عقائد الإمامية

عقائد الإمامية0%

عقائد الإمامية مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 176

عقائد الإمامية

مؤلف: العلامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 47564
تحميل: 4600

توضيحات:

عقائد الإمامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47564 / تحميل: 4600
الحجم الحجم الحجم
عقائد الإمامية

عقائد الإمامية

مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
العربية

يجب أن يكون منزَّهاً حتى عمّا ينافي المروءة، كالتبذل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام.

والدليل على وجوب العصمة؛ أنّه لو جاز أن يفعل النبي المعصية، أو يخطأ وينسى، وصدر منه شيء من هذا القبيل، فإمّا أن يجب اتّباعه في فعله الصادر منه عصياناً أو خطأً أو لا يجب، فإن وجب اتّباعه فقد جوّزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى، بل أوجبنا ذلك(١) ، وهذا باطل بضرورة الدين والعقل.

وان لم يجب اتّباعه فذلك ينافي النبوَّة التي لا بدّ أن تقترن بوجوب الطاعة أبداً.

على أن كل شيء يقع منه من فعل أو قول فنحن نحتمل فيه المعصية أو الخطأ، فلا يجب اتّباعه في شيءٍ من الأشياء، فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبي كسائر الناس، ليس لكلامهم ولا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائماً، كما لا تبقى طاعة حتمية للأوامره، ولا ثقة مطلقة بأقواله وأفعاله(٢) .

____________________

=

كتابه بقوله:( وَاعْتَصِموُا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً ) آل عمران ٣: ١٠٣. حبل الله هو دينه.

وورد عن الامام زين العابدينعليه‌السلام أنه لما سئل عن معنى المعصوم قال: «هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، والامام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الامام، وذلك قول الله عز وجل:( إن هذا القرءآن يهدي للتي هي أقوم ) الاسراء ١٧: ٩».

بحار الأنوار: ٢٥/ ١٩٤، راجع أوائل المقالات من مصنفات الشيخ المفيد: ٤/ ٣٤. لسان العرب: ١٢/ ٤٠٣ - مادة (عصم).

(١) ومن البديهي أن إطاعة الرسول واجبة بأمر الله؛ حيث قال تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنا مِنْ رَسُوْلٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) النساء ٤: ٦٤.

(٢) حيث في مثل ذلك ما ينافي الآيات الواردة في القرآن الكريم التي تحثّ على إطاعة

=

٦١

وهذا الدليل على العصمة يجري عيناً في الامام؛ لان المفروض فيه أنه منصوب من الله تعالى لهداية البشر خليفة للنبي، على ما سيأتي في فصل الاِمامة.

____________________

=

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي كثيرة؛ منها: قوله تعالى:( وَمَنْ يُطِع اللهَ ورَسولَهُ يُدْخِلْهُ جنتٍ تَجْري مِن تَحْتِها الأنْهَرُ ) النساء ٤: ١٣. وقوله تعالى:( وَمَنْ يُطِع الله وَالرَّسوُل فَأوُلِئكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم ) النساء ٤: ٦٩، وقوله تعالى:( مَنْ يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) النساء ٤: ٨٠، وقوله تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا الله وَاليَوْمَ الآخِر وَذَكَرَ اللهَ كَثيراً ) الاحزاب ٣٣: ٢١، وقوله تعالى:( ومَنْ يُطِع اللهَ وَرَسُولَه فَقَدْ فَازَ فَوزاً عَظِيماً ) الاحزاب ٣٣: ٧١ وغيرها الكثير من الآيات.

٦٢

١٧ - عقيدتنا في صفات النبي

ونعتقد: أنّ النبي - كما يجب أن يكون معصوماً - يجب أن يكون متّصفاً بأكمل الصفات الخلقية والعقلية وأفضلها، من نحو: الشجاعة، والسياسة، والتدبير، والصبر، والفطنة، والذكاء؛ حتّى لا يدانيه بشر سواه فيها؛ لاَنّه لولا ذلك لما صحّ أن تكون له الرئاسة العامة على جميع الخلق، ولا قوَّة إدارة العالم كله.

كما يجب ان يكون طاهر المولد أميناً صادقاً منزَّهاً عن الرذائل قبل بعثته أيضاً؛ لكي تطمئنّ إليه القلوب، وتركن إليه النفوس، بل لكي يستحق هذا المقام الاِلهي العظيم.

٦٣

١٨ - عقيدتنا في الأنبياء وكتبهم

نؤمن على الاجمال بأنّ جميع الأنبياء والمرسلين على حق، كما نؤمن بعصمتهم وطهارتهم، وأمّا إنكار نبوتّهم، أو سبّهم، أو الاستهزاء بهم فهو من الكفر والزندقة؛ لاَنّ ذلك يستلزم إنكار نبينا الذي أخبر عنهم وصدّقهم(١) .

أمّا المعروفة أسماؤهم وشرائعهم، كآدم ونوح وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى وسائر من ذكرهم القرآن الكريم بأعيانهم، فيجب الايمان بهم على الخصوص(٢) ، ومن أنكر واحداً منهم فقد أنكر الجميع، وأنكر نبوّة

____________________

(١) فقد قال تعالى:( قُولُوا ءامَنَّا باِللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وإسْمعِيلَ وإسْحقَ وَيَعْقُوبَ وَالاَسْبَاطِ وما أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبيّوُنَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِموُنَ ) البقرة ٢: ١٣٦.

وقال تعالى:( لكِنْ الْرَّاسِخوُنَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ والْمُؤمِنُونَ يُؤمِنوُنَ بما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمينَ الصَّلوةَ والْمؤُتُونَ الزَكوةَ وَالْمُؤمِنُونَ باللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤتِيهِمْ أجراً عَظِيماً ) النساء ٤: ١٦٢.

(٢) وقد ورد في الروايات والاحاديث أن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، أو ثلاثمائة وخمسة عشر على اختلاف الروايات، وهؤلاء الأنبياء لم يرد اسم أكثرهم في القرآن، فقد قال تعالى:( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمنْهمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) غافر ٤٠: ٧٨، أمّا الذين ورد اسمهم في القرآن فهم ستة وعشرون:

١ - آدم: وقد ورد اسمه ١٨ مرّة، وقال فيه تعالى:( إنّ الله اصطفى آدَمَ ونوحَاً وءالَ إبراهيمَ وءال عمرانَ على العلمين ) آل عمران ٣: ٣٣. وورد سبع مرّات بنداء «بني آدم».

٢ - نوح: وورد اسمه ٤٣ مرّة، وقال تعالى فيه:( ولقَدْ أَرْسَلْنا نوحاً إلى قومِهِ فَلَبِثَ فيهم أَلْفَ سنةٍ إِلاّ خَمسينَ عَاماً ) العنكبوت ٢٩: ١٤.

=

٦٤

____________________

٣- إدريس: وقد ورد اسمه مرتان، وقال تعالى فيه( واذكر في الكتب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ) مريم ١٩: ٥٦.

٤- هود: ورد ذكره عشر مرات، وقال تعالى فيه:( وإلى عاد أخاهم هوداً قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) الاعراف ٧: ٦٥ وهود ١١: ٥٠.

٥- صالح: وورد ذكره في تسع مواضع، وقال تعالى فيه:( ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صلحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون ) النمل ٢٧: ٤٥.

٦- إبراهيم: وورد ذكره في ٦٩ مورداً، وقال تعالى فيه:( ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتب.. ) الحديد ٥٧: ٢٦.

٧- لوط: وورد ذكره في ٢٧ مورداً، وقال تعالى فيه:( وإن لوطاً لمن المرسلين ) الصافات ٣٧: ١٣٣.

٨ - اسماعيل: وورد ذكره في أحد عشر موضعاً، وقال تعالى فيه:( وأوحينا إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب.... ) النساء ٤: ١٦٣. وهو ابن ابراهيمعليه‌السلام .

٩ - اليسع: وورد ذكره مرتان، وقال تعالى فيه:( وإسمعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاً فضلنا على العلمين ) الانعام ٦: ٨٦.

١٠- ذو الكفل: وورد ذكره مرتان، وقال تعالى واذكر( واذكر اسمعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ) سورة ص ٣٨: ٤٨.

١١ - إلياس: وورد ذكره مرتان، وقال تعالى فيه:( وإن إلياس لمن المرسلين ) الصافات ٣٧: ١٢٣.

١٢ - يونس: وورد ذكره أربع مرات، وقال تعالى فيه:( وإن يونس لمن المرسلين ) . الصافات ٣٧: ١٣٩.

١٣ - إسحق: وورد ذكره ١٧مرة، وقال تعالى فيه:( وبشرنه باسحق نبيا من الصلحين ) الصافات ٣٧: ١١٢.

١٤ - يعقوب: وورد ذكره ١٦ مرة، وقال تعالى فيه:( وأوحينا إلى إبراهيم واسمعيل واسحق يعقوب والاسباط وعيسى... ) النساء ٤: ١٦٣.

١٥ - يوسف: وورد ذكره ٢٧ مرة وقال تعالى فيه:( ومن ذريته داود وسليمن وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ) الانعام ٦: ٨٤.

=

٦٥

____________________

=

١٦ - شعيب : وورد ذكره أحدى عشرة مرة، وقال تعالى فيه:( وإلى مدين أخاهم شعيبا ) الأعراف ٧: ٨٥، وهود ١١: ٨٤، العنكبوت ٢٩: ٣٦.

١٧ - موسى: وورد ذكره مائة وستاً وثلاثين مرة، وقال تعالى فيه:( ولقد أرسلنا موسى بأيتنا أن أخرج قومك من الظلمت إلى النور ذكرهم بأيم الله إن في ذلك لأيت لكل صبار شكور ) ابراهيم ١٤: ٥.

١٨- هارون: وورد ذكره عشرون مرة، وقال تعالى فيه:( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا ) مريم ١٩: ٥٣.

١٩ - داود: وورد ذكره ١٦ مرة، وقال تعالى فيه:( وأيوب ويوس وهرون وسليمان وءاتينا داود زبورا ) النساء ٤: ١٦٣.

٢٠ - سليمان: وورد ذكره ١٧ مرة،وقال تعالى فيه:( ولقد ءاتينا داود وسليمان علماً ) . النمل ٢٧: ١٥.

٢١ - أيوب: وورد ذكره أربع مرات، وقال تعالى فيه:( وأوحينا إلى إبراهيم واسمعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ) النساء ٤: ١٦٣.

٢٢ - زكريا: وورد ذكره سبع مرات، وقال تعالى فيه:( وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصلحين ) الانعام ٦: ٨٥.

٢٣- يحيى: وورد اسمه خمس مرات، وهو الذي قال تعالى في:( ييحيى خذ الكتب بقوة وءاتينه الحكم صبياً ) مريم ١٩: ١٢.

٢٤ - إسماعيل صادق الوعد: وهو غير اسماعيل بن إبراهيم، وهو الذي قال تعالى فيه:( واذكر في الكتب إسمعيل إنه كان صادق الوعد رسولا نبياً ) مريم ١٩: ٥٤.

٢٥ - عيسى: وورد ذكره ٢٦ مرة، وقال تعالى فيه:( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقها إلى مريم ) النساء ٤: ١٧١.

٢٦ - محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد ورد ذكره أربع مرات بلفظ محمد، ومرة واحدة بلفظ أحمد( ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) آل عمران ٣: ١٤٤.

ومن الأنبياء من ورد وصفهم دون ذكر اسمهم، كما قال تعالى:( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقتل في سبيل الله ) البقرة ٢: ٢٤٦.

=

٦٦

نبينا بالخصوص.

وكذلك يجب الايمان بكتبهم وما نزل عليهم.

وأمّا التوراة والانجيل الموجودان الآن بين أيدي الناس، فقد ثبت أنّهما محرَّفان عمّا أُنزلا بسبب ما حدث فيهما من التغيير والتبديل، والزيادات والاضافات بعد زماني موسى وعيسىعليهما‌السلام بتلاعب ذوي الأهواء والأطماع، بل الموجود منهما أكثره - أو كلّه - موضوع بعد زمانهما من الأتباع والأشياع.

____________________

=

وقد كان هؤلاء الرسل موزّعين على كافة الأمم على مر العصور، فقد قال تعالى:( وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمةٍ رَسُولاً ) النحل ١٦: ٣٦.

وقد فضّل الله بعض الاَنبياء والرسل على البعض الآخر، فقد قال تعالى:( تِلْكَ الْرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ من كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجتٍ ) البقرة ٢: ٢٥٣.

وقال تعالى:( وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً ) الاسراء ١٧: ٥٥.

وأفضل هؤلاء الاَنبياء والمرسلين هو الخمسة أولو العزم، الذين قال تعالى في حقّهم:( وَإذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبيِّينَ مِيثَ-قَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وإبراهيمَ وَمُوسَى وَعِيسى ابْنِ مَريَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثقاً غَلْيظاً ) الاَحزاب ٣٣: ٧. وقال تعالى:( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الْرُّسُلِ ) الأحقاف ٤٦: ٣٥. ومعلوم أنّ عزم الأنبياء متفاوت وغير متساوٍ عند الجميع، ويدلّ على ذلك قوله تعالى:( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى ءَادَمَ مَنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) طه ٢٠: ١١٥.

وأفضل هؤلاء الأنبياء والمرسلين هو خاتمهم النبي الأمين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين... ولمزيد من الاطّلاع راجع: بحار الأنوار: ١١/٧٧، الخصال، الاَمالي للشيخ المفيد، كنز العمال: ٣٢٢٧٦ و٣٢٢٧٧ و٣٢٢٨٢ وغيرها، الميزان في تفسير القرآن: الجزء ٢، ميزان الحكمة: الجزء ٧. وغيرها.

٦٧

١٩ - عقيدتنا في الاِسلام

نعتقد: أنّ الدين عند الله الاسلام(١) ، وهو الشريعة الاِلهية الحقّة التي هي خاتمة الشرائع وأكملها، وأوفقها في سعادة البشر، وأجمعها لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم، وصالحة للبقاء مدى الدهور والعصور، لا تتغيّر ولا تتبدّل، وجامعة لجميع ما يحتاجه البشر من النظم الفردية والاجتماعية والسياسية.

ولمّا كانت خاتمة الشرائع، ولا نترقَّب شريعة أُخرى تُصلح هذا البشر المنغمس بالظلم والفساد، فلا بدَّ أن يأتي يوم يقوى فيه الدين الاِسلامي، فيشمل المعمورة بعدله وقوانينه(٢) .

ولو طُبِّقت الشريعة الاسلامية بقوانينها في الاَرض تطبيقاً كاملاً صحيحاً، لعمّ السلام بين البشر، وتمَّت السعادة لهم، وبلغوا أقصى ما يحلم به الانسان من الرفاه والعزّة، والسعة والدعة، والخلق الفاضل، ولأنقشع الظلم من الدنيا، وسادت المحبّة والاِخاء بين الناس أجمعين، ولأنمحى الفقر والفاقة من صفحة الوجود.

وإذا كنّا نشاهد اليوم الحالة المخجلة والمزرية عند الذين يسمُّون أنفسهم بالمسلمين، فلاَنّ الدين الاسلامي في الحقيقة لم يطبَّق بنصه

____________________

(١) إشارة الى قوله تعالى:( إنَّ الدّيِنَ عِنْدَ اللهِ الاِسلمُ ) آل عمران ٣: ١٩.

وقال تعالى:( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسلمِ دِيناً فلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخسِرينَ ) آل عمران ٣: ٨٥.

(٢) قال تعالى:( وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنْ الاَرضَ يَرِثهُا عِبَادِيَ الصَّلِحُونَ ) الاَنبياء ٢١: ١٠٥.

٦٨

وروحه، ابتداء من القرن الاَول من عهودهم، واستمرت الحال بنا - نحن الذين سمَّينا أنفسنا بالمسلمين - من سيّىء إلى أسوأ إلى يومنا هذا، فلم يكن التمسُّك بالدين الاسلامي هو الذي جر على المسلمين هذا التأخّر المشين، بل بالعكس إنَّ تمرُّدهم على تعاليمه، واستهانتهم بقوانينه، وانتشار الظلم والعدوان فيهم؛ من ملوكهم إلى صعاليكهم ومن خاصتهم إلى عامتهم، هو الذي شلَّ حركة تقدّمهم، وأضعف قوَّتهم، وحطَّم معنوياتهم، وجلب عليهم الويل والثبور، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم:( ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغيِّراً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلى قَومٍ حَتَّى يُغيِّروا ما بأَنفُسِهِمْ ) (١) ، تلك سنّة الله في خلقه( إِنَّهُ لا يُفلحُ المُجرِمُونَ ) (٢) ( وَمَا كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحوُن ) (٣) ( وَكذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذا أَخَذَ القُرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَليِمٌ شَدِيدٌ ) (٤) .

وكيف يُنتظر من الدين أن ينتشل الاُمّة من وهدتها وهو عندها حبر على ورق؛ لا يُعمل بأقل القليل من تعاليمه.

إنّ الايمان والأمانة، والصدق والاخلاص، وحسن المعاملة والايثار، وأن يُحب المسلم لاَخيه ما يحِب لنفسه، وأشباهها، من أوّل اُسس دين الاسلام، والمسلمون قد ودَّعوها من قديم أيّامهم إلى حيث نحن الآن، وكلّما تقدمّ بهم الزمن وجدناهم أشتاتاً وأحزاباً وفرقاً، يتكالبون على الدنيا، ويتطاحنون على الخيال، ويكُفِّر بعضهم بعضاً، بالآراء غير المفهومة، أو

____________________

(١) الانفال ٨: ٥٣.

(٢) يونس ١٠: ١٧.

(٣) هود ١١: ١١٧.

(٤) هود ١١: ١٠٢.

٦٩

الاُمور التي لا تعنيهم، فانشغلوا عن جوهر الدين، وعن ماصالحهم ومصالح مجتمعهم بأمثال النزاع في خلق القرآن، والقول بالوعيد والرجعة وأنّ الجنة والنار مخلوقتان أو سيُخلقان، ونحو هذه النزاعات التي أخذت منهم بالخناق، وكفَّر بها بعضهم بعضاً، وهي إن دلَّت على شيء فإنّما تدلّ على انحرافهم عن سنن الجادّة المعبّدة لهم، إلى حيث الهلاك والفناء.

وزاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان، حتى شملهم الجهل والضلال، وانشغلوا بالتوافه والقشور، وبالاتعاب والخرافات والاَوهام، وبالحروب والمجادلات والمباهاة، فوقعوا بالاَخير في هاوية لا قعر لها، يوم تمكَّن الغرب المتيقظ - العدو اللَّدود للاِسلام - من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلى الاِسلام، وهي في غفلتها وغفوتها، فيرمي بها في هذه الهوّة السحيقة، ولا يعلم إلاّ الله تعالى مداها ومنتهاها( وَمَا كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى بِظُلمٍ وَأهْلُهَا مُصلِحُونَ ) (١) .

ولا سبيل للمسلمين اليوم وبعد اليوم إلاّ أن يرجعوا إلى أنفسهم فيحاسبوها على تفريطهم، وينهضوا إلى تهذيب أنفسهم والاَجيال الآتية بتعاليم دينهم القويمة، ليمحو الظلم والجور من بينهم، وبذلك يتمكّنون من أن ينجو بأنفسهم من هذه الطامة العظمى، ولا بدَّ بعد ذلك أن يملأوا الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، كما وعدهم الله تعالى ورسوله(٢) ،

____________________

(١) هود ١١: ١١٧.

(٢) فقد ذكر عزّ وجلّ في كتابه الحكيم:( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الْزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الْذِّكْرِ أَنَّ الاَرضْ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّلحُونَ * إِنَّ في هَذَا لَبَلغاً لِقَوْمٍ عبديِنَ ) الاَنبياء ٢١: ١٠٥ - ١٠٦.

وتواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والاَئمّةعليهم‌السلام من أنّ المهدي من ولد فاطمة، يظهر في آخر الزمان ليملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. وسيأتي تفصيل الكلام في هذا الموضوع عند بحث «عقيدتنا في المهدي».

٧٠

وكما هو المترقَّب من دينهم الذي هو خاتمة الاَديان، ولا رجاء في صلاح الدنيا وإصلاحها بدونه.

ولا بدَّ من إمام ينفي عن الاسلام ما علق فيه من أوهام، وأُلصق فيه من بدع وضلالات، وينقذ البشر وينجّيهم ممّا بلغوا إليه من فساد شامل، وظلم دائم، وعدوان مستمر، واستهانة بالقيم الاَخلاقية والاَرواح البشرية، عجَّل الله فرجه وسهَّل مخرجه.

٧١

٢٠ - عقيدتنا في مشرِّع الاِسلام

نعتقد: أنّ صاحب الرسالة الاسلامية هو محمد بن عبدالله، وهو خاتم النبيين، وسيِّد المرسَلين، وأفضلهم على الاطلاق، كما أنّه سيِّد البشر جميعاً؛ لا يوازيه فاضل في فضل، ولا يدانيه أحد في مكرمة، ولا يقاربه عاقل في عقل، ولا يشبهه شخص في خلق، وأنّه لعلى خلق عظيم(١) . ذلك من أول نشأة البشر إلى يوم القيامة(٢) .

____________________

(١) وقد قال تعالى فيه:( وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم ٦٨: ٤.

(٢) وقد وصفه الاِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام في إحدى خطبه، حيث قال: «اختاره من شجرة الاَنبياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسرّة البطحاء، ومصابيح الظلمة، وينابيع الحكمة».

ومن هذه الخطبة قولهعليه‌السلام - في وصفه أيضاً - :

«طبيب دوّار بطبّه، قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه؛ يضع من ذلك حيث الحاجة إليه؛ من قلوب عميٍ ، وآذان صمٍّ، وألسنةٍ بكمٍ، متتبّع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحيرة، لم يستضيئوا بأضواء الحكمة، ولم يقدحوا بزناد العلوم الثاقبة. فهم في ذلك كالاَنعام السائمة، والصخور القاسية» نهج البلاغة: الخطبة ١٠٨.

٧٢

٢١ - عقيدتنا في القرآن الكريم

نعتقد: أنّ القرآن هو الوحي الاِلهي المنزَّل من الله تعالى على لسان نبيه الاَكرم فيه تبيان كل شيء، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة، وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف(١) .

وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزَّل على النبي، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلّهم على غير هدى؛ فانه كلام الله الذي( لا يَأتيِه البطلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) (٢) .

ومن دلائل إعجازه: أنّه كلّما تقدَّم الزمن، وتقدَّمت العلوم والفنون، فهو باق على طراوته وحلاوته، وعلى سموِّ مقاصده وأفكاره، ولا يظهر فيه خطأ في نظرية علمية ثابتة، ولا يتحمل نقض حقيقة فلسفية يقينية، على العكس من كتب العلماء وأعاظم الفلاسفة، مهما بلغوا في منزلتهم العلمية ومراتبهم الفكرية؛ فانّه يبدو بعض منها - على الاَقل - تافهاً أو نابياً أو مغلوطاً كلّما تقدَّمت الاَبحاث العلمية، وتقدمت العلوم بالنظريات المستحدثة، حتى من مثل أعاظم فلاسفة اليونان كسقراط وأفلاطون وأرسطو الذين اعترف لهم جميع مَن جاء بعدهم بالاَبّوة العلمية، والتفوّق الفكري.

ونعتقد أيضاً: بوجوب احترام القرآن الكريم، وتعظيمه بالقول والعمل، فلا يجوز تنجيس كلماته حتى الكلمة الواحدة المعتبرة جزءً منه

____________________

(١) فقد قال تعالى:( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الْذّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحفِظونَ ) الحجر ١٥: ٩.

(٢) فصلت ٤١: ٤٢.

٧٣

على وجه يقصد أنّها جزء منه.

كما لا يجوز لمن كان على غير طاهرة أن يمسّ كلماته أو حروفه( لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَهَّرُونَ ) (١) سواء كان محدثاً بالحدث الاَكبر كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها، أو محدِثاً بالحدث الاَصغر حتى النوم، إلاّ إذا اغتسل أو توضأ على التفاصيل التي تذكر في الكتب الفقهية.

كما أنّه لا يجوز إحراقه، ولا يجوز توهينه بأيّ ضرب من ضروب التوهين الذي يُعد في عرف الناس توهيناً، مثل رميه، أو تقذيره، أو سحقه بالرجل، أو وضعه في مكان مُستحقَر، فلو تعمَّد شخص توهينه وتحقيره - بفعل واحد من هذه الاَمور وشبهها - فهو معدود من المنكرين للاِسلام وقدسيته، المحكوم عليهم بالمروق عن الدين والكفر بربِّ العالمين.

____________________

(١) الواقعة ٥٦: ٧٩.

٧٤

٢٢ - طريقة إثبات الإسلام والشرائع السابقة

لو خاصمنا أحد في صحّة الدين الاسلامي، نستطيع أن نخصمه بإثبات المعجزة الخالدة له، وهي القرآن الكريم على ما تقدّم من وجه إعجازه. وكذلك هو طريقنا لإقناع نفوسنا عند ابتداء الشك والتساؤل اللَّذين لا بدَّ أن يمرا على الانسان الحر في تفكيره عند تكوين عقيدته أو تثبيتها.

أمّا الشرائع السابقة، كاليهودية والنصرانية، فنحن قبل التصديق بالقرآن الكريم، أو عند تجريد أنفسنا عن العقيدة الاسلامية، لا حجّة لنا لاِقناع نفوسنا بصحتها، ولا لإقناع المشكّك المتسائل؛ إذ لا معجزة باقية لها كالكتاب العزيز، وما ينقله أتباعها من الخوارق والمعاجز للاَنبياء السابقين فهم متّهمون في نقلهم لها أو حكمهم عليها، وليس في الكتب الموجودة بين أيدينا المنسوبة إلى الاَنبياء كالتوراة والانجيل ما يصلح أن يكون معجزة خالدة تصح أن تكون حجّة قاطعة، ودليلاً مقنعاً في نفسها قبل تصديق الاسلام لها.

وإنّما صحَّ لنا - نحن المسلمين - أن نقرَّ ونصدّق بنبوة أهل الشرائع السابقة، فلاَنّا بعد تصديقنا بالدين الاسلامي كان علينا أن نصدّق بكل ما جاء به وصدّقه، ومن جملة ما جاء به وصدّقه نبوّة جملة من الاَنبياء السابقين على نحو ما مرّ ذكره(١) .

وعلى هذا فالمسلم في غنى عن البحث والفحص عن صحّة الشريعة النصرانية وما قبلها من الشرائع السابقة بعد اعتناقه الاسلام لاَنّ التصديق به

____________________

(١) راجع مبحث «عقيدتنا في الاَنبياء وكتبهم».

٧٥

تصديق بها، والايمان به إيمان بالرسل السابقين والاَنبياء المتقدّمين، فلا يجب على المسلم أن يبحث عنها ويفحص عن صدق معجزات أنبيائها؛ لاَنّ المفروض أنّه مسلم قد آمن بها بإيمانه بالاسلام، وكفى.

نعم، لو بحث الشخص عن صحّة الدين الاسلامي فلم تثبت له صحّته، وجب عليه عقلاً - بمقتضىوجوب المعرفة والنظر - أن يبحث عن صحّة دين النصرانية؛ لاَنّه هو آخر الاَديان السابقة على الاسلام، فإن فحص ولم يحصل له اليقين به أيضاً وجب عليه أن ينتقل فيفحص عن آخر الاَديان السابقة عليه، وهو دين اليهودية حسب الفرض... وهكذا ينتقل في الفحص حتى يتم له اليقين بصحّة دين من الاَديان، أو يرفضها جميعاً.

وعلى العكس فيمن نشأ على اليهودية أو النصرانية؛ فإنّ اليهودي لا يغنيه اعتقاده بدينه عن البحث عن صحّة النصرانية والدين الاسلامي، بل يجب عليه النظر والمعرفة - بمقتضى حكم العقل - وكذلك النصراني، ليس له أن يكتفي بإيمانه بالمسيحعليه‌السلام ، بل يجب أن يبحث ويفحص عن الاسلام وصحّته، ولا يعذر في القناعة بدينه من دون بحث وفحص؛ لاَنّ اليهودية وكذا النصرانية لا تنفي وجود شريعة لاحقة لها ناسخة لاَحكامها، ولم يقل موسى ولا المسيحعليهما‌السلام أنه لا نبي بعدي(١) .

فكيف يجوز لهؤلاء النصارى واليهود أن يطمئنّوا إلى عقيدتهم، ويركنوا إلى دينهم قبل أن يفحصوا عن صحّة الشريعة اللاحقة لشريعتهم كالشريعة

____________________

(١) بل على العكس من ذلك؛ حيث كان عيسىعليه‌السلام يبشّر بالنبي الذي يأتي من بعده، وقال تعالى في ذلك:( وَإِذْ قَالَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ ي-بَني إسرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إليْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَورية وَمُبَشرَاً بِرَسولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحْمَدُ فَلَمّا جَاءَهُمْ بِالبْيِّنتِ قالوا هذا سحْرٌ مُبينٌ ) الصف ٦١: ٦.

٧٦

النصرانية بالنسبة إلى اليهود، والشريعة الاسلامية بالنسبة إلى اليهود والنصارى، بل يجب - بحسب فطرة العقول - أن يفحصوا عن صحة هذه الدعوى اللاحقة، فإن ثبتت لهم صحتها انتقلوا في دينهم إليها، وإلاّ صحّ لهم - في شريعة العقل - حينئذٍ البقاء على دينهم القديم والركون إليه.

أمّا المسلم - كما قلنا - فإنّه إذا اعتقد بالاسلام لا يجب عليه الفحص؛ لا عن الاَديان السابقة على دينه، ولا عن اللاحقة التي تُدَّعى؛ أمّا السابقة فلاَنّ المفروض أنّه مصدِّق بها، فلماذا يطلب الدليل عليها؟ وإنّما فقط قد حكم له بأنّها منسوخة بشريعته الاسلامية، فلا يجب عليه العمل بأحكامها ولا بكتبها.

وأمّا اللاحقة، فلاَنّ نبي الاسلام محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «لا نبيّ بعدي» وهو الصادق الاَمين كما هو المفروض( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحيٌ يُوحى ) (٢) فلماذا يطلب الدليل على صحّة دعوى النبوة المتأخرة إن ادعاها مدع؟

نعم، على المسلم - بعد تباعد الزمان عن صاحب الرسالة، واختلاف المذاهب والآراء، وتشعُّب الفرق والنحل - أن يسلك الطريق الذي يثق فيه أنّه يوصله إلى معرفة الاَحكام المنزَّلة على محمد صاحب الرسالة؛ لاَنّ المسلم مكلَّف بالعمل بجميع الاَحكام المنزَّلة في الشريعة كما اُنزلت.

ولكن كيف يعرف أنّها الاَحكام المنزَّلة كما اُنزلت، والمسلمون مختلفون، والطوائف متفرِّقة، فلا الصلاة واحدة، ولا العبادات متّفقة، ولا

____________________

(١) انظر: صحيح مسلم: ٣/١٤٧١ ح١٨٤٢، مسند أحمد: ٣/٣٢، المعجم الكبير: ٨/١٦١ ح٧٦١٧، سنن البيهقي: ٨/١٤٤، الاَمالي للشيخ المفيد: ٣٣.

(٢) النجم ٥٣: ٣ - ٤.

٧٧

الاَعمال في جميع المعاملات على وتيرة واحدة!... فماذا يصنع؟ بأيّة طريقة من الصلاة - إذن - يصلّي؟ وبأيّة شاكلة من الآراء يعمل في عباداته ومعاملاته كالنكاح، والطلاق، والميراث، والبيع، والشراء، وإقامة الحدود والديات، وما إلى ذلك؟

ولا يجوز له أن يقلِّد الآباء، ويستكين إلى ما عليه أهله وأصحابه، بل لا بدَّ ان يتيقّن بينه وبين نفسه، وبينه وبين الله تعالى؛ فإنه لا مجاملة هنا ولا مداهنة، ولا تحيّز ولا تعصُّب.

نعم، لا بدَّ أن يتيقّن بأنّه قد اخذ بأمثل الطرق التي يعتقد فيها بفراغ ذمته بينه وبين الله من التكاليف المفروضة عليه منه تعالى، ويعتقد أنّه لا عقاب عليه ولا عتاب منه تعالى بأتّباعها وأخذ الاَحكام منها. ولا يجوز أن تأخذه في الله لومة لائم( أَيَحسَبُ الاِنسنُ أَن يُترَكَ سُدىً ) (١) ( بل الاِنسنُ على نَفسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٢) ( إنَّ هَذِهِ تَذكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إلى رَبِّهِ سَبيلاً ) (٣) .

وأوّل ما يقع التساؤل فيما بينه وبين نفسه أنّه هل يأخذ بطريقة آل البيت أو يأخذ بطريقة غيرهم؟ وإذا اخذ بطريقة آل البيت، فهل الطريقة الصحيحة طريقة الامامية الاثني عشرية أو طريقة من سواهم من الفِرق الاُخرى؟ ثمّ إذا أخذ بطريقة أهل السنَّة فمن يقلِّد؛ من المذاهب الاَربعة أو من غيرهم من المذاهب المندرسة؟ هكذا يقع التساؤل لمن اُعطي الحريّة في التفكير والاختيار؛ حتى يلتجىء من الحق إلى ركن وثيق.

ولاجل هذا وجب علينا - بعد هذا - أن نبحث عن الاِمامة، وأن نبحث عمّا يتبعها في عقيدة الامامية الاثني عشرية.

____________________

(١) القيامة ٧٥: ٣٦.

(٢) القيامة ٧٥: ١٤.

(٣) المزمل ٧٣: ١٩.

٧٨

الفصل الثالث

الامامة

عقيدتنا في الامامة

عقيدتنا في عصمة الاِمام

عقيدتنا في صفات الاِمام وعلمه

عقيدتنا في طاعة الاَئمّة

عقيدتنا في حبّ آل البيت

عقيدتنا في الاَئمّة

عقيدتنا في أنّ الاِمامة بالنص

عقيدتنا في عدد الاَئمّة

عقيدتنا في المهدي

عقيدتنا في الرجعة

عقيدتنا في التقيّة

٧٩

٢٣ - عقيدتنا في الاِمامة

نعتقد: أنّ الامامة أصل من اُصول الدين(١) لا يتم الاِيمان إلاّ بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والاَهل والمربّين مهما عظموا

____________________

(١) الاِمامة: هي الاَصل الرابع من أصول الدين عند الشيعة الاِمامية، وتأتي من بعد النبوّة من حيث الاَهمية، ويمكن اعتبارها القاعدة العقائدية التي بها يتميّز الامامية عن غيرهم من المذاهب الاسلامية، وتعتبر الاِمامة الاَساس الفكري الذي يبتني عليه مذهب أتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

والامامة في اللغة هي: عبارة عن تقدّم شخص ليتبعه الناس ويقتدون به، فيكون المقتدى هوالامام والمقتدون هم المأمومون. فالاِمام: المؤتم به إنساناً، كأن يقتدي بقوله أو فعله، وجمعه: أئمة.

ووردت كلمة إمام في القرآن في اثني عشر مورداً؛ منها بلفظ المفرد في سبعة موارد هي في: (سورة البقرة ٢: ١٢٤، هود ١١: ١٧، الحجر ١٥: ٧٩، الاسراء ١٧: ٧١، الفرقان ٢٥: ٧٤، يس ٣٦: ١٢، الاَحقاف ٤٦: ١٢).

وبلفظ الجمع في خمسة مواضع هي: (التوبة ٩: ١٢، الاَنبياء ٢١: ٧٣، القصص ٢٨: ٥ و٤١، السجدة ٣٢: ٢٤).

أما المعنى الاصطلاحي لكلمة الامامة فهي: منصب إلهي يختاره الله بسابق علمه بعباده كما يختار النبي، ويأمر النبي بأن يدلّ الاَمّة عليه ويأمرهم باتّباعه، وليس للعباد أن يختاروا الامام بأنفسهم:( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الخِيَرَةَ ) القصص ٢٨: ٦٨. ويختلف الامام عن النبي بأنّ النبي ويوحى إليه والامام يتلقّى الاَحكام من النبي بتسديد إلهي. فالنبي مبلّغ عن الله، والامام مبلّغ عن النبي. هذا ما يعتقده الامامية.

أما عند المذاهب الاخرى فالامامة هي: رئاسة عامّة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحكامه في الفروع.

ولمزيد من الاطلاع راجع: كتب اللغة، أصل الشيعة واصولها: ٢١٠ و٢٢١، العقائد الجعفرية: ٢٧، الملل والنحل للشهرستاني: ١/٣٣، شرح المقاصد: ٥/٢٣٢. وغيرها.

٨٠