آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام0%

آداب الاسرة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 142

آداب الاسرة في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 142
المشاهدات: 54869
تحميل: 6616

توضيحات:

آداب الاسرة في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54869 / تحميل: 6616
الحجم الحجم الحجم
آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل الخامس

الأُسرة والمجتمع

الأسرة هي اللبنة الأُولى لتكوين المجتمع، وهي الخلية التي تقوم بتنشئة العنصر الإنساني، وتشكيل دعائم البناء الاجتماعي، وهي نقطة البدء المؤثرة في جميع مرافق المجتمع، وفي جميع مراحل حياته إيجاباً وسلباً، ولهذا أبدى الإسلام عنايةً خاصة بالأُسرة، فوضع القواعد الأساسية في تنظيمها وضبط شؤونها، من حيث علاقات أفرادها في داخلها، وعلاقاتهم مع المجتمع الكبير الذي يعيشون فيه.

وقد عني الفصل السابق بموضوع العلاقات بين أفراد الأُسرة الواحدة، فيما يختص هذا الفصل ببحث علاقات الأُسرة بالمجتمع الذي تبحث فيه.

وقد تطرّقنا إلى هذه المواضيع؛ لابتلاء غالب الأُسر بأحكامٍ من هذا القبيل، ولأنّ الأُسرة وحدة اجتماعية لا تنفصل عن المجتمع بشكل أو بآخر.

١٠١

وعلى هذا الصعيد تتصدر في المنهاج الإسلامي ثلاثة عناوين بارزة، وهي: صلة الأرحام، وحقوق الجيران، وحقوق المجتمع.

أَوّلاً: صلة الأرحام

من السُنن الإلهية المودعة في فطرة الإنسان، هي الارتباط الروحي والعاطفي بأرحامه وأقاربه، وهي سُنّة ثابتة يكاد يتساوى فيها أبناء البشر، فالحب المودع في القلب هو العُلقة الروحية المهيمنة على علاقات الإنسان بأقاربه، وهو قد يتفاوت تبعاً للقرب والبعد النسبي إلاّ أنّه لا يتخلّف بالكلية.

ولقد راعى الإسلام هذه الرابطة، ودعا إلى تعميقها في الواقع، وتحويلها إلى مَعلَم منظور، وظاهرة واقعية تترجم فيه الرابطة الروحية إلى حركة سلوكية وعمل ميداني.

فانظر كيف قرنَ تعالى بين التقوى وصلة الأرحام، فقال: ( ... وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (1) .

وذكر صلة القربى في سياق أوامره بالعدل والإحسان، فقال: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (2) .

وبالإضافة إلى الصلة الروحية دعا إلى الصلة المادية، وجعلها مصداقاً للبرّ، فقال تعالى: ( ... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ... وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى

____________________

(1) سورة النساء: 4 / 1.

(2) سورة النحل: 16 / 90.

١٠٢

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (1) .

وجعل قطيعة الرحم سبباً للعنة الإلهية فقال: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (2) .

صلة الأرحام في الأحاديث الشريفة:

لقد دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل البيت (عليهم السلام)، إلى صلة الأرحام في جميع الأحوال، وأن تُقابل القطيعة بالصلة؛ حفاظاً على الأواصر والعلاقات، وترسيخاً لمبادئ الحب والتعاون والوِئام.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الرحِم معلّقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل مَن الذي إذا انقطعت رحِمه وصلها) (3) .

وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أصل رحمي وإن أدبَرَت (4) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (صلوا أرحامكم وإن قطعوكم) (5) .

____________________

(1) سورة البقرة: 2 / 177.

(2) سورة محمد: 47 / 22 - 23.

(3) جامع الأخبار / السبزواري: 287 - مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) - قم - 1414 هـ ط1.

(4) الخصال / الصدوق 2: 345 / 12 - جماعة المدرّسين - قم - 1403 هـ.

(5) بحار الأنوار 74: 92.

١٠٣

وممّا جاء في فضل صلة الأرحام في الحديث الشريف، أنّها خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة، وأنّها أعجل الخير ثواباً، وأنها أحبّ الخُطى التي تقرّب العبد إلى الله زلفى، وتزيد في إيمانه.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أَلا أدلّكم على خير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ مَن عفا عمَّن ظلمه، ووصل مَن قطعه، وأعطى مَن حرمه) (1) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أعجل الخير ثواباً صلة الرحِم، وأسرع الشر عقاباً البغي) (2) .

وقال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (ما من خطوة أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في سبيل الله، وخطوة إلى ذي رحِم قاطع) (3) .

وقال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): (صلة الأرحام وحُسن الخُلق زيادة في الإيمان) (4) .

ولقد رتّب الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) حقوق الأرحام تبعاً لدرجات القُرب النسبي، فيجب صلة الأقرب فالأقرب، فقال: (وحقوق رحِمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحِم في القرابة، فأوجبها عليك حقّ أُمّك، ثمّ حقّ أبيك، ثمّ حقّ وَلدك، ثمّ حقّ أخيك، ثمّ الأقرب فالأقرب، والأَوّل

____________________

(1) جامع الأخبار: 287.

(2) جامع الأخبار: 290.

(3) الخصال 1: 50 / 60.

(4) جامع الأخبار: 290.

١٠٤

فالأَوّل) (1) .

وتتجلّى مظاهر الصلة بالاحترام والتقدير، والزيارات المستمرة، وتفقّد أوضاعهم الروحية والمادية، وتوفير مستلزمات العيش الكريم لهم، وكفّ الأذى عنهم.

ولقد دعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، إلى تفقّد أحوال الأرحام المادية وإشباعها، فقال: (أَلا لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ، يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ، وَلا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ، وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ، وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ) (2) .

وأدنى الصلة هي الصلة بالسلام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (صلوا أرحامكم ولو بالسلام) (3) .

وأدنى الصلة المادية هي الإسقاء، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (صلْ رحِمك ولو بشربة ماء...) (4) .

ومن مصاديق صلة الأرحام كفّ الأذى عنهم، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (عظّموا كباركم، وصلوا أرحامكم، وليس تصلونهم بشيء أفضل من كفّ الأذى عنهم) (5) .

____________________

(1) تحف العقول: 183.

(2) نهج البلاغة: 65، الخطبة: 23، تحقيق صبحي الصالح.

(3) تحف العقول: 40.

(4) بحار الأنوار 74: 88.

(5) الكافي 2: 165.

١٠٥

قطيعة الأرحام في الأحاديث الشريفة:

الإسلام دين التآزر والتعاون والوئام؛ لذا حرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلى التقاطع والتدابر؛ لأنّها تؤدي إلى تفكيك أواصر المجتمع، وخلخلة صفوفه، فحرّم قطيعة الرحم، وجعلها موجبةً لدخول النار، والحرمان من الجنّة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، ومدمن سحر، وقاطع رحِم) (1) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (اثنان لا ينظر الله إليهما يوم القيامة: قاطع رحِم، وجار السوء) (2) .

وقطيعة الرحِم موجبة للحرمان من البركات الإلهية، كنزول الملائكة وقبول الأعمال.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحِم) (3) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ عشية خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحِم) (4) .

وقطيعة الرحِم من الذنوب التي تعجّل الفناء، قال الإمام الصادق (عليه السلام):

____________________

(1) الخصال 1: 179 / 243.

(2) كنز العمال 3: 367 / 6975.

(3) كنز العمال 3: 367 / 6974.

(4) كنز العمال 3: 370 / 6991.

١٠٦

(الذنوب التي تعجّل الفناء قطيعة الرحِم) (1) .

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتخوّف على المسلمين من قطيعتهم لأرحامهم، وكان يقول: (إنّي أخاف عليكم استخفافاً بالدِّين، ومنع الحكم، وقطيعة الرحِم، وأن تتّخذوا القرآن مزامير، تقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدِّين) (2) .

ومقابلة القطيعة بالقطيعة ظاهرة سلبية في العلاقات، وهي موجبة لعدم رضا الله تعالى عن الجميع، ففي رواية أنّ رجلاً أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليَّ، وقطيعةً لي، وشتيمةً، فأرفضهم؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذن يرفضكم الله جميعاً) قال: كيف أصنع؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (تصل مَن قطعك، وتعطي مَن حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك، كان لك من الله عليهم ظهير) (3) .

الآثار الروحية والمادية لصلة الأرحام وقطيعتها:

لصلة الأرحام آثار ايجابية في الحياة الإنسانية بجميع مقوماتها، الروحية، والخُلقية، والمادية، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): (صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتنمّي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الأجل) (4) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (صلة الأرحام تُحسّن الخُلق، وتسمّح

____________________

(1) بحار الأنوار 74: 94.

(2) عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق 2: 42.

(3) الكافي 2: 150.

(4) الكافي 2: 150.

١٠٧

الكف، وتطيّب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسئ في الأجل) (1) .

وصلة الرحم تزيد في العمر، وقد دلّت الروايات على ذلك، وأثبتت التجارب الاجتماعية ذلك من خلال دراسة الواقع، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صلة الرحم، حتى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولاً للرحم، فيزيد الله في عمره ثلاثين سَنةً فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سَنةً، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سَنةً، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه الله ثلاثين سَنةً، ويجعل أجله إلى ثلاث سنين) (2) .

والواصل لأرحامه يكون محل احترام وتقدير من قِبلهم، ومن قبل المجتمع، وهو أقدر من غيره على التعايش مع سائر الناس؛ لقدرته على إقامة العلاقات الحسنة، ويمكنه أن يؤدي دوره الاجتماعي على أحسن وجه، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء مسؤوليته في البناء المدني والحضاري باعتباره عنصر مرغوب فيه، وبعكسه القاطع لرحمه، فإنّه يفقد تأثيره في المجتمع؛ لعدم الوثوق بنواياه وممارساته العملية.

ثانياً: حقوق الجيران

لرابطة الجوار دور كبير في حركة المجتمع التكاملية، فهي تأتي في المرتبة الثانية من بعد رابطة الأرحام؛ إذ للجوار تأثير متبادل على سير الأُسرة، فهو المحيط الاجتماعي المصغّر الذي تعيش فيه الأُسرة،

____________________

(1) الكافي 2: 151.

(2) الكافي 2: 152 - 153.

١٠٨

وتنعكس عليها مظاهره وممارساته التربوية والسلوكية، ولهذا نجد أنّ المنهج الإسلامي أبدى فيه عنايةً خاصة، فقد قرن القرآن الكريم عبادة الله تعالى، والإحسان إلى الوالدين، والأرحام، بالإحسان إلى الجار كما في قوله تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ.... ) (1) .

فقد رسم القرآن الكريم منهجاً موضوعياً في العلاقات الاجتماعية، يجمعه الإحسان إلى أفراد المجتمع وخصوصاً المرتبطين برابطة الجوار.

وحق الجوار لا يُنظر فيه إلى الانتماء العقائدي والمذهبي، بل هو شامل لمطلق الإنسان مسلماً كان أم غير مسلم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الجيران ثلاثة: فمنهم مَن له ثلاثة حقوق: حق الجِوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، ومنهم مَن له حقّان: حق الإسلام، وحق الجِوار، ومنهم مَن له حق واحد: الكافر له حق الجِوار) (2) .

الوصايا الشريفة:

أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته بمراعاة حق الجِوار، والسعي إلى تحقيقه في الواقع، وركّز على ذلك باعتباره من وصايا الله تعالى له، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (مازال جبرئيل (عليه السلام) يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه) (3) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (والله الله في جيرانكم، فإنّهم وصية نبيكم،

____________________

(1) سورة النساء: 4 / 36.

(2) جامع السعادات / النراقي 2: 267.

(3) بحار الأنوار 74: 94.

١٠٩

مازال يوصي بهم حتى ظنّنا أنّه سيورّثهم) (1) .

وقد كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً، بين المهاجرين والأنصار، ومَن لحق بهم من أهل المدينة: (إنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أُمّه) (2) .

وقد جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إكرام الجار من علامات الإيمان فقال: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) (3) .

واستعاذ (صلى الله عليه وآله وسلم) من جار السوء، الذي أطبقت الأنانية على مشاعره ومواقفه فقال: (أعوذ بالله من جار السوء في دار إقامة، تراك عيناه ويرعاك قلبه، إن رآك بخير ساءه، وإن رآك بشر سرّه) (4) .

حُسن الجِوار:

إنّ حُسن الجِوار من الأوامر الإلهية، كما قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (عليكم بحُسن الجِوار، فإنّ الله عزَّ وجلَّ أمر بذلك) (5) .

وحُسن الجِوار ليس كفّ الأذى فحسب، وإنّما هو الصبر على الأذى من أجل إدامة العلاقات، وعدم حدوث القطيعة، قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): (ليس حُسن الجِوار كفّ الأذى، ولكن حُسن الجِوار الصبر

____________________

(1) نهج البلاغة: 422، كتاب: 47.

(2) الكافي 2: 666.

(3) المحجّة البيضاء 3: 422.

(4) الكافي 2: 669.

(5) بحار الأنوار 74: 150.

١١٠

على الأذى) (1) .

ودعا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تفقّد أحوال الجيران، وتفقّد حاجاتهم، فقال: (ما آمن بي مَن بات شبعان وجاره جائع) (2) .

وحثّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) على حُسن الجِوار؛ لِما فيه من تأثيرات إيجابية واقعية تعود بالنفع على المحسن لجاره، فقال: (حُسن الجِوار يعمّر الديار، ويزيد في الأعمار) (3) .

وقد أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) وسلمان وأبا ذر والمقداد، أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنّه (لا إيمان لمَن لم يأمن جاره بوائقه) ، فنادوا بها ثلاثاً، ثمّ أومأ بيده إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله (4) .

والاعتداء على الجار موجب للحرمان من الجنة، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (مَن كان مؤذياً لجاره من غير حقّ، حرمه الله ريح الجنة، ومأواه النار، أَلا وإنّ الله عزَّ وجلَّ يسأل الرجل عن حق جاره، ومَن ضيّع حق جاره فليس منّا) (5) .

ومَن يطّلع على بيت جاره، ويطلب عوراته يُحشر مع المنافقين يوم القيامة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومّن اطّلع في بيت جاره فنظر إلى عورة

____________________

(1) تحف العقول: 306.

(2) جامع السعادات 2: 268.

(3) الكافي 2: 667.

(4) الكافي 2: 666.

(5) بحار الأنوار 76: 362.

١١١

رجل، أو شَعر امرأة، أو شيء من جسدها، كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين، الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، ويبدي عورته للناس في الآخرة) (1) .

ويحرم الاعتداء على ممتلكات الجار، ومَن اعتدى فالنار مصيره، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومَن خان جاره شبراً من الأرض، طوّقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين ناراً، حتى يدخله نار جهنّم) (2) .

وأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتكافل الاجتماعي، والنظر إلى حوائج الجار، والعمل على إشباعها، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ومَن منع الماعون من جاره إذا احتاج إليه، منعه الله فضله يوم القيامة، ووكله إلى نفسه، ومَن وكله الله إلى نفسه هلك، ولا يقبل الله عزَّ وجلَّ له عذراً) (3) .

حق الجار في رسالة الحقوق:

وضع الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في رسالة الحقوق منهجاً شاملاً للتعامل مع الجيران، متكاملاً في أُسسه وقواعده، مؤكّداً فيه على تعميق أواصر الأخوة، مجسداً فيه السير طبقاً لمكارم الأخلاق التي بُعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل إتمامها، فقال (عليه السلام): (وأمّا حق الجار فحفظه غائباً، وكرامته شاهداً، ونصرته ومعونته في الحالين معاً، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلّف، كنت لِما علمت حصناً حصيناً وستراً ستيراً، لو بحثت الأسنة عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه.

____________________

(1) بحار الأنوار 76: 361.

(2) بحار الأنوار 76: 361.

(3) بحار الأنوار 76: 363.

١١٢

لا تستمع عليه من حيث لا يعلم، لا تُسلِمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة.

تقبل عثرته، وتغفر زلته، ولا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلماً له ترد عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النميمة، وتعاشره معاشرةً كريمة، ولا قوة إلاّ بالله) (1) .

ثالثاً: حقوق المجتمع

الإسلام ليس منهج اعتقاد وإيمان وشعور في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانية واقعية، يتحول فيها الاعتقاد والإيمان إلى ممارسة سلوكية في جميع جوانب الحياة؛ لتقوم العلاقات على التراحم والتكافل والتناصح، فتكون الأمانة والسماحة والمودة والإحسان والعدل والنخوة، هي القاعدة الأساسية التي تنبثق منها العلاقات الاجتماعية.

وقد جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، يمارس دوره الاجتماعي البنّاء من موقعه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) (2) .

ودعا (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الاهتمام بأمور المسلمين، ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال: (مَن أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) (3) .

____________________

(1) تحف العقول: 191.

(2) جامع الأخبار: 327.

(3) الكافي 2: 163.

١١٣

ودعا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الالتصاق والاندكاك بجماعة المسلمين فقال: (مَن فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع رِبقة الإسلام من عنقه) (1) .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى والسهر) (2) .

وأمر الإمام الصادق (عليه السلام) بالتواصل، والتراحم، والتعاطف بين المسلمين، وذلك هو أساس العلاقات بينهم، فقال: (تواصلوا وتباروا وتراحموا وتعاطفوا) (3) .

ودعا الإمام علي (عليه السلام) إلى استخدام الأساليب المؤدّية إلى الأُلفة والمحبة، ونبذ الأساليب المؤدّية إلى التقاطع والتباغض، فقال: (لا تَغضبوا ولا تُغضبوا افشوا السلام وأطيبوا الكلام) (4) .

والأُسرة بجميع أفرادها مسؤولة عن تعميق، أواصر الود، والمحبة، والوِئام، مع المجتمع الذي تعيش فيه، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالمداومة على حُسن الخُلق، والمعاشرة الحسنة، وممارسة أعمال الخير والصلاح، وتجنّب جميع ألوان الإساءة والاعتداء في القول والفعل.

ولذا وضع الإسلام منهاجاً متكاملاً في العلاقات، قائماً على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع، فرداً فرداً وجماعة جماعة، وتتمثّل هذه

____________________

(1) الكافي 1: 405.

(2) المحجّة البيضاء 3: 357.

(3) الكافي 5: 175.

(4) تحف العقول: 140.

١١٤

الحقوق العامّة في:

(حقّ الاعتقاد، وحقّ التفكير وإبداء الرأي، وحق الحياة، وحق الكرامة، وحق الأمن، وحق المساواة، وحق التملك) وتنطلق بقية الحقوق من هذه القواعد الكلية، لتكون مصداقاً لها في الواقع العملي.

والالتزام بالأوامر الإلهية كفيل بإحقاق حقوق المجتمع، ومن الأوامر الإلهية الجامعة لجميع الحقوق قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (1) .

فالتقيّد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان من التقصير في حقوق المجتمع، ويدفعه للعمل الجاد الدؤوب لتحقيق حقوق الآخرين، وأداء مسؤوليته على أحسن وجه أراده الله تعالى منه.

حقوق المجتمع في القرآن الكريم:

القرآن الكريم دستور البشرية الخالد، يمتاز بالشمول والإحاطة الكاملة بجميع شؤون الحياة، وقد وضع أُسساً عامة في علاقة الفرد بالمجتمع، ووضع لكلِّ طرف حقوقه وواجباته؛ للنهوض من أجل إتمام مكارم الأخلاق، وإشاعة الود والحب والوئام في ربوع المجتمع الإنساني، وفيما يلي نستعرض جملةً من حقوق المجتمع على الفرد والأُسرة، الخلية الاجتماعية الأُولى، وأهم تلك الحقوق هو التعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان قال تعالى: ( وَتَعَاونوا على البرِّ

____________________

(1) سورة النحل: 16 / 90.

١١٥

والتَقوى ولا تَعاونُوا على الإثمِ والعُدوانِ ) (1) .

وأمر القرآن الكريم بالإحسان إلى أفراد المجتمع: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.... ) (2) .

وأقرّ القرآن حق النصرة: ( وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ... ) (3) .

وأمر بالاعتصام بحبل الله وعدم التفرّق: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ) (4) .

وأمر بالسعي للإصلاح بين المؤمنين: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (5) .

وأمر بالعفو والمسامحة: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) (6) .

وأمر بالوفاء بالعقود: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (7) .

____________________

(1) سورة المائدة: 5 / 2.

(2) سورة النساء: 4 / 36.

(3) سورة الأنفال: 8 / 72.

(4) سورة آل عمران: 3 / 103.

(5) سورة الحجرات: 49 / 10.

(6) سورة الأعراف: 7 / 199.

(7) سورة المائدة: 5 / 1.

١١٦

وأمر بأداء الأمانة: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) (1) .

وأمر بأداء حق الفقراء والمساكين وابن السبيل، وعدم تبديد الثروة بالتبذير والإسراف: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) (2) .

وقال أيضاً: ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) (3) .

ومن أجل إشاعة مكارم الأخلاق، والسير على النهج القويم، أمر القرآن بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر: ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (4) .

ومن حقوق المجتمع على الفرد، أن يقوم بواجب الإصلاح والتغيير؛ للحفاظ على سلامة المجتمع من الانحراف العقائدي، والاجتماعي، والأخلاقي، وأن يقابل الإساءة والمصائب التي تواجهه بصبر وثبات، فمن وصية لقمان لابنه: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) (5) .

ونهى القرآن الكريم عن الاعتداء على الآخرين، بالظلم والقتل، وغصب الأموال والممتلكات، والاعتداء على الأعراض: ( ولا تَعتدُوا إنَّ

____________________

(1) سورة النساء: 4 / 58.

(2) سورة الإسراء: 17 / 26.

(3) سورة الذاريات: 51 / 19.

(4) سورة العصر: 103 / 3.

(5) سورة لقمان: 31 / 17.

١١٧

اللهَ لا يُحبُّ المُعتَدينَ ) (1) .

وحرّم الدخول إلى بيوت الآخرين دون إذن منهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ) (2) .

ونهى عن بخس الناس حقوقهم: ( وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ) (3) .

وحرّم التعامل الجاف مع الآخرين: ( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا... ) (4) .

وحرّم جميع الممارسات التي تؤدي إلى قطع الأواصر الاجتماعية، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ... ) (5) .

وحرّم الظن الآثم، والتجسس على الناس، واغتيابهم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ) (6) .

وحرّم إشاعة الفاحشة في المجتمع الإسلامي: ( إنَّ الذينَ يُحبُّونَ أنْ

____________________

(1) سورة البقرة: 2 / 190.

(2) سورة النور: 24 / 27.

(3) سورة هود: 11 / 85.

(4) سورة لقمان: 31 / 18.

(5) سورة الحجرات: 49 / 11.

(6) سورة الحجرات: 49 / 12.

١١٨

تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الذينَ آمنُوا لَهُم عذابٌ أليمٌ... ) (1) .

وحرّم ارتكاب الفواحش الظاهرية والباطنية: ( وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) (2) .

وهكذا يوفّر القرآن في هذه اللائحة الطويلة والعريضة، ما يضمن توفير الحصانة للمجتمع البشري، وهو يضع النظام الدقيق والشامل، من أحكام وقيم أخلاقية؛ ليكون الأمان، والتآلف، والتعايش، والتكافل، معالم أصيلة في الحياة الاجتماعية.

ثمّ تأتي السُنّة الشريفة متمّمة لهذا المنهاج ومفصّلة له:

حقوق المجتمع في الأحاديث الشريفة:

أكدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته (عليهم السلام)، على التآزر والتعاون والتواصل والتحابب؛ ليكون الود والوئام والسلام، هو الحاكم في العلاقات الاجتماعية، بين الفرد والمجتمع، وبين الأفراد أنفسهم، فلا يطغى حق الفرد على حق المجتمع، ولا حق المجتمع على حق الفرد، ونهوا عن تبادل النظرة السلبية كحد أدنى في الحقوق المترتبة على الفرد اتجاه المجتمع، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يحل لمسلم أن ينظر إلى أخيه بنظرة تؤذيه) (3) .

وعدم جواز النظرة السلبية، يعني عدم جواز سائر مظاهر الأذى ومصاديقه، في القول، وفي الممارسة العملية، فلا تجوز الغيبة، ولا البهتان،

____________________

(1) سورة النور: 24 / 19.

(2) سورة الأنعام: 6 / 151.

(3) المحجّة البيضاء 3: 359.

١١٩

ولا الاعتداء على أموال الآخرين، وأعراضهم، وأرواحهم، بل يجب صيانة حرماتهم بجميع مظاهرها.

وحثّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مداراة الآخرين والرِفق بهم، والالتزام بهذه التوصيات من شأنه أن يؤدي إلى مراعاة جميع الحقوق الاجتماعية؛ لانبثاقها منها وتفرّعها عليها، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (مداراة الناس نصف الإيمان، والرِّفق بهم نصف العيش) (1) .

ومن أحب الأعمال إلى الله تعالى، والواقعة في أُفق مراعاة الحقوق الاجتماعية، هي إدخال السرور على المؤمنين، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ إدخال السرور على المؤمنين) (2) .

وإدخال السرور يتحقّق بإسماعهم الكلمة الطيبة، والقول الجميل، واحترامهم، والتعاون في حلِّ مشاكلهم، ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، وأفراحهم وأحزانهم، والدفاع عن أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، ورفع الأذى عنهم، ونصرتهم للقيام بمواجهة أعباء الحياة.

وحدّد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) سبعةً من الحقوق، تكون مصداقاً لإدخال السرور على المؤمنين من أفراد المجتمع الكبير، عن معلّى بن خنيس، عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال له: (سبع حقوق واجبات ما منهنَّ حقّ إلاّ وهو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب...

____________________

(1) الكافي 2: 117.

(2) الكافي 2: 189.

١٢٠