آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام0%

آداب الاسرة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 142

آداب الاسرة في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 142
المشاهدات: 54808
تحميل: 6598

توضيحات:

آداب الاسرة في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54808 / تحميل: 6598
الحجم الحجم الحجم
آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

آداب الأُسرة في الإسلام

مركز الرسالة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المركز

الحمد لله الواحد الأحد، الذي تطمئن القلوب بذِكره، والصلاة والسلام على أبي القاسم محمد أشرف أنبياء الله ورسله، وعلى آله المنتجبينَ أُولي الألباب والنُهى، وعِدل الكتاب المطهّرين بمحكمه وكفى.

تبرز أهمية الحديث عن الأُسرة اليوم، في خِضم الصراع الحضاري والثقافي، الدائر بين الإسلام كدين ونظام للحياة والمجتمع، وبين الأنظمة المادية، سواء في الشرق أو الغرب، التي جعلت تفكيك الأُسرة، أو تهميش الروابط الأُسريّة، جزءً لا يتجزّأ من صياغاتها النظرية وبرامجها العملية، مع ما تمتلكه هذه الأنظمة المادية اليوم من عناصر قوة، تمكّنها من الاختراق الثقافي للمجتمعات الإسلامية، التي افتقدت منذ زمن عنصر المبادرة، بل افتقدت إلى حدٍ كبير القدرة على التحصّن الثقافي ضد أي غزو أو اختراق من هذا النوع.

وإذا كان الإسلام يتمتع بقدراته الذاتية الفائقة، بما يتوفّر عليه من نظم شاملة ومتماسكة، فإنّ المسلمين بحاجة دائماً إلى مزيد من الوعي، الذي يرتفع بمعارفهم الإسلامية إلى مستوى الثقافة العملية المعاشة في الواقع؛ من أجل تقليل الفجوة بين واقعهم العملي، وبين ما يستندون إليه من رصيد عقيدي وفكري، أثبتت وتثبت تجارب الأُمم أنّه الرصيد الأكمل والأعظم، شمولاً وعمقاً وتماسكاً، من أي رصيد آخر تستند إليه أُمّة من أُمم الأرض.

فها نحن نشهد في عصرنا الحديث، صرخات الكثير من المفكرين، وعلماء الاجتماع الغربيين، وهي تتوجّع من نظام تفكيك الأُسرة، ومخلّفاته السيّئة على الفرد والمجتمع، مشفوعةً بإحصاءات علمية تؤكّد دعواهم المستمرة إلى

٥

المحافظة على نظام الأُسرة وصيانة كيانها، بل قد ذاق المجتمع الغربي نفسه مرارة واقعه الأُسري المفكّك، فظهرت جمعيات خاصة لمقاومة اتجاه النساء إلى العمل خارج المنزل، وأخرى تدعو إلى العودة إلى الأديان السماوية وتعاليمها في شأن الأُسرة.. فيما خصّصت إحدى الحكومات الاسكندنافية أخيراً، مكافئات مالية مغرية للآباء أيام الإجازات؛ ترغيباً لهم في أن يقضوا أوقاتاً أطول مع أبنائهم.

ولكن مهما بلغت هذه الصرخات من قوة وقدرة على التأثير، فإنّها ستبقى معالجات سطحية إذا ما قورنت بالنظام الأُسري في الإسلام، الذي تتوزّع أركانه على المجتمع والأُسرة والفرد؛ ليضمن تحقيق الاستعداد التام لتكوين الأُسرة السليمة، منذ مقدماتها الأُولى، متابعاً مراحل نشأتها وتكوينها ونموها، في ما هو أُسري بحت، وفي ما يتجاوز إطار الأُسرة إلى المجتمع. الأمر الذي يتطلب تحقيق المستوى الأفضل من الوعي، برسالة هذا النظام، والمعرفة بتفاصيله، التي تنتظم في نسق متكامل، لا يستغني فيه بعضها عن بعض.

من أجل ذلك كلّه تتبنّى سلسلة (المعارف الإسلامية)، التي يصدرها مركز الرسالة هذا الكتاب الذي يذهب بالقارئ، إلى أَوّليات ما عني به الإسلام من آداب الأُسرة، وما وضعه من فقه خاص بها، آملين تحقيق النفع المطلوب والفائدة المرجوة.

والله من وراء القصد

مركز الرسالة

٦

المقدِّمة

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الرسل والأنبياء، محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبهم المنتجبين.

وبعد: الأُسرة هي اللبنة الأُولى لتكوين المجتمع، وهي نقطة الانطلاق في إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، ونقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع، ومراحل سيره الايجابية والسلبية؛ ولهذا أبدى الإسلام عنايةً خاصة بالأُسرة، فوضع لها آداباً وفقهاً متكاملاً شاملاً لجميع جوانبها النفسية والسلوكية.

وآداب الأُسرة، أو قل فقه الأُسرة لم ينشأ من فراغ، ولا يبحث في فراغ، وإنّما هو فقه واقعي، يراعي الطبيعة البشرية بما فيها الفوارق الجسدية والنفسية بين الجنسين، ويراعي الحاجات الفطرية، فلا يبدّلها ولا يعطّلها ولا يحمّلها ما لا تطيق، وهو يتمثّل بالدقة في تناول كل خالجة نفسية، وكل موقف، وكل حركة سلوكية، ويجعل العلاقات في داخل الأُسرة علاقات سكنٍ للروح وطمأنينةٍ للقلب وراحةٍ للجسد، علاقات ستر وإحصان، ويهذّب النفس للحيلولة دون استسلامها للأهواء والشهوات المتقلّبة، ويحرّرها من نزعات المطامع والرغبات الزائلة.

إنّها الآداب المستمدة من النصوص القرآنية، والحديث الشريف، والتي

٧

تواكب جميع المراحل التي تمرُّ بها الأُسرة قبل تشكيلها وبعده، فتضع لكلِّ مرحلة قواعدها الكلية والجزئية الشاملة لجوانب النفس، وجوانب الحوادث والمواقف، فتحدّد العلاقات بين الجنسين قبل الزواج وبعده، وقبل توسّع الأُسرة بالإنجاب وبعده، وتحدّد العلاقات داخل الأُسرة، على ضوء المرسوم من الحقوق والواجبات القائمة، على التكافل والتراحم، والتناصح والسماحة والمودة والإحسان، وترسم للأُسرة طريقها في التعامل الاجتماعي؛ من أجل التكاتف والتآزر في بناء وإصلاح كيانها، والكيان الاجتماعي الكبير.

وبالتالي فهي ترفد الأُسرة بمنهج حياة واقعي، يتتبع أهميتها، وخصوصياتها، وآمالها، وآلامها، وعلاقاتها، واضعةً الحلول اللازمة؛ وقايةً وعلاجاً للخلافات المتأصّلة أو الطارئة.

وفي بحثنا هذا نتابع آداب الأُسرة في جميع مراحلها، على فصول: نتناول في الفصل الأَوّل: مقدمات تشكيل الأُسرة، واختيار شريك الحياة المناسب، وفي الفصل الثاني: الأحكام العملية لبناء الأُسرة، ابتداءً بالعقد، وانتهاءً بالولادة والحضانة، وفي الفصل الثالث: الحقوق الأُسريّة، وفي الفصل الرابع: الخلافات الزوجية، وأسلوب معالجتها إيجاباً وسلباً، وفي الفصل الخامس: علاقات الأُسرة بالمجتمع ابتداءً بالأرحام، ومروراً بالجيران، وانتهاءً بالمجتمع الكبير، وأخيراً نتناول في الفصل السادس: أحكام عامّة للعلاقة بين الجنسين، وأحكام العلاقة بين المحارم وغيرهم، وسنقوم بمتابعة النصوص القرآنية، والروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن أهل بيته (عليهم السلام)، وآراء الفقهاء المتقدّمين بالدرجة الأُولى، وآراء بعض الفقهاء المتأخرين، وقد اخترنا الآراء التي لا خلاف فيها، من خلال

٨

متابعة آراء أكبر عدد من الفقهاء المشهورين، متقدّمين كانوا أم متأخرين، واخترنا في الهامش المصدر الأوضح في الدلالة، والصياغة، العلمية، والأدبية، وهو ليس ترجيحاً لرأي على آخر، وإنّما ترجيح لمصدر على آخر، وملاك الترجيح، هو سهولة الأسلوب، وملاءمته لجميع المستويات الثقافية، متجنبّين استخدام العبارات الغامضة.

ومنه تعالى نستمد العون والتسديد

٩

١٠

الفصل الأَوّل

مقدمات تشكيل الأُسرة

معنى الأُسرة:

الأُسرة لغةً:

أُسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون؛ لأنّه يتقوّى بهم (1) .

والأُسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته (2) .

والأُسرة: أهل الرجل وعشيرته، والجماعة يربطها أمر مشترك (3) .

والأُسرة: أهل بيت الإنسان وعشيرته، وأصل الأُسرة الدرع الحصينة، وأُطلقت على أهل بيت الرجل؛ لأنّه يتقوّى بهم (4) .

____________________

(1) لسان العرب / ابن منظور 4: 20، مادة أسر، نشر أدب الحوزة، قم 1405 هـ.

(2) لسان العرب 4: 20.

(3) المعجم الوجيز، لمجمع اللغة العربية: 16، دار الثقافة، قم 1411 هـ.

(4) دائرة معارف القرن العشرين / محمد فريد وجدي 1: 277، دار المعرفة، بيروت.

١١

الأُسرة اصطلاحاً:

هي رابطة الزواج التي تصحبها ذُرّية (1) .

وهي: رابطة اجتماعية تتكوّن من زوج وزوجة وأطفالهما، وتشمل الجدود والأحفاد وبعض الأقارب، على أن يكونوا في معيشة واحدة (2) .

استحباب النكاح وأهميته:

النكاح هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل الأُسرة، وهو الارتباط المشروع بين الرجل والمرأة، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشري من الانقراض، وهو باب التواصل وسبب الأُلفة والمحبة، والمعونة على العفّة والفضيلة، فبه يتحصّن الجنسان من جميع ألوان الاضطراب النفسي، والانحراف الجنسي؛ ومن هنا كان استحبابه استحباباً مؤكدّاً، قال تعالى: ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (3) .

ووردت روايات عديدة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته (عليهم السلام)، تؤكّد هذا الاستحباب، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (تزوّجوا فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: مَن أحبَّ أن يتّبع سُنتي فإنَّ من سنتي التزويج) (4) .

وللزواج تأثيرات إيجابية على الرجل والمرأة، وعلى المجتمع، فهو الوسيلة للإنجاب وتكثير النسل، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (تناكحوا تكثّروا، فإنّي

____________________

(1) علم الاجتماع / محمد عاطف: 92.

(2) الأُسرة والمجتمع / علي عبد الواحد وافي: 15.

(3) سورة النور: 24 / 32.

(4) الكافي 5: 329.

١٢

أُباهي بكم الأُمم، حتى بالسقط) (1) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً، لعلَّ الله أن يرزقه نَسمةً، تُثقل الأرض بلا إله إلاّ الله) (2) .

وهو ضمان لإحراز نصف الدين؛ لأنّه الحصن الواقي، من جميع ألوان الانحراف والاضطراب، العقلي، والنفسي، والعاطفي، فهو يقي الإنسان من الرذيلة والخطيئة، ويخلق أجواء الاستقرار في العقل والقلب والإرادة؛ لينطلق الإنسان متعالياً عن قيود الأهواء والشهوات، التي تكبّله وتشغله عن أداء دوره في الحياة، وفي ارتقائه الروحي وإسهامه في تحقيق الهدف الذي خُلق من أجله، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن تزوّج أحرز نصف دينه، فليتقِ اللهَ في النصف الباقي) (3) .

وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (ركعتان يصليهما المتزوج، أفضل من سبعين ركعةً يصليهما الأعزب) (4) .

وعليه فإنّ استحباب النكاح موضع اتفاق بين المسلمين (5) .

ولأهمية النكاح جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، في المرتبة الثانية من مراتب الفوائد المعنوية، حيث قال: (ما استفاد امرؤ مسلم فائدةً بعد الإسلام، أفضل من زوجة مسلمة، تُسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا

____________________

(1) كتاب السرائر 2: 518.

(2) مَن لا يحضره الفقيه 3: 382.

(3) مَن لا يحضره الفقيه 3: 383.

(4) تهذيب الأحكام 7: 239 / 1 كتاب النكاح باب 22.

(5) كتاب السرائر 2: 518. وجامع المقاصد 12: 8.

١٣

غاب عنها في نفسها وماله) (1) .

وهو باب من أبواب الرزق، بأسبابه الطبيعية المقرونة بالرعاية الإلهية، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اتخذوا الأهل، فإنّه أرزق لكم) (2) .

كراهية العزوبة:

حكم الإسلام بكراهية العزوبة؛ لأنّها تؤدي إلى خلق الاضطراب العقلي، والنفسي، والسلوكي، الناجم عن كبت الرغبات، وقمع المشاعر، وتعطيل الحاجات الأساسية في الإنسان، سيّما الحاجة إلى الإشباع العاطفي والجنسي، والعزوبة تعطيل لسُنة من سُنن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال: (من سُنتي التزويج، فمَن رغب عن سُنتي فليس مني) (3) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ أراذل موتاكم العزّاب) (4) ، وفي رواية: (شِرار موتاكم العزّاب) (5) .

وقد أثبت الواقع أنّ العزّاب أكثر عرضةً للانحراف من المتزوجين، فالمتزوج إضافةً إلى إشباع حاجاته الأساسية، فإنّ ارتباطه بزوجة وأُسرة، يقيّده بقيود تمنعه عن كثير من الممارسات السلبية؛ حفاظاً على سمعة أُسرته وسلامتها، ممّا يجعله أكثر صلاحاً وأداءً لمسؤوليته الفردية والاجتماعية.

____________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 240 / 4 كتاب النكاح باب 22.

(2) مَن لا يحضره الفقيه 3: 383.

(3) مستدرك الوسائل 14: 152.

(4) مَن لا يحضره الفقيه 3: 384.

(5) جامع المقاصد 12: 9. والمقنعة: 497.

١٤

وتزداد الكراهية حينما يعزب الإنسان عن الزواج مخافة الفقر، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (مَن ترك التزويج مخافة الفقر، فقد أساء الظنّ بالله عزَّ وجلَّ) (1) .

ومن الحلول الوقتية التي سنّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ للتخفيف من وطأة العزوبية، أن أمر الشباب أمراً إرشادياً بالالتجاء إلى الصوم، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباه فليتزوّج، ومَن لم يستطع فَليُدمِنِ الصوم، فإنّ الصوم له وِجاء) (2) .

هذا الحديث يجعل الزواج في مقابل الصوم، كأحد الوسائل الرادعة لجميع أسباب الانحراف، وتأثيراتها السلبية، فبالصوم يستطيع الشاب أن يهذّب غرائزه، ويخفّف من تأثيراتها السلبية، النفسية والعاطفية والسلوكية، دون قمع أو كبت، إضافةً إلى إدامة العلاقة مع الله تعالى، التي تمنعه من كثير من ألوان الانحراف والانزلاق النفسي والسلوكي، وبالزواج أيضاً يستطيع أن يحقّق عين الآثار المتمثّلة، بتهذيب السلوك، ومقاومة أسباب الانحراف.

استحباب السعي في النكاح:

حثّ الإسلام على السعي في النكاح، والمساهمة في الترويج له، وإقراره في الواقع بالجمع بين رجل وامرأة؛ لتكوين أُسرة مسلمة، فمَن يسعى فيه يعوّضه الله تعالى عن سعيه في الآخرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (... ومَن عمل في تزويج بين مؤمنَينِ، حتى يجمع بينهما، زوّجه الله عزَّ وجلَّ

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه 3: 385.

(2) المقنعة: 497.

١٥

ألف امرأةً من الحور العِين..) (1) .

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أربعة ينظر الله إليهم يوم القيامة: مَن أقال نادماً، أو أغاث لهفان، أو أعتق نَسمة، أو زوّج عَزَباً) (2) .

وقال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): (ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة، يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرّاً) (3) .

وجعله الإمام علي (عليه السلام) من أفضل الشفاعات فقال: (أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح، حتى يجمع الله بينهما) (4) .

والروايات المتقدمة تحثّ الناس إلى السعي، في الجمع بين الرجل والمرأة؛ لتكوين أُسرة مسلمة، فيستحب جميع ما يؤدي إلى ذلك، من السعي في الخطبة، أو بذل المال لتوفير مستلزمات الزواج، أو التشجيع عليه أو غير ذلك.

استحباب الدعاء للنكاح:

الدعاء بنفسه من العبادات المستحبة؛ لذا حثّ الإسلام عليه في سائر شؤون الإنسان، ومن بينها النكاح؛ لتكون جميع أعمال الإنسان متجهة إلى الله تعالى في سيرها، طلباً لمرضاته.

____________________

(1) وسائل الشيعة 20: 46.

(2) وسائل الشيعة 20: 46.

(3) وسائل الشيعة 20: 45.

(4) الكافي 5: 331.

١٦

وقد أكّدت الروايات على استحباب الدعاء لمَن أراد النكاح، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (فإذا همّ بذلك فليصلِّ ركعتين ويحمد الله، ويقول: اللهمّ إنّي أُريد أن أتزوج، اللهمّ فقدّر لي من النساء أعفهنَّ فرجاً، وأَحفظهنَّ لي في نفسها وفي مالي، وأَوسعهنَّ رزقاً، وأَعظمهنَّ بركةً، وقدّر لي منها ولداً طيباً، تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي) (1) .

والله تعالى يجيب الإنسان، إذا دعاه بقلب مخلص ونيّة صالحة، كما تضافرت على ذلك الآيات والروايات، وهو نِعمَ العون في اختيار صالح الأعمال لعبده المؤمن المخلص، وخصوصاً في مثل هذه القضية المهمة، التي تكون مقدمةً لسعادته في الدنيا والآخرة.

اختيار الزوجة:

العلاقة الزوجية ليست علاقةً طارئة، أو صداقة مرحليّة، وإنّما هي علاقة دائمة وشركة متواصلة؛ للقيام بأعباء الحياة المادية والروحية، وهي أساس تكوين الأُسرة، التي ترفد المجتمع بجيل المستقبل، وهي مفترق الطرق؛ لتحقيق السعادة، أو التعاسة للزوج وللزوجة، وللأبناء وللمجتمع؛ لذا فينبغي على الرجل أن يختار مَن يضمن له سعادته في الدنيا والآخرة.

عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ صاحبتي هلكت رحمها الله، وكانت لي موافقةً، وقد هممت أن أتزوج، فقال لي: (انظر أين تضع نفسك، ومَن تُشركه في مالك، وتُطلعه على دينك وسرّك، فإن كنت فاعلاً فبكراً، تُنسب إلى الخير وحسن الخلق، واعلم:

____________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 407.

١٧

أَلا إنّ النساءَ خُلقنَ شتّى

فمنهنَّ الغنيمة والغَرامُ

ومنهنَّ الهلال إذا تجلّى

لصاحبهِ ومنهنَّ الظَلامُ

فمَن يظفر بصالحهنَّ يسعد

ومَن يعثر فليس له انتقامُ) (1)

وراعى الإسلام في تعاليمه لاختيار الزوجة، الجانب الوراثي، والجانب الاجتماعي الذي عاشته، ومدى انعكاسه على سلوكها وسيرتها.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجيعَينِ) (2) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (تخيّروا لنطفكم، فإنّ العِرق دسّاس) (3) .

وروي أنّه جاء إليه رجل يستأمره في النكاح، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (نعم، انكح، وعليك بذوات الدِّين، تربت يداك) (4) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من سعادة المرء الزوجة الصالحة) (5) .

فيستحب اختيار المرأة المتديّنة، ذات الأصل الكريم، والجو الأُسري السليم (6) .

وبالإضافة إلى هذه الأُسس، فقد دعا الإسلام إلى اختيار المرأة التي

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه 3: 386، وتهذيب الأحكام 7: 401.

(2) تهذيب الأحكام 7: 402.

(3) المحجّة البيضاء، الفيض الكاشاني 3: 93، ط3، دار التعارف، 1401 هـ.

(4) تهذيب الأحكام 7: 401.

(5) الكافي 5: 327.

(6) انظر: الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290. والسرائر 2: 559. وجامع المقاصد 12: 11.

١٨

تتحلّى بصفات ذاتية من كونها، ودوداً ولوداً، طيبةَ الرائحة، وطيبةَ الكلام، موافقةً، عاملةً بالمعروف إنفاذاً وإمساكاً (1) .

وفضّل تقديم الولود على سائر الصفات الجمالية، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (تزوجوا بِكراً ولوداً، ولا تزوجوا حسناء جميلةً عاقراً، فإنّي أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة) (2) .

ولم يُلغِ ملاحظة بعض صفات الجمال؛ لإشباع حاجة الرجل في حبه للجمال، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا أراد أحدكم أن يتزوج، فليسأل عن شَعرها كما يسأل عن وجهها، فإنّ الشَعر أحد الجمالينِ) (3) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (تزوجوا الأبكار؛ فإنّهنّ أطيب شيء أفواهاً) (4) .

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفضل نساء أمّتي أصبحهنَّ وجهاً، وأقلهنَّ مهراً) (5) .

ويستحب أن تكون النية في الاختيار منصبّةُ على ذات الدِّين، فيكون اختيارها لدينها مقدّماً على اختيارها لمالها أو جمالها؛ لأنَّ الدِّين هو العون الحقيقي للإنسان، في حياته المادية، والروحية، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا تزوج الرجل المرأة لمالها أو جمالها، لم يرزق ذلك، فإن

____________________

(1) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290. ونحوه في: جواهر الكلام 29: 36 وما بعدها.

(2) الكافي 5: 333.

(3) مَن لا يحضره الفقيه 3: 388.

(4) الكافي 5: 334.

(5) تهذيب الأحكام 7: 404.

١٩

تزوجها لدينها، رزقه الله عزَّ وجلَّ جمالها ومالها) (1) .

ويكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة في محيط أُسري سيّئ، والسيئة الخلق، والعقيم، وغير السديدة الرأي، وغير العفيفة، وغير العاقلة، والمجنونة (2) ؛ لأنّها تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء والراحة، وتخلق الأجواء الممهّدة لانحراف الأطفال، عن طريق انتقال الصفات السيئة إليهم، ولقصورها عن التربية الصالحة.

عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً، فقال: أيُّها الناس إيّاكم وخضراء الدِّمَن. قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدِّمَن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء) (3) .

وحذّر الإسلام من تزوّج المرأة المشهورة بالزنا، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تتزوجوا المرأة المستعلِنة بالزنا) (4) ؛ وذلك لأنّها تخلق في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح، إضافةً إلى فقدان الثقة في العلاقات بينها وبين زوجها المتديّن، إضافةً إلى انعكاسات أنظار المجتمع السلبية اتجاه مثل هذه الأُسرة.

وكما نصح بتجنّب الزواج من الحمقاء؛ لإمكانية انتقال هذه الصفة إلى الأطفال، ولعدم قدرتها على التربية، وعلى الانسجام مع الزوج، وبناء الأُسرة الهادئة والسعيدة، قال الإمام علي (عليه السلام): (إيّاكم وتزويج الحمقاء؛

____________________

(1) مَن لا يحضره الفقيه 3: 393.

(2) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290.

(3) تهذيب الأحكام 7: 403. وجواهر الكلام 29: 37.

(4) مكارم الأخلاق، الطبرسي: 305، منشورات الشريف الرضي، قم 1410 هـ.

٢٠