عقائد الإمامية

عقائد الإمامية0%

عقائد الإمامية مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 176

عقائد الإمامية

مؤلف: العلامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 47643
تحميل: 4610

توضيحات:

عقائد الإمامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47643 / تحميل: 4610
الحجم الحجم الحجم
عقائد الإمامية

عقائد الإمامية

مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
العربية

٣٠ - عقيدتنا في عدد الاَئمّة

ونعتقد: أنّ الاَئمّة الذين لهم صفة الامامة الحقّة، هم مرجعنا في الاَحكام الشرعية، المنصوص عليهم بالامامة اثنا عشر إماماً، نصّ عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جميعاً بأسمائهم(١) ثمّ نصّ المتقدّم منهم على من بعده، على النحو الآتي:

____________________

(١) انظر إكمال الدين: ٢٥٠ - ٢٥٦ ح١ - ٤، عيون اخبار الرضاعليه‌السلام : ١/٤١ - ٥١ ح٢ - ١٦، امالي الطوسي: ١/٢٩١ ح٥٦٦/ ١٣، فرائد السمطين: ٢/١٣٢ ح٤٣١ و١٣٦ ح٤٣٥ و٣١٣ ح٥٦٤.

وقد ورد في روايات كثيرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نقلها المحدثون من أبناء العامة قال فيها النبي بأنّ الخلفاء من بعده اثنا عشر خليفة، وأنّهم كلهم من قريش. فمنها ما نقله جابر بن سمرة حيث قال: «كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول: بعدي اثنا عشر خليفة، ثم أخفى صوته، فقلت لاَبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: كلّهم من بني هاشم». وغير هذه الرواية الكثير الكثير.

انظر: مسند أحمد: ٥/٨٩ و٩٠ و٩٢، مستدرك الحاكم: ٤/٥٠١، مجمع الزوائد: ٥/١٩٠، كنز العمال: ٦/٢٠١ و٢٠٦، صحيح البخاري: ٩/١٠١، صحيح مسلم: ٢/١٩٢، تاريخ الخلفاء: ١٠، سنن الترمذي: ٢/٣٥، ينابيع المودة: ٤٤٤. وغيرها كثير.

١٠١

ت

الكنية

الاسم

اللقب

سنة الولادة

سنة الوفاة

١

أبوالحسن

علي بن أبي طالب

المرتضى

٢٣ق. ه

٤٠ ه

٢

أبو محمد

الحسن بن علي

الزكي

٢ ه

٥٠ ه

٣

أبو عبدالله

الحسين بن علي

سيد الشهداء

٣ ه

٦١ ه

٤

أبو محمد

علي بن الحسين

زين العابدين

٣٨ ه

٩٥ ه

٥

أبو جعفر

محمد بن علي

الباقر

٥٧ ه

١١٤ ه

٦

أبو عبدالله

جعفر بن محمد

الصادق

٨٣ ه

١٤٨ ه

٧

أبو ابراهيم

موسى بن جعفر

الكاظم

١٢٨ ه

١٨٣ ه

٨

أبو الحسن

علي بن موسى

الرضا

١٤٨ ه

٢٠٣ ه

٩

أبو جعفر

محمد بن علي

الجواد

١٩٥ ه

٢٢٠ ه

١٠

أبو الحسن

علي بن محمد

الهادي

٢١٢ ه

٢٥٤ه

١١

أبو محمد

الحسن بن علي

العسكري

٢٣٢ ه

٢٦٠ ه

١٢

أبو القاسم

محمد بن الحسن

المهدي

٢٥٦ ه

....

وهو الحجة في عصرنا، الغائب المنتظر، عجل الله فرجه، وسهل مخرجه؛ ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

١٠٢

٣١ - عقيدتنا في المهديّ

إنّ البشارة بظهور المهديّ من ولد فاطمة في آخر الزمان - ليملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً - ثابتة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتواتر، وسجَّلها المسلمون جميعاً فيما رووه من الحديث عنه على اختلاف مشاربهم(١) . وليست هي بالفكرة المستحدَثة عند الشيعة دفع إليها انتشار الظلم والجور، فحلموا بظهور من يطهِّر الاَرض من رجس الظلم، كما يريد أن يصوّرها بعض المغالطين غير المنصفين(٢) .

ولولا ثبوت فكرة المهدي عن النبي على وجه عرفها جميع المسلمين، وتشبَّعت في نفوسهم واعتقدوها لما كان يتمكّن مدّعو المهدية في القرون الاَولى - كالكيسانية(٣) والعباسيين، وجملة من العلويين وغيرهم - من خدعة الناس، واستغلال هذه العقيدة فيهم طلباً للملك والسلطان، فجعلوا

____________________

(١) انظر الغيبة للطوسي: ١٨٧/١٤٨، العمدة لابن البطريق: ٤٣٣ ح٩٠٩ و٤٣٦ ح٩٢٠. إثبات الهداة: ٣/٥٠٤ ح٣٠٣ - ٣٠٤، سنن أبي داود: ٤/١٠٧ ح٤٢٨٤، سنن ابن ماجه: ٢/١٣٦٨ ح٤٠٨٦، وكافة أحاديث الباب ٣٤ من كتاب الفتن، مستدرك الحاكم: ٤/٥٥٧، المعجم الكبير للطبراني: ٢٣/٢٦٧ ح٥٦٦، كفاية الطالب: ٤٨٦، كنز العمال: ١٤/٢٦٤ ح٣٨٦٦٢، سنن الترمذي: ٤/٥٠٥، البيان في اخبار صاحب الزمان: ٤٧٩، الحاوي للفتاوي: ٢/٥٨، البرهان في علامات المهديعليه‌السلام : ٩٤.

(٢) ولعل من هؤلاء المغالطين الدكتور رونلدسون الذي يقول: (إنّ من المحتمل جدّاً أنّ الفشل الظاهر الذي أصاب المملكة الاسلامية في توطيد أركان العدل والتساوي على زمن دولة الاَمويين - ٤١ إلى ١٣٢ ه- - كان من الاسباب لظهور فكرة المهدي آخر الزمان). راجع: عقيدة الشيعة: ٢٣١.

(٣) الكيسانية: فرقة أجتمعت على القول بإمامة محمد بن الحنفية. وقال بعضهم: إنّ محمد بن

=

١٠٣

ادعا هم المهدية الكاذبة طريقاً للتأثير على العامة، وبسط نفوذهم عليهم.

ونحن مع ايماننا بصحة الدين الاسلامي، وأنه خاتمة الأديان الإلهية، ولا نترقب ديناُ آخر لإصلاح البشر، ومع ما نشاهد من انتشار الظلم،

____________________

=

الحنفية هو الامام بعد أبيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ لاَنّ الامام علياًعليه‌السلام دفع إليه الراية يوم الجمل وقال له:

اطعنهم طعن أبيك تحمدِ

لا خير في الحرب إذا لم تزبد

وقال آخرون منهم: إنّ الامام بعد عليعليه‌السلام كان الحسن ثم الحسينعليهما‌السلام ثم صار هو الامام بعد ذهاب الحسينعليه‌السلام من المدينة إلى مكة قبل واقعة كربلاء.

وزعم قوم منهم بأنّ محمد بن الحنفية حي لم يمت وهو المهدي المنتظر وهذا هو ما أشار إليه المصنّف هنا.

وذهب آخرون إلى الاقرار بموته وأنّ الامام بعده علي بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام .

ومنهم من قال برجوع الامامة بعده إلى أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية، واختلف هؤلاء بالامامة بعده، فمنهم من نقلها إلى محمد بن علي بن عبدالله، ومنهم من زعم أنّ الامامة بعده صارت إلى بيان بن سمعان، وزعموا أنّ روح الله كانت في أبي هاشم ثمّ انتقلت إلى بيان هذا.

وقيل: إنّما سمّوا بالكيسانية لاَنّ المختار بن أبي عبيد الثقفي كان رئيسهم، وكان يلقب ب- «كيسان»؛ لاَنّ صاحب شرطته (أبو عمرة) كان اسمه كيسان وكان أفرط في الفعل والقول والقتل من المختار.

هذا على أنّ اعتقاد الامامية - وهو الرأي الراجح عندهم - أنّ المختار كان ذو عقيدة صحيحة، وكان يدعو إلى امامة الامام السجّاد علي بن الحسينعليه‌السلام ، وقد ورد مدحه على لسان الامام السجادعليه‌السلام ، وكذا ابنه الامام الباقرعليه‌السلام ، وكذا ولده الامام الصادقعليه‌السلام . كما وتواتر الثناء عليه والذب عنه عند علماء الشيعة ولم يغمزه إلاّ شذاذ منهم. وما نُبز به المختار من القذائف فهو مفتعل عليه وضعه أعداؤه تشويهاً لسمعته؛ لاَنّه هو الذي قام بأخذ الثأر للاِمام الحسينعليه‌السلام وقتل الذين قاموا بقتله هو وأهل بيته في واقعة كربلاء المفجعة، وقد قام علماء الامامية وغيرهم بتأليف كتب مخصوصة في حياة المختار وسيرته وأعماله. راجع: الملل والنحل: ١/١٣١، الفرق بين الفرق: ٣٨، فرق الشيعة: ٢٣.

١٠٤

واستشراء الفساد في العالم على وجه لا تجد للعدل والصلاح موضع قدم في الممالك المعمورة، ومع ما نرى من انكفاء المسلمين أنفسهم عن دينهم، وتعطيل أحكامه وقوانينه في جميع الممالك الاسلامية، وعدم التزامهم بواحد من الاَلف من أحكام الاسلام، نحن مع كل ذلك لا بدَّ أن ننتظر الفرج بعودة الدين الاسلامي إلى قوّته وتمكينه من إصلاح هذا العالم المنغمس بغطرسة الظلم والفساد.

ثمّ لا يمكن أن يعود الدين الاسلامي إلى قوَّته وسيطرته على البشر عامة(١) ، وهو على ما هو عليه اليوم وقبل اليوم من اختلاف معتنقيه في قوانينه وأحكامه وفي افكارهم عنه، وهم على ما هم عليه اليوم وقبل اليوم من البدع والتحريفات في قوانينه والضلالات في ادّعاءاتهم.

نعم، لا يمكن أن يعود الدين إلى قوّته إلاّ إذا ظهر على رأسه مصلح عظيم، يجمع الكلمة، ويرد عن الدين تحريف المبطلين، ويُبطل ما أُلصق به من البدع والضلالات بعناية ربّانية وبلطف إلهي؛ ليجعل منه شخصاً هادياً مهدياً، له هذه المنزلة العظمى، والرئاسةالعامّة، والقدرة الخارقة؛ ليملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

والخلاصة؛ أنّ طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم - مع الايمان بصحّة هذا الدين، وأنّه الخاتمة للاَديان - يقتضي انتظار هذا المصلح المهدي لانقاذ العالم ممّا هو فيه.

ولاَجل ذلك آمنت بهذا الانتظار جميع الفرق المسلمة، بل الاَمم من غير المسلمين، غير أنّ الفرق بين الاِمامية وغيرها هو أنّ الامامية تعتقد أنّ

____________________

(١) لكي يتحقق قوله تعالى - وقوله الحق - :( هُوَ الّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِره عَلَى الْدِّين كُلِّهِ ) التوبة ٩: ٣٣ والفتح ٤٨: ٢٨ والصف ٦١: ٩.

١٠٥

هذا المصلح المهدي هو شخص معيَّن معروف ولد سنة ٢٥٦ هجرية ولا يزال حياً؛ هو ابن الحسن العسكري واسمه (محمد)، وذلك بما ثبت عن النبي وآل البيت من الوعد به(١) ، وما تواتر عندنا من ولادته واحتجاجه.

ولا يجوز أن تنقطع الاِمامة وتحول في عصر من العصور(٢) وإن كان الامام مخفياً؛ ليظهر في اليوم الموعود به من الله تعالى، الذي هو من الاَسرار الاِلهية التي لا يعلم بها إلا هو تعالى.

ولا يخلو من أن تكون حياته وبقاؤه هذه المدّة الطويلة معجزة جعلها الله تعالى له، وليست هي بأعظم من معجزة أن يكون إماماً للخلق وهو ابن خمس سنين يوم رحل والده إلى الرفيق الاَعلى(٣) ، ولا هي باعظم من معجزة

____________________

(١) حيث تواترت الروايات والاَخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الاَئمةعليهم‌السلام بظهور المهدي من ولد فاطمة، وانه سيملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً كما مر سابقاً.

وقد ذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر ما نصه: (إنّ فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الاَفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الاَعظم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكّدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك، ولقد اُحصي أربعمائة حديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق إخواننا أهل السنة، كما اُحصي مجموع الاَخبار الواردة في الامام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية. هذا رقم احصائي كبير لا يتوفّر نظيره في كثير من قضايا الاسلام البديهية التي لا شك فيها لمسلم عادة). بحث حول المهدي: ٦٣.

(٢) لما مرّ سابقاً من أنّ الاَرض لا تخلو عن حجة.

(٣) فقد ورد في الروايات الكثيرة أنّ الامام العسكريعليه‌السلام توفّي في عام ٢٦٠، وكان عمر الامام المهدي عندها خمس سنين وقام بأعباء الامامة.

ويدلّ على ذلك ما ورد من رواية أبي الاَديان، الذي كان يخدم الامام العسكريعليه‌السلام فأرسله الامام عند مرضهعليه‌السلام لينقل بعض الكتب إلى المدائن، وقال له: إنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل في اليوم الخامس عشر إلى سر من رأى فتسمع

=

١٠٦

عيسى إذ كلَّم الناس في المهد صبياً، وبعث في الناس نبياً(١) .

وطول الحياة أكثر من العمر الطبيعي - أو الذي يتخيّل أنّه العمر الطبيعي - لا يمنع منها فن الطب ولا يحيلها، غير أنّ الطب بعد لم يتوصّل إلى ما يمكّنه من تعمير حياة الانسان، وإذا عجز عنه الطب فانّ الله تعالى قادر على كلّ شيء، وقد وقع فعلاً تعمير نوح(٢) ، وبقاء عيسى(٣) عليهما

____________________

=

الواعية. فسأله أبو الاَديان حينها عن الامام بعده فقالعليه‌السلام له إنّه الذي يطالبك بجواباتي ويصلي عليَّ ويخبرك بما في الهميان الذي معك. ثمّ تحقّق كل الذي قاله الامامعليه‌السلام ، ورجع أبو الاَديان فكان الذي طالبه بالجوابات هو الامام المهدي، وهو الذي صلّى على أبيهعليه‌السلام - بعد أن أبعد عمّه - ثم أخبر أبا الاديان بما في الهميان الذي معه، كما اخبر جماعة آخرين بما عندهم من أُمور لم يطّلع عليها أحد غيرهم. وكان عمره إذ ذاك خمس سنين.

راجع: إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢/ ٤٧٦، بحار الأنوار: ٥٠/ ٣٣٢ ح ٤. وراجع أيضاً: تاريخ الغيبة الصغرى: ٢٨٢ وما بعدها.

(١) اشارة إلى قوله تعالى في عيسى بن مريمعليه‌السلام وهو يحكي قصته، حيث قال بنو اسرائيل لمريم حين أتت به تحمله:( يَأُخْتَ هرونَ مَا كَانَ أَبوُكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغيِّاً* فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ في المْهدِ صَبِيّاً* قَالَ إِنَّي عَبْدُاللهِ ءاتانِي الكِتبَ وَجَعَلَنِي نَبيّاَ ) مريم ١٩: ٢٨ - ٣٠.

(٢) حيث قال تعالى في نوحعليه‌السلام :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلاّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الْطُّوفَانُ وَهُمْ ظَلِموُنَ ) العنكبوت ٢٩: ١٤. ومن الثابت أنّ هذه الفترة - الف سنة إلاّ خمسين عاماً - هي فقط فترة بقائه في قومه يعظهم، أما عمره فقد قيل: إنّه على أقل التقديرات ألف وستمائة سنة، وقيل أكثر.. إلى ثلاث آلاف سنة.

راجع: تفسير الكشاف: ٣/٢٠٠، تفسير ابن كثير: ٣/٤١٨، زاد المسير لابن الجوزي: ٦/٢٦١.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى:( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبوُهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الّذِينَ اخْتَلَفوُا فِيهِ لَفِي شَكٍ مِنْهُ مَا لَهُمْ بهِ مِنْ عِلْم إِلاّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَمَا قَتلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِليْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاَ حَكِيماً ) النساء ٤: ١٥٧ - ١٥٨. وهذا من الامور المسلّمة القطعية عند كافّة المسلمين؛ حيث أنّه لو تسرّب الشك إلى هذا الامر

=

١٠٧

السلام كما أخبر عنهما القرآن الكريم... ولو شك الشاك فيما أخبر به القرآن فعلى الاسلام السلام.

ومن العجب أن يتساءل المسلم عن إِمكان ذلك وهو يدّعي الايمان بالكتاب العزيز!!

وممّا يجدر أن نذكره في هذا الصدد، ونذكِّر أنفسنا به أنّه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ المهدي أن يقف المسلمون مكتوفي الاَيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والاَخذ بأحكامه، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بل المسلم أبداً مكلَّف بالعمل بما أُنزل من الاَحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما تمكَّن من ذلك وبلغت إليه قدرته «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته»(١) .

فلا يجوز له التأخّر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدي، والمبشّر الهادي؛ فإنّ هذا لا يسقط تكليفاً، ولا يؤجِّل عملاً، ولا يجعل الناسَ هملاً كالسوائم.

____________________

=

القرآني القطعي هذا يعني الشك بالقرآن بأجمعه( أَفَتُؤمِنُونَ بِبَعْضِ الكتَبِ وَتَكْفُرون ببعَضٍ ) البقرة ٢: ٨٥. وإلى هذا أشار المصنّف بقوله: (ولو شك الشاك فيما أخبر به القرآن فعلى الاسلام السلام). وعلى هذا الاساس فإنّ المسلم بعد أن آمن بكل هذا وسلّم به فلا موجب للعجب من إمكان بقاء الاِمام كل هذه المدة الزمنية وهذا العمر الطويل - الذي لا يخلو من كونه معجزة بأمر الله تعالى - الذي منحه الله تعالى للامام ليدخره إلى اليوم الموعود.

(١) انظر: جامع الاَحاديث للقمي: ٢١، جامع الاَخبار: ٣٢٧ ح٩١٩، صحيح البخاري: ٢/٦ و٣/١٩٦، مسند احمد: ٢/٥، سنن البيهقي: ٦/٢٨٧، عوالي اللآلي: ١/١٢٩ ح٣ و٣٦٤ ح٥١.

١٠٨

٣٢ - عقيدتنا في الرجعة

إنّ الذي تذهب إليه الامامية - أخذاً بما جاء عن آل البيتعليهم‌السلام - أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الاَموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فريقاً ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام(١) .

ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الايمان، أو مَن بلغ الغاية من الفساد، ثمّ يصيرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يستحقّونه من الثواب أو العقاب، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتَجَعينَ - الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله - أن يخرجوا ثالثاً لعلّهم يصلحون:( قَالوا رَبَّنا أَمتَّنا اثَنَتينِ وَأحيَيتَنَا اثنَتَيِن فَاعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُرُوجٍ مِن سَبيلٍ ) (٢) .

نعم، قد جاء القرآن الكريم بوقوع الرجعة إلى الدنيا، وتظافرت بها الاَخبار عن بيت العصمة، والاِمامية بأجمعها عليه إلاّ قليلون منهم تأوَّلوا ما ورد في الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة والأمر والنهي إلى آل البيت بظهور الامام المنتظر، من دون رجوع أعيان الاَشخاص وإحياء الموتى(٣) .

____________________

(١) اُنظر: بحار الاَنوار: ٥٣/٣٩ - ١٤٣ باب الرجعة.

(٢) الغافر٤٠: ١١.

(٣) وللمزيد من الاطّلاع والتوضيح راجع كتاب حق اليقين في معرفة اصول الدين/ الجزء الثاني. فقد ذكر فيه الآيات والروايات الدالّة على الرجعة، والآراء فيها، وهل تتم الرجعة لجميع الناس أم لمن محض الايمان محضاً ومن محض الكفر محضاً. وغيره من المصادر والكتب.

١٠٩

والقول بالرجعة يعد عند أهل السنَّة من المستنكرات التي يستقبح الاعتقاد بها، وكان المؤلِّفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها، ويبدو أنّهم يعدّونها بمنزلة الكفر والشرك بل أشنع، فكان هذا الاعتقاد من أكبر ما تُنبز به الشيعة الامامية، ويشنَّع به عليهم.

ولا شكّ في أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتّخذها الطوائف الاسلامية - فيما غبر - ذريعة لطعن بعضها في بعض، والدعاية ضده. ولا نرى في الواقع ما يبرّر هذا التهويل؛ لاَنّ الاعتقاد بالرجعة لا يخدش في عقيدة التوحيد، ولا في عقيدة النبوّة، بل يؤكد صحّةالعقيدتين؛ إذ الرجعة دليل القدرة البالغة لله تعالى كالبعث والنشر، وهي من الاَُمور الخارقة للعادة التي تصلح أن تكون معجزة لنبينا محمد وآل بيته صلى الله عليه وعليهم، وهي عيناً معجزة إحياء الموتى التي كانت للمسيحعليه‌السلام ، بل أبلغ هنا؛ لاَنها بعد أن يصبح الاَموات رميماً( قَالَ مَنْ يُحيي العِظمَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُل يُحييهَا الَّذِي أَنشأَهَا أَوَّلَ مَرةٍ وَهُو بِكُلِّ خَلقٍ عَليِمٌ ) (١) .

وأمّا من طعن في الرجعة باعتبار أنّها من التناسخ الباطل، فلاَنّه لم يفرّق بين معنى التناسخ وبين المعاد الجسماني، والرجعة من نوع المعاد الجسماني؛ فإنّ معنى التناسخ هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الاَول، وليس كذلك معنى المعاد الجسماني؛ فإنّ معناه رجوع نفس البدن الاَول بمشخّصاته النفسية، فكذلك الرجعة.

وإذا كانت الرجعة تناسخاً فإنّ إحياء الموتى على يد عيسى عليه

____________________

(١) يس ٣٦: ٧٨ - ٧٩.

١١٠

السلام كان تناسخاً، وإذا كانت الرجعة تناسخاً كان البعث والمعاد الجسماني تناسخاً.

إِذن، لم يبق إلاّ أن يُناقش في الرجعة من جهتين:

الاَولى: أنّه مستحيلة الوقوع.

الثانية: كذب الاَحاديث الواردة فيها.

وعلى تقدير صحة المناقشتين، فانّه لا يعتبر الاعتقاد بها بهذه الدرجة من الشناعة التي هوَّلها خصوم الشيعة.

وكم من معتقدات لباقي طوائف المسلمين هي من الاَمور المستحيلة، أو التي لم يثبت فيها نص صحيح، ولكنّها لم توجب تكفيراً وخروجاً عن الاسلام، ولذلك أمثلة كثيرة، منها: الاعتقاد بجواز سهو النبي أو عصيانه(١) ، ومنها الاعتقاد بقدم القرآن(٢) ، ومنها: القول بالوعيد(٣) ، ومنها: الاعتقاد بأنّ النبي لم ينص على خليفة من بعده.

على أنّ هاتين المناقشتين لا أساس لهما من الصحّة؛ أمّا أنّ الرجعة مستحيلة فقد قلنا إنّها من نوع البعث والمعاد الجسماني، غير أنّها بعث موقوت في الدنيا، والدليل على إمكان البعث دليل على إمكانها، ولا سبب لاستغرابها إِلا أنّها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا، ولا نعرف

____________________

(١) راجع صحيح البخاري: ٢/٦٨، صحيح مسلم: ١/٣٩٩ ح٨٥ و٨٦ و٨٧ و٨٩، سنن الترمذي: ٢/٢٣٥ ح٣٩١ - ٣٩٥، سنن أبي داود: ١/٢٦٤ ح١٠٠٨ - ١٠٢٣.

(٢) راجع: شرح المقاصد: ٤/١٤٣ - ١٤٦، وفيه إشارة إلى قول الحنابلة والحشوية بقدم القرآن، بل قول بعضهم بأنّ الجلدة والغلاف أزليّان، وكذا الاشارة إلى مناظرة أبي حنيفة وأبي يوسف التي دامت ستة أشهر وأنتهت بالاتفاق بينهم على القول بأنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر.

(٣) راجع: شرح المقاصد: ٥/١٢٥، مذاهب الاسلاميين: ٦٢.

١١١

من أسبابها أو موانعها ما يقرِّبها إلى اعترافنا أو يبعدها، وخيال الانسان لا يسهل عليه أن يتقبَّل تصديق ما لم يألفه، وذلك كمن يستغرب البعث فيقول( مَن يُحييِ العظمَ وَهِيَّ رَمِيمٌ ) فيقال له:( يُحييهَا الّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرةٍ وَهُوَ بِكلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ ) (١) .

نعم، في مثل ذلك ممّا لا دليل عقلي لنا على نفيه أو إثباته، أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الاِلهي، وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الاَموات، كمعجزة عيسىعليه‌السلام في إحياء الموتى( وَأُبرئ الاَكمَهَ وَالاَبَرصَ وأُحيى المَوتَى بإذنِ اللهِ ) (٢) .

وكقوله تعالى( أَنَّى يُحيِي هَذِهِ اللهُ بَعدَ مَوتِها فأَمَاتَهُ اللهُ مائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعثَهُ ) (٣) .

والآية المتقدِّمة( قالُوا رَبَّنا أمتَّنا اثنتَينِ... ) (٤) ؛ فإنّه لا يستقيم معنى هذه الآية بغير الرجوع إلى الدنيا بعد الموت، وإِن تكلَّف بعض المفسِّرين في تأويلها بما لا يروي الغليل، ولا يحقّق معنى الآية(٥) .

وأمّا المناقشة الثانية - وهي دعوى أنّ الحديث فيها موضوع - فإنّه لا وجه لها؛ لاَنّ الرجعة من الامور الضرورية فيما جاء عن آل البيت من الاَخبار المتواترة.

____________________

(١) يس ٣٦: ٧٨ - ٧٩.

(٢) آل عمران ٣: ٤٩.

(٣) البقرة ٢: ٢٥٩.

(٤) غافر ٤٠: ١١.

(٥) راجع: مجمع البيان: ٤/٥١٦. فقد نقل قسماً من هذه التفسيرات التي أوردها بعض المفسرين لهذه الآية.

١١٢

وبعد هذا، أفلا تعجب من كتاب شهير يدَّعي المعرفة مثل أحمد أمين في كتابه «فجر الاسلام» إذ يقول: «فاليهودية ظهرت في التشيّع بالقول بالرجعة»!(١) فأنا أقول له على مدّعاه: فاليهودية أيضاً ظهرت في القرآن بالرجعة، كما تقدّم ذكر القرآن لها في الآيات المتقدّمة.

ونزيده فنقول: والحقيقة أنّه لا بدَّ أن تظهر اليهودية والنصرانية في كثير من المعتقدات والاَحكام الاسلامية؛ لاَنّ النبي الاَكرم جاء مصدِّقاً لما بين يديه من الشرائع السماوية(٢) ، وإن نسخ بعض أحكامها، فظهور اليهودية أو النصرانية في بعض المعتقدات الاسلامية ليس عيباً في الاسلام، على تقدير أنّ الرجعة من الآراء اليهودية كما يدّعيه هذا الكاتب.

وعلى كلّ حال، فالرجعة ليست من الاَصول التي يجب الاعتقاد بها والنظر فيها، وإنّما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيتعليهم‌السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب، وهي من الاَمور الغيبية التي أخبروا عنها، ولا يمتنع وقوعها.

____________________

(١) فجر الاِسلام: ص ٣٣. على أنّ أحمد أمين لم يقتصر في كتابه هذا على مقولته هذه، بل زاد فيها الكثير من الكلام الذي لا أساس له ولا مستند. ولمزيد من الاطّلاع راجع كتاب أصل الشيعة واصولها: ص ١٤٠ وفيه ذكر هذه المقالات وبعض من الرد المختصر عليها.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله :( نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَبَ بِالْحَقِّ مُصدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التّوْريةَ والاَنْجِيلَ ) آل عمران ٣: ٣. وغيرها من الآيات الكريمة الكثيرة الدالة على أنّ النبي الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن جاءا مصدقان لمن سبق من الاَنبياء وشرائعهم الحقّة، سوى ما ورد من الاحكام الناسخة التي كان يتدين بها أتباعهم قبل نزول الشريعة السمحة السهلة.

١١٣

٣٣ - عقيدتنا في التقيّة

روي عن صادق آل البيتعليه‌السلام في الاَثر الصحيح:

«التقيّة ديني ودين آبائي»(١) ، و«من لا تقيّة له لا دين له»(٢) .

وكذلك هي، لقد كانت شعاراً لآل البيتعليهم‌السلام ؛ دفعاً للضرر عنهم وعن أتباعهم، وحقناً لدمائهم، واستصلاحاً لحال المسلمين، وجمعاً لكلمتهم، ولمّاً لشعثهم(٣) .

وما زالت سمة تُعرف بها الاِمامية دون غيرها من الطوائف والاُمم، وكلّ انسان إذا أحسَّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أوالتظاهر به لا بدَّ أن يتكتَّم ويتّقي في مواضع الخطر، وهذا أمر تقضيه فطرة العقول.

____________________

(١) الكافي: ٢/١٧٤ ح١٢، مختصر بصائر الدرجات: ١٠١، المحاسن: ١/٣٩٧ ح٨٩٠.

(٢) الكافي: ٢/١٧٢ ح٢، الفقه المنسوب للامام الرضاعليه‌السلام : ٣٣٨.

(٣) التقية: هي كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا. وهي من الامور التي يشنّع بعض الناس ويزدري على الشيعة بقولهم بها؛ جهلاً منهم بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها، ولو تثبتوا في الاَمر وتريّثوا وصبروا وتبصّروا لعرفوا أنّ التقية لا تختص بالشيعة ولم ينفردوا بها، بل هي من ضروري العقل، وعليه جبلّة الطباع وغرائز البشر رائدها العلم، وقائدها العقل ولا تنفك عنهما قيد شعرة؛ إذ أنّ كل انسان مجبول على الدفاع عن نفسه والمحافظة على حياته.

راجع: تصحيح الاعتقاد من مصنفات الشيخ المفيد: ٥/١٣٧، أصل الشيعة وأصولها: ٣١٥، ولمزيد من الاطلاع راجع: واقع التقية عند المذاهب والفرق الاسلامية من غير الشيعة الامامية - للسيد ثامر العميدي، وفيه إيضاح على أنّ التقية والقول بها لا يختص فقط بالشيعة الامامية.

١١٤

ومن المعلوم أنّ الامامية وأئمّتهم لاقوا من ضروب المحن، وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أيّة طائفة أو أُمَّة أُخرى(١) فاضطرّوا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكاتمة المخالفين لهم، وترك مظاهرتهم، وستر اعتقاداتهم وأعمالهم المختصة بهم عنهم؛ لما كان يعقب ذلك من الضرر في الدين والدنيا. ولهذا السببُ امتازوا بالتقية وعُرفوا بها دون سواهم.

وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في ابوابها في كتب العلماء الفقهية.

وليست هي بواجبة على كلّ حال، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الاَحوال، كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للاسلام، وجهاد في سبيله؛ فإنّه عند ذلك يستهان بالاَموال، ولا تعزّ النفوس.

وقد تحرم التقيّة في الاَعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة(٢) ، أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم، أو إفشاء الظلم والجور فيهم.

وعلى كلّ حال، ليس معنى التقيّة عند الامامية أنّها تجعل منهم جمعية

____________________

(١) ولزيادة التوضيح والتعرف على ما أصاب الشيعة على مرّ العصور راجع كتاب: الشيعة والحاكمون. للشيخ محمد جواد مغنية، ففيه من الايضاح ما يمكن أن يصوّر الوضع المأساوي الذي عاشته الشيعة في فترات تأريخهم العصيبة.

(٢) حيث ورد عن الامام الباقرعليه‌السلام الحديث التالي:

عن محمد بن مسلم، عنهعليه‌السلام : «إنّما جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية».

وسائل الشيعة: ١١/٤٨٣ ح١.

١١٥

سرّية لغاية الهدم والتخريب، كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الاُمور على وجهها، ولا يكلِّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا(١) .

كما أنّه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سرّاً من الاَسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به، كيف وكتب الامامية ومؤلَّفاتهم فيما يخص الفقه والاَحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملاَت الخافقين، وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أيّة أُمَّة تدين بدينها؟!

بلى، إنّ عقيدتنا في التقيّة قد استغلّها من أراد التشنيع على الامامية، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم، وكأنّهم كان لا يشفى غليلهم إلاّ أن تقدَّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الاَمويين والعباسيين، بله العثمانيين.

وإذا كان طعن من اراد أن يطعن يستند إلى زعم عدم مشروعيتها من ناحية دينية، فإنّا نقول له:

أولاً: إنّنا متبعون لاَئمتناعليهم‌السلام ونحن نهتدي بهداهم، وهم أمرونا بها، وفرضوها علينا وقت الحاجة، وهي عندهم من الدين، وقد

____________________

(١) راجع الكوثري في تعليقه على كتاب الاسفراييني «التبصير في الدين»، فانه يذكر بأن الذين اتّخذوا التشيع ستاراً لتحقيق أغراضهم في تشويه معالم الاسلام: (اتّخذوا التلفّع بالتشيّع وسيلة لحشد حشود وتأليف جمعيات سرية وجعلوا التشيّع ستاراً لما يريدون أن يبثّوه بين الامة من الرذيلة!!).

الاسفراييني: التبصير في الدين: ١٨٥ - تعليق الكوثري.

وراجع أيضاً: نشأة الاَشعرية وتطورّها: ٨٧ - ٨٨.

١١٦

سمعت قول الصادقعليه‌السلام : «من لا تقيّة له لا دين له»(١) .

وثانياً: قد ورد تشريعها في نفس القرآن الكريم، ذلك قوله تعالى:( إلاَّ مَنْ أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئِنٌ بالاِيمن ) (٢) وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر الذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الاسلام(٣) .

وقوله تعالى:( إلاَّ أَنْ تَتَّقوُا مِنْهُم تُقةً ) (٤) .

وقوله تعالى:( وَقَالَ رَجُلٌ مؤُمِنٌ مِن ءَالِ فِرعَونَ يَكتُمُ إيمنَهُ ) (٥) .

____________________

(١) تقدم في صفحة ١١٧، فراجع.

(٢) النحل ١٦: ١٠٦.

(٣) راجع: التبيان في تفسير القرآن: ٦/٤٢٨، مجمع البيان في تفسير القرآن: ٣/٣٨٧، جامع البيان: ١٤/١٢٢، التفسير الكبير: ١٩/١٢٠، الكامل في التاريخ: ٢/٦٠.

(٤) آل عمران ٣: ٢٨.

(٥) غافر٤٠: ٢٨.

١١٧

الفصل الرابع

ما أدّب به آل البيت شيعتهم

تمهيد

عقيدتنا في الدعاء

أدعية الصحيفة السجّاديّة

عقيدتنا في زيارة القبور

عقيدتنا في معنى التشيّع عند آل البيتعليهم‌السلام

عقيدتنا في الجور والظلم

عقيدتنا في التعاون مع الظالمين

عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة

عقيدتنا الدعوة إلى الوحدة الاسلامية

عقيدتنا حق المسلم على المسلم

١١٨

تمهيد:

إنّ الاَئمّة من آل البيتعليهم‌السلام علموا من ذي قبل أنّ دولتهم لن تعود إليهم في حياتهم، وأنّهم وشيعتهم سيبقون تحت سلطان غيرهم ممّن يرى ضرورة مكافحتهم بجميع وسائل العنف والشدّة.

فكان من الطبيعي - من جهة - أن يتّخذوا التكّتم «التقيّة» ديناً وديدناً لهم ولاَتباعهم، ما دامت التقيّة تحقن من دمائهم، ولا تسيء إلى الآخرين ولا إلى الدين، ليستطيعوا البقاء في هذا الخضم العجّاج بالفتن، والثائر على آل البيت بالاِحن.

وكان من اللازم بمقتضى امامتهم - من جهة اُخرى - أن ينصرفوا إلى تلقين أتباعهم أحكام الشريعة الاسلامية، وإلى توجيههم توجيهاً دينيّاً صالحاً، وإلى أن يسلكوا بهم مسلكاً اجتماعياً مفيداً؛ ليكونوا مثال المسلم الصحيح العادل.

وطريقة آل البيت في التعليم لا تحيط بها هذه الرسالة، وكتب الحديث الضخمة متكفلة بما نشروه من تلك المعارف الدينية، غير أنّه لا بأس أن نشير هنا إلى بعض ما يشبه أن يدخل في باب العقائد فيما يتعلَّق بتأديبهم لشيعتهم بالآداب التي تسلك بهم المسلك الاجتماعي المفيد، وتقرِّبهم زلفى إلى الله تعالى، وتطهِّر صدورهم من درن الآثام والرذائل، وتجعل منهم عدولاً صادقين.

وقد تقدّم الكلام في التقيّة التي هي من تلك الآداب المفيدة اجتماعياً لهم، ونحن ذاكرون هنا بعض ما يعنُّ لنا من هذه الآداب.

١١٩

٣٤ - عقيدتنا في الدعاء

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السموات والاَرض»(١) وكذلك هو، أصبح من خصائص الشيعة التي امتازوا بها، وقد ألّفوا في فضله وآدابه، وفي الاَدعية المأثورة عن آل البيت ما يبلغ عشرات الكتب؛ من مطوّلة ومختصرة، وقد اُودع في هذه الكتب ما كان يهدف إليه النبي وآل بيته صلى الله عليهم وسلّم من الحث على الدعاء، والترغيب فيه، حتى جاء عنهم: «أفضل العبادة الدعاء»(٢) و«أحب الاَعمال إلى الله عزّ وجّل في الاَرض الدعاء»(٣) .

بل ورد عنهم: «إن الدعاء يردّ القضاء والبلاء»(٤) وأنّه «شفاء من كل داء»(٥) .

وقد ورد أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان رجلاً دعّاءً(٦) أي كثير الدعاء، وكذلك ينبغي أن يكون وهو سيِّد الموحِّدين، وإمام الالهيين.

وقد جاءت أدعيته كخطبه آية من آيات البلاغة العربية، كدعاء كميل ابن زياد المشهور(٧) ، وقد تضمَّنت من المعارف الالهية، والتوجيهات الدينية

____________________

(١) الكافي: ٢/٣٣٩ ح١.

(٢) الكافي: ٢/٣٣٨ضمن الحديث ١.

(٣) الكافي: ٢/٣٣٩ ح٨.

(٤) انظر: الكافي: ٢/٣٤١ ح١- ٨.

(٥) الكافي: ٢/٣٤١ ح١.

(٦) الكافي: ٢/٣٣٩ ذيل الحديث ٨.

(٧) أي الدعاء الذي علمه أمير المؤمنينعليه‌السلام لكميل بن زياد النخعيرحمه‌الله . وهو

=

١٢٠