس الدّين » فبني الإسلام على خمس : الصلاة ، و الزكاة ، و صوم شهر رمضان ، و حجّ بيت اللّه ، و الولاية ، و هي أشدّها ، فإنّ تلك من الفروع ، و هذه من الاصول ، و أيضا فالأربعة الاولى قد تسقط عن بعض ، و الولاية لا تسقط عن أحد في وقت ٢ .

و في ( الإرشاد ) عن أمير المؤمنين عليه السّلام : « و من لا يحبّنا لا ينفعه إيمانه ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ .

( ٢ ) أخرجه الكليني بأربع طرق في الكافي ٢ : ١٨ ، ٢١ ح ١ ، ٣ ، ٥ ، ٨ ، و البرقي في المحاسن : ٢٨٦ ح ٤٢٩ ، و العياشي في تفسيره ١ : ١٩١ ح ١٠٩ ، و الصدوق في الخصال : ٢٧٧ ح ٢١ عن الباقر عليه السّلام : « بني الإسلام على خمس : على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ و الولاية . و لم يناد بشي‏ء كما نودي بالولاية » و للحديث طرق و ألفاظ غير ذلك .

٥٨٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و لا يتقبّل عمله ، و إن دأب في الليل و النّهار قائما و صائما » ١ .

« و عماد اليقين » في رسالة للجاحظ نقلها ( ينابيع الحنفي ) : هم معظّمون مكرّمون عند الناس بدون اختيارهم ، و المؤمنون بتعظيمهم و تكريمهم واثقون و موقنون ، فلهم سرّ كريم ، و كمال جسيم ، و شيم عجيب ، و عرق طيب ،

و فضل مبين ، و وقار متين ، و عرق تام ، و غصن باق ، و أصل ثابت ، و فرع نابت .

فلهذا لم يكتفوا و لم يقنعوا بذلك التعظيم و التكريم ، و اشتغلوا بالتكاليف الشداد ، و المحن الغلاظ ، و العبادات الشاقة ، و المجاهدات التّامة ٢ .

« إليهم يفي‏ء الغالي ، و بهم يلحق التّالي » حيث إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله جعلهم في الحديث المتواتر عدل الكتاب ، و السالك سبيلهم سالك سبيل الصواب ، فقال للناس : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه و عترتي ، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٣ .

« و لهم خصائص حقّ الولاية » على النّاس في محكم الآيات و مبرم الروايات ، و قضيّة العقول و الدّرايات ، قال تعالى : إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٤ .

و قال الرّسول صلى اللّه عليه و آله لمجتمع الامة بإجماعهم : « أولست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى . قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه » ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد للمفيد : ١٢٩ في ذيل حديث .

( ٢ ) ينابيع المودة للقندوزي : ١٥٥ عن فضائل بني هاشم للجاحظ .

( ٣ ) هذا حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة أخرجه جمع كثير ، منهم : مسلم في صحيحه ٤ : ١٨٧٣ ، ١٨٧٤ ح ٣٦ ، ٣٧ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٦٦٢ ، ٦٦٣ ح ٣٧٨٦ ، ٣٧٨٨ ، و صاحب مسند زيد فيه : ٤٠٤ ، و صاحب صحيفة الرضا فيها : ٥٩ ح ٨٣ .

( ٤ ) المائدة : ٥٥ .

( ٥ ) هذا حديث الغدير من الأحاديث المتواترة أخرجه جمع كثير من المصنفين عن مائة و عشرين من أصحاب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فيما أعلم ، منهم ابن عساكر ، أخرجه بطرق كثيرة في ترجمة عليّ عليه السّلام ٣ : ٥ ٩٠ ح ٥٠٣ ٥٩٣ .

٥٨٨

و قال عبد اللّه بن جعفر كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) لمّا أرسل معاوية إلى العباد له في بيعة ابنه يزيد : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة أخذ فيها بالقرآن . . . فأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه . . . ١ و إنّ أخذ فيها بسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فإنّ رسول اللّه أولى ، و أيم اللّه لو ولّوه بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه لحقّه و صدقه ، و لاطيع الرّحمن ، و عصي الشيطان ، و ما اختلف في الأمّة سفيان ٢ .

و في ( عرائس الثعلبي ) في بابه الخامس روى يزيد الرّقاشي عن أنس بن مالك قال : صلّى بنا النّبيّ صلى اللّه عليه و آله صلاة الفجر ، فلمّا انفتل من الصلاة أقبل علينا بوجهه الكريم ، فقال : يا معاشر المسلمين من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر ، و من افتقد القمر فليستمسك بالزّهرة ، و من افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين . فقيل : يا رسول اللّه و ما الشمس و ما القمر و ما الزّهرة و ما الفرقدان ؟ فقال : أنا الشمس ، و عليّ القمر ، و فاطمة الزهرة ، و الحسن و الحسين الفرقدان في كتاب اللّه تعالى لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ٣ .

« و فيهم الوصية » كونه عليه السّلام وصيّ النّبي صلى اللّه عليه و آله من المتواترات ، و قد نقل ابن أبي الحديد عن ( جمل أبي مخنف ) أشعارا متضمّنة لكونه عليه السّلام وصيّه صلى اللّه عليه و آله عن عبد اللّه بن أبي سفيان الهاشمي ، و ابن التّيهان ، و عمر بن حارثة الأنصاري ، و رجل أزدي ، و غلام ضبي من عسكر عائشة ، و عن سعد بن قيس الهمداني ، و زياد بن لبيد الأنصاري ، و حجر بن عدي الكندي ، و خزيمة بن ثابت الأنصاري ، و ابن بديل الخزاعي ، و عمرو بن أحيحة ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٧٥ .

( ٢ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٧٣ ، و النقل بتصرف .

( ٣ ) العرائس للثعلبي : ٩ .

٥٨٩

و زجر بن قيس الجعفي ١ .

و نقل عن ( صفين نصر بن مزاحم ) أيضا أشعارا متضمّنة لكونه عليه السّلام وصيّه صلى اللّه عليه و آله عن الأشعث بن قيس ، و زحر بن قيس ، و جرير بن عبد اللّه البجلي ،

و عبد الرّحمن بن ذؤيب الأسلمي ، و المغيرة بن الحارث المطلبي ، و ابن عباس ،

و قال : إنّها بعض ما قيل في هذين الحربين ، فأمّا ما عداهما فإنّه يجلّ عن الحصر ٢ .

قلت : و مما قيل في صفّين قول النّضر بن عجلان الأنصاري :

كيف التفرّق و الوصيّ إمامنا

لا كيف إلاّ حيرة و تخاذلا

أيضا :

و ذروا معاوية الغويّ و تابعوا

دين الوصيّ تصادفوه عاجلا

و من شواهده قول أمّ سنان المذحجية من وافدات معاوية :

أمّا هلكت أبا الحسين فلم تزل

بالحقّ تعرف هاديا مهديا

فاذهب عليك صلاة ربّك ما دعت

فوق الغصون حمامة قمريّا

قد كنت بعد محمّد خلفا كما

أوصى إليك بنا فكنت وفيّا

و ممّا قيل في الطف كما في ( الطبري ) قول الحجّاج بن مسروق مؤذّن الحسين عليه السّلام :

اليوم تلقى جدّك النبيّا

ثمّ أباك ذا الندى عليّا

ذاك الذي نعرفه وصيّا

٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٤٧ عن جمل أبي مخنف .

( ٢ ) نقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٤٩ عن صفين نصر ، و في وقعة صفين نقل أشعار الأشع : ٢٣ ، ٢٤ ، و أشعار جرير و عبد الرحمن و المغيرة بالترتيب في : ٤٨ ، ٣٨٢ ، ٣٨٥ ، لكن ما روى عن زحر بن قيس فيه : ١٨ مروي عن جرير ، و ما روى عن النعمان فيه : ٣٦٥ مروي عن النضر بن عجلان الأنصاري ، و ما روى عن عبد اللّه بن عباس فيه : ٤١٦ مروي عن الفضل بن عباس ، و بين ألفاظ الأصل و رواية ابن أبي الحديد اختلاف كثير .

( ٣ ) نقله بهذا اللفظ عن الطبري ابن شهر آشوب في مناقبه ٤ : ١٠٣ ، و هو في تاريخ الطبري ٤ : ٣٣٦ سنة ٦١ بغير هذا اللفظ .

٥٩٠

و يشهد له أيضا كما في ( الطبري ) قول الحسين عليه السّلام في مناشداته يوم الطف : ألست ابن بنت نبيّكم صلى اللّه عليه و آله و ابن وصيّه ؟ ١ .

و روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) كما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن أنس : قلنا لسلمان الفارسي : سل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله من وصيّه ؟ فسأل سلمان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فقال : من كان وصيّ موسى ؟ فقال : يوشع بن نون . قال : إنّ وصيّي و وارثي و منجز و عدي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ٢ .

و قد قال الفضل بن العبّاس و قد رووه من طرقهم :

و كان وليّ الأمر بعد محمّد

عليّ و في كلّ المواطن صاحبه

وصيّ رسول اللّه حقّا و صهره

و أوّل من صلّى و ما ذمّ جانبه

٣ و قال الباقر عليه السّلام : إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة اللّه بن آدم ،

و ما من نبيّ مضي إلاّ و له وصيّ ، و إنّ عليّا عليه السّلام كان هبة اللّه لمحمّد ، و وارث علم الأوصياء و علم من كان قبله ٤ .

قال ابن أبي الحديد بعد نقله الأبيات الّتي قيلت في الجمل و في صفّين في كونه عليه السّلام وصيّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا ريب عندنا أنّ عليّا عليه السّلام كان وصيّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله و إن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد ، و لسنا نعني بالوصيّة النّصّ على الخلافة ، و لكنّ امورا اخرى لعلّها إذا لمحت أشرف و أجلّ ٥ .

قلت : فإن أراد بالخلافة مجرّد السلطنة الدّنيوية و هو المفهوم من كلام

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٢ سنة ٦١ ضمن خطبة .

( ٢ ) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٤٣ .

( ٣ ) مناقب ابن شهر آشوب : ٥٢ .

( ٤ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٢٢٤ ح ٢ ، و النقل بتقطيع ، و رواه عن الباقر عليه السّلام عن النّبي صلى اللّه عليه و آله .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ ، و لكنه قبل نقل الأبيات لا بعده .

٥٩١

فاروقهم لمّا أراد بيعة صاحبه صدّيقهم في قوله له : « رضيك النّبي لديننا في تقديمك للصلاة بنا فكيف لا نرضاك لدنيانا » فجعل الخلافة سلطنة دنيويّة ،

و دون إمامة الجماعة الذين قالوا هم : « صلّ خلف كلّ برّ و فاجر » فأي فضل لشيخيهم ، فالسّلاطين في الدّنيا كثيرة ؟ و إن أراد الخلافة الإلهية ، فكيف تستلزم الوصاية الأشرف و الأجلّ منها دونها ، و الخلافة لازم الوصاية ، و لا يمكن انفكاك اللازم من الملزوم ؟

و ما يفعل بما اتّفقوا على روايته أنّه لمّا نزل : و أنذر عشيرتك الأقربين ١ جمع بني عبد المطّلب و كانوا أربعين ، و قال لهم : أيّكم يوازرني على هذا الأمر يكن أخي و وصيّي و وزيري و وارثي و خليفتي بعدي . فلم يجبه أحد منهم ، فقام عليّ عليه السّلام و هو أصغرهم يومئذ سنّا فقال : أنا أوازرك يا رسول اللّه . فقال له : اجلس فأنت أخي و وصيّي و وزيري و وارثي و خليفتي من بعدي ٢ .

و زاد الجزري في ( تاريخه ) : قال عليّ عليه السّلام : فأخذ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله برقبتي ، ثمّ قال : إنّ هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوا . فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع ٣ .

فجمع صلى اللّه عليه و آله بين الوصاية و لازمها و هو الخلافة .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٢ ) أخرجه أحمد في مسنده ١ : ١١١ ، و النسائي في الخصائص : ٨٦ ، و الطبري بطريقين في تاريخه ٢ : ٦٢ ، ٦٣ ، و ابن إسحاق في المغازي و البزار في مسنده ، و البيهقي و أبو نعيم كلاهما في الدلائل عنهم الكاف الشاف ٣ : ٣٤٠ ، و سعيد بن منصور في سننه ، و الطحاوي و الضياء في المختارة عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٤٢ ، ٤٣ ، و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عنهما الدر المنثور ٥ : ٩٧ ، و ابن عساكر بستّ طرق في ترجمة عليّ عليه السّلام ١ : ٩٧ ١٠٤ ح ١٣٣ ١٤٠ ، و الحسكاني بطريقين في شواهد التنزيل ١ : ٣٧١ ح ٥١٤ ، و : ٤٢٠ ح ٥٨٠ .

( ٣ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٦٣ .

٥٩٢

ثمّ لو لم تكن الوصاية مستلزمة للخلافة ، لم أنكرتها عايشة مع تواترها ؟ و لذا يقول الأزدي من أصحابه عليه السّلام كما في ( جمل أبي مخنف ) لعايشة و قد نقله ابن أبي الحديد نفسه :

أعايش خلّي عن عليّ و عيبه

بما ليس فيه إنّما أنت والده

وصيّ رسول اللّه من دون أهله

و أنت على ما كان من ذاك شاهده

١ و قد قال أيضا على نقله :

هذا عليّ و هو الوصي

آخاه يوم النّجوة النّبيّ

و قال هذا بعدي الوليّ

وعاه واع و نسى الشقيّ

٢ و روى مسلم و البخاري أنّه ذكر عند عائشة أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى عليّ قالت : و متى أوصى ، و من يقول ذلك ؟ قيل : إنّهم يقولون . قالت : من يقوله ؟

لقد دعا بطست ليبول و أنّه بين سحري و نحري ، فمات و ما شعرت ٣ .

ادّعت لإنكار وصايته أنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله مات مكشوف العورة ، ثمّ يقال لها :

موته بين سحرك و نحرك في وقت بوله ، أيّ ملازمة بينه و بين عدم وصايته إليه ؟ فإنّه صلى اللّه عليه و آله جعله وصيّه و خليفته أوّل بعثته ، كما عرفت في ما مرّ ، و بعده إلى حين وفاته ، حسبما دلّ عليه آثار أخر ، قبل تلك الساعة التي ادّعيت أنت في موته حين بوله بين سحرك و نحرك .

و لو لم تكن الوصاية مستلزمة للخلافة ، كيف أنكرها شرحبيل و ابن أبي أوفى ؟

روى الجوهري في ( سقيفته ) : أنّ طلحة بن مصرف قال لشرحبيل : إنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٨ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٨ .

( ٣ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ١٢٥ ، و ٣ : ٩٥ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٧ ح ١٩ و غيرهما ، مرّ نقله في العنوان ٢ من هذا الفصل .

٥٩٣

الناس يقولون : إنّ النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى عليّ . فقال : أبو بكر يتأمّر على وصيّ رسول اللّه ١ .

و روى مسلم و البخاري : أنّ طلحة بن مصرف قال لابن أبي أوفي : هل أوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ؟ قال : لا . قال : فكيف أمر المسلمين بالوصيّة و لم يوص ؟ قال : أوصى بكتاب اللّه . و قال طلحة بن مصرف : قال الهزيل بن شرحبيل : أبو بكر كان يتأمّر على وصيّ رسول اللّه ٢ .

و قول ابن أبي الحديد : « و إن خالف في ذلك من هو منسوب إلى العناد » إن أراد به شرحبيل و ابن أبي أوفى المتقدّمين فلعلّهما أنكراه لا عنادا ، بل لكون التفرقة بين الملزوم و اللازم خلاف العقل . نعم ، أمّ مؤمنيهم أنكرته عنادا أيضا له عليه السّلام ، فمع خروجها عليه عليه السّلام جرأة على اللّه و رسوله كانت لا تستطيع أن تذكر اسم أمير المؤمنين عليه السّلام بغضا ، كما صرّح به ابن عبّاس ٣ ، و لمّا بلغها بيعة الناس له عليه السّلام تمنّت سقوط السماء على الأرض ٤ ، و لمّا بلغها قتله عليه السّلام سجدت فرحا و مدحت قاتله ٥ ، مع تواتر قول النّبيّ صلى اللّه عليه و آله فيه عليه السّلام : « اللهمّ وال من والاه و عاد من عاداه » ٦ ، و لازمه كونها عدوّة اللّه .

ثمّ إذا لم يكن المراد من الوصاية الخلافة ، فأيّ معنى لكونه وصيّه ؟

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السقيفة للجوهري : ٤٩ و غيره .

( ٢ ) حديث ابن أبي أوفي أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ١٢٥ ، و ٣ : ٩٥ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٦ ح ١٦ ، ١٧ و غيرهما ، لكن مع هذا الذيل أخرجه ابن ماجه في سننه ٢ : ٩٠٠ ح ٢٦٩٦ ، و الدارمي في سننه ٢ : ٤٠٣ و غيرهم .

( ٣ ) رواه البخاري بطرق في صحيحه ١ : ٤٩ ، ١٢٢ ، ١٢٦ ، و ٢ : ٩١ ، و ٣ : ٩٢ ، و ٤ : ١٢ ، و مسلم بطرق في صحيحه ١ : ٣١١ ، ٣١٢ ح ٩٠ ٩٢ و غيرهما .

( ٤ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٥٢ و تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٠ .

( ٥ ) روى سجودها أبو الفرج في المقاتل : ٢٧ ، و روى مدح قاتله هو في المصدر : ٢٦ ، و الطبري في تاريخه ٤ : ١١٥ سنة ٤٠ .

( ٦ ) هذا ذيل بعض ألفاظ حديث الغدير مرّ تخريجه في شرح فقرة « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

٥٩٤

فإن قيل : إنّه كان وصيّا في أمواله .

قلنا : إنّ صدّيقهم قال : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ،

ما تركناه صدقة » ١ فلم يكن له مال حتّى يكون وصيّا في ماله .

قال الكراجكي : و من عجيب أمرهم أنّهم إذا طرقتهم الحجج الجليّة في أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله لم يمض من الدّنيا إلاّ عن وصيّة ، و أنّه أوصى إلى أمير المؤمنين عليه السّلام دون سائرهم ، و سمعوا بمدح أمير المؤمنين عليه السّلام بذلك في كلامه و حجاجه لخصومه ، و ذكره له في خطبة على منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، و احتجاج أهل بيته و شيعته من الأنصار بذلك في فضله ، و ما نظمته فيه الشعراء و سارت الرّكبان فيه . قالوا عند ذلك : لسنا نجحد أن عليًّا عليه السّلام وصيّ الرّسول صلى اللّه عليه و آله ، و لا ننكر ما قد اشتهر من شهادة القوم بوصيّته ، و لكن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله إنّما أوصى إليه بما كان له في يده يتملّكه و يحويه ، و لم يوص إليه بأمر الأمّة كلّها ، و لا تعدّت وصيّته إليه أمور تركته و أهله إلى غيرها . ثمّ يدّعون بعد ذلك أنّ جميع ما خلّفه صدقة ، و أنّه لا يورّث كما يورّث من سواه . فليت شعري ، بماذا أوصى إذا كان جميع ما خلّفه صدقة ، و لم يكن أوصى بحفظ الشريعة و القيام بأمر الأمة ؟ فإنّ هذا ممّا يتحيّر فيه ذوو البصيرة ٢ و كيف لا يكون وصيّه خليفته و هو بمنزلته ؟

روى نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) و هو منهم و الخطيب الناصبي في ( تاريخ بغداده ) عن عقيصا قال : كنّا مع عليّ عليه السّلام في مسيره إلى الشام ، حتّى إذا كنّا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش النّاس و احتاجوا إلى الماء ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ٢ : ١٨٥ ، ٣٠١ ، و ٣ : ١٧ ، ٥٥ و ٤ : ١٦٤ ، و مسلم بثلاث طرق في صحيحه ٣ : ١٣٨٠ ، ١٣٨١ ح ٥٢ ٥٤ ، و أبو داود بثلاث طرق في سننه ٣ : ١٤٢ ح ٢٩٦٨ ٢٩٧٠ و غيرهم عن أبي بكر ، و في الباب عن عمر و عثمان و طلحة و الزبير و عائشة و عبد الرحمن و سعد و أبي هريرة و غيرهم .

( ٢ ) قاله الكراجكي في رسالة التعجب : ٤ و النقل بتقطيع .

٥٩٥

فانطلق بنا عليّ عليه السّلام حتّى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض كأنّها ربضة عنز ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء فشرب الناس منه وارتووا ، ثمّ أمرنا فأكفأناها عليه و سار الناس حتّى إذا مضينا قليلا ، قال عليّ عليه السّلام : أفيكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين . قال :

فانطلقوا إليه فانطلق منّا رجال ركبانا و مشاة فاقتصنا الطريق حتّى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنّه فيه ، فطلبناه فلم نقدر على شي‏ء ، حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منّا فسألناهم أين الماء الذي هو عندكم ؟ قالوا : ما قربنا ماء . قلنا : بلى ، إنّا شربنا منه . قالوا : أنتم شربتم منه ؟ قلنا : نعم . قال صاحب الدير : ما بني هذا الدير إلاّ بذلك الماء ، و ما استخرجه إلاّ نبيّ ، و أو وصيّ نبيّ ١ .

و روى بسنده قوي عن جويرية : أنّه عليه السّلام لمّا رجع من النهروان و وصل إلى بابل قال : إنّ هذه أرض ملعونة قد عذّبت في الدّهر ثلاث مرّات ، و لا يحلّ النبيّ و لا وصيّ نبيّ أن يصلّي بها ٢ .

و روى ابن مردويه و هو من حفّاظهم عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله أنّه قال : إنّ اللّه تعالى اختار من كلّ أمّة نبيّا و اختار لكلّ نبيّ وصيّا ، فأنا نبيّ هذه الأمّة ، و عليّ وصيّي في عترتي و أهل بيتي و امّتي من بعدي ٣ .

و روى ابن المغازلي الشافعي عن النّبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : انتهت الدعوة إليّ و إلى عليّ لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ ، فاتّخذني اللّه نبيّا و اتّخذ عليّا وصيّا ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين لابن مزاحم : ١٤٤ ، و تاريخ بغداد للخطيب ١٢ : ٣٠٥ .

( ٢ ) رواه شرف الدين في كنز جامع الفوائد عنه الفتن من البحار : ٥٧٣ مسندا ، و الصدوق في الفقيه ١ : ١٣٠ ح ١٢ مجردا ، و النقل بتقطيع .

( ٣ ) أخرجه ابن مردويه في مناقبه عنه الطرائف ١ : ٢٥ ، و الخوارزمي عن طريق ابن مردويه في مناقبه : ٨٩ في ذيل حديث .

( ٤ ) أخرجه ابن المغازلي في مناقبه : ٢٧٦ في ذيل الحديث ٣٢٢ .

٥٩٦

و حيث إنّ المراد من ( الدعوة ) في الخبر دعاء إبراهيم عليه السّلام في قوله :

و من ذريّتي قال لا ينال عهدي الظالمين ١ فلازمه عدم صحّة خلافة شيخيهم اللذّين شاخا في عبادة الأصنام .

و روى ابن أبي الحديد نفسه في موضع من كتابه عن طرقهم أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : كنت أنا و عليّ نورا بين يدي اللّه عزّ و جلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك فيه و جعله جزأين ، فجزء أنا ،

و جزء عليّ ، ثمّ انتقلنا حتّى صرنا في عبد المطلّب فكانت لي النّبوّة و لعليّ الوصيّة ٢ .

و قال ابن عبد ربّه في ( عقده ) بعد ذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام .

و قال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي : و بهذا الحديث سمّت الشيعة عليّا عليه السّلام الوصي ، و تأوّلوا فيه أنّه استخلفه على أمّته إذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى ، لأنّ هارون كان خليفة موسى على قومه إذا غاب عنهم .

و قال السيّد الحميري :

إنّي أدين بما دان الوصيّ به

و شاركت كفّه كفّي بصفّينا

٣ و لمّا بعث أمير المؤمنين عليه السّلام ابن عبّاس لمحاجّة الخوارج قالوا له كما في ( المسترشد ) و غيره : نقمنا على صاحبك خصالا كلّها موبقة إلى أن قال : قال عليه السّلام لهم : و أمّا قولكم : إنّي كنت وصيّا فضيّعت الوصيّة ، فأنتم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٢٤ .

( ٢ ) هذا حديث سلمان نقله ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٣٤٠ ح ١٤ عن فردوس الديلمي بتمامه و عن مسند أحمد و فضائله بحذف ذيله ، أما مسند أحمد فلم يوجد فيه ، و أما الكتابان فروى عنهما تذكرة الخواص : ٤٦ ، و ينابيع المودة : ١٠ ، و في الباب عن علي عليه السّلام و أبي ذر و جابر و أبي هريرة و عثمان .

( ٣ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ٥٨ .

٥٩٧

كفرتم و قدّمتم عليّ غيري ، و أزلتم الأمر عنّي ، و لم أك أنا كفرت بكم ، و ليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم ، و إنّما يدعو الأنبياء إلى أنفسهم ، و الوصي مدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه ، و قد قال تعالى : . . . و للّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا . . . ١ لو ترك الناس الحجّ لم يكن البيت ليكفر لأنّ اللّه تعالى قد نصّبه لهم علما ، و كذلك نصبّني علما ، حيث قال : يا عليّ أنت بمنزلة الكعبة يؤتي اليها ، و لا تأتي ٢ .

« و الوراثة » لمّا حجّ هارون الرشيد و نزل المدينة اجتمع إليه بنو هاشم و بقايا المهاجرين و الأنصار ، فقال لهم هارون : قوموا بنا إلى زيارة النّبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ نهض معتمدا على يد الكاظم عليه السّلام حتّى انتهى إلى القبر ، فقال : السّلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك يا ابن عمّ . افتخارا له على القبائل الّذين حضربوا معه ، و استطالة عليهم بالنّسب ، فنزع عليه السّلام يده من يده ثمّ تقدّم فقال : السّلام عليك يا رسول اللّه ، السلام عليك يا أبه . فتغيّر لون الرشيد ، ثمّ قال : إنّ هذا لهو الفخر الجسيم ٣ .

و قال المنصور للصادق عليه السّلام : زعم أوغاد الشام و أوباش العراق أنّك حبر الدّهر و ناموسه ، و حجّة المعبود ، و ترجمانه ، و عيبة علمه ، و ميزان قسطه ، و مصباحه الذي يقطع به الطالب عرضة الظلمة إلى فضاء النور ، و أنّ اللّه لا يقبل من عامل جهل حقّك في الدّنيا عملا ، و لا يرفع له يوم القيامة وزنا ، فنسبوك إلى غير جدّك ، و قالوا فيك ما ليس فيك . فقل ، فإنّ أوّل من قال الحقّ لجدّك ، و أوّل من صدّقه عليه أبوك ، فأنت حريّ بأن تقتص آثارهما ، و تسلك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٩٧ .

( ٢ ) المسترشد : ٨٦ ٨٨ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ٢٩٧ ، و كامل الزيارات لابن قولويه : ١٨ ح ٧ ، و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٥٠ و غيرها ، و النقل بالمعنى .

٥٩٨

سبيلهما . فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : أنا فرع من فروع الزّيتونة ، و قنديل من قناديل بيت النّبوّة ، و سليل الرسالة ، و أديب السّفرة ، و ربيب الكرام البررة ، و مصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ، و صفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر . . . ١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) قال الحسين عليه السّلام لمعاوية لمّا دعاه إلى البيعة لابنه يزيد في جملة كلامه عليه السّلام له : و منعتنا عن آبائنا تراثا ، و لقد لعمر اللّه أورثنا الرّسول صلى اللّه عليه و آله ولادة إلى أن قال : فنظر معاوية إلى ابن عبّاس فقال : ما هذايا بن عباس ، و لما عندك أدهى و أمرّ ؟ فقال ابن عبّاس : لعمر اللّه ، إنّها لذرّية الرّسول ، و أحد أصحاب الكساء ، و في البيت المطهّر ٢ .

« الآن إذ رجع الحقّ إلى أهله و نقل إلى منتقله » قال ابن أبي الحديد : يبعد عندي أن تكون مقولة عقيب انصرافه عليه السّلام من صفّين ، لأنّه انصرف عنها و قتئذ مضطرب الأمر منتشر الحبل بواقعة التحكيم و مكيدة ابن العاص ، و ما تمّ لمعاوية عليه من الاستظهار ، و ما شاهد في عسكره من الخذلان ، و هذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال ، و أخلق بها أن تكون قيلت في ابتداء بيعته قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة ، و أنّ الرّضي نقل ما وجد و حكى ما سمع ، و الغلط من غيره ٣ .

قلت : يتمّ ما قال لو كان قوله عليه السّلام : « الآن » إشارة إلى حين الرّجوع من صفّين ، و من أين ذلك ؟ و الظاهر كونه ظرفا لفعل مقدّر يقتضيه المقام كما في قوله تعالى : . . . الآن و قد عصيت قبل . . . ٤ . و لم يذكر الرّضي رحمه اللّه صدر الكلام

ـــــــــــــــــ

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ١٠ : ٢١٦ ح ١٨ عن كتاب الاستدراك .

( ٢ ) الامامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٨٦ ، ١٨٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٧ .

( ٤ ) يونس : ٩١ .

٥٩٩

حيث قال « منها » حتّى يتّضح المرام .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد أيضا قوله عليه السّلام : « إذ رجع الحقّ إلى أهله » يقتضي أن يكون فيها قبل : في غير أهله .

و نقول : إنّه عليه السّلام كان أولى لا على وجه النّصّ ، بل الأفضلية ، لكنّه ترك حقّه لما علمه من المصلحة ، و ما تفرّس فيه هو و المسلمون من اضطراب الإسلام ، و انتشار الكلمة لحسد العرب له و ضغنهم عليه ١ .

قلت : ما قاله مغالطة ، فإنّ الاضطراب إنّما كان من قبل المتقدّمين عليه و أتباعهم ، فلو كان لك حقّ و منعك منه جمع عدوانا و بغيا و حسدا و سكتّ اضطرارا ، هل يكون ذلك دليلا على صواب المانعين ؟ بل كان تقدّم أولئك سببا لانقلاب العرب و ارتدادهم ، حيث رأوا الأمر في غير أهله .

قال الحطيئة :

أطعنا رسول اللّه ما كان حاضرا

فوا لهفتا ما بال دين أبي بكر

أ يورثها بكرا إذا مات بعده

فتلك و بيت اللّه قاصمة الظّهر

و لقد ردّت عليهم سيّدة نساء العالمين لما قالوا : إنّهم بادروا بإقامة أبي بكر خوف الفتنة بقولها : « . . . ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين » ٢ .

و أيّ فتنة كانت أفتن من فتنة عملهم من أخذ الحقّ من أهله ، و نارها مشتعلة إلى يوم القيامة ، و دخانها مظلم إلى يوم لا تنفع النّدامة ؟ و كيف لا ،

و أحضروا النّار لإحراق أهل بيت العصمة ؟ و لو كانوا أقرّوا الحقّ في أهله لخضعت له العرب و اعترفت.

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) بلاغات النساء للبغدادي : ٢٥ ضمن خطبة لها عليهما السّلام ، و الآية ٤٩ من سورة التوبة .

٦٠٠