عقائد الإمامية

عقائد الإمامية0%

عقائد الإمامية مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 176

عقائد الإمامية

مؤلف: العلامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 47566
تحميل: 4601

توضيحات:

عقائد الإمامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47566 / تحميل: 4601
الحجم الحجم الحجم
عقائد الإمامية

عقائد الإمامية

مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
العربية

٤٢ - عقيدتنا في حقِّ المسلم على المسلم

إنّ من أعظم وأجمل ما دعا إليه الدين الاسلامي هو التآخي بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم ومراتبهم ومنازلهم، كما أنّ من أوطأ وأخس ما صنعه المسلمون اليوم وقبل اليوم هو تسامحهم بالاَخذ بمقتضيات هذه الاَخوّة الاسلامية.

لاَنّ من أيسر مقتضياتها - كما سيجيء في كلمة الامام الصادقعليه‌السلام -: «أن يحب لاَخيه المسلم ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه».

أنعم النظر، وفكِّر في هذه الخصلة اليسيرة في نظر آل البيتعليهم‌السلام ، فستجد أنّها من أشق ما يفرض طلبه من المسلمين اليوم، وهم على مثل هذه الاَخلاق الموجودة عندهم البعيدة عن روحية الاسلام، فكِّر في هذه الخصلة لو قدِّر للمسلمين أن ينصفوا أنفسهم، ويعرفوا دينهم حقاً، ويأخذوا بها فقط أن يحب أحدهم لاَخيه ما يحب لنفسه، لما شاهدت من أحد ظلماً ولا اعتداء، ولا سرقة ولا كذباً، ولا غيبة ولا نميمة، ولا تهمة بسوء، ولا قدحاً بباطل، ولا إهانة ولا تجبُّراً.

بلى، إنّ المسلمين لو وقفوا لاِدراك أيسر خصال الاخوّة فيما بينهم، وعملوا بها، لارتفع الظلم والعدوان من الاَرض، ولرأيت البشر اخواناً على سرر متقابلين قد كملت لهم أعلى درجات السعادة الاجتماعية، ولتحقَّق حلم الفلاسفة الاَقدمين في المدينة الفاضلة، فما احتاجوا - حينما يتبادلون الحب والمودّة - إلى الحكومات والمحاكم، ولا إلى الشرطة والسجون، ولا إلى قانون للعقوبات، وأحكام للحدود والقصاص، ولما خضعوا لمستعمر،

١٦١

ولا خنعوا لجبّار، ولا استبدّ بهم الطغاة، ولتبدَّلت الاَرض غير الاَرض، وأصبحت جنة النعيم ودار السعادة.

أزيدك أنّ قانون المحبة لو ساد بين البشر - كما يريده الدين بتعاليم الاخوّة - لانمحت من قاموس لغاتنا كلمة العدل؛ بمعنى إنّا لم نعد نحتاج إلى العدل وقوانينه حتى نحتاج إلى استعمال كلمته، بل كفانا قانون الحب لنشر الخير والسلام، والسعادة والهناء؛ لاَنّ الانسان لا يحتاج إلى استعمال العدل ولا يطلبه القانون منه إلاّ إذا فقد الحب فيمن يجب أن يعدل معه، أمّا فيمن يبادله الحب - كالولد والاَخ - إنّما يحسن إليه، ويتنازل له عن جملة من رغباته فبدافع من الحب والرغبة عن طيب خاطر، لا بدافع العدل والمصلحة.

وسرُّ ذلك أنّ الانسان لا يحب إلاّ نفسه وما يلائم نفسه، ويستحيل أن يحب شيئاً أو شخصاً خارجاً عن ذاته إلاّ إذا ارتبط به وانطبعت في نفسه منه صورة ملائمة مرغوبة لديه.

كما يستحيل أن يضحّي بمحض اختياره له، في رغباته ومحبوباته لاَجل شخص آخر لا يحبه ولا يرغب فيه، إلاّ إذا تكوَّنت عنده عقيدة أقوى من رغباته، مثل عقيدة حسن العدل والاحسان، وحينئذ إذ يضحي باحدى رغباته إنّما يضحي لاَجل رغبة أُخرى أقوى كعقيدته بالعدل - إذا حصلت - التي تكون جزء من رغباته، بل جزء من نفسه.

وهذه العقيدة المثالية لاَجل أن تتكوَّن في نفس الانسان تتطلَّب منه أن يسمو بروحه على الاعتبارات المادية؛ ليدرك المثل الاَعلى في العدل والاحسان إلى الغير، وذلك بعد أن يعجز أن يكوِّن في نفسه شعور الاَخوّة الصادق والعطف بينه وبين أبناء نوعه.

فأوّل درجات المسلم التي يجب أن يتّصف بها أن يحصل عنده

١٦٢

الشعور بالاُخوة مع الآخرين، فإذا عجز عنها - وهو عاجز على الاَكثر؛ لغلبة رغباته الكثيرة وأنانيته - فعليه أن يكوِّن في نفسه عقيدة في العدل والاحسان اتباعاً للارشادات الاسلامية، فإذا عجز عن ذلك فلا يستحق ان يكون مسلماً إلاّ بالاسم، وخرج عن ولاية الله، ولم يكن لله فيه نصيب على حد التعبير الآتي للامام.

والانسان - على الاَكثر - تطغى عليه شهواته العارمة، فيكون من أشق ما يعانيه أن يهيّىء نفسه لقبول عقيدة العدل، فضلاً عن أن يحصل عليها عقيدة كاملة تفوق بقوّتها على شهواته.

فلذلك كان القيام بحقوق الاَخوّة من أشق تعاليم الدين إذا لم يكن عند الانسان ذلك الشعور الصادق بالاَخوّة، ومن أجل هذا أشفق الاِمام أبو عبدالله الصادقعليه‌السلام أن يوضِّح لسائله - وهو أحد أصحابه (المعلّى بن خُنيس) - عن حقوق الاخوان أكثر ممّا ينبغي أن يوضّح له خشية أن يتعلَّم ما لا يستطيع أن يعمل به.

قال المعلّى: قلت له: ما حق المسلم على المسلم؟

قال أبو عبدالله: «له سبعة حقوق واجبات، ما منهنّ حق إلاّ وهو عليه واجب؛ إِن ضيَّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه نصيب».

قلت له: جعلت فداك! وما هي؟

قال: «يا معلّى، إنّي عليك شفيق؛ أخاف أن تضيّع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل».

قلت: لا قوة إلاّ بالله.

وحينئذ ذكر الاِمام الحقوق السبعة بعد أن قال عن الاَوّل منها: «أيسر حقّ منها أن تحب له كما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك».

١٦٣

يا سبحان الله! هذا هو الحق اليسير، فكيف نجد - نحن المسلمين اليوم - يسر هذا الحق علينا؟ شاهت وجوه تدّعي الاسلام ولا تعمل بأيسر ما يفرضه من حقوق.

والاَعجب أن يلصق بالاسلام هذا التأخّر الذي أصاب المسلمين، وما الذنب إِلاّ ذنب من يُسمُّون أنفسهم بالمسلمين، ولا يعملون بأيسر ما يجب أن يعملوه من دينهم.

ولاَجل التأريخ فقط، ولنعرف أنفسنا وتقصيرها، أذكر هذه الحقوق السبعة التي أوضحها الامامعليه‌السلام :

١ - أن تحب لاَخيك المسلم ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.

٢ - أن تجتنب سخطه، وتتّبع مرضاته، وتطيع أمره.

٣ - أن تعينه بنفسك، ومالك، ولسانك، ويدك، ورجلك.

٤ - أن تكون عينه، ودليله، ومرآته.

٥ - أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى.

٦ - أن يكون لك خادم وليس لاَخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك، فتغسل ثيابه، وتصنع طعامه، وتمهِّد فراشه.

٧ - أن تبرَّ قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته. وإذا علمت له حاجة تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه الى أن يسألكها، ولكن تبادره مبادرة.

ثمّ ختم كلامهعليه‌السلام بقوله:

«فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك»(١) .

____________________

(١) الكافي: ٢/١٣٥ ح٢، وسائل الشيعة: ١٢/٢٠٥ ح٦٠٩٧. الخصال: ٢/٣٥٠ ح٢٦، مصادقة الاخوان: ١٤٣/٤، الاَمالي للطوسي:٩٨ ح١٤٩/٣.

١٦٤

وبمضمون هذا الحديث روايات مستفيضة عن أئمتنا، جمع قسماً كبيراً منها كتاب «الوسائل» في أبواب متفرّقة.

وقد يتوهّم المتوهِّم أنّ المقصود بالاُخوّة في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام خصوص الاخوّة بين المسلمين الذين من أتباعهم «شيعتهم خاصّة»، ولكن الرجوع إلى رواياتهم كلها يطرد هذا الوهم - وإن كانوا من جهة اُخرى يشدّدون النكير على من يخالف طريقتهم ولا يأخذ بهداهم - ويكفي أن تقرأ حديث معاوية بن وهب قال:

قلت له - أي الصادقعليه‌السلام -: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟

فقال: «تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فوالله إنّهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الاَمانة إليهم»(١) .

أمّا الاَخوّة التي يريدها الاَئمةعليهم‌السلام من أتباعهم فهي أرفع من هذه الاخوّة الاسلامية، وقد سمعت بعض الاَحاديث في فصل تعريف الشيعة، ويكفي أن تقرأ هذه المحاورة بين أبان بن تغلب وبين الصادقعليه‌السلام من حديث أبان نفسه.

قال أبان: كنت أطوف مع أبي عبدالله، فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجته، فأشار إليَّ، فرآنا أبو عبدالله.

قال: «يا ابان، إِيّاك يريد هذا؟».

قلت: نعم.

قال: «هو على مثل ما أنت عليه؟».

____________________

(١) الكافي: ٢/٤٦٤ ح٤، وسائل الشيعة: ١٢/٦ ح١٥٤٩٧.

١٦٥

قلت: نعم.

قال: «فاذهب إليه واقطع الطواف»

قلت: وإن كان طواف الفريضة؟!

قال: «نعم».

قال أبان: فذهبت، ثمّ دخلت عليه بعد، فسألته عن حق المؤمن، فقال: «دعه لا ترده».

فلم أزل أردَّ عليه حتى قال: «يا أبان، تقاسمه شطر مالك».

ثم نظر اليَّ - فرأى ما داخلني - فقال: «يا أبان، أما تعلم أنّ الله قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟».

قلت: بلى.

قال: «إذا أنت قاسمته فلم تؤثره؛ إِنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر»(١) .

أقول: إنّ واقعنا المخجل لا يطمعنا أن نسمِّي أنفسنا بالمؤمنين حقاً؛ فنحن بوادٍ وتعاليم أئمتناعليهم‌السلام في وادٍ آخر، وما داخل نفس أبان يداخل نفس كل قارئ لهذا الحديث، فيصرف بوجهه متناسياً له كأنّ المخاطب غيره، ولا يحاسب نفسه حساب رجل مسؤول.

____________________

(١) مصادقة الاخوان: ٣٨ ح٢، وسائل الشيعة: ١٢/٢٠٩ ح١٦١٠٦.

١٦٦

الفصل الخامس

عقيدتنا في البعث والمعاد

عقيدتنا في المعاد الجسماني

١٦٧

٤٣ - عقيدتنا في البعث والمعاد

نعتقد: أنّ الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين، ويعذِّب العاصين.

وهذا أمر على جملته وما عليه من البساطة في العقيدة اتّفقت عليه الشرائع السماوية والفلاسفة، ولا محيص للمسلم من الاعتراف به عقيدة قرآنية جاء بها نبينا الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم؛ فإنّ من يعتقد بالله اعتقاداً قاطعاً، ويعتقد كذلك بمحمَّد رسولاً منه أرسله بالهدى ودين الحق، لا بدَّ أن يؤمن بما أخبر به القرآن الكريم من البعث، والثواب والعقاب، والجنة والنعيم، والنار والجحيم، وقد صرَّح القرآن بذلك، ولمَّح إليه بما يقرب من ألف آية كريمة.

وإذا تطرَّق الشك في ذلك إلى شخص فليس إلاّ لشك يخالجه في صاحب الرسالة، أو وجود خالق الكائنات أو قدرته، بل ليس إلاّ لشك يعتريه في اصل الاَديان كلّها، وفي صحّة الشرائع جميعها.

١٦٨

٤٤ - عقيدتنا في المعاد الجسماني

وبعد هذا، فالمعاد الجسماني - بالخصوص - ضرورة من ضروريات الدين الاسلامي، دلَّ صريح القرآن الكريم عليها( أَيَحْسَبُ الاِنس-نُ ألَّن نَّجمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى ق-دِرينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانُه ) (١) .

( وَإن تَعجَبْ فَعَجَبٌ قَولُهُم أَإذا كُنّا تُراباً أَءِنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) (٢) .

( أَفَعَيِينَا بِالخَلقِ الاَوَّلِ بَلْ هُمْ في لَبسٍ من خَلقٍ جَدِيدٍ ) (٣) .

وما المعاد الجسماني - على إجماله - إلاّ اعادة الانسان في يوم البعث والنشور ببدنه بعد الخراب، وإرجاعه إلى هيئته الاولى بعد أن يصبح رميماً.

ولا يجب الاعتقاد في تفصيلات المعاد الجسماني أكثر من هذه العقيدة على بساطتها التي نادى بها القرآن، وأكثر ممّا يتبعها من الحساب والصراط، والميزان والجنة النار، والثواب والعقاب بمقدار ما جاءت به التفصيلات القرآنية.

(ولا تجب المعرفة على التحقيق التي لا يصلها إلاّ صاحب النظر الدقيق، كالعلم بأنّ الاَبدان هل تعود بذواتها أو إنّما يعود ما يماثلها بهيئات؟ وأنّ الاَرواح هل تعدم كالاَجساد أو تبقى مستمرّة حتى تتّصل بالاَبدان عند المعاد؟ وأنّ المعاد هل يختص بالانسان أو يجري على كافّة ضروب الحيوان؟ وأنّ عودها بحكم الله دفعي أو تدريجي؟

____________________

(١) القيامة ٧٥: ٣ - ٤.

(٢) الرعد ١٣: ٥.

(٣) ق ٥٠: ١٥.

١٦٩

وإذا لزم الاعتقاد بالجنة والنار لا تلزم معرفة وجودهما الآن، ولا العلم بأنّهما في السماء أو الاَرض، أو يختلفان.

وكذا إذا وجبت معرفة الميزان لا تجب معرفة أنّها ميزان معنوية، أو لها كفّتان.

ولا تلزم معرفة أنّ الصراط جسم دقيق، أو هو الاستقامة المعنوية.

والغرض أنّه لا يشترط في تحقيق الاسلام معرفة أنّها من الاجسام...)(١) .

نعم، إنّ تلك العقيدة في البعث والمعاد على بساطتها هي التي جاء بها الدين الاسلامي، فاذا أراد الانسان أن يتجاوزها إلى تفصيلها بأكثر ممّا جاء في القرآن ليقنع نفسه دفعاً للشبه - التي يثيرها الباحثون والمشككون بالتماس البرهان العقلي أو التجربة الحسية - فانّه إنّما يجني على نفسه، ويقع في مشكلات ومنازعات لا نهاية لها.

وليس في الدين ما يدعو إلى مثل هذه التفصيلات التي حشدت بها كتب المتكلِّمين والمتفلسفين، ولا ضرورة دينية ولا اجتماعية ولا سياسية تدعو إلى أمثال هاتيك المشاحنات والمقالات المشحونة بها الكتب عبثاً، والتي استنفدت كثيراً من جهود المجادلين وأوقاتهم وتفكيرهم بلا فائدة.

والشبه والشكوك التي تُثار حول تلك التفصيلات يكفي في ردّها قناعتنا بقصور الانسان عن إدراك هذه الاُمور الغائبة عنّا، والخارجة عن أفقنا ومحيط وجودنا، والمرتفعة فوق مستوانا الاَرضي، مع علمنا بأنّ الله تعالى العالم القادر أخبرنا عن تحقيق المعاد ووقوع البعث.

وعلوم الانسان وتجريباته وأبحاثه يستحيل أن تتناول شيئاً لا يعرفه ولا

____________________

(١) مقتبس من كتاب كشف الغطاء: ٥ للشيخ الكبير كاشف الغطاء.

١٧٠

يقع تحت تجربته واختباره إلاّ بعد موته وانتقاله من هذا العالم عالم الحس والتجربة والبحث، فكيف ينتظر منه أن يحكم باستقلال تفكيره وتجربته بنفي هذا الشيء أو إثباته؟ فضلاً عن أن يتناول تفاصيله وخصوصياته، إلاّ إذا اعتمد على التكهّن والتخمين، أو على الاستبعاد والاستغراب، كما هو من طبيعة خيال الانسان أن يستغرب كل ما لم يألفه ولم يتناوله علمه وحسّه، كالقائل المندفع بجهله لاستغراب البعث والمعاد( مَن يُحيي العِظَ-مَ وَهَيَ رَميمٌ ) (١) .

ولا سند لهذا الاستغراب إلاّ إنّه لم يرَ ميتاً رميماً قد اُعيدت له الحياة من جديد، ولكنّه ينسى هذا المستغرب كيف خُلقت ذاته لاَول مرة، ولقد كان عدماً، وأجزاء بدنه رميماً تألّفت من الاَرض وما حملت، ومن الفضاء وما حوى، من هنا وهنا، حتى صار بشراً سوياً ذا عقل وبيان( أَوَ لَمْ يَرَ الاِنس-نُ أَنَّا خلقنه مِن نُطفَةٍ فَإذَا هُو خَصِيمٌ مُبينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسي خَلقَهُ ) (٢) .

يقال لمثل هذا القائل الذي نسي خلق نفسه:( يُحييِها الَّذِي أَنشَأَهَا أَوّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِ خَلقٍ عَليمٌ ) (٣) .

يقال له: إنّك بعد أن تعترف بخالق الكائنات وقدرته، وتعترف بالرسول وما أخبر به، مع قصور علمك حتى عن إدراك سرَّ خلق ذاتك وسر تكوينك، وكيف كان نموّك وانتقالك من نطفة لا شعور لها ولا إرادة ولا عقل إلى مراحل متصاعدة مؤتلفاً من ذرات متباعدة؛ لتبلغ بشراً سوياً عاقلاً مدبّراً

____________________

(١) يس ٣٦: ٧٨.

(٢) يس ٣٦: ٧٧ - ٧٨.

(٣) يس ٣٦: ٧٩.

١٧١

ذا شعور وأحساس(١)

يقال له: بعد هذا كيف تستغرب أن تعود لك الحياة من جديد بعد أن تصبح رميماً، وأنت بذلك تحاول أن تتطاول إلى معرفة ما لا قِبل لتجاربك وعلومك بكشفه؟

يقال له: لا سبيل حينئذ إلاّ أن تذعن صاغراً للاعتراف بهذه الحقيقة التي أخبر عنها مدبّر الكائنات العالم القدير، وخالقك من العدم والرميم.

وكلّ محاولة لكشف ما لا يمكن كشفه، ولا يتناوله علمك فهي محاولة باطلة، وضرب في التيه، وفتح للعيون في الظلام الحالك.

إنّ الانسان مع ما بلغ من معرفة في هذه السنين الاَخيرة، فاكتشف الكهرباء والرادار واستخدم الذرّة، إلى أمثال هذه الاكتشافات التي لو حُدِّث عنها في السنين الخوالي لعدَّها من أوّل المستحيلات، ومن مواضع التندّر والسخرية. إنّه مع كل ذلك لم يستطع كشف حقيقة الكهرباء ولا سر الذرّة، بل حتى حقيقة احدى خواصهما وأحد أوصافهما، فكيف يطمع أن يعرف سر الخلقة والتكوين، ثم يترقّى فيريد أن يعرف سرَّ المعاد والبعث.

نعم، ينبغي للانسان بعد الايمان بالاسلام أن يتجنَّب عن متابعة الهوى، وأن يشتغل فيما يصلح أمر آخرته ودنياه، وفيما يرفع قدره عند الله، وأن يتفكَّر فيما يستعين به على نفسه، وفيما يستقبله بعد الموت من شدائد القبر والحساب بعد الحضور بين يدي الملك العلاّم، وأن يتّقي( يوماً لا

____________________

(١) فقد قال تعالى:( وَلَقَدْ خَلَقْنا الاِنسَ-نَ مِنْ سُلَلَةٍ مِنْ طِينِ * ثُمَّ جَعَلْنهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكين * ثُمَّ خَلَقْنا الْنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنا الْمُضْغَةَ عِظَماً فَكَسَوْنَا العِظَمَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأنهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَباركَ اللهُ أَحْسَنُ الْخلِقِينَ ) المؤمنون ٢٣: ١٢ - ١٤.

١٧٢

تَجزي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيئاً وَلا يُقبَلُ مِنها شَفعةٌ وَلا يُؤخَذُ مِنها عَدْلٌ ولا هُمْ يُنصَرون ) (١) ؟

١٧٣

الفهرس

تصدير ٦

١ - عقيدتنا في النظر والمعرفة ٩

٢ - عقيدتنا في التقليد بالفروع ١٢

٣ - عقيدتنا في الاجتهاد ١٤

٤ - عقيدتنا في المجتهد ١٧

الفصل الاَول الاِلهيات ٢٠

٥ - عقيدتنا في الله تعالى ٢١

٦ - عقيدتنا في التوحيد ٢٥

٧ - عقيدتنا في صفاته تعالى ٣١

٨ - عقيدتنا في العدل ٣٥

٩ - عقيدتنا في التكليف ٣٨

١٠ - عقيدتنا في القضاء والقدر ٤١

١١ - عقيدتنا في البداء ٤٦

١٢ - عقيدتنا في أحكام الدين ٤٩

الفصل الثاني النبوّة ٥١

١٣ - عقيدتنا في النبوّة ٥٢

١٤ - النبوّة لطف ٥٤

١٥ - عقيدتنا في معجزة الأنبياء ٥٧

١٦ - عقيدتنا في عصمة الأنبياء ٦٠

١٧ - عقيدتنا في صفات النبي ٦٣

١٧٤

١٨ - عقيدتنا في الأنبياء وكتبهم ٦٤

١٩ - عقيدتنا في الاِسلام ٦٨

٢٠ - عقيدتنا في مشرِّع الاِسلام ٧٢

٢١ - عقيدتنا في القرآن الكريم ٧٣

٢٢ - طريقة إثبات الإسلام والشرائع السابقة ٧٥

الفصل الثالث الامامة ٧٩

٢٣ - عقيدتنا في الاِمامة ٨٠

٢٤ - عقيدتنا في عصمة الإمام ٨٤

٢٥ - عقيدتنا في صفات الاِمام وعلمه ٨٥

٢٦ - عقيدتنا في طاعة الاَئمّة ٨٨

٢٧ - عقيدتنا في حبّ آل البيت ٩٤

٢٨ - عقيدتنا في الاَئمّة ٩٦

٢٩ - عقيدتنا في أنّ الاِمامة بالنص ٩٨

٣٠ - عقيدتنا في عدد الاَئمّة ١٠١

٣١ - عقيدتنا في المهديّ ١٠٣

٣٢ - عقيدتنا في الرجعة ١٠٩

٣٣ - عقيدتنا في التقيّة ١١٤

الفصل الرابع ما أدّب به آل البيت شيعتهم ١١٨

تمهيد: ١١٩

٣٤ - عقيدتنا في الدعاء ١٢٠

٣٥ - أدعية الصحيفة السجّادية ١٢٧

٣٦ - عقيدتنا في زيارة القبور ١٣٦

٣٧ - عقيدتنا في معنى التشيُّع عند آل البيت ١٤٢

٣٨ - عقيدتنا في الجور والظلم ١٤٦

١٧٥

٣٩ - عقيدتنا في التعاون مع الظالمين ١٤٩

٤٠ - عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة ١٥٢

٤١ - عقيدتنا في الدعوة إلى الوحدة الاِسلامية ١٥٤

٤٢ - عقيدتنا في حقِّ المسلم على المسلم ١٦١

الفصل الخامس ١٦٧

٤٣ - عقيدتنا في البعث والمعاد ١٦٨

٤٤ - عقيدتنا في المعاد الجسماني ١٦٩

الفهرس ١٧٤

١٧٦