بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣
0%
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446
أسفا ، و حينئذ فلا بد أنّ مراده عليه السّلام : أن لبثه فيهم أيّام خلافته قليل ، فلم تكمل السّنة الرابعة من قيامه عليه السّلام .
« فلبثتم بعده ما شاء اللَّه » و لا يعلم مدّة لبثهم غير اللَّه .
« حتّى يطلع اللَّه لكم من يجمعكم و يضم نشركم » بظهور قائم آل محمّد عليهم السّلام ، و قال ابن ميثم : قيل هو الإمام المنتظر ، و قيل : هو قائم بني العبّاس بعد انقضاء دولة بني امّية ١ .
قلت : كيف يحتمل إرادته عليه السّلام قائم بني العبّاس ، و كلامه عليه السّلام في دليل راية الحقّ بعده عليه السّلام ؟ فمن يجمع النّاس ، و يضمّ نشرهم على راية الحقّ غير قائم أهل البيت عليهم السّلام ؟ و إذا لم يكن المراد دليل راية الحقّ ، فأيّ فرق بين قائم العباسية و قائم الاموية ، في جمع أمر النّاس على السلطنة الدنيوية ؟
و قال ابن أبي الحديد : كلامه عليه السّلام إشارة إلى المهدي الّذي يظهر في آخر الوقت ، إلاّ أنّه عند أصحابنا غير موجود الآن و سيوجد و عند الإمامية أنّه موجود ٢ .
قلت : فما يفعل بقوله عليه السّلام هنا : « مثل آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم » ٣ ، و بقوله عليه السّلام في خطبة مرّت في أوّل الفصل : « لا تخلو الأرض من قائم للَّه حجّة إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا » ٤ ؟
« فلا تطمعوا في غير مقبل » قال أيوب بن نوح للرّضا عليه السّلام : نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ، و أن يردّه اللَّه إليك من غير سيف ، فقد بويع لك ، و ضربت الدّراهم باسمك . فقال عليه السّلام : ما منّا أحد اختلفت إليه الكتب ، و سئل عن المسائل ،
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٨ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٩٢ .
( ٣ ) رواهما الشريف الرضي في نهج البلاغة ١ : ١٩٤ ضمن الخطبة ٩٨ و ٤ : ٣٧ ضمن الحكمة ١٤٧ .
( ٤ ) المصدر نفسه .
و أشارت إليه إلاّ اعتلّ و مات على فراشه ، حتّى يبعث اللَّه عزّ و جلّ لهذا الأمر رجلا خفي المولد و المنشأ ، حتّى خفي في نسبه ١ .
و قال عبد اللَّه بن عطا للباقر عليه السّلام : إنّ شيعتك بالعراق كثيرون ، فو اللَّه ما في أهل بيتك مثلك ، فكيف لا تخرج ؟ فقال : يا عبد اللَّه بن عطا قد أمكنت الحشو من اذنيك و اللَّه ما أنا بصاحبكم ٢ .
« و لا تيأسوا من مدبر » قال الهادي عليه السّلام : إذا رفع عليكم من بين أظهركم ،
فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم ٣ .
و قال الباقر عليه السّلام : إذا دار الفلك و قال النّاس : مات القائم أو هلك ، بأيّ واد سلك ، و قال الطالب أنى يكون ذلك ، و قد بليت عظامه ؟ فعند ذلك فارجوه ، فإذا سمعتم به فأتوه ، و لو حبوا على الثّلج ٤ .
و عن الأصبغ : ذكر عند أمير المؤمنين عليه السّلام القائم عليه السّلام فقال : أما ليغيبنّ حتّى يقول الجاهل : ما للَّه في آل محمّد حاجة ٥ .
« فإن المدبر » و المراد به القائم الّذي نهى عن اليأس عنه .
« عسى أن تزل » و زاد ابن أبي الحديد « به » ٦ .
« إحدى قائمتيه و تثبت الاخرى » فلا يسقط .
« و ترجعا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( فترجعا ) كما في
ــــــــــــــــ
( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤١ ح ٢٥ و الغيبة للنعماني : ١١٢ .
( ٢ ) أخرجه الصدوق بطريقين في كمال الدين : ٣٢٥ ح ٢ و الكليني في الكافي ١ : ٣٤٢ ح ٢٦ ، و النعماني بطريقين في الغيبه : ١١١ في صدر حديث .
( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤١ ح ٢٤ عن الهادي عليه السّلام ، و الغيبة للنعماني : ١٢٤ عن الرضا عليه السّلام .
( ٤ ) كمال الدين للصدوق : ٣٢٦ ح ٥ .
( ٥ ) أخرجه الصدوق بطريقين كمال الدين : ٣٠٢ ح ٩ ، و : ٣٠٣ ح ١٥ ، و النعماني في الغيبة : ١٠١ .
( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٩ .
( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ١ .
« حتّى تثبتا جميعا » و لعلّ الإتيان بضمير التثنية في ( ترجعا ، و تثبتا ) إن صحّ النقل ، لعدم تعيّن الزّالّة ، فيحتمل كونها كلا منهما .
و كيف كان ، فعن الصادق عليه السّلام قال : المنتظر الثاني عشر هو المفرّج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد ، و بلاء طويل ، و جزع و خوف ، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان ٢ .
« ألا إنّ مثل آل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله كمثل نجوم السّماء إذا خوى نجم » في ( الصحاح ) :
خوت النجوم : إذا سقطت ، و لم تمطر في نوئها ٣ .
« طلع نجم » مكانه قال لقيط بن زرارة :
و إنّي من القوم الّذين علمتهم
إذا مات منهم سيّد قام صاحبه
نجوم سماء كلّما غاب كوكب
بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
لمّا مات السّجاد عليه السّلام قال محمّد بن المنكدر : ما كنت أظنّ أنّه يدع ولدا أفضل منه ، حتّى رأيت ابنه محمّد بن عليّ ، أردت أن أعظه فوعظني ٤ .
و لمّا مات الباقر عليه السّلام دخل سالم بن أبي حفصة على الصادق عليه السّلام معزّيا له ، فقال له : ذهب و اللَّه من كان يقول : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله . فلا يسأل عمّن بينه و بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و اللَّه لا يرى مثله أبدا . فقال له الصادق عليه السّلام : قال اللَّه تبارك و تعالى : إنّ من عبادي من يتصدّق بشق تمرة ، فاربيها كما يربي أحدكم فلوه ، حتى يجعلها مثل جبل احد . فخرج سالم إلى أصحابه ، فقال : ما رأيت أعجب من هذا كنّا نستعظم قول الباقر عليه السّلام : « قال رسول اللَّه » بلا واسطة . فقال
ــــــــــــــــ
( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٩ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٦ مثل المصرية .
( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٣٣٤ ح ٥ ، و الغيبة للنعماني : ٥٧ ، و النقل بتقطيع .
( ٣ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٣٣٢ مادة ( خوى ) ، و النقل بتقطيع .
( ٤ ) الارشاد للمفيد : ٢٦٣ ، و النقل بتصرف ، و قد مرّ الحديث بتمامه في العنوان ١٩ من هذا الفصل .
ابنه « قال اللَّه » بلا واسطة ١ .
و قال زيدي لإمامي من أصحاب الصادق عليه السّلام : قد مات إسماعيل الّذي كنتم تمدّون أعناقكم إليه ، و جعفر شيخ كبير يموت غدا أو بعد غد ، فتبقون بلا إمام . فلم يدر ما يقول له ، فأخبر الصادق عليه السّلام بمقالته ، فقال عليه السّلام : هيهات هيهات ، أبى اللَّه و اللَّه أن ينقطع هذا الأمر حتّى ينقطع الليل و النهار ، فإذا رأيته فقل له : هذا موسى بن جعفر يكبر و يزوّجه ، فيولد له ولد ، فيكون خلفا إن شاء اللَّه ٢ .
و كتب ابن قياما الواقفي إلى الرضا عليه السّلام : كيف تكون إماما و ليس لك ولد ؟ فأجابه عليه السّلام : و ما علمك أنّه لا يكون لي ولد ؟ و اللَّه لا تمضي الأيّام و الليالي حتّى يرزقني اللَّه ولدا ذكرا ، يفرّق به بين الحقّ و الباطل ٣ .
و قال أحمد بن محمّد : خرج عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام حين قتل الزّبيري : هذا جزاء من اجترأ على اللَّه و أوليائه ، يزعم أنّه يقتلني و ليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة اللَّه فيه ؟ قال : و ولد له ولد سمّاه « م ح م د » في سنة ستّ و خمسين و مائتين ٤ .
و روى الشيخ في ( غيبته ) توقيعا عن الحجّة عليه السّلام إلى جماعة قالوا : إنّ أبا محمّد عليه السّلام مضى و لا خلف له : أو ما رأيتم كيف جعل اللَّه لكم معاقل تأوون إليها ، و أعلاما تهتدون بها من لدن آدم عليه السّلام إلى أن ظهر الماضي عليه السّلام ، كلّما غاب علم بدا علم ، و إذا أفل نجم طلع نجم ؟ فلمّا قبضه اللَّه إليه ظننتم أنّ اللَّه
ــــــــــــــــ
( ١ ) أمالي الطوسي ١ : ١٢٥ المجلس ٥ ، و النقل بتصرف في اللفظ .
( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٦٥٧ ح ٢ .
( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٣٢٠ ح ٤ ، و أخرجه بعنوان المشافهة لا المكاتبة الكشي في معرفة الرجال ( اختياره ) ٥٥٣ ح ١٠٤٤ .
( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٣٢٩ ح ٥ .
تعالى أبطل دينه ، و قطع السّبب بينه و بين خلقه ؟ كلا ما كان ذلك و لا يكون حتّى تقوم السّاعة ١ .
« فكأنّكم قد تكاملت من اللَّه فيكم الصّنائع » أي : نعمه الخاصّة .
« و أراكم ما تأملون » من ظهور القائم عليه السّلام ، في خبر جابر الجعفي ، عن الباقر عليه السّلام : كأنّي بأصحاب القائم عليه السّلام و قد أحاطوا بما بين الخافقين ، فليس من شيء إلاّ و هو مطيع لهم ، حتّى سباع الأرض و سباع الطير ٢ .
و في خبر آخر عنه عليه السّلام : إذا قام قائمنا عليه السّلام وضع يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ، و كملت بها أحلامهم ٣ .
و عن الصّادق عليه السّلام : و إنّ الرّجل منهم ليعطى قوّة أربعين رجلا ، و إنّ قلبه لأشدّ من زبر الحديد ، و لو مرّوا بجبال الحديد لقلعوها . . . ٤ .
و قال ابن ميثم : وجدت له عليه السّلام في أثناء بعض خطبه في اقتصاص ما يكون بعده فصلا يجري مجرى الشّرح لهذا الوعد ، و هو أن قال : « يا قوم اعلموا علما يقينا إنّ الّذي يستقبل قائمنا من أمر جاهليتكم ليس بدون ما استقبل الرّسول من أمر جاهليتكم و ذلك أنّ الامّة كلّها يومئذ جاهلية إلاّ من رحم اللَّه . فلا تعجلوا فيعجل الخرق بكم ، و اعلموا أنّ الرفق يمن ، و في الأناة بقاء و راحة ، و الإمام أعلم بما ينكر ، و لعمري لينزعنّ عنكم قضاء السوء ، و ليقبضنّ عنكم المرائين ، و ليعزلنّ عنكم امراء الجور ، و ليطهّرنّ الأرض من كلّ غاش ،
و ليعملنّ فيكم بالعدل ، و ليقومنّ فيكم بالقسطاس المستقيم ، ليتمنين أحياؤكم لأمواتكم رجعة الكرّة عمّا قليل فيعيشوا إذن ، فإنّ ذلك كائن للَّه ، أنتم بأحلامكم
ــــــــــــــــ
( ١ ) الغيبة للطوسي : ١٧٣ ، و النقل بتقطيع .
( ٢ ) كمال الدين للصدوق : ٦٧٣ ح ٢٥ في صدر حديث .
( ٣ ) كمال الدين للصدوق : ٦٧٥ ح ٣٠ ، و الكافي للكليني ١ : ٢٥ ح ٢١ .
( ٤ ) كمال الدين للصدوق : ٦٧٣ ح ٢٦ .
كفّوا ألسنتكم ، و كونوا من وراء معايشكم ، فإنّ الحرمان سيصل إليكم ، و إن صبرتم و احتسبتم و ائتلفتم ، إنّه طالب و تركم ، و مدرك لثأركم ، و آخذ بحقّكم ،
و اقسم باللَّه قسما حقّا : إنّ اللَّه مع الّذين اتّقوا ، و الّذين هم محسنون ١ .
و روى الطبري في إسلام عدي بن حاتم : أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال له : يا عدي بن حاتم إنّما يمنعك من الدخول في هذا الدين لما ترى من حاجتهم ، فو اللَّه ليوشكنّ المال يفيض فيهم حتّى لا يوجد من يأخذه إلى أن قال قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، و رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئا حتّى تحجّ هذا البيت ، و ايم اللَّه لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه ٢ .
قلت : و لا بد أنّ فيضان المال حتّى لا يوجد من يأخذه إنّما في عصر ظهوره عليه السّلام ، فروي : أنّ أصحاب الزكاة يجيئون بزكاتهم إلى المحاويج من شيعته ، فلا يقبلونها فيصّرونها و يدورون في دورهم ، فيخرجون إليهم فيقولون : لا حاجة لنا إلى دراهمكم إلى أن قال و يجتمع إليه أموال أهل الدّنيا كلّها من بطن الأرض و ظهرها ، فيقول النّاس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام و سفكتم فيه الدّم الحرام ، و ركبتم فيه المحارم ، فيعطي عطاء لم يعط أحد قبله ٣ .
٢٣
من الخطبة ( ١٠٣ ) فَمَا اِحْلَوْلَتْ لَكُمُ اَلدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا وَ لاَ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلاَفِهَا إِلاَّ
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٩ ، و الآية ١٢٨ من سورة النمل .
( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٧٧ سنة ٩ .
( ٣ ) رواه علي بن عبد الحميد في الغيبة عنه البحار ٥٢ : ٣٩٠ ح ٢١٢ ، و النقل بتصرف يسير .
مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلاً خِطَامُهَا قَلِقاً وَضِينُهَا قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ بِمَنْزِلَةِ اَلسِّدْرِ اَلْمَخْضُودِ وَ حَلاَلُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ وَ صَادَفْتُمُوهَا وَ اَللَّهِ ظِلاًّ مَمْدُوداً إِلَى أَجْلٍ مَعْدُودٍ فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ وَ أَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ وَ أَيْدِي اَلْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ وَ سُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطَةٌ وَ سُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ أَلاَ إِنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِراً وَ لِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً وَ إِنَّ اَلثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَ هُوَ اَللَّهُ اَلَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ وَ لاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ أقول : و رواه ( الإرشاد ) هكذا : « الحمد للَّه ، و السّلام على رسول اللَّه . أمّا بعد ، فإنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله رضيني لنفسه أخا ، و اختصّني له وزيرا . أيّها النّاس أنا أنف الهدى و عيناه ، فلا تستوحشوا من طريق الهدى لقلّة من يغشاه ، من زعم أنّ قاتلي مؤمن فقد قتلني . ألا و إنّ لكل دم ثائرا يوما ما ، و إنّ الثائر في دمائنا ، و الحاكم في حقّ نفسه ، و حقّ ذوي القربى و اليتامى و المساكين ، و ابن السّبيل الّذي لا يعجزه ما طلب لا يفوته من هرب ، و سيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ١ و اقسم باللَّه الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة لتنتحرنّ عليها يا بني امية و لتعرفنّها في أيدي غيركم ، و دار عدوكم عمّا قليل و ستعلمنّ نبأه بعد حين ٢ .
و رواه القمي في ( تفسيره ) مسندا عن الصّادق عليه السّلام هكذا : « قال : خطب أمير المؤمنين عليه السّلام بعد ما بويع بخمسة أيّام ، فقال فيها : و اعلموا أنّ لكلّ حقّ طالبا ، و لكلّ دم ثائرا ، و الطالب بحقّنا كقيام الثائر بدمائنا ، و الحاكم في حقّ
ــــــــــــــــ
( ١ ) الشعراء : ٢٢٧ .
( ٢ ) الارشاد للمفيد : ١٤٧ .
نفسه هو العادل الّذي لا يحيف ، و الحاكم الذي لا يجور ، و هو اللَّه الواحد القهّار .
و اعلموا أنّ على كلّ شارع بدعة و زره و وزر كلّ مقتد به من بعده ، من غير أن ينتقص من أوزار العاملين شيء . . . » ١ .
« فما احلولت » أي : ما صار حلوا ، قال الجوهري : حلا الشيء يحلو حلاوة ،
و احلولى مثله ٢ .
« لكم الدّنيا في لذّتها » و مذاقها .
« و لا تمكنتم من رضاع » مصدر رضع الصّبي امّه ، و قولهم : لئيم راضع .
أصله رجل كان يرضع إبله أو غنمه ، و لا يحلبها لئلاّ يسمع صوت حلبه فيطلب منه .
« أخلافها » الأخلاف : جمع الخلف بالكسر ، و في ( الصحاح ) : الخلف : حلمة ضرع النّاقة ، القادمان و الآخران ٣ .
قال ابن أبي الحديد : الخطاب لمن في عصره من الصحابة و التابعين ٤ .
و قال ابن ميثم : لبني امية و نحوهم ٥ .
و الأوّل أصح لأنّ صيرورة الدّنيا حلوا لهم ، و تمكنهم من رضاع ثديها إنّما كان من زمن الأوّلين ، و إنّما نال بنو اميّة ما نالوا بواسطتهم .
« إلاّ من بعد ما » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( إلاّ من بعده ) ، أي : بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٦ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) تفسير القمي ١ : ٣٨٤ .
( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٣١٧ مادة ( حلو ) .
( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٣٥٣ مادة ( خلف ) .
( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠١ .
( ٥ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٥ .
( ٦ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠٠ و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٣ مثل المصرية أيضا .
قال ابن أبي الحديد : فصانه اللَّه تعالى في أيّام حياته عن أن يفتح عليه الدّنيا ، و أكرمه عن ذلك ، فلم يفتح عليكم البلاد ، و لا درّت عليكم الأموال ، و لا أقبلت الدّنيا نحوكم ، و ما دالت الدولة لكم ، إلاّ من بعده ١ .
خطب عتبة بن غزوان في إمارته البصرة من قبل عمر و هو الّذي اختطّ البصرة فقال : و لقد رأيتني سابع سبعة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و قد تسلقت أفواههم من أكل الشجر ، و لقد رأيتنا أنا و سعد استبقنا بردة فاشتققناها ،
فأخذت أنا نصفها و سعد نصفها ، و اليوم ما منّا رجل إلاّ و قد أصبح أميرا على مصر ، و لقد بلغني أنّه لم تكن نبوّة إلاّ و سننسخ ملكا .
و لمّا هزم خالد بن الوليد عجم البسط ، و كانوا بسطوا البسط ، و صفّوا الأطعمة فلم يمهلهم ، و وقف على طعامهم فقعدوا عليه ، و جعل من لم ير الأرياف ، و لا يعرف الرّقاق يقول : ما هذه الرّقاق البيض ؟ و جعل من قد عرفها يجيبهم ، و يقول لهم مازحا : هل سمعتم برقيق العيش ؟ فيقولون : نعم . فيقول :
هو هذا . فسمّي الرّقاق ، قال الطبري : و كانت العرب تسمّيه القرى ٢ .
« صادفتموها » أي : وجدتموها .
« جائلا » من الجولان .
« خطامها » أي : زمامها .
« قلقا » أي : مضطربا .
« وضينها » قال الجوهري : الوضين للهودج بمنزلة البطان للقتب ،
و التصدير للرحل ، و الحزام للسّرج ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠١ .
( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥٦٢ سنة ١٢ .
( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٢١٤ مادة ( وضن ) .
« قد صار حرامها عند أقوام بمنزلة السّدر المخضود » من : خضدت الشجر :
قطعت شوكه ، فهو خضيد و مخضود . فيسهل عليه تناول ثمره .
« و حلالها بعيدا غير موجود » لعدم ورع في النّاس يتّقون من الحرام .
قال ابن أبي الحديد و في شرح قوله عليه السّلام : « صادفتموها » إلى هنا :
ذكر عليه السّلام أنّهم صادفوها يعني الدّنيا و قد صعبت على من يليها ولاية حقّ ،
كما تستصعب النّاقة على راكبها إذا كانت جائلة الخطام ، ليس زمامها يمكّن راكبها من نفسه ، قلقة الوضين لا يثبت هودجها تحت الراكب . حرامها سهل التناول على من يريده ، كالسدر الذي خضد عنه شوكه فصار ناعما أملس ،
و حلالها غير موجود لغلبة الحرام عليه ، و كونه صار مغمورا مستهلكا بالنسبة ، و هذا إشارة إلى ما كان يقوله دائما من استبداد الخلفاء قبله دونه بالأمر ، و أنّه كان الأولى و الأحقّ ١ .
قلت : ما قاله من أنّه عليه السّلام كان دائما يقول باستبدادهم حقّ ، و تأويل أصحابه له باطل ، لكن الظاهر أنّ كلامه عليه السّلام ليس في هذا المقام ، بل في مقام أنّ الدّنيا إنّما فتحت على المتقدّمين عليه بفتح فارس و الرّوم ، حيث إنّ الدّنيا صارت متزلزلة باولئك و زال اقتدارهم ، و كانوا مشغولين بالنهب و السلب ،
و لم يتمكّن امراؤهم من ردعهم ، و إنّما كان من دولتهم مجرّد اسم و محض صورة ، كما لا يخفى على من راجع السير .
« و صادفتموها و اللَّه ظلا ممدودا إلى أجل معدود » قال ابن أبي الحديد :
ذكر عليه السّلام أنّ الدّنيا فانية ، و أنّها ظل ممدود إلى أجل معدود ٢ .
و قال ابن ميثم : كنّى بذلك عن زوالها بعد حين تهديدا لهم به ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠١ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠١ .
( ٣ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٦ .
قلت : و في ما قالاه : أوّلا : إنّه لو كان المعنى ما ذكراه ، لم يكن الكلام محتاجا إلى قوله : « و صادفتموها » ، و كان يقول : و إنّها و اللَّه ظل ممدود إلى أجل معدود .
و ثانيا : إنّه لا يناسب الظّل الممدود الفناء و الزّوال ، بل الظلّ الزّائل كما قالوا :
إنّما الدّنيا كظلّ زائل
كيف و الظّل الممدود ورد في وصف نعيم الجنّة ؟ قال تعالى : و ظل ممدود ١ .
و ثالثا : إنّه لا يناسب سياق الكلام سابقه و لاحقه ، و الظاهر بشهادة السّوق أنّ المراد : أنّهم صادفوا الدّنيا بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله مصفّى العيش مدّة مديدة .
« فالأرض لكم شاغرة » يقال : شغر الرّجل المرأة . أي : رفع رجلها للنكاح ،
و الظّاهر أنّ المراد أنّ الأرض كانت لكم شاغرة كشغر رجل المرأة للرجل .
قالوا : لمّا فتح موسى بن نصير الأندلس غنموا من الذهب و الفضة حتى نعلوا دوابهم بمسامير الذهب و الفضة . و لما ضربوا الأوتاد لخيولهم في جدار كنيسة من كنايسها لم تلج ، فنظروا فإذا بصفايح الذهب و الفضّة خلف بلاط الرّخام . و لمّا فتح طليطلة ، وجد فيها بيتا كان فيه أربعة و عشرون تاجا من ملوك الأندلس ، كلّما هلك ملك جعل تاجه في ذلك البيت ، و كتب على التّاج اسم صاحبه و ابن كم هو ، و يوم ولي و يوم مات . و وجدوا أيضا مائدة عليها اسم سليمان بن داود ، و ليس لها أرجل قاعدتها منها ، و كانت من ذهب و فضّة خليطين ، فهي تتلوّن صفرة و بياضا ، مطوّقة بثلاثة أطواق : طوق لؤلؤ ، و طوق
ــــــــــــــــ
( ١ ) الواقعة : ٣٠ .
ياقوت ، و طوق زمرد . و دلّهم رجل على كنز فنزلوا فيه ، فسال عليهم من الزّبرجد و الياقوت ما لم يروا مثله قط ، و أمّا الذّهب و الفضّة و المتاع فلم يكن يحصيه أحد ١ .
« و أيديكم فيها مبسوطة » تفعلون ما تشاؤون .
« و أيدي القادة » من اللَّه .
« عنكم مكفوفة » أي : مشدودة .
« و سيوفكم عليهم مسلّطة » فتقتلونهم .
« و سيوفهم عنكم مقبوضة » فلا يستطيعون القصاص منكم ، روى ( الروضة ) : عن الصادق عليه السّلام قال : إنّ اللَّه عزّ و جلّ أعفى نبيّكم أن يلقى من امته ما لقيت الأنبياء من اممها ، و جعل ذلك علينا ٢ .
و في ( تاريخ اليعقوبي ) : أنّه لما قتل يوسف بن عمر زيد بن عليّ بن الحسين أحرق جسده ، و ذرى نصفه في الفرات ، و نصفه في الزّرع ، و قال : و اللَّه يا أهل الكوفة لأدعنّكم تأكلونه في طعامكم ، و تشربونه في مائكم ٣ .
و في ( عيون ابن بابويه ) : دخل دعبل الخزاعي على الرّضا عليه السّلام بمرو ،
فقال له : يابن رسول اللَّه إنّي قد قلت فيك قصيدة ، و آليت على نفسي ألاّ انشدها أحدا قبلك . فقال : هاتها . فأنشده :
مدارس آيات خلت من تلاوة
و منزل وحي مقفر العرصات
إلى أن قال :
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم
أكفّا عن الأوتار منقبضات
ــــــــــــــــ
( ١ ) الكامل لابن الأثير ٤ : ٥٦٤ ٥٦٦ سنة ٩٢ ، و النقل بالمعنى .
( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٥٢ ح ٣٥٢ كتاب الروضة .
( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٦ .
جعل ابو الحسن عليه السّلام يقلّب كفّيه و يقول : أجل و اللَّه منقبضات ١ .
و قال ابن أبي الحديد : أعاد الشكوى و التألّم فقال : « و أيديكم في الدّنيا مبسوطة إلى و سيوفهم مقبوضة » ، و كأنّه كان يرمز إلى ما سيقع من قتل الحسين عليه السّلام و أهله ، كأنّه يشاهد ذلك عيانا ٢ .
قلت : بل أشار إلى إرادة قتلهم له يوم السّقيفة ، و يوم الشّورى لو لم يبايع ، قال ابن قتيبة في قصّة السقيفة : و بقي عمر و معه قوم ، فأخرجوا عليّا فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع . فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللَّه الّذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك . قال : إذن تقتلون عبد اللَّه ، و أخا رسوله . قال عمر : أمّا عبد اللَّه فنعم ، و أمّا أخو رسوله فلا ٣ .
و قال في يوم الشورى : خرج عبد الرّحمن ( ابن عوف ) إلى المسجد ،
فجمع النّاس ، فحمد اللَّه و أثنى عليه ، ثمّ قال : إنّي نظرت في أمر النّاس ، فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعل يا عليّ سبيلا إلى نفسك فإنّه السّيف لا غير . ثمّ أخذ بيد عثمان فبايعه ٤ .
و كان حقّ الكلام أن يقول : أشار إلى إرادة قتل الأوّلين له لو لم يبايعهم ،
و إرادة قتل طلحة و الزّبير و عايشة له عليه السّلام و لابنيه الحسن و الحسين عليهما السّلام لو ظفروا بذلك يوم الجمل ، و إلى قتل معاوية للحسن عليه السّلام ، و ابنه للحسين عليه السّلام ،
و قتل باقي بني امية و العبّاسية لباقي أهل بيته و شيعتهم .
قال الباقر عليه السّلام و قد نقله ابن أبي الحديد في عنوان اختلاف الخبر لبعض أصحابه : يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيّانا ، و تظاهرهم علينا ، و ما
ــــــــــــــــ
( ١ ) عيون اخبار الرضا ٢ : ٢٦٧ ح ٣٤ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٠١ .
( ٣ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٣ .
( ٤ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٢٧ .
لقي شيعتنا و محبّونا من الناس إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله قبض ، و قد أخبر أنّا أولى النّاس بالنّاس ، فتمالأت علينا قريش حتّى أخرجت الأمر عن معدنه ، و احتجّت على الأنصار بحقّنا و حجّتنا إلى أن قال ثمّ لم نزل أهل البيت نستذل ،
و نستضام ، و نقصى ، و نمتهن ، و نحرم ، و نقتل ، و نخاف ، و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا ، و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم و جحودهم موضعا يتقرّبون به إلى أوليائهم ، و قضاة السوء و عمّال السوء في كلّ بلدة ، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، و رووا عنّا ما لم نقله ، و ما لم نفعله ليبغّضونا إلى الناس ، و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السّلام ، فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة ، و قطعت الأيدي و الأرجل على الظّنة ،
و كان من يذكر بحبّنا و الانقطاع إلينا سجن ، أو نهب ماله ، أو هدمت داره . . . ١ .
و في زيارة لهم عليهم السّلام رواها عليّ بن طاووس : يا مواليّ فلو عاينكم المصطفى ، و سهام الامّة مغرقة في أكبادكم ، و رماحهم مشرعة في نحوركم ، و سيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، و غيظ الكفر من إيمانكم ، و أنتم بين صريع في المحراب قد فلق السّيف هامته ، و شهيد فوق الجنازة قد شكّت أكفانه بالسّهام ، و قتيل بالعراء قد رفع فوق القناة رأسه ، و مكبّل في السجن قد رضّت بالحديد أعضاؤه ،
و مسموم قد قطعت بجرع السّم أمعاؤه ، و شملكم عباديد تفنيهم العبيد ، و أبناء العبيد ٢ .
ثمّ أيّ شيء يفيده تخصيصه كلامه عليه السّلام بقتل الحسين عليه السّلام ، مع أنّ المؤسّس ليزيد لم يكن إلاّ صدّيقهم و فاروقهم ، كما كان لأبيه ؟
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٥ ، شرح الخطبة ٢٠٨ .
( ٢ ) نقله ابن طاووس في مصباح الزائر و صاحب المزار الكبير فيه عنهما البحار ١٠٢ : ١٦٩ ضمن زيارة جامعة .
فروى ( مروج المسعودي ) ، و ( صفين نصر ) ، و غيرهما : أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى معاوية : كيف تقاتل عليّا عليه السّلام و هو وليّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و أنت عدوّه ؟ فأجابه بأنّه اقتدى في ذلك بأبيه الصدّيق و صديقه الفاروق ١ .
و روى ( أنساب البلاذري : أنّ ابن عمر كتب إلى يزيد يطعن فيه لما قتل الحسين عليه السّلام فأجبه بأنّه أسس له ذلك أبوه الفاروق ٢ .
و في ( بلاغات نساء البغدادي ) قالت زينب : و سيعلم من بوّأك و مكّنك من رقاب المؤمنين ٣ .
نعم قتل الحسين عليه السّلام كان أظهر مصاديق كلامه ، و أشهر شنائع قريش أعداء أهل البيت . و في ( معجم الحموي ) : قال دعبل فيه عليه السّلام :
رأس ابن بنت محمّد و وصيّه
يا للرّجال على قناة ترفع
و المسلمون بمنظر و بمسمع
لا جازع من ذا و لا متخشّع ٤
و في ( الأغاني ) : قال دعبل :
و ليس حيّ من الأحياء نعلمه
من ذي يمان و من بكر و من مضر
إلاّ و هم شركاء في دمائهم
كما تشارك ايسار على جزر
قتل و أسر و تحريق و منهبة
فعل الغزاة بأرض الرّوم و الخزر ٥
و في ( معجم الحموي ) : قال نصر اللَّه بن مجلى : رأيت في المنام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقلت له : يا أمير المؤمنين تفتحون مكّة فتقولون : من دخل دار
ــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٢ ، و وقعة صفين لابن مزاحم : ١١٩ و أنساب الأشراف للبلاذري ٢ : ٣٩٦ .
( ٢ ) رواه عن أنساب الأشراف ابن طاووس في الطرائف ١ : ٢٤٧ ح ٣٤٨ ، لكن لم يوجد في ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام ، و لا في ترجمة يزيد في أنساب الأشراف .
( ٣ ) بلاغات النساء للبغدادي : ٣٦ .
( ٤ ) معجم الادباء للحموي ١١ : ١١٠ .
( ٥ ) الأغاني لأبي الفرج ٢٠ : ١٨٠ .
أبي سفيان فهو آمن . ثمّ يتمّ على ولدك الحسين يوم الطّف ما تم ؟ فقال : أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا ؟ فقلت : لا . فقال : اسمعها منه . فلمّا استيقظت ،
بادرت إلى دار الحيص بيص ، فخرج إليّ ، فذكرت له الرؤيا فأجهش بالبكاء ،
و حلف باللَّه أنّه ما سمعها منه أحد ، و أنّه نظمها في ليلته هذه ، ثمّ أنشدني :
ملكنا فكان العفو منّا سجية
فلمّا ملكتم سال بالدّم أبطح
و حلّلتم قتل الاسارى و طالما
غدونا عن الأسرى نعفّ و نصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا
و كلّ إناء بالّذي فيه ينضح ١
و في ( المعجم ) أيضا : قال ابن وصيف الناشي :
بني أحمد قلبي لكم يتقطّع
بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
إلى أن قال :
عجبت لكم تفنون قتلا بسيفكم
و يسطو عليكم من لكم كان يخضع
كأنّ رسول اللَّه أوصى بقتلكم
و أجسامكم في كلّ أرض توزّع ٢
و في ( معجم الحموي ) أيضا : كان الخالع في المسجد الذي بين الوراقين و الصّاغة في بغداد ، و المسجد غاصّ بالنّاس ، و إذا رجل قد وافى و عليه مرقعة ،
و في يده سطيحة و ركوة ، و معه عكاز ، و هو شعث ، فسلّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثمّ قال : أنا رسول فاطمة الزّهراء عليها السّلام . فقالوا : مرحبا بك و أهلا ،
و رفعوه . فقال : أتعرّفون لي أحمد المزّوق النّائح ؟ فقالوا : ها هو جالس . فقال :
رأيت مولاتنا في النوم . فقالت لي : امض إلى بغداد و اطلبه ، و قل له : نح على ابني بشعر النّاشي الّذي يقول فيه :
بني أحمد قلبي لكم يتقطّع
بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
ــــــــــــــــ
( ١ ) معجم الادباء للحموي ١١ : ٢٠٦ .
( ٢ ) معجم الادباء للحموي ١٣ : ٢٩٢ .
و كان النّاشي حاضرا فلطم لطما عظيما على وجهه ، و تبعه أحمد المزّوق ، و النّاس كلّهم ، و كان أشد النّاس في ذلك النّاشي المزوق ، ثمّ ناحوا بتلك القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلّى النّاس الظهر و تقوّض المجلس ،
و جهدوا بالرّجل أن يقبل شيئا منهم ، فقال : و اللَّه لو اعطيت الدّنيا ما أخذتها ،
أكون رسول مولاتي ثمّ آخذ عوضا ؟ ١ .
و في ( الطبري ) : لمّا أتي المختار بعبد اللَّه بن أسيد الجهني ، و مالك بن النّسير البديّ ، و حمل بن مالك المحاربي ، قال لهم : يا أعداء اللَّه قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة ؟ فأمر بقطع يدي البديّ و رجليه ، و ترك في نزف دمه حتّى يموت ، لكونه صاحب برنس الحسين عليه السّلام ، و قتل الآخرين بالسيف ٢ .
و في ( فواتح الميبدي ) ينسب إلى أبي حنيفة هذه الأبيات :
حبّ اليهود لآل موسى ظاهر
و ولاؤهم لبني أخيه باد
و إمامهم من نسل هارون الالى
بهم اقتدوا و لكلّ قوم هاد
و كذا النّصارى يكرمون محبة
لمسيحهم نجرا من الأعواد
و متى توالى آل أحمد مسلم
قتلوه أو سمّوه بالإلحاد
هذا هو الدّاء العياء لمثله
ضلّت حلوم حواضر و بواد
لم يحفظوا حقّ النّبيّ محمّد
في آله و اللَّه بالمرصاد ٣
قلت : يقال لقائل الأبيات : هذا الداء العياء من أئمتكم ، أليس فاروقكم دبّر الأمر لعثمان رئيس بني امية أعداء النّبيّ ، و أعداء أهل بيته ، و أعداء دينه حتّى يفعلوا ما فعلوا ؟
ــــــــــــــــ
( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٣ : ٢٩٢ .
( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٢٩ سنة ٦٦ ، و النقل بالمعنى .
( ٣ ) فواتح الميبدي : ١٩٨ .
و ضلال حلوم حاضريهم و باديهم في محلّه ، لأنّ دينهم دين متناقض و متضاد ، و مثله محال في العقول .
« ألا إنّ لكلّ دم ثائرا ، و لكلّ حقّ طالبا ، و إنّ الثائر في دمائنا » في ( الصحاح ) :
الثائر : الّذي لا يبقي على شيء حتّى يدرك ثاره ، و يقال أيضا : هو ثاره : أي قاتل حميمه ، قال جرير :
قتلوا أباك و ثاره لم يقتل
و قولهم : يا ثارات فلان . أي : يا قتلة فلان ١ .
و في ( الأساس ) : ثأرت حميمي و بحميمي ، إذا قتلت قاتله ، فعدوّك مثؤور ، و حميمك مثؤر به ، قال قيس بن الخطيم :
و ثارت عديّا و الخطيم فلم أضع
وصية أشياخ جعلت إزاءها
و ثاري عند فلان : أي : ذحلي . و جمع الثار الّذي هو معنى فقيل : « يا لثارات الحسين » اريد : تعالين يا ثاراته ، أي : يا ذحوله ، فهو أو ان طلبكنّ ٢ .
« كالحاكم في حقّ نفسه ، و هو اللَّه الذي لا يعجزه من طلب » كائنا من كان .
« و لا يفوته من هرب » في أي مكان كان .
و في رواية الحسين بن ثوير : عن الصادق عليه السّلام في زيارة الحسين عليه السّلام :
السّلام عليك يا قتيل اللَّه و ابن قتيله ، السّلام عليك يا ثار اللَّه و ابن ثاره ٣ .
و روى ( العقد الفريد ) مسندا عن الزّهري قال : خرجت مع قتيبة اريد المصيصة ، فقدمنا على عبد الملك ، فإذا هو قاعد في إيوان له و إذا سماطان من الناس على باب الإيوان ، فإذا أراد حاجة قالها للّذي يليه حتّى تبلغ المسألة باب
ــــــــــــــــ
( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٦٠٣ مادة ( ثأر ) .
( ٢ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٤٢ مادة ( ثأر ) ، و النقل بتقطيع .
( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٧٦ ح ٢ و كامل الزيارات لابن قولويه : ١٩٩ ح ٢ ضمن زيارة طويلة .
الايوان ، و لا يمشي أحد بين السّماطين . قال الزهري فجئنا فقمنا على باب الايوان ، فقال عبد الملك للّذي عن يمينه : هل بلغكم أيّ شيء أصبح في بيت المقدس ليلة قتل الحسين بن عليّ عليه السّلام ؟ إلى أن قال قال الزهري : فدعيت فمشيت بين السّماطين و انتسبت له ، و قلت : حدّثني فلان : أنّه لم يرفع تلك الليلة التي صبيحتها قتل الحسين بن علي بن أبي طالب حجر في بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم عبيط . قال عبد الملك : صدقت حدّثني الّذي حدّثك ، و إنّي و إيّاك في هذا الحديث لغريبان ١ .
و في باب نقش خواتيم ( الكافي ) عن أبي الحسن عليه السّلام : كان على خاتم عليّ بن الحسين عليه السّلام : خزي و شقي قاتل الحسين بن عليّ عليه السّلام ٢ .
و روى ( مجالس ثعلب ) في أوائل ثانيه مسندا عن السّدي قال : أتيت كربلا أبيع البز بها ، فعمل لنا شيخ من طيّ طعاما فتعشينا عنده ، فذكرنا قتل الحسين عليه السّلام ، فقلت : ما شرك في قتله أحد إلاّ مات بأسوء ميتة . فقال : ما أكذبكم يا أهل العراق فأنا في من شرك في ذلك . فلم نبرح حتّى دنا من المصباح و هو يتّقد بنفط ، فذهب يخرج الفتيلة بإصبعه ، فأخذت النّار فيها ،
فأخذ يطفئها بريقه ، فأخذت النّار في لحيته ، فعدا فألقى نفسه في الماء فرأيته كأنّه حممة ٣ .
و روى الطبري في ( ذيله ) عن شيخ من النّخع قال : قال الحجاج :
من كان له بلاء فليقم . فقام قوم ، فذكروا ، و قام سنان بن أنس ، فقال :
أنا قاتل الحسين . فقال : بلاء حسن ، و رجع إلى منزله . فاعتقل لسانه ، و ذهب
ــــــــــــــــ
( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ١٢٦ ، و النقل بتقطيع .
( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٧٣ ح ٦ .
( ٣ ) مجالس ثعلب ٢ : ٤٠٧ .
عقله . فكان يأكل و يحدث مكانه ١ .
و من العجب أنّهم وثّقوا عمر بن سعد قاتل سيّد شباب أهل الجنّة ، و من شهد اللَّه بطهارته ، و بكونه ابن الرّسول ، و من باهل به النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله نقل توثيقه تهذيب المزّي عن أحمد بن عبدون العجلي ٢ .
و أغرب أنّهم جعلوا قتله حقّا فعن ابن حجر في شرح القصيدة الهمزية :
قال ابن المالكي : ما قتل الحسين إلاّ بسيف جدّه ٣ .
و من العجب أنّهم يرون شيعتهم شرّا من الكفّار ففي ( الطبري ) : أنّ معاوية بن قرة المزني قاضي البصرة أدخل سنان رمحه في عين رجل من عسكر المختار بعد هزيمتهم ، و أخذ يخضخض عينه بسنان رمحه ، و يقول :
هم أحل دما من الترك و الديلم ٤ .
و لا غرو في ذلك بعد معاملتهم مع حجج اللَّه ما عاملوا .
و روى أبو الفرج في ( مقاتله ) : أنّ عيسى بن موسى ولي عهد المنصور الّذي قتل محمّدا و إبراهيم لمّا قدم ، قال جعفر بن محمّد عليه السّلام : أهو هو ؟ قيل : من تعني يا أبا عبد اللَّه ؟ قال : المتلعب بدمائنا و اللَّه لا يحلأ منها بشيء ٥ .
قلت : أشار عليه السّلام إلى خلعه .
و في ( مروج المسعودي ) في يحيى بن عمر الطالبي الّذي قتل في سنة ( ٢٥٠ ) أيّام المستعين ، و حمل رأسه إلى بغداد ، و دخل النّاس إلى ابن طاهر يهنّئونه بالفتح ، قال أبو هاشم الجعفري :
ــــــــــــــــ
( ١ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٢٥ .
( ٢ ) تهذيب التهذيب لابن حجر ٧ : ٤٥٠ ، لكن تهذيب الكمال للمزّي لم أظفر على نسخته .
( ٣ ) لم أظفر بمصدر نقله .
( ٤ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦١ سنة ٦٧ ، و النقل بالمعنى .
( ٥ ) المقاتل لأبي الفرج : ١٨٤ ، ٤٢٣ .