بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110277 / تحميل: 5675
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثاني

الشيخ محمد تقي التّستري

١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثاني

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الثاني

تتمة الفصل الرابع في خلق آدم

٣

من الخطبة ( ١٩٠ ) و من خطبة له عليه السّلام تسمى القاصعة ، و هي تتضمّن ذمّ إبليس على استكباره ، و تركه السّجود لآدم ، و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحميّة ، و تحذير النّاس من سلوك طريقته : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَبِسَ اَلْعِزَّ وَ اَلْكِبْرِيَاءَ وَ اِخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُمَا حِمًى وَ حَرَماً عَلَى غَيْرِهِ وَ اِصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ وَ جَعَلَ اَللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ اِخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلاَئِكَتَهُ اَلْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ اَلْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُيُوبِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ . فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ . فَسَجَدَ اَلْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ

٤

أَجْمَعُونَ إِلاَّ ؟ إِبْلِيسَ ٣٨ : ٧١ ٧٤ ١ اِعْتَرَضَتْهُ اَلْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى ؟ آدَمَ ؟

بِخَلْقِهِ وَ تَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ فَعَدُوُّ اَللَّهِ إِمَامُ اَلْمُتَعَصِّبِينَ وَ سَلَفُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ اَلَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ نَازَعَ اَللَّهَ رِدَاءَ اَلْجَبَرِيَّةِ وَ اِدَّرَعَ لِبَاسَ اَلتَّعَزُّزِ وَ خَلَعَ قِنَاعَ اَلتَّذَلُّلِ أَ لاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اَللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي اَلدُّنْيَا مَدْحُوراً وَ أَعَدَّ لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ سَعِيراً .

وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ ؟ آدَمَ ؟ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ اَلْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ وَ يَبْهَرُ اَلْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَ طِيبٍ يَأْخُذُ اَلْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ اَلْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً وَ لَخَفَّتِ اَلْبَلْوَى فِيهِ عَلَى اَلْمَلاَئِكَةِ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ اَبْتَلَي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْيِيزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْياً لِلاِسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ وَ إِبْعَاداً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ أقول : قد عرفت في المقدّمة ٢ أنّ هذه الخطبة من ثماني خطب اختلفت نسخنا مع نسخة ابن أبي الحديد في موضعها .

قول المصنف : « و من خطبة له عليه السّلام تسمّى القاصعة » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ : و من خطبة له عليه السّلام ، و من النّاس من يسمّي هذه الخطبة بالقاصعة .

قال ابن ميثم : نقل في سبب هذه الخطبة أنّ أهل الكوفة كانوا في آخر خلافته عليه السّلام قد فسدوا ، و كانوا قبائل متعدّدة ، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته ، فيمرّ بمنازل قبيلة أخرى فيقع به أدنى مكروه ، فيستعدي قبيلته ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) ص : ٧١ ٧٤ .

( ٢ ) مرّ في مقدّمة المؤلف .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٢ ، نحو المصرية .

٥

و ينادي باسمها ، مثلاً يا للنّخع أو يا لكندة نداء عالياً يقصد به الفتنة و إثارة الشرّ ، فيتألّب عليه فتيان القبيلة التي قد مرّ بها ، و ينادون يا لتميم و يا لربيعة ،

فيضربونه فيمرّ إلى قبيلته ، و يستصرخ بها و تسلّ بينهم السيوف ، و تثور الفتنة ، و لا يكون لها أصل في الحقيقة ، و لا سبب يعرف إلاّ تعرّض الفتيان بعضهم ببعض ، و كثر ذلك منهم ، فخرج عليه السّلام إليهم على ناقة فخطبهم هذه الخطبة ١ .

ثم قال : و قد ذكر الشّارحون في تسمية هذه الخطبة القاصعة وجوهاً :

أحدها و هو أقربها أنّه عليه السّلام كان يخطبها على ناقته ، و هي تقصع بجرّتها ، فجاز أن يقال : إنّ هذه الحال لما نقلت عنه في اسناد هذه الخطبة نسبت الخطبة إلى الناقة القاصعة ، فقيل : خطبة القاصعة ثم كثر استعمالها ، فجعلت من صفات الخطبة نفسها ، أو لأنّ الخطبة عرفت بهذه الصفة لملازمة قصع الناقة لانشائها ، و العرب تسمّي الشي‏ء باسم لازمه ٢ .

قلت : قال الجزريّ في ( نهايته ) في الحديث « خطبهم على راحلته و أنّها لتقصع بجرّتها » أراد شدّة المضغ و ضمّ بعض الأسنان على البعض ، و قيل :

قصع الجرّة : خروجها من الجوف إلى الشّدق ، و متابعة بعضها بعضاً ، و إنّما تفعل النّاقة ذلك إذا كانت مطمئنة و إذا خافت شيئاً لم تخرجها ، و أصله من تقصيع اليربوع ، و هو : إخراجه تراب قاصعائه و هو : جحره ٣ ، و يمكن أن يكون وجه التّسمية كون القاصعة من : قصع العطشان غلّته بالماء ، إذا سكّنها أو من : قصع الغلام قصعاً : ضربه ببسط كفّه على رأسه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٣ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٤ .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٤ : ٧٢ مادة ( قصع ) .

٦

« و هي تتضمّن ذمّ إبليس على استكباره و تركه السّجود لأدم عليه السّلام » قال تعالى : . . . فسجدوا إلاّ إبليس أبى و استكبر و كان من الكافرين ١ .

« و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحمية » في ( الأمالي ) عن النبي صلى اللّه عليه و آله من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من عصبية ، بعثه اللّه تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ٢ .

و في ( عقاب الأعمال ) عنه صلى اللّه عليه و آله : من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ٣ .

عن الصادق عليه السّلام : من تعصّب عمّمه اللّه بعمامة من نار ٤ .

و قال تعالى : إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية . . . ٥ .

« و تحذير الناس من سلوك طريقته » يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّيطان و من يتّبع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء و المنكر . . . ٦ .

« الحمد للّه الذي لبس العزّ و الكبرياء » . . . فإنّ العزّة للّه جميعاً ٧ .

« و اختارهما لنفسه دون خلقه » في آخر الجاثية : و له الكبرياء في السّماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم ٨ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٤ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٨٦ ح ١٢ المجلس ٨٨ ، و عقاب الأعمال : ٢٦٤ ح ٥ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٣ .

( ٣ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٢ عن النبي صلى اللّه عليه و آله ، و الكافي للكليني أيضاً ٢ : ٣٠٧ ح ١ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٢ عن الصادق عليه السّلام .

( ٤ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٣ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٤ ، و لفظهما : « عصبه اللّه بعصابة من نار » .

( ٥ ) الفتح : ٢٦ .

( ٦ ) النور : ٢١ .

( ٧ ) النساء : ١٣٩ .

( ٨ ) الجاثية : ٣٧ .

٧

« و جعلهما حمى » أي : محظوراً على غيره لا يقر بهما أحد .

« و حرماً » أي : حراماً .

« على غيره » حتّى ملائكته و أنبيائه .

« و اصطفاهما » أي : اختارهما .

« لجلاله » أي : عظمته .

« و جعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده » روى الصدوق عن الباقر عليه السّلام قال : العزّ رداء اللّه و الكبرياء إزاره ، فمن تناول شيئاً منه كبّه اللّه في جهنّم ١ .

« ثمّ اختبر » أي : امتحن .

« بذلك ملائكته المقرّبين » في منزلتهم عنده .

« ليميز » بالتّخفيف و التّشديد .

« المتواضعين منهم من المستكبرين » و لقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين ٢ .

« فقال سبحانه » أي : اللّه المنزّه عن النّقائص .

« و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب » جملة معترضة بين ( فقال ) و مقوله . . . إنّي خالق بشراً من طين ٣ لدفع توهم أنّ اختباره ليس لعدم عرفانه مثلنا في اختباراتنا لغيرنا ، بل ليظهر حاله على الآخرين من نوعه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٤ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ٣ ، ٤ عن الباقر عليه السّلام ، و صحيح مسلم ٤ : ٢٠٢٣ ح ١٣٦ ، و سنن ابن ماجه بطريقين ٢ : ١٣٩٧ ح ٤١٧٤ و ٤١٧٥ ، و مسند أحمد بأربع طرق ٢ : ٣٧٦ و ٤١٤ و ٤٢٧ و ٤٤٢ ، و المجازات النبوية للشريف الرضي : ٤٤٠ ح ٣٥٨ ، و جمع آخر عن النبي صلى اللّه عليه و آله و في الباب عن علي و الصادق و الكاظم عليهم السّلام .

( ٢ ) العنكبوت : ٣ .

( ٣ ) ص : ٧١ .

٨

يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ١ . . . ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون ٢ .

« . . إنّي خالق بشراً من طين . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . » ٣ باللفظ الذي ذكره عليه السّلام في سورة ( ص ) ، و أمّا في سورة الحجر فهكذا . . . إنّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون . فاذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . ٤ .

و في ( تفسير القمي ) مسنداً : سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّا ندب اللّه الخلق إليه أدخل فيه الضّلالة ؟ قال : نعم و الكافرون دخلوا فيه لأنّ اللّه تعالى أمر الملائكة بالسّجود لآدم ، فدخل في أمره الملائكة و إبليس ، فإنّ إبليس كان مع الملائكة في السّماء يعبد اللّه ، و كانت الملائكة تظنّ أنّه منهم ، و لم يكن منهم ، فلمّا أمر اللّه الملائكة بالسّجود لأدم اخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد ، فعلم الملائكة عند ذلك أنّ إبليس لم يكن منهم ، فقيل له : فكيف و قع الأمر على إبليس و إنّما أمر اللّه الملائكة بالسّجود لأدم ؟ فقال : كان إبليس منهم بالولاء ، و لم يكن من جنس الملائكة ، و ذلك أنّ اللّه تعالى خلق خلقاً قبل آدم ، و كان إبليس فيهم حاكماً في الأرض ، فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدّماء ، فبعث اللّه الملائكة ، فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السّماء ، و كان مع الملائكة يعبد اللّه إلى أن خلق اللّه آدم عليه السّلام ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) غافر : ١٩ .

( ٢ ) البقرة : ٣٣ .

( ٣ ) ص : ٧١ ٧٤ .

( ٤ ) الحجر : ٢٨ ٣١ .

( ٥ ) تفسير القمي ١ : ٣٥ .

٩

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام : أنّ اللّه تعالى أراد أن يخلق خلقاً بيده ، و ذلك بعد ما مضى من الجنّ و النّسناس في الأرض سبعة آلاف سنة . و كان من شأن خلق آدم أن كشط عن أطباق السماوات و قال للملائكة : انظروا إلى الأرض من خلقي من الجنّ و النّسناس فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي و سفك الدماء و الفساد في الأرض بغير الحق ، عظم ذلك عليهم و غضبوا و تأسفوا على أهل الأرض و لم يملكوا غضبهم . قالوا : ربّنا إنّك أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن ، و هذا خلقك الضعيف الذليل يتقلّبون في قبضتك و يعيشون برزقك و يتمتّعون بعافيتك ، و هم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام ، لا تأسف عليهم و لا تغضب و لا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم و ترى ،

و قد عظم ذلك علينا و أكبرناه فيك . قال : فلمّا سمع ذلك من الملائكة قال :

إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ١ يكون حجّة لي في الأرض على خلقي .

فقالت الملائكة : سبحانك . . . أتجعل فيها من يفسد فيها . . . ٢ كما أفسد بنو الجانّ ، و يسفكون الدّماء كما سفك بنو الجانّ ، و يتحاسدون و يتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منّا فإنّا لا نتحاسد و لا نتباغض ، و لا نسفك الدّماء و . . . نسبّح بحمدك و نقدّس لك . . . ٣ قال تعالى : إنّي أعلم ما لا تعلمون ٤ إنّي أريد أن أخلق خلقاً بيدي ، و أجعل من ذرّيّته أنبياء و مرسلين ، و عباداً صالحين أئمّة مهتدين ، و أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي ، و ينذرونهم من عذابي ، و يهدونهم إلى طاعتي ، و يسلكون بهم طريق سبيلي ، و أجعلهم لي عليهم حجّة عليهم ، و أبيد النّسناس من أرضي و أطهّرها منهم ، و أنقل مردة الجن العصاة من بريتي و خلقي و خيرتي و أسكنهم في الهواء في أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي و اجعل بين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٠ .

( ٢ ) البقرة : ٣٠ .

( ٣ ) البقرة : ٣٠ .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

١٠

الجن و بين خلقي حجاباً ، فلا يرى نسل خلقي الجن ، و لا يجالسونهم ، و لا يخالطونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم و أسكنهم مساكن العصاة أوردتهم مواردهم و لا أبالي قال : فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت . . . لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ١ . . . فقال اللّه تعالى ( للملائكة ) : . . . إنّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ٢ .

قال : و كان ذلك من اللّه تعالى في آدم قبل أن يخلقه ، و احتجاجاً منه عليهم . . . فخلق اللّه آدم عليه السّلام ، فبقي أربعين سنة مصوّراً ، فكان يمرّ به إبليس اللّعين فيقول : لأمر ما خلقت . فقال العالم عليه السّلام ، فقال إبليس : لئن أمرني اللّه بالسجود لهذا لأعصينّه قال : ثمّ نفخ فيه ، فلمّا بلغت الرّوح إلى دماغه عطس عطسة جنس منها فقال : الحمد للّه . فقال اللّه تعالى : يرحمك اللّه . قال الصادق عليه السّلام : فسبقت له من اللّه الرحمة . ثمّ قال تعالى للملائكة : اسجدوا لأدم .

فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد ٣ .

« اعترضته الحميّة » أي : الأنفة .

« فافتخر على آدم بخلقه و تعصّب عليه لأصله » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم ، و كان في علم اللّه أنّه ليس منهم ، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة و الغضب ، فقال : . . . خلقتني من نار و خلقته من طين ٤ .

« فعدوّ اللّه إمام المتعصّبين و سلف المستكبرين » و في ( تفسير القمي ) : أوّل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٢ .

( ٢ ) الحجر : ٢٨ ٢٩ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٣٦ ، و روى حديث علي عليه السّلام أيضاً علل الشرائع للصدوق : ١٠٤ ح ١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٦ ، و تفسير العياشي ٢ : ٩ ح ٥ ، و الآية ( ١٢ ) من سورة الأعراف ، و ( ٧٦ ) من ( ص ) .

١١

من قاس إبليس و استكبر ، و الاستكبار هو أوّل معصية عصي اللّه بها ١ .

« الّذي وضع أساس العصبية » عن الصادق عليه السّلام من تعصّب عصبه اللّه بعمامة من نار ٢ .

« و نازع اللّه رداء الجبريّة » الّذي مختص به تعالى ، و الجبرية الكبر و العظمة ، في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : الكبر قد يكون في شرار الناس من كلّ جنس ، و الكبر رداء اللّه فمن نازع اللّه تعالى رداءه لم يزده اللّه تعالى إلاّ سفالا ، إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم مرّ في بعض طرق المدينة ، و سوداء تلقط السرقين ، فقيل لها :

تنحي عن طريق النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت : إنّ الطريق لمعرض . فهمّ بها بعض القوم أن يتناولها . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : دعوها فإنّها جبّارة ٣ .

و عنه عليه السّلام : إذا خلق اللّه العبد في أصل الخلقة كافراً لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ فيقرب منه ، فابتلاه بالكبر و الجبريّة ، فقسا قلبه و ساء خلقه ، و غلظ وجهه و ظهر فحشه ، و قلّ حياؤه ، و كشف اللّه ستره ، و ركب المحارم ، فلم ينزع عنها ، ثمّ ركب معاصي اللّه و أبغض طاعته ، و وثب على الناس لا يشبع من الخصومات ، فاسألوا اللّه العافية و اطلبوها منه ٤ .

و عنه عليه السّلام : أدنى الإلحاد الكبر ٥ .

« و أدّرع » أي : جعل درعاً له .

« لباس التعزّز » فحسب نفسه عزيزاً .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤٢ في صدر حديث ، و مضمون : « أول من قاس إبليس » كثير الرواية .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٤ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٣ ، و لفظهما « بعصابة من نار » و مرّ نقله في أوائل هذا العنوان .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ٢ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٣٠ ح ٢ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ١ ، و معاني الأخبار للصدوق : ٣٩٤ ح ٤٧ .

١٢

« و خلع قناع التذلّل » للّه تعالى عن رأسه و نسي أنّه عبد للّه ، و في ( الصحاح ) : القناع أوسع من المقنعة . قال عنترة :

إن تغد في دوني القناع فإنّني

طبّ بأخذ الفارس المستلئم

١ « ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره » قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصاغرين ٢ .

« و وضعه اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و وضعه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ و لأنّه لا وجه لتكرار لفظ الجلالة .

« بترفعه » أي : ادعائه الرفعة .

« فجعله في الدّنيا مدحوراً » أي : مطروداً مبعداً ، قال تعالى : . . . اخرج منها مذؤوماً مدحوراً . . . ٤ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما من عبد إلاّ و في رأسه حكمة ، و ملك يمسكها ، فإذا تكبّر قال له : اتضع وضعك اللّه . فلا يزال أعظم الناس في نفسه و أصغر الناس في أعين الناس . . . ٥ .

« و أعدّ له في الآخرة سعيراً » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : إنّ في جهنّم لوادياً للمتكبّرين يقال له سقر ، فشكا إلى اللّه شدّة حرّه ، و سأله أن يأذن له أن يتنفّس . فتنفّس فأحرق جهنّم ٦ .

و عنه عليه السّلام : إنّ المتكبّرين يجعلون في صور الذّر يتوطّأهم الناس حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٧٣ مادة ( قنع ) .

( ٢ ) الأعراف : ١٣ .

( ٣ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٥ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٣ « وضعه اللّه » أيضاً .

( ٤ ) الأعراف : ١٨ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٢ ح ١٦ ، و ثواب الأعمال للصدوق : ٢١١ ح ١ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٨٢ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٠ ح ١٠ ، و المحاسن للبرقي : ١٢٣ ح ١٣٨ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٥ ح ٧ .

١٣

يفرغ اللّه من الحساب ١ .

« و لو أراد اللّه » هكذا في ( المصرية ) و في ( ابن ميثم ) ٢ : « و لو أراد سبحانه » ، و في ( ابن أبي الحديد و الخطيّة ) ٣ : « و لو أراد اللّه سبحانه » .

« أن يخلق آدم من نور يخطف » أي : يستلب .

« الأبصار ضياؤه ، و يبهر » أي : يغلب .

« العقول » بالنصب .

« رواؤه » بالضم ، أي : منظره .

« و طيب يأخذ الأنفاس عرفه » بالفتح ، أي : ريحه .

« لفعل » جواب ( و لو أراد ) .

« ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة » الجملة مأخوذة من قوله تعالى : إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ٤ .

« و لخفّت البلوى » أي : الابتلاء و الامتحان .

« فيه على الملائكة ، و لكنّ اللّه سبحانه ابتلى خلقه » حتّى الملائكة و الأنبياء .

« ببعض ما يجهلون أصله » كما امتحن الملائكة بخلق آدم ٥ ، و امتحن موسى عليه السّلام بأعمال الخضر ٦ .

« تمييزاً » لمؤمنهم عن كافرهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١١ ح ١١ ، و المحاسن للبرقي : ١٢٣ ح ١٣٧ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٥ ح ٨ و ١٠ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٨٢ .

( ٢ ) لفظ ابن ميثم في شرحه ٤ : ٢٣٣ مثل المصرية أيضاً .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٦ .

( ٤ ) الشعراء : ٤ .

( ٥ ) البقرة : ٣٠ ٣٤ .

( ٦ ) الكهف : ٦٠ ٨٢ .

١٤

« بالاختبار لهم » كما تميّز إبليس من الملائكة .

« و نفياً للاستكبار عنهم » في ( تفسير القمّي ) : قال إبليس : يا ربّ اعفني من السجود لأدم ، و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل . قال اللّه تعالى : لا حاجة لي إلى عبادتك ، إنّما أريد أن أعبد من حيث أُريد ، لا من حيث تريد . فأبى أن يسجد . فقال اللّه تعالى : . . . فاخرج منها فإنّك رجيم . و إنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين ١ .

« و إبعاداً للخيلاء » بالضمّ و الكسر ، أي : الكبر .

« عنهم » .

٤

من الخطبة ( ١٩٠ ) وَ لاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى اِبْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اَللَّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ اَلْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ اَلْحَسَدِ وَ قَدَحَتِ اَلْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ اَلْغَضَبِ وَ نَفَخَ اَلشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ اَلْكِبْرِ اَلَّذِي أَعْقَبَهُ اَللَّهُ بِهِ اَلنَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ اَلْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ .

أقول : نقلناه هنا ، و إن كان بفصل ذمائهم الصفات ألصق ، لأنّه تضمّن حكم ابنيّ آدم فجعلناه كالتتميم للفصل .

« و لا تكونوا كالمتكبّر » و الأصل : كالأخ المتكبر ، و المراد قابيل .

« على ابن أُمّه » و المراد هابيل ، قال معقل بن عيسى لأخيه أبي دلف في عتب عتبه عليه :

أخي ما لك مجبولاً على تِرتي

كأنّ أجسادنا لم تغذ من جسد

قال ابن أبي الحديد : نهاهم أن يكونوا كقابيل الّذي حسد أخاه هابيل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤٢ ، و الآية ٧٧ ٧٨ من سورة ( ص ) .

١٥

فقتله ، و هما أخوان لأب و أُمّ ، و إنّما قال عليه السّلام « ابن أُمّه » فذكر الأُم دون الأب ، لأنّ الأخوين من الأُمّ أشدّ حنواً و محبّة و التصاقاً من الأخوين من الأب ١ ، و تبعه الخوئي ٢ ، و قال ابن ميثم : قال الثعلبي : إنّما أضافه إلى الأُمّ دون الأب لأنّ الولد في الحقيقة من الأمّ ، أي : الولد بالفعل . فإنّ النطفة في الحقيقة ليست ولداً بل جزء مادي ٣ .

قلت : الصواب هنا أن يقال : نكتة تعبيره عليه السّلام بابن الأُمّ أنّ الأخوين من الأب قد يتكبّر أحدهما على الآخر بأُمّه إذا كانت اُمّه حرّة و أمّ أخيه أمّة ، أو أُمّه شريفة و أُمّ أخيه و ضيعة ، و أمّا إذا كانا من أُمّ واحدة و الفرض وحدة أبيهما فتكبّره عليه كالتكبّر على نفسه ، فيكون حاله حال من قال :

أتيه على إنس البلاد و جنّها

و لو لم أجد خلقاً لتهت على نفسي

أتيه فلا أردي من التّيه من أنا

سوى ما يقول الناس فيّ و في جنسي

فان صدقوا أنّي من الإنس مثلهم

فما فيّ عيب غير أنّي من الإنس

و إنّما قالوا في قوله تعالى حكاية عن هارون لموسى : . . . يابن أُمّ لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي . . . ٤ : نكتة التعبير بابن أُمّ لكونه أشد حنواً ، كما أنّ النكتة في شكايته عليه السّلام من قريش في قوله عليه السّلام : « و سلبوني سلطان ابن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣١ .

( ٢ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٤٤ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٥٨ .

( ٤ ) طه : ٩٤ .

١٦

أُمّي » ١ أحقيّته عليه السّلام بمقامه صلى اللّه عليه و آله من كلّ أحد حتّى عمّه العبّاس ، لأنّ الميراث يكون للأخ للأب و الأمّ دون الأخ للأب فقط ، و كان أبوه عليه السّلام و أبو النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم من أمّ واحدة دون العبّاس .

و أمّا ما قاله ابن ميثم ففي غاية السقوط ، فإنّ من الواضحات شرعا و عرفا كون الولد في الانسان مال الأب ، و كون الامّ و عاء ، حتّى إنّ تعالى قال :

و على المولود له رزقهنّ . . . ٢ ، و إنّما في الحيوان الولد تابع للامّ لأنّه في الحقيقة منها ، و النطفة جزء مادّي ، و أيضا لو كان ما ذكره صحيحا للزم أن يكون : إذا ولد رجلان من امرأة واحدة و أبو أحدهما ملك الملوك ، و أبو الآخر عبد العبيد ، عدم صحّة تفاخر الأوّل على الثاني بأبيه ، و أمّا ما قاله ابن أبي الحديد فتخليط .

« من غير ما فضل » أي : من غير فضل ، و ( ما ) لتأكيد الكلام ، مثل ( ما ) في فبما رحمة من اللّه . . . ٣ .

و في قول الشاعر :

أ علاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثغام المخلس

٤ و في قوله :

و ننصر مولانا و نعلم أنّه

كما الناس مجروم عليه و جارم

٥ « جعله اللّه فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد » بمعنى : أنّ المتكبّر على ابن أمّه إذا كان لفضل فيه دون ابن أمّه يقبل و يعقل ، و أمّا بدونه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ٦١ ، الكتاب ٣٦ ضمن كتاب علي عليه السّلام إلى أخيه عقيل .

( ٢ ) البقرة : ٢٣٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٥٩ .

( ٤ ) شرح شواهد المغني ٢ : ٧٢٢ ، و الشاعر : المرار الفقعسي .

( ٥ ) شواهد المغني ١ : ٥٠٠ ، و الشاعر : عمرو بن براقة الهمداني .

١٧

سوى مجرّد الحسد فسفه ، و لا سيّما إذا كان أخوه أفضل ، كما في ابني آدم .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : أصول الكفر ثلاثة : الحرص و الاستكبار و الحسد . فامّا الحرص فإنّ آدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها . و أمّا الاستكبار ، فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى . و أمّا الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه ١ .

« و قدحت » من : قدحت النار ، إذا أو قدتها .

« الحميّة في قلبه من نار الغضب » في ( الخصال ) عن الصادق عليه السّلام : الغضب مفتاح كلّ شرّ ٢ .

و عنه : قال الحواريون لعيسى : يا معلّم الخير أعلمنا أيّ الأشياء أشدّ ؟

قال : أشدّ الأشياء غضب اللّه تعالى . قالوا : فبم يتّقى غضب اللّه ؟ قال : بأن لا تغضبوا . قالوا : و ما بدء الغضب ؟ قال : الكبر و التجبّر و محقرة النّاس ٣ .

« و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر » الكلام استعارة ، و يمكن أن يكون حقيقة ، و نظيره ما عن الصادق عليه السّلام : أنّ العبد يوقظ ثلاث مرّات من اللّيل ، فان لم يقم أتاه الشيطان ، فبال في أذنه ٤ .

و كيف كان ، قال عليه السّلام هذه الكلمة هنا عموما ، و قالها في طلحة خصوصا ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٨٩ ح ١ ، و الخصال للصدوق : ٩٠ ح ٢٨ ، و أماليه : ٣٤١ ح ٧ ، المجلس ٦٥ ، و روى صدره الفتال في الروضة ٢ : ٣٨١ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٧ ح ٢٢ باب الواحد ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٣ ح ٣ ، و الزهد للأهوازي : ٢٧ ح ٦١ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٧٩ ، و الورام في التنبيه ١ : ١٢٢ ، و الشعيري في جامع الأخبار : ١٦٠ .

( ٣ ) الخصال للصدوق : ٦ ح ١٧ باب الواحد ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٧٩ ، و المجلسي عن كتاب الغايات في بحار الأنوار ٧٣ : ٢٦٣ ح ٥ .

( ٤ ) أخرجه البرقي بطريقين في المحاسن : ٨٦ ح ٢٤ و ٢٥ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٢١ ، عن الصادق عليه السّلام ، و أخرجه البرقي في المحاسن : ٨٦ ح ٢٤ ، و الفتال بطريقين في الروضة ٢ : ٣٢١ عن الباقر عليه السّلام ، و في الباب طرق كثيرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و النقل بالمعنى .

١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فرووا أنّه عليه السّلام وقف على طلحة يوم الجمل و هو صريع ، و قال له في كلام :

« و لكن الشيطان نفخ في أنفه » ١ .

« الّذي » وصف للمتكبّر على ابن أمّه ، أي : قابيل .

« أعقبه اللّه به الندامة و ألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة » إشارة إلى قوله تعالى في قابيل و هابيل : و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما و لم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين .

لئن بسطت إليّ يدك التقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين . إنّي أريد أن تبوء بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار و ذلك جزاء الظالمين . فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ٢ .

و قلنا : إنّ المراد بابني آدم في الآية هابيل و قابيل ، و لكن روى الطبري عن الحسن البصري قال : كان الرجلان اللّذان في القرآن و قال اللّه تعالى فيهما و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق . . . ٣ من بني إسرائيل و لم يكونا ابني آدم لصلبه ، و إنّما كان القربان في بني إسرائيل و كان آدم أوّل من مات .

ثمّ ردّه الطبري بما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال : ما من نفس تقتل ظلماإلاّ كان عن ابن آدم الأول كفل منها ، و ذلك لأنّه أوّل من سنّ القتل ٤ .

قلت : و أوضح منه في ردّه قوله تعالى بعد ما مرّ فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ١٦٣ ، بلفظ « لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار » ، و روى المفيد في الجمل : ٢٠٩ ، نحوه في الزبير .

( ٢ ) المائدة : ٢٧ ٣٠ .

( ٣ ) المائدة : ٢٧ .

( ٤ ) و رواه الطبري في تاريخه ١ : ٩٦ ٩٧ ، اما حديث الحسن فأخرجه أيضا عبد بن حميد في مستنده عنه الدرّ المنثور ٢ : ٢٧٣ ، و اما الحديث النبوي فأخرجه عدّة جمع بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور ٢ : ٢٧٦ .

١٩

هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ١ فلو كانا من بني اسرائيل لم يحتج القاتل إلى أن يرى غرابا ، لأنّ الدفن في الأرض كان أمرا شائعا من أوّل الدّنيا ، و أمّا الخبر فحيث لم يكن قطعيّ السّند ، يمكن الخصم ردّه .

و لعل الحسن توهمه من قوله تعالى بعد : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعا . . . ٢ إلاّ أنّه كما ترى .

و نقل الطبري في سبب قتل قابيل لهابيل أقوالا ، منها : أنّه لم تكن التوأمة محرّمة ، فقرّب قابيل و هابيل قرباناً أيّهما أحقّ بتوأمة قابيل التي كانت أحسن من توأمة هابيل ، و روى في ذلك خبرا عن السّدي عن جمع ، و منها : أنّ السبب كان مجرّد قبول فدية هابيل دونه ، و روى عن عبد اللّه بن عمر قال : إنّ ابني آدم اللّذين قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما و لم يتقبّل من الآخر ٣ كان أحدهما صاحب حرث ، و الآخر صاحب غنم ، و أنّهم أمرا أن يقرّبا قرباناً ، و أنّ صاحب الغنم قرّب أكرم غنمه و أسمنها و أحسنها طيبة بها نفسه ، و أنّ صاحب الحرث قرّب شرّ حرثه الكوذر و الزوان غير طيبة بها نفسه ، و أنّ اللّه تعالى تقبّل قربان صاحب الغنم ، و لم يتقبّل قربان صاحب الحرث . و روى عن ابن عبّاس قال :

كان من شأنهما أنّه لم يكن مسكين يتصدّق عليه ، و إنّما كان القربان يقرّبه الرجل فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا : لو قرّبنا قربانا . و كان الرجل إذا قرّب قربانا فرضيه تعالى أرسل إليه نارا فأكلته ، و إن لم يكن رضيه اللّه خبت النار ، فقرّبا قربانا ، و كان أحدهما راعيا و الآخر حرّاثا . . . فنزلت فأكلت الشاة و تركت الزرع ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٣١ .

( ٢ ) المائدة : ٣٢ .

( ٣ ) المائدة : ٢٧ .

٢٠

و ان ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس و قد علموا أنّك قرّبت قربانا فتقبّل منك ، و ردّ عليّ قرباني ، فلا و اللّه لا ينظر الناس إليّ و إليك و أنت خير منّي ، فقال :

لأقتلنّك . فقال له أخوه : ما ذنبي إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين ١ .

قلت : الصواب القول الأخير ، و في ( عرائس الثعلبي ) بعد ذكر تزويج قابيل و هابيل من رواياتهم و قال معاوية بن عمّار : سألت جعفرا الصادق أ كان آدم زوّج ابنته من ابنه ؟ فقال : معاذ اللّه لو فعل ذلك آدم لما رغب عنه النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لا كان دين آدم إلاّ دين نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم . . . فلمّا أدرك قابيل أظهر اللّه تعالى جنّية من الجنّ يقال لها : عمالة في صورة إنسية ، و خلق لها رحما ،

و أوحى اللّه إلى آدم أن زوّجها من قابيل . فزوّجها منه ، فلمّا أدرك هابيل أهبط اللّه إلى آدم حوراء في صورة إنسية ، و خلق لها رحما ، و كان اسمها تركة ، فلمّا نظر إليها هابيل و رمقها ، أوحى اللّه إلى آدم أن زوّجها من هابيل ففعل . فقال قابيل : يا أبت ألست أكبر من أخي و أحقّ بما فعلت به منه ؟ فقال : يا بني إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء ٢ . فقال : لا و لكنّك آثرته عليّ بهواك . فقال له :

إن كنت تريد أن تعلم ذلك فقرّبا قربانا فأيّكما يقبل قربانه فهو أولى بها من صاحبه . . . ٣ و روى ( توحيد الصدوق ) عن الاصبغ عن أمير المؤمنين عليه السّلام : لمّا قال على المنبر في أوّل خلافته : سلوني قبل أن تفقدوني ، قام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية و لم ينزل عليهم كتاب ، و لم يبعث إليهم نبي ؟ قال : بلى يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٩٢ ٩٦ ، و الآية ٢٧ من سورة المائدة .

( ٢ ) الحديد : ٢٩

( ٣ ) العرائس للثعالبي : ٤٤ .

٢١

إليهم رسولا ، حتّى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها ، فلمّا أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه ، فقالوا : أيّها الملك دنّست علينا ديننا و أهلكته فاخرج نطهّرك و نقم عليك الحدّ . فقال لهم : اجتمعوا و اسمعوا كلامي فان يكن لي مخرج ممّا ارتكبت و إلاّ فشأنكم . فاجتمعوا فقال لهم : هل علمتم أنّ اللّه تعالى لم يخلق خلقاً أكرم عليه من أبينا آدم و أمّنا حوّاء ؟

قالوا : صدقت أيّها الملك . قال : أفليس قد زوّج بنيه من بناته ، و بناته من بنيه ؟

قالوا : صدقت هذا هو الدين . فتعاقدوا على ذلك ، فمحا اللّه ما في صدورهم من العلم ، و رفع عنهم الكتاب ، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب ، و المنافقون أشدّ حالا منهم . فقال الأشعث : و اللّه ما سمعت بمثل هذا الجواب ، و اللّه لا عدت إلى مثلها أبدا ١ .

و روى ( تفسير العيّاشي ) عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك ، إنّ الناس يزعمون أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه ؟ فقال : أما علمت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال : لو علمت أنّ آدم زوّج ابنته من ابنه لزوّجت زينب من القاسم ، و ما كنت لأرغب عن دين آدم . فقلت : إنّهم يزعمون أنّ قابيل إنّما قتل هابيل لأنّهما تغايرا على أختهما ؟ فقال : أما تستحيي أن تروي هذا على نبيّ اللّه آدم ؟ فقلت : ففيم قتل قابيل هابيل ؟ قال : في الوصية أنّ اللّه أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية و اسم اللّه الأعظم إلى هابيل ، و كان قابيل أكبر منه ، فغضب فقال :

أنا أولى بالوصية . فأمرهما أن يقرّبا قربانا ففعلا ، فقبل اللّه قربان هابيل فحسده قابيل ، فقتله . فقلت : فممن تناسل ولد آدم هل كانت أنثى غير حواء ،

و هل كان ذكر غير آدم عليه السّلام ؟ فقال : لمّا أدرك قابيل أظهر اللّه له جنيّة و أوحى إلى آدم أن يزوّجها من قابيل ، ففعل ذلك آدم و رضى بها قابيل ، فلمّا أدرك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التوحيد للصدوق : ٣٠٦ ح ١ .

٢٢

هابيل أظهر اللّه له حوراء و أوحى إلى آدم أن يزوّجها من هابيل ، فقتل هابيل و الحوراء حاملة ، فولدت غلاما فسمّاه آدم هبة اللّه ، فأوحى إلى آدم أن ادفع الوصية و اسم اللّه الأعظم ، و ولدت حواء غلاما فسمّاه آدم شيثا ، فلمّا أدرك أهبط تعالى له حوراء و أوحى إلى آدم أن يزوّجها من شيث ، فولدت جارية فسمّاها آدم حورة ، فلمّا أدركت زوّج آدم بنت شيث من هبة اللّه بن هابيل ،

فنسل آدم منهما ، فمات هبة اللّه ، فأوحى إلى آدم أن ادفع الوصية و اسم اللّه الأعظم إلى شيث ١ .

و في ( الفقيه ) روى زرارة عن الصادق عليه السّلام : أنّ آدم ولد له شيث و أنّ اسمه هبة اللّه ، و هو أوّل وصي أوصي إليه من الآدميّين في الأرض ، ثمّ ولد له بعد شيث يافث ، فلمّا أدركا أراد اللّه تعالى أن يبلغ بالنّسل ما ترون ، و أن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرّم اللّه عز و جل من الأخوات على الإخوة ،

أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر اللّه عزّ و جلّ آدم أن يزوّجها من شيث فزوّجها منه ، ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة و اسمها منزلة ، فأمر اللّه عزّ و جلّ آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه فولد لشيث غلام ، و ولدت ليافث جارية ، فأمر اللّه تعالى آدم حين أدركا أن يزوّج ابنة يافث من ابن شيث ، ففعل ، فولد الصفوة من النّبيين و المرسلين من نسلهما ، و معاذ اللّه أن يكون ذلك على ما قالوا من الإخوة و الأخوات ٢ .

و روى القاسم بن عروة عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السّلام قال : إنّ اللّه تعالى أنزل على آدم حوراء من الجنّة فزوّجها أحد ابنيه ، و تزوّج الآخر ابنة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير العياشي ١ : ٣١٢ ح ٨٣ و النقل بالتلخيص .

( ٢ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٢٤٠ ح ٤ ، و قد مرّ في آخر العنوان ١ : من هذا الفصل .

٢٣

الجان ، فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء ، و ما كان فيهم من سواء خلق فهو من ابنة الجان ١ هذا ، و روى المسعودي في ( إثباته ) خطبة عن أمير المؤمنين عليه السّلام في محالّ نور النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و في تلك الخطبة : « فأيّ بشر كان مثل آدم في ما سبقت به الأخبار ، و عرّفتنا كتبك في عطاياك ، أسجدت له ملائكتك ، و عرّفته ما حجبت عنهم من علمك إذ تناهت به قدرتك ، و تمّت فيه مشيئتك ، دعاك بما أكننت فيه ، فأجبته إجابة القبول » . . . ٢

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفقيه للصدوق ٣ : ٢٤٠ ح ٥ .

( ٢ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠٦ .

٢٤

٢٥

الفصل الخامس في النبوّة العامّة

٢٦

٢٧

١

من الخطبة ( ١ ) وَ اِصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى اَلْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَ عَلَى تَبْلِيغِ اَلرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اَللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَ اِتَّخَذُوا اَلْأَنْدَادَ مَعَهُ وَ اِجْتَالَتْهُمُ اَلشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَ اِقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ اَلْعُقُولِ وَ يُرُوهُمْ اَلْآيَاتِ اَلْمُقَدِّرَةَ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَ مِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَ مَعَائِشَ تُحْيِيهِمْ وَ آجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَ أَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَ أَحْدَاثٍ تَتَتَابَعُ عَلَيْهِمْ .

وَ لَمْ يُخْلِ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ رُسُلٌ لاَ تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَ لاَ كَثْرَةُ اَلْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ .

٢٨

« و اصطفى » أي : اختار .

« سبحانه » أي : المنزّه من كلّ نقص .

« من ولده » أي : من ولد آدم .

« انبياء أخذ على الوحي ميثاقهم » في ( إثبات المسعودي ) : أوحى اللّه تعالى إلى آدم بعد قتل قابيل لهابيل : إنّي أهب لك مكانه غلاما اجعله خليفتك ،

و وارث علمك . فولد له شيث و هو هبة اللّه ، فأوحى اللّه إليه أن سمّه في اليوم السابع . فجرت سنة . فلمّا شبّ و كبر ، أوحى اللّه تعالى إليه أنّي متوفّيك و رافعك إلىّ يوم كذا و كذا ، فأوص إلى خير ولدك ( هبة اللّه ) و سلّم إليه الاسم الأعظم ،

و اجعل العلم في تابوت ، و سلّمه إليه ، فإنّي آليت ألاّ أخلي أرضي من عالم أجعله حجّة لي على خلقي . فجمع آدم ولده الرجال و النساء ، ثمّ قال : يا ولدي إنّ اللّه تعالى أوحى إليّ أنّه رافعي إليه ، و أمرني أن أوصي إلى خير ولدي هبة اللّه فإنّ اللّه قد اختاره لي و لكم من بعدي ، فاسمعوا له و أطيعوا أمره ، فإنّه وصيي و خليفتي . فقالوا : سمعنا و أطعنا . فأمر بتابوت فعمل ، و جعل فيه العلم و الأسماء و الوصية ، ثمّ دفعه إلى هبة اللّه ، و قال له : انظر يا هبة اللّه ، فإذا أنا متّ فغسّلني و كفّني و صلّ عليّ ، و أدخلني حفرتي في تابوت تتّخذه لي ، فإذا حضرت و فاتك ، و أحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك ، فإنّ اللّه لا يدع الخلق بغير حجّة عالم منّا أهل البيت ، و قد جعلتك حجّة اللّه على خلقه ، فلا تخرج من الدّنيا حتى تدع للّه حجّة و وصيّا من بعدك على خلقه ، و تسلّم إليه التابوت و ما فيه كما سلّمته إليك ، و أعلمه أنّه سيكون نبيّ و اسمه نوح .

و مضى هبة اللّه و استخلف ريسان و عدّ بعده قينان ، ثمّ الحيلث ، ثمّ غنيمشا ، ثمّ إدريس و قال : هو هرمس و هو أخنوخ ، بأمر اللّه تعالى ، و جمع اللّه له علم المضامين ، و زاده ثلاثين صحيفة

٢٩

ثمّ عدّ بعده : بردا ، ثمّ اخنوخ ، ثمّ متوشلخ ، ثمّ لمك ، ثمّ نوح ، ثمّ سام ، ثمّ ارفخشد ، ثمّ شالح ، ثمّ هود ، ثمّ فالغ ، ثمّ يروغ ، ثمّ نوشا ، ثمّ صاروغ ، ثمّ تاجور ،

ثمّ تارخ ، ثمّ إبراهيم ، ثمّ إسماعيل ، ثمّ إسحاق ، ثمّ يعقوب ، ثمّ يوسف ، ثمّ ببرز بن لاوي ، ثمّ أحرب ، ثمّ ميتاح ، ثمّ عاق ، ثمّ خيام ، ثمّ مادوم ، ثمّ شعيب ، ثمّ موسى ، ثمّ يوشع بن نون ، ثمّ فينحاس ، ثمّ بشير ، ثمّ جبرئيل ، ثمّ أبلث ، ثمّ أحمر ، ثمّ محتان ، ثمّ عوق ، ثمّ طالوت ، ثمّ داود ، ثمّ سليمان ، ثمّ آصف بن برخيا ، ثمّ صفورا ، ثمّ منبه ، ثمّ هندوا ، ثمّ أسفر ، ثمّ رامن ، ثمّ إسحاق ، ثمّ ايم ، ثمّ زكريا ، ثمّ اليسابغ ، ثمّ روبيل ، ثمّ عيسى ، ثمّ شمعون ، ثمّ يحيى ، ثمّ منذر بن شمعون ، ثمّ دانيال ، ثمّ مكيخال بن دانيال ، ثمّ انشوا ، ثمّ رشيخا ، ثمّ نسطورس ، ثمّ مرعيد ، ثمّ بحيرا ، ثمّ منذر ، ثمّ سلمة ، ثمّ برزة ، ثمّ ابي ، ثمّ دوس ،

ثمّ اسيد ، ثمّ هوف ، ثمّ يحيى ، ثمّ نبيّنا ، ثمّ خاتم الأنبياء صلّي اللّه عليه و عليهم أجمعين ١ .

« و على تبليغ الرسالة أمانتهم » قال تعالى : ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم . . . ٢ .

« لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللّه » إظهارا لجلاله مع كون المقام مقام الإضمار كقول السلطان : السلطان يأمرك بكذا .

« إليهم » قال الخوئي : يعني عهده المأخوذ عليهم في الذّر ، كما في آية و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهور هم ذرّيّتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم . . . ٣ ، و الأخبار المتواترة ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إثبات الوصيّة : ١٣ ٧٦ ، و النقل بتقطيع كثير .

( ٢ ) الجن : ٢٨ .

( ٣ ) شرح الخوئي ١ : ١٨٢ ، و النقل بالمعنى ، و الآية ٧٢ من سورة الأعراف .

( ٤ ) أخرجه عدّة كثير جمع بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور ٣ : ١٤١ ١٤٥ ، و المجلسي في بحار الأنوار ٥ : ٢٢٥ الباب ١٠ يبلغ الطرق عندي إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ( ٤٨ ) طريقا و إلى الأئمة ( ٣٩ ) طريقا و إلى الصحابة و التابعين ( ٥٧ ) طريقا ، و سيجي‏ء أقوال العلماء فيها في هذا العنوان .

٣٠

قلت : بل الظاهر أنّ المراد عهده المأخوذ عليهم بتوسط رسله في الظاهر ، كما في آية ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألاّ تعبدوا الشيطان . . . ١ ، قال تعالى : و لقد ضل قبلهم أكثر الأوّلين . و لقد أرسلنا فيهم منذرين ٢ ،

و همّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق . . . ٣ .

« فجهلوا حقّه » و ما قدروا اللّه حقّ قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السماوات مطويات بيمينه . . . ٤ .

« و اتّخذوا الأنداد » أي : الأمثال .

« معه » ، قل أإنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين و تجعلون له أندادا . . . ٥ .

« و اجتالتهم الشّياطين عن معرفته » قال الجزري : أي استخفتهم فجالوا معهم في الضّلال . يقال : جال و اجتال ، إذا ذهب و جاء ، و منه الجولان في الحرب ، و اجتال الشّي‏ء : إذا ذهب به وساقه ، و الجائل الزائل عن مكانه ، و روي بالحاء المهملة ، أي : نقلتهم من حال إلى حال ٦ .

و قال ابن أبي الحديد : اجتال فلان فلانا ، و اجتاله عن كذا و على كذا ، أي :

أداره عليه ، كأنّه يصرفه تارة هكذا ، و تارة هكذا ، يحسن له فعله ، و يغريه به .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يس : ٦٠ .

( ٢ ) الصافات : ٧١ ٧٢ .

( ٣ ) غافر : ٥ .

( ٤ ) الزمر : ٦٧ .

( ٥ ) فصّلت : ٩ .

( ٦ ) هذا تلفيق كلام ابن الأثير في النهاية ١ : ٣٧١ مادة ( جول ) ، و فيه ١ : ٤٦٣ مادة ( حول ) .

٣١

و قال الراوندي : اجتالتهم : عدلت بهم ، و ليس بشي‏ء ١ .

قلت : بل قوله ليس بشي‏ء ، لعدم ذكره في لغة ، و قول الرّاوندي صحيح ،

ففي ( القاموس ) : اجتالهم : حوّلهم عن قصدهم ٢ .

« و اقتطعتهم » أي : قطعتهم ، و التعبير بالاقتطاع للدّلالة على أنّ قطعه لهم كان موافق هواهم .

« عن عبادته » و طاعته .

« فبعث فيهم رسله » قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي : بعث يونس قبل نوح . قال : و هذا خلاف إجماع المفسّرين ٣ .

قلت : لم أقف فيه على ما قاله .

« و واتر إليهم أنبياءه » قال ابن أبي الحديد : أي بعثهم ، و بين كلّ نبيين عليهم السّلام فترة ٤ . و قال : و هذا ممّا تغلط فيه العامّة ، فتظنّه كما ظنّ الراوندي أنّ المراد به المرادفة و المتابعة ٥ .

قلت : أيّ شي‏ء أنكر من قول الرّاوندي من أنّ المراد من الجملة : المرادفة و المتابعة ، و قد قال تعالى : ثمّ أرسلنا رسلنا تترى كلّما جاء أمّة رسولها كذّبوه فأتبعنا بعضهم بعضا . . . ٦ و قد كان أنبياؤه تعالى لم يكن لهم انقطاع ،

كلّما مضى سلف منهم ، قام بأمر اللّه تعالى خلف ، كما تواتر به الخبر ٧ ، و قد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٢ ) القاموس المحيط ٣ : ٣٥٢ مادة ( جول ) .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

( ٦ ) المؤمنون : ٤٤ .

( ٧ ) الأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، جمع بعض طرقه المجلسي في بحار الأنوار ٢٣ : الباب ١ ، و ٢٣ : ٥٧ الباب ٢ .

٣٢

قال عليه السّلام ، كما يأتي بعد : « و لم يخل سبحانه خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل » ١ .

و إنّ ابن أبي الحديد ( صحاح ) الجوهري قبلته ، يتّبعه في كلّ غثّ و سمين ، و قد قال : « و المواترة : المتابعة » ٢ و إنّما قال بعد « و لا تكون المواترة بين الأشياء إلاّ إذا وقعت بينها فترة ، و إلاّ فهي مداركة و مواصلة » ٣ مع أنّ ما ذكره أخيرا لم يعلم صحته ، فيكفي في صداق المواترة عدم كون بعثهم معا ،

و إن كان الآخر متّصلا بالأوّل ، لعدم جواز إبقائه الأرض بغير حجّة .

قال الجزري : إنّ في الحديث : ( ألف جمعهم و أوتر بين ميرهم ) ، أي : لا تقطع الميرة عنهم ، و اجعلها تصل إليهم مرّة بعدمرّة ٤ .

و إنّما حصلت بين عيسى عليه السّلام ، و نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم فترة من الرّسل ، لأنّه كان له أوصياء ، كما لم تنقطع الحجّة بعد نبيّنا بأوصيائه صلوات اللّه عليهم .

هذا ، و كما أنّ إثبات الصانع في مقابل الدهريين المنكرين لصانع العالم ،

و إثبات التوحيد في مقابل الثنويين و المشركين المقرّين بأصل الصانع دون توحيده ، كذلك أصل النبوّة العامّة هنا في مقابل البراهمة القائلين بعدم جواز بعثة اللّه تعالى للرّسل و إثبات وجوبها في مقابل فرق من السّنة .

أمّا الأوّلون و هم البراهمة ، فقالوا : لا يخلو أمر الرّسول من حالين : إمّا أن يأتي بما يدلّ عليه العقل أو بخلافه . فإن أتى بما في العقل كان من كمل عقله غنيّا عنه ، لأن الّذي يأتيه به مستقر عنده ، موجود في عقله ، و إن أتى بخلاف ما في العقل ، فالواجب ردّ ما يأتي به ، لأنّ اللّه تعالى إنّما خلق العقول للعباد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يأتي في تكملة هذا العنوان .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٤٣ مادة ( وتر ) .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) النهاية لابن الأثير ٥ : ١٤٨ مادة ( وتر ) .

٣٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

ليستحسنوا بها ما استحسنت ، و يقرّوا بما أقرّت ، و ينكروا ما أنكرت .

و أجاب أهل الحقّ عن شبهتهم : بأنّ الرّسول لا يأتي أبدا بما يخالف العقول ، غير أنّ الأمور في العقل على ثلاثة أقسام : واجب ، و ممتنع ، و جائز .

فالواجب في العقل يأتي السّمع بإيجابه تأكيدا له عند من علمه ، و تنبيها عليه عند من لم يعلمه .

و الجائز يمكن في العقل حسنه تارة و قبحه أخرى .

و من الأمور التي لا يصل العقل فيها إلى القطع العلم بأدوية الاعلال و مواضعها و طبائعها و خواصّها ، و مقادير ما يحتاج إليها و أوزانها ، فهذا ممّا لا سبيل للعقل فيه إلى حقيقة العلم ، و ليس يمكن امتحان كلّ ما في البرّ و البحر ،

و لا تحسن التجربة و السبر ، لما فيهما من الخطر المستقبح في العقل الاقدام عليه ، فعلم أنّ هذا ممّا لا غناء فيه عن طارق السّمع .

قالوا : و بعد فإنّ شكر المنعم عندنا ، و عند البراهمة ممّا هو واجب في العقل ، و ليس في وجوبه و وجوب تعظيم مبدأ النعمة بيننا خلاف ، و شكر اللّه و تعظيمه أوجب ما يلزمنا لعظيم أياديه لدينا ، و إحسانه إلينا ، و لسنا نعلم بمبلغ عقولنا أيّ نوع يريده من تعظيمه منّا و شكره ، فلا بد أن يرسل إلينا رسلا يعرّفنا ما يريده منّا ١ .

و أمّا الأخيرون ، فقال المفيد : اتّفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه و نتائجه إلى السّمع ، و أنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه الغافل على كيفية الاستدلال ، و أنّه لا بد في أوّل التكليف ، و ابتدائه في العالم من رسول ، و وافقهم في ذلك أصحاب الحديث ، و أجمعت المعتزلة و الخوارج و الزيدية على خلاف

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإشكال و الجواب أوردهما بطولهما الكراجكي في كنز الفوائد : ١٠١ ، و أما قول البراهمة في النبوّة ، فنقله الشهرستاني في الملل و النحل ٢ : ٢٥٨ ، و الطوسي في تمهيد الأصول : ٣١٤ ، و الاقتصاد : ١٥٢ ، و غيرهما .

٣٤

ذلك ، و زعموا أنّ العقول بمجردها من السمع و التوقيف ، إلاّ أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّة يوجبون الرّسالة في أوّل التكليف ، و يخالفون الإمامية في علّتهم لذلك ، و يثبتون عللا يصحّحها الإمامية ، و يضيفونها إلى علّتهم في ما وصفناه ١ .

و لكن في ( شرح تجريد العلاّمة ) : قالت الأشاعرة بعدم وجوب النبوّة ٢ ،

و كيف كان فقد نبّه عليه السّلام على خمسة من أدلّة وجوب الرسالة :

الأوّل : « ليستأدوهم ميثاق » أي : عهد .

« فطرته » التي فطرهم عليها ، قال تعالى : . . . فطرة اللّه التي فطر الناس عليها . . . ٣ ، و قال عزّ و جلّ : و إذا أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ٤ .

و قد اختلف في معنى أخذ الميثاق من الناس ، فقال المرتضى : لمّا خلقهم و ركّبهم تركيبا يدلّ على معرفته ، و يشهد بقدرته ، و وجوب عبادته ، و أراهم العبر و الآيات و الدلائل في أنفسهم و في غيرهم ، كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم ، و كانوا في مشاهدة ذلك و معرفته و ظهوره على الوجه الذي أراده اللّه تعالى و تعذّر امتناعهم منه و انفكاكهم من دلالته ، بمنزلة المقرّ المعترف ، و إن لم يكن هناك إشهاد و لا اعتراف على الحقيقة ٥ .

و قال المفيد في ( مسائله السّروية ) : و أمّا الحديث في إخراج الذّريّة من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) قاله المفيد في أوائل المقالات : ٥٠ .

( ٢ ) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ٢٧٣ .

( ٣ ) الروم : ٣٠ .

( ٤ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٥ ) أمالي المرتضى ١ : ٢٣ المجلس ٣ الجواب الثاني .

٣٥

صلب آدم عليه السّلام على صورة الذّرّ ، فقد جاء الحديث بذلك على اختلاف ألفاظه و معانيه ، و الصحيح أنّه أخرج الذرّيّة من ظهره كالذرّ ، فملأ بهم الأفق ، و جعل على بعضهم نورا لا يشوبه ظلمة ، و على بعضهم ظلمة لا يشوبها نور ، و على بعضهم نور و ظلمة ، فقال تعالى لأدم : أمّا الّذين عليهم النور بلا ظلمة ، فهم أصفيائي من ولدك الّذين يطيعوني و لا يعصوني في شي‏ء من أمري ، فأولئك سكّان الجنّة ، و أمّا الذين عليهم ظلمة لا يشوبها نور ، فهم الكفّار من ولدك الّذين يعصوني و لا يطيعوني في شي‏ء من أمري ، فهؤلاء حطب جهنّم ، و أمّا الّذين عليهم نور و ظلمة ، فأولئك الذين يطيعوني من ولدك و يعصوني ، يخلطون أعمالهم السيّئة بأعمالهم الحسنة ، فهؤلاء أمرهم إليّ : إن شئت عذّبتهم فبعدلي ، و إن شئت عفوت عنهم بتفضّلي . قال : فأنبأه اللّه تعالى بما يكون من ولده ، و شبّههم بالذرّ الّذي أخرجه من ظهره ، و جعلهم علامة على كثرة ولده ، قال : و يحتمل أن يكون ما أخرجه من ظهره أصول أجسام ذرّيته دون أرواحهم ، و إنّما فعل اللّه تعالى ذلك ليدلّ آدم على العاقبة منه ، و يظهر له من قدرته و سلطانه من عجائب صنعه ، و علمه بالكائن قبل كونه ليزداد آدم يقينا بربّه .

قال : و أمّا الأخبار التي جاءت بأنّ ذريّة آدم استنطقوا في الذرّ ، فنطقوا فأخذ عليهم العهد فأقرّوا ، فهي من أخبار التناسخية ، و قد خلطوا فيها و مزجوا الحقّ بالباطل .

قال : و المعتمد من إخراج الذريّة ما ذكرنا ، دون ما ينطق القول به على الدّلالة العقلية و الحجج السمعية ، و إنّما هو غلط لا يثبت به أثر على ما وصفناه .

قال : فإن تعلّق متعلّق بقوله تعالى : و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا ان

٣٦

تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ١ ، و ظنّ بظاهر هذا القول تحقّق ما رواه أهل التناسخ و الحشوية و العامة في إنطاق الذرّية و خطابهم ، و أنّهم كانوا أحياء ناطقين ، فالجواب عنه : أنّ هذه الآية من المجاز في اللّغة ، كنظائرها ممّا هو مجاز و استعارة و المعنى فيها : أنّ اللّه تعالى أخذ من كلّ مكلّف يخرج من صلب آدم و ظهور ذريّته العهد عليه بربوبيّته من حيث أكمل عقله ، و دلّه بآثار الصنعة فيه على حدثه ، و أنّ له محدثا أحدثه لا يشبهه أحد يستحقّ العبادة منه بنعمته عليه . فلذلك هو أخذ العهد منهم ، و آثار الصنعة فيهم ، و الإشهاد لهم على أنفسهم بأنّ اللّه تعالى ربّهم ، و قوله تعالى : . . . قالوا بلى . . . ٢ يريد أنّه لم يمتنعوا من لزوم آثار الصنعة فيهم ، و دلائل حدوثهم اللازمة لهم ، و حجّة العقل عليهم في إثبات صانعهم ، فكأنّ سبحانه كما ألزمهم الحجّة بعقولهم على حدوثهم و وجود محدثهم ، قال لهم : . . . ألست بربّكم . . . ٣ . فلمّا لم يقدروا على الامتناع من لزوم دلائل الحدوث لهم ، كأنّهم قائلون : . . . بلى شهدنا . . . و قوله تعالى : . . . أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين . أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل و كنّا ذرّية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ٤ . ألا ترى أنّه تعالى احتجّ عليهم بما لا يقدرون يوم القيامة إن تناولوا في إنكاره ، و لا يستطيعون ، و قد قال سبحانه : . . . و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدوابّ و كثير من الناس و كثير حقّ عليه العذاب . . . ٥ ، و لم يروا أنّ المذكور يسجد سجود البشر في الصلاة ، و إنّما أراد أنّه غير ممتنع من فعل اللّه ، فهو كالمطيع للّه ، و هو يعبّر عنه بالساجد .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٢ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٣ ) الأعراف : ١٧٢ .

( ٤ ) الأعراف : ١٧٣ .

( ٥ ) الحج : ١٨ .

٣٧

قال الشاعر :

بجمع تظلّ البلق في حجراته

ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر

يريد أنّ الحوافر تذلّ الأكم بوطيها عليها .

و قال آخر :

سجود له نوقان يرجون فضله

و ترك و رهط الأعجمين و كابل

يريد أنّهم مطيعون له ، و عبّر عن طاعتهم بالسّجود ، و قوله تعالى : ثمّ استوى إلى السماء و هي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ١ ، و هو سبحانه لم يخاطب السماء بكلام ، و لا السّماء قالت قولا مسموعا ، و إنّما أراد أنّه عهد إلى السماء فخلقها ، فلم يتعذّر عليه صنعها .

قال : و لذلك أمثال كثيرة في منظوم كلام العرب و منثوره ، و هو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ٢ .

و الثاني : « و يذكّروهم منسيّ نعمته » قال تعالى حكاية عن هود في تذكير قومه بآلائه تعالى : . . . و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح و زادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء اللّه لعلّكم تفلحون ٣ ، و عن صالح لقومه في ذلك : و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد و بوّأكم في الأرض تتّخذون من سهولها قصورا و تنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء اللّه و لا تعثوا في الأرض مفسدين ٤ ، و عن موسى لقومه في ذلك : . . . اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) فصّلت : ١١ .

( ٢ ) قاله المفيد في أجوبة المسائل السروية : ٢١٢ ، و النقل بتقطيع ، و أما قوله في عدم حمل الاية على ظاهر أحاديث الذرّ فذهب إليه المفيد أيضا في تصحيح الاعتقاد : ٣٣ ، و المرتضى في أماليه ١ : ٢٠ المجلس ٣ ، و الطوسي في التبيان ٥ : ٣٠ ، و الطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٤٩٧ ، و العلاّمة الحلّي في المسائل الممنائية الثالثة : ١٤١ ، و غيرهم .

( ٣ ) الأعراف : ٦٩ .

( ٤ ) الأعراف : ٧٤ .

٣٨

فيكم أنبياء و جعلكم ملوكا و آتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ١ ، و قال عزّ و جلّ على لسان نبيّنا صلى اللّه عليه و آله في ذلك : يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم و أوفوا بعهدي أوف بعهدكم و إيّاي فارهبون . و آمنوا بما أنزلت مصدّقا لما معكم و لا تكونوا أوّل كافر به و لا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا و إيّاي فاتّقون . و لا تلبسوا الحقّ بالباطل و تكتموا الحقّ و أنتم تعلمون ٢ .

و الثالث : « و يحتجّوا عليهم بالتبليغ » لئلاّ يعتذروا في ترك طاعته ، قال تعالى : و إن تكذّبوا فقد كذّب أمم من قبلكم و ما على الرّسول إلاّ البلاغ المبين ٣ .

و في الخبر : أنّ الأحلام لم تكن في ما مضى في أوّل الخلق و إنّما حدثت .

قيل : و ما العلّة في ذلك ؟ فقال : إنّ اللّه تعالى بعث رسولا إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة اللّه و طاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا ، فو اللّه ما أنت بأكثرنا مالا ،

و لا بأعزّنا عشيرة . فقال : إن أطعتموني أدخلكم اللّه الجنّة ، و إن عصيتموني أدخلكم اللّه النّار . فقالوا : و ما الجنّة و النّار ؟ فوصف لهم ذلك . فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متّم . فقالوا : لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا .

فازدادوا له تكذيبا ، و به استخفافا ، فأحدث اللّه تعالى فيهم الأحلام ،

فأتوه فأخبروه بما رأوا و ما أنكروا من ذلك ، فقال : إنّ اللّه تعالى أراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، هكذا تكون أرواحكم إذا متّم ، و إذا بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتّى تبعث الأبدان ٤ .

و الرابع : « و يثيروا » من أثار الأرض .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٢٠ .

( ٢ ) البقرة : ٤٠ ٤٢ .

( ٣ ) العنكبوت : ١٨ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٨ : ٩٠ ح ٥٧ .

٣٩

« لهم دفائن العقول » حتّى تكون في مرآهم قالت رسلهم أفي اللّه شكّ فاطر السماوات و الأرض . . . ١ .

و الخامس : « و يروهم » بالضّم من الإراءة .

« الآيات » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( آيات ) كما في ( ابن أبي الحديد ،

و ابن ميثم ، و الخطّيّة ) ٢ ، و لأنّه مضاف .

« المقدرة » و في نسخة ابن ميثم ( القدرة ) .

« من سقف فوقهم مرفوع ، و مهاد تحتهم موضوع ، و معائش تحييهم ، و آجال تفنيهم » قال تعالى حكاية عن نوح في دعوته قومه : مالكم لا ترجون للّه و قارا . و قد خلقكم أطوارا . أ لم تروا كيف خلق اللّه سبع سماوات طباقا .

و جعل القمر فيهنّ نورا و جعل الشمس سراجا . و اللّه أنبتكم من الأرض نباتا .

ثمّ يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا . و اللّه جعل لكم الأرض بساطا . لتسلكوا منها سبلا فجاجا ٣ .

« و أوصاب » أي : أوجاع و أمراض .

« تهرمهم » أي : تجعلهم هرمين ، قال عمرو بن معديكرب :

أشاب الرّأس أيّام طوال

و همّ ما تضمّنه الضّلوع

و قال الجاحظ : قال أبو عبيدة : قيل لشيخ مرة : ما بقي منك ؟ قال : يسبقني من بين يدي ، و يلحقني من خلفي ، و أنسى الحديث ، و أذكر القديم ، و أنعس في الملأ ، و أسهر في الخلأ ، و إذا قمت قربت الأرض منّي ، و إذا قعدت تباعدت عنّي ٤ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) إبراهيم : ١٠ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٨ ، « الآيات » أيضا .

( ٣ ) نوح : ١٣ ٢٠ .

( ٤ ) البيان و التبيين للجاحظ ٢ : ٩٦ .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605