بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 446
المشاهدات: 42653
تحميل: 4634


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42653 / تحميل: 4634
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

من أذى و لا أئن من لظى ١ ؟

« فبادروا العلم من قبل تصويح » أي : يبس .

« نبته » و في ( الأساس ) : صوّحت الرّيح و الحرّ البقل : يبسته حتى تشقّق ،

و صوّح بنفسه و تصوّح ٢ .

و كلامه عليه السّلام هذا في معنى قوله عليه السّلام : سلوني قبل أن تفقدوني ٣ .

« و من قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستنار العلم » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ : « مستثار العلم » .

و في ( الصحاح ) : ثوّر البرك و استثارها ، أي : أزعجها ، و أنهضها ٥ .

و في ( الأساس ) : و استثرته : هيّجته ، قال :

أثار اللّيث في عرّيس غيل

له الويلات ممّا يستثير ٦

« من عند أهله » قالت الشّراح : أي : من قبل أن تشغلوا بالفتن عنه من عندهم ٧ .

قلت : و يمكن أن يراد به الشغل بحضور الموت عنه كذلك ، نظير قوله تعالى : و أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لو لا أخرتني إلى أجل قريب فأصّدّق و أكن من الصّالحين ٨ ، و قوله تعالى :

ــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ١٠٩ ، و غيره .

( ٢ ) أساس البلاغة : ٢٦١ مادة ( صوح ) .

( ٣ ) رواه الشريف الرضي ضمن خطبة في نهج البلاغة ٢ : ١٣٠ الخطبة ١٨٧ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٨ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ٢٤ « مستنار » أيضا .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٦٠٦ مادة ( ثور ) .

( ٦ ) أساس البلاغة : ٤٩ مادة ( ثور ) .

( ٧ ) هذا معنى قول ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٢١٨ ، و ابن ميثم في شرحه ٣ : ٢٩ .

( ٨ ) المنافقون : ١٠ .

٣٦١

أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللَّه . . . ١ .

« و انهوا عن المنكر ، و تناهوا عنه فإنّما أمرتم بالنّهي بعد التناهي » كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ٢ ، . . . ما اريد أن اخالفكم إلى ما أنهاكم عنه . . . ٣ .

٢٦

من الخطبة ( ١٦٧ ) وَ إِنَّمَا طَلَبُوا هَذِهِ اَلدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اَللَّهُ عَلَيْهِ فَأَرَادُوا رَدَّ اَلْأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا وَ لَكُمْ عَلَيْنَا اَلْعَمَلُ بِكِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى وَ سِيرَةِ رَسُولِ اَللَّهِ ص وَ اَلْقِيَامُ بِحَقِّهِ وَ اَلنَّعْشُ لِسُنَّتِهِ . « و إنّما طلبوا » أي : أصحاب الجمل .

« هذه الدّنيا حسدا » أي : لحسدهم .

« لمن أفاءها اللَّه » أي : أرجعها ، أي : الخلافة .

« عليه » بعد الثلاثة كما جعلها له النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من اللَّه تعالى .

« فأرادوا ردّ الامور على أدبارها » و غصبها أخيرا أيضا كالابتداء ، و قال ابن أبي الحديد : هذا الكلام لا يشعر بأنّه عليه السّلام كان يعتقد أنّ الأمر له ، و أنّه غلب عليه ثمّ رجع إليه ، و لكنّه محمول على أنّه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بمنزلة الجزء من الكلّ ،

و أنّهما من جوهر واحد ، فلمّا كان الوالي قديما هو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ثمّ تخلّل بين ولايته ، و ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام ولايات غريبة سمّى ولايته فيئا و رجوعا ،

لأنّها رجعت إلى الدوحة الهاشمية ، و بهذا يجب أن يتأوّل قوله عليه السّلام : « فأرادوا

ــــــــــــــــ

( ١ ) الزمر : ٥٦ .

( ٢ ) المائدة : ٧٩ .

( ٣ ) هود : ٨٨ .

٣٦٢

ردّ الامور على أدبارها » أي : أرادوا انتزاع الخلافة من بني هاشم كما انتزعت أوّلا ، و إقرارها في بيوت بعيدة عن هذا البيت ، اسوة بما وقع من قبل ١ .

قلت : لازم كونه عليه السّلام مع النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من جوهر واحد ، و كونه بمنزلة الجزء منه ، هو اعتقاده كون الأمر له أوّلا ، و أنّه غلب عليه بل و فوق ذلك ، و أنّ المنازع له ، و المنتزع منه سلطانه كالمنازع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و كالمنتزع من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله سلطانه . و لعمر اللَّه لو فرض نشر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و رجوعه إلى الدّنيا لدفعوه عن مقامه كما دفعوا أمير المؤمنين عليه السّلام . و لقد أفصح عن ذلك من خلفائهم من كان أعرف ، و أعلم من الثلاثة بمراتب ، و أقرب منهم إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بدرجات لكونه من هاشم المنصور العبّاسي . فلمّا خرج عليه محمّد الحسني بالمدينة قال : لو خرج عليّ صاحب قبرها كنت مضطرا إلى قتاله و قتله ، فالملك عقيم .

ثمّ ما يفعل بكلماته الصريحة ، و المحفوفة بالشواهد ، و القرائن في باقي المواطن ؟ فمن كلامه عليه السّلام يوم السقيفة كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) : اللَّه اللَّه يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره و قعر بيته إلى دوركم و قعور بيوتكم ، و لا تدفعوا أهله عن مقامه في النّاس و حقّه ، فو اللَّه يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به صلّى اللَّه عليه و آله لأنّا أهل البيت ، و نحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارى‏ء لكتاب اللَّه ، الفقيه في دين اللَّه ، العالم بسنن رسول اللَّه ، المضطلع بأمر الرّعيّة ، المدافع عنهم الامور السيئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، و اللَّه إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل اللَّه فتزدادوا من الحقّ بعدا ٢ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٣ .

( ٢ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٢ .

٣٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و لكون كلامه عليه السّلام بهذه المثابة من الصراحة قال له عليه السّلام بشير بن سعد أبو نعمان بن بشير الأنصاري مع كونه أوّل من بايع أبا بكر حتّى قبل عمر ، حسدا له لابن عمّه سعد بن عبادة أن ينال الأمر : و لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك .

و من كلامه عليه السّلام بعد بيعة النّاس له ما رواه المدائني عن عبد اللَّه بن جنادة ، قال : قدمت من الحجاز اريد العراق في أوّل إمارة عليّ عليه السّلام فمررت بمكّة ، فاعتمرت ثم قدمت المدينة ، فدخلت مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله إذ نودي للصلاة جامعة ، فاجتمع النّاس ، و خرج عليّ متقلّدا سيفه ، فشخصت الأبصار نحوه فحمد اللَّه ، و صلّى على رسوله ثم قال : أمّا بعد ، فإنّه لمّا قبض اللَّه نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله قلنا : نحن أهله و ورثته و عترته و أولياؤه دون النّاس ، لا ينازعنا سلطانه أحد و لا يطمع في حقّنا طامع ، إذ انبرى لنا قومنا ، فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا ، و صرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ، و يتعزّز علينا الذّليل ، فبكت الأعين منّا لذلك ، و خشنت الصدور ، و جزعت النّفوس ، و ايم اللَّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، و أن يعود الكفر ، و يبور الدين لكنّا غير ما كنّا لهم ١ .

فهل ترى كلاما أصرح منه في مغلوبيّته و مظلوميّته ، و غاصبيّة المتقدّمين عليه ؟

« و لكم علينا العمل بكتاب اللَّه تعالى ، و سيرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و القيام بحقّه و النّعش » أي : الرفع .

« لسنّته » كلامه عليه السّلام هذا دالّ على أنّ المناط في استحقاق الخلافة و الإمامة : الخروج عن عهدة العمل بكتاب اللَّه تعالى و سنّة نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله كما

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٠١ ، شرح الخطبة ٢٢ .

٣٦٤

ينبغي ، كما هو مذهب الإمامية ، دون بيعة الامة كما هو مسلك العامّة .

و مثل كلامه عليه السّلام في ذلك كلام ابنيه الحسن و الحسين صلوات اللَّه عليهما ، روى أبو الفرج في ( مقاتله ) مسندا : أنّ معاوية أمر الحسن عليه السّلام أن يخطب لمّا سلّم الأمر إليه ، و ظنّ أنّه سيحصر ، فقال في خطبته : إنّما الخليفة من سار بكتاب اللَّه و سنّة نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و ليس الخليفة من سار بالجور ، ذلك ملك ملّك ملكا يمتّع به قليلا ثمّ تنقطع لذّته ، و تبقى تبعته و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين ١ .

و في ( الإرشاد ) عن الكلبي و المدائني : أنّ الحسين عليه السّلام لمّا بعث ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى أهل الكوفة كتب إليهم معه كتابا و في جملته : فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدّائن بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات اللَّه ٢ .

و كلامهم حجّة ، حيث إنّهم أهل العصمة ، و شهد الكتاب بطهارتهم في قوله عزّ و جلّ : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٣ ، و شهد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في المتواتر عنه صلّى اللَّه عليه و آله بكونهم مثل الكتاب في الحجّية في قوله صلّى اللَّه عليه و آله : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه و عترتي ، و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٤ .

و كذلك كلامه عليه السّلام هذا دالّ على بطلان خلافة الأوّلين ، حيث إنّه كان لهما سنّة في مقابل سنّة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، كما أنّه عليه السّلام ترك حقّه يوم الشورى ، لمّا شرط عليه عليه السّلام عبد الرحمن بن عوف العمل بسنّتهما ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج : ٤٧ ، و الآية ١١١ من سورة الأنبياء .

( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ٢٠٤ .

( ٣ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٤ ) هذا حديث الثقلين مرّ تخريجه في شرح فقرة « إليهم يفي‏ء الغالي » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

٣٦٥

ليعلم النّاس بطلان أمرهما ١ .

و كذلك نبّه على ذلك بعد خروج الخوارج من أصحابه عليه السّلام ، و بيعة غيرهم له عليه السّلام بيعة ثانية غير بيعة أوّل خلافته ، و في ( خلفاء ابن قتيبة ) :

فبايعوه على التسليم و الرّضا ، و شرط عليهم كتاب اللَّه و سنّة رسوله صلّى اللَّه عليه و آله ،

فجاء رجل من خثعم ، فقال له عليّ عليه السّلام : بايع على كتاب اللَّه و سنّة نبيّه . قال : لا ،

و لكن ابايعك على كتاب اللَّه و سنّة نبيّه و سنّة أبي بكر و عمر فقال عليّ عليه السّلام :

و ما يدخل سنّة أبي بكر و عمر مع كتاب اللَّه و سنّة نبيّه ، إنّما كانا عاملين بالحقّ حيث عملا ؟ فأبى الخثعمي إلاّ سنّة أبي بكر و عمر ، و أبى عليّ عليه السّلام أن يبايعه إلاّ على كتاب اللَّه و سنّة نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله ، فقال له حيث ألحّ عليه : تبايع ؟ قال : لا ،

إلاّ على ما ذكرت . فقال له عليّ عليه السّلام : أما و اللَّه لكأنّي بك قد نفرت في هذه الفتنة ،

و كأنّي بحوافر خيلي قد شدخت وجهك . فلحق بالخوارج فقتل يوم النّهروان .

قال قبيصة : فرأيته يوم النّهروان قتيلا قد وطئت الخيل وجهه ، و شدخت رأسه و مثّلت به ، فذكرت قول عليّ و قلت : للَّه درّ أبي الحسن ما حرّك شفتيه قطّ بشي‏ء إلاّ كان كذلك و رواه الطبري أيضا ٢ .

فلو كان مذهب السنّة القائلين بسنّة أبي بكر و عمر حقّا ، لكان أمير المؤمنين عليه السّلام مجانبا للحقّ بعيدا عنه بمراحل ، لا دائرا مدار الحقّ كما تواتر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيه عليه السّلام ٣ ، و شهد به الدّراية الضرورية ؟ و كان معاوية يكتب إلى عمّاله أن يقتلوا من كان على دين عليّ . فكتب الحسين عليه السّلام إليه : دين عليّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) هذا المعنى رواه البلاذري في أنساب الاشراف ٥ : ٢٢ ، و غيره ، مرّ تخريجه في أوائل هذا العنوان .

( ٢ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٤٦ ، و تاريخ الطبري ٤ : ٥٦ سنة ٣٧ .

( ٣ ) هذا المعنى روي عن سعد بن أبي وقاص و علي عليه السّلام و ام سلمة و غيرهم ، و قد مرّ تخريجه في أواخر العنوان ٥ من هذا الفصل .

٣٦٦

دين النّبيّ . . . قاتلهم اللَّه أنّى يؤفكون ١ .

٢٧

الحكمة ( ٢٠٩ ) وَ قَالَ ع : لَتَعْطِفَنَّ اَلدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ اَلضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا وَ تَلاَ عَقِيبَ ذَلِكَ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوارِثِينَ ٢٨ : ٥ ٢ .

أقول : روى المصنّف في ( خصائصه ) عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لتعطفنّ الدّنيا . . . ٣ و روى الكراجكي في ( كنزه ) عن ربيعة بن ناجد قال : سمعت عليّا عليه السّلام يقول في هذه الآية : و نريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض . . . ٤ :

« لتعطفنّ هذه الدّنيا على أهل البيت كما تعطف الضّروس على ولدها » ٥ .

« لتعطفنّ الدّنيا بعد شماسها » في ( الصحاح ) : شمس الفرس شموسا و شماسا ، أي : منع ظهره ٦ .

« عطف الضّروس على ولدها » في ( الصحاح ) : ناقة ضروس : سيّئة الخلق تعضّ حالبها . و منه قولهم : هي بجنّ ضراسها . أي : بحدثان نتاجها ، و إذا كانت كذلك حامت عن ولدها ، قال بشر :

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكشي في معرفة الرجال ( اختياره ) : ٥٠ ، و احتجاج الطبرسي في الاحتجاج : ٢٩٧ ، و النقل بتصرف في اللفظ ، و الآية ٣٠ من سورة التوبة .

( ٢ ) القصص : ٥ .

( ٣ ) خصائص الأئمة للشريف الرضي : ٤٠ .

( ٤ ) القصص : ٥ .

( ٥ ) رواه شرف الدين في كنز جامع الفوائد عنه البحار ٢٤ : ١٧٠ ح ٥ ، و لم يخرجه الكراجكي في كنزه بل الظاهر أنّ الشارح توهّم أنّ رمز « كنز » في البحار يشير إلى كنز الكراجكي .

( ٦ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٣٧ مادة ( شمس ) .

٣٦٧

عطفنا لهم عطف الضروس من الملا

بشهباء لا يمشي الضّراء رقيبها ١

و روي : أنّ الصادق عليه السّلام كان يقول :

لكلّ اناس دولة يرقبونها

و دولتنا في آخر الدّهر تظهر ٢

« و تلا عقيب ذلك » أي : شاهدا لعطف الدّنيا عليهم أخيرا : و نريد أنّ نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين .

و بعدها : و نمكّن لهم في الأرض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون ٣ .

قال القمي : أخبر اللَّه تعالى نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله بما لقى موسى عليه السّلام و أصحابه من فرعون من القتل و الظلم ، ليكون تعزية له في ما يصيبه في أهل بيته من امته ،

ثمّ بشّره بعد تعزيته أنّه يتفضّل عليهم بعد ذلك ، و يجعلهم خلفاء في الأرض و أئمّة على امّته يقول : . . . منهم ما كانوا يحذرون ٤ أي : من آل محمّد ، و لو كانت نزلت في موسى لقال : منه ما كانوا يحذرون . و لم يقل منهم ٥ .

و قال ابن أبي الحديد : و الإمامية تزعم أنّ ذلك وعد منه بالإمام الغائب الّذي يملك الأرض في آخر الزّمان ، و أصحابنا يقولون إنّه وعد بإمام يملك الأرض و يستولي على الممالك ، و لا يلزم من ذلك أنّه لا بد أن يكون موجودا ،

و أن يكون غائبا إلى أن يظهر ، بل يكفي في صحّة هذا الكلام أن يخلق في آخر الوقت ٦ .

قلت : الإماميّة إنّما قالوا إنّه إشارة إلى الإمام المنتظر ، و أمّا وجوده

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٣٩ مادة ( ضرس ) .

( ٢ ) أمالي الصدوق : ٣٩٦ ح ٣ المجلس ٧٤ .

( ٣ ) القصص : ٦ .

( ٤ ) القصص : ٦ .

( ٥ ) تفسير القمي ٢ : ١٣٣ ، و النقل بتلخيص .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٣٦ .

٣٦٨

و غيبته فيثبتونه بأدلّة اخرى عقليّة و نقليّة ، و قد مرّ من النّقليّة قوله عليه السّلام : « لا تخلو الأرض من قائم للَّه بحجّة إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا » ١ و قوله عليه السّلام : « إذا خوى نجم طلع نجم » ٢ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : و قال بعض أصحابنا : إنّه إشارة إلى ملك السّفاح و المنصور ٣ .

قلت : لا بد إن كان ذاك البعض من النّصاب ، و كيف يصحّ قوله و لم يكن شماس الدّنيا على أهل بيته في زمان العبّاسيين أقل من زمان الامويين ؟

هذا ، و مثل تلك الآية في البشارة لأهل بيته عليه السّلام قوله تعالى : و لقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون ٤ ، و قوله تعالى : وعد اللَّه الذين آمنوا و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم و ليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا . . . ٥ .

و لم يكن عباد صالحون و لا مؤمنون عاملون للصالحات مثل أهل البيت عليهم السّلام ، فلا بد بمقتضى الآيتين أن يرثوا الأرض و يستلخفوا فيهما حسبما و عد تعالى ، و نرى أنّ ذلك لم يتّفق في زمان الأحد عشر منهم ، فلا بد أن يكون في عصر ثاني عشرهم ، و حيث إنّ الجميع بمنزلة نفس واحدة يصدق بإرثه الأرض إرثهم ، و باستخلافه فيها ، و تمكين اللَّه تعالى له دينه الذي ارتضاه له ، و تبديل خوفه بالأمن ، استخلافهم و تمكينهم و تبديل خوفهم

ــــــــــــــــ

( ١ ) مرّ في العنوان ١ من هذا الفصل .

( ٢ ) مرّ في العنوان ٢٢ من هذا الفصل .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٣٦ .

( ٤ ) الأنبياء : ١٠٥ .

( ٥ ) النور : ٥٥ .

٣٦٩

صلوات اللَّه عليهم أجمعين .

٢٨

من الخطبة ( ٨٥ ) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ٨١ : ٢٦ وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ وَ اَلْأَعْلاَمُ قَائِمَةٌ وَ اَلْآيَاتُ وَاضِحَةٌ وَ اَلْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ وَ كَيْفَ تَعْمَهُونَ وَ بَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَ هُمْ أَزِمَّةُ اَلْحَقِّ وَ أَعْلاَمُ اَلدِّينِ وَ أَلْسِنَةُ اَلصِّدْقِ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ ؟ اَلْقُرْآنِ ؟ وَ رِدُوهُمْ وُرُودَ اَلْهِيمِ اَلْعِطَاشِ .

أَيُّهَا اَلنَّاسُ خُذُوهَا عَنْ ؟ خَاتَمِ اَلنَّبِيِّينَ ص ؟ إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَ لَيْسَ بِمَيِّتٍ وَ يَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَ لَيْسَ بِبَالٍ فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ وَ اِعْذِرُوا مَنْ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَ أَنَا هُوَ أقول : رواه النّعماني في ( غيبته ) فقال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته المشهورة التي رواها الموافق و المخالف : ألا إنّ العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض ، و جميع ما فضّلت به النّبيّون إلى خاتم النّبييّن . في عترة خاتم النّبيين ، فأين يتاه بكم ، بل أين تذهبون ؟ . . . ١ .

« فأين تذهبون » في ( تاريخ أحمد بن أبي يعقوب ) : بلغ عثمان أنّ أبا ذر يقعد في مسجد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، و يجتمع إليه النّاس فيحدّث بما فيه الطّعن عليه ،

و أنّه وقف بباب المسجد فقال : أيّها النّاس من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني ، فأنا أبو ذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي إنّ اللَّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين . ذرّية بعضها من بعض و اللَّه سميع عليم ٢ . محمّد الصّفوة من نوح ، فالأوّل من إبراهيم و السلالة من

ــــــــــــــــ

( ١ ) غيبة النعماني : ٢٨ .

( ٢ ) آل عمران : ٣٣ ٣٤ .

٣٧٠

إسماعيل و العترة الهادية من محمّد ، إنّه شرف شريفهم ، و استحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسّماء المرفوعة ، أو كالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجرة الزيتونة أضاء زيتها ، و بورك زبدها ، و محمّد وارث علم آدم و ما فضّل به النّبيّون ، و عليّ بن أبي طالب وصيّ محمّد و وارث علمه . أيّتها الامّة المتحيرة بعد نبيّها ، أما لو قدّمتم من قدّم اللَّه ، و أخّرتم من أخّر اللَّه ، و أقررتم الولاية و الوراثة في أهل بيت نبيّكم ، لأكلتم من فوق رؤوسكم و من تحت أقدامكم ، و لما عال وليّ اللَّه ، و لا طاش سهم من فرائض اللَّه ، و لا اختلف اثنان في حكم اللَّه إلاّ وجدت علم ذلك عندهم من كتاب اللَّه و سنّة نبيّه . فأمّا إذا فعلتم ما فعلتم ، فذوقوا و بال أمركم و سيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ١ .

و روى ابن قتيبة في ( معارفه ) مسندا عن خش بن المعتمر قال : جئت و أبو ذر آخذ بحلقة باب الكعبة ، و هو يقول : أنا أبو ذر الغفاري ، من لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يقول : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ٢ .

« و أنّى » أي : و كيف .

« تؤفكون » أي : تخدعون بمتابعة الثلاثة و لم يكونوا يعرفوا شيئا من واضح الكتاب و السّنّة ، فضلا عن مشكلهما ، فلم يعرف أبو بكر معنى ( الأبّ ) لمّا سئل عنه مع أنّه فسّره القرآن .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : قال أبو بكر في احتضاره : ليتني كنت سألت

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧١ ، و الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء .

( ٢ ) رواه ابن قتيبة في المعارف : ٢٥٢ .

٣٧١

النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم عن ميراث بنت الأخ و العمّة ، فإنّ في نفسي من ذاك شيئا ١ .

و فيه : أنّ عمر قال في احتضاره لابنه لمّا آيسه الطبيب : ناولني الكتف فلو أراد اللَّه أن يمضي ما فيه ، أمضاه . فمحاه بيده ٢ .

و رووا عنه مائة قضية في ميراث الجدّ .

و أنّى يؤفكون و يتركون من علّمه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ألف باب من العلم يفتح من كلّ باب ألف باب ٣ ، و يتّبعون مثل اولئك ؟ . . . أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فمالكم كيف تحكمون ٤ .

و قد قال الصادق عليه السّلام لابن أبي ليلى : أتقضي بين الناس ؟ قال : نعم . قال :

بأيّ شي‏ء ؟ قال : بكتاب اللَّه . قال : فما لم تجد ؟ قال : بالسنّة ، فإذا لم أجد فبقول الصحابة . قال : فإذا اختلفوا فبقول من تأخذ ؟ قال : من أردت ، و اخالف الباقين .

قال : فهل تخالف عليّا عليه السّلام فيما بلغك أنّه قضى به ؟ قال : ربما خالفته إلى غيره منهم . قال : ما تقول يوم القيامة إذا قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : بلغ الرّجل عنّي قول فخالفه ؟

قال : أين خالفت قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ؟ قال : أما بلغك أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : أقضاكم عليّ ؟ قال : نعم . قال : فإذا خالفت قوله تخالف قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . فاصفر وجه ابن أبي ليلى و سكت ٥ .

« و الأعلام » أي : العلائم في خلفاء النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله .

« قائمة » في تنويه النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم بهم ، و التّنبيه عليهم .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٩ و غيره .

( ٢ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٢١ .

( ٣ ) حديث « الألف باب » أخرجه الجويني في الفرائد ١ : ١٠١ ح ٧٠ و جمع كثير آخر ، و قد مرّ تخريجه في العنوان ٥ من الفصل الثاني .

( ٤ ) يونس : ٣٥ .

( ٥ ) احتجاج الطبرسي : ٣٥٣ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٣٧٢

بل بشّر بهم الأوّلون كما بشّروا بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، قال السروي : روى الكلبي عن الشرقي بن القطامي عن تميم بن وعلة المرّي عن الجارود بن المنذر العبدي و كان نصرانيا فأسلم عام الحديبية ، فأنشأ يقول :

يا نبي الهدى أتتك رجال

قطعت فدفدا وافرت جبالا

جابت البيد و المهامه حتّى

غالها من طوي السّرى ما غالا

أخبر الأوّلون باسمك فينا

و بأسماء بعده تتتالى

فقال لهم النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم : أفيكم من يعرف قسّ بن ساعدة الأيادي ؟ فقال الجارود : كلّنا نعرفه ، غير أنّي من بينهم عارف بخبره واقف على أثره . فقال له سلمان : أخبرنا عنه . فقال : لقد شهدت قسّا و قد خرج من ناد من أندية أياد إلى ضحضح ذي قتاد ، و سمر و غياد ، و هو مشتمل بنجاد ، فوقف في اضحيان ليل كالشمس رافعا إلى السماء وجهه و إصبعه ، فدنوت منه ، فسمعته يقول : اللهمّ ربّ السماوات الأرفعة ، و الأرضين الممرعة ، بحقّ محمّد و ثلاثة محامد معه ،

و عليّين الأربعة ، و فاطمة و الحسنين الأبرعة ، و جعفر و موسى التّبعة ، سمّي الكليم الصّرعة ، اولئك النّقباء الشّفعة ، و الطريق المهيعة . راشة الأناجيل ،

و محاة الأضاليل ، و نقاة الأباطيل ، الصادقو القيل ، عدد نقباء بني إسرائيل ، فهم أوّل البداية ، و عليهم تقوم السّاعة ، و بهم تنال الشفاعة ، و لهم من اللَّه فرض الطاعة ، اسقنا غيثا مغيثا . ثمّ قال : ياليتني مدركهم بعد لأي من عمري و محياي . ثمّ أنشأ يقول :

أقسم قسّ قسما

ليس به مكتتما

لو عاش ألفي سنة

لم يلق منها سأما

حتى يلاقي أحمدا

و النّجباء الحكما

هم أوصياء أحمد

أفضل من تحت السما

يعمى الأنام عنهم

و هم ضياء للعمى

٣٧٣

لست بناس ذكرهم

حتّى أحل الرّجما

ثمّ قال الجارود : أنبئني يا رسول اللَّه بخبر هذه الأسماء ، لم نشهدها ،

و أشهدنا قسّا ذكرها . فقال : يا جارود ليلة اسري بي إلى السماء أوحى اللَّه عزّ و جلّ إليّ أن سل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا ؟ قلت : علام بعثوا ؟ قال : على نبوّتّك ، و ولاية عليّ بن أبي طالب و الأئمة منكما ، ثمّ عرفني اللَّه تعالى بهم و بأسمائهم ثمّ ذكر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أسماءهم واحدا واحدا إلى المهديّ عليه السّلام و قال : قال لي الرّب تبارك و تعالى : هؤلاء أوليائي ، و هذا المنتقم من أعدائي يعني المهدي عليه السّلام ١ .

قوله في الخبر : « و الحسنين » بلفظ الجمع لا التثنية ، المراد : السّبطان مع الحسن العسكري عليهم السّلام ، و المراد بثلاثة محامد في الخبر : الباقر ، و الجواد ،

و المهدي عليهم السّلام ، و المراد بعليين الأربعة : أمير المؤمنين ، و السّجاد ، و الرّضا ،

و الهادي عليهم السّلام ، و قوله في الخبر : « و جعفر إلى الصّرعة » و يكون التّبعة إشارة إلى كثرة أتباع جعفر ، لأنّهم كانوا يقولون للشّيعة الجعفرية ، و يكون ( الصّرعة ) إشارة إلى حبس هارون للكاظم ، حتّى قتله في الحبس بعد مدّة .

و قال السّروي أيضا : قال الزهري : قال لي عبد الملك بن مروان : وجد وكيلي في مدينة الصّفر التي بناها سليمان بن داود ، على سورها ، أبياتا منها :

هذا مقاليد أهل الأرض قاطبة

و الأوصياء له أهل المقاليد

هم الخلائف اثنا عشرة حججا

من بعده الأوصياء السّادة الصّيد

حتى يقوم بأمر اللَّه قائمهم

من السّماء اذا ما باسمه نودي ٢

« و الآيات » أي : العلامات الّتي عيّنها اللَّه تعالى لعباده .

ــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٨٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٢٨٨ .

٣٧٤

« واضحة » ليس بها خفاء .

« و المنار » في ( الصحاح ) : المنار : علم الطريق ١ .

« منصوبة » لكيلا تضلّوا ، قال سلمان الفارسي في خطبته كما روى ( رجال الكشي ) : فاذا رأيتم أيّها النّاس الفتن كقطع الليل المظلم ، يهلك فيها الراكب الموضع ، و الخطيب المصقع ، و الرأس المتبوع ، فعليكم بآل محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، فإنّهم القادة إلى الجنّة و الدّعاة إليها إلى يوم القيامة ، و عليكم بعليّ عليه السّلام ، فو اللَّه لقد سلّمنا عليه بالولاء مع نبيّنا صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم ، فما بال القوم أحسد ؟

فقد حسد قابيل هابيل ، أكفر ؟ فقد ارتدّ قوم موسى عن الأسباط ، و يوشع ،

و شمعون ، و ابني هارون شبر و شبير ، و السبعين الّذين اتّهموا موسى على قتل هارون ، فأخذتهم الرّجفة من بغيهم ، ثمّ بعث اللَّه أنبياء مرسلين و غير مرسلين ، فأمر هذه الامّة كأمر بني إسرائيل ، فأين يذهب بكم ؟ ما أنا و فلان و فلان ؟ ويحكم و اللَّه ما أدري أتجهلون أم تتجاهلون ؟ أنسيتم أم تتناسون ؟

أنزلوا آل محمّد منكم منزلة الرأي من الجسد ، بل منزلة العينين من الرأس ،

و اللَّه لترجعن كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسّيف ٢ .

« فأين يتاه بكم » أي : يتحيّر بكم حتّى تتركون أهل العصمة و تتبعون أهل الرّجس و الخباثة .

أيا أهل شرع اللَّه زالت حلومكم

أم اختدعت من قلّة الفهم و الأدب

صلاتكم مع من و حجّكم بمن

و غزوكم في من أجيبوا بلا كذب

صلاتكم و الحجّ و الغزو ويلكم

لشرّاب خمر عاكفين على الرّيب

« بل كيف تعمهون » أي : تتحيرون .

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٣٩ مادة ( نور ) .

( ٢ ) معرفة الرجال للكشي ( اختياره ) ٢٠ ح ٤٧ ضمن خطبة طويلة .

٣٧٥

« و بينكم عترة نبيّكم و هم أزمّة » جمع الزّمام .

« الحقّ و أعلام الدّين » أي : راياته ، أو جباله .

« و ألسنة الصّدق » في القول و الفعل ، قال ابن أبي الحديد : عترة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أهله الأدنون و نسله ، و ليس بصحيح قول من قال : إنّهم رهطه و إن بعدوا . و إنّما قال أبو بكر يوم السقيفة أو بعده : « نحن عترة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و بيضته التي فقئت عنه » على طريق المجاز ، لأنّهم بالنّسبة إلى الأنصار عترة له لا في الحقيقة ، ألا ترى أنّ العدناني يفاخر القحطاني ، فيقول : أنا ابن عمّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ؟ ليس يعني أنّه ابن عمّه على الحقيقة ، بل هو بالاضافة إلى القحطاني كان ابن عمّه ، و إنّما استعمل ذلك و نطق به مجازا ، فان قدر مقدر أنّه على طريق حذف المضافات ،

أي : ابن ابن عم أب الأب إلى عدد كثير في البنين و الآباء ، فكذلك أراد أبو بكر :

أنّهم عترة أجداده على طريق حذف المضاف ، و قد بيّن عترته صلّى اللَّه عليه و آله من هي ، لمّا قال : « إنّي تارك فيكم الثّقلين فقال عترتي أهل بيتي » . و بيّن في مقام آخر : من أهل بيته ، حيث طرح عليهم كساء و قال حين نزلت . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت . . . ١ : اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس ٢ .

قلت : و كما بيّن صلّى اللَّه عليه و آله عترته عند نزول الآية بيّن موضع الآية ، و إن مزجها معاند و هم بآيات الأزواج تلبيسا و تدليسا ، فكان صلّى اللَّه عليه و آله ستّة أشهر لمّا نزل :

و أمر أهلك بالصلاة . . . ٣ يأتي إلى باب عليّ و فاطمة عليهما السّلام و يقول : « الصلاة الصلاة إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٠ .

( ٣ ) طه : ١٣٢ .

( ٤ ) الاحزاب : ٣٣ .

٣٧٦

رواه الطبري في ( ذيله ) و الثعلبي ، في ( تفسيره ) عن أبي الحمراء عنه صلّى اللَّه عليه و آله ، و أخطب الخطباء عن أبي سعيد الخدري عنه صلّى اللَّه عليه و آله ، ( و سنن أبي داود ) ، و ( موطأ مالك ) عن أنس عنه صلّى اللَّه عليه و آله ١ .

فيفهم أن ترتيب القرآن كان هكذا : ( و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) إلى أن قال و كيف يصحّ أن يقول تعالى لأزواج النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم . . . كما أدرجوه فيها ؟

و روى ( الأغاني ) مسندا عن إبراهيم بن سعد الأسدي عن أبيه قال : رأيت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله في المنام ، فقال لي : أتعرف الكميت بن زيد الأسدي ؟ قلت : يا رسول اللَّه عمّي ، و من قبيلتي . قال : أتحفظ من شعره شيئا ؟ قلت : نعم . قال : أنشدني .

فأنشدته حتّى بلغت إلى قوله في قصيدة له :

فما لي إلاّ آل أحمد شيعة

و مالي إلاّ مشعب الحقّ مشعب

فقال لي النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : إذا أصبحت فاقرأ عليه السّلام ، و قل له : قد غفر اللَّه لك بهذه القصيدة ٢ .

و روى ( عيون ابن بابويه ) عن الرّيان بن الصّلت قال : حضر الرّضا عليه السّلام مجلس المأمون بمرو ، و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق و خراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ثمّ أورثنا

ــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٨٣ ، و تفسير الثعلبي عنه الطرائف ١ : ١٢٨ ح ١٩٨ و العمدة ١ : ٢١ و غيرهما عن أبي الحمراء ، و مناقب الخوارزمي : ٢٣ و غيره عن أبي سعيد ، و سنن الترمذي ٥ : ٣٥٢ ح ٣٢٠٦ ، و مسند أحمد ٣ : ٢٥٩ ، و الطرائف لابن طاووس ١ : ١٢٨ ح ١٩٩ ، و العمدة لابن البطريق ١ : ٢٣ عن سنن ابي داود و موطأ مالك عن أنس ، لكن لم يوجد هذا الحديث في الأصلين .

( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج ١٧ : ٢٦ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٧٧

الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا . . . ١ . فقالت العلماء : أراد عزّ و جلّ بذلك الامة كلّها . فقال المأمون للرّضا عليه السّلام : ما تقول أنت ؟ فقال : لا أقول كما قالوا ،

و لكنّي أقول : أراد العترة الطاهرة إلى أن قال فقال المأمون : من العترة الطاهرة ؟ فقال عليه السّلام : الّذين وصفهم اللَّه عزّ و جلّ في كتابه فقال : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، و هم الذين قال فيهم النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب اللَّه ، و عترتي أهل بيتي ، ألا إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ؟ أيّها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم » . فقالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة ،

أهم الآل أم غير الآل ؟ فقال : هم الآل . قالوا : فهذا النّبيّ يؤثر عنه أنّه قال : « امّتي آلي » و هؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه : « آل محمّد امّته » . فقال عليه السّلام : أخبروني ، هل تحرم الصدقة على الآل ؟ قالوا : نعم .

قال : فتحرم على الامة ؟ قالوا : لا . قال : فهذا فرق بين الآل و الامّة ، و يحكم أين يذهب عنكم أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون ؟ أما علمتم أنّه وقعت الوراثة و الطهارة على المصطفين المهتدين دون سايرهم ؟ قالوا : و من أين ؟ قال عليه السّلام : من قوله عزّ و جلّ : و لقد أرسلنا نوحا و إبراهيم و جعلنا في ذرّيتهما النّبوّة و الكتاب فمنهم مهتد و كثير منهم فاسقون ٣ . فصارت وراثة النّبوّة و الكتاب للمهتدين دون الفاسقين ٤ .

« فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن » ممّا نزل فيهم عليهم السّلام ، و في خبر الرّيان بن الصّلت المتقدّم : قال المأمون للرضا عليه السّلام : هل فضّل اللَّه العترة على ساير

ــــــــــــــــ

( ١ ) فاطر : ٣٢ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) الحديد : ٢٦ .

( ٤ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٧٩ ح ١ .

٣٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

النّاس في محكم كتابه ؟ فقال عليه السّلام : نعم . قال : أين ذلك ؟ قال : في قوله عزّ و جلّ :

إنّ اللَّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين . ذرّية بعضها من بعض . . . ١ . و قال عزّ و جلّ في موضع آخر : أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللَّه من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما ٢ ثمّ ردّ المخاطبة في أثر هذا الى ساير المؤمنين ، فقال : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه و أطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم . . . ٣ يعني الّذين قرنهم بالكتاب و الحكمة . و قالت العلماء : أخبرنا : هل فسّر اللَّه تعالى الاصطفاء للعترة ؟ فقال عليه السّلام : فسّره في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا . فأوّل ذلك : قوله عزّ و جلّ : « و أنذر عشيرتك الأقربين و رهطك منهم المخلصين » ٤ .

هكذا في قراءة ابي بن كعب و هي ثابتة في مصحف عبد اللَّه بن مسعود . و هذه منزلة رفيعة ، و فضل عظيم ، و شرف عال حين عنى اللَّه بذلك : إنذار الآل ، فذكره للنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، فهذه واحدة . و الآية الثانية : في الاصطفاء قوله عزّ و جلّ : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٥ و هذا هو الفضل الّذي لا يجهله أحد إلاّ معاند ضالّ ، لأنّه لا فضل بعد الطهارة ينتظر .

و أمّا الآية الثالثة : فحين ميّز اللَّه الطاهرين من خلقه ، فأمر نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله بالمباهلة بهم في آية الابتهال ، فقال عزّ من قائل : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٣٣ و ٣٤ .

( ٢ ) النساء : ٥٤ .

( ٣ ) النساء : ٥٩ .

( ٤ ) هذه قراءة أبي ابن كعب في الآية ٢١٤ من سورة الشعراء ، كما رواها الصدوق في عيون الاخبار ١ : ١٨١ عن الرضا عليه السّلام عن ابي ، و روى هذه القراءة عن ابن مسعود و الباقر عليه السّلام و الصادق عليه السّلام و عمرو ابن مرّة و غيرهم .

( ٥ ) الأحزاب : ٣٣ .

٣٧٩

و أنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللَّه على الكاذبين ١ . فأبرز النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام ، و قرن أنفسهم بنفسه ، فهل تدرون ما معنى قوله : و أنفسنا و أنفسكم ؟ قالوا : عنى به نفسه . قال : غلطتم ، إنّما عنى بها عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ، و ممّا يدلّ على ذلك قول النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : « لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ عليهم رجلا كنفسي » يعني عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ، و عنى بالأبناء الحسن و الحسين عليهما السّلام ، و عنى بالنّساء فاطمة عليها السّلام . فهذه خصوصية لا يتقدّمهم فيها أحد و فضل لا يلحقهم فيه بشر ، و شرف لا يسبقهم إليه خلق ،

إذ جعل نفس عليّ كنفسه ، فهذه الثالثة .

و أمّا الرابعة : فإخراجه النّاس من مسجده ما خلا العترة ، حتّى تكلّم النّاس في ذلك ، و تكلّم العبّاس . فقال : يا رسول اللَّه تركت عليّا و أخرجتنا ؟ فقال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : ما أنا تركته و أخرجتكم ، و لكنّ اللَّه تركه و أخرجكم . و في هذا تبيان قوله صلّى اللَّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » . قالوا : و أين هذا من القرآن ؟ قال : قوله عزّ و جلّ : و أوحينا إلى موسى و أخيه أن تبوّء القومكما بمصر بيوتا و اجعلوا بيوتكم قبلة . . . ٢ . ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى ، و فيها أيضا منزلة عليّ عليه السّلام من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و مع هذا دليل ظاهر في قوله صلّى اللَّه عليه و آله : « ألا إنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلاّ لمحمّد و آله » . فقالوا : يا أبا الحسن هذا الشرح ، و هذا البيان لا يوجد إلاّ عندكم معشر أهل البيت . قال : و من ينكر لنا ذلك ، و النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : « أنا مدينة العلم و عليّ بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » . ففي ما أوضحنا و شرحنا من الفضل و الشرف و التقدمة و الاصطفاء و الطهارة ما لا ينكره إلاّ معاند .

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٦١ .

( ٢ ) يونس : ٨٧ .

٣٨٠