بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة12%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 605

  • البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 110240 / تحميل: 5675
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

« و خفضوا أجنحتهم للمؤمنين » و الأصل فيه قوله تعالى : و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين ١ . و يعبّر في الفارسية عن خفض الجناح بقولهم : « شكسته بالي » .

« و كانوا أقواما مستضعفين » الجملة حال عن المؤمنين ، أي : مع كون المؤمنين قوما مستضعفين خفضوا الجناح لهم ، و كان شرفاء الكفّار يسمّون أولئك المؤمنين بالأنبياء : أراذلهم ، و كانوا متأذين من تقريب الأنبياء لهم ،

و يطلبون منهم طردهم حتّى قال لهم نوح ، كما حكى اللّه تعالى عنه : . . . و ما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقوا ربّهم و لكنّي أراكم قوما تجهلون . و يا قوم من ينصرني من اللّه إن طردتهم أفلا تذكّرون . و لا أقول لكم عندي خزائن اللّه و لا أعلم الغيب و لا أقول إنّي ملك و لا أقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم اللّه خيرا اللّه أعلم بما في أنفسهم إنّي إذن لمن الظالمين ٢ ، و قال تعالى لنبيّنا عليه السّلام : و لا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ يريدون وجهه ما عليكم من حسابهم من شي‏ء و ما من حسابك عليهم من شي‏ء فتطردهم فتكون من الظالمين . و كذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين ٣ .

و في ( أسباب نزول الواحدي ) عن خباب بن الأرت قال : فينا نزلت ( آية و لا تطرد ) كنّا ضعفاء عند النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالغداة و العشيّ فعلّمنا القرآن و الخير ،

و كان يخوّفنا بالجنّة و النار و ما ينفعنا و الموت و البعث ، فجاء الأقرع بن حابس التميمي و عيينة بن حصن الفزاري ، فقالا : إنّا من أشراف قومنا ، و إنّا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٥ .

( ٢ ) هود : ٢٩ ٣١ .

( ٣ ) الأنعام : ٥٢ ٥٣ .

٦١

نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك . قال : نعم . قالوا : لا نرضى حتّى نكتب بيننا كتابا . فأتى بأديم و دواة ، فنزلت هؤلاء الآيات ١ .

عن عكرمة : جاء عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و مطعم بن عدي و الحرث بن نوفل ، في أشراف بني عبد مناف من أهل الكوفة إلى أبي طالب ،

فقالوا : لو أنّ ابن أخيك يطرد عنه موالينا و عبيدنا و عسفاءنا كان أعظم في صدورنا ، و أطوع له عندنا ، و أدنى لاتّباعنا إيّاه و تصديقنا له . فأتى أبو طالب عمّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فحدّثه بالّذي كلّموه . فقال عمر بن الخطّاب : لو فعلت ذلك حتّى ننظر ما الّذي يريدون ، و إلآم يصيرون من قولهم . فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ،

فلمّا نزلت أقبل عمر بن الخطاب يعتذر من مقالته ٢ .

و فيه أيضا في قوله تعالى : و إذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم . . . ٣ . قال عكرمة : نزلت في الّذين نهى اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عن طردهم ، فكان إذا رآهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بدأهم بالسّلام ، و قال : الحمد للّه الّذي جعل في أمّتي من أمرني أن أبدأهم بالسّلام ٤ .

« و قد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( قد ) بدون عاطف ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٥ .

« اختبرهم اللّه » أي : امتحنهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ١٤٥ ، و ابن أبي شيبة و أبو يعلى و أبو نعيم في الحلية ، و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عنهم الدرّ المنثور ٣ : ١٣ ، و ابن راهويه ، و البزار في مسنديهما عنهما الكاف الشاف ٢ : ٢٧ عن خباب .

( ٢ ) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ١٤٦ ، و ابن جرير و ابن المنذر عنهما الدرّ المنثور ٣ : ١٣.

( ٣ ) الأنعام : ٥٤ .

( ٤ ) أسباب النزول للواحدي : ١٤٧ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٣ ، لكن توجد ( الواو ) في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٦٥ .

٦٢

« بالمخمصة » أي : المجاعة ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : دفن ما بين الرّكن اليماني و الحجر الأسود سبعون نبيّا ، أماتهم اللّه جوعا و ضرّا ١ .

« و ابتلاهم بالمجهدة » أي : المشقّة .

« و امتحنهم بالمخاوف » جمع المخوف ، و قال الّذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا . . . ٢ ، و ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون ٣ .

« و محّصهم » أي : ابتلاهم .

« بالمكاره » جمع المكروه ، قال تعالى : . . . و همّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ فأخذتهم فكيف كان عقاب ٤ .

« فلا تعتبروا الرضا و السخط » أي : لا تجعلوا معيار رضا اللّه و غضبه .

« بالمال و الولد » فتحكموا بأنّ من كان ذا مال و ولد فإلهه راض عنه ، و من لم يكن فإلهه ساخط عليه .

« جهلا » مفعول له لقوله : « فلا تعتبروا » .

« بمواقع » أي : مواضع .

« الفتنة و الاختبار » أي : الامتحان ، قال تعالى : إنّما أموالكم و أولادكم فتنة . . . ٥ .

« في مواضع الغنى و الاقتدار » هكذا في ( المصرية ) ٦ ، و الصواب :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢١٤ ح ١٠ .

( ٢ ) إبراهيم : ١٣ .

( ٣ ) الحجر : ١١ .

( ٤ ) غافر : ٥ .

( ٥ ) التغابن : ١٥ .

( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٣ « الاقتار » ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٦٥ « الاقتدار » .

٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

( و الاقتار ) أي : الفقر .

« و قد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فقد ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ١ .

« قال سبحانه : أيحسبون أنّ ما نمدّهم به من مال و بنين . نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون » و الآية في سورة المؤمنين ، كما أنّ طول العمر ،

و حصول الحوائج أيضا ليسا بدليلين على حسن صاحبهما ، قال تعالى : و لا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين ٢ ، و قال عزّ و جلّ : فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ٣ .

« فإنّ اللّه سبحانه يختبر » أي : يمتحن .

« عباده المستكبرين في أنفسهم » أي : عند أنفسهم ، و إن لم يكونوا كبيرين في ميزان الإنسانية .

« بأوليائه المستضعفين في أعينهم » و إن كانوا قويّين من حيث الدّيانة ،

قال تعالى : و كذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين ٤ .

قال القمّي في ( تفسيره ) : كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمّون أصحاب الصفّة ، و كان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمرهم أن يكونوا في صفّة يأوون إليها ،

و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يتعاهدم بنفسه ، و ربما حمل إليهم ما يأكلون ، و كانوا يختلفون إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيقرّبهم و يقعد معهم و يؤنسهم ، و كان إذا جاء

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٦٥ « و قد » أيضا .

( ٢ ) آل عمران : ١٧٨ .

( ٣ ) الأنعام : ٤٤ .

( ٤ ) الأنعام : ٥٣ .

٦٤

الأغنياء و المترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك ، و يقولون له : اطردهم عنك .

فجاء يوما رجل من الأنصار إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و عنده رجل من أصحاب الصفّة قد لزق بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و النبيّ يحدّثه ، فقعد الأنصاري بالبعد منهما . فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : تقدّم . فلم يفعل ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : لعلّك خفت أن يلزق فقره بك . . . ١ و فيه : أنّه كان ابن أمّ مكتوم مؤذّن النبي صلى اللّه عليه و آله و كان أعمى ، فجاء إليه و عنده أصحابه ، و عثمان عنده ، فقدّمه النبيّ صلى اللّه عليه و آله على عثمان ، فعبس عثمان وجهه ، و تولّى عنه فأنزل اللّه تعالى : عبس و تولّى . ان جاءه الأعمى ٢ .

و عن ( تفسير العياشي ) عن الأصبغ بن نباتة قال : بينما عليّ عليه السّلام يخطب يوم الجمعة على المنبر ، فجاء الأشعث بن قيس يتخطى رقاب الناس ، فقال : يا أمير المؤمنين : حالت هؤلاء بيني و بين وجهك . قال : فقال علي عليه السّلام : ما لي و ما للضياطرة ، أطرد قوما غدوا أوّل النهار يطلبون رزق اللّه ، و آخر النهار ذكروا اللّه ، أفأطردهم فأكون من الظالمين ٣ ؟

« و لقد دخل موسى بن عمران و معه أخوه هارون عليهما السلام على فرعون » ( في تفسير القمي ) عن محمّد بن مسلم قلت لأبي جعفر عليه السّلام : كان هارون أخا موسى لأبيه و أمّه ؟ قال : نعم ، أما تسمع اللّه تعالى يقول : . . يابن أدم لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي . . . ٤ . فقلت : فأيّهما كان أكبر سنّا ؟ قال : هارون . قلت :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٠٢ .

( ٢ ) رواه القمي في تفسيره ٢ : ٤٠٤ ، و روى نحوه المرتضى في تنزيه الأنبياء : ١١٩ ، و الطوسي في التبيان ١٠ : ٢٦٩ ،

لكن عبارة المرتضى « رجل من الأصحاب » ، و الطوسي « رجل من بني أميّة » ، و الروايات الثلاث مجردة من السند ، و الآيتان ( ١ ٢ ) من سورة عبس .

( ٣ ) تفسير العياشي ١ : ٣٦٠ ح ٢٦ ، و في الأصل « حالت الحمد بيني » .

( ٤ ) طه : ٩٤ .

٦٥

فكان الوحي ينزل عليهما جميعا . قال : الوحي ينزل على موسى ، و موسى يوحيه إلى هارون . فقلت له : اخبرني عن الأحكام و القضاء ، و الأمر و النهي ،

أكان ذلك إليهما ؟ قال : كان موسى الّذي يناجي ربّه ، و هارون يكتب العلم ،

و يقضي بين بني إسرائيل ، و يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة . قلت : فأيّهما مات قبل صاحبه ؟ قال : مات هارون قبل موسى عليهما السّلام ، و ماتا جميعا في التيه .

قلت : فكان لموسى عليه السّلام ولد ؟ قال : لا ، كان الولد لهارون ، و الذريّة له . . . ١ و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام : لمّا بعث اللّه تعالى موسى إلى فرعون ، أتى بابه فاستأذن عليه ، فلم يؤذن له ، فضرب بعصاه الباب ، فاصطكّت الأبواب ففتحت ، ثمّ دخل على فرعون ، فأخبره أنّه رسول ربّ العالمين و سأله أن يرسل معه بني إسرائيل ٢ .

« و عليهما مدارع الصوف » في ( الكافي ) عن الحسين بن كثير الخزّاز : رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام ، و عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه ، و فوقها جبّة صوف ،

و فوقها قميص غليظ ، فمسستها ، فقلت : جعلت فداك ، إنّ الناس يكرهون لباس الصوف . فقال : كلاّ ، كان أبي محمّد بن علي عليه السّلام يلبسها ، و كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يلبسها ، و كانوا يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة ،

و نحن نفعل ذلك ٣ .

« و بأيديهما العصيّ » في ( غيبة النعماني ) عن الصادق عليه السّلام : عصا موسى عليه السّلام قضيب آس من غرس الجنّة ، أتاه بها جبرائيل لمّا توجّه تلقاء مدين ، و هي و تابوت آدم في بحيرة طبرية ، و لن يبليا ، و لن يتغيّرا حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٣٦ ، و في بعض النسخ : « كان موسى الذي يناجي ربّه و يكتب العلم و يقضي بين بني إسرائيل ، و هارون يخلفه إذا غاب » .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ١١٨ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٥٠ ح ٤ ، و قريبا منه روى الراوندي في الدعوات عنه البحار ٤٦ : ١٠٨ ح ١٠٤ .

٦٦

يخرجهما القائم عليه السّلام إذا قام ١ .

و في ( المناقب ) و سأل ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السّلام عن شي‏ء شرب و هو حيّ ، و أكل و هو ميّت ؟ فقال عليه السّلام : ذلك عصا موسى شربت و هي في شجرتها غضّة ، و أكلت لمّا التقفت حبال السحرة و عصيّهم ٢ .

و في ( الخصال ) : عنه عليه السّلام : سأله الشامي عن ستّة لم يركضوا في رحم .

فقال عليه السّلام : آدم و حواء و كبش إبراهيم عليه السّلام ، و عصا موسى عليه السّلام ، و ناقة صالح ،

و الخفاش الّذي عمله عيسى بن مريم عليه السّلام ، فطار بإذن اللّه ٣ .

« فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه و دوام عزّه » اذهبا إلى فرعون إنّه طغى .

فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى ٤ .

« فقال : ألا تعجبون من هذين » قالوا الإشارة في مثله للتحقير .

« يشرطان لي دوام العزّ و بقاء الملك و هما بما ترون من حال الفقر و الذلّ » ثمّ أرسلنا موسى و أخاه هارون بآياتنا و سلطان مبين . إلى فرعون و ملئه فاستكبروا و كانوا قوما عالين . فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا و قومهما لنا عابدون . فكذّبوهما فكانوا من المهلكين ٥ .

« فهلاّ ألقي عليهما أساور » في ( الصحاح ) : السوار : سوار المرأة ، و الجمع :

أسورة ، و جمع الجمع : أساورة ، و قرى‏ء فلو لا ألقي عليه أساورة من ذهب . . . ٦ و قد يكون جمع أساور كقوله تعالى : . . . يحلّون فيها من أساور

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الغيبة للنعماني : ١٥٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨٣ .

( ٣ ) الخصال للصدوق : ٣٢٢ ح ٨ .

( ٤ ) طه : ٤٣ ٤٤ .

( ٥ ) المؤمنون : ٤٥ ٤٨ .

( ٦ ) الزخرف : ٥٣ .

٦٧

من ذهب ١ و قال أبو عمرو بن العلاء : واحدها إسوار ٢ .

« من ذهب إعظاما للذهب و جمعه » و ورد أنّ أوّل ما ضربت السكّة على الذهب قبّله الشّيطان ، و قال : كم أضلّ بك ٣ .

« و احتقارا للصوف و لبسه » قال ابن أبي الحديد في الخبر : إنّ أوّل لباس لبسه آدم لمّا هبط إلى الأرض صوف كبش قيّضه اللّه له ، و أمره أن يذبحه ،

فيأكل لحمه و يلبس صوفه ، و لأنّه أهبط عريانا من الجنّة فذبحه ، و غزلت حواء صوفه ، فلبس آدم منه ثوبا ، و ألبس حواء ثوبا آخر ، فلذلك صار شعار الأولياء ،

و انتسبت إليه الصوفية ٤ .

قلت : أمّا ما قاله من انتساب الصوفية إليه ، فقد قيل بالفارسية :

نقد صوفى نه همه صافى و بيغش باشد

اى بسا خرقه كه مستوجب آتش باشد

« و لو أراد اللّه سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان » الذهبان : جمع الذهب ، و نقل الكلام « و لو أراد سبحانه . . . » ( حجّ الكافي ) في باب ابتلاء الخلق بالكعبة مع اختلاف يسير قائلا : و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال في خطبة له : و لو أراد اللّه جلّ ثناؤه بأنبيائه . . . ٥ « و معادن العقيان » قيل : العقيان هو ذهب ينبت ، و لا يحصل من الحجارة .

« و مغارس الجنان » قيل : إنّه إشارة إلى ما اقترحه الكفّار في نبيّنا صلى اللّه عليه و آله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكهف : ٣١ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٦٩٠ مادة ( سور ) .

( ٣ ) أخرج هذا المعنى الصدوق في أماليه : ١٦٨ ح ١٤ المجلس ٣٦ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٤٢٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٤ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٤ : ١٩٨ ح ٢ .

٦٨

بقولهم : أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنّة يأكل منّها . . . ١ .

« و أن يحشر معهم طير السماء ، و وحوش الأرض » و في اقتراح الكفّار بدله . . . لو لا أنزل عليه ملك . . . ٢ .

« لفعل » لقدرته على كلّ شي‏ء ، لكنّه تعالى لا يفعل ما ليس بحكمة ، و لو أتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض . . . ٣ . كما أنّ السّلاطين لا يفعلون إلاّ ما تقتضيه السياسة لا ما تهواه السوقة ، و قد أشار عليه السّلام إلى مفاسد فتح ما ذكر لهم ، و حشر ما سطر معهم بقوله :

« و لو فعل لسقط البلاء » اللام فيه للعهد الذكرى ، أي : بالبلاء و الابتلاء المفهوم من قوله عليه السّلام قبل « فإنّ اللّه سبحانه يختبر عباده المستكبرين . . . » .

« و بطل الجزاء » اللام فيه للعهد الذهني ، أي : الجزاء المعهود في الشرائع للمطيعين و العاصين .

« و اضمحلّت الأنباء » و في ( الكافي ) : « و اضمحل الابتلاء » ٤ .

قال ابن أبي الحديد : الأنباء جمع نبأ ، و هو الخبر ، أي : لسقط الوعد و الوعيد و بطلان ٥ .

قلت : و يحتمل أن يكون الإنباء بكسر الهمزة : مصدر أنبأ ، و المراد إرسال الأنبياء بكون الصّواب ما في ( الكافي ) بلفظ : و اضمحلّ .

« و لما » بتخفيف الميم ، و لأنّه لام الابتداء و ما النافية .

« وجب للقابلين » أي : قابلي نبوّة الأنبياء .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفرقان : ٨ .

( ٢ ) الأنعام : ٨ .

( ٣ ) المؤمنون : ٧١ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ١٩٨ ح ٢ ، و في بعض النسخ « الأنباء » .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٤ .

٦٩

« أجور المبتلين » بفتح اللام : جمع المبتلى ، أي : الممتحنين .

« و لا استحق المؤمنون ثواب المحسنين » و في ( الكافي ) : و لا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ١ . و إنّما كانوا غير مستحقين لثواب لأنّهم في إيمانهم ما فعلوا شيئا ، فالمنافقون أيضا يؤمنون بنبيّ كذلك .

« و لا لزمت الأسماء معانيها » و في ( الكافي ) هكذا : و لا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ، و لذلك لو أنزل اللّه من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ٢ ، و لو فعل لسقط البلوى عن النّاس أجمعين ٣ .

قال ابن ميثم : روي بنصب الأسماء ، و في نسخة الرضي رحمه اللّه برفع الأسماء ، و المعنى : أنّه لم تكن المعاني لازمة للأسماء في من سمّي بها ، مثلا من سمّي مؤمنا لا يكون معنى الايمان الحقّ لازما لاسمه فيه ، إذ كان إيمانه بلسانه فقط عن رغبة أو رهبة ٤ .

و قال ابن أبي الحديد : أي من سمّي مؤمنا ليس بمؤمن إيمانا من فعله ،

بل يكون ملجأ إلى الإيمان بما يشاهده من الآيات العظيمة ٥ .

و ما ذكره ابن أبي الحديد أقرب ، و يشهد له زيادة ( الكافي ) المتقدمة ،

فيكون المراد أنّه لو كان الأمر كذلك لصار الناس جميعهم في الدّنيا مؤمنين كأهل الآخرة ، حيث يرون آيات اللّه عيانا ، فلا يكون لهم مجال للانكار ، كما لا يكون لأحد مع وجود الشمس مجال لإنكار النهار .

« و لكنّ اللّه سبحانه جعل رسله أولي قوّة في عزائمهم » و كون أولي العزم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٤ : ١٩٨ ح ٢ .

( ٢ ) الشعراء : ٤ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ١٩٨ ح ٢ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧٥ و نقل بتصرف .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٤ و النقل بالمعنى .

٧٠

من الرّسل منحصرا بخمسة : نوح ، و إبراهيم ، و موسى ، و عيسى ، و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و عليهم لا ينافي كلامه عليه السّلام في كون كلّهم أولى قوّة في عزائمهم ، لأنّ جميعهم كانوا أولي عزم في دعوة الناس إلى ربّهم ، و أولئك كانوا أولي عزم خاص في ذلك ، بحيث كانت أوقاتهم مستغرقة في الدعوة .

قال نوح : . . . ربّ إنّي دعوت قومي ليلا و نهارا ١ .

و روى ( الكافي ) عن الصّادق عليه السّلام : أنّهم صاروا أولي العزم لأنّ نوحا بعث بكتاب و شريعته ، و كلّ من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح و شريعته و منهاجه ، حتّى جاء إبراهيم عليه السّلام بالصحف و بعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به ، فكلّ نبيّ جاء بعد إبراهيم عليه السّلام أخذ بشريعته إبراهيم و منهاجه و بالصحف ،

حتّى جاء موسى عليه السّلام بالتّوارة و شريعته و منهاجه و بعزيمة ترك الصحف ،

و كلّ نبيّ جاء بعد موسى عليه السّلام أخذ بالتوراة و شريعته و منهاجه ، حتّى جاء المسيح عليه السّلام بالانجيل و بعزيمة ترك شريعة موسى و منهاجه ، فكلّ نبيّ جاء بعد المسيح عليه السّلام أخذ بشريعته و منهاجه ، حتّى جاء محمّد صلى اللّه عليه و آله فجاء بالقرآن و بشريعته و منهاجه ، فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، و حرامه حرام إلى يوم القيامة ، فهؤلاء أولو العزم من الرّسل ٢ .

و في ( تفسير القمي ) : معنى أولي العزم أنّهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار باللّه ، و الإقرار بكلّ نبيّ كان قبلهم و بعدهم ، و عزموا على الصبر على التكذيب و الأذى ٣ .

و توهم الخوئي المنافاة بين كلامه عليه السّلام و كون أولي العزم خمسة ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نوح : ٥ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٧ ح ٢ ، و البرقي في المحاسن : ٢٦٩ ح ٣٥٨ عن الصادق عليه السّلام و قريبا منه أخرجه الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٧٩ ح ١٣ ، و علل الشرائع : ١٢٢ ح ٢ عن الرضا عليه السّلام .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٣٠٠ .

٧١

فقال : قال بعض المفسّرين في قوله تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرّسل . . . ١ : إنّ ( من ) للتبيين لا للتبعيض ، و إن كلّ الرسل أولو العزم ٢ .

و هو كما ترى كخرق الإجماع ، و كيف كان فيشهد لقوله عليه السّلام من كون جميعهم أولي قوّة في عزائمهم أنّ يوسف عليه السّلام في السّجن كان يدعو الناس إليه تعالى ، فقال لصاحبي سجنه : . . . أ أرباب متفرّقون خير أم اللّه الواحد القهّار . ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٣ . و أنّ يعقوب عليه السّلام حتّى في احتضاره كان يدعو إليه تعالى ،

قال سبحانه : أم كنتم شهداء إذا حضرت يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون ٤ .

« و ضعفة في ما ترى الأعين من حالاتهم » قال تعالى حكاية عن قوم شعيب له : . . . ما نفقه كثيرا ممّا تقول و إنّا لنراك فينا ضعيفا . . . ٥ .

« مع قناعة تملأ القلوب و العيون غنى » أصل الغنى غنى القلب و العين ،

و ليس غناهما إلاّ بالقناعة ، و أمّا الحريص فقلبه و عينه مشحونان من الفقر ،

و إن كان ذا ثروة و وفرة ، قال سليمان عليه السّلام لرسل بلقيس ملكة اليمن : . . . بل أنتم بهديّتكم تفرحون ٦ .

و لمّا قالت قريش للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : دع دعوتك نغنيك و نملّك علينا . قال لهم :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحقاف : ٣٥ .

( ٢ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٦١ ، و الظاهر أن مراده ببعض المفسرين : الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) يوسف : ٣٩ ٤٠ .

( ٤ ) البقرة : ١٣٣ .

( ٥ ) هود : ٩١ .

( ٦ ) النمل : ٣٦ .

٧٢

لو كنتم تقدرون على أن تجعلوا الشّمس في يميني ، و القمر في شمالي ما تركت طريقتي ١ .

هذا ، و في ( تفسير القمي ) في غزوة الخندق : فبينا المهاجرون و الأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه ، فبعثوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله يعلمه بذلك ، قال جابر : فجئت إلى المسجد و النبيّ صلى اللّه عليه و آله مستلق على قفاه ، و رداؤه تحت رأسه ، و قد شدّ على بطنه حجرا . . .

فعلمت أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مقو أي : جائع لما رأيت على بطنه الحجر . فقلت : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هل لك في الغذاء . قال : ما عندك يا جابر ؟ فقلت : عناق و صاع من شعير . فقال : تقدم و أصلح ما عندك . قال : فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير ، و ذبحت العنز و سلختها ، و أمرتها أن تختبز و تطبخ و تشوي ، فلمّا فرغت من ذلك جئت إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقلت : بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه قد فرغنا فاحضر مع من أحببت . فقام إلى شفير الخندق ثمّ قال : معاشر المهاجرين و الأنصار ، أجيبوا جابرا . قال جابر : و كان في الخندق سبعمائة رجل ، فخرجوا كلّهم ثمّ لم يمرّ بأحد من المهاجرين و الأنصار إلاّ قال : أجيبوا جابرا . قال جابر : فتقدّمت و قلت لأهلي : و اللّه قد أتاك النبي صلى اللّه عليه و آله بما لا قبل لك به .

فقالت : أعلمته أنت بما عندنا ؟ قال : نعم . قالت : هو أعلم بما أتي .

قال جابر : فدخل النبي صلى اللّه عليه و آله فنظر في القدر ، ثمّ قال : اغرفي و أبقي . ثمّ نظر في التنور ، ثمّ قال : اخرجي و أبقي . ثمّ دعا بصحنة فثرد فيها و غرف . فقال :

يا جابر أدخل عليّ عشرة . فأدخلت عشرة . فأكلوا حتّى نهلوا ، و ما يرى في القصعة إلاّ آثار أصابعهم . . . قال جابر : فقلت : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كم للشاة من ذراع قال : ذراعان . فقلت : و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا لقد أتيتك بثلاثة . فقال : أما لو

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله ابن هشام في السيرة ١ : ٢٤٠ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦٧ ، و ابن شهر آشوب في المناقب ١ : ٥٨ .

٧٣

سكّت يا جابر لأكل النّاس كلّهم من الذراع . قال جابر : فأقبلت أدخل عشرة عشرة ، فدخلوا يأكلون حتّى أكلوا كلّهم ، و بقي و اللّه لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أيّاما ١ .

« و خصاصة » أي : فقر .

« تملأ الأبصار » برؤيتها .

« و الأسماع » بسماعها .

« أذى » ورثى قلبه لهم .

« و لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام » من رام يروم ، أي : طلب .

« و عزّة لا تضام » من الضّيم بمعنى : الاستذلال .

« و ملك تمتدّ نحوه أعناق الرّجال » كناية عن الرغبة الشديدة ، فمن اشتاق إلى شي‏ء شديدا يمدّ عنقه نحوه ليراه كاملا .

« و تشدّ إليه عقد الرّحال » الرحل للبعير كالسرج للدابّة ، و هو أيضا كناية عن غاية الشوق ، حتّى يحمل صاحبه على الشخوص نحو المطلوب إلى مسافة بعيدة .

« لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار » و في ( الكافي ) « في الاختبار » ٢ و هو الأصح كما لا يخفى .

« و أبعد لهم في الاستكبار » و قالوا لو لا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ٣ . و كانوا يقولون : كيف نتّبع يتيم أبي طالب .

« و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم » كإيمان أبي سفيان و معاوية ، و كثير من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمّي ٢ : ١٧٨ .

( ٢ ) الكافي ٤ : ١٩٩ ح ٢ .

( ٣ ) الزخرف : ٣١ .

٧٤

أهل مكّة بعد فتح النبي صلى اللّه عليه و آله لها ، فآمنوا ظاهرا ليحقنوا به دماءهم ، و قال عليه السّلام في معاوية و أصحابه : ما أسلموا ، و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر ، فلمّا و جدوا أعوانا عليه أظهروه ١ .

« أو رغبة مائلة بهم » روى الطبري عن هشام عن عوانة عن لبطة بن الفرزدق عن أبيه و ذكر لقاءه الحسين عليه السّلام في الحرم لمّا أراد الكوفة خارجا من مكّة ، و سؤاله عن أشياء من نذور و مناسك قال الفرزدق : ثمّ مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم ، و هيئته حسنة ، فأتيته فإذا هو لعبد اللّه بن عمرو بن العاص ، فسألني ، فأخبرته بلقاء الحسين بن علي عليهما السّلام ، فقال لي : و يلك فهلاّ أتّبعته ، فو اللّه ليملكنّ و لا يجوز السلاح فيه ، و لا في أصحابه قال : فهممت و اللّه أن ألحق به ، و وقع في قلبي مقالته ، ثمّ ذكرت الأنبياء و قتلهم ، فصدّني ذلك عن اللّحاق بهم ٢ .

قلت : كان عبد اللّه بن عمرو سمع من أخبار الملاحم شيئا ، و الظاهر أنّه سمع أنّ الحسين عليه السّلام و أصحابه لا يجدون ألم السّلاح ، كما ورد في خبر آخر ،

لشدّة شوقهم ، فوهم و بدّله بعدم جواز السلاح و أثره فيهم .

و روى الطبري أيضا عن أبي مخنف ، عن أبي عليّ الأنصاري ، عن بكر بن مصعب المزني ، قال : كان الحسين عليه السّلام لا يمرّ أهل ماء إلاّ اتّبعوه ، حتّى انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة ، فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم : « أمّا بعد فإنّه قد أتانا خبر فظيع : قتل مسلم بن عقيل ، و هانى‏ء بن عروة ، و عبد اللّه بن بقطر ، و قد خذلتنا شيعتنا . فمن أحبّ منكم الانصراف ، فلينصرف ليس عليه منّا ذمام » فتفرّق النّاس عنه تفرّقا ، فأخذوا يمينا و شمالا حتّى بقي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ١٦ الكتاب ١٦ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٩٠ سنة ٦٠ .

٧٥

في أصحابه الّذين جاؤوا معه من المدينة ، و إنّما فعل ذلك لأنّه ظنّ أنّما اتّبعه الأعراب ، لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلاّ و هم يعلمون علام يقدمون ، و قد علم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلاّ من يريد مواساته و الموت معه ١ .

« فكانت النيّات مشتركة و الحسنات مقتسمة » قال ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ٢ : أي تكون النيّات حينئذ مشتركة بين تعالى و بين ما يأملونه من الشهوات و الحسنات ، و مقتسمة بينه تعالى ، و بين تلك الشهوات ، غير خالصة من هوى الأنفس .

قلت : بل المراد أنّ النيّات تصير حينئذ مشتركة بين الموحّد و الملحد ،

و الحسنات مقتسمة بين الصالح و الطالح .

« و لكنّ اللّه سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله » الظرف لغو ، و كذلك في الفقرات الأربع بعده .

« و التّصديق لكتبه » الصحف ، و التّوراة ، و الإنجيل ، و الزبور ، و القرآن .

« و الخشوع لوجهه » أي : لذاته .

« و الاستكانة » أي : الخضوع و المسكنة .

« لأمره » التكليفي .

« و الاستسلام » أي : الانقياد .

« لطاعته أمورا له » تعالى .

« خاصّة لا يشوبها » أي : لا يختلطها .

« من غيرها شائبة » و الأصل فيها قذر يشرب و يختلط بشي‏ء طيب ، قال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٠ سنة ٦٠ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) هذا المعنى قاله ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٣٥ ، و ابن ميثم في شرحه ٤ : ٢٧٧ ، و الخوئي في شرحه ٥ : ٢٦١ .

٧٦

تعالى : . . . فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا ١ .

و عن النبي صلى اللّه عليه و آله : أنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به ، فإذا صعد بحسناته يقول اللّه تعالى : اجعلوها في سجّين ، إنّه ليس إيّاي أراد بها ٢ .

و عن الصادق عليه السّلام قال اللّه عزّ و جلّ : أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا ٣ .

٧

من الخطبة ( ١٥٨ ) وَ إِنْ شِئْتُ ثَنَّيْتُ ؟ بِمُوسَى كَلِيمِ اَللَّهِ ص ؟ إِذْ يَقُولُ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ٢٨ : ٢٤ ٤ وَ اَللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ اَلْأَرْضِ وَ لَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ اَلْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ . وَ إِنْ شِئْتُ ثَلَّثْتُ ؟ بِدَاوُدَ ص ؟ صَاحِبِ اَلْمَزَامِيرِ وَ قَارِئِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ اَلْخُوصِ بِيَدِهِ وَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا وَ يَأْكُلُ قُرْصَ اَلشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا وَ إِنْ شِئْتُ قُلْتُ فِي ؟ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ ع ؟ فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ اَلْحَجَرَ وَ يَلْبَسُ اَلْخَشِنَ وَ كَانَ إِدَامُهُ اَلْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ اَلْقَمَرَ وَ ظِلاَلُهُ فِي اَلشِّتَاءِ مَشَارِقَ اَلْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ فَاكِهَتُهُ وَ رَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكهف : ١١٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٩٤ ح ٧ ، و ابن الأشعث في الأشعثيات : ١٦٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٩٥ ح ٩ ، و الأهوازي في الزهد : ٦٣ ، و البرقي في المحاسن : ٢٥٢ ، و تفسير العياشي ٢ : ٣٥٣ ح ٩٤ ، و رواه الطبرسي في مشكاة الأنوار : ١١ ، و ابن فهد في عدّة الداعي و صاحب فقه الرضا فيه عنهما المستدرك ١ : ١٠ ح ٥ ، ٧ .

( ٤ ) القصص : ٢٤ .

٧٧

اَلْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَ لاَ وَلَدٌ يَحْزُنُهُ وَ لاَ مَالٌ يَلْفِتُهُ وَ لاَ طَمَعٌ يُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ وَ خَادِمُهُ يَدَاهُ « و إن شئت ثنّيت » أي : جعلت دليلا ثانيا في ذمّ الدّنيا و عيبها ، و كثرة مخازيها و مساويها .

« بموسى كليم اللّه صلى اللّه عليه و آله » و الدّليل الأوّل : عمل الدّنيا مع نبيّنا صلى اللّه عليه و آله ، إذ قبضت عنه أطرافها ، و وطئت لغيره أكنافها ، كما يأتي في فصل النبوّة الخاصّة ، و كون موسى عليه السّلام كليم اللّه ممّا نطق به القرآن ، قال عزّ و جلّ . . . و كلّم اللّه موسى تكليما ١ ، و عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أنّ اللّه تعالى ناجى موسى بن عمران بمائة كلمة ، و أربعة و عشرين ألف كلمة ، في ثلاثه أيّام و لياليهنّ ، ما طعم فيها موسى و لا شرب فيها ، فلمّا انصرف إلى بني إسرائيل و سمع كلامهم مقتهم ، لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام اللّه تعالى ٢ .

و روى ( العلل ) عن الصادق عليه السّلام : أوحى اللّه تعالى إلى موسى ، أتدري لم اصطفيتك لكلامي دون خلقي ؟ فقال موسى : لا ياربّ . فقال يا موسى : إنّي قلّبت عبادي ظهرا لبطن ، فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي منك نفسا . يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التّراب ٣ . و كان موسى عليه السّلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض و الأيسر ٤ .

« إذ يقول : ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير » الآية في سورة القصص ، و قبلها : و لمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من النّاس يسقون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ١٦٤ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٦٤١ ح ٢٠ باب ( الأنف ) .

( ٣ ) علل الشرائع للصدوق : ٥٦ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ١٢٣ ح ٧ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٦٦ ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٣ : ٨ ح ٨ ، و الطبرسي في مشكاة الأنوار : ٢٢٧ .

( ٤ ) علل الشرائع للصدوق : ٥٧ ح ٢ ، في ذيل الحديث .

٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و وجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتّى يصدر الرّعاء و أبونا شيخ كبير . فسقى لهما ثمّ تولّى إلى الظلّ فقال . . . ١.

« و اللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله » في ( الكافي ) عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله : الخبز مبارك ،

أرسل اللّه تعالى له السماء مدرارا ، و له أنبت اللّه المرعى ، و به صلّيتم ، و به صمتم ، و به حججتم بيت ربّكم ٢ .

و عنه صلى اللّه عليه و آله : أكرموا الخبز ، فانّه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض و ما فيها كثير من خلقه ٣ .

و في ( العيون ) عن الرضا عليه السّلام : أنّ سلمان دعا أباذر إلى منزله فقدّم إليه رغيفين ، فأخذ أبوذر الرغيفين فقلّبهما ، فقال سلمان : يا أباذر لأي شي‏ء تقلّب هذين الرّغيفين ؟ قال : خفت أن لا يكونا نضيجين ، فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا ، ثمّ قال : ما أجرأك حيث تقلّب هذين الرغيفين ، فو اللّه لقد عمل في هذا الخبز الماء الّذي تحت العرش ، و عملت فيه الملائكة حتّى ألقوه إلى الرّيح ،

و عملت فيه الريح حتّى ألقته إلى السحاب ، و عمل فيه السحاب حتّى أمطره إلى الأرض ، و عمل فيه الرّعد و البرق و الملائكة حتّى وضعوه مواضعه ، و عملت فيه الأرض و الخشب و الحديد و البهائم و النار و الحطب و الملح ، و ما لا أحصيه أكثر ، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر ؟ فقال أبو ذر : إلى اللّه أتوب و أستغفر إليه ممّا أحدثت ٤ .

« لأنّه كان يأكل بقلة الأرض ، و لقد كانت خضرة البقل ترى » البقلة .

« من شفيف » من شف عليه ثوبه ، إذا رقّ حتّى يرى ما خلفه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٢٣ ٢٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٣٠٣ ح ٦ ، و المحاسن للبرقي : ٥٨٥ ح ٨٢ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٦ : ٣٠٢ ح ٢ ، و المحاسن للبرقي : ٥٨٥ ح ٨١ ، و مكارم الأخلاق للطبرسي : ١٥٤ .

( ٤ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٥٢ ح ٢٠٣ ، و أمالي الصدوق : ٣٥٩ ح ٦ المجلس ( ٦٨ ) .

٧٩

« صفاق » أي : الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر .

« بطنه لهزاله » الهزال مقابل السمين .

« و تشذّب لحمه » أي : تفرّقه .

« و إن شئت ثلّثت » أي : جعلت دليلا ثالثا لك في نقص الدّنيا .

« بداود صلى اللّه عليه و آله صاحب المزامير » جمع المزمار ، قيل : قيل له صاحب المزامير ، لأنّه كان كأنّ في حلقه مزامير من حسن صوته .

« و قارى أهل الجنّة » قال تعالى : . . . و آتينا داود زبورا ١ ، . . . و اذكر عبدنا داود ذا الأيد إنّه أوّاب . إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ و الإشراق . و الطير محشورة كلّ له أوّاب . و شددنا ملكه و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب ٢ ، و لقد آتينا داود منّا فضلا يا جبال أوّبي معه و الطير و ألنّا له الحديد . أن اعمل سابغات و قدّر في السرد . . . ٣ .

« فلقد كان يعمل سفائف » أي : نسائج .

« الخوص » أي : ورق النخل .

« بيده و يقول لجلسائه أيّكم يكفيني بيعها » و روى الطبري في ( ذيله ) أنّه كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، و كان على ثلاثين ألفا من الناس يحطب في عباءة يفترش نصفها ، و يلبس نصفها ، و كان إذا خرج عطاؤه أمضاه و يأكل من سفيف يده ٤ .

و روى ( الاستيعاب ) أنّ قوما دخلوا على سلمان و هو أمير على المدائن ،

و هو يعمل الخوص ، فقيل له : تعمل هذا و أنت أمير يجري عليك رزق ؟ فقال : إنّي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٥٥ .

( ٢ ) ص : ١٧ ٢٠ .

( ٣ ) سبأ : ١٠ ١١ .

( ٤ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٣٣ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

1 ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

2 ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

3 ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

1 ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

2 ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

3 ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من 90% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

1 ـ الايمان بالله.

2 ـ الالتزام والمسؤولية.

3 ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

4 ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

5 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

6 ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

7 ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(1) .

________________

(1) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ 2 / 1 / 1960 الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة 1959 ، هو 362665 في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ 444391 ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً 3600 سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(1) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(1) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605