بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤
0%
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597
يرتدّوا عن الإسلام . فيعبدوا الأوثان ، و لا يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه ، و أنّ محمدا رسول اللّه و كان الأحبّ إليه أن يقرّهم على ما صنعوا من أن يرتدّوا عن جميع الإسلام ، و انّما هلك الّذين ركبوا ما ركبوا ، فأمّا من لم يصنع ذلك ، و دخل في ما دخل فيه الناس على غير علم و لا عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام فإنّ ذلك لا يكفّره ،
و لا يخرجه من الإسلام ، و لذلك كتم علي عليه السلام أمره و بايع مكرها حيث لم يجد أعوانا ١ .
و أمّا من عاند و ناصب أو عرف الأمر و خالف فمسلم إسما لشهادته بالشهادتين ، كافر معنى .
روى نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) مسندا عن الأصبغ قال : جاء رجل إلى علي عليه السلام . فقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الّذين نقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصلاة واحدة ، و الحج واحد فبم نسمّيهم . قال : تسمّيهم بما سمّاهم اللّه في كتابه ، قال : ما كلّ ما في الكتاب أعلمه قال : أما سمعت اللّه تعالى قال تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض إلى قوله و لو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعدما جاءتهم البيّنات و لكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر ٢ فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى باللّه و بالكتاب و بالنبيّ ،
و بالحقّ . فنحن الّذين آمنوا ، و هم الّذين كفروا ، و شاء اللّه قتالهم هدى بمشيئة اللّه ربّنا و إرادته ٣ .
و قال أبو المقدام للباقر عليه السلام : إنّ العامة يزعمون أنّ بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا للّه تعالى ، و ما كان اللّه ليفتن امّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم من
ــــــــــــــــــ
( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٨ : ٢٩٥ ح ٤٥٤ .
( ٢ ) البقرة : ٢٥٣ .
( ٣ ) وقعة صفين : ٣٢٢ .
بعده . فقال أبو جعفر عليه السلام : أو ما يقرؤون كتاب اللّه ؟ أو ليس اللّه يقول : و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا و سيجزي اللّه الشاكرين ١ ؟ فقال :
انّهم يفسّرون على وجه آخر . فقال : أو ليس قد أخبر اللّه عزّ و جلّ عن الّذين من قبلهم من الامم انّهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات حيث قال و آتينا عيسى بن مريم البيّنات و أيّدناه بروح القدس و لو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البيّنات و لكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر ٢ .
١١
من الخطبة ( ٨٥ ) أَ لَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ اَلْأَكْبَرِ وَ أَتْرُكْ فِيكُمُ اَلثَّقَلَ اَلْأَصْغَرَ قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ اَلْإِيمَانِ وَ وَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ اَلْحَلاَلِ وَ اَلْحَرَامِ وَ أَلْبَسْتُكُمُ اَلْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي وَ فَرَشْتُكُمُ اَلْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وَ فِعْلِي وَ أَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ اَلْأَخْلاَقِ مِنْ نَفْسِي فَلاَ تَسْتَعْمِلُوا اَلرَّأْيَ فِيمَا لاَ يُدْرِكُ قَعْرَهُ اَلْبَصَرُ وَ لاَ تَتَغَلْغَلُ إِلَيْهِ اَلْفِكَرُ « أ لم أعمل فيكم بالثقل » قرأوه بفتحتين حيث قرأوا قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « إنّي تارك فيكم الثقلين » كذلك ، و الأصل فيه ثعلب . ففي ( اللسان ) : « قال ثعلب سمّى الكتاب و العترة ثقلين لأنّ الأخذ بهما ثقيل و العمل بهما ثقيل ، و أصل الثقل ان العرب تقول لكلّ شيء نفيس خطير مصون ثقل . فسمّاهما ثقلين إعظاما لقدرهما و تفخيما لشأنهما ، و أصله في بيض النعام المصون ، و قال ثعلبة بن
ــــــــــــــــــ
( ١ ) آل عمران : ١٤٤ .
( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ٨ : ٢٧٠ ح ٣٩٨ ، و الآية ٢٥٣ من سورة البقرة .
صغير المازني يذكر الظليم و النعامة .
فتذكّرا ثقلا رئيدا بعدما
ألقت ذكاء يمينها في كافر
و يقال للسيّد العزيز : ثقل من هذا ، و سمّى اللّه تعالى الجنّ و الإنس الثقلين سمّيا ثقلين لتفضيل اللّه إياهما على سائر الحيوان المخلوق في الأرض بالتمييز و العقل خصّا به قال ابن الأنباري : قيل للجن و الإنس الثقلان لأنّهما كالثقل للأرض و عليها ، و الثقل بمعنى الثقل ، و جمعه أثقال ، و مجراهما مجرى قول العرب : مثل و مثل ، و شبه و شبه ، و نجس و نجس » ١ .
قلت : لا حجّية في قول ثعلب ، و له أوهام في مجالسه ، و يكفي في ضعف قوله « و أصله في بيض النعام المصون » فما قاله بالعكس . فبيض النعام معروف بالضياع لا بالمصونية . فقالوا في المثل « أذل من بيض النعام » و البيت الّذي أنشد يدلّ على غفلتها أيضا عن بيضها ، و لا ريب في أنّ الجن و الأنس يقال لهما : الثقلان بالتحريك قال جلّ و علا سنفرغ لكم أيّها الثقلان ٢ و اما الكتاب و العترة فالظاهر أنّه يقال لهما : الثقلان بالكسر و السكون بمعنى أنّهما ثقيلا القيمة ، و على قول ابن الأنباري ، كون ثقل بفتحتين مثل ثقل بكسر ، فسكون لأنّ العرب قالوا : مثل و مثل ، و شبه و شبه ،
و نجس و نجس . يكون أيضا في التعبير عن الكتاب و العترة بالكسر فرقا بينهما . و بين الجن و الأنس .
« الأكبر » و هو الكتاب .
« و اترك فيكم الثقل الأصغر » من عترة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم الحسن و الحسين عليهما السلام .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) لسان العرب ١١ : ٨٨ ، مادة ثقل .
( ٢ ) الرحمن : ٣١ .
روى الثعلبي في تفسير قوله تعالى و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرّقوا ١ بأسانيد ، أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : « أيّها الناس قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي : أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه حبل ممدود ما بين السماء و الأرض ، و عترتي أهل بيتي ، ألا و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض » ٢ .
و روى الحميدي في ( الجمع بين الصحيحين ) عن زيد بن أرقم قال : قام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة و المدينة ، و قال : « إنّما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتيني رسول ربي فاجيب ، و انّي تارك فيكم الثقلين . أوّلهما كتاب اللّه إلى أن قال و أهل بيتي اذكّركم اللّه في أهل بيتي » . فقلنا لزيد : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ فقال : لا . و أيم اللّه إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلّقها . فترجع إلى قومها ٣ .
و روى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « انّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، و عترتي أهل بيتي ، و أنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » ٤ .
« و ركزت » من ركزت الرمح : غرزته .
« فيكم راية الايمان » و به عليه السلام يتحقق الإيمان ، فمن لم يكن قائلا بإمامته لم يكن مؤمنا و ان كان مسلما .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) آل عمران : ١٠٣ .
( ٢ ) رواه عن الثعلبي ابن طاووس في الطرائف ١ : ١٢٢ .
( ٣ ) رواه عن الحميدي ابن طاووس في الطرائف ١ : ١٢٢ ، و الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ٤ : ١٨٧٣ ح ٣٦ ، و النقل بتصرف .
( ٤ ) أخرجه أحمد في مسنده ٣ : ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ ، و النقل بتصرف يسير .
« و وقفتكم » أي : اطلعتكم .
« على حدود الحلال و الحرام » حتّى انّه عليه السلام في محرّمات اتّقى من القول بتحريمها لأنّ المتقدّمين عليه أفتوا بحلّيتها قال عليه السلام لهم لمّا سألوه عنها « أنزّه نفسي و ولدي عنها » ليدلّهم على حرمتها .
« و ألبستكم العافية من عدلي » فعدله عليه السلام كان يشمل العربي و العجمي و المسلم و الذمي ، و سوّى عليه السلام في العطاء بين الأشراف و غيرهم .
« و فرشتكم » أي : بسطت لكم .
« المعروف من قولي و فعلي » فعفا عليه السلام عن أهل البصرة بعد ظفره بهم .
« و أريتكم » بالعمل .
« كرائم الأخلاق من نفسي » كما أراهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مكارم الأخلاق من نفسه و في ( خلفاء ابن قتيبة ) بعد ذكر اختلاف أهل العراق في صفين فقام عدي بن حاتم فقال : « أيّها الناس انّه و اللّه لو غير علي عليه السلام دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه . فإنّه ما وقع بأمر قط إلاّ و معه من اللّه برهان ، و في يده من اللّه سبب ، فقاتل أهل الجمل على النكث ، و أهل الشام على البغي . فانظروا في اموركم و امره ، فإن كان له عليكم فضل ليس لكم مثله ، فسلّموا ، و إلاّ فنازعوا عليه ، و اللّه لئن كان إلى العلم بالكتاب و السنّة ، إنّه لأعلم الناس بهما ، و لئن كان إلى الإسلام إنّه لأخو رسول اللّه و الرأس في الإسلام ، و لئن كان من الزهد في الدنيا . فإنّه أظهر الناس زهدا و أنهكهم عبادة ، و لئن كان إلى العقول و النحائز إنّه لأشدّ الناس عقلا و أكرمهم نحيزة ، و لئن كان إلى الشرف و النجدة إنّه لأعظم الناس شرفا و نجدة ، و لئن كان إلى الرضا لقد رضي المهاجرون و الأنصار به و بايعوه و نصروه على أصحاب الجمل و أهل الشام ، فما الفضل الّذي قرّبكم إلى الهدى ؟ و ما النقص الّذي قرّبه إلى الضلال ؟ و اللّه لو اجتمعتم
على أمر واحد لأتاح اللّه له من يقاتل لأمر ماض و كتاب سابق » ١ . فاعترف أهل صفّين لعديّ بعد هذا المقام ، و رجع كلّ من تشعّب عليه .
« فلا تستعملوا الرأي في ما لا يدرك قعره البصر و لا تتغلغل إليه الفكر » قال الجوهري : « تغلغل الماء في الشجر إذا تخللها » ٢ .
روى ( توحيد الصدوق ) في خبر قدوم جاثليق مع مائة من النصارى المدينة بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سؤاله أوّلا أبا بكر عن مسائل و عجزه عن جوابه . ثمّ إرشاد بعضهم له إليه عليه السلام فكان من ما سأله أن قال له عليه السلام : أخبرني عن وجه الربّ . فدعا عليه السلام بنار و حطب فأضرمه ، فلمّا اشتعلت قال عليه السلام : أين وجه هذه النار ؟ قال : هي وجه من جميع حدودها فقال عليه السلام : هذه النار مدبّرة مصنوعة لا يعرف وجهها ، و خالقها لا يشبهها و للّه المشرق و المغرب .
فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه ٣ .
هذا و قلنا لثعلب أوهام في مجالسه . فمنها قوله في بيت بشر بن أبي حازم :
تظلّ مقاليت النساء يطأنه
يقلن الا يلقى على المرء مئزر
« هذا قتيل شريف فإذا قتل و طئته النساء يزعمن انهنّ يلدن مثله » ٤ .
فإنّه وهم ، فلا يطأنه ليلدن مثله ، بل ليعيش و لدهنّ . قال ابن السكّيت : « ان العرب كانت تقول : إنّ المرأة المقلاة و هي الّتي لا يعيش لها ولد إذ وطأت القتيل الشريف عاش ولدها » ثم ذكر البيت . و لو أردنا الاستقصاء لطال ٥ .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٢١ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ١٧٨٤ ، مادة ( غلل ) .
( ٣ ) توحيد الصدوق : ١٨٢ ح ١٦ ، و الآية ١١٥ من سورة البقرة .
( ٤ ) مجالس ثعلب ق ١ : ٧١ .
( ٥ ) نقله عن ابن السكيت ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ٤٣٩ ، شرح الحكمة ٤٠٠ .
١٢
من الخطبة ( ١١٨ ) و من كلام له عليه السلام :
تَاللَّهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ اَلرِّسَالاَتِ وَ إِتْمَامَ اَلْعِدَاتِ وَ تَمَامَ اَلْكَلِمَاتِ وَ عِنْدَنَا ؟ أَهْلَ اَلْبَيْتِ ؟ أَبْوَابُ اَلْحُكْمِ وَ ضِيَاءُ اَلْأَمْرِ أَلاَ وَ إِنَّ شَرَائِعَ اَلدِّينِ وَاحِدَةٌ وَ سُبُلَهُ قَاصِدَةٌ مَنْ أَخَذَ بِهَا لَحِقَ وَ غَنِمَ وَ مَنْ وَقَفَ عَنْهَا ضَلَّ وَ نَدِمَ « تاللّه لقد علمت تبليغ الرسالات » قال ابن أبي الحديد : تبليغ الرسالات تبليغ الشرائع بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى المكلّفين ، و فيها إشارة إلى قوله تعالى : و الّذين يبلّغون رسالات اللّه و يخشونه و لا يخشون أحدا إلاّ اللّه ١ و إلى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في قصّة « لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي » ٢ .
« و إتمام العدّات » قال ابن أبي الحديد : إتمام العدّات : إنجازها ، و فيه إشارة إلى قوله تعالى : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه ٣ و إلى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حقّه : « و قاضي ديني و منجز موعدي » ٤ .
قلت : و عن ( التاريخ المعروف بالعباسي ) : أنّ الفقهاء رووا للمأمون انّ عليّا عليه السلام أقام مناديا بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ينادي : « من كان له على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم دين أو عدة فليحضر » فحضر جماعة فأعطاهم بغير بيّنة ، و أنّ أبا بكر أمر مناديا ينادي بمثل ذلك . فحضر جرير بن عبد اللّه ، و جابر بن عبد اللّه ،
فأعطاهم بغير بيّنة » فقال لهم المأمون : أما كانت فاطمة و شهودها يجرون
ــــــــــــــــــ
( ١ ) الاحزاب : ٣٩ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٠ .
( ٣ ) الاحزاب : ٢٣ .
( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٠ .
مجرى جرير و جابر ؟ فلم منعها فدك ؟ فأمر المأمون بردّ فدك في خبر طويل ١ .
« و تمام الكلمات » قال ابن أبي الحديد : « تمام الكلمات » تأويل القرآن ، و فيه إشارة إلى قوله تعالى : و تمّت كلمت ربّك صدقا و عدلا ٢ و إلى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : في حقّه عليه السلام : « اللهمّ اهد قلبه ، و ثبّت لسانه » ٣ .
و قال أيضا : « و خلاصة كلامه عليه السلام إنّه أقسم باللّه انّه قد علّم أو علم على اختلاف الروايتين أداء الشرائع إلى المكلّفين ، و الحكم بينهم بما أنزله اللّه تعالى و علم مواعيد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم الّتي وعد بها . فمنها ما هو وعد لواحد من الناس بأمر نحو أن يقول له سأعطيك كذا ، و منها ما هو وعد بأمر يحدث كأخبار الملاحم و الامور المتجدّدة ، و انّه عليه السلام قد علم تمام كلمات اللّه تعالى ، أي :
تأويلها و بيانها الّذي تتمّ به لأنّ في كلامه تعالى المجمل الّذي لا يستغني عن متمّم و مبيّن يوضحه » ٤ .
« و عندنا أهل البيت أبواب الحكم » قال ابن أبي الحديد : يعني الشرعيات و الفتاوى ٥ .
« و ضياء الأمر » قال ابن أبي الحديد : « يعني العقليات و العقائد ، و هذا مقام عظيم لا يجسر أحد من المخلوقين سواه عليه السلام أن يدعيه ، و لو أقدم أحد على إدعائه غيره لكذب ، و كذّبه الناس » ٦ .
« ألا و إنّ شرائع الدين واحدة » لأنّها من عند واحد عليم حكيم قال تعالى :
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه عنه ابن طاووس في الطرائف ١ : ٢٥٠ ، و النقل بتصرف يسير ، و المحتمل أن المراد بالتاريخ العباسي تاريخ ابن واضح المعروف باليعقوبي و توجد هذه القصة باختصار فيه ٢ : ٤٦٩ .
( ٢ ) الانعام : ١١٥ .
( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٠ .
( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٠ .
( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٠ .
( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٦٠ .
إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبييّن من بعده ١ .
و قال الصادق عليه السلام كما روى ( الكافي ) : انّ اللّه تعالى ما بعث نبيّا إلاّ و في علمه تعالى أنّه إذا أكمل له الدين كان فيه تحريم الخمر ، و لم تزل الخمر حراما ، و إنما ينقلون من خصلة إلى اخرى ، و لو حمل ذلك عليهم جملة لقطع بهم دون الدين ٢ .
« و سبله قاصدة » الأصل فيه قوله تعالى و على اللّه قصد السبيل و منها جائر ٣ قال تعالى : و ما جعل عليكم في الدين من حرج ٤ و قال جلّ و علا :
قل إنّني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملّة إبراهيم حنيفا و ما كان من المشركين ٥ .
« من أخذ بها » و سلك فيها .
« لحق » و وصل المقصد .
« و غنم » في متجره قال عزّ اسمه : و من يطع اللّه و الرسول فاولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا ٦ .
« و من وقف عنها ضلّ » عن المقصد .
« و ندم » على ترك سلوكه . قال جلّ و علا : فإن لم يستجيبوا لك . فاعلم انّما يتّبعون أهواءهم و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من اللّه انّ اللّه لا
ــــــــــــــــــ
( ١ ) النساء : ١٦٣ .
( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ٦ : ٣٩٥ ح ١ ٣ ، بفرق يسير بين الالفاظ عن الصادق و الباقر عليهما السلام .
( ٣ ) النحل : ٩ .
( ٤ ) الحج : ١٧٨ .
( ٥ ) الانعام : ١٧١ .
( ٦ ) النساء : ٦٩ .
يهدي القوم الظالمين ١ .
و من سبل الدين هو عليه السلام ثم المعصومون من عترته . روى ( توحيد الصدوق ) عن الصادق عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : « أنا الهادي ، و أنا المهتدي ، و أنا أبو اليتامى ، و المساكين ، و زوج الأرامل ، و أنا ملجأ كلّ ضعيف ، و مأمن كلّ خائف ، و أنا قائد المؤمنين إلى الجنّة ، و أنا حبل اللّه المتين ، و أنا عروة اللّه الوثقى ، و كلمة التقوى ، و أنا عين اللّه ، و لسانه الصادق ،
و يده ، و أنا جنب اللّه الّذي يقول أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه ٢ و أنا يد اللّه المبسوطة على عباده بالرحمة و المغفرة ، و أنا باب حطّة من عرفني و عرف حقّي فقد عرف ربّه لأنّي وصيّ نبيّه في أرضه ،
و حجّته على خلقه لا ينكر هذا إلاّ رادّ على اللّه و رسوله ٣ .
١٣
من الكتاب ( ٩ ) بعد ذكره عليه السلام « فقتل عبيدة بن الحارث بن المطلب في بدر ، و حمزة بن عبد في أحد ، و جعفر بن أبي طالب في مؤتة » :
وَ أَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اِسْمَهُ مِثْلَ اَلَّذِي أَرَادُوا مِنَ اَلشَّهَادَةِ وَ لَكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَ مَنِيَّتَهُ أُخِّرَتْ فَيَا عَجَباً لِلدَّهْرِ إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي اَلَّتِي لاَ يُدْلِي أَحَدٌ بِمِثْلِهَا إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لاَ أَعْرِفُهُ وَ لاَ أَظُنُّ اَللَّهَ يَعْرِفُهُ وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ
ــــــــــــــــــ
( ١ ) القصص : ٥٠ .
( ٢ ) الزمر : ٥٦ .
( ٣ ) أخرجه الصدوق في التوحيد : ١٦٤ ح ٢ ، و في معانى الاخبار : ١٧ ح ١٤ .
أقول : مرّ في فصل النبوّة الخاصّة صدره و أنّه رواه ( صفين نصر بن مزاحم ) ١ .
« و أراد من لو شئت ذكرت اسمه » يعني عليه السلام نفسه .
« مثل الّذي أرادوا » يعني عبيدة و حمزة و جعفر .
« من الشهادة ، و لكنّ آجالهم عجّلت » فاستشهدوا .
« و منيّته » أي : موته .
« أجّلت » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « أخّرت » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة المصححة ) ٢ .
« فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ، و لم تكن له كسابقتي » في الإسلام من بدئه إلى يومه .
قال سبط بن الجوزي في ( تذكرته ) : سوابقه عليه السلام أشهر من الشمس و القمر ، و أكثر من الحصى ، و المدر ، و قد اخترت منها ما ثبت و اشتهر ، و هي قسمان : قسم مستنبط من الكتاب ، و قسم من السنّة الّتي ليس فيها ارتياب ،
و قد روى مجاهد أنّ ابن عباس سئل عن فضائله عليه السلام و قال السائل : أظنّها ثلاثة آلاف فقال ابن عباس ، هي إلى الثلاثين ألفا أقرب . ثم قال ابن عباس : لو أنّ الشجر أقلام ، و البحور مداد ، و الإنس و الجن كتّاب و حسّاب ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين عليه السلام .
و روى عكرمة عن ابن عباس قال : ما أنزل آية في القرآن إلاّ و علي عليه السلام رأسها و أميرها .
أما نصوص الكتاب فمنها قوله تعالى في المائدة : انّما وليّكم اللّه
ــــــــــــــــــ
( ١ ) مر في العنوان ٣٢ من الفصل السادس و رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ٩٠ .
( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٠٧ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٣٦٣ .
و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكوة و هم راكعون ١ ذكر الثعلبي في تفسيره عن السدي ، و غيره أنّ عليّا عليه السلام مرّ به سائل ، و هو في المسجد راكع فأعطاه خاتمه فنزلت الآية .
و روى الثعلبي مسندا عن أبي ذر قال : صلّيت يوما صلاة الظهر و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حاضر ، فقام سائل فسأل فلم يعطه أحد شيئا ، و كان علي عليه السلام قد ركع . فأومأ إلى السائل بخنصره . فأخذ الخاتم من خنصره و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يعاين ذلك . فرفع رأسه إلى السماء و قال : اللهمّ انّ أخي موسى سألك . فقال ربّ اشرح لي صدري و يسّر لي أمري إلى و اشركه في أمري ٢ فانزلت عليه سنشد عضدك بأخيك ، و نجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا ٣ اللهمّ و أنا محمّد صفيّك ، و نبيّك . فاشرح لي صدري و يسّر لي أمري ، و اجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أشدد به أزري أو قال ظهري فما استتمّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم الكلمة حتّى نزل جبرئيل عليه السلام من عنده تعالى . فقال :
يا محمّد إقرأ : انّما وليّكم اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٤ إلى أن قال و قال حسّان :
أبا حسن تفديك روحي و مهجتي
و كلّ بطيء في الهدى و مسارع
فأنت الّذي أعطيت إذ كنت راكعا
فدتك نفوس الخلق يا خير راكع
بخاتمك الميمون يا خير سيّد
و يا خير شار ثمّ يا خير بائع
فأنزل فيك اللّه خير ولاية
و بيّنها في محكمات الشرائع
و قال أيضا :
ــــــــــــــــــ
( ١ ) المائدة : ٥٥ .
( ٢ ) طه : ٢٥ ٣٢ .
( ٣ ) القصص : ٣٥ .
( ٤ ) المائدة : ٥٥ .
من ذا بخاتمه تصدّق راكعا
و اسرّها في نفسه اسرارا
و منها قوله تعالى في آل عمران : فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ١ الآية قال جابر كما روى عنه أهل السير أنّ و فد نجران قدموا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقالوا : من أبو موسى ؟ فقال :
عمران . قالوا : فأنت ؟ قال : عبد اللّه . قالوا : فعيسى ؟ فسكت ينتظر الوحي فنزل :
إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ٢ فقالوا : لا نجد هذا في ما أوحي إلى أنبيائنا . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : كذبتم . و نزل : فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ٣ الآية قالوا : أنصفت . فمتى نباهلك ؟ قال : غدا إن شاء اللّه . فانصرفوا ، و قال بعضهم لبعض : إن خرج في عدّة من أصحابه ، فباهلوه لأنّه غير نبيّ ، و ان خرج في أهل بيته فلا تباهلوه ، فانّه نبيّ صادق ، و لئن باهلتموه لتهلكنّ . ثم بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى أهل المدينة و من حولها . فلم يبق بكر لم ترها الشمس إلاّ خرجت ، و خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و علي عليه السلام بين يديه ،
و الحسن عليه السلام عن يمينه ، و الحسين عليه السلام عن شماله و فاطمة عليها السلام خلفه ، ثم قال :
هلمّوا فهؤلاء أبناؤنا و أشار إلى الحسن و الحسين عليهما السلام و هذه نساؤنا يعني فاطمة عليها السلام و هذه أنفسنا يعني نفسي و أشار إلى علي عليه السلام فلمّا رأى القوم ذلك خافوا و قالوا : أقلنا أقالك اللّه . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و الّذي نفسي بيده لو خرجوا لا متلأ الوادي عليهم نارا إلى أن قال و قال الثعلبي في تفسيره : فقال اسقف نجران : يا معاشر النصاري إنّي لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من
ــــــــــــــــــ
( ١ ) آل عمران : ٦١ .
( ٢ ) آل عمران : ٥٩ .
( ٣ ) آل عمران : ٦١ .
مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا . فرجعوا و صالحوا على ألفي حلّة .
و منها قوله تعالى : أفمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه ١ روى الثعلبي في تفسيره ، عن زاذان عن علي عليه السلام قال : و الّذي نفسي بيده ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ و أنا أعرف له آية تسوقه إلى الجنّة أو تقوده إلى النار . فقال له رجل : فما آيتك الّتي نزلت فيك . فقال : أفمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه فرسول اللّه على بيّنة ، و أنا شاهد منه .
و منها في براءة : يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه و كونوا مع الصادقين ٢ قال علماء السير معناه كونوا مع علي و أهل بيته قال ابن عباس علي سيّد الصادقين .
و منها في لم يكن أولئك هم خير البرية ٣ قال مجاهد : هم علي و أهل بيته و محبّوهم ، و منها في الصافات و قفوهم انّهم مسؤولون ٤ قال مجاهد : مسؤولون عن حبّ علي عليه السلام .
و منها في مريم انّ الّذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا ٥ روى الثعلبي في تفسيره أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال لعلي عليه السلام « قل اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، و اجعل لي في صدور المؤمنين ودّا » فانزل تعالى فيه هذه الآية ٦ .
و قال في قسم « ألسنة الّتي بلا ارتياب » روى أحمد بن حنبل في مسنده ،
ــــــــــــــــــ
( ١ ) هود : ١٧ .
( ٢ ) التوبة : ١١٩ .
( ٣ ) البينة : ٧ .
( ٤ ) الصافات : ٢٤ .
( ٥ ) مريم : ٩٦ .
( ٦ ) تذكرة الخواص : ١٣ ١٨ ، و النقل بتصرف .
عن سعد بن أبي وقاص قال خلّف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليّا في غزوة تبوك في أهله .
فقال يا رسول اللّه تخلّفني في النساء و الصبيان . فقال : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير انّه لا نبيّ بعدي .
و روى أحمد بن حنبل في فضائله أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال له : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ النبوّة ، و أنت خليفتي .
و روى أيضا في فضائله أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم آخى بين المهاجرين و الأنصار . فبكى علي عليه السلام و قال : لم تؤاخ بيني و بين أحد . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم :
إنّما ادّخرتك لنفسي . أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، أما علمت أنّ أوّل من يدعى به يوم القيامة أنا إلى أن قال و ينادي مناد من تحت العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ، و نعم الأخ أخوك علي . أبشر يا علي فإنّك ستكسى إذا كسيت ،
و تدعى إذا دعيت ، و تحيى إذا حييت ، و تقف على عقر حوضي ، تسقي من عرفت ، فكان علي عليه السلام يقول : و الّذي نفسي بيده لأذودنّ عن حوض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أقواما من المنافقين كما تذاد غريبة الإبل عن الحوض ترده .
و روى في فضائله أيضا عن أسماء بنت عميس قالت : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم :
اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى : و اجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أشدد به أزري و أشركه في أمري كي نسبّحك كثيرا و نذكرك كثيرا .
و روى هو في مسنده ، و مسلم و البخاري في ( صحيحيهما ) ، عن سهل بن سعد قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله ، و يحبّه اللّه و رسوله يفتح اللّه على يديه ، فبات الناس يدوكون أيّهم يعطاها ، فلمّا أصبحوا غدوا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يرجو كلّ أن يعطاها فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : يا رسول اللّه هو أرمد ، قال : فأرسلوا إليه . فجاء فبصق في عينه ، و دعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية .
و روى في ( فضائله ) ، عن ابن بريدة قال : حاصرنا خيبر ، فأخذ اللواء أبو بكر فلم يفتح له . ثم أخذه عمر من الغد ، فرجع و لم يفتح له ، و أصاب الناس شدّة و جهد . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إنّي دافع اللواء غدا إلى رجل يحبّه اللّه و رسوله لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه .
و ذكر أحمد بن حنبل أيضا في ( فضائله ) : أنّهم سمعوا تكبيرا من السماء في ذلك اليوم و قائلا يقول : لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي .
و قال جابر بن عبد اللّه : حمل علي عليه السلام باب خيبر وحده . فدحاه ناحية ثم جاء بعده اناس يحملونه فلم يحمله إلاّ أربعون رجلا .
و في ( الطبري ) قال أبو رافع : خرج إلى علي عليه السلام في خيبر رجل . فضرب عليّا فطرح ترسه من يده ، فتناول علي عليه السلام بابا عند الحصن ، فتترّس به عن نفسه فلم يزل في يده ، و هو يقاتل حتى فتح اللّه على يديه . ثم ألقاه . فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجتهد على أن نقلب الباب . فلم نقدر عليه .
و روى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) عن علي عليه السلام قال : انطلقت أنا و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتى أتينا الكعبة فقال لي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : اجلس فجلست فصعد على كتفي . فذهبت لأنهض به فلم أطق ، و رأى مني ضعفا فنزل ، و جلس لي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثم قال : إصعد على منكبيّ . فصعدت على منكبيه فنهض بي ، و انّه ليخيّل لي أنّي لو شئت أن انال افق السماء لنلته إلى أن قال قال سعيد بن المسيب : فلهذا كان علي عليه السلام يقول « سلوني عن طرق السماوات فإنّي أعرف بها من طرق الأرضين و لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا » ١ .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) روى هذه الاحاديث السبط في تذكرة الخواص : ١٨ ٢٧ ، و ما رواه عن صحيح البخاري فهو فيه ٢ : ١٦١ و ١٧١ و ٢٩٩ و ٣ : ٥١ ، و ما عن صحيح مسلم فهو فيه ٤ : ١٨٧٢ ح ٣٤ ، و ما عن مسند أحمد فهو فيه ١ : ٨٤ و ١٧٠ ١٨٥ و ٥ : ٣٣٤ ، و ما عن تاريخ الطبري فهو فيه ٢ : ٣٠١ ، سنة ٧ .
و في ( نهاية الجزري ) في الحديث : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال لعليّ عليه السلام : « أنت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه الرجال كما يذاد البعير الصاد » يعني الّذي به الصيد ، و هو داء يصيب الإبل في رؤوسها فتسيل أنوفها ، و ترفع رؤوسها و لا تقدر أن تلوي معه أعناقها يقال بعير صاد أي ذو صاد ١ .
و في ( التذكرة ) أيضا : و روى الثعلبي في ( تفسيره ) : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لما أراد أن يهاجر إلى المدينة خلّف عليّا عليه السلام بمكّة لقضاء ديونه ، و ردّ الودائع الّتي كانت عنده ، و أمره أن ينام تلك الليلة على فراشه ، و قال له : تسجّ ببردي الحضرمي لا يخلص إليك منهم أحد ، و لا يصيبونك بمكروه ، و القوم قد أحاطوا بالدار ، فأوحى اللّه إلى جبرئيل و ميكائيل أنّي قد آخيت بينكما ، و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة . فاختار كلاهما الحياة . فأوحى اللّه تعالى اليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه و بين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه ؟ اهبطا إلى الأرض .
فاحفظاه من عدوّه ، فنزلا ، جبرئيل عند رأسه ، و ميكائيل عند رجليه ، و الملائكة تنادي : بخّ بخّ من مثلك يا ابن أبي طالب ، و اللّه باهى بك ملائكته ، فأنزل تعالى في شأن علي عليه السلام و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه ٢ و قال ابن عباس : أنشدني أمير المؤمنين عليه السلام شعرا قاله تلك الليلة :
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى
و قد وطّنت نفسي على القتل و الأسر
و روى الترمذي أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعث جيشا و استعمل عليهم عليّا فمضى في السرية فأصاب جارية من السبي . فتعاقد أربعة منهم إذا قدموا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أخبروه . فلمّا قدموا عليه قام الأول فقال : يا رسول اللّه ألا
ــــــــــــــــــ
( ١ ) النهاية ٣ : ٦٥ ، مادة ( صيد ) .
( ٢ ) البقرة : ٢٠٧ .
ترى إلى علي فعل كذا و كذا ، فأعرض عنه . ثم قام الثاني فقال كذلك فأعرض عنه ، و قام الثالث ، و الرابع ، فقالا كذلك ، فأعرض عنهما . ثم أقبل عليهم و الغضب يعرف في وجهه ، و قال : ما تريدون من علي ؟ قالها ثلاثا علي منّي و أنا منه .
و ذكر أهل السير : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعث أبا بكر يحجّ بالناس سنة تسع من الهجرة ، و قال له : انّ المشركين يحضرون الموسم و يطوفون عراة ، و لا أحبّ أن أحجّ حتّى لا يكون ذلك ، و أعطاه أربعين آية من صدر سورة براءة ليقرأها على أهل الموسم . فلمّا سار دعا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليّا عليه السلام فقال له : اخرج بهذه الآيات من صدر براءة فإذا اجتمع الناس إلى الموسم فأذّن بها ، و دفع إليه ناقته العضباء . فأدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذ منه الآيات . فرجع أبو بكر إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فقال : بأبي أنت و امي هل نزل فيّ شيء . فقال : لا ، و لكن لا يبلغ عنّي غيري أو رجل منّي .
قال : و في ( فضائل أحمد ) : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال له : انّ جبرئيل جاءني فقال : ابعث عليّا إلخ ١ .
و في ( فهرست ابن النديم ) : قال هشام بن الحكم : ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاّه اللّه من سمائه فعزلوه ، و إلى من عزله من السماء فولّوه .
قال ابن النديم : يذكر هشام قصّة مبلّغ سورة البراءة ، و مردّ أبي بكر و إيراد علي عليه السلام بعد نزول جبرئيل عليه السلام قائلا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن اللّه تعالى « انّه لا يؤدّيها عنك إلاّ أنت أو رجل منك » فردّ أبا بكر و أنفذ عليّا عليه السلام ٢ .
و روى الزبير بن بكّار في ( موفّقياته ) عن ابن عباس قال : انّي لاماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة إذ قال لي : يا ابن عباس ما أرى
ــــــــــــــــــ
( ١ ) روى هذه الاحاديث السبط في تذكرة الخواص : ٣٥ ٣٧ ، و ما رواه عن الترمذي فهو في سننه ٥ : ٦٣٢ ح ٣٧١٢ .
( ٢ ) تكملة الفهرس : ٢٢٤ .
صاحبك إلاّ مظلوما ، فقلت في نفسي : و اللّه لا يسبقني بها . فقلت : فاردد إليه ظلامته . فانتزع يده من يدي و مضى يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته ، فقال : يا ابن عباس ما أظنّ منعهم إلاّ أنّه استصغره قومه . فقلت في نفسي : هذه شرّ من الاولى . فقلت له : و اللّه ما استصغره اللّه و رسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك . فأعرض عنّي و أسرع . فرجعت عنه ١ .
و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : ذكر أحمد بن حنبل في ( فضائله ) : أنّ صاحب لواء المشركين يوم احد لمّا قصد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فداه علي عليه السلام بنفسه ،
و حمل على صاحب اللواء فقتله ، فنزل جبرئيل عليه السلام . فقال : يا محمّد إنّ هذه لهي المواساة . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : علي منّي و أنا منه . فقال جبرئيل : و أنا منكما .
و روى في ( فضائله ) أيضا عن أنس قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي ، يمضي فيهم أمري ، و يقتل المقاتلة ،
و يسبي الذرّية . قال أبو ذر : فما راعني إلاّ برد كف عمر من خلفي ، فقال : من تراه يعني ؟ قلت : ما يعنيك و انّما يعني خاصف النعل عليّا عليه السلام . و رواه الترمذي في ( سننه ) .
و روى عن ابن عباس قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في خطبة خطبها في حجّة الوداع : لأقتلنّ العمالقة في كتيبة . فقال له جبرئيل : أو علي بن أبي طالب . فقال :
أو علي بن أبي طالب .
و روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : أنا مدينة العلم و علي بابها . فمن أراد العلم فليأت الباب .
و روى أيضا في فضائله أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : كنت أنا و علي نورا بين يدي اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة آلاف عام ، فلمّا خلق آدم قسّم ذلك
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٥ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بتصرف يسير .
النور جزأين ، فجزء أنا و جزء علي .
و روى أيضا في ( فضائله ) عن علي عليه السلام قال : لمّا كانت ليلة بدر قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : من يستقي لنا من الماء ؟ فأحجم الناس . فقمت فاحتضنت قربة . ثم أتيت قليبا بعيد القعر مظلما فانحدرت فيه ، فأوحى اللّه تعالى إلى جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل تأهبّوا لنصرة محمّد و حزبه . فهبطوا من السماء لهم دويّ يذهل من يسمعه . فلمّا حاذوا القليب ، وقفوا و سلّموا علي من عند آخرهم .
و روى أيضا في ( فضائله ) عن سفينة مولى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : أهدت امرأة من الأنصار إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم طيرا و في رواية طيرين بين رغيفين فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : اللهمّ إيتني بأحبّ خلقك إليك . فإذا الباب يفتح . فدخل علي عليه السلام فأكل معه ، و قال الحاكم : حديث الطائر صحيح يلزم البخاري و مسلما إخراجه في ( صحيحيهما ) لأنّ رجاله ثقات .
و روى في ( فضائله ) أيضا عن زيد بن أرقم قال : كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة في المسجد . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي بن أبي طالب . فتكلّم الناس في ذلك ، فقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : فحمد اللّه و أثنى عليه . ثم قال : « ما سددت شيئا و لا فتحته ، و لكنّي أمرت بشيء فاتّبعته » . و رواه الترمذي .
و رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « يا علي لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري ، و غيرك » .
و عن جابر بن عبد اللّه . قال : دعا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليّا يوم الطائف . فانتجاه طويلا . فقال الناس : لقد طالت نجواه مع ابن عمّه . فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .
فقال : « ما انتجيته ، و لكنّ اللّه انتجاه » . قال الترمذي : و معناه ان اللّه أمرني أن