الفروع من الكافي الجزء ٣

الفروع من الكافي7%

الفروع من الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 790

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥
  • البداية
  • السابق
  • 790 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • المشاهدات: 184085 / تحميل: 6158
الحجم الحجم الحجم
الفروع من الكافي

الفروع من الكافي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ثُمّ إنّ القرآن في الأصل مصدر نحو رجحان ، قال سبحانه :( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ) .(١)

قال ابن عبّاس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به

وقد خُصّ بالكتاب المُنزَّل على نبيِّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار له كالعَلَم ، كما أنّ التوراة لمّا أُنزل على موسىعليه‌السلام ، والإنجيل لمّا أُنزل على عيسىعليه‌السلام

قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قُرآناً من بين كتب اللّه ، لكونه جامعاً لثَمرَة كُتبِه ، بل لجمعه ثَمرَة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله :( وَتَفصيلاً لكلِّ شيء ) .(٢)

وعلى هذا ، فالقرآن مِن قَرَأَ بمعنى : جمع ، ولكن يُحتمل أن يكون بمعنى القراءة ، كما في قوله سبحانه : ( وَقُرآنَ الفَجْر ) (٣) ، أي : قراءته

الحلف بالكتاب :

حلف سبحانه بالكتاب مرَّتين وقال :

١ ـ( حم * والكتابِ المُبِين * إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرين ) (٤)

٢ ـ( حم * وَالكتابِ المُبِين * إِنّا جَعَلْناهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) القيامة : ١٧ـ ١٨

(٢) الأنعام : ١٥٤

(٣) الإسراء : ٧٨

(٤) الدخان : ١ـ٣

(٥) الزخرف : ١ـ٣

٦١

فالمُقسَم به هو الكتاب ، والمُقسَم عليه في الآية الأولى قوله :( إِنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة ) ، والصِلة بينهما واضحة ، حيث يحلف بالكتاب على أنّه مُنزَّل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة

كما أنّ المُقسَم به في الآية الثانية هو الكتاب المبين ، والمُقسَم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآناً عربيّاً للتعقّل ، والصِلة بينهما واضحة

ووُصف الكتاب بالمُبين دون غيره ؛ لاَنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم ، كما جاء في الآيتين ، حيث قال :( إِنّا كُنّا مُنذرين ) ، وقال :( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) ، وهذا النوع من الغاية ، أي : الإنذار والتعقّل ، يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحاً مفهوماً ، لا مجهولاً ومعقداً

والكتاب في الأصل مصدر ، ثُمّ سُمّي المكتوب فيه كتاباً

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب

بقي هنا الكلام في عظمة المُقسَم به

ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه ، حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة

وقد تكلّم غير واحد من المُفكّرين الغربيّين حول عظمة القرآن ، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونَستنطِقه حتى يُبدي رأيه في حقِّ نفسه

أ ـ القرآن نور ينير الطريق لطلاّب السعادة ، قال سبحانه :( قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين ) (١)

ب ـ إنّه هدى للمُتَّقين ، قال سبحانه : ( هُدىً لِلْمُتَّقين ) (٢) فهو وإن كان هدى لعامّة الناس ، إلاّ أنّه لا يستفيد منه إلاّ المُتَّقون ؛ ولذلك خصَّهم بالذِكر

ــــــــــــــــ

(١) المائدة : ١٥

(٢) البقرة : ٢

٦٢

ج ـ هو الهادي إلى الشريعة الأقوَم ، قال سبحانه :( إِنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أَقْوم ) (١)

د ـ الغاية من إنزاله قيام الناس بالقِسط ، قال سبحانه :( وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ ) .(٢)

هـ ـ لا يتطرَّق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ، ولا في مضامينه ولا محتواه ، قال سبحانه :( وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللّهِ لوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ) (٣)

و ـ يحثّ الناس إلى التدبُّر والتفكّر فيه :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ) (٤)

ز ـ تبيان لكلّ شيء :( وَنَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء ) (٥)

ح ـ نذير للعالمين :( تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) (٦)

ط ـ فيه أحسن القَصص :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) (٧)

ــــــــــــــــ

(١) الإسراء : ٩

(٢) الحديد : ٢٥

(٣) النساء : ٨٢

(٤) ص : ٢٩

(٥) النحل : ٨٩

(٦) الفرقان : ١

(٧) يوسف : ٣

٦٣

ي ـ ضُرب فيه للناس من كلِّ مَثل :( وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل ) (١)

هذه نماذج من الآيات الّتي تصف القرآن ببعض الأوصاف

وللنبي والأئمّة المعصومين كلمات قيِّمة حول التعريف بالقرآن ، ننقل شذرات منها :

قام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال :( أيّها الناس ، إنّكم في دار هُدنة ، وأنتم على ظَهرِ سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يُبليان كلّ جديد ، ويُقرّبان كلّ بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المُجاز )

فقام المُقداد بن الأسود وقال : يا رسول اللّه ، و ما دار الهُدنة ؟

قال : ( دار بلاغٍ وانقطاعٍ .

فإذا التبست عليكم الفِتن كقطع اللّيل المُظلِم ، فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافِع مُشفَّع وماحِل مُصدَّق ، ومَن جعله أَمامَه قادَه إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار

وهو الدليل ، يدلُّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفَصل ليس بالهَزل ، وله ظَهْر وبَطْن ، فظاهره حكم وباطنه عِلم ، ظاهره أنيق وباطنه عَميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تُحصى عجائبه ولا تبلَى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمَن عرف الصِفة

فليَجل جال بَصَره ، وليبلغ الصِفة نظره ، ينج مَن عطب ، ويتخلَّص مَن نشب ، فإنّ التَفكُّر حياة قلبِ البصير ، كما يمشي المُستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحُسنِ التخلّص وقلَّة التربّص ) (٢)

ــــــــــــــــ

(١) الكهف : ٥٤

(٢) الكافي : ٢/٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن

٦٤

وقال الإمام علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصف القرآن :

( ثُمّ أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبُو توقُّده ،وبحراً لا يُدرك قعرُه ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحر لا يَنزِفه المُستنزفون ، وعيون لا يُنضِبُها الماتِحُون ، ومناهل لا يَغيضُها الواردون ) (١)

إلى غير ذلك من الخُطب والكلم حول التعريف بالقرآن ، الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

ــــــــــــــــ

(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٩٨

٦٥

الفصل الخامس : القَسَمُ بالعَصْر

حلف سبحانه بالعصر مرّةً واحدة ، دون أن يقرنه بمُقسَمٍ به آخر ، وقال :( وَالعَصْر * إِنّ الإنْسانَ لَفي خُسْر ) (١)

تفسير الآيات :

العَصْر يُطلق ويراد منه تارة : الدَهر ، وجَمْعه عصور

وأُخرى : العَشيّ مقابل الغداة ، يُقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران : الليل والنهار ، كالقمرين للشمس و القمر

وثالثة : بمعنى الضَغْط ، فيكون مصدر عَصَرْتُ ، والمَعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصَر ، قال سبحانه :( أَراني أَعْصِرُ خَمراً ) (٢) ، وقال :( وفيهِ يَعْصِرُون ) (٣) ، وقال :( وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً ) (٤) أي : السُّحُب الّتي تعتصرُ بالمَطَر

ورابعة : بمعنى ما يُثير الغبار ، قال سبحانه :( فَأَصابَها إعصار ) (٥) .(٦)

والمُراد من الآية أحد المَعنيين الأوّليين :

الأوّل : الدَهر والزمان

الثاني : العَصْر مقابل الغداة

ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع ، كما هو واضح

ــــــــــــــــ

(١) العصر : ١ـ٢

(٢) يوسف : ٣٦

(٣) يوسف : ٤٩

(٤) النبأ : ١٤

(٥) البقرة : ٢٦٦

(٦) مفردات القرآن : مادّة عصر ، و مجمَع البيان : ٥/٥٣٥

٦٦

وإليك بيان المَعنَيين الأوّلين

١ ـ العَصْر : الدَهْر . وإنّما حلف به ؛ لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار

وقد نُسب ذلك القول إلى ابن عبّاس ، والكلبي ، والجبائي

قال الزَمخشري : وأقسَمَ بالزمان ؛ لما في مروره من أصناف العجائب(١)

ولعلّ المُراد من الدهر والزمان اللّذين يُفسِّرون بهما العصر هو تاريخ البشريّة ؛ وذلك لأنّه سبحانه جعل المُقسَم عليه كون الإنسان لفي خسر إلاّ طائفة خاصّة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان أنّه هو مِن تصرّم عُمْره ، ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مالٍ وقع في يده

وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة ، نأتي بنصِّها :

قال : وعن بعضِ السَلَف ، تعلّمتُ معنى السورة من بائع الثلج ، كان يصيح ويقول : ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، ارحموا مَن يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خُسْر ؛ يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب ، فإذا هو خاسر(٢)

٢ ـ العصر : أحدُ طَرفَي النهار . وأقسم بالعَصر كما أَقسم بالضُحى ، وقال :( والضحى * واللَّيل إذا سَجى ) (٣) ، كما أقسم بالصبح وقال :( والصُّبح إِذا أَسفَر ) (١)

وإنّما أقسَمَ بالعَصرِ لأهمّيّته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المَعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليوميّة تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة

ــــــــــــــــ

(١) الكشّاف : ٣/٣٥٧

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٣٢/٨٥

(٣) الضحى : ١ـ٢

٦٧

وهناك قولان آخران :

أ ـ المرادُ عَصْر الرسول ذلك لما تضمَّنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلاّ لمَن اتَّبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكّد على أن يكون المراد من العصر عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري ، وظهور الحقّ على الباطل

ب ـ المراد به وقت العصر وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسَمَ بها ، لفضلها ، بدليل قوله :( حافِظُوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى ) (٢) ، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى :( تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ ) (٣) هو صلاة العصر

أضف إلى ذلك ، أنّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبةِ تُختَم بها الأعمال.

ولا يخفى أنّ القول الأخير في غاية الضعف ؛ إذ لا صِلة بين القَسَم بصلاة العصر والمُقسَم عليه ، أعني :( الإنْسان لفي خُسر ) ، على أنّه لو كان المُقسَم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه وحذف المضاف ، مع عدم توفُّر قرينة عليه ؟! ومنه يظهر حال الوجه المُتقدّم عليه

والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوى ؛ حيث أنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي : خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه

ــــــــــــــــ

(١) المُدّثّر : ٣٤

(٢) البقرة : ٢٣٨

(٣) المائدة : ١٠٦

٦٨

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( إِنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر ) ، والمراد من الخسران هو : مضيّ أثمَن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسانُ في كلّ لحظة يفقد رأس ماله ، بنحوٍ لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سُنَّة الحياة الدنيويّة ، حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأيُّ خسران أعظم من ذلك ؟!

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فأوضح من أن يخفى ؛ لاَنّ حقيقة الزمان حقيقة مُتصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان ، فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج

ثُمّ أنّه سبحانه استثنى من الخسران مَن آمن وعمل صالحاً ، وتواصى بالحقِّ وتواصى بالصبر

ووجه الاستثناء واضح ؛ لأنّه بدَّلّ رأس ماله بشيء أغلى وأثمَن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المُنقضي ، فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترى حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ونِعمه المادِّية والمعنويّة

يقول سبحانه :( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١)

ــــــــــــــــ

(١) التوبة : ١١١

٦٩

الفصل السادس : القَسَم بالنَجْم

وردتْ كلمة النجم في القرآن الكريم أربع مرّات في أربع سور(١) ، وحلف به مرَّة واحدة وقال :( وَالنَّجمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) (٢) ، وهي من السور المكِّية

تفسير الآيات :

النَجْمُ في اللغة : الكوكب الطالِع ، وجمعه نُجوم ، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب ، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب

وأمّا ( هوى ) في قوله :( إِذا هَوى ) ، فيُطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة ، وأُخرى على السقوط من علوٍ إلى سفل

ولكنّ تفسيره بسقوط النجم وغروبه لا يُساعده اللفظ ، وإنّما المُراد هو ميله

وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى ، أي : إذا مالَ

ثُمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين :

أ ـ أمّا مُطلَق النجم ، فيشمل كافّة النجوم الّتي هي من آيات عظمة اللّه سبحانه ، ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها

ــــــــــــــــ

(١) وهي : النحل : ١٦ ، النجم : ١ ، الرحمن : ٦ ، الطارق : ٣

(٢) النجم : ١ـ٤

٧٠

ب ـ المراد هو نجم الشِعْرَى ، الّذي جاء في نفس السورة ، قال سبحانه :( وَانَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرى ) (١)

ونظيره القول بأنّ المراد هو الثُريّا ، وهي مجموعة من سبعة نجوم ، ستَّة منها واضحة وواحد خافت النور ، وبه تُختبر قوَّة البَصَرِ

وربّما فُسّر بالقرآن الّذي نزل على قلب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة ٢٣ سنة ؛ لنزوله نجوماً(٢) ، لكنّ لفظ الآية لا يُساعد على هذا المعنى ، فاللّه سبحانه إمّا أن يحلف بعامّة النجوم ، أو بنجم خاصِّ يهتدي به السائر

ويدلّ على ذلك أنّه قيَّد القَسَم بوقت هويِّه ، ولعلّ الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرضِ لا يهتدي به الساري ، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال ، تبيَّن بزواله جانب المغرب من المشرق(٣)

وأمّا المُقسَم عليه ، فهو قوله سبحانه :( ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وَما غوى * وما ينطق عن الهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحيٌ يُوحى )

جمع سبحانه هناك بين الضلال والغَيِّ فنفاهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآنُ يستعمل الضلالة في مقابل الهدى ، يقول سبحانه :( يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ ) (٤)

ــــــــــــــــ

(١) النجم : ٤٩

(٢) انظر الميزان : ١٩/٢٧ ، مجمع البيان : ٥/١٧٢

(٣) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٧٩

(٤) المائدة : ١٠٥

٧١

كما يستعمل الغَيّ في مقابل الرُشد ، يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً ) (١)

والمُهمُّ بيان الفرق بين الضلالةِ والغواية ، فنقول :

ذكرَ الرازي : أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصَده طريقاً أصلاً ، والغِواية أن لا يكون له طريق مُستقيم إلى المقصَد يدلّك على هذا أنّك تقول للمؤمن الّذي ليس على طريق السَداد : إنّه سَفيه غير رشيد ، ولا تقول إنّه ضالّ ، والضالّ كالكافر ، والغاوي كالفاسق(٢)

وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب : الغيّ جهلٌ من اعتقادٍ فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شيء ، وهذا النحو الثاني يُقال له : غَيّ(٣)

وعلى هذا ، فالآية بصَدَد بيان نفي الضلالة والغَي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليردّ به التُهم المُوجّهة إليه من جانب أعدائه

وأمّا بيان الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فواضح ، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوى والميل يهتدي به الساري ، كما أنّ النبي يهتدي به الناس ، أي : بقوله وفعله وتقريره

فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينيّة ، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي المُوحى إليه ، ولذلك قال :( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى )

ــــــــــــــــ

(١) الأعراف : ١٤٦

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٢٨/٢٨٠

(٣) مفردات الراغب : ٣٦٩

٧٢

الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم

حَلَفَ سبحانه وتعالى في سورة الواقعة بمواقع النجوم وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم * إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم * فِي كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ المُطَهَّرُون ) (١)

تفسير الآيات :

المُراد من مواقع النجوم مساقِطها حيث تغيب

قال الراغب : الوقوع : ثبوت الشيء وسقوطه ، يُقال : وقع الطائر وقوعاً ، وعلى ذلك يراد منه مطالِعها ومَغاربها ، يقال : مواقع الغَيث أي : مَساقِطه(٢)

ويدلُّ على أنّ المراد هو مطالع النجوم ومغاربها ، أنّ اللّه سبحانه يُقسِم بالنجوم وطلوعها وجَريها وغروبها ، إذ فيها وفي حالاتها الثلاث آية وعبرة ودلالة ، كما في قوله تعالى :( فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجَوارِ الكُنَّس ) (٣) ، وقال :( وَالنَّجْم إِذا هَوى ) ، وقال :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب )

ــــــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٥ـ ٧٩

(٢) مفردات الراغب : ٥٣٠ ، مادَّة وَقَعَ

(٣) التكوير : ١٥ـ ١٦ .

٧٣

ويرجح هذا القول أيضاً : أنّ النجوم حيث وقعت في القرآن ، فالمراد منها الكواكب ، كقوله تعالى :( وَإدْبار النُّجوم ) (١) ، وقوله :( وَالشَّمْسُ وَالْقَمرُ وَالنُّجُوم ) (٢)

وأمّا المُقسَم عليه : فهو قوله سبحانه :( إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريم * في كِتابٍ مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَّهَرُون )

وصفَ القرآن بصفاتٍ أربع :

أ ـ ( لقُرآنٌ كَريم ) والكريم هو البَهيّ الكثير الخير العظيم النفع ، وهو من كلّ شيء أحسنه وأفضله ، فاللّه سبحانه كريم ، وفعله ـ أعني القرآن ـ مثله

وقال الأزهري : الكريم : اسم جامع لما يُحمَد ، فاللّه كريم يُحمَد فِعاله ، والقرآن كريم يُحمَد ؛ لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة

ب ـ( في كتابٍ مَكنُون ) ولعلّ المراد منه هو اللوح المحفوظ ، بشهادة قوله :( بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيد * في لَوحٍ مَحْفُوظ ) (٣) ويُحتمَل أن يكون المراد الكتاب الّذي بأيدي الملائكة ، قال سبحانه :( في صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرةٍ * بِأَيدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَررَةٍ ) (٤)

ج ـ( لا يَمَسُّه إِلاّ المُطهَّرون ) فلو رجع الضمير إلى قوله :( لقُرآنٌ كَريم ) ، كما هو المتبادَر ، لأنّ الآيات بصَدَد وصفه وبيان منزلته ، فلا يمسّ المصحف إلاّ طاهر ، فيكون الإخبار بمعنى الإنشاء ، كما في قوله سبحانه :( وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (٥)

ــــــــــــــــ

(١) الطور : ٤٩

(٢) الحجّ : ١٨

(٣) البروج : ٢١ ـ ٢٢

(٤) عبس : ١٣ ـ ١٦

(٥) البقرة : ٢٢٨

٧٤

ولو قيل برجوع الضمير إلى ( كتابٍ مَكنُون ) ، فيكون المعنى لا يمسّ الكتاب المَكنون إلاّ المطهَّرون

وربّما يُؤيَّد هذا الوجه بأنّ الآية سيقت تنزيهاً للقرآن من أن ينزل به الشياطين ، وأنّ محلّه لا يصل إليه ، فلا يمسّه إلاّ المطهّرون ، فيستحيل على أخابثِ خلق اللّه وأنجسِهم أن يصلوا إليه أو يَمسُّوه ، قال تعالى :( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطين * وَما يَنْبَغي لَهُمْ وَما يَسْتَطيعُون ) (١)

د ـ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمين ) وهذا هو الّذي يُركِّز عليه القرآن في مواقف مختلفة ، وأنّه كتاب اللّه وليس من صنع البشر

وأمّا الصِلة بين القَسَمِ والمُقسَم به فهو واضح ؛ فلاَنّ النجوم بمواقعها ـ أي طلوعها وغروبها ـ يهتدي بها البشر في ظلمات البرِّ والبحر ، فالقرآن الكريم كذلك ، يهتدي به الإنسان في ظلمات الجهل والغَي ، فالنجوم مصابيح حسّية في عالم المادَّة ، كما أنّ آيات القرآن مصابيح معنويَّة في عالم المُجرَّدات

إكمال :

إنّه سبحانه قال :( فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم ) ، فالمراد منه القَسَم بلا شكّ ، بشهادة أنّه قال بعده :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم ) ، فلو كان معنى الآية هو نفي القَسَم ، فلا يُناسب ما بعده ؛ حيث يصفه بأنّه حلف عظيم

وقد اختلف المفسِّرون في هذه الآيات ونظائرها إلى أقوال :

١ ـ ( لا ) زائدة ، مثلها قوله سبحانه :( لئلاّ يَعْلَم )

٢ ـ أصلها ( لأُقسِمُ ) بلام التأكيد ، فلمّا أُشبعَت فتحتها صارت ( لا ) كما في الوقف

٣ ـ ( لا ) نافية ، بمعنى نفي المعنى الموجود في ذهن المُخاطَب ، ثُمّ الابتداء بالقَسَمِ ، كما نقول : لا واللّه ، لا صحَّة لقول الكفّار ، أُقسِم عليه

ــــــــــــــــ

(١) الشعراء : ٢١٠ـ٢١١

٧٥

ثُمّ إنّه سبحانه يصف هذا القَسَم بكونه عظيماً ، كما في قوله :( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) ، فقوله : ( عظيم ) وصف ( القَسَم ) ، أُخِّر لحفظِ فواصل الآيات

وهذا القَسَم هو القَسَم الوحيد الّذي وصفه سبحانه بأنّه عظيم

فالحديث هنا هو حديث على الأبعاد ، أبعاد النجوم عنّا وعن بعضها البعض ، في مجرّتنا وفي كلّ المَجرّات

ولأنّها كلّها تتحرَّك ، فإنّ الحديث عن مواقعها يصير أيضاً حديثاً على مداراتها ، وحركاتها الأُخرى العديدة ، وسرعاتها ، وعلى علاقاتها بالنجوم الأُخرى ، وعلى القوى العظيمة والحسابات المُعقَّدة الّتي وضعت كلّ نجم في موقعه الخاصّ به ، وحفظته في علاقات متوازنة دقيقة مُحكمَة ، فهي لا يعتريها الاضطراب ، ولا تتغيَّر سُنَنها وقوانينها ، وهي لا تسير خَبطَ عَشواء ، أو في مساراتٍ متقاطعةٍ أو متعارضة ، بل هي تسير كلّها بتساوق وتناغم ، وانسجام وانتظام تامّين دائمين ، آيات على قدرة القادر سبحانه(١)

يقول الفلكيُّون : إنّ من هذه النجوم والكواكب ـ الّتي تزيد على عدَّة بلايين نجم ـ ما يمكن روَيته بالعين المُجرَّدة ، وما لا يُرى إلاّ بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تَحسَّ به الأجهزة دون أن تراه

هذه كلّها تسبحُ في الفلك الغامض ، ولا يوجد أيّ احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجمٍ من مجال نجمٍ آخر ، أو يصطدم كوكب بآخر ، إلاّ كما يُحتمَل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسّط بآخر في المحيط الهادي ، يسيران في اتّجاه واحد وبسرعة واحدة ، وهو احتمال بعيد ، وبعيداً جداً ، إن لم يكن مستحيلاً(٢)

ــــــــــــــــ

(١) أسرار الكون في القرآن : ١٩٢

(٢) اللّه والعلم الحديث : ٢٤

٧٦

الفصل الثامن : القَسَمُ بالسماءِ ذات الحُبُك

حَلَفَ سبحانه في سورة الذاريات بأُمورٍ خمسة ، وجعل للأربعة الأُوَل جواباً خاصّاً ، كما جعل للخامس من الأقسام جواباً آخر ، وبما أنّ المُقسَم عليه مُتعدِّد ؛ فصلنا القَسَم الخامس عن الأقسام الأربعة ، وعقدنا له فصلاً في ضمن فصول القَسَمِ المُفرَد

قال سبحانه :( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ) (١)

ترى أنّه ذكر للأقسام الأربعة جواباً خاصاً ، أعني قوله :( إِنّما تُوعَدُون لَصادِق * وانّ الدِّين لواقِع )

ثُمّ شرع بحلفٍ آخر ، وقال :( وَالسَّماءِ ذات الحُبُكِ * إِنَّكُم لَفِي قَولٍ مُختَلِف ) (٢)

فهناك قَسَم خامس وهو : ( والسماء ذات الحُبُك ) ، وله جواب خاصّ لا يمتّ لجواب الأقسام الأربعة ، وهو قوله :( إِنَّكُمْ لَفي قولٍ مختلِف )

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ١ـ ٦

(٢) الذاريات : ٧ـ ٨

٧٧

تفسير الآيات :

الحُبُك : جمع الحِباك ، كالكتب جمع كتاب ، تُستعمَل تارة في الطرائق ، كالطرائق الّتي تُرى في السماء ، وأُخرى في الشَعْرِ المجعد ، وثالثة في حُسن أثرِ الصنعة في الشيء واستوائه

قال الراغب :( والسَّماء ذات الحُبُك ) أي : ذات الطرائق ، فمن الناس مَن تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرّة

ولعلّ المراد منه هو المعنى الأوّل ، أي : السماء ذات الطرائق المختلفة ، ويؤيّده جواب القَسَم ، وهو اختلاف الناس وتشتُّت طرائقهم ، كما في قوله :( إنّكم لفي قولٍ مختلِف )

وربّما يحتمل أنّ المراد هو المعنى الثالث ، أي : أُقسم بالسماء ذات الحُسنِ والزينة ، نظير قوله تعالى :( إِنّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنيا بزِينةٍ الكَواكِب ) .(١)

ولكنّه لا يناسبه الجواب ، إذ لا يصحّ أن يحلفَ حالِف بالأمواج الجميلة الّتي ترتَسِم بالسُحب أو بالمجرّات العظيمة ، الّتي تبدو كأنّها تجاعيد الشَعْرِ على صفحة السماء ، ثُمّ يقول :( إِنّكم لفي قولٍ مختلِف ) ، أي : إنّكم متناقضون في الكلام

وعلى كلّ حال ، فالمُقسَم عليه هو : التركيز على أنّهم متناقضون في الكلام ، فتارة ينسبون عقائدهم إلى آبائهم وأسلافهم ، فينكرون المعاد ، وأُخرى يستبعدون إحياء الموتى بعد صيرورتهم عظاماً رميم ، وثالثة يرفضون القرآن والدعوة النبويّة ويصفونه بأنّه قول شاعر ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو ممّا علّمه بشر ، أو هي من أساطير الأوَّلين

وهذا الاختلاف دليل على بطلان ادّعائكم ، إذ لا تعتمدون على دليلٍ خاصّ ، فانّ تناقض المُدَّعي في كلامه أقوى دليل على بطلانه ونفاقه

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ٦

٧٨

ثُمّ إنّه سبحانه يقول : إنّ الإعراض عن الإيمان بالمعاد ليس أمراً مختصَّاً بشخصٍ أو بطائفة ، بل هو شيمة كلّ مُخالِف للحقِّ يقول :( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ) . (١)

والأفْك : الصَرف ، والضمير في ( عنه ) يرجع إلى الكتاب ، من حيث اشتماله على وعد البأس والجزاء ، أي : يُصرَف عن القرآن من صُرف وخالفَ الحقّ

وأمّا الصِلة بين المُقسَم به والمُقسَم عليه فقد ظهر ممّا ذكرنا ؛ لما عرفتَ من أنّ معنى الحُبُك هو الطرائق المختلفة المتنوِّعة ، فناسب أن يحلفَ به سبحانه على اختلافهم وتشتّت آرائهم ، في إنكارهم نبوّة النبي ورسالته ، والكتاب الّذي أُنزل معه ، والمعاد الّذي يدعو إليه

ــــــــــــــــ

(١) الذاريات : ٩

٧٩

القسم الثاني : القَسَم المُتَعدِّد

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القَسَم في سورة الصافّات

حلف سبحانه بالملائكة في السور الأربع التالية :

١ ـ الصافّات ، ٢ ـ الذاريات ، ٣ ـ المُرسلات ، ٤ ـ النازعات

وليس المُقسَم به هو لفظ المَلَكِ أو الملائكة ، وإنّما هو الصِفات البارزة للملائكة ، وأفعالها ، وإليك الآيات :

١ ـ( وَالصّافاتِ صَفّاً * فَالزّاجراتِ زَجْراً * فَالتّالياتِ ذِكراً *إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحد ) .(١)

٢ ـ( والذّارِياتِ ذَرْواً * فَالحامِلاتِ وِقْراً * فَالجارِياتِ يُسراً * فَالمُقَسِّماتِ أَمْراً * إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادق * وَانَّ الدِّين لواقع ) (٢)

٣ ـ( وَالْمُرسَلات عُرفاً * فَالعاصِفاتِ عَصْفاً * وَالنّاشراتِ نَشْراً * فالفارِقات فَرقاً * فالمُلقِياتِ ذِكراً * عُذراً أَو نُذراً * إنّما تُوعَدُونَ لَواقِع ) (٣)

ــــــــــــــــ

(١) الصافّات : ١ـ٤

(٢) الذاريات : ١ـ٦

(٣) المُرسَلات : ١ـ٧

٨٠

مِنْهُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ، وَالشِّرْعَةُ(١) وَالْمِنْهَاجُ سَبِيلٌ وَسُنَّةٌ ، وَقَالَ اللهُ لِمُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (٢) وَأَمَرَ كُلَّ نَبِيٍّ بِالْأَخْذِ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ(٣) ، وَكَانَ مِنَ السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ(٤) الَّتِي أَمَرَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهَا مُوسىعليه‌السلام أَنْ جَعَلَ(٥) عَلَيْهِمُ السَّبْتَ ، وَكَانَ(٦) مَنْ أَعْظَمَ السَّبْتَ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ أَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ(٧) ، أَدْخَلَهُ(٨) اللهُ(٩) الْجَنَّةَ ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ ، وَاسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ(١٠) الَّذِي نَهَاهُ(١١) اللهُ عَنْهُ فِيهِ(١٢) ، أَدْخَلَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - النَّارَ ، وَذلِكَ حَيْثُ اسْتَحَلُّوا(١٣) الْحِيتَانَ ، وَاحْتَبَسُوهَا ، وَأَكَلُوهَا يَوْمَ السَّبْتِ ، غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ(١٤) مِنْ(١٥) غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا(١٦) أَشْرَكُوا بِالرَّحْمنِ ، وَلَا شَكُّوا(١٧) فِي(١٨) شَيْ‌ءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ(١٩) مُوسىعليه‌السلام ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) (٢٠) .

ثُمَّ بَعَثَ اللهُ عِيسىعليه‌السلام بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ ، وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ(٢١) مِنْ عِنْدِ‌

__________________

(١). في « ف » : « والشرع ».

(٢). النساء (٤) : ١٦٣.

(٣). في البحار ، ج ١٤ : - « وقال الله لمحمّد - إلى - بالسبيل والسنّة ».

(٤). هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي والبحار ، ج ١٤ و ٦٩. وفي المطبوع : « السنّة والسبيل ».

(٥). هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي ومرآة العقول والبحار ، ج ١٤ و ٦٩. وفي المطبوع : + « الله ».

(٦). في « ز ، ض ، ف ، بر ، بس ، بف » : « فكان ».

(٧). في البحار ، ج ١٤ : + « من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت ».

(٨). في البحار ، ج ١٤ : « أدخلها ».

(٩). في « د ، ز ، ض ، بس » : - « الله ».

(١٠). هكذا في النسخ التي قوبلت وتقتضيه القواعد. وفي المطبوع : « عمل ».

(١١). في البحار ، ج ١٤ : « نهى ».

(١٢). في « بر » : - « فيه ».

(١٣) في « بر ، بف » : « استحلّ ».

(١٤) في « ض » : - « عليهم ».

(١٥) في « ض ، بس » : « في ».

(١٦) في البحار ، ج ١٤ : « أن يكون ».

(١٧) في « ص » : « ولا يشكّوا ».

(١٨) في « ض » : + « أيّ ».

(١٩) في الوافي : - « به ».

(٢٠) البقرة (٢) : ٦٥.

(٢١) في « ب ، ض ، بس ، بف » : - « به ».

٨١

اللهِ ، وَجَعَلَ لَهُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ، فَهَدَمَتِ(١) السَّبْتَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ أَنْ يُعْظِمُوهُ قَبْلَ ذلِكَ ، وَعَامَّةَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا(٢) مُوسى ، فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ سَبِيلَ عِيسى ، أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ وَإِنْ كَانَ(٣) الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ جَمِيعاً أَنْ لَايُشْرِكُوا(٤) بِاللهِ شَيْئاً.

ثُمَّ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله - وَهُوَ بِمَكَّةَ - عَشْرَ سِنِينَ(٥) ، فَلَمْ يَمُتْ بِمَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعَشْرِ سِنِينَ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله رَسُولُ اللهِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ(٦) الْجَنَّةَ بِإِقْرَارِهِ - وَهُوَ إِيمَانُ(٧) التَّصْدِيقِ - وَلَمْ يُعَذِّبِ اللهُ أَحَداً مِمَّنْ مَاتَ - وَهُوَ مُتَّبِعٌ لِمُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله عَلى ذلِكَ - إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ بِالرَّحْمنِ.

وَتَصْدِيقُ ذلِكَ أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَكَّةَ :( وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعْبُدُوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) إِلى قَوْلِهِ تَعَالى :( إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) (٨) أَدَبٌ وَعِظَةٌ وَتَعْلِيمٌ وَنَهْيٌ خَفِيفٌ ، وَلَمْ يَعِدْ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَتَوَاعَدْ عَلَى اجْتِرَاحِ(٩) شَيْ‌ءٍ مِمَّا نَهى عَنْهُ ، وَأَنْزَلَ نَهْياً عَنْ أَشْيَاءَ حَذَّرَ عَلَيْهَا(١٠) ، وَلَمْ يُغَلِّظْ فِيهَا ، وَلَمْ يَتَوَاعَدْ عَلَيْهَا.

__________________

(١). فيمرآة العقول : « قوله : فهدمت ، أي الشرعة والمنهاج أيضاً ؛ لكونه بمعنى الطريق ، يجوز فيه التأنيث. ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول بإضمار السنّة في السبت ».

(٢). في « ج ، ص » : « به ».

(٣). « إن » وصليّة ، و « كان » ناقصة ، والموصول اسمها ، وخبرها محذوف. أي باقياً لم يتغيّر ، أو معه ما جاء. أو هي تامّة ، والمعنى : وإن كان منه الإقرار بما جاء به النبيّون وهو التوحيد ونفي الشرك. وقوله : « أن لا يشركوا » عطف بيان أو بدل للموصول. واحتمل كونه خبر « كان » على الأوّل. راجع :شرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ٨٧ ؛الوافي ، ج ٤ ، ص ١١١ ؛مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٧٦. (٤). في « ج ، د ، ض ، بر ، بس ، بف » والوافي : « لا يشرك ».

(٥). فيمرآة العقول : « قولهعليه‌السلام : عشر سنين. أقول : هذا مخالف لما مرّ في تاريخ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولما هو المشهور من‌أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقام بعد البعثة بمكّة ثلاث عشرة سنة ». ثمّ ذكر وجوهاً في توجيهه.

(٦). في « ض » : - « الله ».

(٧). في « ص » : « الإيمان و » بدل « إيمان ».

(٨). الإسراء (١٧) : ٢٣ - ٣٠.

(٩). « اجترح » : عمل بيده واكتسب.المصباح المنير ، ص ٩٥ ( جرح ).

(١٠). في « ف » والوافي : « عنها ».

٨٢

وَقَالَ :( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً * وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً * وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً * وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً * وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً * وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً * كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً * ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً ) (١)

وَأَنْزَلَ فِي( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) :( فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى * لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلّى ) (٢) فَهذَا مُشْرِكٌ.

وَأَنْزَلَ فِي( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) :( وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً * وَيَصْلى سَعِيراً * إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلى ) (٣) فَهذَا مُشْرِكٌ.

وَأَنْزَلَ فِي(٤) « تَبَارَكَ » :( كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) (٥) فَهؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ.

وَأَنْزَلَ فِي « الْوَاقِعَةِ » :( وَأَمّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) (٦) فَهؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ.

وَأَنْزَلَ فِي « الْحَاقَّةِ » :( وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ * يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ * ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ ) إِلى قَوْلِهِ :( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ

__________________

(١). الإسراء (١٧) : ٣١ - ٣٩.

(٢). الليل (٩٢) : ١٤ - ١٦.

(٣). الانشقاق (٨٤) : ١٠ - ١٥.

(٤). هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي والبحار ، ج ٦٩. وفي المطبوع : + « سورة ».

(٥). الملك (٦٧) : ٨ - ٩.

(٦). الواقعة (٥٦) : ٩٢ - ٩٤.

٨٣

الْعَظِيمِ ) (١) فَهذَا مُشْرِكٌ.

وَأَنْزَلَ فِي « طسم » :( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ) (٢) جُنُودُ(٣) إِبْلِيسَ ذُرِّيَّتُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ.

وَقَوْلُهُ :( وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ) (٤) يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ هؤُلَاءِ ، فَاتَّبَعُوهُمْ عَلى شِرْكِهِمْ ، وَهُمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله لَيْسَ فِيهِمْ(٥) مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارى أَحَدٌ.

وَتَصْدِيقُ ذلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ (٦) قَوْمُ نُوحٍ ) (٧) ،( كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ ) (٨) ،( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ) (٩) لَيْسَ فِيهِمُ(١٠) الْيَهُودُ الَّذِينَ قَالُوا :( عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) ، وَلَا النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا :( الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) (١١) سَيُدْخِلُ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى النَّارَ ، وَيُدْخِلُ كُلَّ قَوْمٍ بِأَعْمَالِهِمْ.

وَقَوْلُهُمْ :( وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ) إِذْ دَعَوْنَا(١٢) إِلى سَبِيلِهِمْ ذلِكَ قَوْلُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيهِمْ حِينَ جَمَعَهُمْ إِلَى النَّارِ :( قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ (١٣) رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ

__________________

(١). الحاقّة (٦٩) : ٢٥ - ٣٣.

(٢). الشعراء (٢٦) : ٩١ - ٩٥.

(٣). في « ب » : « وجنود ».

(٤). الشعراء (٢٦) : ٩٩.

(٥). في الوافي والبحار ، ج ٦٩ : « هم ».

(٦). فيمرآة العقول : « قوله :( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ) ، كأنّه نقل بالمعنى ؛ لأنّ تلك الآيات في سورة الشعراء وليس‌فيها( قَبْلَهُمْ ) وإنّما هي في « صّ » [ (٣٨) : ١٢ ] و « المؤمن » [ (٤٠) : ٥ ].

(٧). الحجّ (٢٢) : ٤٢ ؛ ق (٥٠) : ١٢ ومواضع اُخرى من القرآن. وفي الشعراء (٢٦) : ١٠٥ :( كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ ) . (٨). الشعراء (٢٦) : ١٧٦.

(٩). الشعراء (٢٦) : ١٦٠ ؛ القمر (٥٤) : ٣٣.

(١٠). في « ب » : - « فيهم ». وفي « د ، ض ، ف » ومرآة العقول : « هم ».

(١١). التوبة (٩) : ٣٠.

(١٢). في « ض ، بف » : « دعوناهم ».

(١٣) هكذا في القرآن و « جس » وحاشية « بح » والوافي والبحار ، ج ٦٩. وفي سائر النسخ والمطبوع : « اُوليهم‌لُاخراهم ». وقال فيمرآة العقول بعد ذكر الآيات في سورة الأعراف : « فظهر أنّ قوله : وقالت اُوليهم لُاخراهم ، =

٨٤

عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ ) وَقَوْلُهُ :( كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً ) (١) بَرِئَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، وَلَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، يُرِيدُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَحُجَّ(٢) بَعْضاً رَجَاءَ الْفَلْجِ(٣) ، فَيُفْلِتُوا(٤) مِنْ عَظِيمِ مَا نَزَلَ بِهِمْ ، وَلَيْسَ بِأَوَانِ بَلْوى ، وَلَا اخْتِبَارٍ ، وَلَا قَبُولِ مَعْذِرَةٍ ، وَلَاتَ(٥) حِينَ نَجَاةٍ ، وَالْآيَاتُ(٦) وَأَشْبَاهُهُنَّ مِمَّا نَزَلَ بِهِ(٧) بِمَكَّةَ ، وَلَا يُدْخِلُ اللهُ النَّارَ إِلَّا مُشْرِكاً.

فَلَمَّا أَذِنَ اللهُ لِمُحَمَّدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، بَنَى الْإِسْلَامَ عَلى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ(٨) ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحِجِّ الْبَيْتِ ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحُدُودَ وَقِسْمَةَ الْفَرَائِضِ ، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَعَاصِي(٩) الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهَا وَبِهَا(١٠) النَّارَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا.

وَأَنْزَلَ فِي بَيَانِ الْقَاتِلِ :( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ

__________________

= من سهو النسّاخ أو الرواة ، وأنّ « كلّما دخلت » مقدّم على السابق في الترتيب. قالوا : « و » في قوله : « وقوله» ، بمعنى مع ، مع أنّه لا يدلّ على الترتيب ».

(١). الأعراف (٧) : ٣٨.

(٢). في « ب ، بس » وحاشية « ص ، بر ، بف » والبحار ، ج ٦٩ : « يحجّج ».

(٣). في « ف » : « الفلاح ». وفي حاشية « ف » : « الفلح » بالمهملة. وقال الخليل : « الفلج : الظفر بمن تخاصمه » ، وقال الجوهري : « الفلج : الظفر والفوز ». راجع :ترتيب كتاب العين ، ج ٣ ، ص ١٤١٣ ؛الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٣٥ ( فلج ).

(٤). في « ز » : « فيخلصوا ». والإفلات : التخلّص من فجأة من غير تمكّث. راجع :النهاية ، ج ٣ ، ص ٤٦٧ ؛لسان‌العرب ، ج ٢ ، ص ٦٦ ( فلت ).

(٥). في « ب ، ج ، د ، ز ، ص ، ض ، ف ، بر » ومرآة العقول والبحار ، ج ٦٩ : « ولا » بدل « ولات ».

(٦). قوله : « الآيات » مرفوع بـ « نزلت » المقدّرة. وقوله : « ولا يدخل » حال. قال فيمرآة العقول : « أي نزلت تلك الآيات في حال كان الحكم فيها أن لا يدخل الله النار إلّامشركاً ».

(٧). في الوافي : - « به ».

(٨). في « ب ، ج ، ز ، ف » : « رسول الله » بدل « عبده ورسوله ».

(٩). في « ص » : « المعاصي ».

(١٠). في « ف » : « عليه بها ».

٨٥

اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) (١) وَلَا يَلْعَنُ اللهُ مُؤْمِناً ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) (٢) وَكَيْفَ يَكُونُ(٣) فِي الْمَشِيئَةِ وَقَدْ أَلْحَقَ بِهِ - حِينَ جَزَاهُ(٤) جَهَنَّمَ - الْغَضَبَ وَاللَّعْنَةَ ، وَ(٥) قَدْ بَيَّنَ ذلِكَ(٦) مَنِ الْمَلْعُونُونَ فِي كِتَابِهِ.

وَأَنْزَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَنْ أَكَلَهُ ظُلْماً :( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) (٧) وَذلِكَ أَنَّ آكِلَ مَالِ الْيَتِيمِ يَجِي‌ءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالنَّارُ تَلْتَهِبُ(٨) فِي بَطْنِهِ حَتّى يَخْرُجَ لَهَبُ النَّارِ مِنْ فِيهِ يَعْرِفُهُ(٩) أَهْلُ(١٠) الْجَمْعِ أَنَّهُ آكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ.

وَأَنْزَلَ فِي الْكَيْلِ :( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) (١١) وَلَمْ يَجْعَلِ الْوَيْلَ لِأَحَدٍ حَتّى يُسَمِّيَهُ كَافِراً ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (١٢) .

وَأَنْزَلَ فِي الْعَهْدِ :( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٣) وَالْخَلَاقُ‌

__________________

(١). النساء (٤) : ٩٣.

(٢). الأحزاب (٣٣) : ٦٤ - ٦٥.

(٣). فيالوافي : « يعني كيف يكون أمر القاتل في مشيئة الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له ، والحال أنّه قد ألحق به بعد أن جزاه جهنّم الغضب واللعنة المختصّين بالكفّار؟! ».

(٤). في « ب ، ج ، بس » : « جزاؤه ».

(٥). في الوافي : - « و ».

(٦). قوله : « ذلك » فاعل « بيّن ». والمراد به آية الأحزاب المذكورة. راجع :شرح المازندراني ومرآة العقول.

(٧). النساء (٤) : ١٠.

(٨). في « ص » : « يلتهب » والنار قد تذكّر. وفي « ف » : « تلهب ».

(٩). هكذا في « ج ، ز ، ص ، ف ، بر ، بس ، بف » والوافي. وفي سائر النسخ والمطبوع : « حتّى يعرفه ». في البحار ، ج ٦٩ : « حتّى يعرف ».

(١٠). هكذا في « ج ، ز ، ص ، ض ، ف ، بر ، بس ، بف » والوافي والبحار ، ج ٦٩. وفي سائر النسخ والمطبوع : « كلّ أهل ». (١١). المطفّفين (٨٣) : ١.

(١٢). مريم (١٩) : ٣٧.

(١٣) آل عمران (٣) : ٧٧.

٨٦

النَّصِيبُ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْآخِرَةِ(١) ، فَبِأَيِّ شَيْ‌ءٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟

وَأَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ :( الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) فَلَمْ يُسَمِّ اللهُ الزَّانِيَ مُؤْمِناً وَلَا الزَّانِيَةَ مُؤْمِنَةً ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله - لَيْسَ(٣) يَمْتَرِي(٤) فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ(٥) - : لَايَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ(٦) حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ؛ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذلِكَ ، خُلِعَ(٧) عَنْهُ الْإِيمَانُ كَخَلْعِ الْقَمِيصِ.

وَنَزَلَ(٨) بِالْمَدِينَةِ :( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٩) فَبَرَّأَهُ(١٠) اللهُ - مَا كَانَ مُقِيماً عَلَى الْفِرْيَةِ(١١) - مِنْ أَنْ يُسَمّى بِالْإِيمَانِ ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) (١٢) وَجَعَلَهُ اللهُ مُنَافِقاً ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (١٣) وَجَعَلَهُ اللهُ(١٤) - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ أَوْلِيَاءِ إِبْلِيسَ ؛ قَالَ(١٥) :( إِلّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ ..............

__________________

(١). في « ف » : « في الآخرة نصيب ».

(٢). النور (٢٤) : ٣.

(٣). في « ز » : « وليس ».

(٤). الامتراء في الشي‌ء : الشكّ فيه. وكذلك التماري.الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٩١ ( مرا ).

(٥). فيمرآة العقول : « الجملة إلى قوله : أنّه قال ، معترضة والاعتراض لبيان أنّ الخبر معلوم متواتر بين الفريقين ». (٦). في «ب، ج، د، ص، ض، بس، بف»: - «السارق».

(٧). في « د ، بر » والوافي : + « الله ».

(٨). في « ب ، ج ، د ، ز ، ص » والوافي ومرآة العقول والبحار ، ج ٦٩ : « وأنزل ».

(٩). النور (٢٤) : ٤ - ٥.

(١٠). في « ب ، ج ، ص » : « برّأه ». وفي البحار ، ج ٦٩ : « فبرّأ ».

(١١). « الفرية » : الكذب والقَذْف.ترتيب كتاب العين ، ج ٣ ، ص ١٣٩٣ ( فري ).

(١٢). السجدة (٣٢) : ١٨.

(١٣) التوبة (٩) : ٦٧.

(١٤) هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي والبحار ، ج ٦٩. وفي المطبوع : - « الله ».

(١٥) في « ص » والبحار ، ج ٦٩ : + « الله ». وفي « ز » : + « الله تعالى ».

٨٧

رَبِّهِ ) (١) وَجَعَلَهُ(٢) مَلْعُوناً ، فَقَالَ :( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) وَلَيْسَتْ تَشْهَدُ الْجَوَارِحُ عَلى(٤) مُؤْمِنٍ ، إِنَّمَا تَشْهَدُ عَلى مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ ، فَيُعْطى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( ( فَأَمّا مَنْ )(٥) أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٦) ) (٧) .

وَسُورَةُ النُّورِ أُنْزِلَتْ(٨) بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ ؛ وَتَصْدِيقُ ذلِكَ أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ :( وَاللاّتِي (٩) يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) (١٠) وَالسَّبِيلُ الَّذِي قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (١١) ».(١٢)

__________________

(١). الكهف (١٨) : ٥٠.

(٢). في « ج ، د ، ص » : + « الله ». وفي « ف » : + « الله عزّ وجلّ ».

(٣). النور (٢٤) : ٢٣ - ٢٤.

(٤). في « ب » : + « كلّ ».

(٥). كذا في النسخ والمطبوع. وفي القرآن والبحار ، ج ٦٩ :( فَمَنْ ) بدل « فأمّا من ».

(٦). قال الراغب : « الفتيل : المفتول ، وسمّي ما يكون في شقّ النواة فتيلاً ؛ لكونه على هيئته ، قال تعالى :( لايُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) وهو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ. ويضرب به المثل في الشي‌ء الحقير ». راجع :المفردات ، ص ٦٢٣ ( فتل ).

(٧). الإسراء (١٧) : ٧١. وفيمرآة العقول ، ج ٧ ، ص ٢٠٣ : « ثمّ اعلم أنّ هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن المجيد - أي الإسراء (١٧) : ٧١ ؛ الحاقّة (٦٩) : ١٩ ؛ الانشقاق (٨٤) : ٧ - وما في الحديث لا يوافق شيئاً منها وإن كان بالأوّل أنسب ، فكأنّه من تصحيف النسّاخ ، أو نقل بالمعنى ؛ جمعاً بين الآيات ».

(٨). في « ب » : « نزلت ».

(٩). هكذا في القرآن وأكثر النسخ وشرح المازندراني ومرآة العقول. وفي « ز » والمطبوع : « اللائي ».

(١٠). النساء (٤) : ١٥.

(١١). النور (٢٤) : ١ - ٢.

(١٢). راجع :الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكبائر ، ح ٢٤٤٨ و ٢٤٦٢.الوافي ، ج ٤ ، ص ١٠٤ ، =

٨٨

١٥١٩/ ٢. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ(١) بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ(٢) ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ :

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه‌السلام ، قَالَ : « قِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَعليه‌السلام : مَنْ شَهِدَ(٣) أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كَانَ مُؤْمِناً؟ قَالَ : فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللهِ؟ » ‌

قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : « كَانَ عَلِيٌّعليه‌السلام يَقُولُ : لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ كَلَاماً ، لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ ».

قَالَ : وَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍعليه‌السلام : إِنَّ عِنْدَنَا قَوْماً يَقُولُونَ : إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فَهُوَ(٤) مُؤْمِنٌ.

قَالَ : « فَلِمَ يُضْرَبُونَ الْحُدُودَ؟ وَلِمَ تُقْطَعُ(٥) أَيْدِيهِمْ؟ وَمَا خَلَقَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ(٦) - مِنَ الْمُؤْمِنِ(٧) ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ جِوَارَ‌

__________________

= ح ١٧١٠ ؛ وفيالوسائل ، ج ١ ، ص ٣٤ ، ح ٥٣ ، من قوله : « فلمّا أذن الله لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في الخروج من مكّة » إلى قوله :( الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) ، مع تقطيع بعض الفقرات وتغيير بعض الكلمات ؛وفيه ، ج ٢٧ ، ص ١٨٢ ، ح ٣٣٥٤٩ ، إلى قوله : « والمحكمات من الناسخات » ؛البحار ، ج ٧ ، ص ٣١٨ ، ح ١٤ ، من قوله : « وليست تشهد الجوارح على مؤمن » إلى قوله « فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه » ؛وفيه ، ج ١٤ ، ص ٥٠ ، ح ٤ ، من قوله : « فلمّا استجاب لكلّ نبيّ من استجاب له من قومه » إلى قوله :( فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ) ؛ وج ٦٩ ، ص ٨٥ ، ح ٣٠.

(١). في « ب » : - « عن محمّد ». وفي « ز » : - « عن محمّد بن إسماعيل ». وفي كلتا النسختين تحريف ؛ فقد توسّط محمّد بن إسماعيل [ بن بزيع ] بين أحمد بن محمّد [ بن عيسى ] ومحمّد بن الفضيل في كثير من الأسناد. ورواية أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الفضيل مباشرةً ، غير ثابتة. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ١٥ ، ص ٣٥٠ - ٣٥٢ ؛ وص ٣٥٩. (٢). هكذا في النسخ. وفي المطبوع : « فضيل ».

(٣). فيشرح المازندراني : « هذا القول يحتمل أن يكون استفهاماً وإخباراً ».

(٤). في « ز » : « هو ».

(٥). في « ز » والبحار : « يقطع ». وفي « بر » : « يقطعون ». وفي « بف » : « تقطعون ».

(٦). في « ف » : - « على الله عزّ وجلّ ».

(٧). في « ب ، ج ، د ، ز ، ص ، ف ، بر ، بس ، بف » والوافي والبحار : « من مؤمن ».

٨٩

اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنَّ الْحُورَ الْعِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ ». ثُمَّ قَالَ : « فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً؟ ».(١)

١٥٢٠/ ٣. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ سَلَّامٍ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ:

سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِعليه‌السلام عَنِ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ(٢) : « الْإِيمَانُ أَنْ يُطَاعَ اللهُ ، فَلَا يُعْصى(٣) ».(٤)

١٨ - بَابٌ (٥) فِي أَنَّ الْإِيمَانَ مَبْثُوثٌ (٦) لِجَوَارِحِ (٧) الْبَدَنِ كُلِّهَا‌

١٥٢١/ ١. عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ(٨) ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو(٩) الزُّبَيْرِيُّ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ : أَيُّهَا الْعَالِمُ ، أَخْبِرْنِي أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ؟

__________________

(١).الوافي ، ج ٤ ، ص ١٠٣ ، ح ١٧٠٩ ؛الوسائل ، ج ١ ، ص ٣٤ ، ح ٥٢ ؛البحار ، ج ٦٩ ، ص ١٩ ، ح ٢.

(٢). في « ص ، بر » : « قال ».

(٣). في « ف » : « ولا يعصى ».

(٤).الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب في أنّ الإيمان مبثوت لجوارح البدن كلّها ، ضمن ح ١٥٢٥ ، بسند آخر عن أبي جعفرعليه‌السلام .الأمالي للطوسي ، ص ١٣٩ ، المجلس ٥ ، ح ٣٨ ، بسند آخر ، وفيهما مع زيادة في آخره. مع اختلاف.الوافي ، ج ٤ ، ص ٩٩ ، ح ١٧٠٨ ، وفيه « بيان » مفصّل في حقيقة الإيمان ودرجاته وكماله ؛البحار ، ج ٦٨ ، ص ٢٩٢ ، ح ٥٣. (٥). في « ج » : - « باب ».

(٦). في حاشية « ج » : « مثبوت ».

(٧). في «ب» :«في جوارح».وفي«ز،ف»:«بجوارح».

(٨). في « ز » والوسائل : « يزيد ». وهو سهو. والقاسم ، هو القاسم بن بُرَيْد بن معاوية العجلي ؛ فقد روى النجاشي‌بسنده عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن بريد بن معاوية ، عن أبي عمرو الزبيري كتاب المفضّل بن عمر. والقاسم بن بريد هو المترجم في كتب الرجال. راجع :رجال النجاشي ، ص ٤١٦ ، الرقم ١١١٢ ؛ وص ٣١٣ ، الرقم ٨٥٧ ؛رجال الطوسي ، ص ٢٧٣ ، الرقم ٣٩٤٧ ؛ وص ٣٤٢ ، الرقم ٥٠٩٦.

(٩). في « ز » : « عمير ». والظاهر من ملاحظة الأسناد عدم صحّته. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ٢١ ، ص ٢٦١ ، الرقم ١٤٦٢٢.

٩٠

قَالَ : « مَا لَايَقْبَلُ اللهُ(١) شَيْئاً إِلَّا بِهِ ».

قُلْتُ : وَمَا هُوَ؟

قَالَ : « الْإِيمَانُ بِاللهِ - الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ - أَعْلَى الْأَعْمَالِ دَرَجَةً ، وَأَشْرَفُهَا مَنْزِلَةً ، وَأَسْنَاهَا حَظّاً ».

قَالَ : قُلْتُ : أَلَاتُخْبِرُنِي عَنِ الْإِيمَانِ : أَقَوْلٌ هُوَ وَعَمَلٌ ، أَمْ(٢) قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ؟

فَقَالَ : « الْإِيمَانُ عَمَلٌ كُلُّهُ ، وَالْقَوْلُ بَعْضُ ذلِكَ الْعَمَلِ بِفَرْضٍ(٣) مِنَ اللهِ بَيِّنٍ(٤) فِي كِتَابِهِ ، وَاضِحٍ نُورُهُ ، ثَابِتَةٍ حُجَّتُهُ ، يَشْهَدُ لَهُ(٥) بِهِ الْكِتَابُ ، وَيَدْعُوهُ(٦) إِلَيْهِ ».

قَالَ : قُلْتُ(٧) : صِفْهُ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ ، حَتّى أَفْهَمَهُ.

قَالَ : « الْإِيمَانُ(٨) حَالَاتٌ وَدَرَجَاتٌ وَطَبَقَاتٌ وَمَنَازِلُ ؛ فَمِنْهُ التَّامُّ(٩) الْمُنْتَهِي تَمَامُهُ ، وَمِنْهُ النَّاقِصُ الْبَيِّنُ نُقْصَانُهُ ، وَمِنْهُ الرَّاجِحُ الزَّائِدُ(١٠) رُجْحَانُهُ ».

قُلْتُ : إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَتِمُّ وَيَنْقُصُ وَيَزِيدُ؟

قَالَ : « نَعَمْ ». قُلْتُ : كَيْفَ(١١) ذلِكَ(١٢) ؟ قَالَ : « لِأَنَّ اللهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى - فَرَضَ الْإِيمَانَ عَلى جَوَارِحِ ابْنِ آدَمَ ، وَقَسَّمَهُ عَلَيْهَا ، وَفَرَّقَهُ فِيهَا ؛ فَلَيْسَ مِنْ جَوَارِحِهِ جَارِحَةٌ إِلَّا وَقَدْ‌

__________________

(١). في « ف » : - « الله ».

(٢). في « ب » : « أو ».

(٣). في « ج ، ف » : « يفرض ».

(٤). يجوز فيه كونه مبنيّاً للمفعول. وأمّا كونه مبنيّاً للفاعل فهو مرجوح ؛ لاستلزامه حذف المفعول. وصرّح المازندراني في شرحه بالتنوين صفة لقوله : « بفرضٍ » ، كما اخترناه.

(٥). في « ف » : - « له ».

(٦). في « ب » : « يدعو ». وفيالوافي : « واضح نوره » صفةٌ للفرض ، وكذا « ثابتة حجّته ». « يشهد له » أي لكونه عملاً ، أو للعامل. « به » أي بذلك الفرض. و « يدعوه إليه » أي يدعو العامل إلى ذلك الفرض.

(٧). في « ص » : + « له ».

(٨). في حاشية « ج » ومرآة العقول : « للإيمان ».

(٩). في « ف » : « التمام ».

(١٠). في « ص » : « البيّن » بدل « الزائد ».

(١١). في « ز ، ف » : « وكيف ».

(١٢). في حاشية «ص، ض، بس، بف» : « ذاك ».

٩١

وُكِّلَتْ مِنَ الْإِيمَانِ بِغَيْرِ مَا وُكِّلَتْ بِهِ(١) أُخْتُهَا ، فَمِنْهَا قَلْبُهُ الَّذِي بِهِ يَعْقِلُ وَيَفْقَهُ وَيَفْهَمُ ، وَهُوَ أَمِيرُ بَدَنِهِ الَّذِي لَاتَرِدُ(٢) الْجَوَارِحُ وَلَا تَصْدُرُ(٣) إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَأَمْرِهِ ، وَمِنْهَا عَيْنَاهُ اللَّتَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا ، وَأُذُنَاهُ اللَّتَانِ يَسْمَعُ بِهِمَا ، وَيَدَاهُ اللَّتَانِ يَبْطِشُ(٤) بِهِمَا ، وَرِجْلَاهُ اللَّتَانِ يَمْشِي بِهِمَا ، وَفَرْجُهُ الَّذِي الْبَاهُ(٥) مِنْ قِبَلِهِ ، وَلِسَانُهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ ، وَرَأْسُهُ الَّذِي فِيهِ وَجْهُهُ ، فَلَيْسَ مِنْ هذِهِ جَارِحَةٌ إِلَّا وَ(٦) قَدْ وُكِّلَتْ مِنَ الْإِيمَانِ بِغَيْرِ مَا وُكِّلَتْ بِهِ(٧) أُخْتُهَا بِفَرْضٍ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ يَنْطِقُ بِهِ الْكِتَابُ لَهَا وَيَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهَا.

فَفَرَضَ(٨) عَلَى الْقَلْبِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ ، وَفَرَضَ عَلَى السَّمْعِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْعَيْنَيْنِ(٩) ، وَفَرَضَ عَلَى الْعَيْنَيْنِ(١٠) غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى اللِّسَانِ ، وَفَرَضَ عَلَى اللِّسَانِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْيَدَيْنِ ، وَفَرَضَ عَلَى الْيَدَيْنِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ ، وَفَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْفَرْجِ ، وَفَرَضَ عَلَى الْفَرْجِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْوَجْهِ.

فَأَمَّا مَا فَرَضَ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ ، فَالْإِقْرَارُ(١١) وَالْمَعْرِفَةُ وَالْعَقْدُ وَالرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ بِأَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ ، إِلهاً وَاحِداً لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً‌

__________________

(١). في « ف » : - « به ».

(٢). في « ز ، ض » : « لا يرد ».

(٣). فيمرآة العقول : « الورود : حضور الماء للشرب ، والصدر والصدور : الانصراف عنه ، وهذا مثل في أنّها لا تفعل شيئاً إلّابأمره ، كما يقال في الفارسيّة : لا يشرب الماء إلّابأمره وإذنه ». وراجع :المفردات للراغب ، ص ٨٦٥ ( ورد ) ،النهاية ، ج ٣ ، ص ١٥ ( صدر ).

(٤). « البَطْش » : الأخذ القويّ الشديد.النهاية ، ج ١ ، ص ١٣٥ ( بطش ).

(٥). في الوافي : « الباءة ». وفيمرآة العقول : « والباه ، في بعض النسخ بدون الهمزة ، وفي بعضها بها ». وقال‌الجوهري : « الباه مثال الجاه : لغة في الباءة وهي الجماع ».الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٢٢٨ ( بوه ).

(٦). في « ز » : - « و ».

(٧). في « ف » : « بها ».

(٨). في « ف » : + « الله ».

(٩). في « ب » : « العين ».

(١٠). في « ب » : « العين ».

(١١). في « ف ، بس » : « والإقرار ». وفي حاشية « ز » : + « بالله ».

٩٢

وَلَا وَلَداً ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ(١) - وَالْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ(٢) كِتَابٍ.

فَذلِكَ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْمَعْرِفَةِ وَهُوَ عَمَلُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :( إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ) (٣) وَقَالَ :( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (٤) وَقَالَ :( الَّذِينَ قالُوا آمَنّا (٥) بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) (٦) وَقَالَ :( وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ) (٧) فَذلِكَ مَا فَرَضَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْمَعْرِفَةِ ، وَهُوَ عَمَلُهُ ، وَهُوَ رَأْسُ الْإِيمَانِ.

وَفَرَضَ اللهُ عَلَى اللِّسَانِ الْقَوْلَ وَالتَّعْبِيرَ عَنِ الْقَلْبِ بِمَا عَقَدَ(٨) عَلَيْهِ(٩) وَأَقَرَّ بِهِ ؛ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى(١٠) :( وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً ) (١١) قَالَ : قُولُوا آمَنّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »(١٢) فَهذَا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى‌اللِّسَانِ وَهُوَ عَمَلُهُ.

__________________

(١). في « ب ، ص ، بس ، بف » : « صلوات الله عليه ». وفي « ز ، بر » : « صلى ‌الله ‌عليه ‌و آله ». وفي « ف » : « صلوات الله‌ و سلامه عليه ».

(٢). في « ب » : « و ».

(٣). النحل (١٦) : ١٠٦. وفي الوسائل : -( وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) .

(٤). الرعد (١٣) : ٢٨.

(٥). هكذا في القرآن ونسخة الوسائل. وفي سائر النسخ والمطبوع : « الذين آمنوا ».

(٦). المائدة (٥) : ٤١.

(٧). البقرة (٢) : ٢٨٤.

(٨). « العقد » : الجمع بين أطراف الشي‌ء. ويستعمل ذلك في الأجسام الصُلبة ، كعقد الحبل ، وعقد البناء ، ثمّ ‌يستعار ذلك للمعاني نحو : عقد البيع. واعتقدت كذا : عقدت عليه القلب والضمير.المفردات للراغب ، ص ٥٧٦ ؛المصباح المنير ، ص ٤٢١ ( عقد ). (٩). في « ف » + « ولزمه ».

(١٠). في « ج ، د ، ز ، ص ، ض ، ف ، بر ، بف » وشرح المازندراني : « تبارك اسمه ». وفي « ب ، بس » : « تبارك وتعالى‌اسمه ». (١١). البقرة (٢) : ٨٣.

(١٢). فيمرآة العقول : « ثمّ إنّ الآية الثانية ليست في المصاحف هكذا ». ثمّ ذكر الآية ١٣٦ من البقرة (٢) ، والآية ٤٦ من العنكبوت (٢٩) وقال : « فالظاهر أنّ التغيير من النسّاخ ، أو نقل الآيتين بالمعنى ، وفي النعماني موافق للُاولى. ولعلّه كان في الخبر الآيتان فأسقطوا عجز الاُولى وصدر الثانية ».

٩٣

وَفَرَضَ عَلَى السَّمْعِ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنِ الِاسْتِمَاعِ إِلى مَا حَرَّمَ(١) اللهُ ، وَأَنْ يُعْرِضَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا نَهَى اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْهُ ، وَالْإِصْغَاءِ إِلى مَا أَسْخَطَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ فِي ذلِكَ :( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (٢) ثُمَّ اسْتَثْنَى اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مَوْضِعَ النِّسْيَانِ ، فَقَالَ :( وَإِمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ ) (٣) وَقَالَ :( فَبَشِّرْ عِبادِ * (٤) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٥) وَقَالَ(٦) عَزَّ وَجَلَّ :( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ ) (٧) وَقَالَ :( وَإِذا (٨) سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ) (٩) وَقَالَ :( وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ) (١٠) فَهذَا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى السَّمْعِ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ لَايُصْغِيَ إِلى مَا لَايَحِلُّ لَهُ ، وَهُوَ عَمَلُهُ ، وَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ.

وَفَرَضَ عَلَى الْبَصَرِ أَنْ لَايَنْظُرَ إِلى مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُعْرِضَ عَمَّا نَهَى اللهُ عَنْهُ مِمَّا لَايَحِلُّ لَهُ ، وَهُوَ عَمَلُهُ ، وَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ(١١) تَبَارَكَ وَتَعَالى :( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) ، فَنَهَاهُمْ(١٢) أَنْ يَنْظُرُوا إِلى‌

__________________

(١). في الوافي : « حرّمه ».

(٢). النساء (٤) : ١٤٠.

(٣). الأنعام (٦) : ٦٨.

(٤). في « ب ، ج ، د ، ض ، ف ، بر » : « عبادي ». وفيمرآة العقول : « عبادي ، في النسخ بإثبات الياء موافقاً لرواية أبي عمرو برواية موسى ؛ حيث قرأ في الوصل بفتح الياء وفي الوقف بإسكانها ، وقرأ الباقون بإسقاط الياء والاكتفاء بالكسرة ». (٥). الزمر (٣٩) : ١٧ - ١٨.

(٦). في « د » : + « الله ».

(٧). المؤمنون (٢٣) : ١ - ٤.

(٨). هكذا في « ب ، ج ، ض ، بس ، بف » وهو مطابق للقرآن. وفي « د ، ز ، ص ، ف ، بر » والمطبوع : « إذا » بدون الواو.

(٩). القصص (٢٨) : ٥٥. وفي « ج ، ز ، ض ، ف ، بس ، بف » والوافي والوسائل : -( وَقَالُوا لَنَآ أَعْملُنَا وَلَكُمْ‌أَعْملُكُمْ ) . (١٠). الفرقان (٢٥) : ٧٢.

(١١). في « د » وحاشية « ب ، ج » والبحار : + « الله ».

(١٢). في « بر ، بس ، بف » وحاشية « ص » والوافي : + « عن ». وفي الوسائل : - « فنهاهم ». وفي البحار : + « من ».

٩٤

عَوْرَاتِهِمْ(١) ، وَأَنْ يَنْظُرَ الْمَرْءُ إِلى فَرْجِ أَخِيهِ ، وَيَحْفَظَ فَرْجَهُ(٢) أَنْ يُنْظَرَ(٣) إِلَيْهِ ، وَ(٤) قَالَ :( وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (٥) مِنْ أَنْ تَنْظُرَ(٦) إِحْدَاهُنَّ(٧) إِلى فَرْجِ أُخْتِهَا ، وَتَحْفَظَ فَرْجَهَا مِنْ أَنْ يُنْظَرَ(٨) إِلَيْهَا(٩) - وَقَالَ - : كُلُّ شَيْ‌ءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنْ الزِّنى إِلَّا هذِهِ الْآيَةَ(١٠) ؛ فَإِنَّهَا مِنَ النَّظَرِ.

ثُمَّ نَظَمَ مَا فَرَضَ(١١) عَلَى الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ(١٢) فِي آيَةٍ أُخْرى ، فَقَالَ :( وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ) (١٣) يَعْنِي بِالْجُلُودِ الْفُرُوجَ وَالْأَفْخَاذَ ، وَقَالَ :( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (١٤) فَهذَا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى الْعَيْنَيْنِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ(١٥) ، وَهُوَ عَمَلُهُمَا(١٦) ، وَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ.

وَفَرَضَ اللهُ(١٧) عَلَى الْيَدَيْنِ أَنْ لَايَبْطِشَ بِهِمَا إِلى مَا حَرَّمَ اللهُ ، وَأَنْ يَبْطِشَ‌

__________________

(١). في « بس » : « عورتهم ».

(٢). في البحار : + « من ».

(٣). في « ج » : « ينظروا ».

(٤). في « ب ، ز » والوسائل : - « و ».

(٥). النور (٢٤) : ٣٠ و ٣١.

(٦).في «ب ،د ،ض ،بر ،بف» والبحار: «أن ينظر».

(٧). في « بس » : « أحد منهنّ ».

(٨). في « ف » : « أن تنظر ».

(٩). في « ف » : + « اُختها ».

(١٠). فيمرآة العقول ، ج ٧ ، ص ٢٣٢ : « ليس المراد نقص المبصرات وتبعيضها ولا الأبصار ، بل النظر بها ، وهو المراد ممّا قيل : المراد غضّ البصر وخفضه عمّا يحرم النظر إليه والاقتصار به على ما يحلّ وهذه الرواية وغيرها تدلّ على أنّ المراد بحفظ الفرج هنا ستره عن أن ينظر إليه أحد ، وكذا ظاهر الرواية تخصيص غضّ البصر بترك النظر إلى العورة ». وللمزيد راجع :التبيان ، ج ٧ ، ص ٤٢٩ ؛الكشّاف ، ج ٣ ، ص ٦٠ ؛مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ٢٤١ ؛فقه القرآن للراوندي ، ج ٢ ، ص ١٢٨ ، في كلّها ذيل الآية المذكورة ؛شرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ١٠٥ - ١٠٦. (١١). في « ب ، ج ، ص ، ف » : + « الله ».

(١٢). في الوسائل : « البصر واللسان » بدل « اللسان والسمع والبصر ».

(١٣) فصّلت (٤١) : ٢٢.

(١٤) الإسراء (١٧) : ٣٦.

(١٥) في الوسائل : - « عمّا حرّم الله عزّ وجلّ ».

(١٦) في « ج ، بر ، بف » : « عملها ».

(١٧) في « ب ، ج ، د ، ص ، ض ، ف ، بس ، بف » والوافي والوسائل : - « الله ».

٩٥

بِهِمَا إِلى مَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمَا مِنَ الصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ(١) وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالطَّهُورِ لِلصَّلَاةِ(٢) ، فَقَالَ :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (٣) وَقَالَ(٤) :( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) (٥) فَهذَا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى الْيَدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ مِنْ عِلَاجِهِمَا.

وَفَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَنْ لَايَمْشِيَ بِهِمَا إِلى شَيْ‌ءٍ مِنْ مَعَاصِي اللهِ ، وَفَرَضَ(٦) عَلَيْهِمَا الْمَشْيَ إِلى مَا يُرْضِي(٧) اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ :( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً ) (٨) وَقَالَ :( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) (٩) وَقَالَ(١٠) - فِيمَا شَهِدَتِ(١١) الْأَيْدِي(١٢) وَالْأَرْجُلُ عَلى(١٣) أَنْفُسِهِمَا(١٤) ، وَعَلى أَرْبَابِهِمَا(١٥) مِنْ تَضْيِيعِهِمَا(١٦) لِمَا أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ ، وَفَرَضَهُ عَلَيْهِمَا(١٧) - :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) (١٨) فَهذَا أَيْضاً(١٩) مِمَّا فَرَضَ اللهُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَعَلَى الرِّجْلَيْنِ ، وَهُوَ عَمَلُهُمَا(٢٠) ، وَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ.

__________________

(١). في حاشية « ص » : « الأرحام ».

(٢). في « ص ، بر ، بس ، بف » والوافي والوسائل والبحار : « للصلوات ».

(٣). المائدة (٥) : ٦.

(٤). في « ز ، ص » : « فقال ».

(٥). محمّد (٤٧) : ٤.

(٦). في « ف » : + « الله ».

(٧). يجوز فيه التجريد أيضاً مع رفع الجلالة.

(٨). الإسراء (١٧) : ٣٧.

(٩). لقمان (٣١) : ١٩.

(١٠). في « ص » : « فقال ».

(١١). في الوسائل : + « به ».

(١٢). في حاشية « ض ، بف » : « الأيادي ».

(١٣) في الوافي : « في ».

(١٤) في الوسائل : « أنفسها ».

(١٥) في الوسائل : « أربابها ».

(١٦) في الوسائل : « تضييعها ».

(١٧) في الوسائل : « عليها ».

(١٨) يسّ (٣٦) : ٦٥.

(١٩) في « بر » : - « أيضاً ».

(٢٠) في « ج » والوسائل : « عملها ».

٩٦

وَفَرَضَ(١) عَلَى الْوَجْهِ السُّجُودَ لَهُ(٢) بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ ، فَقَالَ :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٣) فَهذِهِ(٤) فَرِيضَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ :( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (٥) وَقَالَ(٦) فِيمَا فَرَضَ(٧) عَلَى الْجَوَارِحِ مِنَ الطَّهُورِ وَالصَّلَاةِ بِهَا وَذلِكَ أَنَّ‌

__________________

(١). في « ز » : + « الله ».

(٢). في الوافي : - « له ».

(٣). الحجّ (٢٢) : ٧٧.

(٤). في « ج ، د ، ز ، ف ، بر » والوافي : « وهذه ».

(٥). الجنّ (٧٢) : ١٨.

(٦). فيشرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ١٠٩ : « قوله : وقال فيما فرض ، إلى آخره ، كأنّ المراد : وقال : هذه الآية - يعني( أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ) - فيما فرض الله على الجوارح السبعة من الطهور والصلاة بها ، فهذه أيضاً فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين كالسابقة ، ولعلّ « ذلك » في قوله : « وذلك أنّ الله عزّوجلّ » إلى آخره ، إشارة إلى كون القرآن دليلاً على بثّ الإيمان على الجوارح ، وتفصيل القول فيه أنّ الآيات المذكورة إنّما دلّت على أنّه تعالى فرض على كلّ جارحة شيئاً غير ما فرضه على الاُخرى ، ولم يثبت بهذا القدر من جهة القرآن ما ذكره أوّلاً من أنّه تعالى فرض الإيمان على جوارج ابن آدم وقسمه عليها وفرّقه فيها ، فأشار هنا إلى إثبات ذلك بالقرآن ، وحاصله أنّ الآية ، وهي قوله عزّوجلّ :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ) دلّت على أنّ الصلاة إيمان ، ولاريب في أنّ الصلاة مركّبة من أفعال جميع الجوارح ، فقد ثبت أنّ الإيمان مركّب منها. هذا ما خطر بالبال على سبيل الاحتمال ، والله أعلم ».

وفيمرآة العقول ، ج ٧ ، ص ٢٣٨ : « قوله : وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلاة بها ، أي بالجوارح ، وكأنّ مفعول القول محذوف ، أي ما قال ، أو « من الطهور » مفعوله بزيادة « من » ، أو بتقدير « شيئاً » أو « كثيراً » ، أو المراد : قال ذلك ، أي آية المساجد ، فيما فرض الله على هذه الجوارح من الطهور والصلاة ؛ لأنّ الطهور أيضاً يتعلّق بالمساجد. وعلى التقادير قوله : « وذلك » إشارة إلى كون الآيات السابقة دليلاً على كون الإيمان مبثوثاً على الجوارح ؛ لأنّها إنّما دلّت على أنّ الله تعالى فرض أعمالاً متعلّقة بتلك الجوارح ، ولم تدلّ على أنّها إيمان ، فاستدلّعليه‌السلام على ذلك بأنّ الله تعالى سمّى الصلاة المتعلّقة بجميع الجوارح إيماناً ، فتمّ به الاستدلال بالآيات المذكورة على المطلوب.

والظاهر أنّ في العبارة سقطاً أو تحريفاً أو اختصاراً مخلًّا من الرواة ، أو من المصنّف ويحتمل أن يكون مفعول القول( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) ، أو مبهماً يفسّره ذلك ، حذف لدلالة التعليل عليه ، وقوله : « ذلك » تعليل للقول ، أي النزول ، وقوله : « فأنزل الله » ليس جوابَ « لمـّا » ؛ لعدم جواز دخول الفاء عليه ، بل الجواب محذوف بتقدير : أنزل وجه الحكمة في الصرف فأنزل ».

(٧). في « ص » : + « الله ».

٩٧

اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمَّا صَرَفَ نَبِيَّهُصلى‌الله‌عليه‌وآله إِلَى الْكَعْبَةِ عَنْ(١) بَيْتِ الْمَقْدِسِ(٢) ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ :( وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (٣) فَسَمَّى الصَّلَاةَ إِيمَاناً ، فَمَنْ لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَافِظاً لِجَوَارِحِهِ ، مُوفِياً كُلَّ جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا ، لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَكْمِلاً لِإِيمَانِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؛ وَمَنْ خَانَ فِي شَيْ‌ءٍ مِنْهَا أَوْ تَعَدّى مَا(٤) أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا ، لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاقِصَ الْإِيمَانِ ».

قُلْتُ : قَدْ فَهِمْتُ نُقْصَانَ الْإِيمَانِ وَتَمَامَهُ ، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ زِيَادَتُهُ؟

فَقَالَ : « قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :( وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ ) (٥) وَقَالَ :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ) (٦) وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ وَاحِداً ، لَازِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ ، وَلَاسْتَوَتِ النِّعَمُ فِيهِ ، وَلَاسْتَوَى النَّاسُ ، وَبَطَلَ التَّفْضِيلُ ، وَلكِنْ(٧) بِتَمَامِ الْإِيمَانِ دَخَلَ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ ، وَبِالزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ تَفَاضَلَ الْمُؤْمِنُونَ بِالدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللهِ(٨) ، وَبِالنُّقْصَانِ دَخَلَ الْمُفَرِّطُونَ النَّارَ ».(٩)

__________________

(١). في « ف » : « من ».

(٢). هكذا في النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : « البيت المقدّس ».

(٣). البقرة (٢) : ١٤٣.

(٤). في الوسائل : « ممّا ».

(٥). التوبة (٩) : ١٢٤ - ١٢٥.

(٦). الكهف (١٨) : ١٣.

(٧). في الوسائل : - « لكن ».

(٨). في الوسائل : - « وبالزيادة - إلى - عندالله ».

(٩).تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ٦٣ ، ح ١١٥ ؛ وص ١٥٧ ، ح ٥٢٩ ؛ وص ٢٨٢ ، ح ٢٩٢ ؛ وج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ح ٧٧ ؛ وص ٣٢٣ ، ح ١٢ ، وفي كلّها عن أبي عمرو الزبيري ، قطعة منه ، مع اختلاف يسير.الفقيه ، ج ٢ ، ص ٦٢٦ ، ح ٣٢١٥ ، مرسلاً عن عليّعليه‌السلام في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة ، مع اختلافالوافي ، ج ٤ ، ص ١١٥ ، ح ١٧١٦ ؛الوسائل ، ج ١٥ ، ص ١٦٤ ، ح ٢٠٢١٨ ، من قوله : « قال : لأنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح » ؛البحار ، ج ٦٩ ، ص ٢٣ ، ح ٦ ، مع زيادة في آخره ؛وفيه ، ج ٨٥ ، ص ١٢٧ ، قطعة منه.

٩٨

١٥٢٢/ ٢. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ؛

وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى جَمِيعاً ، عَنِ الْبَرْقِيِّ(١) ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ(٢) بْنِ الْحَسَنِ(٣) ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ ، قَالَ :

قَالَ لِي(٤) أَبُو عَبْدِ اللهِعليه‌السلام : «( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ) (٥) » قَالَ : « يُسْأَلُ السَّمْعُ عَمَّا سَمِعَ ، وَالْبَصَرُ عَمَّا(٦) نَظَرَ إِلَيْهِ(٧) ، وَالْفُؤَادُ عَمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ ».(٨)

١٥٢٣/ ٣. أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ صَفْوَانَ أَوْ(٩) غَيْرِهِ ، عَنِ الْعَلَاءِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ(١٠) : « شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ(١١) ،

__________________

(١). في السند تحويل كما هو ظاهرٌ من وقوع « محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى » بعد العاطف ، والبرقي هذا هو محمّد بن خالد البرقي والد أحمد بن محمّد بن خالد ، روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى في كثيرٍ من الأسناد ، وروى هو كتاب النضر بن سويد. راجع :معجم رجال الحديث ، ج ٢ ، ص ٦٩٣ - ٦٩٤ ؛ وص ٧٠٢ - ٧٠٣ ؛ والفهرست للطوسي ، ص ٤٨١ ، الرقم ٧٧٢. فالظاهر إمّا زيادة « عن أبيه » بعد « أحمد بن محمّد بن خالد » ، أو زيادة لفظة « جميعاً » في السند ، ولعلّ زيادة الثاني أولى. فتأمّل.

هذا ، وما ورد فيالوافي والوسائل والبحار من عدم ذكر « عن أبيه » بعد « أحمد بن محمّد بن خالد » ، احتمال التصحيح الاجتهادي فيه قويّ جدّاً ؛ فإنّ جميع النسخ - من التي قوبلت وغيرها - متّفقة على ثبوت هذه العبارة.

(٢). في « ج ، د ، بس » وحاشية « بر ، بف » والبحار : « عبد الله ».

(٣). في « ب ، بس » : « الحسين ».

(٤). في « ز » : - « لي ».

(٥). الإسراء (١٧) : ٣٦.

(٦). في « ب » : « عمّن ».

(٧). في تفسير العيّاشي ، ح ٧٥ : « يطرف » بدل « نظر إليه ».

(٨).تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ٢٩٢ ، ح ٧٥ ، عن الحسين بن هارون ؛ وح ٧٤ ، عن الحسن ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، مع اختلاف وزيادة في أوّله ؛فقه الرضا عليه‌السلام ، ص ٢٨١ ، مع زيادة في أوّله وآخره.تفسير القمّي ، ج ٢ ، ص ١٩ ، من دون الإسناد إلى المعصومعليه‌السلام بزيادة في أوّله ، وفيهما مع اختلاف يسيرالوافي ، ج ٤ ، ص ١٢٠، ح ١٧١٨ ؛الوسائل ، ج ١٥ ، ص ١٦٧ ، ح ٢٠٢١٩ ؛البحار ، ج ٦٩ ، ص ٢٢ ، ح ٣.

(٩). في « ز » : « و ».

(١٠). في « ص ، ف » : « قال ».

(١١). هكذا في النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي ومرآة العقول. وفي المطبوع : + « [ وأنّ محمّداً =

٩٩

وَالْإِقْرَارُ(١) بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَمَا اسْتَقَرَّ فِي الْقُلُوبِ مِنَ التَّصْدِيقِ بِذلِكَ ».

قَالَ : قُلْتُ : الشَّهَادَةُ أَلَيْسَتْ(٢) عَمَلاً؟ قَالَ : « بَلى ». قُلْتُ : الْعَمَلُ(٣) مِنَ الْإِيمَانِ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، الْإِيمَانُ لَايَكُونُ إِلَّا بِعَمَلٍ ، وَالْعَمَلُ مِنْهُ ، وَلَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِعَمَلٍ ».(٤)

١٥٢٤/ ٤. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسى ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ(٥) :

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِعليه‌السلام ، قَالَ : قُلْتُ لَهُ(٦) : مَا الْإِسْلَامُ؟

فَقَالَ(٧) : « دِينُ اللهِ اسْمُهُ الْإِسْلَامُ ، وَهُوَ دِينُ اللهِ قَبْلَ أَنْ تَكُونُوا حَيْثُ كُنْتُمْ ، وَبَعْدَ أَنْ تَكُونُوا ، فَمَنْ(٨) أَقَرَّ بِدِينِ اللهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ ؛ وَمَنْ عَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ(٩) فَهُوَ مُؤْمِنٌ».(١٠)

١٥٢٥/ ٥. عَنْهُ(١١) ، عَنْ‌.................................................

__________________

=رسول الله ] ».

(١). في « ص ، ف » : « وإقرار ».

(٢). في « ص ، ف » : « أليست الشهادة ».

(٣). في « ف » : « فالعمل ».

(٤).الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب دعائم الإسلام ، ح ١٤٩١ ، بسند آخر.تفسير العيّاشي ، ج ٢ ، ص ١١٧ ، ح ١٥٧ ، عن هشام بن عجلان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وفيهما إلى قوله : « والإقرار بما جاء من عند الله» مع اختلاف يسير وزيادة في آخرهالوافي ، ج ٤ ، ص ٨١ ، ح ١٦٨٤ ؛الوسائل ، ج ١٥ ، ص ١٦٨ ، ح ٢٠٢٢٠ ، من قوله : « الإيمان لايكون إلّا بعمل » ؛البحار ، ج ٦٩ ، ص ٢٢ ، ح ٤.

(٥). في حاشية « بف » : « أصحابنا ».

(٦). في « ض » : - « له ».

(٧). في « ب » وشرح المازندراني : « قال ».

(٨). في الوسائل والبحار ، ج ٧٥ : « من ».

(٩). في « ب ، بر » والبحار ، ج ٧٥ : - « به ».

(١٠).الوافي ، ج ٤ ، ص ٧٩ ، ح ١٦٨١ ؛الوسائل ، ج ١٥ ، ص ١٦٨ ، ح ٢٠٢٢١ ؛البحار ، ج ٧٥ ، ص ٢٣٦ ، وفيهما من قوله : « فمن أقرّ بدين الله » ؛ وج ٦٨ ، ص ٢٥٩ ، ح ١٦.

(١١). ضمير « عنه » راجع إلى أحمد بن محمّد بن خالد المذكور في السند المتقدّم. فقد روى محمّد بن خالد البرقي - والد أحمد - عن النضر بن سويد كتاب يحيى بن عمران الحلبي ، وتوسّط النضر بن سويد بينه وبين يحيى بن =

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702

703

704

705

706

707

708

709

710

711

712

713

714

715

716

717

718

719

720

721

722

723

724

725

726

727

728

729

730

731

732

733

734

735

736

737

738

739

740

741

742

743

744

745

746

747

748

749

750

751

752

753

754

755

756

757

758

759

760

761

762

763

764

765

766

767

768

769

770

771

772

773

774

775

776

777

778

779

780

781

782

783

784

785

786

787

788

789

790