بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 41902
تحميل: 4602


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41902 / تحميل: 4602
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

تأمير سعد قال للأوس كما في ( الطبري ) « و اللّه لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، و لا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا ،

فقوموا فبايعوا أبا بكر » ١ ، قال الطبري : فقاموا إليه فبايعوه فانكسر على سعد و على الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم ، فأقبلوا من كلّ جانب يبايعون أبا بكر و كادوا يطؤن سعدا ، فقال ناس من أصحاب سعد : اتّقوا سعدا لا تطؤوه .

فقال عمر : اقتلوه قتله اللّه ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت أن أطأك حتّى تندر عضوك إلى آخر ما قال ٢ .

و ثانيها : أنّ جماعة من الأعراب كما رواه أبو مخنف دخلوا المدينة ليتمادوا منها في وقت موت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فشغل الناس عنهم . فشهدوا السقيفة فقال لهم عمر : خذوا بالحظّ من المعونة على بيعة خليفة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ،

و اخرجوا إلى الناس ، و احشروهم ليبايعوا . فمن امتنع فاضربوا رأسه و جبينه . قال زائدة بن قدامة : و اللّه لقد رأيت الأعراب تحزّموا و اتّشحوا بالأزر الصنعانية ، و أخذوا بأيديهم الخشب ، و خرجوا حتّى خبطوا الناس خبطا و جاءوا بهم مكرهين إلى البيعة ٣ .

و قال البراء بن عازب كما في ( ابن أبي الحديد ) في موضع آخر لمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم فكنت أتردّد إليهم ، و هم عند جنازة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الحجرة إلى أن قال فلم ألبث و إذا أنا بأبي بكر قد أقبل و معه عمرو أبو عبيده و جماعة من أصحاب السقيفة ، و هم محتجزون بالازر الصنعانية لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه و قدّموه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٨ ، سنة ١١ .

( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٢ : ٤٥٨ و ٤٥٩ ، سنة ١١ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) رواه عن أبي مخنف المفيد ، في الجعل : ٥٩ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٨١

فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك او أبى الخ ١ .

و ثالثها : اشتغال أمير المؤمنين عليه السلام بتجهيز النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فلمّا قال عليه السلام لهم كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) « أيّها الناس لا تخرجوا سلطان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم في العرب عن داره و قعر بيته إلى دوركم و قعور بيوتكم ، و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه . فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به لأنّا أهل البيت ، و نحن أحقّ بهذا الامر منكم ما كان فينا القاري لكتاب اللّه ، الفقيه في دين اللّه ، العالم بسنن رسول اللّه ، المضطلع بأمر الرعيّة ، المدافع عنهم الامور السيّئة ، و القاسم بينهم بالسويّة ، و اللّه إنه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل اللّه فتزدادوا من الحقّ بعدا . قال له بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير و هو الّذي كان بايع أبا بكر قبل عمر كما مرّ ( لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك ) فقال عليه السلام : أفكنت أدع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في بيته لم أدفنه ، و أخرج انازع الناس سلطانه ٢ .

و لمّا كان عليه السلام يحمل لا تمام الحجّة سيّدة النساء صلوات اللّه عليها ليلا على دابة تسأل الأنصار النصرة و كان معاوية يعيّره عليه السلام بذلك كانوا ،

يقولون لها كما في ( الخلفاء ) أيضا : لو أنّ زوجك و ابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به . فتقول فاطمة عليها السلام : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ،

و لقد صنعوا ما اللّه حسيبهم و طالبهم ٣ .

« فأمسكت يدي » عن الدخول في أمر من امورهم .

و زاد في رواية الثقفي و القتيبي بعد قوله عليه السلام « فأمسكت يدي » « و رأيت أنّى أحقّ بمقام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الناس ممّن تولّى الأمر من بعده ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٤ ، شرح الخطبة ٥ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٢ .

( ٣ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٢ .

٣٨٢

فلبثت بذلك ما شاء اللّه » ١ .

« حتّى رأيت راجعة الناس » و في روايتهما : « راجعة من الناس » ٢ .

« قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق » أي : محو .

« دين محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلم » مسيلمة باليمامة ، و الأسود العنسى باليمن ، و طليحة بن خويلد في بني أسد ، و قد كانوا تنبأوا قبل وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلاّ أنّ الأسود قتل في حياته صلّى اللّه عليه و آله و سلم و جاء نعيه بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

« فخشيت إن لم أنصر الاسلام و أهله أن أرى فيه ثلما » أي : خللا .

« أو هدما » و خرابا لبنيانه .

« تكون المصيبة به » أي : بالثلم أو الهدم .

« عليَّ أعظم من فوت ولايتكم » و حكومتكم .

روى الثقفي عن الحسن بن سلمة قال : لمّا بلغ عليا عليه السلام مسير طلحة و الزبير و عائشة من مكة إلى البصرة نادى : الصلاة جامعة . فلما اجتمعوا حمد اللّه و أثنى عليه ثم قال : إنّ اللّه تعالى لمّا قبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قلنا : نحن أهل بيته و عصبته و ورثته و أولياؤه و أحقّ الخلائق به لا ننازع حقّه و سلطانه .

فبينما نحن على ذلك إذ نفر المنافقون . فانتزعوا سلطان نبيّنا منّا ، و ولّوه غيرنا . فبكت و اللّه لذلك العيون و القلوب منّا جميعا ، و خشنت و اللّه الصدور ،

و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة من المسلمين أن يعودوا إلى الكفر لكنّا قد غيّرنا ذلك ما استطعنا ٣ .

و قال الباقر عليه السلام : لم يمنع أمير المؤمنين عليه السلام من أن يدعو إلى نفسه إلاّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في الغارات ١ : ٣٠٦ ، و الإمامة و السياسة ١ : ١٥٥ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) رواه عن الثقفي المفيد في أماليه : ١٥٤ ح ٦ ، المجلس ١٩ ، و النقل بتلخيص .

٣٨٣

نظرا للناس ، و تخوّفا عليهم أن يرتدّوا عن الاسلام . فيعبدوا الأوثان و لا يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و كان الأحب إليه أن يقرّهم على ما صنعوا من أن يرتدّوا عن جميع الإسلام ، و انّما هلك الّذين ركبوا ما ركبوا . فأمّا من لم يصنع ذلك ، و دخل في ما دخل فيه الناس على غير علم و لا عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّ ذلك لا يكفّره و لا يخرجه من الإسلام ،

و لذلك كتم علي عليه السلام أمره ، و بايع مكرها حيث لم يجد أعوانا ١ .

و روى المدائني كما في ( الشافي ) عن أبي عون قال : لمّا ارتدّت العرب مشى عثمان إلى علي عليه السلام فقال : يا ابن عم إنّه لا يخرج واحد إلى قتال هذا العدوّ و أنت لم تبايع ، و لم يزل به حتّى مشى إلى أبي بكر فسرّ المسلمون بذلك و جدّ الناس في القتال ٢ و رواه الواقدي كما في ( مسترشد الطبري ) .

و روى الثقفي عن موسى بن عبد اللّه بن الحسن قال : أبت أسلم أن تبايع فقالوا : ما كنا نبايع حتّى يبايع بريدة لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لبريدة : علي وليّكم من بعدي فقال علي عليه السلام : انّ هؤلاء خيرونى ان يظلموني حقي و ابايعهم و ارتدّ الناس حتّى بلغت الردّة احدا . فاخترت ان اظلم حقّي ، و ان فعلوا ما فعلوا ٣ .

و في ( الطبري ) : أنّ أسلم و هو قوم بريدة لمّا أقبلت لبيعة أبي بكر قال عمر : أيقنت بالنصر ٤ ، و روى الأوّل عن موسى أيضا أنّ عليّا عليه السلام قال لهم : بايعوا فإنّ هؤلاء خيّروني أن يأخذوا ما ليس لهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٨ : ٢٩٥ ح ٤٥٤ .

( ٢ ) تلخيص الشافي ٣ : ٧٧ .

( ٣ ) رواه عن الثقفي الطوسي في تلخيص الشافي ٣ : ٧٨ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥٩ ، سنة ١١ .

٣٨٤

أو أقاتلهم و افرّق أمر المسلمين ١ .

و عن سفيان بن فروة عن أبيه : قال جاء بريدة حتّى ركز رايته في وسط اسلم ثم قال : لا ابايع حتّى يبايع علي عليه السلام . فقال علي عليه السلام : يا بريدة ادخل في ما دخل فيه الناس . فإنّ اجتماعهم أحبّ إليّ من اختلافهم اليوم ٢ .

« الّتي إنّما هي متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب » شبّه عليه السلام رياسة الدنيا و حكومتها بالسراب في عدم حقيقة له كما شبّه تعالى عمل الكفار به . فقال عزّ و جلّ كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ٣ و قالوا في المثل : « أخدع من سراب » ٤ .

« أو كما يتقشّع » أي : يتفرّق .

« السحاب » شبّهها عليه السلام بتقشع السحاب في سرعة زواله .

« فنهضت » أي : قمت .

« في تلك الأحداث » الراجعة إلى رجعة جمع عن الاسلام .

قال ابن أبي الحديد : انّه إشارة إلى ما رواه الطبري من أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا مات اجتمعت أسد و غطفان و طيّ على طليحة بن خويلد . فاجتمعت أسد بسميراء ، و غطفان بجنوب طمية ، و طي في حدود أرضهم ، و اجتمعت ثعلبة بن أسد ، و من يليهم من قيس بالأرق من الربذة و باشت إليهم ناس من بني كنانة و لم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين أقامت إحداهما بالأرق ، و سارت الاخرى إلى ذي القصة ، و بعثوا و فودا إلى أبي بكر يسألونه أن يقارّهم على إقامة الصلاة و منع الزكاة . فقال : لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه ، و رجع الوفود إلى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن الثقفي الطوسي في تلخيص الشافي ٣ : ٧٨ .

( ٢ ) رواه عن الثقفي الطوسي في تلخيص الشافي ٣ : ٧٨ .

( ٣ ) النور : ٣٩ .

( ٤ ) أورده الزمخشري في المستقصى ١ : ٩٥ ، بلفظ « اخدع من يلمع » .

٣٨٥

قومهم فأخبروهم بقلّة من أهل المدينة . فأطمعوهم فيها ، و علم أبو بكر و المسلمون بذلك . فقال لهم : رأى و فدهم منكم قلّة و أنّكم لا تدرون أليلا تؤتون أم نهارا ، و ادناهم منكم على بريد ، و قد كان القوم يأملون أن نقبل منهم و نوادعهم ، و قد أبينا عليهم و نبذنا إليهم ، فاعدّوا و استعدّوا فخرج علي عليه السلام بنفسه . و كان على نقب من أنقاب المدينة ، و خرج طلحة و الزبير و ابن مسعود فكانوا على الأنقاب الثلاثة . فلم يلبثوا إلاّ قليلا حتّى طرق القوم المدينة غارة مع الليل و خلّفوا بعضهم بذي حسا ليكونوا ردءا لهم ، فوافوا الأنقاب و عليها المسلمون ، و خرج أبو بكر في جمع من أهل المدينة على النواضح . فانتشر العدو بين أيديهم ، و أتبعهم المسلمون على النواضح حتّى بلغوا داحسا فخرج عليهم الكمين بأنحاء قد نفخوها ، و جعلوا فيها الحبال ثم دهدهوا بها في وجوه الابل فتدهده كلّ نحي منها في طول . فنفرت ابل المسلمين و هم عليها ، و لا تنفر الابل من شي‏ء نفارها من الأنحاء فعاجت بهم لا يملكونها حتّى دخلت بهم المدينة و لم يصرع منهم أحد و لم يصب . فبات المسلمون تلك اللّيلة يتهيأون .

ثم خرجوا على بغتة فما طلع الفجر الاّ و هم و القوم في صعيد واحد . فلم يسمعوا للمسلمين حسّا و لا همسا ، حتّى وضعوا فيهم السيف . فاقتتلوا أعجاز ليلتهم فما ذرّ قرن الشمس إلاّ و قد ولّوا الأدبار ، و غلبوا على عامّة ظهرهم ، و رجعوا إلى المدينة ظافرين ١ .

قلت : ما نقله من الطبري من روايات سيفه الّذي له يد طولى في الجعل حتّى في وضع الأشعار و الرجال و الأمكنة لما يضع ، و أصل ارتداد طليحة معلوم لكن صحّة باقي خصوصيات ما نقل غير معلومة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الطبري في تاريخه ٢ : ٤٧٦ ، سنة ١١ ، و عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ١٦٥ ، شرح الكتاب ٦٢ ، و النقل بتصرف .

٣٨٦

و ممّا يشهد لوضعه هنا قوله « بعثوا وفودا إلى أبي بكر يسألونه أن يقارّهم على اقامة الصلاة و منع الزكاة فقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه » فإنّهم كانوا ارتدوا عن اصل الإسلام . فكيف يقولون لأبي بكر ما قال ، و إنّما كان جمع آخر ثابتين على الإسلام قالوا : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمرنا بإعطاء زكاتنا إلى فقرائنا و لم يعطوا عمّال أبي بكر . فعاملهم أبو بكر معاملة المرتدين و قال :

لو منعوني عقالا لقاتلتهم كما لا يخفى على من راجع تاريخ ابن أعثم ١ ، و إنّما سيف يأخذ الأشياء من موضع و يجعلها في موضع آخر .

و الصواب في ارتداد طليحة و من بعث أبي بكر لحربه ما قاله اليعقوبي في تاريخه . فقال « و ممّن تنبّأ طليحة بن خويلد الأسدي ، و كان أنصاره غطفان و رئيسهم عيينة بن حصن الفزارى . فخرج أبو بكر في جيشه إلى ذي القصة ،

و دعا عمرو بن العاص فقال : يا عمرو إنّك ذو رأي قريش ، و قد تنبّأ طليحة فما ترى في علي ؟ قال : لا يطيعك . قال : فالزبير ؟ قال : شجاع حسن . قال : فطلحة ؟

قال : للخفض و الطعن . قال : فسعد ؟ قال : محشّ حرب . قال : فعثمان ؟ قال :

أجلسه و استعن برأيه قال : فخالد بن الوليد ؟ قال : بسوس للحرب ، نصير للموت له أناة القطاة ، و وثوب الأسد . فلمّا عقد له قام ثابت بن قيس بن شمّاس و قال : يا معشر قريش أما كان فينا رجل يصلح لما تصلحون له ؟ أما و اللّه ما نحن عميا عمّا نرى ، و لا صمّا عمّا نسمع ، و أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالصبر فنحن نصبر ، و قام حسّان فقال :

يا للرجال لخلفة الأطوار

و لما أراد القوم بالأنصار

لم يدخلوا منّا رئيسا واحدا

يا صاح في نقض و لا إمرار

فعظم على أبي بكر هذا القول . فجعل على الأنصار ثابت بن قيس ، و أنفذ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فتوح ابن أعثم ١ : ١٣ ٨٧ .

٣٨٧

خالدا على المهاجرين . فقصد طليحة . ففرق جمعه و قتل خلقا من أتباعه ، و أخذ عيينة فبعث به إلى أبي بكر مع ثلاثين أسيرا ، و هو مكبّل بالحديد . فجعل الصبيان يصيحون به : يا مرتد . فيقول : ما آمنت طرفة عين قطّ . فاستتابه ،

و اطلق سبيله ، و لحق طليحة بالشام و بعث بشعر إلى أبي بكر يراجع الاسلام » إلخ ١ .

« حتّى زاح » أي : بعد و ذهب .

« الباطل ، و زهق » أي : اضمحلّ .

« و اطمأنّ الدين و تنهنه » أي : استقر و كفّ عن تطرّق الباطل إليه .

قال الجوهري : « الأصل في نهنه نههه بثلاث هاءات و إنما ابدلوا من الهاء الوسطى نونا للفرق بين فعلل ، و فعّل و إنما زادوا النون من بين سائر الحروف لأنّ في الكلمة نونا » ٢ .

قلت : هو شي‏ء تفرّد به . فإذا كان أصل نهنه نههه فليقل أصل زلزل زلزل و لا يبعد أن يكون الأصل في الرباعيات المضاعفة كونها مخفّفة ثلاثيات مضاعفة مكرّرة بأن يقال : إن الأصل في زلزل زلّ زلّ ، و لكن في ( اللسان ) « كانّ الأصل في نهنه النهى » ٣ و كيف كان فالأصل في معنى نهنه الكفّ قال شاعر :

نهنه دموعك انّ من

يفترّ بالحدثان عاجز

و قال أبو جندب الهذلي :

فنهنهت اولى القوم عنهم بضربة

تنفس عنها كلّ حشيان محجر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٢٩ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٥٤ ، مادة ( نهنه ) .

( ٣ ) لسان العرب ١٣ : ٥٥١ ، مادة ( نهنه ) .

٣٨٨

١٦

من الكتاب ( ٢٨ ) في كتابه عليه السلام الى معاوية :

وَ قُلْتَ إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ اَلْجَمَلُ اَلْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ وَ لَعَمْرُ اَللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَ أَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ وَ مَا عَلَى اَلْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَ لاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ وَ هَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا وَ لَكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا أقول : قال ابن أبي الحديد : انّ النقيب قال : إنّه جواب كتاب كتبه معاوية إليه عليه السلام مع أبي امامة الباهلي ١ . قلت : بل مع أبي مسلم الخولاني . فروى نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) : انّ معاوية كتب مع أبي مسلم الخولاني إليه عليه السلام مشيرا إلى أبي بكر و عمر و عثمان « فكلّهم حسدت ، و على كلّهم بغيت ، عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، و في قولك الهجر ، و في تنفّسك الصعداء ، و في إبطائك عن الخلفاء . تقاد إلى كلّ منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتّى تبايع و أنت كاره » إلخ ٢ .

« و قلت : إنّي كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش » أي : جمل ادخل في عظم أنفه خشب ، و قد عرفت أنّ نصر بن مزاحم رواه « الفحل المخشوش » .

و في ( فقه لغة الثعالبي ) : « فصل في الهنة تجعل في أنف البعير إذا كانت من خشب فهي خشاش ، فإذا كانت من صفر فهي برة ، فاذا كانت من شعر فهي خزامة ، فإذا كانت من بقيّة حبل فهي عران » ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٤٥٧ .

( ٢ ) وقعة صفين : ٨٧ .

( ٣ ) فقه اللغة : ٢٥٩ .

٣٨٩

« حتّى ابايع » أي : ابايع أبا بكر . روى الكشي عن الباقر عليه السلام قال : لمّا مرّوا بأمير المؤمنين عليه السلام و في رقبته حبل آل زريق ضرب أبو ذر بيده على الاخرى ثم قال : « ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية » و قال المقداد : « لو شاء لدعا عليه ربّه عزّ و جلّ » و قال سلمان : « مولانا أعلم بما هو فيه » ١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) في عنوان بيعة علي تفقد أبو بكر قوما تخلّفوا عن بيعته عند علي . فبعث إليهم عمر . فجاء فناداهم ، و هم في دار علي . فأبوا أن يخرجوا . فدعا بالحطب ، و قال : و الّذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاحرّقنّها على من فيها . فقيل له : إنّ فيها فاطمة . فقال : و إن ، فخرجوا . فبايعوا إلاّ عليّا . فانّه زعم انّه قال : حلفت أن لا أخرج ، و لا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن فوقفت فاطمة على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم جنازة بين أيدينا ، و قطعتم أمركم بينكم لم تستامرونا ، و لم تردّوا لنا حقّا . فأتى عمر أبا بكر . فقال له : ألا تاخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة .

فقال أبو بكر لقنفذ مولى له قم فادع لي عليا . فذهب إليه و قال : يدعوك خليفة رسول اللّه . فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسوله . فرجع فأبلغ الرسالة . فبكى أبو بكر طويلا . فقال له عمر : الثانية . لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة . فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه و قل : أمير المؤمنين يدعوك لتبايع . فجاء فأدّى . فرفع علي صوته و قال : سبحان اللّه إدّعى ما ليس له . فرجع قنفذ . فأبلغ الرسالة . فبكى أبو بكر طويلا ، ثم قام عمر و مشى معه جماعة حتّى أتوا بيت فاطمة ، فدقّوا الباب فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبه يا رسول اللّه ما ذا لقينا بعدك من ابن الخطاب ، و ابن أبي قحافة . فلمّا سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين و كادت قلوبهم تتصدّع ، و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا عليا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكشي في معرفة الرجال ، اختياره : ٧ : ١٦ .

٣٩٠

فمضوا به إلى أبي بكر ، و قالوا له بايع . فقال : إن انا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذن و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك . قال : إذن تقتلون عبد اللّه و أخا رسوله . قال عمر :

أما عبد اللّه فنعم ، أما أخو رسوله فلا . و أبو بكر ساكت لا يتكلّم . فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك . فقال : لا اكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه . فلحق علي بقبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصيح و ينادي : « يا ابن امّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني » ١ .

فهل أمر أبين من كون بيعته عليه السلام كرها و أنّهم أرادوا إحراق بيته عليه و على امرأته سيّدة نساء العالمين ، و على ابنيه سيّدى شباب أهل الجنّة لو لم يكن خرج ، و أرادوا ضرب عنقه مع كونه كنفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لو لم يبايع ،

و أنّه عليه السلام جعلهم في اتّباعهم لأبي بكر ، و تركهم له بمنزلة عابدي العجل .

و نفسه بمنزلة هارون . فكيف يصحّح إخواننا خلافة الرجل بإمضائه عليه السلام لها ،

و كيف يدّعون فيها الإجماع ، و لو صدق في هذا إجماع . فليقل لم يكن في العالم يوما نزاع .

ثمّ لو كان كلّ إجماع حجّة لكان إجماع امّة موسى على كون العجل إلههم حجة . مع أنّ في إجماع امّة موسى إنّما تخلّف هارون أخو موسى ، و بيعة أبي بكر لم تكن ابتداء إلاّ من عمر و أبي عبيدة لمواطأتهما معه ، و من بشير بن سعد لحسده ابن عمه سعد بن عبادة أن ينال أمارة ، ثم من الأوس بإشارة رئيسهم أسيد بن حضير ضغنا و رقابة للخزرج ، ثم باقي المؤلفة و الطلقاء طمعا في أن ينالوا امارة ، ثم من باقي الناس بضرب العصا و خبطا . مع أنّ امّة موسى الّذين أجمعوا على عبادة العجل كانوا من أولاد الأنبياء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم الّذين قال تعالى فيهم انّهم فضّلهم على العالمين ، و قال لهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٢ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٩١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

جدّهم يعقوب لما حضره الموت : ما تعبدون من بعدي قالوا : نعبد إلهك و إله آباءك ابراهيم و اسماعيل و إسحاق ١ و المبايعين لأبي بكر كانوا أعرابا جلفا شابوا لحاهم في عبادة الأوثان .

و إنّي لأعجب من ابن قتيبة و استحي له أنّ يقول بعد ما نقلناه عنه و بعد ذكره إتيان أبي بكر و عمر إلى العباس بجعله شريكا لو هي أمير المؤمنين عليه السلام بإشارة المغيرة ، و ردّ العباس على أبي بكر بأنّه إن كان الأمر حقّا لك . فلا حاجة لي فيه ، و إن كان حقّ المؤمنين . فليس لك أن تحكم عليهم ، و إن كان حقّنا لم نرض منك ببعض دون بعض « فلمّا تمّت البيعة لأبي بكر أقام ثلاثة أيّام يقيل الناس ، و يستقيلهم يقول قد أقلتكم في بيعتي هل من كاره ؟ هل من مبغض ؟

فيقوم علي في أوّل الناس فيقول : و اللّه لا نقيلك و لا نستقيلك أبدا قد قدّمك النبي لتوحيد ديننا من ذا الّذي يؤخّرك لتوجيه دنيانا » ٢ .

فهل هو إلاّ كلام مضحك للثكلى ، و مسخرة للعقلاء . كيف يصدق أبو بكر في استقالته مع اخذه البيعة بإحراق أهل بيت نبيّه ، و قتل وصيّه ، و كيف يقول أمير المؤمنين عليه السلام في أبي بكر ما مر و يجعله عجل السامري . ثم يقول له ما قاله هنا ؟ هل يكون كذلك إلاّ من كان رذلا نذلا ، و انّما نسب إليه عليه السلام كلام عمر في السقيفة فإنّه لمّا كان هو و أبو بكر يتقارضان الخلافة و يقول أبو بكر : هذا عمر بايعوه أو بايعوا أبا عبيدة . قال له عمر : أنت الّذي قدّمك النبي لديننا فكيف لا نقبلك لدنيانا ٣ .

مع أنّه كلام مغالطة : فإنّه جعل خلافة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عبارة عن سلطنة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٣٣ .

( ٢ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٥ ١٦ .

( ٣ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٢٣ ، شرح الخطبة ٢٦ ، و النقل بالمعنى .

٣٩٢

دنيوية و أدون من امامة جماعة . فلم يكفّر اتباعهم الشيعة لانكارهم ائمتهم مع اعتراف فاروقهم بأنّ الخلافة مجرّد رياسة دنيوية .

و لازمه كون النبوّة أيضا رياسة دنيوية كما أفصح عنه من أسّسوا له الأمر في قوله :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء و لا وحي نزل

و أمّا الإماميّة فإنّما يكفّرون من أنكر أمير المؤمنين عليه السلام لأنّهم يجعلون ولايته من اصول الدين كنبوّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لأنّهم يعتقدون كون الإمام كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم في كونه من قبل اللّه تعالى لا مجرّد إمارة ، و نحن لا ننكر تصدي خلفائهم للإمارة إن كان الأمر كما قال عمر .

و روى الثقفي مسندا عن عدي بن حاتم قال : ما رحمت أحدا رحمتي عليا حين اتي به ملبّبا ، فقيل له بايع ، قال : فإن لم أفعل . قالوا : إذن نقتلك ، قال : « اذن تقتلون عبد اللّه و أخا رسوله » ثم بايع كذا و ضمّ يده اليمنى ١ .

و عنه أيضا قال : إنّي جالس عند أبي بكر إذ جي‏ء بعليّ عليه السلام فقال له أبو بكر : بايع . فقال له علي عليه السلام : فإن لم ابايع . قال : أضرب الّذي فيه عيناك . فرفع رأسه إلى السماء فقال : « اللّهمّ اشهد » ثم مدّ يده فبايعه ٢ .

و يكفي في عدم صحّة خلافة صدّيقهم اعتراف معاوية الّذي هو أصل مذهبهم و فرعه و أوّله و آخره لا سيّما في ثالثهم الّذي حملهم على القول به ،

و إلاّ فالناس كانوا فيه بعد قتله بين مكفّر و مفجّر بأنّه عليه السلام قيد للبيعة كما يقاد الجمل المخشوش .

و نظير قوله هذا في كشف حقيقة الأمر منه ، قوله الآخر في ما كتب إليه عليه السلام أيضا : و أعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ، و يداك في يد

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن الثقفي المرتضى في تلخيص الشافي ، ٣ : ٧٩ .

( ٢ ) رواه عن الثقفي المرتضى في تلخيص الشافي ، ٣ : ٧٩ .

٣٩٣

ابنيك الحسن و الحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق . فلم تدع أحدا من أهل بدر و السوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك ، و مشيت إليهم بامرأتك ، و أدليت إليهم بابنيك ، و استنصرتهم على صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فلم يجبك إلاّ أربعة أو خمسة ١ .

و صرّح بذلك أيضا الجبار الدوانيقي في ما كتب إلى محمّد بن عبد اللّه الحسني ، و رواه القتيبي ٢ .

« و لعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت » بكوني مظلوما .

« و أن تفضح فافتضحت » بكون من جعلته حجتك ظالما .

و نظير ما قاله عليه السلام من كون معاوية أراد ذمّه عليه السلام بقيادته كالجمل المخشوش لبيعة أبي بكر فمدحه ، أنّ حجل بن نضلة ذكر عند النعمان بن المنذر معاوية بن شكل . فقال : إنّه لقعو الاليتين مقبل النعلين ، فحج الفخذين ،

مشّاء باقراء ، تبّاع اماء ، قتّال ظباء . فقال له النعمان : أردت أن تذمّه فمدحته .

و في ( الأغاني ) : خاصم رجل أبا دلامة في داره . فارتفعا إلى عافية القاضي . فأنشأ أبو دلامة يقول :

لقد خاصمتني دهاة الرجال

و خاصمتها سنة وافية

فما أدحض اللّه لي حجة

و لا خيّب اللّه لي قافية

و من خفت من جوره في القضاء

فلست اخافك يا عافية

فقال له عافية القاضي : لأشكونك إلى الخليفة ، و لاعلمنّه أنّك هجوتني .

قال : إذن يعزلك . قال : و لم ؟ قال : لأنّك لا تعرف المديح من الهجاء . فبلغ ذلك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٣١ ، شرح الخطبة ٢٦ .

( ٢ ) أشار الى الكتاب ابن قتيبة في عيون الاخبار ١ : ٢٠٩ ، و يوجد أيضا متن الكتاب في تاريخ الطبري ٦ : ١٩٥ ، سنة ١٤٥ ، و انساب الاشراف ٣ : ٩٥ .

٣٩٤

المنصور . فضحك و أمر لأبي دلامة بجائزة ١ و لمّا قال الأخطل لسويد بن منجوف :

و ما جذع سوء خرّق السوء وسطه

لما حملته وائل بمطيق

قال له سويد : هجوتني بزعمك . فمدحتني لأنّك جعلت وائلا حملتني أمرها ، و ما طمعت في بني تغلب منها .

و انبرى فتى للاخطل . فقال له : أردت أن تهجو حاتم بن النعمان الباهلي ،

و ان تصغّر من شأنه ، و تضع من شأنه ، و تضع منه . فقلت :

و سوّد حاتما أن ليس فيها

إذا ما أوقد النيران نار

فأعطيته السؤدد في الجزيرة و أهلها و منعته ما لا يضرّه .

و لمّا بسط يوسف بن عمر الثقفي العذاب على خالد بن عبد اللّه القسرى لم يكلّمه خالد حتّى قال له يوسف : يا ابن الكاهن يعني بالكاهن شقّ بن صعب فقال له خالد : إنّك لأحمق . تعيّرني بشرفي ، و لكنّك يا ابن السبّاء إنّما كان أبوك سبّاء الخمر : أى بيّاعه .

و عن علي بن المنذر قال : قال لي الحسن البصري : ما قول الشاعر :

لو لا جرير هلكت بجيله

نعم الفتى و بئست القبيله

أهجاه أم مدحه ؟ قلت : مدحه ، و هجا قومه . قال : ما مدح من هجا قومه .

و في ( المعجم ) كان الخليل النحوي العروضي يقطّع بيتا من الشعر فدخل عليه ابنه في تلك الحالة . فخرج إلى الناس ، و قال لهم : إنّ أبي قد جنّ .

فدخلوا عليه و هو يقطّع البيت فأخبروه بما قال ابنه . فقال لابنه :

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني

أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني ١٠ : ٢٥٧ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٩٥

لكن جهلت مقالتي فعذلتني

و علمت أنّك جاهل فعذرتكا ١

أيضا :

عذلت على ما لو علمت ببعضه

فسحت مكان اللوم و العذل من عذر

و عكسه أنّ الأخطل أراد أن يمدح سماك بن مخرمة الأسدي . فقال فيه :

إنّ سماكا بنى مجدا لاسرته

و فعل الخير يبتدر

قد كنت أحسبه قينا و أخبره

فاليوم طيّر عن أثوابه الشرر

فقال سماك : ويحك ما أعياك أردت أن تمدحني فهجوتني . قال ذلك لأنّه كان من بني الهالك ، و كان الهالك أوّل من عمل الحديد ، و كان ولده يعيّرون بذلك .

و في ( الأذكياء ) مدح الخالديان سيف الدولة بن حمدان بقصيدة قالا فيها :

فوجه كله قمر

و سائر جسمه أسد

فاستحسنه سيف الدولة ، و جعل يردّد إنشاده . فدخل عليه الشيطمي الشاعر . فقال له : اسمع هذا البيت ، و أنشده إيّاه . فقال له الشيطمي : إحمد ربك فقد جعلك من عجائب البحر ٢ .

« و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما » أي : ذلّة و منقصة .

« ما لم يكن شاكّا في دينه و لا مرتابا بيقينه » و أمّا لو ظلمه الناس فليس فيه غضاضة بل رفع درجة و علوّ منزلة .

و قال عليه السلام في مثل ذلك في موضع آخر « فإنّ المرء المسلم البري‏ء من الخيانة ما لم يخش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت و تغرى بها لئام الناس ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) معجم الادباء ١١ : ٧٥ ، و النقل بتصرّف يسير .

( ٢ ) الأذكياء لابن الجوزي : ١٥٢ ، و النقل بتلخيص .

٣٩٦

كان كالفالج الياسر الّذي ينتظر اوّل فورة من قداحه توجب له المغنم ، و يرفع بها عنه المغرم » ١ و لبعضهم في نظيره :

لعمري ما بالموت عار على امرئ

إذا لم تصبه في الحياة المعائر

و للنابغة :

و عيّرتني بنو ذئبان رهبته

و هل علي بأن أخشاك من عار

و لآخر :

قالوا حبست فقلت ليس بضائري

حبسي و أيّ مهنّد لم يغمد

و الحبس ما لم تغشه لدنيّة

شنعاء نعم المنزل المستورد

و لقد أجاد من قال بالفارسية :

ما نداريم از قضاى حق گله

عار نايد شير را از سلسله

و روى ( الكافي ) : أنّ رجلا كان يدخل على الصادق عليه السلام في حجّه . فغبر زمانا لا يحجّ . فدخل عليه عليه السلام بعض معارفه . فسأله عنه . فجعل يضجع الكلام يظنّ أنّه عليه السلام يعني الميسرة و الدنيا فقال عليه السلام له : كيف دينه . فقال : كما تحب .

فقال : هو و اللّه الغنى ٢ .

و عنه عليه السلام في قوله تعالى في مؤمن آل فرعون : فوقاه اللّه سيّئات ما مكروا ٣ أما لقد بسطوا عليه و قتلوه ، و لكن أتدرون ما وقاه ؟ وقاه أن يفتنوه في دينه ٤ .

« و هذه حجّتي إلى غيرك قصدها » قال عليه السلام لمعاوية ذلك لأنّ معاوية كان مصداق قوله تعالى : و لو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة و كلّمهم الموتى و حشرنا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٦٠ ، الخطبة ٢٣ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢١٦ ح ٤ .

( ٣ ) غافر : ٤٥ .

( ٤ ) الكافي ٢ : ٢١٥ ح ١ .

٣٩٧

عليهم كلّ شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ١ و إنّما قصده عليه السلام بحجّته من كان لقبولها أهلا .

« و لكنّي أطلقت لك منها بقدر ما سنح » أي : عرض و لزمه المقام إتماما للحجّة .

« من ذكرها » فإنّه عليه السلام لو لم يجبه بأن قودي للبيعة لم يكن ذما لي بل لخصمي ، و من عاملني بذلك يمكن أن تؤثّر شبهته في القاصرين بأنّ المغلوبية في الدنيا تنافي كمال الدين أو لم يقل أهل الدنيا الّذين لم تكن لهم بصيرة في النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ٢ و لم انزل على يتيم أبي طالب .

١٧

الحكمة ( ١٦٣ ) لاَ يُعَابُ اَلْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ أقول : و قبل هذا الكلام هكذا : « إنّما حقّي على هذه الامّة كرجل له حق على قوم الى أجل معلوم . فإن أحسنوا و عجّلوا له حقّه ، قبله حامدا ، و إن أخّروه إلى أجله ، أخذه غير حامد » .

و بعده هكذا : « و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عهد إليّ عهدا . فقال : يا ابن أبي طالب لك ولاء امّتي . فإن ولّوك في عافية ، و أجمعوا عليك بالرضا ، فقم بأمرهم ، و إن اختلفوا عليك ، فدعهم و ما هم فيه . فإنّ اللّه سيجعل لك مخرجا » ٣ .

روى الكليني في ( رسائله ) على نقل ( محجّة ابن طاووس ) : أنّهم لمّا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١١١ .

( ٢ ) الزخرف : ٣١ .

( ٣ ) كشف المحجة : ١٨٠ .

٣٩٨

سألوه عن الثلاثة قال عليه السلام ذلك عند حكايته إجبار قريش له على بيعة عثمان في الشورى طمعا في أن ينالوا الأمر بعده ١ .

« لا يعاب المرء بتأخير حقّه » و إنّما يعاب من أخّر حقّه لأنّه ظالم له ، و هو نظير قوله عليه السلام في سابقه بأنّ قوده لبيعة أبي بكر كالجمل المخشوش ليس نقصا له لأنّه ليس على المسلم من غضاضة ما لم يكن شاكّا في دينه ، و لا مرتابا بيقينه .

روى ابن قتيبة في ( عيونه ) عن الهيثم عن ابن عياش ، عن الشعبي : أنّ معاوية أقبل ذات يوم على بني هاشم . فقال : ألا تحدّثوني عن ادعائكم الخلافة دون قريش ؟ أتكون لكم بالرضا بكم و الاجتماع عليكم دون القرابة أم بالقرابة دون الجماعة أم بهما جميعا ؟ فإن كانت بالرضا و الجماعة فلا أرى القرابة أثبتت حقا و إن كانت بالقرابة فما منع العباس عم النبي و وارثه و ساقي الحجيج و ضامن الأيتام أن يطلبها ، و قد ضمن له أبو سفيان بني عبد مناف ؟

و إن كانت بالرضا و القرابة جميعا فإنّ القرابة خصلة من خصال الإمامة و أنتم تدّعونها بها وحدها و لكنّا نقول أحقّ قريش بها من بسط الناس أيديهم إليه بالبيعة ، و نقلوا أقدامهم إليه للرغبة ، و طارت إليه أهواؤهم للثقة ، و قاتل عنها بحقّها فأدركها من وجهها . إنّ أمركم لأمر تضيق به الصدور إلى أن قال :

فقال له ابن عباس : ندّعي هذا الأمر بحقّ من لو لا حقّه لم تقعد مقعدك هذا ، و نقول : كان ترك الناس أن يرضوا بنا ، و يجتمعوا علينا حقّا ضيّعوه و حظّا حرموه إلى أن قال :

فأمّا الّذي منعنا من طلب هذا الأمر بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فعهد منه إلينا قبلنا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ كشف المحجة : ١٨٠ ، « و ليس يعاب » .

٣٩٩

فيه قوله ، و دنّا بتأويله ، و لو امرنا أن نأخذه على الوجه الّذي نهانا عنه لأخذناه أو أعذرنا فيه ، و لا يعاب أحد على ترك حقّه ، انّما المعيب من يطلب ما ليس له ١ .

و روى الثقفي كما في ( أمالي ) محمّد بن محمّد بن النعمان عن المسعودي عن محمّد بن كثير عن يحيى بن حماد القطّان عن أبي محمّد الحضرمي عن أبي علي الهمداني ، أنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى علي عليه السلام فقال : إنّي أسالك لآخذ عنك و قد انتظرنا ان تقول لنا من أمرك شيئا فلم تقله . ألاّ تحدّثنا عن أمرك هذا أكان بعهد من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أو شي‏ء رأيته ،

فانّا قد أكثرنا فيك الأقاويل و أوثقه عندنا ما سمعناه من فيك ، انّا كنّا نقول : لو رجعت الخلافة إليكم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم ينازعكم فيها أحد ، و اللّه ما أدري إذا سئلت ما أقول ؟ أزعم أنّ القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك ، فعلام نصبك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد حجّة الوداع فقال : « أيّها الناس من كنت مولاه فعليّ مولاه » ؟

و ان تك اولى منهم بما كانوا فيه فعلام نتولاهم ؟

فقال له علي عليه السلام : انّ اللّه تعالى قبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أنا يوم قبضه أولى بالناس منّى بقميصي هذا ، و قد كان من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم اليّ عهد لو خزموني بأنفي لأقررت سمعا و طاعة ، و إنّ اوّل ما انتقصناه بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إبطال حقّنا في الخمس ، فلمّا رقّ أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا ، و قد كان لي على الناس حقّ لو ردّوه إليّ عفوا قمت به إلى أن قال :

و كنت كرجل له حقّ على الناس إلى أجل . فإن عجّلوا له ما له ، أخذه و حمدهم عليه ، و إن أخّروه ، أخذه و هم غير محمودين إلى أن قال :

فقال عبد الرحمن : لعمرك أنت يا أمير المؤمنين كما قيل :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٠٠