الفروع من الكافي الجزء ٣

الفروع من الكافي10%

الفروع من الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 790

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 790 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 184480 / تحميل: 6200
الحجم الحجم الحجم
الفروع من الكافي

الفروع من الكافي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

ملاحظة

هذا الكتاب

طبع ونشر الكترونياً وأخرج فنِيّاً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلميّة في الشبكة

٢

٣

٤

٥

(٥)

كتاب الإيمان والكفر‌

٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ‌

[٥]

كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ‌

١ - بَابُ طِينَةِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ (١)

١٤٤٩/ ١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسى ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ‌

__________________

(١). في « ب » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر ».

وفي « ج » : « بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الكفر والإيمان. باب طينة المؤمن والكافر. أخبرني محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني ».

وفي « د » : « كتاب الإيمان والكفر. بسم الله الرحمن الرحيم. باب طينة المؤمن والكافر. أخبرنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني ».

وفي « ز » : « بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الكفر والإيمان. باب طينة المؤمن والكافر ».

وفي « ص » : « بسم الله الرحمن الرحيم. باب طينة المؤمن والكافر. حدّثني أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد التلّعكبري ، قال : حدّثني أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ، قال : حدّثني ».

وفي « ض » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه نستعين. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر ».

وفي « ف » : « الحمد لله ‌ربّ العالمين. بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الكفر والإيمان ، والطاعات والمعاصي من المجلّد الثاني من كتابالكافي . باب طينة المؤمن والكافر. قال أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني : حدّثني ».

وفي « ه » : « بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر. حدّثني ».

وفي « بر » : « بسم الله الرحمن الرحيم. وبه ثقتي. ربِّ يسّر. المجلّد الثاني من المجلّدات السبع من الكتابالكافي تأليف الشيخ الفقيه الكامل أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني قدّس الله سرّه ، ونوّر ضريحه. كتاب الإيمان والكفر. باب طينة المؤمن والكافر ».

وفي « بس » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي. باب طينة المؤمن والكافر ».=

٧

رَجُلٍ(١) :

عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِعليهما‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ(٢) اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - خَلَقَ النَّبِيِّينَ مِنْ طِينَةِ عِلِّيِّينَ قُلُوبَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ ، وَخَلَقَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ(٣) ، وَجَعَلَ(٤) خَلْقَ أَبْدَانِ الْمُؤْمِنِينَ(٥) مِنْ دُونِ ذلِكَ(٦) ، وَخَلَقَ الْكُفَّارَ مِنْ طِينَةِ سِجِّينٍ(٧) قُلُوبَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ ، فَخَلَطَ‌

__________________

= وفي « بف » : « بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه ثقتي. كتاب الإيمان منالكافي ، والكفر ، والدعاء ، وفضل القرآن ، والزكاة ، والصوم ، والاعتكاف. باب طينة المؤمن والكافر ».

وفي شرح المازندراني : « بسم الله الرحمن الرحيم. باب طينة المؤمن والكافر. أخبرنا محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني ».

وفيمرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١ : « كتاب الإيمان والكفر من كتابالكافي ، تصنيف الشيخ أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني رضي‌ الله ‌عنه وأرضاه » ثمّ قال : « أقول : تلك الفقرات لم تكن في بعض النسخ ، والظاهر أنّه من كلام رواةالكافي ».

(١). الخبر رواه الصفّار فيبصائر الدرجات ، ص ١٥ ، ح ٥ عن العبّاس بن معروف ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام . لكن في بعض نسخ البصائر زيادة : « عن رجل » بعد « ربعي ».

(٢). في « ض » : - « إنّ ».

(٣). فيالوافي : « الطينة : الخلقة والجبلّة. وعلّيّين ، جمع علّيّ ، أو مفرد ويعرب بالحروف والحركات : يقال للجنّةوالسماء السابعة والملائكة الحفظة الرافعين لأعمال عباد الله الصالحين إلى الله سبحانه. والمراد به أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله ؛ وله درجات كما يدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار الآتية من قولهم : « أعلى علّيّين » وكما وقع التنبيه عليه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والأبدان كليهما إليه ، مع اختلافهما في الرتبة ».

(٤). في « بع » والمحاسن والبصائر والعلل ، ص ٨٢ و ١١٦ والاختصاص : - « جعل ».

(٥). في العلل ، ص ٨٢ والاختصاص : « أبدانهم » بدل « أبدان المؤمنين ».

(٦). في « ز » : « تلك الطينة » بدل « ذلك ».

(٧). « السجّين » : اسم لجهنّم بإزاء علّيّين.المفردات للراغب ، ص ٣٩٩ ( سجن ). وفيالنهاية ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ : « هو فِعّيل من السجن : الحبس » ، وفيالوافي : « وسجّين يقال للنار والأرض السفلى ، والمراد به أسفل الأمكنة وأخسّ المراتب وأبعدها من الله سبحانه ، فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي مخبوءة تحت عالم الملك ؛ أعني هذا العالم العنصري ؛ فإنّ الأرواح مسجونة فيه ؛ ولهذا ورد في الحديث : المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة. وخلق أبدان الكفّار من هذا العالم ظاهر ، وإنّما نسب خلق قلوبهم إليه لشدّة ركونهم إليه =

٨

بَيْنَ(١) الطِّينَتَيْنِ ، فَمِنْ هذَا(٢) يَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ ، وَيَلِدُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ السَّيِّئَةَ ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْكَافِرُ الْحَسَنَةَ ؛ فَقُلُوبُ(٣) الْمُؤْمِنِينَ تَحِنُّ(٤) إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ، وَقُلُوبُ الْكَافِرِينَ تَحِنُّ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ».(٥)

__________________

= وإخلادهم إلى الأرض وتثاقلهم إليها ، فكأنّه ليس لهم من الملكوت نصيب لاستغراقهم في الملك. والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلّق الأرواح الملكوتيّة بالأبدان العنصريّة ، بل نشؤها منها شيئاً فشيئاً ، فكلّ من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ، فيصير مؤمناً حقيقيّاً ، أو كافراً حقيقيّاً ، أو بين الأمرين على حسب مراتب الإيمان والكفر ».

وقال المحقّق الشعراني في تعليقته علىالوافي : « ظاهر هذا الكلام [ فكلّ من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ] موجب للجبر ، وهو لا يوافق المذهب ، ويبعد كلّ البعد أن يكون مراد المصنّف ما يظهر من كلامه هذا. فإن قال قائل : إنّ الخلق من طينتين مختلفتين لا يستلزم سلب القدرة عن الطرف المخالف. قلنا : الخلق من طينة علّيّين يوجب أقربيّة مَن خلَق منها إلى الخير ، والسجّين بالعكس ، وهذا أيضاً ظلم قبيح ، ومقتضى العدل واللطف الإلهي أن يخلق جميع الناس من طينة واحدة قريبة إلى الخير ، كما يدلّ عليه الآية الكريمة ، وإن خرج من خرج عن فطرته بسوء اختياره. فإن أمكن تأويل ما يخالف ذلك من الأحاديث بحيث يوافق الآية الكريمة والضروري من مذهب الإماميّة فهو ، وإلّا فهي مردودة. ونعم ما قال الفاضل محمّد صالح المازندراني : إنّ الخلق من طينتين تابع للإيمان والكفر ومسبّب عنهما ، لا العكس ؛ لأنّ الله تعالى علم أنّ جماعة يؤمنون باختيارهم ، سواء كانوا من طينة علّيّين أو من طينة سجّين ، فخلقهم من طينة علّيّين تشريفاً لهم ، وعلم أنّ جماعة يكفرون باختيارهم ولو كانوا من طينة علّيّين ، فخلقهم من طينة سجّين توهيناً وازدراءً. هذا محصّل كلامه ، ثمّ قال : وبما قرّرنا تبيّن فساد توهّم أنّ الإيمان والفضل والكمال وأضدادها تابعة لطهارة الطينة وصفائها ، وخباثة الطينة وظلمتها ؛ انتهى. فهذه الطينة عارضة على الفطرة الأصليّة على التوحيد ».

(١). في الاختصاص : - « بين ».

(٢). في الوافي : « ذلك ».

(٣). في « ص » : « وقلوب ».

(٤). « تَحِنُّ » ، أي تشتاق ؛ من الحنين ، وهو الشوق وتوقان النفس ، وأصل الحنين : ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. راجع :الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢١٠٤ ؛النهاية ، ج ١ ، ص ٤٥٢ ( حنن ).

(٥).بصائر الدرجات ، ص ١٥ ، ح ٥ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ؛المحاسن ، ص ١٣٢ ، كتاب الصفوة ، ح ٦ ، إلى قوله : « خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك » ؛علل الشرائع ، ص ٨٢ ، ح ٢ ، وفيهما بسند آخر عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبدالله الهذلي ، عمّن ذكره ، عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ؛وفيه ، ص ١١٦ ، ح ١٣ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي نعيم الهذلي ، عن رجل ؛الاختصاص ، ص ٢٤ ، مرسلاً عن ربعي ، عن رجل.الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٥ ، ح ١٦٤٣.=

٩

__________________

= قال المحقّق الشعراني في تعليقته على شرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ٤ : « ليس في الباب الأوّل من هذا الكتاب حديث يعتمد على إسناده ، بل جميع أخباره ضعيفة بوجه ، ولكنّ في البابين بعده أخباراً توصف بالحسن أو التوثيق ولكنّ مضامينها مخالفة لاُصول المذهب وللروايات الآتية في الباب الرابع ؛ أعني باب فطرة الخلق على التوحيد ؛ وذلك لأنّ من اُصول مذهبنا العدل واللطف وإن لم يخلق بعض الناس أقرب إلى قبول الطاعة وبعضهم أبعد ، والتبعيض في خلق المكلّفين مخالف لمقتضى العدل ؛ لأنّه تعالى سوّى التوفيق بين الوضيع والشريف ، مكّن أداء المأمور وسهّل سبيل اجتناب المحظور. وخلق بعض الناس من طينة خبيثة ، إمّا أن يكون ملزماً باختيار المعصية جبراً ، وهو باطل ، وإمّا أن يكون أقرب إلى قبول المعصية ممّن خلق من طينة طيّبة ، وهو تبعيض وظلم ، وقلنا : إنّه مخالف للروايات الآتية في الباب الرابع ؛ لأنّها صريحة في أنّ الله تعالى خلق جميع الناس على فطرة التوحيد ، وليس في أصل خلقهم تشويه وعيب ، وإنّما العيب عارض ، وهكذا ما نرى من خلق الله تعالى ؛ فإنّه خلق الماء صافياً ، وإنّما يكدّره الأرض التربة. وكذلك الإنسان خلق سالماً من الخبائث وأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه.

وأيضاً القرآن يدلّ على أنّ جميع الناس قالوا : بلى ، في جواب (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) [ الأعراف (٧). : ١٧٢ ] فالأصل الذي عليه اعتقادنا أنّ جميع أفراد الناس متساوية في الخلقة بالنسبة إلى قبول الخير والشرّ ، وإنّما اختلافهم في غير ذلك ، فإن دلّت رواية على غير هذا الأصل فهو مطروح ، أو مؤوّل بوجه ، سواء علمنا وجهه ، أو لم نعلم. ومن التأويلات التي هي في معنى طرح الروايات تأويل الشارح ؛ فإنّ الروايات صريحة في أنّ الطينة مؤثّرة في صيرورة العبد سعيداً أو شقيّاً ، وأوّلها الشارح بأنّها غير مؤثّرة ».

وقال العلّامة المجلسي فيمرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٥ : « اعلم أنّ ما ذكر في هذا الباب وفي بعض الأبواب الآتية من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، وممّا يوهم الجبر ونفي الاختيار ، ولأصحابنا رضوان الله عليهم فيها مسالك :

الأوّل : ما ذهب إليه الأخباريّون ، وهو أنّا نؤمن بها مجملاً ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنّها من أيّ جهة صدرت ونردّ علمها إليهمعليهم‌السلام .

الثاني : أنّها محمولة على التقيّة ؛ لموافقتها لروايات العامّة ومذاهب الأشاعرة الجبريّة ، وهم جلّهم.

الثالث : أنّها كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون ؛ فإنّه سبحانه لـمّا خلقهم وكان عند خلقهم عالماً بما يصيرون إليه فكأنّه خلقهم من طينات مختلفة.

الرابع : أنّها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابليّاتهم ، وهذا أمر بيّن لايمكن إنكاره ؛ فإنّه لايريب عاقل في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأباجهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابليّة ، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف ؛ فإنّ الله تعالى كلّف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقدر ما أعطاه من الاستعداد والقابليّة لتحصيل الكمالات ، وكلّفه ما لم يكلّف أحداً مثله ، وكلّف أباجهل ما في وسعه وطاقته ، ولم يجبره على شي‌ء من الشرّ والفساد.=

١٠

١٤٥٠/ ٢. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحسَيْنِ(١) ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ‌

__________________

= الخامس : أنّه لـمّا كلّف الله تعالى الأرواح أوّلاً في الذرّ وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشرّ باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرّع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم ، كما دلّت عليه بعض الأخبار فلا فساد في ذلك ».

وقال العلّامة الطباطبائي في ذيل هذا الحديث : « الأخبار مستفيضة في أنّ الله تعالى خلق السعداء من طينة علّيّين من الجنّة ، وخلق الأشقياء من طينة سجّين من النار ، وكلّ يرجع إلى حكم طينته من السعادة والشقاء. وقد اُورد عليها أوّلاً بمخالفة الكتاب ، وثانياً باستلزام الجبر الباطل.

أمّا البحث الأوّل فقد قال الله تعالى :( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ) [ الأنعام (٦). : ٢ ] وقال :( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) [ السجدة (٣٢) : ٧ ] ، فأفاد أنّ الإنسان مخلوق من طين ، ثمّ قال تعالى :( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) الآية ، [ البقرة (٢). : ١٤٨ ] وقال :( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَّبْرَأَهَا ) الآية ، [ الحديد (٥٧) : ٢٢ ] فأفاد أنّ للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجّه إليها ، سائر نحوها ، وقال تعالى : «( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ) الآية ، [ الأعراف (٧). : ٢٩ - ٣٠ ] فأفاد أنّ ما ينتهي إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه وقد كان في بدء خلقه طيناً ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء. وآخر السعيد إلى الجنّة وآخر الشقيّ إلى النار ، فهما أوّلهما ؛ لكون الآخر هو الأوّل ، وحينئذ صحّ أنّ السعداء خلقوا من طينة الجنّة ، والأشقياء خلقوا من طينة النار ، وقال تعالى :( كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) [ المطففين (٨٣) : ١٨ - ٢١ ] ،( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْراكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) [ المطفّفين (٨٣) : ٧ - ١٠ ] الآيات ، وهي تشعر بأنّ « علّيّين » و « سجّين » ، هما ما ينتهي إليه أمر الأبرار والفجّار من النعمة والعذاب ، فافهم.

وأمّا البحث الثاني ، وهو أنّ أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميّين للإنسان ، ومعه لايكون أحدهما اختياريّاً كسبيّاً للإنسان ، وهو الجبر الباطل.

والجواب عنه أنّ اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها ، بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الإشكال إلى سبق قضاء السعادة والشقاء في حقّ الإنسان قبل أن يخلق وأنّ ذلك يستلزم الجبر. وقد ذكرنا هذا الإشكال مع جوابه في باب المشيئة والإرادة [ ذيل ح ٣٨٧ ] وحاصل الجواب أنّ القضاء متعلّق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، وهو فعل اختياريّ في عين أنّه حتميّ الوقوع ولم يتعلّق بالفعل ، سواء اختاره العبد ، أو لم يختره حتّى يلزم منه بطلان الاختيار. وأمّا شرح ما تشتمل عليه هذه الأخبار تفصيلاً فأمر خارج عن مجال هذا البيان المختصر ، فليرجع فيه إلى مطوّلات الشروح والتعاليق ، والله الهادي ».

(١). هكذا في « ب ، جح » وحاشية « جك ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « محمّد بن الحسن ». والصواب ما أثبتناه ؛ فقد روى الصفّار الخبر فيبصائر الدرجات ، ص ١٦ ، ح ٧ ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن عبد الغفّار الجازي. وترجم النجاشي لعبد الغفّار بن حبيب الطائي الجازي وقال : « له كتاب يرويه جماعة =

١١

عَبْدِ الْغَفَّارِ الْجَازِيِّ(١) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - خَلَقَ الْمُؤْمِنَ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ ، وَخَلَقَ الْكَافِرَ(٢) مِنْ طِينَةِ النَّارِ ».

وَقَالَ : « إِذَا أَرَادَ اللهُ(٣) - عَزَّ وَجَلَّ - بِعَبْدٍ خَيْراً ، طَيَّبَ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ ، فَلَا يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا عَرَفَهُ ، وَلَا يَسْمَعُ شَيْئاً مِنَ الْمُنْكَرِ إِلَّا أَنْكَرَهُ ».

قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : « الطِّينَاتُ ثَلَاثٌ(٤) : طِينَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْمُؤْمِنُ مِنْ تِلْكَ الطِّينَةِ ، إِلَّا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ هُمْ(٥) مِنْ(٦) صَفْوَتِهَا ؛ هُمُ(٧) الْأَصْلُ وَلَهُمْ فَضْلُهُمْ ، وَالْمُؤْمِنُونَ الْفَرْعُ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ(٨) ، كَذلِكَ(٩) لَايُفَرِّقُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شِيعَتِهِمْ ».

وَقَالَ : « طِينَةُ النَّاصِبِ مِنْ حَمَاً مَسْنُونٍ(١٠) ، وَأَمَّا الْمُسْتَضْعَفُونَ(١١) فَمِنْ تُرَابٍ ؛

__________________

= أخبرنا الحسين بن عبيد الله عن محمّد بن عبدالجبّار ، قال : حدّثنا النضر بن شعيب ، عن عبدالغفّار بكتابه ». وطريق الشيخ الطوسي إلى كتاب خالد بن ماد القلانسي أيضاً ينتهي إلى محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن النضر بن شعيب. أضف إلى ذلك أنّ أكثر روايات النضر بن شعيب وردت بواسطة محمّد بن الحسين. راجع :رجال النجاشي ، ص ٢٧٤ ، الرقم ٦٥٠ ؛الفهرست للطوسي ، ص ١٧٣ ، الرقم ٢٦٦ ؛معجم رجال الحديث ، ج ١٩ ، ص ١٥٦ - ١٥٨.

(١). في « ه » : « الخازن ».

(٢). في البصائر : « الناصب ».

(٣). في « ف » : - « الله ».

(٤). في « د ، ص ، ض ، ه » والبصائر : « ثلاثة ». قال فيالنحو الوافي : « عند عدم ذكر التميز لا يجب المخالفة ».

(٥). في « د ، ص ، ض ، بر ، بس » : - « هم ».

(٦). في البصائر : - « من ».

(٧). في البصائر : « وهم ».

(٨). في البصائر : « طينة ». و « طين لازب » أي ممتزج متماسك ، يلزق بعضه بعضاً.مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ١٦٦. وراجع :الصحاح ، ج ١ ، ص ٢١٩ ( لزب ). (٩).فيمرآة العقول : وفي بعض النسخ : «لذلك».

(١٠). الحَمَأ : الطين الأسود ، أو المنتن منه ، والمسنون : المتغيّر المنتن. راجع :الصحاح ، ج ١ ، ص ٤٥ ؛لسان‌العرب ، ج ١ ، ص ٦١ ( حمأ ) ؛الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢١٣٩ ( سنن ).

(١١). « المستضعف » : هو الذي لا يستطيع حيلة الكفر فيكفر ، ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان ، كالصبيان ، ومن كان من الرجال مثل عقول الصبيان مرفوع القلم عنهم. وعن بعض الشارحين : المستضعف : من لا يعتقد الحقّ ولا =

١٢

لَا يَتَحَوَّلُ مُؤْمِنٌ عَنْ إِيمَانِهِ ، وَلَا نَاصِبٌ عَنْ نَصْبِهِ ، وَلِلّهِ الْمَشِيئَةُ فِيهِمْ(١) ».(٢)

١٤٥١/ ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، مِنْ أَيِّ شَيْ‌ءٍ خَلَقَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - طِينَةَ الْمُؤْمِنِ؟ فَقَالَ : « مِنْ طِينَةِ الْأَنْبِيَاءِ ؛ فَلَمْ تَنْجَسْ(٣) أَبَداً ».(٤)

١٤٥٢/ ٤. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَغَيْرُهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ(٥) ،

__________________

= يعاند أهله ، ولا يوالي أحداً من الأئمّةعليهم‌السلام ولا من غيرهم. أو هو - على ما فيالوافي - من لا يلزم طريقة أهل الإيمان ولا طريقة أهل الكفر ولم يتقيّد بعقيدة ، لاحقّ ولا باطل ، ليس لهم نور الملكوت ولا ظلمة باطن الملك ، بل لهم قبول كلّ من الأمرين ؛ بخلاف الآخرين ؛ فإنّهما لا يتحوّلان عمّا خلقوا له. راجع :مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ٨٦ ( ضعف ).

(١). في « ف » : « فيهم المشيئة ». وفي البصائر : + « جميعاً ».

(٢).بصائر الدرجات ، ص ١٦ ، ح ٧ ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب. وفيالكافي ، كتاب التوحيد ، باب الهداية أنّها من الله عزّوجلّ ، ضمن ح ٤٣٠ ؛ وكتاب الإيمان والكفر ، باب في ترك دعاء الناس ، ضمن ح ٢٢٢٧ ؛ والمحاسن ، ص ٢٠٠ ، كتاب مصابيح الظلم ، ضمن ح ٣٤ ، بسند آخر.تحف العقول ، ص ٣١٢ ، ضمن وصيّته لأبي جعفر محمّد بن النعمان ، وفي الأربعة الأخيرة من قوله : « إذا أراد الله عزّوجلّ » إلى قوله : « من المنكر إلّا أنكره » مع اختلاف يسير.الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٧ ، ح ١٦٤٤ ؛البحار ، ج ٦٧ ، ص ٨٢ ، ح ٧.

(٣). في « ب » والمحاسن : « فلم تنجّس » بحذف إحدى التاءين. وفي « ص ، ه ، بس » والوافي ومرآة العقول والبحار والمحاسن : « فلن تنجس ». والمراد بالنجاسة المنفيّة : نجاسة الكفر والشرك ، كما فيالمرآة ؛ أو التعلّق بالدنيا تعلّق ركون وإخلاد يذهله عن الآخرة ، كما في الوافي.

(٤).المحاسن ، ص ١٣٣ ، كتاب الصفوة ، ح ٧ ، بسنده عن صالح بن سهل الهمداني.المؤمن ، ص ٣٥ ، ح ٧٤ ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ؛الاختصاص ، ص ٢٥ ، مرسلاً عن محمّد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، مع زيادة في أوّله ، وفيهما مع اختلاف يسير.الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٨ ، ح ١٦٤٥ ؛البحار ، ج ٦٧ ، ص ٩٣ ، ح ١٢.

(٥). هكذا في « ه ». وفي سائر النسخ والمطبوع والبحار : « محمّد بن خلف ». والصواب ما أثبتناه ؛ فقد تقدّم الخبرفيالكافي ، ح ١٠١٧ ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل. وروى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي أيضاً صدر الخبر فيالمحاسن ، ص ١٣٢ ، ح ٥ ، عن أبيه ، عن أبي نهشل ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - والظاهر منالبحار ، ج ٥ ، ص ٢٣٥ ، ذيل الحديث ١١ ، أنّ أبا حمزة يروي الخبر عن أبي جعفرعليه‌السلام ، فلاحظ - وورد الخبر فيتأويل الآيات ، ص ٧٤٨ ، نقلاً ممّا نحن فيه ، وفيه أيضاً : « محمّد بن خالد ».=

١٣

عَنْ أَبِي نَهْشَلٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ ، قَالَ :

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍعليه‌السلام يَقُولُ : « إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - خَلَقَنَا مِنْ أَعْلى عِلِّيِّينَ ، وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا مِنْهُ(١) ، وَخَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ، وَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا(٢) » ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ :( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) (٣) .

« وَخَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّينٍ ، وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ ، وَأَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذلِكَ ؛ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ » ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ :( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ * كِتابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) (٤) .(٥)

__________________

= هذا ، وقد وردت رواية محمّد بن خالد المراد به البرقي عن أبي نهشل فيالكافي ، ح ٢٦٦٧ و ٣٧٠٩ و ٦٠٦٩.

ثمّ إنّه لا يخفى وجه تصحيف « خالد » بـ « خلف » على العارف بأساليب الخطوط القديمة ؛ فقد كان يُكتَبُ « خالد » في بعض تلك الخطوط من دون « الألف » فيقع في معرض التصحيف بـ « خلف ».

(١). في الكافي ، ح ١٠١٧ : - « منه ».

(٢). هكذا في النسخ التي قوبلت. وفي المطبوع :+«منه».

(٣). المطفّفين (٨٣) : ١٨ - ٢١.

(٤). المطفّفين (٨٣) : ٧ - ١٠. وفي « ه » والكافي ، ح ١٠١٧ والبصائر : -( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) .

(٥).الكافي ، كتاب الحجّة ، باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهمعليهم‌السلام ، ح ١٠١٧ ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل.المحاسن ، ص ١٣٢ ، كتاب الصفوة ، ح ٥ ، عن أبيه ، عن أبي نهشل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، إلى قوله :( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) .علل الشرائع ، ص ١١٦ ، ح ١٢ ، بسنده عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن أبي نهشل.بصائر الدرجات ، ص ١٥ ، ح ٣ ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن خالد ، عن أبي نهشل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ؛تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ٤١١ ، بسنده عن محمّد بن إسماعيل ، وفي الأخيرين إلى قوله :( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) .الكافي ، كتاب الحجّة ، باب خلق أبدان الأئمّة وأرواحهم وقلوبهمعليهم‌السلام ، ح ١٠١٤ ، إلى قوله : « خلقت ممّا خلقنا منه » ؛علل الشرائع ، ص ١١٧ ، ح ١٤ ، وفيهما بسند آخر عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، مع اختلاف يسير. وفيبصائر الدرجات ، ص ١٦ ، ح ٩ ؛ وص ١٧ ، ح ١٣ ، بسند آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، مع زيادة في أوّله ؛وفيه ، ص ١٨ ، ح ١٧ ؛ وص ١٧١ ، ح ٢ ، بسند آخر عن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، مع زيادة في أوّله ؛وفيه ، ص ٢٤ ، ح ١٨ ، بسند آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفي الخمسة الأخيرة مع اختلاف. وراجع :الأمالي للطوسي ، ص ١٤٩ ، المجلس ٥ ، ح ٥٧.الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٩ ، ح ١٦٤٧ ؛البحار ، ج ٦٧ ، ص ١٢٧ ، ح ٣٢.

١٤

١٤٥٣/ ٥. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا(١) ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛

وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ(٢) جَمِيعاً ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ يُوسُفَ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَنَا مَوْلَاكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ كَيْسَانَ.

قَالَ : « أَمَّا النَّسَبُ فَأَعْرِفُهُ ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَسْتُ أَعْرِفُكَ ».

قَالَ : قُلْتُ لَهُ : إِنِّي وُلِدْتُ بِالْجَبَلِ(٣) ، وَنَشَأْتُ فِي أَرْضِ فَارِسَ ، وَإِنَّنِي(٤) أُخَالِطُ النَّاسَ فِي التِّجَارَاتِ وَغَيْرِ ذلِكَ ، فَأُخَالِطُ الرَّجُلَ ، فَأَرى لَهُ حُسْنَ السَّمْتِ(٥) وَحُسْنَ الْخُلُقِ‌

__________________

(١). فى « ص » : + « عن أحمد بن محمّد » - وقد زيد فى حاشيتها تصحيحاً - وهو سهو واضح لا يخفى على من تتبّع‌أسنادالكافي ؛ فقد أكثر الكليني من الرواية عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ٨ ، ص ٤٩٣ - ٥٤٠.

(٢). الحسين بن الحسن الراوي عن محمّد بن اُورمة ، هو الحسين بن الحسن بن أبان ، روى ابن الوليد عنه جميع‌كتبِ محمّد بن اُورمة ، إلّاما كان فيه من تخليط أو غلوّ. راجع :الفهرست للطوسي ، ص ٤٠٧ ، الرقم ٦٢١ ؛رجال الطوسي ، ص ٤٤٨ ، الرقم ٦٣٦٢.

هذا ، وقد روى الكليني عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن اُورمة فيالكافي ، ح ٢١٤١ و ٢١٥٣ و ٢٢٩٦ و ٢٣٢٤ و ٣٠٠٦ و ٤٤٤٩ و ٤٥٠٥ و ٤٥٤٦. وقد حُذِف عدّة من أصحابنا من صدر السند تعليقاً - وح ٨١٥٣ و ٨١٥٩. فالظاهر في سندنا هذا أنّ سهل بن زياد والحسين بن الحسن يرويان معاً عن محمّد بن اُورمة ، تدلّ على ذلك لفظة « جميعاً ».

فعليه في السند تحويل ، بعطف « غير واحد ، عن الحسين بن الحسن » على « عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ».

(٣). فى « ب » : « في الجبل ». وفيشرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ٩ : « قيل : المراد بالجبل : كردستان بين تبريز وبغدادوهمدان ، وغير ذلك ». وفيالقاموس ، ج ٢ ، ص ١٢٨٩ ( جبل ) : « بلادُ الجبل : مُدُن بين آذربيجانَ وعراقِ العرب وخوزستان وفارس وبلاد الديلم ». وراجع أيضاً :معجم البلدان ، ج ٢ ، ص ١٠٣ ( جبل ).

(٤). في « ب » : « وإنّي ».

(٥). « السَّمت » : هيئة أهل الخير ، وهي عبارة عن الحالة التي يكون عليها الإنسان من السَّكينة والوَقار ، وحسن‌السيرة والطريقة ، واستقامة المنظر والهَيئة. راجع :مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ٢٠٦ ( سمت ).

١٥

وَكَثْرَةَ(١) أَمَانَةٍ(٢) ، ثُمَّ أُفَتِّشُهُ ، فَأَتَبَيَّنُهُ(٣) عَنْ(٤) عَدَاوَتِكُمْ ؛ وَأُخَالِطُ الرَّجُلَ ، فَأَرى مِنْهُ سُوءَ الْخُلُقِ(٥) وَقِلَّةَ أَمَانَةٍ(٦) وَزَعَارَّةً(٧) ، ثُمَّ أُفَتِّشُهُ ، فَأَتَبَيَّنُهُ(٨) عَنْ وَلَايَتِكُمْ ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذلِكَ؟

قَالَ(٩) : فَقَالَ لِي : « أَمَا عَلِمْتَ يَا ابْنَ كَيْسَانَ ، أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَخَذَ طِينَةً مِنَ الْجَنَّةِ وَطِينَةً مِنَ النَّارِ ، فَخَلَطَهُمَا جَمِيعاً ، ثُمَّ نَزَعَ هذِهِ مِنْ هذِهِ ، وَهذِهِ مِنْ هذِهِ(١٠) ، فَمَا رَأَيْتَ مِنْ(١١) أُولئِكَ مِنَ الْأَمَانَةِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَحُسْنِ السَّمْتِ ، فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ(١٢) مِنْ طِينَةِ(١٣) الْجَنَّةِ ، وَهُمْ يَعُودُونَ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ، وَمَا رَأَيْتَ مِنْ هؤُلَاءِ مِنْ قِلَّةِ الْأَمَانَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَالزَّعَارَّةِ(١٤) ، فَمِمَّا مَسَّتْهُمْ(١٥) مِنْ طِينَةِ النَّارِ ، وَهُمْ يَعُودُونَ(١٦) إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ».(١٧)

__________________

(١). في « ب ، ج ، د ، ص ، ض ، ف ، ه ، بس ، بف » والمحاسن : - « كثرة ». وفي « جم ، جه » وحاشية « ز ، بج ، بع ، جح » والبحار كما في المتن.

(٢). في الوافي والمحاسن : « الأمانة ».

(٣). في « ب ، ص ، بر ، بس ، بف » والبحار والمحاسن : « فاُفتّشه ».

(٤). في « ز » : « على ».

(٥). في حاشية « ف » : « خلق ».

(٦). في الوافي : « الأمانة ».

(٧). يجوز فيه التخفيف. ومعناه : شراسَة الخُلُق.الصحاح ، ج ٢ ، ص ٦٧٠ ( زعر ). وفي « د ، ص » وحاشية « ب ، ز » : « دعارة » ، ومعناه : الفسق والفساد.

(٨). في « ب ، د ، ص ، بر ، بس ، بف » والبحار والمحاسن : « فاُفتّشه ».

(٩). هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : - « قال ».

(١٠). في « ض » والمحاسن : - « وهذه من هذه ». وقال فيالوافي : « معناه أنّه نزع طينة الجنّة من طينة النار ، وطينةالنار من طينة الجنّة بعد ما مسّت إحداهما الاُخرى ، ثمّ خلق أهل الجنّة من طينة الجنّة ، وخلق أهل النار من طينة النار ».

(١١). في « ب ، د ، ض ، ه ، بر ، بف » وحاشية « ج » وشرح المازندراني والبحار : « في ».

(١٢). في « ب ، د ، ص ، ف ، ه ، بر ، بف » والوافي : « مسّهم ».

(١٣) في « ج ، ص » : « طين ».

(١٤) يجوز فيه التخفيف. وفي «ج ، ص» : «الدعارّة».

(١٥) في « ب ، د ، ص ، ف ، بر » والوافي : « مسّهم ».

(١٦) في البحار : « يعادون ».

(١٧)المحاسن ، ص ١٣٦ ، كتاب الصفوة ، ح ٢٠ ، عن محمّد بن عليّ.الوافي ، ج ٤ ، ص ٣١ ، ح ١٦٤٨ ؛البحار ، ج ٦٧ ، ص ٨٦ ، ح ٩.

١٦

١٤٥٤/ ٦. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ(١) ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ ، قَالَ :

قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : الْمُؤْمِنُونَ(٢) مِنْ طِينَةِ الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ : « نَعَمْ ».(٣)

١٤٥٥/ ٧. عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ(٤) ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ(٥) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : « إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَعليه‌السلام بَعَثَ جَبْرَئِيلَعليه‌السلام فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ، فَقَبَضَ بِيَمِينِهِ قَبْضَةً بَلَغَتْ(٦) قَبْضَتُهُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ تُرْبَةً ، وَقَبَضَ قَبْضَةً أُخْرى مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ الْقُصْوى ، فَأَمَرَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - كَلِمَتَهُ ،

__________________

(١). في « ز ، ض ، بس » : « أحمد بن محمّد بن خالد » بدل « أحمد بن محمّد عن محمّد بن خالد ». وهو سهو ؛ فقدروى الخبر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فيالمحاسن ، ص ١٣٣ ، ح ٨ ، عن أبيه ، عن صالح بن سهل من أهل همدان ، قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام . والظاهر أنّ الموجب للسقط في النسخ الثلاثة المذكورة ، هو جواز النظر من « محمّد » في « أحمد بن محمّد » إلى « محمّد » في « محمّد بن خالد ».

(٢). في « ف » والبصائر : « المؤمن ».

(٣).المحاسن ، ص ١٣٣ ، كتاب الصفوة ، ح ٨.بصائر الدرجات ، ص ١٨ ، ح ١٥ ، عن أحمد بن محمّد ، عن البرقي ، عن صالح بن سهل.الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٩ ، ح ١٦٤٦ ؛البحار ، ج ٦٧ ، ص ٩٣ ، ح ١٣.

(٤). في « ف » وحاشية « ص » : « صالح بن سهل بن محمّد ». لكنّه سهو ؛ فقد وردت رواية عليّ بن محمّد ، عن صالح‌بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد فيالكافي ، ح ٣٠٨ و ٣٥١ و ٦٧١٨ و ١٢٢٢٥ و ١٢٨٦١. والظاهر أنّ الجميع قطعات من رواية واحدة.

(٥). في « ض ، بس ، جر » وحاشية « ج ، د ، ز ، ف ، بر » والبحار : « الحسين بن زيد ». وفي « ف » : « الحسن بن يزيد ». والحسين هذا ، هو الحسين بن يزيد النوفلي ؛ فقد روى علي بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة فيالكافي ، ح ٣٥١ ، ووردت رواية الحسين بن يزيد النوفلي ، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة فيالأمالي للصدوق ، ص ٩٩ ، المجلس ٢٤ ، ح ٢ ؛ وص ١٦٧ ، المجلس ٣٦ ، ح ١١ ؛ وص ٣٨٣ ، المجلس ٧٢ ، ح ١٠ ؛ وكمال الدين ، ص ٣٢٩ ، ح ١١ ؛ ومعاني الأخبار ، ص ١٣١ ، ح ١ ؛ وعيون الأخبار ، ج ١ ، ص ٥٩ ، ح ٢٨.

(٦). في البحار : « فبلغت ».

١٧

فَأَمْسَكَ الْقَبْضَةَ الْأُولى بِيَمِينِهِ ، وَالْقَبْضَةَ(١) الْأُخْرى بِشِمَالِهِ ، فَفَلَقَ(٢) الطِّينَ فِلْقَتَيْنِ ، فَذَرَا(٣) مِنَ الْأَرْضِ ذَرْواً ، وَمِنَ السَّمَاوَاتِ ذَرْواً ، فَقَالَ لِلَّذِي بِيَمِينِهِ : مِنْكَ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ(٤) وَالْأَوْصِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالسُّعَدَاءُ وَمَنْ أُرِيدُ كَرَامَتَهُ ، فَوَجَبَ(٥) لَهُمْ مَا قَالَ كَمَا قَالَ ، وَقَالَ لِلَّذِي بِشِمَالِهِ : مِنْكَ الْجَبَّارُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْكَافِرُونَ وَالطَّوَاغِيتُ وَمَنْ أُرِيدُ هَوَانَهُ وَشِقْوَتَهُ ، فَوَجَبَ لَهُمْ مَا قَالَ كَمَا قَالَ.

ثُمَّ إِنَّ الطِّينَتَيْنِ(٦) خُلِطَتَا جَمِيعاً ، وَذلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :( إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ) (٧) ، فَالْحَبُّ طِينَةُ الْمُؤْمِنِينَ(٨) الَّتِي(٩) أَلْقَى اللهُ عَلَيْهَا مَحَبَّتَهُ ، وَالنَّوى طِينَةُ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ نَأَوْا(١٠) عَنْ كُلِّ خَيْرٍ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّوى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ نَأى(١١) عَنْ(١٢) كُلِّ خَيْرٍ وَتَبَاعَدَ عَنْهُ(١٣)

وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ) (١٤) فَالْحَيُّ :

__________________

(١). في « ص » : - « القبضة ».

(٢). « الفَلْق » : شقّ الشي‌ء وإبانة بعضه عن بعض. يقال : فلقتُه فانفلق. والفِلْقَة : القِطْعَة وزناً ومعنىً. راجع :المفردات للراغب ، ص ٦٤٥ ؛المصباح المنير ، ص ٤٨١ ( فلق ).

(٣). في « ج ، ز ، ص ، بف » : « فذرأ » بالهمزة. وهو بمعنى خلق وكثّر وبذر. وأمّا « ذرا » فهو من الذَرْو بمعنى‌الإذهاب والتفريق والإطارة ، وعليه فالفاعل ضمير راجع إلى الله تعالى أو جبرئيل. واختاره العلّامة المجلسي. وبمعنى الذهاب والطيران ، والضمير راجع إلى الطين ، والمعنى : تحرّز وتفرّق سريعاً. واختاره العلّامة المازندراني. راجع :لسان العرب ، ج ١٤ ، ص ٢٨٢ ؛القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٦٨٦ ( ذرا ).

(٤). في « ص ، ف » : « الأنبياء والرسل ».

(٥). في « ض ، بف » : « فوجبت ».

(٦). في « ه » : « الطينين ».

(٧). الأنعام (٦). : ٩٥.

(٨). في « ف ، ه » : « المؤمن ».

(٩). في الوافي : - « التي ».

(١٠). في « ج » : « ناؤوا ». وناء ينوء ، لغة في نأى ينأى.

(١١). في « ب » : « ناءَ » بصيغة الماضي. وفي « ز » : « ناءٍ » اسم للفاعل.

(١٢). في « ه » : « من ».

(١٣) في « ب ، د ، ض ، ف ، ه ، بر ، بس ، بف » والوافي : « منه ».

(١٤) الأنعام (٦). : ٩٥.

١٨

الْمُؤْمِنُ الَّذِي تَخْرُجُ(١) طِينَتُهُ مِنْ طِينَةِ الْكَافِرِ ، وَالْمَيِّتُ - الَّذِي يَخْرُجُ(٢) مِنَ الْحَيِّ - هُوَ الْكَافِرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ طِينَةِ الْمُؤْمِنِ(٣) ، فَالْحَيُّ : الْمُؤْمِنُ ، وَالْمَيِّتُ : الْكَافِرُ.

وَذلِكَ قَوْلُهُ(٤) عَزَّ وَجَلَّ :( أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ) (٥) فَكَانَ مَوْتُهُ اخْتِلَاطَ طِينَتِهِ مَعَ طِينَةِ الْكَافِرِ ، وَكَانَ حَيَاتُهُ حِينَ فَرَّقَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَيْنَهُمَا بِكَلِمَتِهِ(٦) ؛ كَذلِكَ(٧) يُخْرِجُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْمُؤْمِنَ فِي الْمِيلَادِ مِنَ الظُّلْمَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا إِلَى النُّورِ ، وَيُخْرِجُ(٨) الْكَافِرَ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ بَعْدَ دُخُولِهِ إِلَى النُّورِ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) (٩) ».(١٠)

٢ - بَابٌ آخَرُ مِنْهُ ، وَفِيهِ زِيَادَةُ وُقُوعِ التَّكْلِيفِ الْأَوَّلِ (١١)

١٤٥٦/ ١. أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ‌

__________________

(١). في « ز ، بر ، بس ، بف » والوافي والبحار : « يخرج ».

(٢). في البحار : + « هو ».

(٣). في « ص » : - « فالحيّ - إلى - المؤمن ».

(٤). في البحار : « قول الله ».

(٥). الأنعام (٦). : ١٢٢.

(٦). في « بر » : « حكمته ». و « بكلمته » ، أي بأمره. وفيالوافي : « والمراد بالكلمة جبرئيل ؛ إذ هو القابض للقبضتين ».

(٧). في « ج » : « فكذلك ». وفي « ض ، بس » : « فذلك ».

(٨). فيمرآة العقول : « يمكن أن يقرأ - أي يخرج - على بناء المجرّد المعلوم ، أو على بناء المجهول ».

(٩). يس (٣٦) : ٧٠.

(١٠).الوافي ، ج ٤ ، ص ٣٢ ، ح ١٦٤٩ ؛البحار ، ج ٦٧ ، ص ٨٧ ، ح ١٠.

(١١). فيشرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ١٣ : « يفهم من الروايات أنّ التكليف الأوّل - وهو ما وقع قبل التكليف في دارالدنيا بإرسال الرسل وإنزال الكتب - متعدّد : الأوّل : كان في عالم الأرواح الصرفة. الثاني : كان وقت تخمير الطينة قبل خلق آدم منها. الثالث : كان بعد خلق آدم منها حين أخرجهم من صلبه وهم ذرّ يدبّون يميناً وشمالاً. وكلّ من أطاع في هذه التكاليف الثلاثة فهو يطيع في تكليف الدنيا ، وكلّ من عصى فيها فهو يعصي فيه. وهنا تكليف خامس يقع في القيامة ، وهو مختصّ بالأطفال والمجانين والشيوخ الذين أدركوا النبيّ وهم لايعقلون ، =

١٩

الْحَكَمِ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ زُرَارَةَ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه‌السلام ، قَالَ : « لَوْ عَلِمَ النَّاسُ كَيْفَ(١) ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ مَا(٢) اخْتَلَفَ اثْنَانِ ، إِنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ قَالَ : كُنْ مَاءً عَذْباً ؛ أَخْلُقْ(٣) مِنْكَ(٤) جَنَّتِي وَأَهْلَ طَاعَتِي ، وَكُنْ مِلْحاً أُجَاجاً ؛ أَخْلُقْ مِنْكَ نَارِي(٥) وَأَهْلَ مَعْصِيَتِي ، ثُمَّ أَمَرَهُمَا ، فَامْتَزَجَا ، فَمِنْ ذلِكَ صَارَ يَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ ، وَالْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ(٦) .

ثُمَّ أَخَذَ طِيناً(٧) مِنْ أَدِيمِ(٨) الْأَرْضِ ، فَعَرَكَهُ(٩) عَرْكاً شَدِيداً ، فَإِذَا هُمْ كَالذَّرِّ(١٠)

__________________

= وغيرهم ممّن ذكر في محلّه. وقال فيمرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٦ : « إنّما أفرد لتلك الأخبار باباً لاشتمالها على أمر زائد لم يكن في الأخبار السابقة ؛ رعايةً لضبط العنوان بحسب الإمكان ».

(١). في « ه » والمحاسن : + « كان ».

(٢). في مرآة العقول والبحار والمحاسن : « لما ».

(٣). يجوز فيه الرفع. وكذا فيما يأتي.

(٤). فيمرآة العقول : « منك ، أي من أجلك » وكذا فيما يأتي.

(٥). في حاشية « ب » : « النار ».

(٦). فيمرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٧ : « أقول : لايبعد أن يكن الماء العذب كناية عمّا خلق الله في الإنسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي ، والماء الاجاج عمّا ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى الشهوات الدنيّة واللذّات الجسمانيّة من البدن وما ركّب فيه من الدواعي إلى الشهوات ؛ ويكون مزجهما كناية عن تركيبهما في الإنسان. فقوله : أخلق منك ، أي من أجلك جنّتي وأهل طاعتي ؛ إذ لولا في الإنسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنّة فائدة ، ولم يكن يستحقّها أحد ، ولم يصر أحد مطيعاً له تعالى. وكذا قوله : أخلق منك ناري ؛ إذ لولا ما في الإنسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد ، ولم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور ».

(٧). في حاشية « ب » : « طينه ». وفي البحار : « طينة ». وفي المحاسن : « طين آدم ».

(٨). أديم كلّ شي‌ء : ظاهر جلده. واُدمة الأرض : وجهها. وفيالوافي : « ولعلّه كناية عمّا ينبت منها ممّا يصلح لأن يصير غذاءً للإنسان ويحصل منه النطفة ، أو تتربّى منه ». راجع :ترتيب كتاب العين ، ج ١ ، ص ٧٢ ؛معجم مقائيس اللغة ، ج ١ ، ص ٧٢ ( أدم ) ؛البحار ، ج ١١ ، ص ١٠٠.

(٩). عركت الشي‌ء أعرُكُه عَرْكاً : دَلَكْتُه. وفيالوافي : « ولعلّه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج المستعدّ للحياة ». راجع :الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥٩٩ ( عرك ).

(١٠). « الذرّ » : صغار النمل. الواحدة : ذرّة. وفيالوافي : « ووجه الشبه الحسّ والحركة وكونهم محلّ الشعور مع صغر الجثّة والخفاء ». راجع :المصباح المنير ، ص ٢٠٧ ( ذرّ ).

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من بين المسلمين علماء في كافة التخصصات للرجوع إليهم.

وينبغي التنويه هنا إلى ضرورة الرجوع إلى المتخصص الثابت علمه وتمكنه في اختصاصه، بالإضافة إلى توفر عنصر الإخلاص في عمله فهل يصح أن نراجع طبيبا متخصصا ـ على سبيل المثال ـ غير مخلص في علمه؟!

ولهذا وضع شرط العدالة في مسائل التقليد إلى جانب الاجتهاد والأعلمية ، أي لا بدّ لمرجع التقليد من أن يكون تقيا ورعا بالإضافة إلى علميته في المسائل الإسلامية.

* * *

٢٠١

الآيات

( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) )

التّفسير

لكلّ ذنب عقابه :

ثمّة ربط في كثير من بحوث القرآن بين الوسائل الاستدلالية والمسائل الوجدانية بشكل مؤثر في نفوس السامعين ، والآيات أعلاه نموذج لهذا الأسلوب.

فالآيات السابقة عبارة عن بحث منطقي مع المشركين في شأن النّبوة والمعاد ، في حين جاءت هذه الآيات بالتهديد للجبابرة والطغاة والمذنبين.

فتبتدأ القول :( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) من الذين حاكوا الدسائس المتعددة حسبا منهم لإطفاء نور الحق والإيمان( أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ) .

فهل ببعيد (بعد فعلتهم النكراء) أن تتزلزل الأرض زلزلة شديدة فتنشق القشرة الأرضية لتبتلعهم وما يملكون ، كما حصل مرارا لأقوام سابقة؟!

٢٠٢

«مكروا السيئات» : بمعنى وضعوا الدسائس والخطط وصولا لأهدافهم المشؤمة السيئة ، كما فعل المشركون للنيل من نور القرآن ومحاولة قتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما مارسوه من إيذاء وتعذيب للمؤمنين المخلصين.

«يخسف» : من مادة «خسف» ، بمعنى الاختفاء ، ولهذا يطلق على اختفاء نور القمر في ظل الأرض اسم (الخسوف) ، يقال (بئر مخسوف) للذي اختفى ماؤه ، وعلى هذا يسمّى اختفاء الناس والبيوت في شق الأرض الناتج من الزلزلة خسفا.

ثمّ يضيف :( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) أي عند ذهابهم ومجيئهم وحركتهم في اكتساب الأموال وجمع الثروات.( فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

وكما قلنا سابقا ، فإنّ «معجزين» من الإعجاز بمعنى ازالة قدرة الطرف الآخر ، وهي هنا بمعنى الفرار من العذاب ومقاومته.

أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقرونا بالأنذار المتكرر :( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) .

فاليوم مثلا ، يصاب جارهم ببلاء ، وغدا يصاب أحد أقربائهم ، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم والخلاصة ، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الأخرى ، فإن استيقظوا فما أحسن ذلك ، وإلّا فسيصيبهم العقاب الإلهي ويهلكهم.

إنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة ، واللهعزوجل لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) .

ومن الملفت للنظر في الآيات مورد البحث ، ذكرها لأربعة أنواع من العذاب الإلهي :

الأوّل : الخسف.

الثّاني : العقاب المفاجئ الذي يأتي الإنسان على حين غرة من أمره.

الثّالث : العذاب الذي يأتي الإنسان وهو غارق في جمع الأموال وتقلبه في

٢٠٣

ذلك.

الرّابع : العذاب والعقاب التدريجي.

والمسلم به أنّ نوع العذاب يتناسب ونوع الذنب المقترف ، وإن وردت جميعها بخصوص( الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) لعلمنا أنّ أفعال الله لا تكون إلّا بحكمة وعدل.

وهنا لم نجد رأيا للمفسّرين ـ في حدود بحثنا ـ حول هذا الموضوع ، ولكن يبدو أنّ النوع الأوّل من العقاب يختص بأولئك المتآمرين الذين هم في صف الجبارين والمستكبرين كقارون الذي خسف الله تعالى به الأرض وجعله عبرة للناس ، مع ما كان يتمتع به من قدرة وثروة.

أمّا النوع الثّاني فيخص المتآمرين الغارقين بملذات معاشهم وأهوائهم ، فيأتيهم العذاب الإلهي بغتة وهم لا يشعرون.

والنوع الثّالث يخص عبدة الدنيا المشغولين في دنياهم ليل نهار ليضيفوا ثروة إلى ثروتهم مهما كانت الوسيلة ، حتى وإن كانت بارتكاب الجرائم والجنايات وصولا لما يطمحون له! فيعذبهم الله تعالى وهم على تلك الحالة(1) .

وأمّا النوع الرّابع من العذاب فيخص الذين لم يصلوا في طغيانهم ومكرهم وذنوبهم إلى حيث اللارجعة ، فيعذبهم الله بالتخويف. أي يحذرهم بإنزال العذاب الأليم في أطرافهم فإن استيقظوا فهو المطلوب ، وإلّا فسينزل العذاب عليهم ويهلكهم.

وعلى هذا ، فإنّ ذكر الرأفة والرحمة الإلهية ترتبط بالنوع الرّابع من الذين مكروا السّيئات ، الذين لم يقطعوا كل علائقهم مع الله ولم يخربوا جميع جسور العودة.

* * *

__________________

(1) مع أنّ «التقلب» لغة ، بمعنى التردد والذهاب والمجيء ، مطلقا ولكن في هكذا موارد ـ كما قال أكثر المفسّرين وتأييد الرّوايات لذلك ـ بمعنى التردد في طريق التجارة وكسب المال ـ فتأمل.

٢٠٤

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) )

التّفسير

سجود الكائنات للهعزوجل :

تعود هذه الآيات مرّة أخرى إلى التوحيد بادئة ب :( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ ) (1) .

أي : ألم يشاهد المشركون كيف تتحرك ظلال مخلوقات الله يمينا وشمالا لتعبر عن خضوعها وسجودها له سبحانه؟!

ويقول البعض : إنّ العرب تطلق على الظلال صباحا اسم (الظل) وعصرا

__________________

(1) داخر : في الأصل من مادة (دخور) أي : التواضع.

٢٠٥

(الفيء) ، وإذا ما نظرنا إلى تسمية (الفيء) لقسم من الأموال والغنائم لوجدنا إشارة لطيفة لحقيقة إنّ أفضل غنائم وأموال الدنيا لا تلبث أن تزول ولا يعدو كونها كالظل عند العصر.

ومع ملاحظة ما اقترن بذكر الظلال في هذه الآية من يمين وشمال ، وإنّ كلمة الفيء استعملت للجميع فيستفاد من ذلك : أن الفيء هنا ذو معنى واسع يشمل كل أنواع الظلال.

فعند ما يقف الإنسان وقت طلوع الشمس متجها نحو الجنوب فإنّه سيرى شروق قرص الشمس من الجهة اليسرى لأفق الشرق ، فتقع ظلال جميع الأشياء المجسمة على يمينه (جهة الغرب) ، ويستمر هذا الأمر حتى تقترب الظلال نحو الجهة اليمنى لحين وقت الظهر، وعندها ستتحول الظلال إلى الجهة المعاكسة (اليسرى) وتستمر في ذلك حتى وقت الغروب فتصبح طويلة وممتدة نحو الشرق ، ثمّ تغيب وتنعدم عند غروب الشمس.

وهنا يعرض الباري سبحانه حركة ظلال الأجسام يمينا وشمالا بعنوانها مظهرا لعظمته جل وعلا واصفا حركتها بالسجود والخضوع.

أثر الظلال في حياتنا :

ممّا لا شك فيه أنّ لظلال الأجسام دور مؤثر في حياتنا ، ولعل الكثير منّا غير ملتفت إلى هذه الحقيقة ، فوضع القرآن الكريم إصبعه على هذه المسألة ليسترعي الانتباه لها.

للظلال (التي هي ليست سوى عدم النّور) فوائد جمّة :

1 ـ كما أنّ لأشعة الشمس دور أساسي في حياتنا ، فكذلك الظلال ، لأنّها تقوم بعملية تعديل شدّة الحرارة لأشعة الشمس.

إنّ الحركة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل ومؤثر ، وبدون

٢٠٦

الظلال فسيحترق كل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة وبدرجة واحدة ولمدّة طويلة.

2 ـ وثمّة موضوع مهم آخر وربّما على خلاف تصور معظم الناس ، ألا وهو :إنّ النّور ليس هو السبب الوحيد في رؤية الأشياء ، بل لا بدّ من اقتران الظل بالنّور لتحقيق الرؤية بشكل طبيعي.

وبعبارة أخرى : إنّ النّور لو كان يحيط بجسم ما ويشع عليه باستمرار بما لا يكون هناك مجالا للظل أو نصف الظل ، فإنّه والحال هذه لا يمكن رؤية ذلك الجسم وهو غارق بالنّور

أي : كما أنّه لا يمكن رؤية الأشياء في الظلمة القائمة ، فكذا الحال بالنسبة للنور التام ، ويمكن رؤية الأشياء بوجود النّور والظلمة (النّور والظلال).

وعلى هذا يكون للظلال دور مؤثر جدّا في مشاهدة وتشخيص ومعرفة الأشياء وتمييزها ـ فتأمل.

وثمّة ملاحظة أخرى في الآية : وهي : ورود «اليمين» بصيغة المفرد في حين جاءت الشمال بصيغة الجمع «شمائل».

فالاختلاف في التعبير يمكن أن يكون لوقوع الظل في الصباح على يمين الذي يقف مواجها للجنوب ثمّ يتحرك باستمرار نحو الشمال حتى وقت الغروب حين يختفي في أفق الشرق(1) .

واحتمل المفسّرون أيضا : مع أن كلمة (اليمين) مفردا إلّا أنّه يمكن أن يراد بها الجمع في بعض الحالات ، وهي في هذه الآية تدل على الجمع(2) .

وجاء في الآية أعلاه ذكر سجود الظلال بمفهومه الواسع ، أما في الآية التالية فقد جاء ذكر السجود بعنوانه برنامجا عاما شاملا لكل الموجودات المادية وغير

__________________

(1) تفسير القرطبي ، ضمن تفسير الآية.

(2) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج 7 ، ص 110.

٢٠٧

المادية ، وفي أي مكان ، فيقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ، مسلمين لله ولأوامره تسليما كاملا.

وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة ، وما نؤديه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلّا مصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.

وبما أنّ جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلمة للقوانين العامّة لعالم الوجود، التي أفاضتها الإرادة الإلهية فإنّ جميع المخلوقات في حالة سجود له جلّ وعلا ، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن مسير هذه القوانين ، وكلها مظهرة لعظمة وعلم وقدرة الباريعزوجل ، ولتدلل على أنّها آية على غناه وجلاله والخلاصة : كلها دليل على ذاته المقدسة.

«الدابة» : بمعنى الموجودات الحية ، ويستفاد من ذكر الآية لسجود الكائنات الحية في السماوات والأرض على وجود كائنات حية في الأجرام السماوية المختلفة علاوة على ما موجود على الأرض.

وقد احتمل البعض : عبارة «من دابة» قيد لـ «ما في الأرض» فقط ، أي : إنّ الحديث يختص بالكائنات الحية الموجودة على الأرض.

ويبدو ذلك بعيدا بناء على ما جاء في الآية (29) من سورة الشورى( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

صحيح أنّ السجود والخضوع التكويني لا ينحصر بالكائنات الحية ، ولكنّ تخصيص الإشارة بها لما تحمله من أسرار وعظمة الخلق أكثر من غيرها.

وبما أنّ مفهوم الآية يشمل كلا من : الإنسان العاقل المؤمن ، والملائكة ، والحيوانات الأخرى ، فقد استعمل لفظ السجود بمعناه العام الذي يشمل السجود الاختياري والتشريعي وكذا التكويني الاضطراري.

أمّا الإشارة إلى الملائكة بشكل منفصل في الآية فلأنّ الدابة تطلق على الكائنات الحيّة ذات الجسم المادي فقط ، بينما للملائكة حركة وحضور وغياب ،

٢٠٨

ولكن ليس بالمعنى المادي الجسماني كي تدخل ضمن مفهوم «الدابة».

وروي في حديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ لله تعالى ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله تعالى ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صارت ملكا ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حق عبادتك»(1) .

أمّا جملة( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) فإشارة لحال وشأن الملائكة التي لا يداخلها أيّ استكبار عند سجودها وخضوعها للهعزوجل .

ولهذا ذكر صفتين للملائكة بعد تلك الآية مباشرة وتأكيدا لنفي حالة الاستكبار عنهم :( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

كما جاء في الآية (6) من سورة التحريم في وصف جمع من الملائكة :( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

ويستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ علامة نفي الاستكبار شيئان :

أ ـ الشعور بالمسؤولية وإطاعة الأوامر الإلهية من دون أي اعتراض ، وهو وصف للحالة النفسية لغير المستكبرين.

ب ـ ممارسة الأوامر الإلهية بما ينبغي والعمل وفق القوانين المعدة لذلك

وهذا انعكاس للأول ، وهو التحقيق العيني له.

وممّا لا ريب فيه أنّ عبارة( مِنْ فَوْقِهِمْ ) ليست إشارة إلى العلو الحسي والمكاني ، بل المراد منها العلو المقامي ، لأنّ اللهعزوجل فوق كل شي مقاما.

كما نقرأ في الآية (61) من سورة الأنعام :( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) ، وكذلك في الآية (127) من سورة الأعراف :( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) حينما أراد فرعون أن يظهر قدرته وقوته!

* * *

__________________

(1) مجمع ذيل البيان ، ذيل الآية المبحوثة.

٢٠٩

الآيات

( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) )

التّفسير

دين حق ومعبود واحد :

تتناول هذه الآيات موضوع نفي الشرك تعقيبا لبحث التوحيد ومعرفة الله عن طريق نظام الخلق الذي ورد في الآيات السابقة ، لتتّضح الحقيقة من خلال المقارنة بين الموضوع ، ويبتدأ ب :( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .

وتقديم كلمة «إيّاي» يراد بها الحصر كما في «إيّاك نعبد» أي : يجب الخوف

٢١٠

من عقابي لا غير.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية أشارت إلى نفي وجود معبودين في حين أن المشركين كانوا يعبدون أصناما متعددة.

ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى إحدى النقاط التالية أو إلى جميعها :

1 ـ إنّ الآية نفت عبادة اثنين ، فكيف بالأكثر؟!

وبعبارة أخرى : إنّها بيّنت الحد الأدنى للمسألة ليتأكّد نفي الأكثر ، وأيّ عدد ننتخبه (أكثر من واحد) لا بدّ له أن يمر بالإثنين.

2 ـ كل ما يعبد من دون الله جمع في واحد ، فتقول الآية : أن لا تعبدوها مع الله ، ولا تعبدوا إلهين (الحق والباطل).

3 ـ كان العرب في الجاهلية قد انتخبوا معبودين :

الأوّل : خالق العالم ، أي اللهعزوجل وكانوا يؤمنون به.

والثّاني : الأصنام ، واعتبروها واسطة بينهم وبين الله ، واعتبروها كذلك منبعا للخير والبركة والنعمة.

4 ـ يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى نفي عقيدة (الثنويين) القائلين بوجود إله للخير وآخر للشر ، ومع انتخابهم لأنفسهم هذا المنطق الضعيف الخاطئ ، إلّا إنّ عبدة الأصنام قد غالوا حتى في هذا المنطق وتجاوزوه لمجموعة من الآلهة!

وينقل المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي في تفسير هذه الآية عبارة لطيفة نقلها عن بعض الحكماء : (نهاك ربك أن تتخذ إلهين فاتخذت آلهة ، عبدت : نفسك وهواك ، وطبعك ومرادك ، وعبدت الخلق فأنّى تكون موحدا).

ثمّ يوضح القرآن أدلة توحيد العبادة بأربعة بيانات ضمن ثلاث آيات فيقول أوّلا( وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فهل ينبغي السجود للأصنام التي لا تملك شيئا ، أم لمن له ما في السموات والأرض؟

ثمّ يضيف :( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) .

٢١١

فعند ما يثبت أن عالم الوجود منه ، وهو الذي أوجد جميع قوانينه التكوينية فينبغي أن تكون القوانين التشريعية من وضعه أيضا ، ولا تكون طاعة إلّا له سبحانه.

«واصب» : من «الوصوب» ، بمعنى الدوام. وفسّرها البعض بمعنى (الخالص) (ومن الطبيعي أن ما لم يكن خالصا لم يكن له الدوام. أما الذين اعتبروا «الدين» هنا بمعنى الطّاعة ، فقد فسّروا «واصبا» بمعنى الواجب ، أي : يجب إطاعة الله فقط.

ونقرأ في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ شخصا سأله عن قول الله( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) قال : «واجبا»(1) .

والواضح أنّ هذه المعاني متلازمة جميعها.

ثمّ يقول في نهاية الآية :( أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ ) .

فهل يمكن للأصنام أن تصدّ عنكم المكروه أو أن تفيض عليكم نعمة حتى تتقوها وتواظبوا على عبادتها؟!

هذا( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ) .

فهذه الآية تحمل لبيان الثّالث بخصوص لزوم عبادة الله الواحد جلّ وعلا ، وأنّ عبادة الأصنام إن كانت شكرا على نعمة فهي ليست بمنعمة ، بل الكل بلا استثناء منّعمون في نعم الله تعالى ، وهو الأحق بالعبادة لا غيره.

وعلاوة على ذلك( ... ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ) .

فإن كانت عبادتكم للأصنام دفعا للضر وحلا للمعضلات ، فهذا من الله وليس من غيره ، وهو ما تظهره ممارستكم عمليا حين إصابتكم بالضر ، فلمن تلتجئون؟ إنّكم تتركون كل شيء وتتجهون إلى الله.

وهذا البيان الرّابع حول مسألة التوحيد بالعبادة.

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 373.

٢١٢

«تجئرون» : من مادة (الجؤار) على وزن (غبار) ، بمعنى صوت الحيوانات والوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم ، ثمّ استعملت كناية في كل الآهات غير الاختيارية الناتجة عن ضيق أو ألم.

إنّ اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى أنّه عند ما تتراكم عليكم الويلات ويحل بكم البلاء الشديد تطلقون حينها صرخات الإستغاثة اللااختيارية وأنتم بهذه الحال ، أتوجهون النداء لغيره سبحانه وتعالى؟! فلما ذا إذن في حياتكم الاعتيادية وعند ما تواجهون المشاكل اليسيرة تلتجئون إلى الأصنام؟!

نعم. فالله سبحانه يسمع نداءكم في كل الحالات ويغيثكم ويرفع عنكم البلاء( ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) بالعود إلى الأصنام!

وفي الحقيقة فالقرآن في الآية يشير إلى فطرة التوحيد في جميع الناس ، إلّا أنّ حجب الغفلة والغرور والجهل والتعصب والخرافات تغطيها في الأحوال الاعتيادية.

ولكن ، عند ما تهب عواصف البلاء تنقلع تلك الحجب فيظهر نور الفطرة براقا من جديد ليرى الناس لمن يتوجهون ، فيدعون الله مخلصين بكامل وجودهم ، فيرفع عنهم أغطية البلاء المتأتية من تلك الحجب ، (لاحظوا أنّ الآية قالت :( كَشَفَ الضُّرَّ ) أي : رفع أغطية البلاء).

ولكن عند ما تهدأ العاصفة ويرتفع البلاء وتعودون إلى شاطئ الأمان ، تعاودون من جديد على الغفلة والغرور ، وتظهرون الشرك بعبادتكم للأصنام مجددا!

وفي آخر آية (من الآيات مورد البحث) يأتي التهديد بعد إيضاح الحقيقة بالأدلة المنطقية :( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .

ويشبّه ذلك بتوجيه النصائح والإرشادات لمنحرف متخلف لا يفيد معه هذا الأسلوب المنطقي فيقطع معه الحديث باللين ليواجه بالتهديد عسى أن يرعوي

٢١٣

فيقال له : مع كل ما قلنا لك افعل ما شئت ولكن سترى نتيجة عملك عاجلا أم آجلا.

وعلى هذا فتكون اللام في «ليكفروا» يراد به التهديد ، وكذا «تمتعوا» أمر يراد به التهديد أيضا ، أمّا مجيء الفعل الأوّل بصيغة الغائب «ليكفروا» والثّاني بصيغة المخاطب «تمتعوا» ، فكأنه افترض غيابهم أوّلا فقال : ليذهبوا ويكفروا بهذه النعم ، وعند تهديدهم يلتفت إليهم ويقول : تمتعوا بهذه النعم الدنيوية قليلا فسيأتي اليوم الذي تدركون فيه عظم خطئكم وسترون عاقبة أعمالكم.

والآية (30) من سورة إبراهيم تشابه الآية المذكورة من حيث الغرض :( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (1)

* * *

__________________

(1) احتمل جمع من المفسّرين : أنّ «ليكفروا» غاية ونتيجة للشرك والكفر الذي نسب إليهم في الآية التي قبلها ، فيكون المعنى أنّهم بعد إنجائهم من الضر تركوا طريق التوحيد وساروا في طريق الشرك ليكفروا بنعم الله وينكرونها.

٢١٤

الآيات

( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) )

التّفسير

عند ما كانت ولادة البنت عارا!

بعد أن عرضت الآيات السابقة بحوثا استدلالية في نفي الشرك وعبادة الأصنام ، تأتي هذه الآيات لتتناول قسما من بدع المشركين وصورا من عاداتهم القبيحة ، لتضيف دليلا آخرا على بطلان الشرك وعبادة الأصنام ، فتشير الآيات إلى ثلاثة أنواع من بدع وعادات المشركين:

٢١٥

وتقول أوّلا :( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ ) (1) .

وكان النصيب عبارة عن قسم من الإبل بقية من المواشي بالإضافة إلى قسم من المحاصيل الزراعية ، وهو ما تشير إليه الآية (136) من سورة الأنعام :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا :( تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ) .

وسيكون بعد السؤال اعتراف لا مفر منه ثمّ الجزاء والعقاب ، وعليه فما تقومون به له ضرر مادي من خلال ما تعملونه بلا فائدة ، وله عقاب أخروي لأنّكم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غيره.

أمّا البدعة الثّانية فكانت :( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ) من التجسم ومن هذه النسبة.( وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ ) أي : إنّهم لم يكونوا ليقبلوا لأنفسهم ما نسبوا إلى الله ، ويعتبرون البنات عارا وسببا للشقاء!

وإكمالا للموضوع تشير الآية التالية إلى العادة القبيحة الثّالثة :( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) .(2)

ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل( يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ) .

ولم ينته المطاف بعد ، ويغوص في فكر عميق :( أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي

__________________

(1) ذكر المفسرون رأيين في تفسير «ما لا يعلمون» وضميرها :

الأول : أن ضمير «لا يعلمون» يعود إلى المشركين أي أن المشركين يجعلون للأصنام نصيبا وهم لا يعلمون لها خيرا وشرا (وهذا ما انتخبناه من تفسير).

والثاني : إن الضمير يعود إلى نفس الأصنام ، أي يجعلون للأصنام نصيبا في حين أنها لا تدرك ، لا تعقل ، لا تعلم! والتفسير الثاني يظهر نوعا من التضاد بين عبارات الآية ، لأن «ما» تستعمل عادة لغير العاقل و «يعلمون» تستعمل للعاقل عادة.

أما في التفسير الأول فـ «ما» تعود على الأصنام و «يعلمون» على عبدتها.

(2) الكظيم : تطلق على الإنسان الممتلئ غضبا.

٢١٦

التُّرابِ ) .

وفي ذيل الآية ، يستنكر الباري حكمهم الظالم الشقي بقوله :( أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

وأخيرا يشير تعالى إلى السبب الحقيقي وراء تلك التلوثات ، ألا هو عدم الإيمان بالآخرة :( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

فكلّما اقترب الإنسان من العزيز الحكيم انعكس في روحه نور صفاته العليا من العلم والقدرة والحكمة وابتعد عن الخرافات والبدع والأفعال القبيحة.

وكلما ابتعد عنه تعالى غرق بقدر ذلك البعد في ظلمات الجهل والضعف والذلة والقبائح.

فالسبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر الله وعن محكمته العادلة في الآخرة ، أمّا ذكر الله والآخرة فدافع أصيل للإحساس بالمسؤولية ومحاربة الجهل والخرافة ، وعامل قدرة وقوة وعلم للإنسان.

* * *

بحوث

1 ـ لماذا اعتبروا الملائكة بناتا لله؟

تطالعنا الكثير من آيات القرآن الكريم بأنّ المشركين كانوا يقولون بأنّ الملائكة بنات الله جلّ وعلا ، أو أنّهم كانوا يعتبرون الملائكة إناثا دون نسبتها إلى الله

كما في الآية (19) من سورة الزخرف :( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) ، وفي الآية (40) من سورة الإسراء :( أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً ) .

٢١٧

يمكن أن تكون هذه الإعتقادات بقايا خرافات الأقوام السابقة التي وصلت عرب الجاهلية ، أو ربما يحصل هذا الوهم بسبب ستر الملائكة عنهم وحال الاستتار أكثر ما يختص بحال النساء ، ولهذا تعتبر العرب الشمس مؤنثا مجازيا والقمر مذكرا مجازيا أيضا ، على اعتبار أنّ قرص الشمس لا يمكن للناظر إليه أن يديم النظر لأنه يستر نفسه بقوة نوره ، أمّا قرص القمر فظاهر للعين ويسمح للنظر إليه مهما طالت المدّة.

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى الكناية عن لطافة الملائكة ، والإناث أكثر من الذكور لطافة.

وعلى أية حال فهذه إحدى ترسبات الخرافات القديمة التي تكلست في مخيلة البشرية حتى وصلت للبعض ممن يعيش في يومنا هذا ، ولا تختص هذه الخرافة بقوم دون آخر لأنّنا نلاحظ وجودها في أدبيات عدد من لغات العالم! فنرى الأديب مثلا حينما يريد وصف جمال امرأة ينعتها بالملائكة ، وذاك الفنان الذي يريد أن يعبر عن الملائكة فيجعلها بهيئة النساء ، في حين أن الملائكة لا تملك جسما ماديا حتى يمكننا أن نصفه بالمذكر أو المؤنث.

2 ـ لما ذا شاع وأد البنات في الجاهلية؟

الوأد في واقعة أمر رهيب ، لأنّ الفاعل يقوم بسحق كل ما بين جوانحه من عطف ورحمة ، ليتمكن من قتل إنسان بريء ربّما هو من أقرب الأشياء إليه من نفسه!

والأقبح من ذلك افتخاره بعمله الشنيع هذا!

فأين الفخر من قتل إنسان ضعيف لا يقوى حتى للدفاع عن نفسه؟ بل كيف يدفن الإنسان فلذة كبده وهي حية؟!

وهذا ليس بالأمر الهيّن ، فأيّ إنسان ومهما بلغت به الوحشية لا يقدم على

٢١٨

هكذا جريمة بشعة من غير أن تكون لها مقدمات اجتماعية ونفسية واقتصادية عميقة الأثر والتأثير تدعوه لذلك

يقول المؤرخون : إنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت ، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب ، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إلّا أنّ بعضا من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إلى قبيلتهن ، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلا للوم والشماتة ، حتى أقسم بعضهم أن يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء!

ويلاحظ بوضوح ارتكاب أفظع جناية ترتكب تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والناموس وحيثية العائلة الكاذبة فكانت النتيجة : ظهور بدعة وأد البنات القبيحة وانتشارها بين جمع منهم حتى أصبحت سنّة جاهلية ، ولفظاعتها فقد أنكرها القرآن الكريم بشدّة بقوله :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (1) .

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى دور الطبيعة الإنتاجية للأولاد الذكور ، والنزوع إلى الطبيعة الاستهلاكية عند الإناث ، وما له من أثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، فالولد الذكر بالنسبة لهم ذخر مهم ينفعهم في القتال والغارات وفي حفظ الماشية وما شابه ذلك من الفوائد ، في حين أنّ البنات لسن كذلك.

ومن جانب آخر فقد سببت الحروب والنزاعات القبلية قتل الكثير من الرجال والأولاد ممّا أدى لاختلال التوازن في نسبة الإناث إلى الذكور ، حتى وصل وجود الولد الذكر عزيزا ودفع الرجل لأن يتباهى بين قومه حين يولد له مولود ذكرا ، وينزعج ويتألم عند ولادة البنت ووصل حالهم لحد (كما يقول عنه

__________________

(1) سورة التكوير ، 9.

٢١٩

بعض المفسّرون) أنّ الرجل في الجاهلية يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته لئلا تأتيه بنت وهو في الدار! وإذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إلى بيته وبشائر الفرح تتعالى وجنتيه ، ولكنّ الويل كل الويل والثبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنتا ويمتلئ غيظا وغضبا(1) .

وقصّة «الوأد» ملأى بالحوادث المؤلمة

منها : ما روي أنّ رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلن إسلامه ، وجاءه يوما فسأله : إنّي أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تواب رحيم». قال : يا رسول الله إنّ ذنبي عظيم قال : «ويلك مهما كان ذنبك عظيما فعفو الله أعظم منه» ، قال : لقد سافرت في الجاهلية سفرا بعيدا وكانت زوجتي حبلى وعند ما عدت بعد أربع سنوات استقبلتني زوجتي فرأيت بنتا في الدار ، فقلت لها : ابنة من هذه؟ قالت : ابنة جازنا. فظننت أنّها سترحل عن دارنا بعد ساعة ، فلم تفعل ، ثمّ قلت لزوجتي:أصدقيني من هذه البنت؟ قالت : ألا تذكر أنّي كنت حاملة عند ما سافرت ، إنّها ابنتك. فنمت تلك الليلة مغتما ، أنام واستيقظ ، حتى اقترب وقت الصباح نهضت من فراشي وذهبت إلى فراش ابنتي فأخرجتها وأيقظتها وطلبت منها أن تصحبني إلى حائط النخل ، فتبعتني حتى اقتربنا من الحائط فأخذت بحفر حفيرة وهي تعينني على ذلك ، وعند ما انتهيت من ذلك وضعتها في وسط الحفرة وهنا فاضت عينا رسول الله بالدمع ثمّ وضعت يدي اليسرى على كتفها وأخذت أهيل التراب عليها بيدي اليمنى ، فأخذت تصرخ وتدافع بيديها ورجليها وتقول : أبي ما تصنع بي!؟ ثمّ أصاب لحيتي بعض التراب فرفعت يدها تمسحه عنها ، وأدمت ذلك حتى دفنتها.

__________________

(1) تفسير الفخر الرازي ، ج 20 ، ص 55.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790