بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 41874
تحميل: 4594


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41874 / تحميل: 4594
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

منك يا علي إلاّ حرصك عليها » ١ .

و رماه بالرياء أيضا كما عابه بصغر السنّ . فرووا عن ابن عباس أنّه قال : دخلت على عمر يوما . فقال : يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلته رياء . قلت : من هو ؟ قال : ابن عمّك . قلت : و ما يقصد بالرياء قال : يرشّح نفسه للخلافة . قلت : و ما يصنع بالترشيح ؟ قد رشّحه لها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فصرفت عنه . قال : كان شابّا حدثا فاستصغرت العرب سنّة ، و قد كمل الآن . ألم تعلم انّ اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ بعد أربعين . قلت : أمّا أهل الحجى و النهى ما زالوا يعدّونه كاملا منذ رفع اللّه منار الاسلام ، و لكنّهم يعدّونه محروما مجدودا . فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ثم تزلّ قدمه ، و لا يقضي منها اربه ، و لتكونن شاهدا ذلك . ثم يتبين الصبح لذي عينين ، و تعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الأوّلين الّذين صرفوها عنه بادئ بدء فليتني أراكم بعدي يا عبد اللّه إنّ الحرص محرمة و إنّ دنياك كظلّك ٢ .

و أقول : أما قوله « يجتهد رياء للخلافة » فابن عباس أجابه باستخلاف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له و إنّما أخّره هو و صاحبه ، و قد اعترف بذلك معاوية في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر .

و أما قوله « بصغر سنّه » فأجابه أيضا بانّه عند أهل المعرفة كان من أوّل الاسلام الّذي كان يومئذ ابن عشر كاملا . فلا يضرّه طعن الأجلاف ،

و اولي الغلّ و الحقد مثله ، و من كان على رأيه .

و أجابه في موضع آخر بأنّ اللّه تعالى و رسوله ما استصغراه حيث أمراه بأخذ سورة البراءة من صاحبه .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٢٥ .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١١٥ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بتلخيص .

٤٤١

و أما قوله بعدم استقرار الأمر له « فتعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الأوّلين الّذين صرفوها عنه » فيقال له : أنت و صاحبك زلزلت أمره بمساعدة المنافقين و الطلقاء ، و قد ولّيت الأمر عثمان و بني اميّة أعداء النبي حتّى لا ثتبت له قدم إن ولي يوما ، و تبيّن الصبح لذي عينين بعملك ، و لا غرو ان لم يبصر الأعمى .

و كل أقواله صار منشأ لجرأة جمع و شبهة فريق حتّى سمّى كثير منهم خلافته فتنة كخلافة ابن الزبير ، و نحن لا نسوء من ذلك فيكفيهم ثلاثتهم ،

و يكفينا هو و أحد عشر من عترته الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا .

و من المضحك حديثه « ما بعث اللّه نبيّا إلاّ بعد أربعين » أو لم يسمع قوله تعالى في يحيى و آتيناه الحكم صبيا ١ و حكايته عن عيسى عليه السلام في مهده إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب و جعلني نبيّا ٢ .

كما أنّ من المضحك وعظه لأمير المؤمنين برسالة ابن عباس « إنّ الحرص محرمة » أو لم يقل ذلك لنفسه حيث أراد إحراق أهل بيت نبيّه ، و قتل من كان بمنزلة نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حرصا على نيل الامارة ، و لعمر اللّه و إن قال لصاحبه مغالطة « قدّمك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لديننا في أمرك بالصلاة لنا أفلا نرضاك لدنيانا للخلافة » ٣ إلاّ أنّه ما أراد بذلك أن يصلّوا و يصوموا بل ليتأمّر عليهم مثل معاوية إلاّ أنّ معاوية أظهر ، و هو أسرّ ، و لكنّه إن لم يصرّح أفصح بما جرى على لسانه « أ فلا نرضاك لدنيانا » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مريم : ١٢ .

( ٢ ) مريم : ٣٠ .

( ٣ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٢٣ ، شرح الخطبة ٢٦ ، و النقل بالمعنى .

٤٤٢

« و إنّما طلبت حقّا لي ، و انتم تحولون بيني و بينه ، و تضربون وجهي دونه » أي : أنتم معشر قريش مع رأسكم فاروقكم الّذين نسبتموني إلى الحرص على هذا الأمر لم تفهموا معنى الحرص و مورد استعماله . فالحرص يقال لمن طلب شيئا لم يكن له ، و أما من طالب بحقّه الثابت الواضح عند الكلّ إذا طلبه من المتغلبين عليه لا يقال له إنّه حريص عليه و لو كان جادّا .

مع أنّه عليه السلام إنّما طلب وقتا أمكنه الطلب ، و هو يوم السقيفة و يوم الشورى دون قيام عمر بنصب أبي بكر له بقدر إتمام الحجّة ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة .

و كيف نسبوا إليه عليه السلام الحرص مع أنّه رضي بترك حقّه الثابت لما عرض عليه عبد الرحمن بن عوف بيعته له بشرط عمله بسنّة الشيخين .

فأنكر عليه السلام عليه ذلك و طوى عنه كشحا مع زعمهم حرصه عليه السلام عليه دلالة على بطلان سنّتهما .

هذا ، و قال ابن حاطب : ابن الزبير طالما حرص على الامارة قيل له :

كيف ؟ قال : أمر أبو بكر أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم بقتل لصّ . فقال ابن الزبير : أمّروني عليكم فأمّرناه ثم انطلقنا به فقتلناه .

قلت : و كان من حرصه على الامارة أنّه صار في من نصر عثمان مع كون أبيه في من قتل عثمان ، و مع كونه مثل أبيه في بغض عثمان إلاّ أنّه علم أنّ عثمان يقتل و علم أنّ الأمر يصير إلى أمير المؤمنين عليه السلام . فأراد أن يكون له مستمسك لادعاء الخلافة إن اتّفق يوم يمكنه القيام بأنّه لمّا نصر عثمان جعله وصيّه . فهكذا ادّعى يوم قيامه بعد يزيد و منّ يوما على معاوية بأنّه نصر عثمان . فقال له معاوية و كان يعرف الناس حق المعرفة فو اللّه لو لا شدّة بغضك لابن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع .

٤٤٣

« فلمّا قرعته بالحجّة » القرع بالحجّة استعارة . فالأصل في القرع ضرب الرأس بالعصا .

« في الملأ الحاضرين » الملأ : الجماعة في محلّ قيل لهم الملأ لا متلاء المحلّ بهم .

« هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به » هكذا في ابن أبي الحديد ١ و لكن في ( ابن ميثم ) : « بهت كأنّه لا يدري ما يجيبني به » و جعل « هبّ » رواية ٢ ، و معنى هبّ استيقظ .

و وجه بهته و عدم درايته لجواب ، أنّ كلّهم كانوا مشاهدين لاستخلاف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له ، و عارفين بسوابقه و مقاماته ، و أحقيّته بأقربيّته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من كلّ أحد . فإذا ذكّرهم ذلك لا بدّ أن يبهتوا لعدم جواب لهم .

كما أنّ إبراهيم عليه السلام لما قال للملك الّذي يدّعي الربوبية إنّ اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ٣ بهت و لم يدر ما يجيبه .

هذا ، و ممّا ذكروا من الجواب المسكت للخصم أنّ ثابت بن عبد اللّه بن الزبير نظر إلى أهل الشام . فقال : إنّي لأبغض هذه الوجوه . فقال له سعيد بن عمرو بن عثمان : تبغضهم لأنّهم قتلوا أباك . قال : صدقت و لكنّ أباك قتله المهاجرون و الأنصار .

و أنّ معاوية قال يوما : أيّها الناس إنّ اللّه فضّل قريشا بثلاث . فقال :

و انذر عشيرتك الأقربين ٤ فنحن عشيرته ، و قال : و انّه لذكر لك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ .

( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٩ ، نقلا عن نسختين « هبّ » و « بهت » .

( ٣ ) البقرة : ٢٥٨ .

( ٤ ) الشعراء : ٢١٤ .

٤٤٤

و لقومك ١ و نحن قومه و قال : لإيلاف قريش إلى آخر السورة ٢ ، و نحن قريش . فأجابه رجل من الأنصار فقال : على رسلك يا معاوية فإنّ اللّه يقول :

و كذّب به قومك ٣ و أنتم قومه ، و قال : و لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون ٤ و أنتم قومه ، و قال : و قال الرسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا ٥ و أنتم قومه ثلاثة بثلاثة ، و لو زدتنا لزدناك ،

فأفحمه .

قلت : و افترى معاوية في كونه عشيرته ، و إنّما عشيرته بنو هاشم ، و لذا جمعهم حسب بعد نزول الآية ، و أنذرهم ، و الأخيران لا مدح فيهما مع أنّ معاوية كان مصداق قوله تعالى : و لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة و كلمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ٦ فأيّ أثر لإنذاره ،

و أيّ وقت كان القرآن ذكرا له .

و قالوا : كان عدي بن حاتم فقئت عينه يوم الجمل . فقال له ابن الزبير يوما : متى فقئت عينك ؟ قال : يوم قتل أبوك ، و هربت عن خالتك ، و أنا للحقّ ناصر و أنت له خاذل .

قوله عليه السلام في ذيل الثاني « اللّهمّ إنّي استعديك على قريش و من أعانهم فإنّهم قطعوا رحمي ، و صغّروا عظيم منزلتي ، و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي . ثم قالوا :

الا إنّ في الحق أن تأخذه و في الحق أن تتركه » و قوله عليه السلام في صدر الثالث « اللّهمّ إنّي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الزخرف : ٤٤ .

( ٢ ) قريش : ١ .

( ٣ ) الانعام : ٦٦ .

( ٤ ) الزخرف : ٥٧ .

( ٥ ) الفرقان : ٣٠ .

( ٦ ) الانعام : ١١١ .

٤٤٥

أستعديك على قريش ، و من أعانهم . فإنّهم قد قطعوا رحمي و أكفؤوا إنائي ، و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به من غيري ، و قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه و في الحق أن تمنعه » أيضا الأصل فيهما واحد كما عرفت .

ثم قوله في الثالث « و من أعانهم » إنّما نقله ابن أبي الحديد ١ و ليس في ( ابن ميثم ) ٢ و لا بد أنّه لم يكن في النهج حيث إنّ نسخته بخط مصنّفه ، و لا بدّ أنّه كان في نسخة ابن أبي الحديد حاشية اخذا من الثاني خلط بالمتن .

و أمّا قوله في الثاني : « ان تأخذه » و قوله : « أن تتركه » بالتاء فيهما . فكذا في ( المصرية ) ، و نقل ابن أبي الحديد ٣ الأول « نأخذه » بالنون ، و الثاني « تتركه » بالتاء ، و قال معناه « قالوا له الحق أخذنا و تركك » و نقل « ثم » عن خط الرضيّ كونهما بالنون ، و قال معناه « قالوا له نتصرف بالأخذ و الترك دونك » ٤ .

كما أنّ قوله في الثالث : « أن تأخذه » و « أن تمنعه » بالتاء فيهما هو في ( المصرية ) و قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي في خط الرضيّ تأخذه بالتاء و قيل : إنّه بالنون ٥ .

و كيف كان ، فالصواب أن « نأخذه » فيهما بالنون و « تتركه » و « تمنعه » فيهما بالتاء ، و المراد أنّ قريشا قالوا مكابرة في قبال حجّته عليه السلام أخذنا حقّ ، و تركك و منعك حق ، و يشهد لما قلنا رواية الثقفي ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٦ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣١ .

( ٥ ) كذا قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٣٧ ، لكن الراوندي في شرحه ٢ : ١٥٢ ، ذكر كونه بقاء و لم يوجد فيه نسبة إلى خط الرضي .

٤٤٦

و رواية ابن قتيبة للكلام المتقدّمتان ١ .

هذا و قال ابن أبي الحديد بعد الثالث : « لم يؤرخ الوقت الّذي قال عليه السلام هذا الكلام ، و حمله أصحابنا على أنّه قاله يوم الشورى » ٢ و قال ابن ميثم يشبه أن يكون صدور هذا الكلام منه عليه السلام حين خروج طلحة و الزبير ٣ .

قلت : قد عرفت من أسانيده الأربعة أنّه جزء كلامه عليه السلام بعد قتل محمّد بن أبي بكر ، و فتح مصر . قال : الكلام كله لمّا سألوه عن رأيه عليه السلام في حقّ الخلفاء و الثلاثة فكتب لهم ما مرّ .

و حمل أصحاب ابن أبي الحديد له على أنّه قاله يوم الشورى غير مفيد لهم لأنّه كما تضمن شكايته عليه السلام من الشورى تضمن شكايته من السقيفة ،

و هل مؤسس الشورى و مؤسس السقيفة غير فاروقهم مع أنّ مراده عليه السلام بقوله « اللّهمّ انّي أستعينك أو أستعديك على قريش » عمومهم حتّى صدّيقهم و فاروقهم . فإنّه عليه السلام لم يقل « أستعينك على اولئك » : أي الّذين حكى إجبارهم له على بيعة عثمان بل قال « على قريش » : أي : هؤلاء و من أسّس لهم .

و ممّا يوضح إرادته العموم كلام المقداد لابن عوف لمّا بايع عثمان « ما رأيت مثل ما أتي على أهل هذا البيت بعد نبيّهم . إنّي لأعجب من قريش إنّهم تركوا رجلا ما أقول إنّ أحدا أعلم و لا أقضى منه بالعدل ، و إنّي لأعجب من تطاولهم بفضل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثم انتزاعهم سلطانه من أهله لو أنّ لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إيّاهم ببدر و احد » ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في الغارات ١ : ٣٠٩ ، و بفرق في الإمامة و السياسة ١ : ١٥٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٧ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٥٠ .

( ٤ ) رواه الجوهري في السقيفة : ٨٨ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٢٧٩ ، سنة ٢٣ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٤٣ ، و غيرهم و النقل بالمعنى .

٤٤٧

قوله عليه السلام في الثالث : « اللّهمّ إنّي استعينك على قريش و من أعانهم » روى أبو مخنف في جمله عنه عليه السلام قال : « ما لي و لقريش أما و اللّه لقد قاتلتهم كافرين و لأقتلنّهم مفتونين إلى أن قال و اللّه لأبقرن الباطل حتّى يظهر الحق من خاصرته فقل لقريش فلتضجّ ضجيجها » ١ .

و في ( معجم الادباء ) قرأت بخط الازهري ، قال المازني : لم يصحّ عندنا تكلّم علي عليه السلام بشي‏ء من الشعر غير قوله :

تلكم قريش تمنّانى لتقتلني

و لا وجدّك ما برّوا و لا ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمّتي لهم

بذات روقين لا يعفو لها أثر

« بذات روقين » أي : بداهية عظيمة ٢ .

و في أمثال أبي عكرمة الضبي يقال : إنّ عليّا عليه السلام تمثّل بقول الشاعر في المثل لظالمية الحيّة .

لعمري إنّي لو اخاصم حيّة

إلى فقعس ما أنصفتني فقعس

فو اللّه ما أدري و إنّي للابس

لكم لبسة أيّ النسيجين ألبس

ألبسة بقيا لا بقاء على الّذي

تريدون بي أم أستمرّ فأعبس ٣

قوله عليه السلام « فانهم قطعوا رحمي » في ( إرشاد المفيد ) : روى العبّاس بن عبد اللّه العبدي ، عن عمرو بن شمر عن رجاله قالوا : سمعنا عليّا عليه السلام يقول : ما رأيت منذ بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم رخاء و الحمد للّه . و اللّه لقد خفت صغيرا ،

و جاهدت كبيرا اقاتل المشركين ، و اعادي المنافقين حتّى قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فكانت الطامّة الكبرى ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن أبي مخنف في الجمل ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٨ ، شرح الخطبة ٦ .

( ٢ ) جاء في معجم الادباء ١٤ : ٤٣ .

( ٣ ) الأمثال لأبي عكرمة الضبي : ٦٩ ٧٠ .

( ٤ ) الارشاد : ١٥١ .

٤٤٨

« و صغّروا عظيم منزلتي » في ( صفين نصر ) ، و ( مروج المسعودي ) ،

و غيرهما : كتب معاوية إلى محمّد بن أبي بكر في جواب كتابه و كان في كتاب محمد بن أبي بكر إليه « فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي ، و هو وارث رسوله ، و وصيه ، و أبو ولده ، أوّل الناس له اتّباعا ، و أقربهم به عهدا . يخبره بسرّه ، و يطلعه على أمره ، و أنت عدوّه و ابن عدوّه » إلى أن قال « ذكرت في كتابك فضل ابن أبي طالب ، و قديم سوابقه ، و قرابته إلى الرسول ، و مواساته إيّاه في كلّ هول و خوف . فكان احتجاجك علي و عيبك لي إلى أن قال فقد كنّا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب ، و حقّه لازما لنا مبرورا علينا . فلمّا اختار اللّه لنبيّه ما عنده ، و أتمّ له ما وعده و أظهر دعوته و ابلج حجته قبضه اللّه إليه فكان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزّه حقّه ، و خالفه على أمره . على ذلك اتّفقا و اتّسقا ، ثم إنّهما دعواه إلى بيعتهما فابطأ عنهما ، و تلكّأ عليهما فهمّا به الهموم ،

و أرادا به العظيم . ثم إنّه بايع لهما و سلّم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ،

و لا يطلعانه على سرّهما حتّى قبضهما اللّه إلى أن قال :

مشيرا إلى نفسه و قيامه في قباله عليه السلام مهّد أبوك مهاده و بنى له ملكه و شاده . فإن يك ما نحن فيه صوابا . فأبوك أوّله ، و إن يكن جورا ، فأبوك أسّسه ،

و نحن شركاؤه ، و بهديه أخذنا ، و بفعله اقتدينا ، و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب و سلّمنا له ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك . فاحتذينا بمثاله ،

و اقتدينا بفعاله . فعب أباك أو دع » ١ .

« و أكفؤوا إنائي » أي : اكبّوه ، و قلبوه . روت العامّة أنّ عمر قال لابن عباس :

أنتم أهل رسول اللّه و آله و بنو عمّه ، فما تقول في منع قومكم منكم ؟ قال : لا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ١١٩ ، و المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٢ ، و البلاذري في انساب الاشراف ٢ : ٣٩٣ ، و اللفظ للمسعودي .

٤٤٩

أدري علّتها ، و اللّه ما أضمرنا لهم إلاّ خيرا » قال : اللّهمّ غفرا . إنّ قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوّة و الخلافة فتذهبوا في السماء شمخا و بذخا ، و لعلكم تقولون إنّ أبا بكر أوّل من أخّركم أما إنّه لم يقصد ذلك ، و لكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم ممّا فعل ، و لو لا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيبا ،

و لو فعل ما هنّأكم مع قومكم انّهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره ١ .

قلت : إنّ اللّه جلّ و علا جمع لهم النبوّة و الخلافة . ألم يقل نبيّهم لهم « من كنت مولاه و أولى به من نفسه . فعليّ مولاه و أولى به من نفسه » ؟

و أما كراهة قومهم ذلك فقد قال عزّ اسمه ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم ٢ و لقد أجاب ابن عباس عمر بذلك في خبر آخر ٣ .

و رووا أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال مشيرا إلى أبي بكر و عمر « اصغيا باناءنا و حملا الناس على رقابنا » ٤ .

« و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي أو حقّا كنت أولى به من غيري » روى أبو هلال في ( أوائله ) : انّ أبا الهيثم بن التيّهان و هو اوّل من ضرب على يد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم للبيعة في أوّل نبوّته قام خطيبا بين يدي علي عليه السلام . فقال : إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين : أمّا خيارهم فتمنّوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ و ارتفاع الدرجة ، و أمّا أشرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب ، و أحبط الأعمال ، و ذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمك اليها الحظّ ، و أخّرهم عنها الحرمان .

فلم يرضوا أن يلحقوك حتّى طلبوا أن يسبقوك ، فبعدت عليهم و اللّه الغاية ،

و أسقط المضمار . فلمّا تقدّمتهم بالسبق ، و عجزوا عن اللحاق . بلغوا منك ما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٩٤ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .

( ٢ ) محمد : ٩ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .

( ٤ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٦ ، شرح الخطبة ١٧٠ .

٤٥٠

رأيت ، و كنت و اللّه أحقّ قريش بشكر قريش . نصرت نبيّهم حيّا ، و قضيت عنه الحقوق ميّتا ، و اللّه ما بغيهم إلاّ على أنفسهم ، و لا نكثوا إلاّ بيعة اللّه . يد اللّه فوق أيديهم فها نحن معاشر الأنصار ، أيدينا و ألسنتنا لك ، فأيدينا على من شهد ،

و ألسنتنا على من غاب ١ .

« ثم قالوا في الحق أن ناخذه و في الحقّ أن تتركه أو أن تمنعه » روى الزبير بن بكار كما في ( أمالي المفيد ) انّ ابن عباس حضر مجلس معاوية فأقبل عليه معاوية . فقال له : إنّكم تريدون أن تحرزوا الإمامة كما اختصصتم بالنبوّة و اللّه لا يجتمعان أبدا . إنّ حجّتكم في الخلافة مشتبهة على الناس . إنّكم تقولون : نحن أهل بيت النبوّة فما بال خلافة النبي في غيرنا و هذه شبهة لانّها تشبه الحق و بها مسحة من العدل و ليس الأمر كما تظنون . إنّ الخلافة تتقلب في أحياء قريش برضى العامّة و شورى الخاصة و لسنا نجد الناس يقولون ليت بني هاشم ولونا و لو ولونا كان خيرا لنا في دنيانا و آخرتنا ، و لو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ما قاتلتم عليها اليوم ، و و اللّه لو وليتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد و صاعقة ثمود باهلك للناس منكم .

فقال له ابن عباس : امّا قولك : إنّا نحتجّ بالنبوّة في استحقاق الخلافة فهو و اللّه كذلك ، و إن لم تستحقّ الخلافة بالنبوّة فبم تستحق .

و امّا قولك : انّ النبوة و الخلافة لا تجتمعان لأحد ، فأين قوله عزّ و جلّ :

أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما ٢ فالكتاب هو النبوّة و الحكمة هي السنّة و الملك هو الخلافة ، فنحن آل ابراهيم و الحكمة جارية فينا إلى يوم القيامة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاوائل : ١٧٦ .

( ٢ ) النساء : ٥٤ .

٤٥١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و امّا دعواك على حجّتنا أنّها مشتبهة فليس كذلك ، فإنّ حجّتنا أضوأ من الشمس ، و أنور من القمر ، كتاب اللّه معنا ، و سنّة نبيّه فينا ، و انّك لتعلم ذلك و لكن شي‏ء عطفك و صعّرك ، قتلنا أخاك و جدك و خالك و عمّك . فلا تبك على أعظم حائلة و أرواح في النار هالكة ، و لا تغضبوا لدماء أراقها الشرك ، و أحلّها الكفر ، و وضعها الدين .

و امّا ترك تقديم الناس لنا في ما خلا و عدولهم عن الاجماع علينا فما حرموا منّا أعظم ممّا حرمنا منهم ، و كل أمر إذا حصل ثبت حقّه و زال باطله .

و أمّا قولك : إنّا لو ملكنا كان ملكنا أهلك للناس من ريح عاد و صاعقة ثمود فقوله تعالى : و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ١ يكذّبك ، فنحن أهل بيته الأدنون ، و رحمة اللّه بنا خلقه ، كرحمة اللّه بنبيّه خلقه ٢ .

و أقول : و صدق معاوية ، لو وليها بنو هاشم ، أي أمير المؤمنين عليه السلام ،

كانوا أهلك من ريح عاد و صاعقة ثمود ، لكن لمعاوية و أضرابه أحزاب الشيطان ، و أمّا للمؤمنين فكانوا رحمة اللّه الواسعة ، و نعمته السابغة . قال تعالى : أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم ٣ .

و قالت سيّدة نساء العالمين لمّا غصبوا الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام في خطبتها في فدك : « و ما نقموا من أبي الحسن عليه السلام إلاّ تنمّره و شدّة و طأته في ذات اللّه » ٤ .

و في زيارته عليه السلام : « كنت على الكافرين عذابا صبّا و نهبا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانبياء : ١٠٧ .

( ٢ ) امالي المفيد : ١٤ ح ٤ ، المجلس ٢ ، و النقل بتصرف .

( ٣ ) الفتح : ٢٩ .

( ٤ ) رواه عن سقيفة الجوهري الاربلي في كشف الغمة ٢ : ١١١ ، و غيره ، و النقل بالمعنى .

٤٥٢

و للمؤمنين غيثا و خصبا » ١ .

« فاصبر مغموما أو مت متأسّفا » كتب معاوية إليه عليه السلام : « عرفنا ذلك في نظرك الشّزر ، و في قولك الهجر ، و في تنفسك الصّعداء » ٢ .

و مرّ قوله عليه السلام لجندب : « و اللّه لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا » ،

و مرّ قوله عليه السلام له : « فإن لم أصبر فما ذا أصنع ؟ » ، و مرّ قول جندب له عليه السلام يا ابن عمّ رسول اللّه لقد صدعت قلبي بهذا القول ٣ .

و قال المدائني : قال عبد اللّه بن جنادة : قدمت من الحجاز اريد العراق في أوّل أمارة علي عليه السلام . فمررت بمكّة . فاعتمرت . ثم قدمت المدينة . فدخلت مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذ نودي : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، و خرج علي عليه السلام متقلّدا سيفه . فشخصت الأبصار نحوه . فحمد اللّه و صلّى على رسوله . ثم قال :

أمّا بعد فإنّه لمّا قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قلنا : نحن أهله و ورثته ، و عترته و أولياؤه دون الناس . لا ينازعنا سلطانه أحد ، و لا يطمع في حقّنا طامع إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا ، و صرنا سوقة يطمع فينا الضعيف و يتعزز علينا الذليل . فبكت الأعين منّا لذلك ، و خشنت الصدور ،

و جزعت النفوس . و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، و أن يعود الكفر و يبور الدين ، لكنّا على غير ما كنّا لهم الخبر ٤ .

قوله عليه السلام في الرابع : « فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضّلال » في ( الصحاح ) الركض : تحريك الرجل قال تعالى اركض برجلك ٥ و ركضت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المجلسي في بحار الأنوار ١٠٠ : ٣٢٢ ، و بفرق يسير في المصدر ١٠٠ : ٣٧٦ ، ضمن زيارة عن عدة مصادر .

( ٢ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ٨٧ ، و ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٤٥٧ ، شرح الكتاب ٢٨ .

( ٣ ) مرّ في هذا العنوان .

( ٤ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٠١ ، شرح الخطبة ٢٢ .

( ٥ ) ص : ٤٢ .

٤٥٣

الفرس برجلي إذا استحثثته ليعدو ، ثم كثر حتّى قيل ركض الفرس إذا عدا .

و الصواب ركض الفرس مجهولا فهو مركوض ١ .

قلت : و يفسّر التركاض بالفارسية بقولهم « تاخت كردن » .

« و تجوالهم » أي : تطوافهم . و تجوال كتركاض للمبالغة ففي الجمهرة « رجل تكلام كثير الكلام ، و رجل تلقام : عظيم اللقم ، و تلعاب : كثير اللعب » و قد عقد لما جاء على تفعال بابا ٢ .

« في الشقاق » أي : الخلاف و العداوة .

« و جماحهم في التيه » قال الجوهري : الجموح : الّذي يركب هواه فلا يمكن ردّه ٣ ، و التيه المفازة يتاه فيها . و تاه في الأرض : أي : ذهب متحيرا .

« فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبلي » قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى : أ لم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا ٤ عنى اللّه تعالى بهم قريشا الذين عادوا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و جحدوا وصية وصيّه ٥ .

و قال الباقر عليه السلام على رواية العامة عنه عليه السلام : ما لقينا من ظلم قريش إيّانا ، و تظاهرهم علينا ، و ما لقي شيعتنا و محبّونا من الناس ، أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبض ، و قد أخبر أنّا أولى الناس بالناس . فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، و احتجّت على الأنصار بحقّنا و حجّتنا .

ثم تداولتها قريش ، واحدا بعد واحد حتّى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٠٧٩ ، مادة ( ركض ) .

( ٢ ) جمهرة اللغة ٣ : ٣٨٨ .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٣٦٠ ، مادة ( جمح ) .

( ٤ ) ابراهيم : ٢٨ .

( ٥ ) رواه الكليني في الكافي ١ : ٢١٧ ح ٤ .

٤٥٤

و نصبت الحرب لنا الخبر ١ .

و في ( ذيل الطبري ) : عن عبد المطلب بن ربيعة الهاشمي قال : دخل العباس على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو مغضب و أنا عنده . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ما أغضبك ؟ فقال : يا رسول اللّه ما لنا و لقريش إذا تلاقوا تلاقوا بوجوه مستبشرة ، و إذا لقونا لقونا بغير ذلك ؟ فغضب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتى احمرّ وجهه حتّى استدرّ عرق بين عينيه و كان إذا غضب استدرّ فلمّا سرّي عنه قال :

« و الّذي نفس محمّد بيده لا يدخل قلب امرئ من الايمان أبدا حتّى يحبّكم للّه و لرسوله » ٢ .

و أمّا إجماعهم على حرب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فمعلوم ، و في ( الطبري ) : قال سعد بن معاذ بعد أن حكم في بني قريظة بما حكم اللّهمّ إنّك قد علمت أنّه لم يكن قوم أحبّ إليّ أن اقاتل أو اجاهد من قوم كذّبوا رسولك ، اللّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فابقني لها ، و إن كنت قد قطعت الحرب بينه و بينهم فاقبضني إليك إلى أن قال فلمّا انصرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الخندق قال « الآن نغزو قريشا و لا يغزونا » فكان كذلك حتّى فتح اللّه على رسوله مكّة ٣ .

و الرجلان و إن لم يحارباه ظاهرا بل صارا من تبعه إلاّ أنّه كان ضررهما على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أكثر من ضرر محاربيه . فمنعاه من الوصية ،

و تخلّفا عن جيش أكّد تجهيزه حتّى لعن المتخلّف عنه ، و بنتاهما تظاهرا عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أشدّ تظاهر حتّى أخبر جلّ و علا عن عملهما في قوله : و إن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٥ ، شرح الخطبة ٢٠٨ .

( ٢ ) منتخب ذيل الهذيل : ٤٩ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٢٥٣ ، سنة ٢٥ .

٤٥٥

تظاهرا عليه فإنّ اللّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير ١ .

و قريش كانوا أشد قريش عداوة له صلّى اللّه عليه و آله و سلم ظاهرا و باطنا ، و هم بنو اميّة .

فعلوا ما فعلوا بتوسطهما . فجعل الثاني رئيسهم خليفته .

« فجزت قريشا عنّي الجوازي » قال كعب بن مالك الأنصاري في حرب قريش كانت قريش : لأكلها السخينة و هي طعام يتّخذ من الدقيق دون العصيدة في الرقة سمّيت بسخينة :

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها

و ليغلبنّ مغالب الغلاّب

و تمثّل به الكاظم عليه السلام لما هدّده موسى الهادي العباسي بالقتل . فعجّل اللّه تعالى هلاكه ٢ .

« فقد قطعوا رحمي ، و سلبوني سلطان ابن امّي » هو نظير قول هارون لموسى يا ابن امّ إنّ القوم استضعفوني ٣ إلاّ أنّ هارون و موسى كانا بنفسيهما من امّ واحدة ، و أمير المؤمنين عليه السلام و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أبواهما كانا من امّ واحدة هي فاطمة المخزومية ، و باقي أعمامه غير الزبير كانت امّهم غير امّ أبي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

و أما قول ابن ميثم : قيل إنّه عليه السلام قال : « و سلبوني سلطان ابن امّي » لأنّ امّه فاطمة بنت أسد كانت تربّي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين كفّله أبو طالب يتيما فهي كالامّ له فأطلق عليه البنوّة لها مجازا ٤ ، فبعيد عن لحن اللغة العربية و خطاباتهم . قال تعالى : و إلى عاد أخاهم هودا و إلى ثمود أخاهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) التحريم : ٤ .

( ٢ ) رواه ابن طاووس في مهج الدعوات : ٢١٩ .

( ٣ ) الاعراف : ١٥٠ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥٠ : ٨٠ .

٤٥٦

صالحا ١ و إنّما كانا من قوم عاد و ثمود .

و كان بنو زهرة يعدّون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ابن اختهم لأنّ امّه كانت منهم ،

و عدّ الضبابي العباس عليه السلام ، و إخوته من امّه بني اختهم لأنّ امّهم كانت من عشيرتهم .

و إنّما قال عليه السلام لأخيه عقيل « فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق ، و جماحهم في التيه » لأنّهم سمّوا تارة طلبه عليه السلام لحقه حرصا و عدّوا عزّة نفسه و قد جعل اللّه العزّة للمؤمنين ، و هو أميرهم حقّا كبرا و عجبا ، و ثالثة : بشره الّذي هو من صفات المؤمن و هو اوّل مؤمن باللّه بعد رسوله دعابة ، و رابعة : خلوصه الّذي شهد له تعالى في هل أتى ٢ رياء ، و تشكّكوا في سبق إيمانه بعدم بلوغه مع أنّ لازمه عدم عرفان اللّه تعالى و عرفان رسوله حيث قبلاه ، و تشكّكوا في نصب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له بخمّ مع تواتر الروايات به من طريقهم ، تارة بانكاره رأسا ، و اخرى على أنّ المراد كونه ابن عمه أو مولى معتق زيد بن حارثة ، و ثالثة بإخفائه حتّى استنشدهم أمير المؤمنين عليه السلام ذلك بأنّ من شهد ذاك اليوم يشهد . فاعتذر بعضهم بنسيانه . فدعا عليهم بالعمى و البرص و غير ذلك . فابتلوا بما دعا ، و بهتوا عليه بخطبته بنت أبي جهل ، و موجدة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليه بذلك ، مع أنّه لو فرض صحته كان اعتراضا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حيث أنكر ما أحلّته شريعته .

و عبّروا عنه عليه السلام تحقيرا من جهالتهم بأبي تراب كما عيّروه بذلك ما عيّر ابليس آدم بكونه من تراب ، و عبّروا عن شيعته بالترابية لذلك ، كما أنّهم عبّروا عنهم تلبيسا بالسبائية . فكانوا يعبّرون عن حجر بن عدى ، و عمرو بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا تلفيق بين آيتي الاعراف : ٧٣ و ٦٥ .

( ٢ ) الانسان : ١ .

٤٥٧

الحمق و صعصعة بن صوحان ، و نظرائهم الّذين لا يعتقدون بسواه حتّى بأبي بكر و عمر فضلا عن عثمان بذلك ليموّهوا على الناس بأنّهم كعبد اللّه بن سبأ ١ من الغلاة و تبع قريشا اولئك مؤرّخوهم كالجاحظ و ابن قتيبة و ابن عبد ربه و غيرهم . فإنّهم عنونوا في كتبهم الشيعة ، و لم يذكروا غير الغلاة و خلّطوا و لبّسوا ، و نسبوا إلى أبيه عليه السلام الكفر مع تفادياته تلك الّتي لم يأت أحد بمثلها للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلاّ ابنه أمير المؤمنين عليه السلام و مع أبياته المصرّح فيها بحقيّة دينه .

و بالجملة دين إخواننا من يوم السقيفة لأبي بكر إلى يوم الشورى لعثمان دين قريش الّذين كانوا مسلمين ظاهرا و كافرين باطنا ، و إنّما أسرّوا كفرهم بعد قهر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لهم في حياته . فلمّا وجدوا بعده أعوانا أظهروه .

أما في السقيفة فقد أقرّ فاروقهم بأنّ نصب صدّيقهم كان من قبل اولئك فقال لابن عباس كما في ( الطبري ) و غيره « أ تدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا . قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة و الخلافة .

فتجحفوا الناس جحفا فنظرت قريش لأنفسهما فاختارت ، و وفّقت فأصابت » فقال له ابن عباس : أمّا قولك : إنّ قريشا كرهت ، فانّ اللّه تعالى قال لقوم :

ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم ٢ و أمّا قولك : إنّ قريشا اختارت فإنّ اللّه تعالى يقول : و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة ٣ و قد علمت أنّ اللّه اختار لذلك من اختار . فلو نظرت قريش من

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عبد اللّه بن سبأ لا وجود له ، كما أثبت ذلك العلاّمة السيّد مرتضى العسكري في كتابه « اسطورة عبد اللّه بن سبأ » فراجع .

( ٢ ) محمد : ٩ .

( ٣ ) القصص : ٦٨ .

٤٥٨

حيث نظر اللّه لها لوفّقت و أصابت ١ .

و امّا يوم الشورى ، ففي ( الطبري ) و غيره قال عبد الرحمن بن عوف :

اشيروا علي . فقال عمّار : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا . فقال المقداد : صدق عمّار . إن بايعت عليّا قلنا سمعنا و أطعنا . فقال ابن أبي سرح : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان . فقال عبد اللّه بن أبي ربيعة : صدق ابن أبي سرح إن بايعت عثمان قلنا سمعنا و أطعنا . فشتم عمّار ابن أبي سرح ،

و قال : متى كنت تنصح المسلمين . فتكلّم بنو هاشم و بنو اميّة . فقال عمّار : أيّها الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ أكرمنا بنبيه ، و أعزّنا بدينه ، فانّى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم . فقال رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سمية ،

و ما أنت و تأمير قريش لأنفسها . فقال سعد لعبد الرحمن : افرغ قبل أن يفتتن الناس ٢ .

فترى انّ عمارا و مقدادا و جلالهما في الاسلام و شموخ مقامها معلوم جعلا قريشا مقابلة للمسلمين كما ترى أنّ الداعي إلى عثمان لميل قريش إليه ابن أبي سرح و نظراؤه الّذين نزل القرآن بكفرهم .

و في ( المروج ) بعد ذكر قول أبي سفيان لمّا بويع عثمان « يا بني اميّة تلقفوها تلقف الكرة . فو الّذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ،

و لتصيرن إلى صبيانكم وراثة » . فانتهره عثمان و ساءه ما قال و نمي هذا القول و غيره من الكلام إلى المهاجرين و الأنصار و غير ذلك فقام عمّار في المسجد . فقال : يا معشر قريش أمّا إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٨٩ ، سنة ٢٣ ، و ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٧ ، سنة ٢٣ ، و الجوهري في السقيفة ٥ : ٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٥٩

ها هنا مرّة ، و ها هنا مرّة . فما أنا بآمن أن ينزعه اللّه منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله ، و قام المقداد . فقال : ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيّهم فقال له عبد الرحمن : و ما أنت و ذاك يا مقداد . فقال : إنّي و اللّه لاحبّهم لحبّ رسوله ، و انّ الحق معهم و فيهم . يا عبد الرحمن أعجب من قريش ، و من تطوّلهم على الناس بفضل أهل هذا البيت .

قد اجتمعوا على نزع سلطان الرسول من بعده من أيديهم . أما و أيم اللّه يا عبد الرحمن لو أجد على قريش انصارا لقاتلتهم كقتالي ايّاهم مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم بدر ١ .

فتراه دالاّ على كون قريش في قبال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى ككونهم في قبال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم بدر ، و أنّهم و على رأسهم عبد الرحمن بن عوف كأبي جهل و عتبة و شيبة و نظرائهم يجب الجهاد ضدّهم لو وجد أعوان و المقداد و عمّار ممّن أجمع على جلالهما و أنّهما من أربعة لم يكن أحد فوقهم في الصحابة .

هذا و قال ابن أبي الحديد بعد العنوان الأوّل : و اعلم أنّ الآثار و الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا ، و من تأمّلها و أنصف علم أنّه لم يكن هناك نص صريح و مقطوع به تختلجه الشكوك و لا يتطرق اليه الاحتمالات كما تزعم الامامية . فإنّهم يقولون : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام نصّا صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير ، و لا خبر المنزلة و لا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامّة ، و غيرها بل نصّ عليه بالخلافة و بإمرة المؤمنين ، و أمر المسلمين أن يسلّموا عليه بذلك . فسلموا عليه بها ، و صرّح لهم في كثير من المقامات بأنّه خليفة عليهم من بعده ، و أمرهم بالسمع و الطاعة له ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٤٣ .

٤٦٠