عقائد الإمامية

عقائد الإمامية22%

عقائد الإمامية مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 176

عقائد الإمامية
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50460 / تحميل: 5542
الحجم الحجم الحجم
عقائد الإمامية

عقائد الإمامية

مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
العربية

عَقائد الإمامية

بقلم

العلامة الكبير الشيخ

محمد رضا المظفر

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

تصدير

١- عقيدتنا في النظر والمعرفة

٢- عقيدتنا في التقليد بالفروع

٣- عقيدتنا في االاجتهاد

٤- عقيدتنا في المجتهد

٥

تصدير

حمداً لله وشكراً، وصلاة وسلاماً على محمد خير البشر وآله الهداة.

أمليت هذه (المعتقدات)، وما كان القصد منها إلاّ تسجيل خلاصة ما توصَّلت إليه من فهم المعتقدات الاسلامية على طريقة آل البيتعليهم‌السلام .

وقد سجلت هذه الخلاصات مجرّدة عن الدليل والبرهان، ومجردة عن النصوص الواردة عن الاَئمة فيها على الاَكثر؛ لينتفع بها المبتدئ والمتعلّم والعالم، وأسميتها «عقائد الشيعة»(١) وغرضي من الشيعة الامامية الاثني عشرية خاصة.

وكان إملاؤها سنة ١٣٦٣ ه- بدافع إلقائها محاضرات دورية في كلية منتدى النشر الدينية(٢) ؛ للاستفادة منها تمهيداً للاَبحاث الكلامية العالية.

____________________

(١) وهو الاسم الذي اتّخذه المؤلّفقدس‌سره عنوانا لكتابه في طبعته الاولى.

(٢) وهي مؤسسة الشيخ المظفرقدس‌سره التي سمّيت فيما بعد ب- «كلية الفقه» في النجف الاَشرف، ولم تزل قائمة بعد إلحاقها بالجامعة المستنصرية عام ١٩٧٠م وبجامعة الكوفة عام ١٩٨٧ مع عدّة محاولات لتغيير منهجها التعليمي وسيرها الدراسي ، ثم الغيت الآن.

٦

وفي حينه قد توفقت لإلقاء الكثير منها، وما كنت يومئذ قد أعددتها مؤلَّفاً يُنشر ويُقرأ، فأُهملت في أوراق مبعثرة شأن كثير من المحاضرات والدروس التي أمليتها في تلك الظروف، لا سيّما فيما يتعلّق بالعقائد وعلم الكلام.

غير أنّه في هذا العام - وبعد مضي ثمان سنوات عليها - رغَّب إليَّ الفاضل النبيل محمد كاظم الكتبي(١) - رعاه الله تعالى - في تجديد النظر فيها، وجمعها مؤلَّفة في رسالة مختصرة موصولة الحلقات؛ لغرض نشرها وتعميم الفائدة منها ، ولتدرأ كثيراً من الطعون التي أُلصقت بالاِمامية، ولا سيّما أنّ بعض كتّاب العصر في مصر وغيرها لا زالوا مستمرين يحملون بأقلامهم الحملات القاسية على الشيعة ومعتقداتها، جهلاً أو تجاهلاً بطريقة آل البيت في مسالكهم الدينية، وبهذا قد جمعوا إلى ظلم الحق وإشاعة الجهل بين قرّاء كتبهم والدعوة إلى تفريق كلمة المسلمين، وإثارة الضغائن في نفوسهم والاَحقاد في قلوبهم، بل تأليب بعضهم على بعض... ولا يجهل خبير مقدار الحاجة - اليوم خاصّة - إلى التقريب بين جماعات المسلمين المختلفة ودفن أحقادهم، إِن لم نستطع أن نوحِّد صفوفهم وجمعهم تحت راية واحدة.

أقول ذلك وإِني لشاعر - مع الاَسف - أنّا لا نستطيع أن نصنع شيئاً بهذه المحاولات مع من جرَّبنا من هؤلاء الكتّاب، كالدكتور أحمد أمين وأضرابه من دعاة التفرقة، فما زادهم توضيح معتقدات الامامية إلاّ عناداً، وتنبيههم على خطئهم إلاّ لجاجاً.

وما يهمُّنا من هؤلاء وغير هؤلاء أن يستمرّوا على عنادهم مصرِّين، لولا

____________________

(١) وهو صاحب المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف الاَشرف، وقد قام بنشر الكتاب لاَول مرّة على نفقته.

٧

خشية أن ينخدع بهم المغفَّلون، فتنطلي عليهم تلك التخرُّصات، وتورِّطهم تلك التهجّماتُ في إثارة الاَحقاد والحزازات.

ومهما كان الاَمر، فإني في تقديمي هذه الرسالة للنشر أملي أن يكون فيها ما ينفع الطالب للحق، فأكون قد ساهمت في خدمة اسلامية نافعة، بل خدمة انسانية عامة، فوضعتها في مقدمة وفصول، ومنه تعالى وحده أستمد التوفيق.

محمَّد رضا المظفر

النجف الاَشرف - العراق

٢٧ جمادى الآخرة ١٣٧٠ ه-

٨

١ - عقيدتنا في النظر والمعرفة

نعتقد: أن الله تعالى لمّا منحنا قوة التفكير، ووهب لنا العقل، أمرنا أن نتفكَّر في خلقه، وننظر بالتأمل في آثار صنعه، ونتدبر في حكمته واتقان تدبيره في آياته في الآفاق وفي أنفسنا، قال تعالى:( سَنُرِيهمْ ءايتنَا في الآفاقِ وَفي أنفُسِهِم حتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنّهُ الحَقُّ ) (١) .

وقد ذم المقلَّدين لآبائهم بقوله تعالى:( قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما ألفَينا عَليهِ آباءَنا أَوَ لَو كانَ آباؤُهُم لا يَعْقِلونَ شَيئاً ) (٢) .

كما ذم من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب فقال:( إنْ يَتَّبِعُونَ إلاّ الظنَّ ) (٣) ‌.

وفي الحقيقة انّ الذي نعتقده: إنّ عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون(٤) كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدّعي

____________________

(١) فصلت ٤١: ٥٣.

(٢) البقرة ٢: ١٧٠.

(٣) الانعام ٦: ١١٦.

(٤) قد أفاض علماء الاسلام في مسألة النظر التي ترتكز عليها نظرية المعرفة، حيث أجمع أئمة المسلمين على وجوب معرفة الله تعالى؛ لاَنّها كمال الدين وأول الواجبات، ويكفينا هنا ما أفاده العلاّمة الحليقدس‌سره في شرح الباب الحادي عشر بقوله: (أجمع العلماء كافة على وجوب معرفة الله تعالى، وصفاته الثبوتية والسلبية، وما يصح عليه وما يمتنع عنه، والنبوّة، والامامة، والمعاد بالدليل لا بالتقليد)، وممّا دلّ على أهمية هذا الموضوع كثرة المصنّفات في هذا العلم الشريف عند كافة المسلمين، وبالامكان حصر الاَدلّة على وجوب النظر والمعرفة في وجوه: -

الوجه الاَول:الدليل العقلي : ومؤدّاه دفع الخوف الحاصل الذي يستوجبه العقل لتحقيق

=

٩

النبوة وفي معجزته، ولا يصح عندها تقليد الغير في ذلك مهما كان ذلك الغير منزلة وخطراً.

وما جاء في القرآن الكريم من الحث على التفكير واتّباع العلم والمعرفة فانما جاء مقرِّراً لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء، وجاء منبِّهاً للنفوس على ما جُبلت عليها من الاستعداد للمعرفة والتفكير، ومفتِّحاً للاَذهان، وموجِّهاً لها على ما تقتضيه طبيعة العقول(١) .

____________________

=

الطمأنينة «وعملية البحث والاستدلال - حيث تكون ممكنة - إن هي إلاّ إنارة استكشافية للواقع الذي نريد السعي بالعمل على تجنّب مخاطره ونيل منافعه، وذلك لاَن الاستدلال على المعتقد دافع للخوف، ودفع الخوف واجب عقلي».

الوجه الثاني: الدليل الأخلاقي: وهو دليل أن شكر المنعم واجب، ولا يتم إلا بالمعرفة، والوجوب هنا من حيث استحقاق الذم عند العقلاء بتركه، ولان الشكر لا بد أن يتناسب مع حال المشكور، والعقلاء من مختلف المذاهب والاتجاهات يقرون القانون الأخلاقي، فالبحث والمعرفة واجبان للقيام بهذا الواجب الأخلاقي.

الوجه الثالث: الدليل النقلي: وهو إنما يأتي بعد الأدلة المتقدمة؛ لنستقرئ منه الدليل الشرعي الذي يفرضه الدين، كما تحكيه مصادر التشريع الاسلامي في الآيات القرآنية الكريمة، والسنة المطهرة وهو كثيرة.

وبالاضافة إلى ما تقدم من اتجاه علماء المسلمين فان معظم الفلاسفة من غير المسلمين، وسواء بذلك أكانت أسس البناء المعرفي عندهم مبنية على البديهيات العقلية أم المعارف التجريبية، فنقطة الالتقاء عندهم: (تحصيل المعرفة بالدليل الصحيح).

انظر: البهادلي الشيخ أحمد: محاضرات في العقيدة الاسلامية: ٤٧ - ٥٢.

(١) ومن ذلك قوله تعالى:( قُل سِيُروا في الاَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ بَدأ الخَلْقَ ) العنكبوت ٢٩: ٢٠.

وقوله تعالى:( قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمواتِ والاَرْضِ ) يونس ١٠: ١٠١.

وقوله تعالى:( أفَلاَ يَنْظُروُنَ إلى الاِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وإلى الَّسماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وإلى الجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وإلى الاَرضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فذَكِّر إنَّمَا أنْتَ مُذكِّرٌ ) ... الغاشية ٨٨: ١٧ إلى ٢١.

=

١٠

فلا يصح - والحال هذه - أن يهمل الانسان نفسه في الاُمور الاعتقادية، أو يتّكل على تقليد المربين، أو أي أشخاص آخرين، بل يجب عليه - بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية - أن يفحص ويتأمَّل، وينظر ويتدبَّر في اُصول اعتقاداته(١) المسماة بأصول الدين التي أهمّها: التوحيد، والنبوة، والاِمامة، والمعاد.

ومن قلد آباءه أو نحوهم في اعتقاد هذه الاَُصول فقد ارتكب شططاً، وزاغ عن الصراط المستقيم، ولا يكون معذوراً أبداً.

وبالاختصار عندنا هنا ادّعاءان:

الاَول: وجوب النظر والمعرفة في اُصول العقائد، ولا يجوز تقليد الغير فيها.

الثاني: إنّ هذا وجوب عقلي قبل أن يكون وجوباً شرعياً، أي لا يستقى علمه من النصوص الدينية، وإن كان يصح أن يكون مؤيّداً بها بعد دلالة العقل.

وليس معنى الوجوب العقلي إلاّ إدراك العقل لضرورة المعرفة، ولزوم التفكير والاجتهاد في اُصول الاعتقادات.

____________________

=

وقوله تعالى:( أو لم يتفكروا في أنفسهم ) الروم ٣٠: ٨.

قوله تعالى:( فاعلم أنه لا ءاله إلا الله ) محمد ٤٧: ١٩.

وقوله تعالى:( أم اتخذوا من دونه ءالهة قل هاتوا برهنكم ) الانبياء ٢١: ٢٤.

(١) ليس كلّ ما ذكر في هذه الرسالة هو من أُصول الاعتقادات؛ فإنّ كثيراً من الاعتقادات المذكورة، كالقضاء والقدر، والرجعة، وغيرهما لا يجب فيها الاعتقاد ولا النظر، ويجوز الرجوع فيها إلى الغير المعلوم صحة قوله، كالاَنبياء والاَئمّة، وكثير من الاعتقادات من هذا القبيل كان اعتقادنا فيها مستنداً إلى ما هو المأثور عن أئمتناعليهم‌السلام : من صحيح الاَثر القطعي. (منهقدس‌سره ).

١١

٢ - عقيدتنا في التقليد بالفروع

أمّا فروع الدين - وهي أحكام الشريعة المتعلِّقة بالاَعمال - فلا يجب فيها النظر والاجتهاد، بل يجب فيها - إذا لم تكن من الضروريّات في الدين الثابتة بالقطع، كوجوب الصلاة والصوم والزكاة - احد أمور ثلاثة:

إمّا أن يجتهد وينظر في أدلة الاَحكام، إذا كان أهلاً لذلك(١) .

وإمّا أن يحتاط في أعماله إذا كان يسعه الاحتياط(٢) .

وإمّا أن يقلِّد المجتهد الجامع للشرائط(٣) ، بأن يكون من يقلِّده:

____________________

(١) الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد، وهو بذل الوسع للقيام بعمل ما، وهو في اصطلاح فقهائنا: (استنباط الحكم الشرعي من مداركه المقرّرة)، وقد ورد أنّ الاَنسب في التعبير عنه: (ملكة تحصيل الحجج على الاَحكام الشرعية، أو الوظائف العملية شرعية أو عقلية)، والمجتهد مطلق ومتجزئ ، فالمجتهد المطلق هو: (الذي يتمكّن من الاستنباط في جميع أنواع الفروع الفقهية)، والمجتهد المتجزئ هو: (القادر على استنباط الحكم الشرعي في بعضها دون بعض).

لمراجعة ما يتعلّق بتحديد هذا المصطلح بمفهومه العام أو الخاص، ومعرفة أوجه الاختلاف والترجيح يراجع: الحجّة محمد تقي الحكيم: الاُصول العامّة للفقه المقارن من ٥٦١ إلى ٥٦٥، المسائل المنتخبة المطابقة لفتاوى آية الله العظمى السيد السيستاني ص ٩ و ١٠.

(٢) الاحتياط: وهو العمل الذي يتيقّن معه ببراءة الذمة من الواقع المجهول، وهذا هو الاحتياط المطلق، ويقابله الاحتياط النسبي كالاحتياط بين فتاوى مجتهدين يُعلم إجمالاً بأعلميّة أحدهم. المصدر السابق ص ١٠ و١٤.

(٣) التقليد: تطابق العمل مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجّة في حقه فعلاً مع إحراز مطابقته لها. والمقلِّد قسمان:

١- من ليست له أية معرفة بمدارك الاحكام الشرعية.

٢- من له حظ من العلم بها ومع ذلك لا يقدر على استنباط. المصدر السابق ص٩.

١٢

عاقلاً، عادلاً «صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه»(١) .

فمن لم يكن مجتهداً ولا محتاطاً ثم لم يقلِّد المجتهد الجامع للشرائط فجميع عباداته باطلة لا تُقبل منه، وإن صلّى وصام وتعبَّد طول عمره، إلاّ إذا وافق عمله رأي من يقلِّده بعد ذلك، وقد أتّفق له أنّ عمله جاء بقصد القربة إلى الله تعالى(٢) .

____________________

(١) تفسير العسكري: ٣٠٠، الاحتجاج: ٢/٥١١ ح٣٣٧.

(٢) أورد العلماء الاَعلام في مقدمة رسائلهم العملية، المتضمنة لفتاواهم في باب التقليد ما يغني تفصيل هذه المسألة (حيث يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون في جميع عباداته، ومعاملاته، وسائر أفعاله وتروكه، مقلداً أو محتاطاً، إلاّ أن يحصل له العلم بأنّه لا يلزم من فعله، أو تركه مخالفة لحكم الزامي ولو مثل حرمة التشريع، أو يكون الحكم من ضروريات الدين أو المذهب، كما في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات والمباحات، ويحصل له العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشيء العقلائية، كالشياع، وإخبار الخبير المطلّع عليها بكونه منها).

انظر: منهاج الصالحين الجزء الأول من فتاوى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله ص٩.

١٣

٣ - عقيدتنا في الاجتهاد

نعتقد: أنّ الاجتهاد في الاَحكام الفرعية واجب بالوجوب الكفائي على جميع المسلمين في عصور غيبة الامام(١) ، بمعنى أنّه يجب على كلّ

____________________

(١) إنّ الاِمام محمدً المهدي ابن الامام الحسن العسكريعليهما‌السلام - وهو خاتمة الاَئمة الاثني عشر - كانت له غيبتان:

الاَول-ى: تسم-ى بال-غيبة الصغرى: ابتدأت في السنة التي توفّي فيها والده الامام العسكريعليه‌السلام عام ٢٦٠ ه-، وانتهت عام ٣٢٩ ه- وكان له فيها سفراء أربعة هم:

أولاً: عثمان بن سعيد العمري الاسدي، وقد كان وكيلاً للامام الهادي، ثم للاِمام العسكري، ثم للامام محمد المهديعليهم‌السلام .

ث-انياً: م-حمد ب-ن عث-مان بن سعيد العمري الاسدي، حيث قام بأمر السفارة بعد وفاة أبيه مدّة تقارب الاَربعين عاماً حتى وفاته عام ٣٠٥ ه-.

ثالثاً: الحسين بن روح، حيث قام بأعباء السفارة المقدّسة منذ وفاة محمد بن عثمان العمري حتى وفاته عام ٣٢٦ ه-.

رابعاً: علي بن محمد السمري، وهو آخر السفراء الاَربعة، وقد قام بسفارته لمدّة ثلاث سنوات انتهت بوفاته في ١٥ شعبان ٣٢٩ ه-.

والمعروف أنّ هؤلاء السفراء الاَربعة دفنوا بأجمعهم - بعد وفاتهم - في مدينة بغداد، ومشاهدهم معلومة مشهورة إلى يومنا الحاضر.

والثانية: الغيبة الكبرى: ابتدأت بتاريخ ١٥ شعبان ٣٢٩ ه- بوفاة السفير الرابع، الذي قال عندما سئل عمن يخلفه بهذا الاَمر: (لله أمر هو بالغه) وفيه بيان لما أعلمه به الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه ببداية الغيبة الكبرى المستمرة إلى يومنا هذا، حيث اصبحت نيابة الاِمام في عصر غيبته موكولة إلى المجتهد الجامع للشرائط المبسوطة في كتب الفقه.

وفي ضوء ما سبق من تعريف الاجتهاد نجد أنّ عملية الاستنباط التي تعني (تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديداً استدلالياً) وتأتي ضرورة الاجتهاد لبداهة أنّ الانسان - بحكم تبعيته للشريعة المقدّسة، ووجوب امتثال أحكامها - ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولمّا لم تكن أحكام الشريعة - غالباً - من البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة

=

١٤

مسلم في كلّ عصر. ولكن إذا نهض به من به الغنى والكفاية سقط عن باقي المسلمين، ويكتفون بمن تصدّى لتحصيله وحصل على رتبة الاجتهاد وهو جامع للشرائط، فيقلِّدونه، ويرجعون إليه في فروع دينهم.

ففي كلّ عصر يجب أن ينظر المسلمون إلى أنفسهم، فإنْ وجدوا من بينهم من تبرَّع بنفسه، وحصل على رتبة الاجتهاد - التي لا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم - وكان جامعاً للشرائط التي تؤهّله للتقليد، اكتفوا به وقلّدوه، ورجعوا إليه في معرفة أحكام دينهم.

وإن لم يجدوا من له هذه المنزلة وجب عليهم أن يحصِّل كل واحد رتبة الاجتهاد، أو يهيؤا من بينهم من يتفرَّغ لنيل هذه المرتبة، حيث يتعذَّر عليهم جميعاً السعي لهذا الاَمر أو يتعسَّر.

ولا يجوز لهم أن يقلِّدوا من مات من المجتهدين(١) .

____________________

=

الدليل، فليس من المعقول أن يحرم الناس جميعاً تحديد الموقف العملي تحديداً استدلالياً، ويحجر عليهم النظر في الاَدلّة التي تحدّد موقفهم تجاه الشريعة، فعملية الاستنباط إذن ليست جائزة فحسب، بل من الضروري أن تمارس، وهذه الضرورة تنبع من دافع تبعية الانسان للشريعة، والنزاع في ذلك على مستوى النزاع في البديهيات، وقد مرّت - كلمة الاجتهاد بمصطلحات عديدة في تاريخها بحيث ألقت ظلال تلك المصطلحات عليها، وأصبحت مثاراً للاختلاف نتيجة الغموض والتشويش، ولم تستقر في مدلولها اليوم حتى تجاوزت مراحل من التطورات في مفهوم اصطلاحها.

انظر: المعالم الجديدة للاصول: السيد الشهيد الصدرقدس‌سره : ٢٣ وما بعدها. وللمزيد من الاطلاع على ما يخص الغيبة راجع تاريخ الغيبة الصغرى للسيد محمد الصدر: ٣٩٥ الفصل الثالث (السفراء الأربعة حياتهم ونشاطهم).

(١) تقليد المجتهد الميت قسمان:

١ - ابتدائي.

٢ - بقائي.

والابتدائي: هو أن يقلد المكلف مجتهداً ميتاً من دون أن يسبق منه تقليده حال حياته.

=

١٥

والاجتهاد هو: النظر في الاَدلّة الشرعية لتحصيل معرفة الاَحكام الفرعية التي جاء بها سيِّد المرسَلينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي لا تتبدَّل، ولا تتغيَّر بتغيّر الزمان والاَحوال «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة»(١) .

والاَدلّة الشرعية هي: الكتاب الكريم، والسنَّة، والاجماع، والعقل، على التفصيل المذكور في كتب اُصول الفقه.

وتحصيل رتبة الاجتهاد تحتاج إلى كثير من المعارف والعلوم التي لا تتهيّأ إلاّ لمن جد واجتهد، وفرَّغ نفسه، وبذل وسعه لتحصيلها(٢) .

____________________

=

وهذا لا يجوز، ولو كان الميت أعلم من المجتهدين الأحياء.

والبقائي: هو أن يقلد مجتهداً معيناً شطراً من حياته ويبقى على تقليد ذلك المجتهد بعد موته. وهذا يجوز إذا كان المجتهد الميت أعلم من الأحياء أو إذا لم يعلم - ولو إجمالاً - بمخالفة فتوى المجتهد الميت لفتوى الحي في المسائل التي هو في معرض الابتلاء بها.

ولزيادة الاطلاع، راجع: العروة الوثقى: ١/ ١٧ - ١٨، المسائل المنتخبة للسيد السيستاني: ١٣ مسألة (١٢، ١٣، ١٤).

(١) الكافي: ١/٥٨ ح١٩، المحاسن: ١/٤٢٠ ح٩٦٣.

(٢) فيما يحتاج إليه المجتهد من العلوم، تسعة؛ ثلاثة من العلوم الاَدبية: وهي: الاَول: علم اللغة، والثاني: علم الصرف، والثالث: علم النحو.

وثلاثة من المعقولات: وهي: الاول: علم الاصول، والثاني: علم الكلام، والثالث: علم المنطق.

وثلاثة من المنقولات: وهي: الاول: علم الاصول، والثاني: علم الكلام، والثالث: علم المنطق.

وثلاثة من المنقولات: وهي: الاَول: العلم بتفسير آيات الاَحكام في القرآن الكريم، والثاني: العلم بالاَحاديث المتعلّقة بالاَحكام، والثالث: العلم بأحوال الرواة في الجرح والتعديل للمزيد من التفاصيل راجع: الوافية في اُصول الفقه للفاضل التوني: ٢٥٠ - ٢٩٠.

القرآن والعقيدة للسيد مسلم حمود الحلي: ٢٤٨ - ٢٥٢.

١٦

٤ - عقيدتنا في المجتهد

وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط: إنّه نائب للامامعليه‌السلام في حال غيبته(١) ، وهو الحاكم والرئيس المطلق، وله ما للإمام في الفضل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الامام، والراد على الامام راد على الله تعالى، وهو على حدّ الشرك بالله، كما جاء في الحديث عن صادق آل البيتعليهم‌السلام (٢) .

فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة(٣) ، فيُرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصّاته؛

____________________

(١) راجع الهامش (٦) من الصفحة ٢٤١ (عقيدتنا في الاجتهاد).

(٢) الاحتجاج: ٢/٢٦٠ ح٢٣٢، الكافي: ١/٥٤ ح١٠.

(٣) (ولاية الفقيه) تعبير عن السلطة الشرعية والسيادة القانونية للمجتهد الجامع للشرائط، الذي يعتبر امتداداً لرسالة الامامة، ولم تكن من مستحدثات العصور الحديثة، بل إنّ تأصيل هذه النظرية يمتد بجذوره إلى عصر صدر الاسلام وعصور الاَئمّة المعصومينعليهم‌السلام ، وهي في امتدادها للامامة تماثلها من حيث الوظائف العامة وتفترق عنها بما يتّصل بالنص الخاص على كل فقيهٍ فقيه، وبالعصمة الموقوفة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والاَئمّة الاثني عشر من بعدهعليهم‌السلام ، حيث أنّ العصمة والنص من المختصات للمعصومينعليهم‌السلام .

ولا بد من معرفة الحكمة من هذه الولاية العامة في عصر الغيبة، فهي تعني قيام الحجة على الناس، والقيادة الزمنية لرعاية مصالح العباد وإدارة شؤونهم في ضوء ما تقتضيه أحكام الشريعة الاسلامية، ومن غاياتها السامية حفظ الاَحكام الشرعية؛ ذلكم أنّ مهمة التشريع في الاسلام منقطعة إليه تعالى فهي مهمة الخالق القدير، وأمّا المسائل الشرعية في مختلف جوانب الحياة - وخاصة في الحوادث الواقعة - فلا تعدو كونها مصاديق لاَحكام سبق الانتهاء من صدورها وابلاغها من قبل النبي الاَكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته.. وروي عن

=

١٧

لايجوز لاَحد أن يتولاّها دونه، إلاّ بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلاّ بأمره وحكمه(١) .

ويرجع إليه أيضاً في الاَموال التي هي من حقوق الامام ومختصّاته(٢) .

____________________

=

الاِمام المهدي عجل الله تعالى فرجه: «وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا؛ فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم».

لاحظ: الامامة حتى ولاية الفقه: ٥١.

(١) يدل عليه رواية عمر بن حنظلة؛ حيث قال: «سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذه سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له؛ لاَنّه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى:( يُريدُونَ أنْ يَتَحَاكَمُوا إلى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أن يكْفُروا به ) قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ والرّاد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله».

راجع الوسائل: ٢٧/١٣٦ ح٣٣٤١٦، الكافي: ١/٥٤ ح١٠، الاحتجاج: ٢/٢٦٠ ح٢٣٢، تهذيب الاحكام: ٦/٢١٨ ح٥١٤ و٣٠١ ح ٨٤٥، والآية: النساء ٤: ٦٠.

(٢) ويقصد بالاَموال: الزكاة والخمس:

الزكاة: وهي من ضروريات الدين. وقد ورد في جملة من الاَخبار أنّ مانع الزكاة كافر، وأنّ من لا زكاة له لا صلاة له. ووجوبها في تسعة أشياء هي:

١ - الاَنعام الثلاثة: أ - الابل. ب - البقر. ج- - الغنم.

٢- النقدين: أ - الذهب. ب - الفضة.

٣- الغلات االاربع: أ - الحنطة. ب - الشعير. ج- - التمر د - الزبيب. ‎

وهي تؤخذ في كل عام من هذه التسعة بنسب، وبشروط مذكورة في محالّها، ولا تجب في غير هذه التسعة، إلاّ أنّها تستحب في مال التجارة والخيل وما تنبت الاَرض من الحبوب وغيرها. وتُصرف هذه الاَموال على ثمانية أصناف هي: ١ - الفقير ٢ - المسكين ٣- العاملين عليها ٤- المؤلفة قلوبهم ٥- الرقاب ٦- الغارمين ٧- سبيل الله - وهو جميع سبل الخير، وقيل خصوص ما فيه مصلحة عامة - ٨ - ابن السبيل - وهو المسافر الذي نفدت

=

١٨

وهذه المنزلة أو الرئاسة العامّة أعطاها الاِمامعليه‌السلام للمجتهد الجامع للشرائط؛ ليكون نائباً عنه في حال الغيبة، ولذلك يسمّى «نائب الاِمام».

____________________

=

نفقة، أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر على الذهاب إلى وطنه - وإن كان غنياً، ولا شيء من أحكام الزكاة عند الامامية إلا وهو موافق لمذهب من المذاهب الأربعة المعروفة. ولزيادة الاطلاع، راجع: العروة الوثقى: ٢/ ٨٧ - ١٣٤، المسائل المنتخبة للسيد السيستاني: ٢١٣ - ٢٣٣، اصل الشيعة واصولها - الطبعة المحققة لمؤسسة الامام عليعليه‌السلام - : ٢٤٣.

الخمس: وهو عند الامامية حق فرضه الله تعالى لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله عوض الصدقة التي حرمها عليهم من الزكاة. والأصل فيه قوله تعالى:( واعلموا أن ما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) الأنفال ٨: ٤١. وهو يجب في سبعة اشياء:

١- الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب بمقاتلتهم بإذن الإمام.

٢- المعادن، من الذهب والفضة والرصاص وما شابهها.

٣- الكنز.

٤- الغوص أي إخراج الجواهر من البحر.

٥- المال الحلال المخلوط باحرام على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه وبمقداره.

٦- الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

٧- ما يفضل عن مؤونة السنة ومؤونة العيال من ارباح التجارات والمكاسب.

ويقسم على ستة أقسام: ١- لله ٢- للنبي ٣- للامام. وهذه الاسهم الثلاثة مختصة بالامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه. ٤- الأيتام .٥- المساكين. ٦- أبناء السبيل.

وللمزيد من التوضيح راجع العروة الوثقى: ٢/ ١٧٠ - ١٩٩، المسائل المنتخبة للسيد السيستاني ٢٣٩ - ٢٥١، أصل الشيعة واصولها: ٢٤٥ وكافة كتب الفقه والرسائل العملية.

١٩

الفصل الاَول

الاِلهيات

عقيدتنا في الله تعالى

عقيدتنا في التوحيد

عقيدتنا في صفاته تعالى

عقيدتنا بالعدل

عقيدتنا في التكليف

عقيدتنا في القضاء والقدر

عقيدتنا في البداء

عقيدتنا في أحكام الدين

٢٠

٥ - عقيدتنا في الله تعالى

نعتقد: أنّ الله تعالى واحد احد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الاَوّل والآخر، عليم، حكيم، عادل، حي، قادر، غني، سميع، بصير. ولا يوصف بما تُوصف به المخلوقات؛ فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهراً ولا عرضاً، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه(١) ؟. كما لا ندَّ له، ولا شبه، ولا ضدّ، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم يكن له كفواً أحد، لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار.

ومن قال بالتشبيه في خلقه، بأن صوَّر له وجهاً ويداً وعيناً، أو أنّه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنّه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، أو نحو ذلك(٢) ، فانّه

____________________

(١) روي عن الامام عليعليه‌السلام قوله في جواب ذعلب: «لم أكن بالذي اعبد رباً لم أره» ثم أردف قائلاً في وصف الله تعالى: «ويلك لم تره العيون بمشاهدة الاَبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان. ويلك يا ذعلب، إنّ ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللّطافة لا يوصف باللّطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسّة، قائل لا باللّفظ، هو في الاَشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء فلا يقال شيء فوقه، وأمام كل شيء فلا يقال له أمام، داخل في الاَشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج».

التوحيد للصدوق: ٣٠٤ - باب حديث ذعلب - ، أمالي الصدوق: ٢٨٠ المجلس الخامس والخمسون، بحار الاَنوار: ٤/٢٧.

(٢) كقول الكرامية (إنّه تعالى في جهة فوق)!!

=

٢١

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

راجع: الفرق بين الفرق: ١٣١، الملل والنحل: ١/ ٩٩، وكذلك الأشاعرة في الإبانة في اصول الديانة: ٣٦ - ٥٥، وكذلك الوهابية رسالة العقيدة الحموية لإبن تيمية: ١/ ٤٢٩، الهدية السنية : ٩٧، والرسالة الخامسة منها لعبد اللطيف حفيد محمد بن عبدالوهاب.

وكذلك القول بأنه تعالى يتحد مع أبدان العارفين! كما حكم الصوفية قال العارف البلجرامي في كتابه «سبحة المرجان»:

انما الخلق المظهر الباري

هو في كل جزئه ساري

وقال الآخر منهم:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

ويراجع ديوان الشيخ ابن الفارض، كما في قصيدته التائية الكبرى المسماة بنظم السلوك ومطلعها:

سقتني حميا الحب راحة مقلتي

وكأسي محيا من عن الحسن جلت

وقصيدته اليائية، مطلعها:

سائق الأضعان يطوي البيد طي

منعما عرج على كثبان طي

ورسائل الشيخ عطار وغيرها كثير.

ذكر العلامة الحلي معقبا على هذه الخرافات بقوله: (فانظرو إلى هؤلاء المشايخ الذين يتبركون بمشاهدهم كيف اعتقادهم في ربهم، وتجويزهم تارة الحلول واخرى الاتحاد، وعبادتهم الرقص والتصفيق والغناء) إلى أن قال: (ولقد شاهدت جماعة من الصوفية في حضرة مولانا الحسينعليه‌السلام وقد صلوا المغرب سوى شخص واحد منهم كان جالسا لم يصل، ثم صلوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشخص، فسألت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص، فقال: وما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل؟ أيجوز ان يجعل بينه وبين الله حاجباً؟ فقلت: لا فقال: الصلاة حاجب بين العبد والرب) نهج الحق: ٥٨.

يراجع: مناقب العارفين للافالكي، وأسرار التوحيد: ١٨٦، والأنوار في كشف الاسرار للشيخ روزبهان البقلي، والمجلد الثاني من احياء العلوم للغزالي.

٢٢

بمنزلة الكافر به، جاهل بحقيقة الخالق المنزَّه عن النقص، بل كل ما ميّزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا - على حد تعبير الامام الباقرعليه‌السلام (١) - وما أجلّه من تعبير حكيم! وما أبعده من مرمى علمي دقيق!

وكذلك يلحق بالكافر من قال: إنّه يتراءى لخلقه يوم القيامة(٢) ، وإن

____________________

(١) انظر بحار الاَنوار: ٦٩/٢٩٣ ح٢٣، المحجة البيضاء: ١/٢١٩.

(٢) حيث حكم الاَشاعرة بأنّ الله تعالى يتراءى لخلقه. راجع: الابانة في أصول الديانة لاَبي الحسن الاَشعري: ٥ و٦، الملل والنحل: ١/٨٥ إلى ٩٤، وحاشية الكستلي المطبوع في هامش شرح العقائد للتفتازاني: ٧٠، اللوامع الالهية: ٨٢ و٩٨.

ويضيف البغدادي: (وأجمع أهل السنة على أنّ الله تعالى يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل، ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة من طريق الخبر). الفرق بين الفرق: ٣٣٥ - ٣٣٦.

وباستثناء المجسّمة الذين زعموا أنّ أهل المحشر كافة سيرونه - تعالى عن ذلك - يوم القيامة نصب أعينهم باتصال اشعّتها بجسمه، ينظرون إليه لا يمارون كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب.. فإنّ محل النزاع منحصر في أنّ رؤية الباري تعالى هل هي ممكنة مع تنزيهه؟ أم هي مع التنزيه ممتنعة مستحيلة؟ فالاَشاعرة ذهبوا إلى الاَول وذهبنا نحن - تبعاً لائمتناعليهم‌السلام - إلى الثاني.

راجع - للتفصيل: كتاب كلمة حول الرؤية للاِمام السيد عبد الحسين شرف الدين؛ فقد أوفى الغرض بمناقشة هذه المسألة واستعراضها باسلوب رصين.

هذا كله بالاضافة إلى ما ورد من الاَحاديث - المزعومة - التي ذكرت بأن الله خلق آدم على صورته، وأنّ له جوارح مشخصة، كالاَصابع والساق والقدم، وأنّ في ساقه علامة يعرف بها، وأنّه يضع قدمه في جهنّم يوم القيامة لتكف عن النهم فتقول: قط! قط!، وأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يراه - سبحانه - فيقع ساجداً، وأنّ الله يهبط يوم القيامة إلى العباد ليقضي بينهم، وأنّ المسلمين يرون ربّهم يوم القيامة كما يرون القمر لا يضامون في رؤيته. وغيرها الكثير؛ لاحظ: صحيح البخاري: ٨/٦٢، ٩/١٥٦، وصحيح مسلم: ٤/٢١٨٣ وغيرها، سنن ابن ماجه: ١/٦٤، مسند أحمد: ٢/٢٦٤ وغيرها، الموطأ: ١/٢١٤ ح٣٠، أصل الشيعة وأصولها - مقدمة المحقّق - هامش ص ٢٤.

٢٣

نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان؛ فان أمثال هؤلاء المدّعين جمدوا على ظواهر الاَلفاظ في القرآن الكريم أو الحديث، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم. فلم يستطيعوا أن يتصرَّفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.

٢٤

٦ - عقيدتنا في التوحيد

ونعتقد: بأنّه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنّه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب - ثانياً - توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأنّ صفاته عين ذاته - كما سيأتي بيان ذلك - وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية؛ فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق لا شريك له، وفي كلّ كمال لا ندَّ له.

وكذلك يجب - ثالثاً - توحيده في العبادة؛ فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أيّ نوع من أنواع العبادة؛ واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات.

ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك، كمن يرائي في عبادته ويتقرَّب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الاَصنام والاَوثان، لا فرق بينهما(١) .

____________________

(١) يذكر الشيخ المظفرقدس‌سره في محاضراته الفلسفية قوله: (في بحثنا الالهي نخطو خطوات ونجتاز مراحل:

١ - المرحلة الاولى: في إثبات أصل واجب الوجود.

٢ - المرحلة الثانية: بعد ثبوت أصل واجب الوجود لا بدّ أن يكون هو صرف الوجود.

٣ - المرحلة الثالثة: بعد ثبوت المرحلتين ننتقل إلى وحدانيته؛ لاَنّه إذا ثبت أنّه صرف الوجود فلا بد أن يكون واحداً؛ لاَنّ صرف الشيء لا بدّ أن يكون واحداً، وإلاّ لم يكن صرف الشيء، وإذا كان عارياً من كل حد فلا يعقل أن يتعدّد؛ لاَنّ الاَشياء إنّما تتمايز بالحدود.

فالتوحيد لا ينحصر في الاعتقاد بوحدة واجب الوجود وأنه صرف الوجود، بل هو تعالى واحد في خلقه وفيضه، فكل الاَشياء من فيضه وتجليات لنوره).

ثم يذكر الشيخقدس‌سره برهانا للقدماء على التوحيد، وملخصه: ( العالم واحد فلا

=

٢٥

أمّا زيارة القبور وإقامة المآتم، فليست هي من نوع التقرُّب إلى غير الله تعالى في العبادة - كما توهّمه بعض من يريد الطعن في طريقة الامامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها(١) - بل هي من نوع التقرُّب إلى الله تعالى

____________________

=

بد أن يكون الخالق واحدا؛ فهناك تلازم بين وحدة الخالق ووحدة المخلوق - وهو العالم - بحيث لو فرض وجود عالمين لفرض وجود إلهين اثنين، وهو مقولة: الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.

ثم يشير عند شرحه لخطبة التوحيد المشهورة للامام عليعليه‌السلام عند قولهعليه‌السلام : «وكمال توحيده الاخلاص له»: والفكرة العامية للاخلاص هو الاخلاص بالعبادة، ولكن هذا المعنى لا يترتب على ما قبله، ولا ينسجم مع ما بعده؛ فالاخلاص يعني تنزيه من كل النقائص، ومن كل شيء يقدح في كونه واجب الوجود، فهو أعم من الاخلاص في العمل والعبادة، فالتوحيد لا يكون توحيداً حقيقياً إلا إذا وحدته من جميع الجهات في ذاته وصفاته وأفعاله وعبادته أيضاً، فالاخلاص له يعني التوحيد من جميع الجهات، وتنزيهه عن الشريك من جميع النواحي إلى آخره).

يراجع: الفلسفة الاسلامية؛ محاضرات الشيخ المظفرقدس‌سره على طلاب كلية الفقه في النجف الاشرف، الدرس العاشر: ٩١، والدرس الحادي عشر: ٩٣، والدرس الرابع عشر: ١٠٣.

(١) وفي هذه العبارة التي ذكرها المصنفقدس‌سره إشارة إلى الشبهة التي أثارها بعض خصوم الشيعة حول زيارة القبور وأشاعوا انّها محرّمة. واعتمدوا في ذلك على الحديث النبوي الذي نقله النسائي في سننه، ولفظه «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج»: ٤/٩٥. ونقله أيضاً بنفس اللفظ: كنز العمال: ١٦/٣٨٨ ح٤٥٠٣٩. وذكره أيضاً ابن ماجه في سننه، ولكن بلفظ مختلف هو: «لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّارت القبور»: ١/٥٠٢ باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور، ح١٥٧٤ و ١٥٧٥ ، ١٥٧٦. ولا يخفى ما في متن الحديثين من تفاوت واضطراب؛ فلفظ زائرات يختلف عن زوّارت - بصيغه المبالغة - وكذلك عدم ورود الزيادة التي ذكرها النسائي اضافة إلى ذلك، ذكر هذا الحديث كل من محمد ناصر الدين الاَلباني في: سلسلة الاَحاديث الضعيفة: ١/٢٥٨ ح٢٢٥، وكذلك ابن عدي في: الكامل في الضعفاء: ٥/١٦٩٨ بدون ذكر الزيادة الموجودة في سنن النسائي.

=

٢٦

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

هذا من ناحية المتن، أما بالنسبة إلى السند، ففي سند هذا الحديث: عبدالوارث بن سعيد وأبو صالح - على رواية النسائي وراوية ابن ماجه الاولى - وعبدالله بن عثمان وعبدالرحمن بن بهمان - على رواية ابن ماجه الثانية - وهؤلاء يمكن الاطلاع على احوالهم مما يلي: -

١- عبدالوارث بن سعيد: قال عنه ابن حبان: كان قدرياً. وقال ابن أبي خيثمة: وكان يرمى بالقدر. وقال الساجي: كان قدرياً ذم لبدعته، وقال ابن معين: كان يرى القدر ويظهره. ذكر ذلك في تهذيب التهذيب: ٦/ ٣٩١ - ٣٩٢.

٢ - أبو صالح: وهو مردد بين ميزان البصري وبين باذام مولى ام هاني. والمرجح عند أهل الرجال والحديث أنه باذام. وباذام هذا قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: ١/ ٣٦٤ - ٣٦٥ أنه قال فيه أحمد: كان ابن مهدي قد ترك حديثه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: ولم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه. وقال زكريا بن أبي زائدة، كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ باذنه فيهزها ويقول: ويلك تفسر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن، وقال ابن المديني عن القطان عن الثوري: قال الكلبي قال لي أبو صالح: كلما حدثتك كذب. ونقل ابن الجوزي عن الازدي أنه قال: كذاب.

هذا ما ذكره تهذيب التهذيب. أما في سلسلة الأحاديث الضعيفة فبعد أن ذكر الحديث ورجح أن أبو صالح هذا هو باذام قال: (وأبو صالح هذا مولى ام هانئ بنت أبي طالب، واسمه باذان ويقال: باذام. وهو ضعيف عند جمهور النقاد ولم يوثقه أحد إلا العجلي وحده. بل كذبه اسماعيل بن أبي خالد والأزدي، ووصمه بعضهم بالتدليس وقال الحافظ في «التقريب»: ضعيف مدلس. وهو ضعيف عند ابن الملقن وعبد الحق الأشبيلي). سلسلة الأحاديث الضعيفة: ١/ ٢٥٨.

٣- عبدالله بن عثمان: قال النسائي: ثقة، وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان يخطئ ‎ وقال عبدالله بن الدورقي عن ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية. وقال: ابن خثيم ليس بالقوي علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث. ذكره تهذيب التهذيب: تهذيب التهذيب: ٦/ ١٣٥.

٤- عبدالرحمن بن بهمان: وهذا قال فيه ابن المديني: لا نعرفه. كما نقله عنه في تهذيب التهذيب: ٦/ ١٣٥.

هذا هو حال سند هذا الحديث وحال متنه، ويضاف إلى ذلك أنه معارض بأخبار أخر

=

٢٧

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

كثيرة أحسن منه متناً وأقوى سنداً؛ فقد جاء من الأحاديث التي تحث على زيارة قبر النبي العديد العديد منها ما في كنز العمال: ١٥/ ٦٥١ ح ٤٢٥٨٢ - ٤٢٥٨٤، وكذا في جزئه الخامس / ١٣٥ ح ١٢٣٦٨ - ١٢٣٧٣، وكذلك ما جاء في السنن الكبرى للبيهقي: ٥/ ٢٤٥ باب زيارة قبر النبي، وأما في زياره القبور بصورة عامة فلا حظ: كنز العمال: ١٥/ ٦٤٦ الفصل الثالث في زيارة القبور وفي الاحاديث من ٤٢٥٥١ إلى ٤٢٥٥٨، والسنن الكبرى للبيهقي: ٥/ ٢٤٩ باب زيارة القبور التي في بقيع الغرقد، وباب زيارة قبور الشهداء. وكذا في سنن ابن ماجه: ١/ ٥٠٠ باب ما جاء في زيارة القبور. وغير هذه المصادر الكثير الكثير مما يقصر هذا الموضع عن عدها. ولو سلمنا صحة الحديث السابق - جدلا - ومقاومته ومعارضته لكل هذه الأحاديث الصحيحة القوية، فان هذا الأحاديث يمكن أن نعتبرها ناسخة له إذا لا حظنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم بالاخرة» ذكره كنز العمال: ١٥/ ٦٤٦ ح ٤٢٥٥٥ وغيره كثير. هذا كله بالاضافة إلى إجماع المسلمين على جواز زيارة القبور، بل رجحانها واستحبابها، وقيام السيرة على ذلك منذ عهد النبي، فقد ذكر البيهقي في سننه الكبرى وغيره بأنه كلما كانت ليلة عائشة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وآتاكم ما توعدون» ذكره في الجزء: ٥/ ٢٤٩، وذكر النسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب زيارة قبور المشركين، وأبو داود في سننه في زيارة القبور ح٣٢٣٤، وبن ماجه في سننه في باب ما جاء في زيارة قبور المشركين: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله. بالاضافة إلى الاحاديث المتكاثرة التي تذكر بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم عائشة الدعاء عند زيارة القبور. ولو تجاوزنا هذا كله ورجعنا إلى الحديث الذي اعتمدوه ولا حظناه - بغض النظر عن كل ما قدمناه - فلن نجد فيه الدلالة التي ذكروها بل قد استفاد الكثير من المحدثين والفقهاء كراهة زيارة القبور بالنسبة للنساء فقط لا غير، وإليك نص العبارة التي ذكرها البيهقي في سننه الكبرى: ٤/ ٧٨، فقد قال: (إن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده ثم قال: وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مر بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال: «اتقي الله واصبري» وليس في الخبر أنه نهاها عن الخروج إلى المقبرة، وفي ذلك تقوية لما روينا

=

٢٨

بالاعمال الصالحة، كالتقرُّب إليه بعيادة المريض، وتشييع الجنائز، وزيارة الاخوان في الدين، ومواساة الفقير.

فإنّ عيادة المريض - مثلاً - في نفسها عمل صالح يتقرَّب به العبد إلى الله تعالى، وليس هو تقرُّباً إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته، وكذلك باقي أمثال هذه الاَعمال الصالحة التي منها: زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الاِخوان.

أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الاَعمال الصالحة الشرعية، فذلك يثبت في علم الفقه، وليس هنا موضع إثباته(١) .

____________________

=

عن عائشة إلا أن اصح ما روي ذلك صريحا حديث أم عطية وما يوافقه من الأخبار، فلو تنزهن عن اتباع الجنائز والخروج إلى المقابر وزيارة القبور كان أبرأ لدينهن). انتهى كلامه. وحديث أم عطية هو: قالت نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا: السنن الكبرى: ٤/ ٧٧ قال: وأخرجه مسلم في الصحيح من وجهين عن هشام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٠٢ ح ١٥٧٧.

ولزيادة الاطلاع والتوضيح راجع: كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب، للسيد محسن الأمين العاملي.

(١) وعلى سبيل المثال نذكر ما ورد في السنة والسيرة للنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول رجحان أمثال هذه الاَعمال الصالحة؛ منها ما رواه البخاري في صحيحه في باب فضائل أصحاب النبي: ٤/٢٠٤ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «على مثل جعفر فلتبك البواكي» وكذلك ندب النبي إلى البكاء على حمزة فقال: «على مثل حمزة فلتبك البواكي» راجع: طبقات ابن سعد: ٢/٤٤، ومغازي الواقدي: ١/٣١٧، ومسند أحمد: ٢/٤٠. وذكر النسائي في سننه، كتاب الجنائز باب زيارة قبور المشركين، وابو داود في سننه في زيارة القبور ح ٣٢٣٤ وابن ماجه في سننه في باب ما جاء في زيارة قبور المشركين: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زار قبر اُمه فبكى وأبكى من حوله.

وكذلك صح بكاء الزهراءعليها‌السلام على أبيها وبكاء زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام على أخويها الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وقال الامام الصادقعليه‌السلام : «قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى» كامل الزيارات: ١٠٨.

وقالعليه‌السلام : «نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة، وكتمان سرنا جهاد

=

٢٩

والغرض؛ إنّ إقامة هذه الاَعمال ليست من نوع الشرك في العبادة - كما يتوهمه البعض - وليس المقصود منها عبادة الاَئمّة، وإنّما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإنَّها مِنْ تَقْوى القُلُوب ) (١) .

فكلّ هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع إستحبابها، فإذا جاء الانسان متقرِّباً بها إلى الله تعالى، طالباً مرضاته، استحقّ الثواب منه، ونال جزاءه.

____________________

=

في سبيل الله». بحار الأنوار: ٤٤/ ٢٧٨ ح٤.

وقال الامام الرضاعليه‌السلام : «من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» أمالي الصدوق: المجلس السابع عشر.

(١) الحج ٢٢: ٣٢.

٣٠

٧ - عقيدتنا في صفاته تعالى

ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال - كالعلم، والقدرة، والغنى، والاِرادة، والحياة - هي كلّها عين ذاته، ليست هي صفات زائدة عليها، وليس وجودها إلاّ وجود الذات؛ فقدرته من حيث الوجود حياته، وحياته قدرته، بل هو قادر من حيث هو حي، وحي من حيث هو قادر، لا إثنينيه في صفاته ووجودها، وهكذا الحال في سائر صفاته الكماليّة.

نعم، هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها، لا في حقائقها ووجوداتها؛ لاَنّه لو كانت مختلفة في الوجود - وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات - للزم تعدّد واجب الوجود، ولانثلمت الوحدة الحقيقية، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد(١) .

وأمّا الصفات الثبوتية الاضافية - كالخالقية، والرازقية، والتقدّم، والعلّية - فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية، وهي القيّومية

____________________

(١) يشير الشيخ المظفرقدس‌سره إلى هذا المعنى بقوله: -

(أمّا القول بالاعتبار الذي معناه أنّ الصفات لا واقع خارجي لها، فنحن نعتبر هذا الكلام غير صحيح؛ لاَنّ الله تعالى وصف نفسه بأنّه عليم حكيم قادر هو محض القدرة والعلم والحياة، لا أنّه ذات لها القدرة والعلم والحياة، ولكن هذه الصفات متغايرة بالمفهوم الذي يفهم منه لدى الذهن؛ لاَنّها ألفاظ غير مترادفة، فتغايرها اعتباري مفهومي فقط، فلا تغاير في الصفات وجوداً، ولا من حيث الحيثيّة، ولا تعددها اعتباري كما ذكروا، بل هناك تعدد مفهومي يحكي عن حقيقة هو كلّ الحقائق. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «فمن وصفه فقد عدّه..» أليس هو قد وصفه بصفات كثيرة؟! ولكنه يعني أنّ من وصفه بصفات زائدة على الذات، بحيث يوجب تعدد الذات وتعدّد القدماء، ويخرج عن كونه واجب الوجود).

الفلسفة الاسلامية محاضرات الشيخ المظفرقدس‌سره : ١٠٢.

٣١

لمخلوقاته، وهي صفة واحدة تنتزع منها عدّة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.

وأمّا الصفات السلبية التي تسمّى بصفات الجلال، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الامكان عنه؛ فإنّ سلب الاِمكان لازمه - بل معناه - سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون، والثقل والخفّة، وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.

ثمّ إنّ مرجع سلب الاِمكان - في الحقيقة - إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الاَمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية) ، والله تعالى واحد من جميع الجهات، لا تكثّر في ذاته المقدّسة، ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.

ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية؛ لمّا عزّ عليه أن يفهم كيف أنّ صفاته عين ذاته، فتخيّل أنّ الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب؛ ليطمئنّ إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثّرها، فوقع بما هو أسوأ؛ إذ جعل الذات التي هي عين الوجود، ومحض الوجود، والفاقدة لكلّ نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب(١) ، أعاذنا الله من شطحات الاَوهام، وزلاّت الاَقلام.

____________________

(١) في كلام المصنّفقدس‌سره إشارة إلى ما ذهب إليه الشيخ الصدوققدس‌سره في قوله: (كلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته فإنّما نريد بكل صفة منها نفي ضدّها عنه عز وجل. ونقول: لم يزل الله عز وجل سميعاً بصيراً عليماً حكيماً قادراً عزيزاً حياً قيوماً واحداً قديماً. وهذه صفات ذاته.

ولا نقول: إنّه عز وجل لم يزل خلاّقاً فاعلاً شائياً مريداً راضياً ساخطاً رازقاً وهاباً متكلماً؛ لاَنّ هذه صفات أفعاله، وهي محدثة لا يجوز أن يقال: لم يزل الله موصوفاً بها) الاعتقادات: ٨.

=

٣٢

كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته؛ فقال بتعدّد القدماء، ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه - تعالى عن ذلك -(١) .

____________________

=

الاعتقادات: ٨.

ولا يخفى أن هذا يعني أنه يمكن انطباق عدة سلوب على موضوع واحد؛ فمعنى الحياة هو عدم الموت، ومعنى العلم عدم الجهل، ومعنى القدرة عدم العجز.. وهكذا، وهذه اسلوب يمكن انطباقها على ذات واحدة، فيتبين أن الله - تعالى عن ذلك - هو مجموعة اسلوب، ويعقب الشيخ المظفر على ذلك بقوله: (نحن نحترم الشيخ الصدوق - كمحدث وناقل - فاذا تحدث عن مثل هذه الامور فلا نقبل آراءه. فنحن نريد أن نقول: أنه لا تعدد حقيقي، ولا من حيث الحيثية، ولا تعدد اعتباري؛ لأن التعدد من ناحية الاعتبار ومن ناحية الحيثية لا قيمة له، فالفكرة التي نؤمن بها يعرب عنها الفارابي بقوله : (هو عالم من حيث قادر ، وقادر من حيث هو حي ، وحي من حيث هو عالم ..) إن هذه الصفات ليس فيها تعدد حقيقي ولا تعدد حيثية ؛ لان جهة العلم ليست غير جهة الحياة ، فالتعدد الذي نتصوره هو بالمفهوم الذي يحكي عن حقيقة ، وتعددها عين وحدتها نحن نقول : انه عالم من حيث هو قادر ، وهو حيثيات واقعية ولكن لا بمعنى ان لها وجودات مستقلة ، بل بمعنى ان نفس الوجود هو بنفسه العلم وهو بنفسه القدرة لا ان القدرة موجودة بذلك الوجود لتكون حيثية مقابلة لتلك الحيثية ، فهذه الصفات وان كانت حقيقة وواقعية ففي عين تعددها هي واحدة ، وتعدد هذه المفاهيم يكشف عن معنى حقيقي ولكن ليس هناك تعدد حتى بالمعنى ، وهذا العمق في هذا القول هو الذي غاب عن أفكار أصحاب الاقوال السابقة ) لاحظ : الفلسفة الاسلامية للمظفر : ١٠١ - ١٠٢. راجع : تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ٤١، وكذلك : مطارح النظر في شرح الباب الحادي عشر للشيخ صفي الدين الطريحي : الفصل الثالث : ١٣١- ١٦٢.

(١) نجد أنّ الشيخ المؤلف قد اوضح هذه المسألة من حيث أنّ الاَقوال فيها كما يلي: -

١ - الصفات زائدة على الذات، ولكنها لازمة لها أي واجبة الوجود أيضاً، هذا قول الاَشاعرة.

٢ - قول الكرامية بأنّ الصفات زائدة على الذات ولكنها غير لازمة لها؛ لاَنّها لو كانت

=

٣٣

قال مولانا أمير المؤمنين وسيِّد الموحّدينعليه‌السلام : «وكمالُ الاِخلاصِ لهُ نفيُ الصِفاتِ عنهُ؛ لشهادةِ كلِّ صفةٍ أَنَّها غيرُ المَوصوفِ، وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنَّه غيرُ الصفةِ، فمَنْ وَصَفَ الله سبحانه فَقدْ قرنَهُ، ومَنْ قرنَهُ فَقدْ ثنّاهُ، ومَنْ ثنّاهُ فَقدْ جزّأَهُ، ومن جزّأَهُ فَقدْ جَهِلَهُ...»(١) .

____________________

=

لازمة لكانت واجبة الوجود وحينئذٍ يلزم تعدد واجب الوجود.

٣- وقول بأن وجود الصفات نفس وجود الذات أي متحدة بالوجود مع تعدد الحيثية، كتعدد حيثيات صفات الانسان ، فالنفس في وحدتها كل القوى أي وجودا.

٤- وقول بأن هذا التعدد اعتباري ، أي ليس هناك تعدد في الوجود ولا في الحيثيات ، وإنما يعتبرها الذهن ، ومنشأ الاعتبار هو نفس الذات.

فهذه الأقوال جميعا لا نرتضيها ؛ لأنها كلها غير صحيحة ، وإنما نشأ الخلط في دقة النظر في فهم عينية الصفات للذات.

الأشاعرة لم يفهموا معنى عينية الصفات للذات وظنوا أن معنى ذلك أنه تعالى لا صفات له ، والكرامية قالوا : إن الصفات لو كانت ملازمة للزم تعدد واجب الوجود ، والقائلون بتعدد الحيثيات قالوا بأن هذا لا يثلم عقيدة التوحيد ، والقائلون بالاعتبار قالوا : إن القول بتعدد الحيثيات غير معقول.

الفلسفة الاسلامية للشيخ المظفر : ١٠٠.

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١ (من كلام لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والاَرض)، الاحتجاج: ٢/٤٧٣ ح١١٣.

٣٤

٨ - عقيدتنا في العدل

ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنّه عادل غير ظالم، فلا يجور في قضائه، ولا يحيف في حكمه؛ يثيب المطيعين، وله أن يجازي العاصين، ولا يكلِّف عباده ما لا يطيقون، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقّون(١) .

ونعتقد: أنّه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة، ولا يفعل القبيح؛ لاَنّه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن، وقبح القبيح، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرّر بفعله حتى يحتاج إلى تركه، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله. وهو مع كل ذلك حكيم؛ لا بدّ أن يكون فعله مطابقاً للحكمة، وعلى حسب النظام الاَكمل(٢) .

____________________

(١) العدل هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه، والظلم هو منع الحقوق، والله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم قد ضمن الجزاء على الاعمال والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده، فقال تعالى( لِلّذينَ أحسَنُوا الحُسْنَى وزيادة ) يونس ١٠: ٢٦. فخبّر أنّ للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده، وقال:( مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِهَا ) يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها،( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فِلا يُجزَى إلاّ مِثْلَها وَهُم لا يُظلَمون ) الانعام ٦: ١٦٠. يريد أنّه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه، ثم ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران. فقال سبحانه( وإنّ ربّك لَذو مَغفِرةٍ للنَّاسِ على ظلمهم ) الرعد ١٣: ٦. وقال سبحانه:( إنّ الله لا يَغْفِر أن يُشركَ بِهِ ويَغفر مَا دُونَ ذَلِكَ لَمَنْ يَشاءُ ) النساء ٤: ٤٨... وقد أمر الله تعالى بالعدل ونهى عن الجور فقال تعالى:( إنَّ الله يأمُر بِالعَدلَ والاِحْسن ) النحل ١٦: ٩٠.

تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد: ١٠٣.

(٢) وتعتبر الشيعة الامامية العدل من أصول الدين وليس هو في الحقيقة اصلاً مستقلاً، بل هو

=

٣٥

فلو كان يفعل الظلم والقبح - تعالى عن ذلك - فانّ الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور:

١ - أن يكون جاهلاً بالأمر، فلا يدري أنّه قبيح.

٢ - أن يكون عالماً به، ولكنّه مجبور على فعله، وعاجز عن تركه.

٣ - أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلى فعله.

٤ - أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له تشهّياً وعبثاً ولهواً.

وكل هذه الصور محال على الله تعالى، وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزَّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.

____________________

=

مندرج في نعوت الحق ووجوب وجوده المستلزم لجامعيّته لصفات الجمال والكمال فهو شأن من شؤون التوحيد، ولكن الاَشاعرة لما خالفوا العدلية - وهم المعتزلة والامامية - فانكروا الحسن والقبح العقليين وقالوا: ليس الحسن إلاّ ما حسّنه الشرع وليس القبح إلاّ ما قبحه الشرع، وأنه تعالى لو خلد المطيع في جهنم والعاصي في الجنة لم يكن قبيحاً؛ لاَنّه يتصرف في ملكه( لا يُسئَلُ عَمَّا يَفْعَل وَهُم يُسْئَلُونَ ) الانبياء ٢١: ٢٣. أمّا العدلية فقالوا: انّ الحاكم في تلك النظريات هو العقل مستقلاً، ولا سبيل لحكم الشرع فيها إلاّ تأكيداً وارشاداً، والعقل يستقل بحسن بعض الاَفعال وقبح البعض الآخر ويحكم بأنّ القبيح محال على الله تعالى؛ لاَنّه حكيم وفعل القبيح مناف للحكمة وتعذيب المطيع ظلم والظلم قبيح وهو لا يقع منه تعالى.

وبهذا أثبتوا لله صفة العدل وأفردوها بالذكر دون سائر الصفات إشارة الى خلاف الاشاعرة.

والعدلية بقاعدة الحسن والقبح العقليين اثبتوا جملة من القواعد الكلامية : كقاعدة اللطف ، ووجوب شكر المنعم ، ووجوب النظر في المعجزة ، وعليها بنوا أيضا مسألة الجبر والاختبار التي هي من معضلات المسائل.

للتفصيل راجع : أصل الشيعة واصولها للشيخ كاشف الغطاء : ٢٣٠.

مطارح النظر للشيخ الطريحي : الفصل الرابع ١٦٤.

٣٦

غير أن بعض المسلمين جوَّز عليه تعالى فعل القبيح(١) - تقدَّست أسماؤه - فجوَّز أن يعاقب المطيعين، ويدخل الجنّة العاصين، بل الكافرين، وجوَّز أن يكلِّف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه، ومع ذلك يعاقبهم على تركه، وجوَّز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة، بحجّة أنّه( لا يُسئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسئَلونَ ) (٢) .

فربُّ أمثال هؤلاء الذين صوَّروه على عقيدتهم الفاسدة: ظالم، جائر، سفيه، لاعب، كاذب، مخادع، يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، وهذا هو الكفر بعينه، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه:( وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلْماً للعِبَادِ ) (٣) .

وقال:( وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ ) (٤) .

وقال:( وَمَا خَلَقْنَا الْسَّمواتِ والاَرضَ وَمَا بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (٥) .

وقال:( وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ والاِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٦) .

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، سبحانك ما خلقت هذا باطلاً.

____________________

(١) والى ذلك ذهبت الاَشاعرة بقولهم إنّ الله تعالى قد فعل القبائح بأسرها من أنواع الظلم والشرك والجور والعدوان ورضي بها وأحبّها - جل عن ذلك سبحانه وتعالى -. ولتفصيل هذه الاَفكار الباطلة يراجع: نهج الحق للعلامة الحلّي: ٨٥، شرح العقائد وحاشيتة للكستلي: ١٠٩ و١١٣، الملل والنحل: ١/٨٥، ٨٨، ٩١، الفصل لابن حزم: ٣/٦٦ و٦٩، شرح التجريد للقوشجي: ٣٧٣.

(٢) الانبياء ٢١: ٢٣.

(٣) غافر ٤٠: ٣١.

(٤) البقرة ٢: ٢٠٥.

(٥) الدخان ٤٤: ٣٨.

(٦) الذاريات ٥١: ٥٦.

٣٧

٩ - عقيدتنا في التكليف

نعتقد: أنّه تعالى لا يكلِّف عباده إِلاّ بعد إقامة الحجّة عليهم(١) ، ولا

____________________

(١) لا بد من معرفة أنّ حقيقة التكليف تعني: إرادة المريد من غيره ما فيه كلفة ومشقة. فيكون عندئذ المرجع هو الارادة، بقرينة ما ذكر في التعريف من الكلفة والمشقة. وأردف السيد الشريف المرتضى علم الهدى بعد ذلك بقوله - مصحّحاً القول: إنّ التكليف لا يحسن إلاّ بعد اكمال العقل ونصب الادلّة -: (وأنه تعالى اكمل العقول وحصل سائر الشروط فلا بد من أن يكلِّف، وهذا يدل على أن التكليف غير التعريف ). وقد بحث علماؤنا مباحث التكليف بصورة مستفيضة ذاكرين وجوه المراد بالتكليف وتعلقها بالمكلِّف والمكلَّف وصفات المكلف، والغرض من هذا التكليف، والوجه المجرى به إليه، وما الافعال التي يتناولها، وما المكلِّف الذي كلف هذه الاَفعال، وبأي شيء مختص من الصفات حتى يحسن أو يجب تكليفه. والمعلوم أنّ هذا الموضوع هو من بحوث الارادة الذي استحق من المتكلمين عناية وعنواناً مفرداً على أثر الاختلاف العظيم بين العلماء وزعماء المذاهب في المشيئة الالهية المذكورة في آيات الذكر الحكيم وتعلقها بأمور غير مرضية لديه سبحانه، ثمّ في تأويلها بوجوه لا تخلو عن التكلّف في الاَكثر وأهمّها الآية ١٤٨ من سورة الاَنعام( سَيقوُل الّذين أشركُوا لو شاءَ الله ما أشركْنَا ولا آباؤُنَا ولا حَرّمنا مِنْ شَيء كَذلِكَ كذّبَ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأسَنَا قُلْ هَل عِنْدَكُم مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبعونَ إلاّ الظَنَّ وإنْ أَنْتُمْ إلاّ تخرُصُون ) والآية ٢٠ من سورة الزخرف:( وَقالُوا لَو شَاءَ الرّحمنُ ما عبدنهُمْ مَا لَهُم بِذلِكَ مِنْ عِلمٍ إنْ هم إلاّ يَخرُصوُنَ ) وآيات كثيرة توهم تعلق إرادة الخالق بما يستقبحهُ المخلوق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ومن هذا يبدو أنّ شيخنا المظفرقدس‌سره أفرد عنواناً مستقلاً للتكليف سطر فيه ما يمكن أن يختصر نظرية الامامية في هذا الباب، ذلك أنّ مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام لها موقف واضح معروف يؤكّد على تنزيه الرب الكريم سبحانه وتقديسه عن كل ما هو قبيح أو شبه قبيح وشدة استنكارها بتعلّق مشيئة الله أو إرادته بشرك أو ظلم أو فاحشة قط، فضلاً عن فعله أو خلق فعله أو الاَمر به؛ إذ كل ذلك سيقع خلافاً لحكمته وعدله وفضله.

=

٣٨

يكلِّفهم إلاّ ما يسعهم ما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون؛ لاَنّه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصِّر في التعليم.

أمّا الجاهل المقصِّر في معرفة الاَحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى، ومعاقَب على تقصيره؛ إذ يجب على كلّ إنسان أن يتعلَّم ما يحتاج إليه من الاَحكام الشرعية(١) .

____________________

=

ومحصلة القول ما ذكره الشيخ المفيد بقوله: إنّ الله تعالى لا يريد إلاّ ما حسن من الاَفعال، ولا يشاء إلاّ الجميل من الاعمال، ولا يريد القبائح، ولا يشاء الفواحش - تعالى الله عمّا يقول المبطلون علواً كبيرا- :

قال الله تعالى :( وما الله يريد ظلماً للعباد ) غافر ٤٠ : ٣١.

وقال تعالى :( يريد الله بكم اليسرة ولا يريد بكم العسر ) البقرة ٢ : ١٨٥.

وقال تعالى :( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) النساء ٤ : ٢٦.

وقال تعالى :( والله يرريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماُ ) النساء ٤: ٢٧.

وقال تعالى :( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسن ضعيفا ) النساء ٤: ٢٨. فخبر سبحانه أنه لا يريد بعباده العسر بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم البيان ولا يريد لهم الضلال ، ويريد التخفيف عنهم ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنافى ذلك إرادة البيان لهم والتخفيف عنهم واليسر لهم وكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب اليه الضالون المفترون على الله الكذب تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كلبيرا.

لاحظ : الذخيرة للسيد المرتضى : ١٠٥، تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد : المجلد ٥ من مصنفات الشيخ المفيد : ٤٨-٥١.

(١) ويدلّ عليه ما ورد في كتاب الله تعالى من قوله:( فَسْئَلُوا أَهلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون ) النحل ١٦: ٤٣ وقوله تعالى:( فَلَولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدِّين ولُينذرِوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعوا إليْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرون) التوبة ٩: ١٢٢.

ويدلّ عليه أيضاً قول الامام الصادقعليه‌السلام عندما سئل عن قوله تعالى:( قلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ) الانعام ٦: ١٤٩. فقالعليه‌السلام : «إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالماً؟ فان قال نعم قال له: أفلا عملت بما علمت؟! وإن قال: كنت

=

٣٩

ونعتقد: أنّه تعالى لا بدَّ أن يكلِّف عباده، ويسنَّ لهم الشرائع، وما فيه صلاحهم وخيرهم؛ ليدلّهم على طرق الخير والسعادة الدائمة، ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح، ويزجرهم عمّا فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم، وإن علم أنّهم لا يطيعونه؛ لاَنّ ذلك لطف ورحمة بعباده، وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا والآخرة، ويجهلون الكثير ممّا يعود عليهم بالضرر والخسران، والله تعالى هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته، وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته، ويستحيل أن ينفك عنه.

ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمرّدين على طاعته، غير مناقدين إلى أوامره ونواهيه.

____________________

=

جاهلاً، قال له: أفلا تعلّمت حتى تعمل؟! فيخصم، فتلك الحجة البالغة». الاَمالي للشيخ الطوسي: ٩ ح١٠/١٠. ونقله عنه: البحار: ٢/٢٩ ح١٠.

والحديث الوارد عن الامام الصادقعليه‌السلام : (عليكم بالتفقه في دين الله ، ولا تكونوا أعرابا ؛ فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة ولم يزك له عملا .)الكافي :١/٢٤ ح٧.

كما ورد في الرسائل العملية للعلماء الأعلام : يجب على المكلف تعلم مسائل الشك والسهو التي في معرض ابتلائه لئلا يقع - لولا التعلم - في مخالفة تكليف إلزامي متوجه اليه عند طروهما لاحظ منهاج الصالحين للسيد السيستاني : العبادات / مسألة ١٩ص١٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176