بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤
0%
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597
منكما ١ . قلت و رواه الطبري و روى ما بعده ٢ .
قال : و روى المحدثون أيضا أنّ المسلمين سمعوا ذلك اليوم صائحا من جهة السماء ينادي : « لا سيف إلاّ ذو الفقار ، و لا فتى إلاّ علي » فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمن حضره : ألا تسمعون ؟ هذا صوت جبريل .
قال : و أما يوم حنين . فثبت معه في نفر يسير من بني هاشم بعد أن ولّى المسلمون الأدبار ، و حامى عنه ، و قتل قوما من هوازن بين يديه ، حتى ثابت إليه الأنصار ، و انهزمت هوازن ، و غنمت أموالها ، و أما يوم خيبر فقصّته مشهورة ، الخ ٣ .
قلت : لم خصّ تلك المواطن باحد و حنين و خيبر ؟ و لم لم يذكر يوم الأحزاب ، يوم عمرو بن عبد ود ، و قد كان الفتح في جميع غزوات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على يده ، و تقدم الكلام فيها في الأوّل عند قوله عليه السلام : « أما و اللّه إن كنت لفي ساقتها حتّى ولّت بحذافيرها ما ضعفت و لا جبنت » ٤ و لم تكن مواساته عليه السلام مختصة بغزواته . لم لم يذكر ليلة المبيت ، و قد ذكر الثعلبي منهم في قوله تعالى : و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه ٥ أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا أراد الهجرة خلّف عليا عليه السلام بمكّة لقضاء ديونه و ردّ الودايع الّتي كانت عنده ، و أمره ليلة خرج إلى الغار ، و قد أحاط المشركون بالدار ، أن ينام على فراشه . ففعل فأوحى عزّ و جلّ إلى جبرئيل و ميكائيل : إنّي قد آخيت بينكما ،
و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر . فأيّكم يؤثر صاحبه بالحياة ،
ــــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٢ .
( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ سنة ٣ .
( ٣ ) المصدر نفسه .
( ٤ ) مر في عنوان ٢ من هذا الفصل .
( ٥ ) البقرة : ٢٠٧ .
فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى إليهما : ألاّ كنتما مثل علي آخيت بينه و بين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه ، و يؤثره بالحياة ، فاهبطا إلى الارض .
فاحفظاه من عدوه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه ، و ميكائيل عند رجليه ، فقال جبرئيل : بخ بخ . من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة . فأنزل اللّه تعالى على رسوله ، و هو متوجّه إلى المدينة في شأن علي عليه السلام و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه ١ و لم لم يذكر يوم البراءة .
« نجدة أكرمني اللّه بها » أي : شجاعة . جعله ( ابن أبي الحديد ) مفعولا مطلقا حذف عامله ٢ ، و جعله « خو » مفعولا له لقوله « و لقد واسيته » ٣ ، و الصواب :
كونه خبرا ، أي : تلك المواساة نجدة أكرمني اللّه بها .
رووا أنّه قيل لخلف الأحمر : أيّهما أشجع عنبسة و بسطام أم علي ؟ فقال :
إنّما يذكران مع البشر لا مع من يرتفع عن هذه الطبقة . فقيل له : فعلى كل حال .
فقال : و اللّه لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما ٤ .
« و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّ رأسه لعلى صدري » قال الطبري : ان عليا عليه السلام كان يغسّله ، قد أسنده إلى صدره ، و عليه قميصه يدلكه من ورائه ٥ .
و في ( الإرشاد ) : و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا قرب خروج نفسه قال له : ضع يا علي رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر اللّه تعالى . فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك ،
و امسح بها وجهك ثم وجّهني ، و تولّ امري ، و صلّ علي أوّل الناس ، و لا تفارقني حتّى تواريني في رمسي ، و استعن باللّه تعالى . فأخذ علي عليه السلام رأسه
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه عن الثعلبي ابن طاووس في الطرائف ١ : ٣٧ ، ح ٢٧ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٢ .
( ٣ ) شرح الخوئي ٦ : ٤٤ .
( ٤ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ٥٥ ، شرح الكتاب ٣٥ .
( ٥ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥١ سنة ١١ .
في حجره فاغمي عليه فأكبّت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه و تندبه و تبكي و تقول :
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ففتح النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عينه و قال بصوت ضئيل : يا بنية هذا قول عمّك أبي طالب لا تقوليه ، و لكن قولي : و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ١ فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه ،
فدنت منه فأسرّ إليها شيئا تهلّل وجهها له ٢ .
و روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) عن ام سلمة قالت : و الّذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعثه في حاجة غداة قبض فكان يقول : أجاء علي ثلاث مرّات فجاء علي قبل طلوع الشمس فخرجنا من البيت لمّا عرفنا أنّ له إليه حاجة . فأكبّ عليه علي عليه السلام فكان آخر الناس به عهدا و جعل يسارّه و يناجيه ٣ .
و عن الطبري في ( الولاية ) و الدار قطني في ( الصحيح ) ، و السمعاني في ( فضائله ) عن عائشة قالت : قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو في بيتها : ادعوا لي حبيبي .
فدعوت له أبا بكر فنظر إليه ثم وضع رأسه . ثم قال : ادعوا لي حبيبي . فدعوا له عمر . فلمّا نظر إليه قال : ادعوا لي حبيبي . فقلت : ويلكم ادعوا له عليّا . فو اللّه ما يريد غيره . فلمّا رآه أفرج الثوب الّذي كان عليه ثم أدخله فيه ، و لم يزل يحتضنه حتّى قبض و يده عليه ٤ .
و روى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) عن ابن عباس قال : لمّا مرض
ــــــــــــــــــ
( ١ ) آل عمران : ١٤٤ .
( ٢ ) الارشاد : ١٠٠ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٣ ) أخرجه أحمد في مسنده ٦ : ٣٠٠ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٤ ) رواه عنهم السروي في مناقبه ١ : ٢٣٦ .
النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مرضه الّذي مات فيه قال : ادعوا عليّا . قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر و قالت حفصة : ندعو لك عمر . و قالت امّ الفضل ، ندعو لك العبّاس . فلمّا اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليّا صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، فسكت فقال عمر : قوموا عن رسول اللّه ١ .
و روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن أبي غطفان قال : سألت ابن عباس أرأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم توفّي و رأسه في حجر أحد ؟ قال : توفّي و هو لمستند إلى صدر علي عليه السلام . قلت : فإنّ عروة حدّثني عن عايشة أنّها قالت توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بين سحري و نحري . فقال ابن عباس : أتعقل ؟ و اللّه لتوفي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أنّه لمستند إلى صدر علي عليه السلام و هو الّذي غسّله ، و أخي الفضل ،
و أبى أبي أن يحضر ، و قال : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يأمرنا أن نستتر فكان عند الستر ٢ .
و من المضحك أنّ عائشة خطبت يوم الجمل كما في ( بلاغات أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) فقالت : قبض النبي بين سحري و نحري ، و أنا إحدى نسائه في الجنّة له ادّخرنى ربي ، و حصتى من كل بضع ، و بي ميّز مؤمنكم من منافقكم ٣ فقولها : « قبض النبي بين سحري و نحري » كقولها : « بي ميّز مؤمنكم من منافقكم » و على قولها يكون اللّه منافقا حيث لم يرض خروجها و قال لها و قرن في بيوتكن و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى ٤ فضلا عن جبرئيل و أمير المؤمنين عليهما السلام حيث قال تعالى أيضا و لصاحبتها : و ان
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه عنهم السروي في مناقبه ١ : ٢٣٦ .
( ٢ ) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٥١ .
( ٣ ) بلاغات النساء : ١٢ .
( ٤ ) الاحزاب : ٣٣ .
تظاهرا عليه فإنّ اللّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ١ و لزم أن يكون مروان بن الحكم مؤمنا حيث ساعدها في الجمل .
قال ابن أبي الحديد : قالت الشيعة : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم توفي لليلتين بقيتا من صفر و الأكثرون أنّه في شهر ربيع الأوّل بعد مضي أيّام منه ٢ .
قلت : ما نسبه إلى الشيعة إنّما هو قول بعضهم ، المفيد و الطوسي و ذهب الكليني في ( كافيه ) : إلى كونه في الثاني عشر من ربيع الأول ، و في ( إثبات الوصيّة ) أيضا : انّه في ربيع الأول ٣ .
« و لقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي » روى ابن المغازلي في ( مناقبه ) : أنّ عائشة سئلت : من كان أحبّ الناس إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقالت :
فاطمة . فقيل لها : من الرجال ؟ قالت : زوجها و ما يمنعه منه ، و اللّه إنّه كان صوّاما قوّاما ، و لقد سالت نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في يده فردّها إلى فيه ٤ .
و اختلاف قولها هذا مع قولها يوم الجمل المتقدم محمول على اختلاف المقامات في سخطها و رضاها ، و أيضا قد يجري اللّه الحق على لسان أهل الباطل فيقرّون بها إتماما للحجّة . و مر خبر كاتب الواقدي في تكذيب ابن عباس لها في قولها الأوّل .
ثم اختلف في المراد من سيلان نفسه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فالمفهوم من ابن أبي الحديد و ابن ميثم كون المراد به سيلان الدم من قولهم « ذو نفس سائلة » فقالا : « يقال انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قاء دما يسيرا وقت موته ، و أنّ عليا عليه السلام مسح بذلك الدم
ــــــــــــــــــ
( ١ ) التحريم : ٤ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٣ .
( ٣ ) قاله المفيد في الارشاد : ١٠١ ، و في تاريخه : ٦٣ ، و الطوسي في التهذيب ٦ : ٢ ، و أيضا الراوندي في قصص الأنبياء ، و عنه : البحار ٢٢ : ٥١٤ و قال القول الثاني : الكليني في الكافي ١ : ٤٣٩ ، و المسعودي في إثبات الوصية : ١٠٦ .
( ٤ ) رواه عن مناقب ابن المغازلي ابن طاووس في الطرائف ١ : ١٥٧ ح ٢٤٤ ، لكن لم يوجد في النسخة المطبوعة .
وجهه » ١ و المفهوم من المفيد كون المراد به خروج روحه . ففي ( إرشاده ) :
قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و يد امير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ، فعبر بفيضان نفسه ٢ .
و في ( الصحاح ) : « فاضت نفسه » أي : خرجت روحه . قال أبو عبيدة و الفراء : هي لغة في تميم ، و نقل عن الأصعمي عن أبي عمرو بن العلاء انّه قال بدل « فاضت نفسه » « فاظت نفسه » ٣ .
فإن قيل : فما المراد ؟ قلت : يمكن أن يكون المراد إمرار الكف الّتي تأثرت من خروج الروح فيها على الوجه .
« و لقد ولّيت غسله و الملائكة أعواني » روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) مسندا عن يزيد بن بلال قال : قال علي عليه السلام : أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن لا يغسّله أحد غيري ، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه . قال علي عليه السلام : فكان الفضل و اسامة يناولاني الماء من وراء الستر و هما معصوبا العين . قال علي عليه السلام : فما تناولت عضوا إلاّ كانّما يقلّبه معي ثلاثون رجلا حتّى فرغت من غسله ٤ .
قال ابن أبي الحديد : الغسل تولاّه علي عليه السلام بيده ، و كان الفضل بن العباس يصبّ عليه الماء ، و يروي الشيعة أنّ عليّا عليه السلام عصب عيني الفضل حين صبّ عليه الماء ، و أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أوصاه بذلك ، و قال له : إنّه لا يبصر عورتي أحد غيرك إلاّ عمي ٥ .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٢ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٤٤١ .
( ٢ ) الارشاد : ١٠٠ .
( ٣ ) صحاح اللغة ٣ : ١٠٩٩ و ١١٧٧ ، مادة ( فيض و فيظ ) .
( ٤ ) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٦١ .
( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٣ ، و النقل بتلخيص .
قلت : لم يختص بذلك الشيعة . فقد عرفت رواية كاتب الواقدي له ، و هو من نصّاب العامة ، و نقل عن ابن بطة و ابن المغازلي و هما أيضا من العامة روايتهما لذلك ١ و قال الحميري مشيرا إلى ذلك :
هذا الّذي ولّيته عورتي و لو
رأى عورتي سواه عمي
و مرّ خبر ابن عباس خوف أبيه من حضور غسله صلّى اللّه عليه و آله و سلم لذلك .
و في ( تاريخ اليعقوبي ) : كان بعض نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أتين فاطمة عليها السلام في مرضها فقلن : يا بنت رسول اللّه صيّري لنا في حضور غسلك حظّا . قالت :
أتردن تقلن فيّ كما قلتن في أبي ؟ لا حاجة لي في حضوركن ٢ .
« فضجت الدار و الأفنية » جمع الفناء ، و فناء الدار ما امتد من جوانبها .
« ملأ يهبط و ملأ يعرج » قال الخوئي : روى ( البحار ) من ( البصائر ) عن أحمد بن محمّد عن القاسم بن يحيى ، عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام :
لمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم هبط جبرئيل عليه السلام و معه الملائكة و الروح الّذين كانوا يهبطون في ليلة القدر . ففتح لأمير المؤمنين عليه السلام بصره . فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسّلون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم معه ، و يصلّون عليه معه و يحفرون له ، و اللّه ما حفر له غيرهم حتّى إذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه ٣ .
قلت : الخبر ليس بالسند الّذي ذكر . ففي « باب ما يلقى إليهم عليهم السلام في ليلة القدر » من ( البصائر ) روى أوّلا خبرا بذلك السند . ثم روى خبرا عن أحمد بن
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ابن المغازلي في مناقبه : ٩٣ ح ١٣٧ ، و أيضا الديلمي في الفردوس و عنه كنوز الحقائق ٢ : ١٧٥ ، و أما ابن بطة فلم يروه بل نقل السروي في مناقبه ١ : ٢٣٩ حديثا آخر عن أبانة ابن بطة ثم قال « و روي » فذكر هذا الحديث و الظاهر أن قوله « روي » بلفظ المجهول .
( ٢ ) رواه اليعقوبي في تاريخه ٢ : ١١٥ و النقل بتلخيص و فيه « كما قلتن في امّي » .
( ٣ ) شرح الخوئي ٦ : ٥٨ .
الحسن ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس بن حريش عن الجواد عليه السلام ثم قال « و بهذا الاسناد » و روى هذا الخبر ١ ، و هو كما ترى إشارة إلى الخبر الأخير لا الأوّل .
« و ما فارقت سمعي هينمة » أي : صوت خفي .
« منهم يصلّون عليه » روى ( الكافي ) عن أمير المؤمنين عليه السلام سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في صحته و سلامته يقول : إنما انزلت آية : إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النبي ، يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ٢ في الصلاة علي بعد قبض اللّه تعالى لي ٣ .
و في ( كامل الجزري ) : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ضعوني على سريري على شفير قبري . ثم اخرجوا عنّي ساعة ليصلّي علي جبرئيل و إسرافيل و ميكائيل و ملك الموت مع الملائكة ٤ .
و رواه الطبري عن ابن مسعود و زاد « قال : قلنا فمن يدخلك في قبرك يا نبيّ اللّه ؟ قال : أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم » ٥ .
و قال ابن أبي الحديد : و صلّوا عليه إرسالا لا يؤمّهم أحد ، و قيل : إنّ عليّا عليه السلام أشار بذلك فقبلوه . و أنا أعجب من ذلك لأنّ الصلاة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كانت بعد بيعة أبي بكر فما الّذي منع من أن يتقدّم أبو بكر فيصلّي عليه إماما ٦ .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) يوجد الحديث بهذا السند في البصائر : ٢٤٥ ح ١٧ ، كما رواه المجلسي و الخوئي و أمّا الحديث الثاني فهو قبل الحديث الاول في البصائر : ٢٦٢ و ٢٦٣ ح ١٢ و ١٤ ، بمتنين ، سند أحدهما أحمد بن محمّد عن الحسن بن العباس بن حريش ، و الآخر الحسن بن أحمد بن محمّد عن أبيه عن الحسن بن العباس بن حريش .
( ٢ ) الاحزاب : ٥٦ .
( ٣ ) الكافي ١ : ٤٥١ ح ٣٨ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٤ ) رواه ابن الاثير في الكامل ٢ : ٣٢٠ ، سنة ١١ ، و ايضا الطبري في تاريخه ٢ : ٤٣٥ ، سنة ١١ .
( ٥ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١١ .
( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٣ .
قلت : كيف يصلّي عليه إماما ، و قد أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بصلاتهم عليه إرسالا قد رووا أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم سئل عمّن يصّلى عليه . فقال : « إذا غسّلتموني ،
و كفّنتموني ، فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري . ثم اخرجوا عنّي ساعة . فإنّ أوّل من يصلّي علي جليسي و حبيبي و خليلي جبرائيل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة . ثم ادخلوا علي فوجا فوجا فصلّوا علي و سلّموا إلى أن قال و ليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم أنتم بعد » و قد نقل الخبر ابن أبي الحديد نفسه في موضع آخر ١ .
و مع ذلك فعجبه في محله فحيث تخلف أبو بكر عن جيش اسامة و لم يقنع بذلك و تقدم إلى الصلاة في مكان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتّى يجعل ذلك وسيلة لتصديه الأمر حتّى خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مع شدّة مرضه و عدم قدرته على المشي مستقلا و أخّره ، كيف لم يصلّ عليه بعد بيعتهم له ؟ إلاّ أنّه يرفع العجب أنّه كان نال غرضه حينئذ ، و لم يبال بالصلاة عليه بعد ، و لئلاّ يطعن بمخالفته في ذلك أيضا .
و روى ( الكافي ) في باب مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الباقر عليه السلام قال : لمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بات آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأطول ليلة حتّى ظنّوا أن لا سماء تظلّهم ،
و لا أرض تقلّهم لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تر الأقربين و الأبعدين في اللّه . فبينما هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه و يسمعون كلامه . فقال : « السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته . إنّ في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ، و نجاة من كلّ هلكة ،
و دركا لما فات كلّ نفس ذائقة الموت ، و إنّما توفّون اجوركم يوم القيامة ،
فمن زحزح عن النار ، و ادخل الجنّة فقد فاز ، و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٩٠ ، شرح الخطبة ٢٣٣ .
الغرور ١ انّ اللّه اختاركم و فضّلكم و طهّركم ، و جعلكم أهل بيت نبيّه ،
و استودعكم علمه ، و اورثكم كتابه ، و جعلكم تابوت علمه ، و عصا عزّة ،
و ضرب لكم مثلا من نوره ، و عصمكم من الزلل ، و آمنكم من الفتن ، فتعزّوا بعزاء اللّه فإنّ اللّه لم ينزع منكم رحمته ، و لن يزيل عنكم نعمته ، فأنتم أهل اللّه عزّ و جلّ الّذين بهم تمّت النعمة إلى أن قال :
و قد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أكمل لكم الدين ، و بيّن لكم سبيل المخرج .
فلم يترك لجاهل حجّة ، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى اللّه حسابه ، و اللّه من وراء حوائجكم ، و أستودعكم اللّه ، و السلام عليكم » .
و سئل أبو جعفر عليه السلام ممّن أتاهم التعزية فقال : من اللّه تبارك و تعالى ٢ .
« حتى واريناه في ضريحه » في مسند أحمد بن حنبل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : لقد أعطيت في علي خمس خصال هي أحبّ إلىّ من الدنيا و ما فيها إلى أن قال :
و أمّا الرابعة : فساتر عورتي ، و مسلّمي إلى ربي ٣ .
و في ( الإرشاد ) : دخل أمير المؤمنين عليه السلام و العبّاس ، و ابنه الفضل ،
و اسامة بن زيد ليتولّوا دفن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فنادت الأنصار من وراء البيت : يا علي انّا نذكرك اللّه ، و حقنا اليوم من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يذهب ، أدخل منّا رجلا يكون لنا به حظّ من مواراة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال عليه السلام : ليدخل أوس بن خولي و كان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلمّا دخل قال عليه السلام له : إنزل القبر . فنزل ، و وضع عليه السلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على يديه ، و ولاّه في حفرته ، فلمّا حصل
ــــــــــــــــــ
( ١ ) آل عمران : ١٨٥ .
( ٢ ) اخرجه الكليني في الكافي ١ : ٤٤٥ ح ١٩ .
( ٣ ) رواه عن مسند أحمد ، ابن طاووس في الطرائف ١ : ١٥٧ ح ٢٤٦ ، و عن فضائل أحمد ، ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٣١ ، شرح الخطبة ١٥٢ ، لكن لم يوجد في نسختنا من مسند أحمد .
في الأرض قال عليه السلام له : اخرج فخرج ، و نزل عليه السلام القبر فكشف عن وجه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و وضع خده على الأرض موجّها إلى القبلة على يمينه . ثم وضع عليه اللبن ، و أهال عليه التراب ١ .
و روى ابن أبي الحديد عند عنوان و من كلام له عليه السلام و هو يلي غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عنهم قريبا منه و قال : من تأمل هذه الأخبار علم ان عليا عليه السلام كان الاصل و الجملة و التفصيل في أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و جهازه . ألا ترى أنّ أوس بن خولي لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره ، و لا يسأل غيره في حضور الغسل و النزول في القبر . قال : ثم انظر إلى كرم علي عليه السلام و سجاحة أخلاقه ،
و طهارة شيمته كيف لم يضنّ بمثل هذه المقامات الشريفة عن أوس ، و هو رجل غريب من الأنصار . فعرف له حقه ، و اطلبه بما طلبه فكم بين هذه السجيّة الشريفة و قول من قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلاّ نساؤه ، و لو كان في ذلك المقام غيره من اولي الطباع الخشنة ،
و أرباب الفظاظة و الغلظة و قد سأل أوس ذلك ، لزجر و انتهر ، و رجع خائبا ٢ .
قلت : هل تستوي الظلمات و النور .
و قال ابن أبي الحديد أيضا : ثمّه نقلا عن الطبري روايته عن ابن مسعود في خبر بعد ذكر الغسل و الصلاة « قلنا فمن يدخلك قبرك يا رسول اللّه ؟ قال :
أهلي مع ملائكة كثيرة يرونكم و لا ترونهم » .
و قال ابن أبي الحديد : العجب لهم كيف لم يقولوا له في تلك الساعة « فمن يلي امورنا بعدك » لأنّ ولاية الأمر أهمّ من السؤال عن الدفن و عن كيفية الصلاة عليه ٣ .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) الارشاد ١٠١ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٣ ، شرح الخطبة ٢٣٣ .
( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٠ ، شرح الخطبة ٢٣٣ ، و ما نقله عن تاريخ الطبري فهو فيه ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١١ .
قلت : بل عيّن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل من يلي امورهم في حجّة وداعه في صحته ، و أراد تجديده و تأكيده ذاك الوقت في مرضه فمنعه فاروقهم ، و قد نقل ابن أبي الحديد نفسه عن الطبري عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عباس يقول : يوم الخميس و ما يوم الخميس ثم يبكي حتى تبل دموعه الحصباء .
فقلنا له و ما يوم الخميس ؟ قال : يوم اشتدّ بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم وجعه فقال : إئتوني باللوح و الدواة أو قال بالكتف و الدواة أكتب لكم ما لا تضلّون بعدي ،
فتنازعوا . فقال : « اخرجوا عنّي ، و لا ينبغي عند نبي ان يتنازع » قالوا : ما شأنه ؟
اهجر ؟ استفهموه ؟ فذهبوا يعيدون عليه . فقال : « دعوني فما أنا فيه خير مما يدعوني إليه » ١ .
و الطبري و ان أجمل القائل « أهجر » إلاّ انّ كاتب الواقدي و غيره صرّحوا في رواياتهم أنّ القائل « أهجر » عمر ، و رووا عنه إقراره بأنّه منع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من الوصيّة ٢ لأنّه علم أنّه يريد أن يعيّن عليا و لم يكن صلاحا لإباء قريش عنه .
و قال ابن أبي الحديد : ثمه أيضا روت عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة قالت : ما علمنا بدفن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتّى سمعنا صوت المساحي في جوف الليل ليلة الأربعاء . و قال : فمن العجب كون عائشة و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلم في بيتها لا تعلم بدفنه حتّى سمعت صوت المساحي ،
أتراها أين كانت ؟ قال : و قد سألت عن هذا جماعة . فقالوا : لعلّها كانت في بيت يجاور بيتها عندها نساء كما جرت عادة أهل الميت و تكون قد اعتزلت
ــــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٠ ، شرح الخطبة ٢٣٣ ، و ما نقله عن تاريخ الطبري فهو فيه ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١١ .
( ٢ ) اخرجه بلا تصريح باسم عمر الطبري في تاريخه ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١٠ ، و جماعة اخرى ، و أخرجه مع تصريح البخاري في صحيحه ١ : ٣٢ ، و ٤ : ٧ و ٢٧١ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٩ ح ٢٢ ، و جمع آخر و روى اعتراف عمر بمنعه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٩٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .
بيتها و سكنت ذلك البيت ١ .
قلت : بل الظاهر أنّها كأبيها و صاحبه أشفقت من بقاء الامّة بلا و ال فخلّت جنازته و كانت في تدبير ذلك معهما ، و كيف تصبر على أن لا تشاهد إلى ما يصير أمر أبيها ، و قد كانت في مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعثت إلى أبيها في صلاته بالناس عوض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .
« فمن ذا أحق به مني حيّا و ميّتا » من أحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أمير المؤمنين عليه السلام حيا و ميتا ، و قد قال عزّ و جلّ في محكم كتابه فيه خصوصا إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٢ و قال عزّ و جلّ و أنفسنا و أنفسكم ٣ و فيه و في أهل بيته المعصومين عموما إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ٤ و قال تبارك اسمه قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى ٥ و قال رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في المتواتر عنه بعد تقرير الناس بكونه أولى بهم من أنفسهم « أيّها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم و ال من والاه و عاد من عاداه » ٦ .
و من أحق به صلّى اللّه عليه و آله و سلم حيّا و ميّتا و قد قال سلمان و نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر دخلت عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم صبيحة يوم قبل اليوم الذي مات فيه فقال
ــــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٣ ، شرح الخطبة ٢٣٣ .
( ٢ ) المائدة : ٥٥ .
( ٣ ) آل عمران : ٦١ .
( ٤ ) الاحزاب : ٣٣ .
( ٥ ) الشورى : ٢٣ .
( ٦ ) حديث الغدير المتواتر أخرجه جمع كثير من أهل الحديث ، منها ما أخرجه ابن عساكر بطرق كثيرة في ترجمة علي عليه السلام ٢ : ٥ ٩٠ ح ٥٠٣ ٥٩٣ .
لي : يا سلمان لا تسألني عمّا كابدته الليلة من الألم و السهر أنا و علي . فقلت : يا رسول اللّه ألاّ أسهر الليلة معك بدله . فقال : لا هو أحق بذلك منك ١ .
و قالت ام سلمة كما رواه أحمد بن حنبل في ( مسنده ) : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول : أجاء علي ؟ مرارا أظنّه كان بعثه في حاجة ، فجاء بعد ذلك فظننت أنّ له إليه حاجة . فخرجنا من البيت . فقعدنا عند الباب فكنت أدنى إلى الباب . فأكبّ عليه علي عليه السلام فجعل يسارّه و يناجيه ، ثم قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في يومه ذلك ٢ .
و عن ( أربعين الخطيب ) في خبر طويل قال حذيفة : دخل علي عليه السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو مريض ، فإذا رأسه في حجر رجل أحسن الخلق ،
و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نائم . فقال الرجل : ادن إلى ابن عمّك . فأنت أحق به منّي ، فوضع رأسه في حجره . فلمّا استيقظ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم سأله عن الرجل قال علي : كان كذا و كذا . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ذاك جبرئيل كان يحدّثني حتّى خفّ عنّي و جعي ٣ .
و في ( الطبري ) مسندا عن أبي رافع قال : لما قتل علي عليه السلام ( يوم احد ) أصحاب الألوية . أبصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم جماعة من مشركي قريش . فقال لعليّ :
إحمل عليهم فحمل عليهم ، ففرّق جمعهم و قتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي ،
ثم أبصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : إحمل عليهم ،
فحمل عليهم ففرّق جماعتهم و قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي .
فقال جبرئيل : يا رسول اللّه إنّ هذه للمواساة . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله : إنّه منّي و أنا منه ، فقال جبرئيل : و أنا منكما . قال : فسمعوا صوتا : « لا سيف إلاّ ذو الفقار
ــــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٧١ ، شرح الخطبة ٢٠٠ .
( ٢ ) اخرجه أحمد في مسنده ٦ : ٣٠٠ ، و النقل بتصرف في اللفظ .
( ٣ ) رواه عن اربعين الخوارزمي السروي في مناقبه ٢ : ٢٣٧ ، و اخرجه ايضا الخوارزمي في مناقبه : ٨٣ .
و لا فتى إلاّ علي » ١ .
و روى المرزباني : أنّ خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين ( و قيل عبد اللّه بن سفيان الحرث بن عبد المطلب ) قال :
ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا
عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أ ليس أوّل من صلّى بقبلتهم
و أعرف الناس بالآثار و السنن
و آخر الناس عهدا بالنبيّ و من
جبريل عون له بالغسل و الكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به
و ليس في القوم ما فيه من الحسن
فما الّذي ردّكم عنه فنعلمه
ها إنّ بيعتكم من اغبن الغبن
و في لفظ : « ها إنّ بيعتكم في أوّل الفتن » ٢ .
و قال الحميري :
و كفاه تغسيله وحده أحمد
ميتا و وضعه في اللحد
و قال :
و من ذا تشاغل بالنبيّ و غسله
و رأى عن الدنيا بذاك عزاء
و قال العبدي :
من كان صنو النبي غير علي
من غسّل الطهر ثم واراه
و قال العوفي :
من غسّل المرسل و من أنزله
في لحده و عنه الدين قضى
و روى ابن سعد و هو من نصّابهم في ( طبقاته ) عن جابر ، أنّ كعب الأحبار قام زمن عمر فقال و نحن جلوس عند عمر : ما كان آخر ما تكلم به
ــــــــــــــــــ
( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ ، سنة ٣ .
( ٢ ) رواه عن المرزباني المفيد في الارشاد : ٢٢ ، و رواه ايضا المرتضى في الفصول المختارة ٢ : ٢١٦ ، و السروي في مناقبه ٣ : ١٩٦ ، بفرق .
النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقال عمر : سل عليّا . قال : أين هو ؟ قال : هو هنا . فسأله . فقال علي عليه السلام : أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي . فقال : الصلاة الصلاة ، فقال كعب كذلك آخر عهد الأنبياء و به امروا و عليه يبعثون . قال : فمن غسّله ؟ قال : سل عليّا . قال فسأله . فقال : كنت أنا اغسّله ، و كان عباس جالسا ،
و كان اسامة و شقران يختلفان إليّ بالماء ١ .
و روى أيضا عن عمر بن علي قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في مرضه : ادعوا لي أخي . قال : فدعي له علي . فقال : ادن منّي . قال : فدنوت منه . فاستند اليّ . فلم يزل مستندا إليّ و إنه ليكلّمني حتّى إنّ بعض ريق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ليصيبني الخبر ٢ .
و من أحق به صلّى اللّه عليه و آله و سلم منه عليه السلام حيّا و ميّتا ، و قد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم في المستفيض : « أنا مدينة العلم و علي بابها . فمن أراد المدينة . فليأت من بابها » ٣ ،
و قد قال تعالى محيلا إلى بداهة العقول هل يستوي الّذين يعلمون و الّذين لا يعلمون إنّما يتذكر اولو الألباب ٤ .
ثم الغريب روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمر أبا بكر بالصلاة ، و جعلوا ذلك دليل إمامته ، فاستند إليه عمر في نصب أبي بكر جاعلا له فوق الإمامة خلافة الرسول ، فقال لأبي بكر : إنّ النبي اختارك لديننا بصلاتك بالناس . فكيف لا نرضاك لدنيانا بالإمامة لنا ، و هذا مع روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمر أبا بكر بخروجه في جيش اسامة ، و لعن المتخلّف ، فكيف أمره بالصلاة بالناس مع
ــــــــــــــــــ
( ١ ) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٥١ .
( ٢ ) المصدر نفسه .
( ٣ ) اخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٢٦ و ١٢٧ ، و الكلابي في مسنده ، منتخبه : ٤٢٦ ح ٢ ، و البزّار في مسنده ، و الديلمي في الفردوس ، و عنهما ينابيع المودة : ٧٢ و ٢٨٢ ، و غيرهم .
( ٤ ) الزمر : ٩ .
روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : ادعوا لي عليا فدعت عائشة و حفصة بأبويهما ،
فأعرض عنهما ١ و مع روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله خرج بتلك الحال متّكئا على رجلين و صلّى بهم قاعدا ٢ .
و رووا في صلاة أبي بكر بالناس ما يبطل صدره ذيله ، و يكذّب آخره أوّله ، قال ابن أبي الحديد في عنوان « و من كلام له عليه السلام و هو يلي غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم » : روى الأرقم ابن شرحبيل قال : سألت ابن عباس هل أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال : لا . قلت : فكيف كان فقال : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال في مرضه ،
ابعثوا إلى علي فادعوه . فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ، و قالت حفصة : لو بعثت إلى عمر ، فاجتمعوا عنده هكذا لفظ الخبر على ما أورده الطبري في التاريخ و لم يقل : فبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إليهما .
قال ابن عباس فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : انصرفوا فإن تكن لي حاجة ابعث اليكم فانصرفوا ، و قيل للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم الصلاة ، فقال : مروا أبا بكر أن يصلّي بالناس . فقالت عائشة : ان أبا بكر رجل رقيق فمر عمر . فقال : مروا عمر . فقال :
عمر ما كنت لأتقدم و أبو بكر شاهد ، فتقدم أبو بكر ، فوجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خفّة فخرج . فلمّا سمع أبو بكر حركته تأخّر فجذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فأقامه مكانه و قعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقرأ حيث انتهى أبو بكر .
ثم قال ابن أبي الحديد : عندي في هذه الواقعة كلام و يعترضني فيها شكوك و اشتباه إذ كان قد أراد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يبعث إلى علي ليوصي إليه فنفست عائشة . فسألت أن يحضر أبوها ، و نفست حفصة عليه ، فسألت أن
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه السروي في مناقبه ١ : ٢٣٦ ، عن الطبري في الولاية و الدار قطني في سنته و السمعاني في الفضائل و أحمد في مسنده .
( ٢ ) اخرجه البخاري في صحيحه ١ : ١٢٢ و ١٢٦ ، و مسلم في صحيحه ١ : ٣١١ ح ٩٠ ، و غيرهما .
يحضر أبوها ، ثم حضرا و لم يطلبا ، فلا شبهة أنّ ابنتيهما طلبتاهما ، هذا هو الظاهر و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و قد اجتمعوا عنده « إنصرفوا فإن تكن لي حاجة بعثت إليكم » قول من عنده ضجر و غضب باطن بحضورهما ، و تهمة للنساء في استدعائهما . فكيف يطابق هذا الفعل و هذا القول ما روي من انّ عائشة قالت : لمّا عيّن أبوها في الصلاة « إنّ أبي رجل رقيق فمروا عمر » ؟ و أين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء و الاستقالة ؟ و هذا يوهم صحّة ما تقوله الشيعة من أنّ صلاة أبي بكر كانت عن أمر عائشة ، و ان كنت لا أقول بذلك ، و لا أذهب إليه إلاّ من تأمّل هذا الخبر ، و لمح مضمونه يوهم ذلك فلعل هذا الخبر غير صحيح .
قال ابن أبي الحديد : فإن قلت : لم قلت في صدر كلامك هذا : إنّه أراد أن يبعث إلى علي ليوصى إليه ، و لم لا يجوز أن يكون بعث إليه لحاجة له . قلت : لأنّ مخرج كلام ابن عباس هذا المخرج ، ألا ترى أنّ أرقم بن شرحبيل الرواي لهذا الخبر قال : سألت ابن عباس هل أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقال : لا . فقلت : فكيف كان ؟ فقال : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال في مرضه : إبعثوا إلى علي فادعوه . فسألته المرأة أن يبعث إلى أبيها ، و سألته الاخرى أن يبعث إلى أبيها . فلو لا أنّ ابن عباس فهم من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم « ابعثوا إلى علي فادعوه » أنّه يريد الوصية لما كان لأخبار الأرقم بذاك متّصلا بسؤاله عن الوصية معنى ١ .
قلت : لقد أجاد في كلامه ، ثم أيّ معنى لقراءة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من حيث انتهى أبو بكر بعد عدم اقتداء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم به كما تضمّنه خبرهم ؟ ثم أي استبعاد لصلاته بغير اذنه في مرضه مع صلاته بغير اذنه في صحته . روى مسلم و البخاري في ( صحيحيهما ) عن سهل الساعدي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم . فجاءت الصلاة . فجاء المؤذن إلى
ــــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩١ ، شرح الخطبة ٢٣٣ ، و النقل بتصرف يسير .
أبي بكر . فقال : تصلي بالناس فاقيم فقال : نعم . قال : فصلّى أبو بكر . فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فخرق الصفّ حتى قام عند الصف المقدم فرجع أبو بكر القهقرى ١ ، و من أين ان مبادرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى المسجد ، و تأخير أبي بكر في الموضعين لا سيما في الأوّل الّذي كان في شدّة المرض للدلالة على عدم جواز الاقتداء به .
و من الغريب أنّ الجزري قال : و لمّا اشتد مرضه اذّنه بلال بالصلاة .
فقال : مروا أبا بكر يصلي بالناس ، قالت عائشة : فقلت : إنّه رجل رقيق ، و انّه متى يقوم مقامك لا يطيق ذلك ، فقال : مروا ابا بكر فيصلي بالناس فقلت مثل ذلك ،
فغضب و قال : إنكنّ صواحب يوسف ، مروا أبا بكر يصلي بالناس . فتقدم أبو بكر . فلمّا دخل في الصلاة وجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خفّة فخرج بين رجلين . فلمّا دنا من أبي بكر تأخّر أبو بكر فأشار إليه أن قم مقامك . فقعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصلّي إلى جنب أبي بكر جالسا ، فكان أبو بكر يصلّي بصلاة النبي ، و الناس يصلّون بصلاة أبي بكر و صلّى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة و قيل : ثلاثة أيّام ثمّ انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خرج في اليوم الّذي توفّي فيه إلى الناس في صلاة الصبح . فكاد الناس يفتتنون في صلاتهم فرحا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تبسّم النبي فرحا لما رأى من هيئتهم في الصلاة ثم رجع ٢ .
فإن فيه مضافا إلى ما تقدم انّه أيّ ربط لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « انّكن صواحبات يوسف » مع قول عائشة « إنّ أبا بكر رجل رقيق » و إنّما يناسب قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذاك مع ما في الخبر الأوّل أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمر بإحضار
ــــــــــــــــــ
( ١ ) أخرجه بطرق البخاري في صحيحه ١ : ١٢٥ و ٢٠٨ و ٢١١ و ٢١٤ ، و ٢ : ١١١ ، و ٤ : ٢٤٢ ، و مسلم في صحيحه ١ : ٣١٦ و ٣١٧ ح ١٠٢ ١٠٤ .
( ٢ ) رواه ابن الاثير في الكامل ٢ : ٣٢٢ ، سنة ١١ .
أمير المؤمنين عليه السلام فبعثتا إلى أبويهما و أحضرتاهما .
و أيّ ربط بين قوله : « فوجد خفة » و قوله : « فخرج بين رجلين » بل بينهما تضاد ، ثم كيف أمر كرارا بأن يصلّي أبو بكر بالناس ثم لم يدعه بأن يتمّ صلاة واحدة بل يخرج بدخوله في الصلاة حتّى يتفرق خياله في الصلاة . إلى غير ذلك من المناقضات الّتي يفهمها كل من لم يكن ذا عصبيّة .
و إنّما الصحيح الّذي يشهد به أخبارهم بعد إسقاط متناقضاتها في تفصيل صلاة أبي بكر في مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما ذكره محمّد بن محمّد بن النعمان في ( إرشاده ) فقال : و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذ ذاك في بيت امّ سلمة .
فأقام به يوما أو يومين . فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولّى تعليله ، و سألت أزواج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ذلك ، فأذنّ لها . فانتقل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى البيت الّذي أسكنه عائشة ، و استمر به المرض فيه أيّاما ،
و ثقل فجاء بلال عند صلاة الصبح ، و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مغمور بالمرض . فنادى :
« الصلاة رحمكم اللّه » فاوذن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بندائه . فقال : يصلّى بالناس بعضهم فإنّي مشغول بنفسي . فقالت عائشة ، مروا أبا بكر ، و قالت حفصة : مروا عمر .
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين سمع كلامهما و رأى حرص كل واحدة منهما على التنويه بأبيها و افتتنانهما بذلك ، و النبي حي : « اكففن فانّكن صويحبات يوسف » ثم قام صلّى اللّه عليه و آله و سلم مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين و قد كان أمرهما بالخروج مع اسامة ، و لم بكن عنده أنّهما قد تخلّفا فلمّا سمع من عائشة و حفصة ما سمع ، علم أنّهما متأخران عن أمره . فبدر لكفّ الفتنة و إزالة الشبهة ، فقام صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّه لا يستقلّ على الأرض من الضعف ، فأخذ بيده علي بن أبي طالب صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الفضل بن العباس فاعتمد عليهما و رجلاه تخطّان الأرض من الضعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب