بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110238 / تحميل: 5675
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثاني

الشيخ محمد تقي التّستري

١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثاني

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الثاني

تتمة الفصل الرابع في خلق آدم

٣

من الخطبة ( ١٩٠ ) و من خطبة له عليه السّلام تسمى القاصعة ، و هي تتضمّن ذمّ إبليس على استكباره ، و تركه السّجود لآدم ، و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحميّة ، و تحذير النّاس من سلوك طريقته : اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَبِسَ اَلْعِزَّ وَ اَلْكِبْرِيَاءَ وَ اِخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُمَا حِمًى وَ حَرَماً عَلَى غَيْرِهِ وَ اِصْطَفَاهُمَا لِجَلاَلِهِ وَ جَعَلَ اَللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ اِخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلاَئِكَتَهُ اَلْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ اَلْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ هُوَ اَلْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ اَلْقُلُوبِ وَ مَحْجُوبَاتِ اَلْغُيُوبِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ . فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ . فَسَجَدَ اَلْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ

٤

أَجْمَعُونَ إِلاَّ ؟ إِبْلِيسَ ٣٨ : ٧١ ٧٤ ١ اِعْتَرَضَتْهُ اَلْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى ؟ آدَمَ ؟

بِخَلْقِهِ وَ تَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ فَعَدُوُّ اَللَّهِ إِمَامُ اَلْمُتَعَصِّبِينَ وَ سَلَفُ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ اَلَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ اَلْعَصَبِيَّةِ وَ نَازَعَ اَللَّهَ رِدَاءَ اَلْجَبَرِيَّةِ وَ اِدَّرَعَ لِبَاسَ اَلتَّعَزُّزِ وَ خَلَعَ قِنَاعَ اَلتَّذَلُّلِ أَ لاَ تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اَللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ وَ وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي اَلدُّنْيَا مَدْحُوراً وَ أَعَدَّ لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ سَعِيراً .

وَ لَوْ أَرَادَ اَللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ ؟ آدَمَ ؟ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ اَلْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ وَ يَبْهَرُ اَلْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَ طِيبٍ يَأْخُذُ اَلْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ اَلْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً وَ لَخَفَّتِ اَلْبَلْوَى فِيهِ عَلَى اَلْمَلاَئِكَةِ وَ لَكِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ اَبْتَلَي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْيِيزاً بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ وَ نَفْياً لِلاِسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ وَ إِبْعَاداً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ أقول : قد عرفت في المقدّمة ٢ أنّ هذه الخطبة من ثماني خطب اختلفت نسخنا مع نسخة ابن أبي الحديد في موضعها .

قول المصنف : « و من خطبة له عليه السّلام تسمّى القاصعة » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ : و من خطبة له عليه السّلام ، و من النّاس من يسمّي هذه الخطبة بالقاصعة .

قال ابن ميثم : نقل في سبب هذه الخطبة أنّ أهل الكوفة كانوا في آخر خلافته عليه السّلام قد فسدوا ، و كانوا قبائل متعدّدة ، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته ، فيمرّ بمنازل قبيلة أخرى فيقع به أدنى مكروه ، فيستعدي قبيلته ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) ص : ٧١ ٧٤ .

( ٢ ) مرّ في مقدّمة المؤلف .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٢ ، نحو المصرية .

٥

و ينادي باسمها ، مثلاً يا للنّخع أو يا لكندة نداء عالياً يقصد به الفتنة و إثارة الشرّ ، فيتألّب عليه فتيان القبيلة التي قد مرّ بها ، و ينادون يا لتميم و يا لربيعة ،

فيضربونه فيمرّ إلى قبيلته ، و يستصرخ بها و تسلّ بينهم السيوف ، و تثور الفتنة ، و لا يكون لها أصل في الحقيقة ، و لا سبب يعرف إلاّ تعرّض الفتيان بعضهم ببعض ، و كثر ذلك منهم ، فخرج عليه السّلام إليهم على ناقة فخطبهم هذه الخطبة ١ .

ثم قال : و قد ذكر الشّارحون في تسمية هذه الخطبة القاصعة وجوهاً :

أحدها و هو أقربها أنّه عليه السّلام كان يخطبها على ناقته ، و هي تقصع بجرّتها ، فجاز أن يقال : إنّ هذه الحال لما نقلت عنه في اسناد هذه الخطبة نسبت الخطبة إلى الناقة القاصعة ، فقيل : خطبة القاصعة ثم كثر استعمالها ، فجعلت من صفات الخطبة نفسها ، أو لأنّ الخطبة عرفت بهذه الصفة لملازمة قصع الناقة لانشائها ، و العرب تسمّي الشي‏ء باسم لازمه ٢ .

قلت : قال الجزريّ في ( نهايته ) في الحديث « خطبهم على راحلته و أنّها لتقصع بجرّتها » أراد شدّة المضغ و ضمّ بعض الأسنان على البعض ، و قيل :

قصع الجرّة : خروجها من الجوف إلى الشّدق ، و متابعة بعضها بعضاً ، و إنّما تفعل النّاقة ذلك إذا كانت مطمئنة و إذا خافت شيئاً لم تخرجها ، و أصله من تقصيع اليربوع ، و هو : إخراجه تراب قاصعائه و هو : جحره ٣ ، و يمكن أن يكون وجه التّسمية كون القاصعة من : قصع العطشان غلّته بالماء ، إذا سكّنها أو من : قصع الغلام قصعاً : ضربه ببسط كفّه على رأسه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٣ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٤ .

( ٣ ) النهاية لابن الأثير ٤ : ٧٢ مادة ( قصع ) .

٦

« و هي تتضمّن ذمّ إبليس على استكباره و تركه السّجود لأدم عليه السّلام » قال تعالى : . . . فسجدوا إلاّ إبليس أبى و استكبر و كان من الكافرين ١ .

« و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحمية » في ( الأمالي ) عن النبي صلى اللّه عليه و آله من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من عصبية ، بعثه اللّه تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية ٢ .

و في ( عقاب الأعمال ) عنه صلى اللّه عليه و آله : من تعصّب أو تعصّب له فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه ٣ .

عن الصادق عليه السّلام : من تعصّب عمّمه اللّه بعمامة من نار ٤ .

و قال تعالى : إذ جعل الّذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية . . . ٥ .

« و تحذير الناس من سلوك طريقته » يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشّيطان و من يتّبع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء و المنكر . . . ٦ .

« الحمد للّه الذي لبس العزّ و الكبرياء » . . . فإنّ العزّة للّه جميعاً ٧ .

« و اختارهما لنفسه دون خلقه » في آخر الجاثية : و له الكبرياء في السّماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم ٨ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٤ .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٤٨٦ ح ١٢ المجلس ٨٨ ، و عقاب الأعمال : ٢٦٤ ح ٥ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٣ .

( ٣ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٢ عن النبي صلى اللّه عليه و آله ، و الكافي للكليني أيضاً ٢ : ٣٠٧ ح ١ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٢ عن الصادق عليه السّلام .

( ٤ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٣ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٤ ، و لفظهما : « عصبه اللّه بعصابة من نار » .

( ٥ ) الفتح : ٢٦ .

( ٦ ) النور : ٢١ .

( ٧ ) النساء : ١٣٩ .

( ٨ ) الجاثية : ٣٧ .

٧

« و جعلهما حمى » أي : محظوراً على غيره لا يقر بهما أحد .

« و حرماً » أي : حراماً .

« على غيره » حتّى ملائكته و أنبيائه .

« و اصطفاهما » أي : اختارهما .

« لجلاله » أي : عظمته .

« و جعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده » روى الصدوق عن الباقر عليه السّلام قال : العزّ رداء اللّه و الكبرياء إزاره ، فمن تناول شيئاً منه كبّه اللّه في جهنّم ١ .

« ثمّ اختبر » أي : امتحن .

« بذلك ملائكته المقرّبين » في منزلتهم عنده .

« ليميز » بالتّخفيف و التّشديد .

« المتواضعين منهم من المستكبرين » و لقد فتنّا الّذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الّذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين ٢ .

« فقال سبحانه » أي : اللّه المنزّه عن النّقائص .

« و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب » جملة معترضة بين ( فقال ) و مقوله . . . إنّي خالق بشراً من طين ٣ لدفع توهم أنّ اختباره ليس لعدم عرفانه مثلنا في اختباراتنا لغيرنا ، بل ليظهر حاله على الآخرين من نوعه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٤ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ٣ ، ٤ عن الباقر عليه السّلام ، و صحيح مسلم ٤ : ٢٠٢٣ ح ١٣٦ ، و سنن ابن ماجه بطريقين ٢ : ١٣٩٧ ح ٤١٧٤ و ٤١٧٥ ، و مسند أحمد بأربع طرق ٢ : ٣٧٦ و ٤١٤ و ٤٢٧ و ٤٤٢ ، و المجازات النبوية للشريف الرضي : ٤٤٠ ح ٣٥٨ ، و جمع آخر عن النبي صلى اللّه عليه و آله و في الباب عن علي و الصادق و الكاظم عليهم السّلام .

( ٢ ) العنكبوت : ٣ .

( ٣ ) ص : ٧١ .

٨

يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ١ . . . ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات و الأرض و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون ٢ .

« . . إنّي خالق بشراً من طين . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . » ٣ باللفظ الذي ذكره عليه السّلام في سورة ( ص ) ، و أمّا في سورة الحجر فهكذا . . . إنّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون . فاذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين . فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . ٤ .

و في ( تفسير القمي ) مسنداً : سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عمّا ندب اللّه الخلق إليه أدخل فيه الضّلالة ؟ قال : نعم و الكافرون دخلوا فيه لأنّ اللّه تعالى أمر الملائكة بالسّجود لآدم ، فدخل في أمره الملائكة و إبليس ، فإنّ إبليس كان مع الملائكة في السّماء يعبد اللّه ، و كانت الملائكة تظنّ أنّه منهم ، و لم يكن منهم ، فلمّا أمر اللّه الملائكة بالسّجود لأدم اخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد ، فعلم الملائكة عند ذلك أنّ إبليس لم يكن منهم ، فقيل له : فكيف و قع الأمر على إبليس و إنّما أمر اللّه الملائكة بالسّجود لأدم ؟ فقال : كان إبليس منهم بالولاء ، و لم يكن من جنس الملائكة ، و ذلك أنّ اللّه تعالى خلق خلقاً قبل آدم ، و كان إبليس فيهم حاكماً في الأرض ، فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدّماء ، فبعث اللّه الملائكة ، فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السّماء ، و كان مع الملائكة يعبد اللّه إلى أن خلق اللّه آدم عليه السّلام ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) غافر : ١٩ .

( ٢ ) البقرة : ٣٣ .

( ٣ ) ص : ٧١ ٧٤ .

( ٤ ) الحجر : ٢٨ ٣١ .

( ٥ ) تفسير القمي ١ : ٣٥ .

٩

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام : أنّ اللّه تعالى أراد أن يخلق خلقاً بيده ، و ذلك بعد ما مضى من الجنّ و النّسناس في الأرض سبعة آلاف سنة . و كان من شأن خلق آدم أن كشط عن أطباق السماوات و قال للملائكة : انظروا إلى الأرض من خلقي من الجنّ و النّسناس فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي و سفك الدماء و الفساد في الأرض بغير الحق ، عظم ذلك عليهم و غضبوا و تأسفوا على أهل الأرض و لم يملكوا غضبهم . قالوا : ربّنا إنّك أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن ، و هذا خلقك الضعيف الذليل يتقلّبون في قبضتك و يعيشون برزقك و يتمتّعون بعافيتك ، و هم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام ، لا تأسف عليهم و لا تغضب و لا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم و ترى ،

و قد عظم ذلك علينا و أكبرناه فيك . قال : فلمّا سمع ذلك من الملائكة قال :

إنّي جاعل في الأرض خليفة . . . ١ يكون حجّة لي في الأرض على خلقي .

فقالت الملائكة : سبحانك . . . أتجعل فيها من يفسد فيها . . . ٢ كما أفسد بنو الجانّ ، و يسفكون الدّماء كما سفك بنو الجانّ ، و يتحاسدون و يتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منّا فإنّا لا نتحاسد و لا نتباغض ، و لا نسفك الدّماء و . . . نسبّح بحمدك و نقدّس لك . . . ٣ قال تعالى : إنّي أعلم ما لا تعلمون ٤ إنّي أريد أن أخلق خلقاً بيدي ، و أجعل من ذرّيّته أنبياء و مرسلين ، و عباداً صالحين أئمّة مهتدين ، و أجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي ، و ينذرونهم من عذابي ، و يهدونهم إلى طاعتي ، و يسلكون بهم طريق سبيلي ، و أجعلهم لي عليهم حجّة عليهم ، و أبيد النّسناس من أرضي و أطهّرها منهم ، و أنقل مردة الجن العصاة من بريتي و خلقي و خيرتي و أسكنهم في الهواء في أقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي و اجعل بين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٠ .

( ٢ ) البقرة : ٣٠ .

( ٣ ) البقرة : ٣٠ .

( ٤ ) البقرة : ٣٠ .

١٠

الجن و بين خلقي حجاباً ، فلا يرى نسل خلقي الجن ، و لا يجالسونهم ، و لا يخالطونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم و أسكنهم مساكن العصاة أوردتهم مواردهم و لا أبالي قال : فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت . . . لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ١ . . . فقال اللّه تعالى ( للملائكة ) : . . . إنّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ٢ .

قال : و كان ذلك من اللّه تعالى في آدم قبل أن يخلقه ، و احتجاجاً منه عليهم . . . فخلق اللّه آدم عليه السّلام ، فبقي أربعين سنة مصوّراً ، فكان يمرّ به إبليس اللّعين فيقول : لأمر ما خلقت . فقال العالم عليه السّلام ، فقال إبليس : لئن أمرني اللّه بالسجود لهذا لأعصينّه قال : ثمّ نفخ فيه ، فلمّا بلغت الرّوح إلى دماغه عطس عطسة جنس منها فقال : الحمد للّه . فقال اللّه تعالى : يرحمك اللّه . قال الصادق عليه السّلام : فسبقت له من اللّه الرحمة . ثمّ قال تعالى للملائكة : اسجدوا لأدم .

فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد ٣ .

« اعترضته الحميّة » أي : الأنفة .

« فافتخر على آدم بخلقه و تعصّب عليه لأصله » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم ، و كان في علم اللّه أنّه ليس منهم ، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة و الغضب ، فقال : . . . خلقتني من نار و خلقته من طين ٤ .

« فعدوّ اللّه إمام المتعصّبين و سلف المستكبرين » و في ( تفسير القمي ) : أوّل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٢ .

( ٢ ) الحجر : ٢٨ ٢٩ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ٣٦ ، و روى حديث علي عليه السّلام أيضاً علل الشرائع للصدوق : ١٠٤ ح ١ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٦ ، و تفسير العياشي ٢ : ٩ ح ٥ ، و الآية ( ١٢ ) من سورة الأعراف ، و ( ٧٦ ) من ( ص ) .

١١

من قاس إبليس و استكبر ، و الاستكبار هو أوّل معصية عصي اللّه بها ١ .

« الّذي وضع أساس العصبية » عن الصادق عليه السّلام من تعصّب عصبه اللّه بعمامة من نار ٢ .

« و نازع اللّه رداء الجبريّة » الّذي مختص به تعالى ، و الجبرية الكبر و العظمة ، في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : الكبر قد يكون في شرار الناس من كلّ جنس ، و الكبر رداء اللّه فمن نازع اللّه تعالى رداءه لم يزده اللّه تعالى إلاّ سفالا ، إنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم مرّ في بعض طرق المدينة ، و سوداء تلقط السرقين ، فقيل لها :

تنحي عن طريق النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت : إنّ الطريق لمعرض . فهمّ بها بعض القوم أن يتناولها . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : دعوها فإنّها جبّارة ٣ .

و عنه عليه السّلام : إذا خلق اللّه العبد في أصل الخلقة كافراً لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ فيقرب منه ، فابتلاه بالكبر و الجبريّة ، فقسا قلبه و ساء خلقه ، و غلظ وجهه و ظهر فحشه ، و قلّ حياؤه ، و كشف اللّه ستره ، و ركب المحارم ، فلم ينزع عنها ، ثمّ ركب معاصي اللّه و أبغض طاعته ، و وثب على الناس لا يشبع من الخصومات ، فاسألوا اللّه العافية و اطلبوها منه ٤ .

و عنه عليه السّلام : أدنى الإلحاد الكبر ٥ .

« و أدّرع » أي : جعل درعاً له .

« لباس التعزّز » فحسب نفسه عزيزاً .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤٢ في صدر حديث ، و مضمون : « أول من قاس إبليس » كثير الرواية .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٨ ح ٤ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٣ ح ٣ ، و لفظهما « بعصابة من نار » و مرّ نقله في أوائل هذا العنوان .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ٢ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٣٠ ح ٢ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٣٠٩ ح ١ ، و معاني الأخبار للصدوق : ٣٩٤ ح ٤٧ .

١٢

« و خلع قناع التذلّل » للّه تعالى عن رأسه و نسي أنّه عبد للّه ، و في ( الصحاح ) : القناع أوسع من المقنعة . قال عنترة :

إن تغد في دوني القناع فإنّني

طبّ بأخذ الفارس المستلئم

١ « ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره » قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فاخرج إنّك من الصاغرين ٢ .

« و وضعه اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و وضعه ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ و لأنّه لا وجه لتكرار لفظ الجلالة .

« بترفعه » أي : ادعائه الرفعة .

« فجعله في الدّنيا مدحوراً » أي : مطروداً مبعداً ، قال تعالى : . . . اخرج منها مذؤوماً مدحوراً . . . ٤ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : ما من عبد إلاّ و في رأسه حكمة ، و ملك يمسكها ، فإذا تكبّر قال له : اتضع وضعك اللّه . فلا يزال أعظم الناس في نفسه و أصغر الناس في أعين الناس . . . ٥ .

« و أعدّ له في الآخرة سعيراً » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : إنّ في جهنّم لوادياً للمتكبّرين يقال له سقر ، فشكا إلى اللّه شدّة حرّه ، و سأله أن يأذن له أن يتنفّس . فتنفّس فأحرق جهنّم ٦ .

و عنه عليه السّلام : إنّ المتكبّرين يجعلون في صور الذّر يتوطّأهم الناس حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٧٣ مادة ( قنع ) .

( ٢ ) الأعراف : ١٣ .

( ٣ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٥ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٣٣ « وضعه اللّه » أيضاً .

( ٤ ) الأعراف : ١٨ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٢ ح ١٦ ، و ثواب الأعمال للصدوق : ٢١١ ح ١ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٨٢ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١٠ ح ١٠ ، و المحاسن للبرقي : ١٢٣ ح ١٣٨ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٥ ح ٧ .

١٣

يفرغ اللّه من الحساب ١ .

« و لو أراد اللّه » هكذا في ( المصرية ) و في ( ابن ميثم ) ٢ : « و لو أراد سبحانه » ، و في ( ابن أبي الحديد و الخطيّة ) ٣ : « و لو أراد اللّه سبحانه » .

« أن يخلق آدم من نور يخطف » أي : يستلب .

« الأبصار ضياؤه ، و يبهر » أي : يغلب .

« العقول » بالنصب .

« رواؤه » بالضم ، أي : منظره .

« و طيب يأخذ الأنفاس عرفه » بالفتح ، أي : ريحه .

« لفعل » جواب ( و لو أراد ) .

« ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة » الجملة مأخوذة من قوله تعالى : إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ٤ .

« و لخفّت البلوى » أي : الابتلاء و الامتحان .

« فيه على الملائكة ، و لكنّ اللّه سبحانه ابتلى خلقه » حتّى الملائكة و الأنبياء .

« ببعض ما يجهلون أصله » كما امتحن الملائكة بخلق آدم ٥ ، و امتحن موسى عليه السّلام بأعمال الخضر ٦ .

« تمييزاً » لمؤمنهم عن كافرهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٣١١ ح ١١ ، و المحاسن للبرقي : ١٢٣ ح ١٣٧ ، و عقاب الأعمال للصدوق : ٢٦٥ ح ٨ و ١٠ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٨٢ .

( ٢ ) لفظ ابن ميثم في شرحه ٤ : ٢٣٣ مثل المصرية أيضاً .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٦ .

( ٤ ) الشعراء : ٤ .

( ٥ ) البقرة : ٣٠ ٣٤ .

( ٦ ) الكهف : ٦٠ ٨٢ .

١٤

« بالاختبار لهم » كما تميّز إبليس من الملائكة .

« و نفياً للاستكبار عنهم » في ( تفسير القمّي ) : قال إبليس : يا ربّ اعفني من السجود لأدم ، و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل . قال اللّه تعالى : لا حاجة لي إلى عبادتك ، إنّما أريد أن أعبد من حيث أُريد ، لا من حيث تريد . فأبى أن يسجد . فقال اللّه تعالى : . . . فاخرج منها فإنّك رجيم . و إنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين ١ .

« و إبعاداً للخيلاء » بالضمّ و الكسر ، أي : الكبر .

« عنهم » .

٤

من الخطبة ( ١٩٠ ) وَ لاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى اِبْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اَللَّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ اَلْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ اَلْحَسَدِ وَ قَدَحَتِ اَلْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ اَلْغَضَبِ وَ نَفَخَ اَلشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ اَلْكِبْرِ اَلَّذِي أَعْقَبَهُ اَللَّهُ بِهِ اَلنَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ اَلْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ .

أقول : نقلناه هنا ، و إن كان بفصل ذمائهم الصفات ألصق ، لأنّه تضمّن حكم ابنيّ آدم فجعلناه كالتتميم للفصل .

« و لا تكونوا كالمتكبّر » و الأصل : كالأخ المتكبر ، و المراد قابيل .

« على ابن أُمّه » و المراد هابيل ، قال معقل بن عيسى لأخيه أبي دلف في عتب عتبه عليه :

أخي ما لك مجبولاً على تِرتي

كأنّ أجسادنا لم تغذ من جسد

قال ابن أبي الحديد : نهاهم أن يكونوا كقابيل الّذي حسد أخاه هابيل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٤٢ ، و الآية ٧٧ ٧٨ من سورة ( ص ) .

١٥

فقتله ، و هما أخوان لأب و أُمّ ، و إنّما قال عليه السّلام « ابن أُمّه » فذكر الأُم دون الأب ، لأنّ الأخوين من الأُمّ أشدّ حنواً و محبّة و التصاقاً من الأخوين من الأب ١ ، و تبعه الخوئي ٢ ، و قال ابن ميثم : قال الثعلبي : إنّما أضافه إلى الأُمّ دون الأب لأنّ الولد في الحقيقة من الأمّ ، أي : الولد بالفعل . فإنّ النطفة في الحقيقة ليست ولداً بل جزء مادي ٣ .

قلت : الصواب هنا أن يقال : نكتة تعبيره عليه السّلام بابن الأُمّ أنّ الأخوين من الأب قد يتكبّر أحدهما على الآخر بأُمّه إذا كانت اُمّه حرّة و أمّ أخيه أمّة ، أو أُمّه شريفة و أُمّ أخيه و ضيعة ، و أمّا إذا كانا من أُمّ واحدة و الفرض وحدة أبيهما فتكبّره عليه كالتكبّر على نفسه ، فيكون حاله حال من قال :

أتيه على إنس البلاد و جنّها

و لو لم أجد خلقاً لتهت على نفسي

أتيه فلا أردي من التّيه من أنا

سوى ما يقول الناس فيّ و في جنسي

فان صدقوا أنّي من الإنس مثلهم

فما فيّ عيب غير أنّي من الإنس

و إنّما قالوا في قوله تعالى حكاية عن هارون لموسى : . . . يابن أُمّ لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي . . . ٤ : نكتة التعبير بابن أُمّ لكونه أشد حنواً ، كما أنّ النكتة في شكايته عليه السّلام من قريش في قوله عليه السّلام : « و سلبوني سلطان ابن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣١ .

( ٢ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٤٤ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٥٨ .

( ٤ ) طه : ٩٤ .

١٦

أُمّي » ١ أحقيّته عليه السّلام بمقامه صلى اللّه عليه و آله من كلّ أحد حتّى عمّه العبّاس ، لأنّ الميراث يكون للأخ للأب و الأمّ دون الأخ للأب فقط ، و كان أبوه عليه السّلام و أبو النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم من أمّ واحدة دون العبّاس .

و أمّا ما قاله ابن ميثم ففي غاية السقوط ، فإنّ من الواضحات شرعا و عرفا كون الولد في الانسان مال الأب ، و كون الامّ و عاء ، حتّى إنّ تعالى قال :

و على المولود له رزقهنّ . . . ٢ ، و إنّما في الحيوان الولد تابع للامّ لأنّه في الحقيقة منها ، و النطفة جزء مادّي ، و أيضا لو كان ما ذكره صحيحا للزم أن يكون : إذا ولد رجلان من امرأة واحدة و أبو أحدهما ملك الملوك ، و أبو الآخر عبد العبيد ، عدم صحّة تفاخر الأوّل على الثاني بأبيه ، و أمّا ما قاله ابن أبي الحديد فتخليط .

« من غير ما فضل » أي : من غير فضل ، و ( ما ) لتأكيد الكلام ، مثل ( ما ) في فبما رحمة من اللّه . . . ٣ .

و في قول الشاعر :

أ علاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثغام المخلس

٤ و في قوله :

و ننصر مولانا و نعلم أنّه

كما الناس مجروم عليه و جارم

٥ « جعله اللّه فيه سوى ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد » بمعنى : أنّ المتكبّر على ابن أمّه إذا كان لفضل فيه دون ابن أمّه يقبل و يعقل ، و أمّا بدونه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ٦١ ، الكتاب ٣٦ ضمن كتاب علي عليه السّلام إلى أخيه عقيل .

( ٢ ) البقرة : ٢٣٣ .

( ٣ ) آل عمران : ١٥٩ .

( ٤ ) شرح شواهد المغني ٢ : ٧٢٢ ، و الشاعر : المرار الفقعسي .

( ٥ ) شواهد المغني ١ : ٥٠٠ ، و الشاعر : عمرو بن براقة الهمداني .

١٧

سوى مجرّد الحسد فسفه ، و لا سيّما إذا كان أخوه أفضل ، كما في ابني آدم .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : أصول الكفر ثلاثة : الحرص و الاستكبار و الحسد . فامّا الحرص فإنّ آدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها . و أمّا الاستكبار ، فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى . و أمّا الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه ١ .

« و قدحت » من : قدحت النار ، إذا أو قدتها .

« الحميّة في قلبه من نار الغضب » في ( الخصال ) عن الصادق عليه السّلام : الغضب مفتاح كلّ شرّ ٢ .

و عنه : قال الحواريون لعيسى : يا معلّم الخير أعلمنا أيّ الأشياء أشدّ ؟

قال : أشدّ الأشياء غضب اللّه تعالى . قالوا : فبم يتّقى غضب اللّه ؟ قال : بأن لا تغضبوا . قالوا : و ما بدء الغضب ؟ قال : الكبر و التجبّر و محقرة النّاس ٣ .

« و نفخ الشيطان في أنفه من ريح الكبر » الكلام استعارة ، و يمكن أن يكون حقيقة ، و نظيره ما عن الصادق عليه السّلام : أنّ العبد يوقظ ثلاث مرّات من اللّيل ، فان لم يقم أتاه الشيطان ، فبال في أذنه ٤ .

و كيف كان ، قال عليه السّلام هذه الكلمة هنا عموما ، و قالها في طلحة خصوصا ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٨٩ ح ١ ، و الخصال للصدوق : ٩٠ ح ٢٨ ، و أماليه : ٣٤١ ح ٧ ، المجلس ٦٥ ، و روى صدره الفتال في الروضة ٢ : ٣٨١ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٧ ح ٢٢ باب الواحد ، و الكافي للكليني ٢ : ٣٠٣ ح ٣ ، و الزهد للأهوازي : ٢٧ ح ٦١ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٧٩ ، و الورام في التنبيه ١ : ١٢٢ ، و الشعيري في جامع الأخبار : ١٦٠ .

( ٣ ) الخصال للصدوق : ٦ ح ١٧ باب الواحد ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٧٩ ، و المجلسي عن كتاب الغايات في بحار الأنوار ٧٣ : ٢٦٣ ح ٥ .

( ٤ ) أخرجه البرقي بطريقين في المحاسن : ٨٦ ح ٢٤ و ٢٥ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٣٢١ ، عن الصادق عليه السّلام ، و أخرجه البرقي في المحاسن : ٨٦ ح ٢٤ ، و الفتال بطريقين في الروضة ٢ : ٣٢١ عن الباقر عليه السّلام ، و في الباب طرق كثيرة عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و النقل بالمعنى .

١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فرووا أنّه عليه السّلام وقف على طلحة يوم الجمل و هو صريع ، و قال له في كلام :

« و لكن الشيطان نفخ في أنفه » ١ .

« الّذي » وصف للمتكبّر على ابن أمّه ، أي : قابيل .

« أعقبه اللّه به الندامة و ألزمه آثام القاتلين إلى يوم القيامة » إشارة إلى قوله تعالى في قابيل و هابيل : و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما و لم يتقبّل من الآخر قال لأقتلنّك قال إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين .

لئن بسطت إليّ يدك التقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف اللّه ربّ العالمين . إنّي أريد أن تبوء بإثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار و ذلك جزاء الظالمين . فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ٢ .

و قلنا : إنّ المراد بابني آدم في الآية هابيل و قابيل ، و لكن روى الطبري عن الحسن البصري قال : كان الرجلان اللّذان في القرآن و قال اللّه تعالى فيهما و اتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق . . . ٣ من بني إسرائيل و لم يكونا ابني آدم لصلبه ، و إنّما كان القربان في بني إسرائيل و كان آدم أوّل من مات .

ثمّ ردّه الطبري بما روى عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال : ما من نفس تقتل ظلماإلاّ كان عن ابن آدم الأول كفل منها ، و ذلك لأنّه أوّل من سنّ القتل ٤ .

قلت : و أوضح منه في ردّه قوله تعالى بعد ما مرّ فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج للطبرسي : ١٦٣ ، بلفظ « لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار » ، و روى المفيد في الجمل : ٢٠٩ ، نحوه في الزبير .

( ٢ ) المائدة : ٢٧ ٣٠ .

( ٣ ) المائدة : ٢٧ .

( ٤ ) و رواه الطبري في تاريخه ١ : ٩٦ ٩٧ ، اما حديث الحسن فأخرجه أيضا عبد بن حميد في مستنده عنه الدرّ المنثور ٢ : ٢٧٣ ، و اما الحديث النبوي فأخرجه عدّة جمع بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور ٢ : ٢٧٦ .

١٩

هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ١ فلو كانا من بني اسرائيل لم يحتج القاتل إلى أن يرى غرابا ، لأنّ الدفن في الأرض كان أمرا شائعا من أوّل الدّنيا ، و أمّا الخبر فحيث لم يكن قطعيّ السّند ، يمكن الخصم ردّه .

و لعل الحسن توهمه من قوله تعالى بعد : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعا . . . ٢ إلاّ أنّه كما ترى .

و نقل الطبري في سبب قتل قابيل لهابيل أقوالا ، منها : أنّه لم تكن التوأمة محرّمة ، فقرّب قابيل و هابيل قرباناً أيّهما أحقّ بتوأمة قابيل التي كانت أحسن من توأمة هابيل ، و روى في ذلك خبرا عن السّدي عن جمع ، و منها : أنّ السبب كان مجرّد قبول فدية هابيل دونه ، و روى عن عبد اللّه بن عمر قال : إنّ ابني آدم اللّذين قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما و لم يتقبّل من الآخر ٣ كان أحدهما صاحب حرث ، و الآخر صاحب غنم ، و أنّهم أمرا أن يقرّبا قرباناً ، و أنّ صاحب الغنم قرّب أكرم غنمه و أسمنها و أحسنها طيبة بها نفسه ، و أنّ صاحب الحرث قرّب شرّ حرثه الكوذر و الزوان غير طيبة بها نفسه ، و أنّ اللّه تعالى تقبّل قربان صاحب الغنم ، و لم يتقبّل قربان صاحب الحرث . و روى عن ابن عبّاس قال :

كان من شأنهما أنّه لم يكن مسكين يتصدّق عليه ، و إنّما كان القربان يقرّبه الرجل فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا : لو قرّبنا قربانا . و كان الرجل إذا قرّب قربانا فرضيه تعالى أرسل إليه نارا فأكلته ، و إن لم يكن رضيه اللّه خبت النار ، فقرّبا قربانا ، و كان أحدهما راعيا و الآخر حرّاثا . . . فنزلت فأكلت الشاة و تركت الزرع ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المائدة : ٣١ .

( ٢ ) المائدة : ٣٢ .

( ٣ ) المائدة : ٢٧ .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

1 ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

2 ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

3 ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

1 ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

2 ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

3 ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من 90% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

1 ـ الايمان بالله.

2 ـ الالتزام والمسؤولية.

3 ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

4 ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

5 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

6 ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

7 ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(1) .

________________

(1) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ 2 / 1 / 1960 الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة 1959 ، هو 362665 في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ 444391 ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً 3600 سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(1) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(1) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605