بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤
0%
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597
منك يا علي إلاّ حرصك عليها » ١ .
و رماه بالرياء أيضا كما عابه بصغر السنّ . فرووا عن ابن عباس أنّه قال : دخلت على عمر يوما . فقال : يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلته رياء . قلت : من هو ؟ قال : ابن عمّك . قلت : و ما يقصد بالرياء قال : يرشّح نفسه للخلافة . قلت : و ما يصنع بالترشيح ؟ قد رشّحه لها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فصرفت عنه . قال : كان شابّا حدثا فاستصغرت العرب سنّة ، و قد كمل الآن . ألم تعلم انّ اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ بعد أربعين . قلت : أمّا أهل الحجى و النهى ما زالوا يعدّونه كاملا منذ رفع اللّه منار الاسلام ، و لكنّهم يعدّونه محروما مجدودا . فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ثم تزلّ قدمه ، و لا يقضي منها اربه ، و لتكونن شاهدا ذلك . ثم يتبين الصبح لذي عينين ، و تعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الأوّلين الّذين صرفوها عنه بادئ بدء فليتني أراكم بعدي يا عبد اللّه إنّ الحرص محرمة و إنّ دنياك كظلّك ٢ .
و أقول : أما قوله « يجتهد رياء للخلافة » فابن عباس أجابه باستخلاف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له و إنّما أخّره هو و صاحبه ، و قد اعترف بذلك معاوية في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر .
و أما قوله « بصغر سنّه » فأجابه أيضا بانّه عند أهل المعرفة كان من أوّل الاسلام الّذي كان يومئذ ابن عشر كاملا . فلا يضرّه طعن الأجلاف ،
و اولي الغلّ و الحقد مثله ، و من كان على رأيه .
و أجابه في موضع آخر بأنّ اللّه تعالى و رسوله ما استصغراه حيث أمراه بأخذ سورة البراءة من صاحبه .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٢٥ .
( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١١٥ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بتلخيص .
و أما قوله بعدم استقرار الأمر له « فتعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الأوّلين الّذين صرفوها عنه » فيقال له : أنت و صاحبك زلزلت أمره بمساعدة المنافقين و الطلقاء ، و قد ولّيت الأمر عثمان و بني اميّة أعداء النبي حتّى لا ثتبت له قدم إن ولي يوما ، و تبيّن الصبح لذي عينين بعملك ، و لا غرو ان لم يبصر الأعمى .
و كل أقواله صار منشأ لجرأة جمع و شبهة فريق حتّى سمّى كثير منهم خلافته فتنة كخلافة ابن الزبير ، و نحن لا نسوء من ذلك فيكفيهم ثلاثتهم ،
و يكفينا هو و أحد عشر من عترته الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا .
و من المضحك حديثه « ما بعث اللّه نبيّا إلاّ بعد أربعين » أو لم يسمع قوله تعالى في يحيى و آتيناه الحكم صبيا ١ و حكايته عن عيسى عليه السلام في مهده إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب و جعلني نبيّا ٢ .
كما أنّ من المضحك وعظه لأمير المؤمنين برسالة ابن عباس « إنّ الحرص محرمة » أو لم يقل ذلك لنفسه حيث أراد إحراق أهل بيت نبيّه ، و قتل من كان بمنزلة نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حرصا على نيل الامارة ، و لعمر اللّه و إن قال لصاحبه مغالطة « قدّمك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لديننا في أمرك بالصلاة لنا أفلا نرضاك لدنيانا للخلافة » ٣ إلاّ أنّه ما أراد بذلك أن يصلّوا و يصوموا بل ليتأمّر عليهم مثل معاوية إلاّ أنّ معاوية أظهر ، و هو أسرّ ، و لكنّه إن لم يصرّح أفصح بما جرى على لسانه « أ فلا نرضاك لدنيانا » .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) مريم : ١٢ .
( ٢ ) مريم : ٣٠ .
( ٣ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٢٣ ، شرح الخطبة ٢٦ ، و النقل بالمعنى .
« و إنّما طلبت حقّا لي ، و انتم تحولون بيني و بينه ، و تضربون وجهي دونه » أي : أنتم معشر قريش مع رأسكم فاروقكم الّذين نسبتموني إلى الحرص على هذا الأمر لم تفهموا معنى الحرص و مورد استعماله . فالحرص يقال لمن طلب شيئا لم يكن له ، و أما من طالب بحقّه الثابت الواضح عند الكلّ إذا طلبه من المتغلبين عليه لا يقال له إنّه حريص عليه و لو كان جادّا .
مع أنّه عليه السلام إنّما طلب وقتا أمكنه الطلب ، و هو يوم السقيفة و يوم الشورى دون قيام عمر بنصب أبي بكر له بقدر إتمام الحجّة ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة .
و كيف نسبوا إليه عليه السلام الحرص مع أنّه رضي بترك حقّه الثابت لما عرض عليه عبد الرحمن بن عوف بيعته له بشرط عمله بسنّة الشيخين .
فأنكر عليه السلام عليه ذلك و طوى عنه كشحا مع زعمهم حرصه عليه السلام عليه دلالة على بطلان سنّتهما .
هذا ، و قال ابن حاطب : ابن الزبير طالما حرص على الامارة قيل له :
كيف ؟ قال : أمر أبو بكر أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم بقتل لصّ . فقال ابن الزبير : أمّروني عليكم فأمّرناه ثم انطلقنا به فقتلناه .
قلت : و كان من حرصه على الامارة أنّه صار في من نصر عثمان مع كون أبيه في من قتل عثمان ، و مع كونه مثل أبيه في بغض عثمان إلاّ أنّه علم أنّ عثمان يقتل و علم أنّ الأمر يصير إلى أمير المؤمنين عليه السلام . فأراد أن يكون له مستمسك لادعاء الخلافة إن اتّفق يوم يمكنه القيام بأنّه لمّا نصر عثمان جعله وصيّه . فهكذا ادّعى يوم قيامه بعد يزيد و منّ يوما على معاوية بأنّه نصر عثمان . فقال له معاوية و كان يعرف الناس حق المعرفة فو اللّه لو لا شدّة بغضك لابن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع .
« فلمّا قرعته بالحجّة » القرع بالحجّة استعارة . فالأصل في القرع ضرب الرأس بالعصا .
« في الملأ الحاضرين » الملأ : الجماعة في محلّ قيل لهم الملأ لا متلاء المحلّ بهم .
« هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به » هكذا في ابن أبي الحديد ١ و لكن في ( ابن ميثم ) : « بهت كأنّه لا يدري ما يجيبني به » و جعل « هبّ » رواية ٢ ، و معنى هبّ استيقظ .
و وجه بهته و عدم درايته لجواب ، أنّ كلّهم كانوا مشاهدين لاستخلاف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له ، و عارفين بسوابقه و مقاماته ، و أحقيّته بأقربيّته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من كلّ أحد . فإذا ذكّرهم ذلك لا بدّ أن يبهتوا لعدم جواب لهم .
كما أنّ إبراهيم عليه السلام لما قال للملك الّذي يدّعي الربوبية إنّ اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ٣ بهت و لم يدر ما يجيبه .
هذا ، و ممّا ذكروا من الجواب المسكت للخصم أنّ ثابت بن عبد اللّه بن الزبير نظر إلى أهل الشام . فقال : إنّي لأبغض هذه الوجوه . فقال له سعيد بن عمرو بن عثمان : تبغضهم لأنّهم قتلوا أباك . قال : صدقت و لكنّ أباك قتله المهاجرون و الأنصار .
و أنّ معاوية قال يوما : أيّها الناس إنّ اللّه فضّل قريشا بثلاث . فقال :
و انذر عشيرتك الأقربين ٤ فنحن عشيرته ، و قال : و انّه لذكر لك
ــــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ .
( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٩ ، نقلا عن نسختين « هبّ » و « بهت » .
( ٣ ) البقرة : ٢٥٨ .
( ٤ ) الشعراء : ٢١٤ .
و لقومك ١ و نحن قومه و قال : لإيلاف قريش إلى آخر السورة ٢ ، و نحن قريش . فأجابه رجل من الأنصار فقال : على رسلك يا معاوية فإنّ اللّه يقول :
و كذّب به قومك ٣ و أنتم قومه ، و قال : و لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون ٤ و أنتم قومه ، و قال : و قال الرسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا ٥ و أنتم قومه ثلاثة بثلاثة ، و لو زدتنا لزدناك ،
فأفحمه .
قلت : و افترى معاوية في كونه عشيرته ، و إنّما عشيرته بنو هاشم ، و لذا جمعهم حسب بعد نزول الآية ، و أنذرهم ، و الأخيران لا مدح فيهما مع أنّ معاوية كان مصداق قوله تعالى : و لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة و كلمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ٦ فأيّ أثر لإنذاره ،
و أيّ وقت كان القرآن ذكرا له .
و قالوا : كان عدي بن حاتم فقئت عينه يوم الجمل . فقال له ابن الزبير يوما : متى فقئت عينك ؟ قال : يوم قتل أبوك ، و هربت عن خالتك ، و أنا للحقّ ناصر و أنت له خاذل .
قوله عليه السلام في ذيل الثاني « اللّهمّ إنّي استعديك على قريش و من أعانهم فإنّهم قطعوا رحمي ، و صغّروا عظيم منزلتي ، و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي . ثم قالوا :
الا إنّ في الحق أن تأخذه و في الحق أن تتركه » و قوله عليه السلام في صدر الثالث « اللّهمّ إنّي
ــــــــــــــــــ
( ١ ) الزخرف : ٤٤ .
( ٢ ) قريش : ١ .
( ٣ ) الانعام : ٦٦ .
( ٤ ) الزخرف : ٥٧ .
( ٥ ) الفرقان : ٣٠ .
( ٦ ) الانعام : ١١١ .
أستعديك على قريش ، و من أعانهم . فإنّهم قد قطعوا رحمي و أكفؤوا إنائي ، و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به من غيري ، و قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه و في الحق أن تمنعه » أيضا الأصل فيهما واحد كما عرفت .
ثم قوله في الثالث « و من أعانهم » إنّما نقله ابن أبي الحديد ١ و ليس في ( ابن ميثم ) ٢ و لا بد أنّه لم يكن في النهج حيث إنّ نسخته بخط مصنّفه ، و لا بدّ أنّه كان في نسخة ابن أبي الحديد حاشية اخذا من الثاني خلط بالمتن .
و أمّا قوله في الثاني : « ان تأخذه » و قوله : « أن تتركه » بالتاء فيهما . فكذا في ( المصرية ) ، و نقل ابن أبي الحديد ٣ الأول « نأخذه » بالنون ، و الثاني « تتركه » بالتاء ، و قال معناه « قالوا له الحق أخذنا و تركك » و نقل « ثم » عن خط الرضيّ كونهما بالنون ، و قال معناه « قالوا له نتصرف بالأخذ و الترك دونك » ٤ .
كما أنّ قوله في الثالث : « أن تأخذه » و « أن تمنعه » بالتاء فيهما هو في ( المصرية ) و قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي في خط الرضيّ تأخذه بالتاء و قيل : إنّه بالنون ٥ .
و كيف كان ، فالصواب أن « نأخذه » فيهما بالنون و « تتركه » و « تمنعه » فيهما بالتاء ، و المراد أنّ قريشا قالوا مكابرة في قبال حجّته عليه السلام أخذنا حقّ ، و تركك و منعك حق ، و يشهد لما قلنا رواية الثقفي ،
ــــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٦ .
( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٩ .
( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ .
( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣١ .
( ٥ ) كذا قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٣٧ ، لكن الراوندي في شرحه ٢ : ١٥٢ ، ذكر كونه بقاء و لم يوجد فيه نسبة إلى خط الرضي .
و رواية ابن قتيبة للكلام المتقدّمتان ١ .
هذا و قال ابن أبي الحديد بعد الثالث : « لم يؤرخ الوقت الّذي قال عليه السلام هذا الكلام ، و حمله أصحابنا على أنّه قاله يوم الشورى » ٢ و قال ابن ميثم يشبه أن يكون صدور هذا الكلام منه عليه السلام حين خروج طلحة و الزبير ٣ .
قلت : قد عرفت من أسانيده الأربعة أنّه جزء كلامه عليه السلام بعد قتل محمّد بن أبي بكر ، و فتح مصر . قال : الكلام كله لمّا سألوه عن رأيه عليه السلام في حقّ الخلفاء و الثلاثة فكتب لهم ما مرّ .
و حمل أصحاب ابن أبي الحديد له على أنّه قاله يوم الشورى غير مفيد لهم لأنّه كما تضمن شكايته عليه السلام من الشورى تضمن شكايته من السقيفة ،
و هل مؤسس الشورى و مؤسس السقيفة غير فاروقهم مع أنّ مراده عليه السلام بقوله « اللّهمّ انّي أستعينك أو أستعديك على قريش » عمومهم حتّى صدّيقهم و فاروقهم . فإنّه عليه السلام لم يقل « أستعينك على اولئك » : أي الّذين حكى إجبارهم له على بيعة عثمان بل قال « على قريش » : أي : هؤلاء و من أسّس لهم .
و ممّا يوضح إرادته العموم كلام المقداد لابن عوف لمّا بايع عثمان « ما رأيت مثل ما أتي على أهل هذا البيت بعد نبيّهم . إنّي لأعجب من قريش إنّهم تركوا رجلا ما أقول إنّ أحدا أعلم و لا أقضى منه بالعدل ، و إنّي لأعجب من تطاولهم بفضل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثم انتزاعهم سلطانه من أهله لو أنّ لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إيّاهم ببدر و احد » ٤ .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) كذا في الغارات ١ : ٣٠٩ ، و بفرق في الإمامة و السياسة ١ : ١٥٥ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٧ ، و النقل بالمعنى .
( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٥٠ .
( ٤ ) رواه الجوهري في السقيفة : ٨٨ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٢٧٩ ، سنة ٢٣ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٤٣ ، و غيرهم و النقل بالمعنى .
قوله عليه السلام في الثالث : « اللّهمّ إنّي استعينك على قريش و من أعانهم » روى أبو مخنف في جمله عنه عليه السلام قال : « ما لي و لقريش أما و اللّه لقد قاتلتهم كافرين و لأقتلنّهم مفتونين إلى أن قال و اللّه لأبقرن الباطل حتّى يظهر الحق من خاصرته فقل لقريش فلتضجّ ضجيجها » ١ .
و في ( معجم الادباء ) قرأت بخط الازهري ، قال المازني : لم يصحّ عندنا تكلّم علي عليه السلام بشيء من الشعر غير قوله :
تلكم قريش تمنّانى لتقتلني
و لا وجدّك ما برّوا و لا ظفروا
فإن هلكت فرهن ذمّتي لهم
بذات روقين لا يعفو لها أثر
« بذات روقين » أي : بداهية عظيمة ٢ .
و في أمثال أبي عكرمة الضبي يقال : إنّ عليّا عليه السلام تمثّل بقول الشاعر في المثل لظالمية الحيّة .
لعمري إنّي لو اخاصم حيّة
إلى فقعس ما أنصفتني فقعس
فو اللّه ما أدري و إنّي للابس
لكم لبسة أيّ النسيجين ألبس
ألبسة بقيا لا بقاء على الّذي
تريدون بي أم أستمرّ فأعبس ٣
قوله عليه السلام « فانهم قطعوا رحمي » في ( إرشاد المفيد ) : روى العبّاس بن عبد اللّه العبدي ، عن عمرو بن شمر عن رجاله قالوا : سمعنا عليّا عليه السلام يقول : ما رأيت منذ بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم رخاء و الحمد للّه . و اللّه لقد خفت صغيرا ،
و جاهدت كبيرا اقاتل المشركين ، و اعادي المنافقين حتّى قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فكانت الطامّة الكبرى ٤ .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه عن أبي مخنف في الجمل ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٨ ، شرح الخطبة ٦ .
( ٢ ) جاء في معجم الادباء ١٤ : ٤٣ .
( ٣ ) الأمثال لأبي عكرمة الضبي : ٦٩ ٧٠ .
( ٤ ) الارشاد : ١٥١ .
« و صغّروا عظيم منزلتي » في ( صفين نصر ) ، و ( مروج المسعودي ) ،
و غيرهما : كتب معاوية إلى محمّد بن أبي بكر في جواب كتابه و كان في كتاب محمد بن أبي بكر إليه « فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي ، و هو وارث رسوله ، و وصيه ، و أبو ولده ، أوّل الناس له اتّباعا ، و أقربهم به عهدا . يخبره بسرّه ، و يطلعه على أمره ، و أنت عدوّه و ابن عدوّه » إلى أن قال « ذكرت في كتابك فضل ابن أبي طالب ، و قديم سوابقه ، و قرابته إلى الرسول ، و مواساته إيّاه في كلّ هول و خوف . فكان احتجاجك علي و عيبك لي إلى أن قال فقد كنّا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب ، و حقّه لازما لنا مبرورا علينا . فلمّا اختار اللّه لنبيّه ما عنده ، و أتمّ له ما وعده و أظهر دعوته و ابلج حجته قبضه اللّه إليه فكان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزّه حقّه ، و خالفه على أمره . على ذلك اتّفقا و اتّسقا ، ثم إنّهما دعواه إلى بيعتهما فابطأ عنهما ، و تلكّأ عليهما فهمّا به الهموم ،
و أرادا به العظيم . ثم إنّه بايع لهما و سلّم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ،
و لا يطلعانه على سرّهما حتّى قبضهما اللّه إلى أن قال :
مشيرا إلى نفسه و قيامه في قباله عليه السلام مهّد أبوك مهاده و بنى له ملكه و شاده . فإن يك ما نحن فيه صوابا . فأبوك أوّله ، و إن يكن جورا ، فأبوك أسّسه ،
و نحن شركاؤه ، و بهديه أخذنا ، و بفعله اقتدينا ، و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب و سلّمنا له ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك . فاحتذينا بمثاله ،
و اقتدينا بفعاله . فعب أباك أو دع » ١ .
« و أكفؤوا إنائي » أي : اكبّوه ، و قلبوه . روت العامّة أنّ عمر قال لابن عباس :
أنتم أهل رسول اللّه و آله و بنو عمّه ، فما تقول في منع قومكم منكم ؟ قال : لا
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ١١٩ ، و المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٢ ، و البلاذري في انساب الاشراف ٢ : ٣٩٣ ، و اللفظ للمسعودي .
أدري علّتها ، و اللّه ما أضمرنا لهم إلاّ خيرا » قال : اللّهمّ غفرا . إنّ قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوّة و الخلافة فتذهبوا في السماء شمخا و بذخا ، و لعلكم تقولون إنّ أبا بكر أوّل من أخّركم أما إنّه لم يقصد ذلك ، و لكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم ممّا فعل ، و لو لا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيبا ،
و لو فعل ما هنّأكم مع قومكم انّهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره ١ .
قلت : إنّ اللّه جلّ و علا جمع لهم النبوّة و الخلافة . ألم يقل نبيّهم لهم « من كنت مولاه و أولى به من نفسه . فعليّ مولاه و أولى به من نفسه » ؟
و أما كراهة قومهم ذلك فقد قال عزّ اسمه ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم ٢ و لقد أجاب ابن عباس عمر بذلك في خبر آخر ٣ .
و رووا أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال مشيرا إلى أبي بكر و عمر « اصغيا باناءنا و حملا الناس على رقابنا » ٤ .
« و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي أو حقّا كنت أولى به من غيري » روى أبو هلال في ( أوائله ) : انّ أبا الهيثم بن التيّهان و هو اوّل من ضرب على يد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم للبيعة في أوّل نبوّته قام خطيبا بين يدي علي عليه السلام . فقال : إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين : أمّا خيارهم فتمنّوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ و ارتفاع الدرجة ، و أمّا أشرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب ، و أحبط الأعمال ، و ذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمك اليها الحظّ ، و أخّرهم عنها الحرمان .
فلم يرضوا أن يلحقوك حتّى طلبوا أن يسبقوك ، فبعدت عليهم و اللّه الغاية ،
و أسقط المضمار . فلمّا تقدّمتهم بالسبق ، و عجزوا عن اللحاق . بلغوا منك ما
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٩٤ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .
( ٢ ) محمد : ٩ .
( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .
( ٤ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٦ ، شرح الخطبة ١٧٠ .
رأيت ، و كنت و اللّه أحقّ قريش بشكر قريش . نصرت نبيّهم حيّا ، و قضيت عنه الحقوق ميّتا ، و اللّه ما بغيهم إلاّ على أنفسهم ، و لا نكثوا إلاّ بيعة اللّه . يد اللّه فوق أيديهم فها نحن معاشر الأنصار ، أيدينا و ألسنتنا لك ، فأيدينا على من شهد ،
و ألسنتنا على من غاب ١ .
« ثم قالوا في الحق أن ناخذه و في الحقّ أن تتركه أو أن تمنعه » روى الزبير بن بكار كما في ( أمالي المفيد ) انّ ابن عباس حضر مجلس معاوية فأقبل عليه معاوية . فقال له : إنّكم تريدون أن تحرزوا الإمامة كما اختصصتم بالنبوّة و اللّه لا يجتمعان أبدا . إنّ حجّتكم في الخلافة مشتبهة على الناس . إنّكم تقولون : نحن أهل بيت النبوّة فما بال خلافة النبي في غيرنا و هذه شبهة لانّها تشبه الحق و بها مسحة من العدل و ليس الأمر كما تظنون . إنّ الخلافة تتقلب في أحياء قريش برضى العامّة و شورى الخاصة و لسنا نجد الناس يقولون ليت بني هاشم ولونا و لو ولونا كان خيرا لنا في دنيانا و آخرتنا ، و لو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ما قاتلتم عليها اليوم ، و و اللّه لو وليتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد و صاعقة ثمود باهلك للناس منكم .
فقال له ابن عباس : امّا قولك : إنّا نحتجّ بالنبوّة في استحقاق الخلافة فهو و اللّه كذلك ، و إن لم تستحقّ الخلافة بالنبوّة فبم تستحق .
و امّا قولك : انّ النبوة و الخلافة لا تجتمعان لأحد ، فأين قوله عزّ و جلّ :
أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما ٢ فالكتاب هو النبوّة و الحكمة هي السنّة و الملك هو الخلافة ، فنحن آل ابراهيم و الحكمة جارية فينا إلى يوم القيامة .
ــــــــــــــــــ
( ١ ) الاوائل : ١٧٦ .
( ٢ ) النساء : ٥٤ .
و امّا دعواك على حجّتنا أنّها مشتبهة فليس كذلك ، فإنّ حجّتنا أضوأ من الشمس ، و أنور من القمر ، كتاب اللّه معنا ، و سنّة نبيّه فينا ، و انّك لتعلم ذلك و لكن شيء عطفك و صعّرك ، قتلنا أخاك و جدك و خالك و عمّك . فلا تبك على أعظم حائلة و أرواح في النار هالكة ، و لا تغضبوا لدماء أراقها الشرك ، و أحلّها الكفر ، و وضعها الدين .
و امّا ترك تقديم الناس لنا في ما خلا و عدولهم عن الاجماع علينا فما حرموا منّا أعظم ممّا حرمنا منهم ، و كل أمر إذا حصل ثبت حقّه و زال باطله .
و أمّا قولك : إنّا لو ملكنا كان ملكنا أهلك للناس من ريح عاد و صاعقة ثمود فقوله تعالى : و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ١ يكذّبك ، فنحن أهل بيته الأدنون ، و رحمة اللّه بنا خلقه ، كرحمة اللّه بنبيّه خلقه ٢ .
و أقول : و صدق معاوية ، لو وليها بنو هاشم ، أي أمير المؤمنين عليه السلام ،
كانوا أهلك من ريح عاد و صاعقة ثمود ، لكن لمعاوية و أضرابه أحزاب الشيطان ، و أمّا للمؤمنين فكانوا رحمة اللّه الواسعة ، و نعمته السابغة . قال تعالى : أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم ٣ .
و قالت سيّدة نساء العالمين لمّا غصبوا الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام في خطبتها في فدك : « و ما نقموا من أبي الحسن عليه السلام إلاّ تنمّره و شدّة و طأته في ذات اللّه » ٤ .
و في زيارته عليه السلام : « كنت على الكافرين عذابا صبّا و نهبا ،
ــــــــــــــــــ
( ١ ) الانبياء : ١٠٧ .
( ٢ ) امالي المفيد : ١٤ ح ٤ ، المجلس ٢ ، و النقل بتصرف .
( ٣ ) الفتح : ٢٩ .
( ٤ ) رواه عن سقيفة الجوهري الاربلي في كشف الغمة ٢ : ١١١ ، و غيره ، و النقل بالمعنى .
و للمؤمنين غيثا و خصبا » ١ .
« فاصبر مغموما أو مت متأسّفا » كتب معاوية إليه عليه السلام : « عرفنا ذلك في نظرك الشّزر ، و في قولك الهجر ، و في تنفسك الصّعداء » ٢ .
و مرّ قوله عليه السلام لجندب : « و اللّه لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا » ،
و مرّ قوله عليه السلام له : « فإن لم أصبر فما ذا أصنع ؟ » ، و مرّ قول جندب له عليه السلام يا ابن عمّ رسول اللّه لقد صدعت قلبي بهذا القول ٣ .
و قال المدائني : قال عبد اللّه بن جنادة : قدمت من الحجاز اريد العراق في أوّل أمارة علي عليه السلام . فمررت بمكّة . فاعتمرت . ثم قدمت المدينة . فدخلت مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذ نودي : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، و خرج علي عليه السلام متقلّدا سيفه . فشخصت الأبصار نحوه . فحمد اللّه و صلّى على رسوله . ثم قال :
أمّا بعد فإنّه لمّا قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قلنا : نحن أهله و ورثته ، و عترته و أولياؤه دون الناس . لا ينازعنا سلطانه أحد ، و لا يطمع في حقّنا طامع إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا ، و صرنا سوقة يطمع فينا الضعيف و يتعزز علينا الذليل . فبكت الأعين منّا لذلك ، و خشنت الصدور ،
و جزعت النفوس . و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، و أن يعود الكفر و يبور الدين ، لكنّا على غير ما كنّا لهم الخبر ٤ .
قوله عليه السلام في الرابع : « فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضّلال » في ( الصحاح ) الركض : تحريك الرجل قال تعالى اركض برجلك ٥ و ركضت
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه المجلسي في بحار الأنوار ١٠٠ : ٣٢٢ ، و بفرق يسير في المصدر ١٠٠ : ٣٧٦ ، ضمن زيارة عن عدة مصادر .
( ٢ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ٨٧ ، و ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٤٥٧ ، شرح الكتاب ٢٨ .
( ٣ ) مرّ في هذا العنوان .
( ٤ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٠١ ، شرح الخطبة ٢٢ .
( ٥ ) ص : ٤٢ .
الفرس برجلي إذا استحثثته ليعدو ، ثم كثر حتّى قيل ركض الفرس إذا عدا .
و الصواب ركض الفرس مجهولا فهو مركوض ١ .
قلت : و يفسّر التركاض بالفارسية بقولهم « تاخت كردن » .
« و تجوالهم » أي : تطوافهم . و تجوال كتركاض للمبالغة ففي الجمهرة « رجل تكلام كثير الكلام ، و رجل تلقام : عظيم اللقم ، و تلعاب : كثير اللعب » و قد عقد لما جاء على تفعال بابا ٢ .
« في الشقاق » أي : الخلاف و العداوة .
« و جماحهم في التيه » قال الجوهري : الجموح : الّذي يركب هواه فلا يمكن ردّه ٣ ، و التيه المفازة يتاه فيها . و تاه في الأرض : أي : ذهب متحيرا .
« فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبلي » قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى : أ لم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا ٤ عنى اللّه تعالى بهم قريشا الذين عادوا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و جحدوا وصية وصيّه ٥ .
و قال الباقر عليه السلام على رواية العامة عنه عليه السلام : ما لقينا من ظلم قريش إيّانا ، و تظاهرهم علينا ، و ما لقي شيعتنا و محبّونا من الناس ، أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبض ، و قد أخبر أنّا أولى الناس بالناس . فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، و احتجّت على الأنصار بحقّنا و حجّتنا .
ثم تداولتها قريش ، واحدا بعد واحد حتّى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ،
ــــــــــــــــــ
( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٠٧٩ ، مادة ( ركض ) .
( ٢ ) جمهرة اللغة ٣ : ٣٨٨ .
( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٣٦٠ ، مادة ( جمح ) .
( ٤ ) ابراهيم : ٢٨ .
( ٥ ) رواه الكليني في الكافي ١ : ٢١٧ ح ٤ .
و نصبت الحرب لنا الخبر ١ .
و في ( ذيل الطبري ) : عن عبد المطلب بن ربيعة الهاشمي قال : دخل العباس على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو مغضب و أنا عنده . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ما أغضبك ؟ فقال : يا رسول اللّه ما لنا و لقريش إذا تلاقوا تلاقوا بوجوه مستبشرة ، و إذا لقونا لقونا بغير ذلك ؟ فغضب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتى احمرّ وجهه حتّى استدرّ عرق بين عينيه و كان إذا غضب استدرّ فلمّا سرّي عنه قال :
« و الّذي نفس محمّد بيده لا يدخل قلب امرئ من الايمان أبدا حتّى يحبّكم للّه و لرسوله » ٢ .
و أمّا إجماعهم على حرب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فمعلوم ، و في ( الطبري ) : قال سعد بن معاذ بعد أن حكم في بني قريظة بما حكم اللّهمّ إنّك قد علمت أنّه لم يكن قوم أحبّ إليّ أن اقاتل أو اجاهد من قوم كذّبوا رسولك ، اللّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فابقني لها ، و إن كنت قد قطعت الحرب بينه و بينهم فاقبضني إليك إلى أن قال فلمّا انصرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الخندق قال « الآن نغزو قريشا و لا يغزونا » فكان كذلك حتّى فتح اللّه على رسوله مكّة ٣ .
و الرجلان و إن لم يحارباه ظاهرا بل صارا من تبعه إلاّ أنّه كان ضررهما على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أكثر من ضرر محاربيه . فمنعاه من الوصية ،
و تخلّفا عن جيش أكّد تجهيزه حتّى لعن المتخلّف عنه ، و بنتاهما تظاهرا عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أشدّ تظاهر حتّى أخبر جلّ و علا عن عملهما في قوله : و إن
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٥ ، شرح الخطبة ٢٠٨ .
( ٢ ) منتخب ذيل الهذيل : ٤٩ .
( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٢٥٣ ، سنة ٢٥ .
تظاهرا عليه فإنّ اللّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير ١ .
و قريش كانوا أشد قريش عداوة له صلّى اللّه عليه و آله و سلم ظاهرا و باطنا ، و هم بنو اميّة .
فعلوا ما فعلوا بتوسطهما . فجعل الثاني رئيسهم خليفته .
« فجزت قريشا عنّي الجوازي » قال كعب بن مالك الأنصاري في حرب قريش كانت قريش : لأكلها السخينة و هي طعام يتّخذ من الدقيق دون العصيدة في الرقة سمّيت بسخينة :
زعمت سخينة أن ستغلب ربّها
و ليغلبنّ مغالب الغلاّب
و تمثّل به الكاظم عليه السلام لما هدّده موسى الهادي العباسي بالقتل . فعجّل اللّه تعالى هلاكه ٢ .
« فقد قطعوا رحمي ، و سلبوني سلطان ابن امّي » هو نظير قول هارون لموسى يا ابن امّ إنّ القوم استضعفوني ٣ إلاّ أنّ هارون و موسى كانا بنفسيهما من امّ واحدة ، و أمير المؤمنين عليه السلام و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أبواهما كانا من امّ واحدة هي فاطمة المخزومية ، و باقي أعمامه غير الزبير كانت امّهم غير امّ أبي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .
و أما قول ابن ميثم : قيل إنّه عليه السلام قال : « و سلبوني سلطان ابن امّي » لأنّ امّه فاطمة بنت أسد كانت تربّي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين كفّله أبو طالب يتيما فهي كالامّ له فأطلق عليه البنوّة لها مجازا ٤ ، فبعيد عن لحن اللغة العربية و خطاباتهم . قال تعالى : و إلى عاد أخاهم هودا و إلى ثمود أخاهم
ــــــــــــــــــ
( ١ ) التحريم : ٤ .
( ٢ ) رواه ابن طاووس في مهج الدعوات : ٢١٩ .
( ٣ ) الاعراف : ١٥٠ .
( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥٠ : ٨٠ .
صالحا ١ و إنّما كانا من قوم عاد و ثمود .
و كان بنو زهرة يعدّون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ابن اختهم لأنّ امّه كانت منهم ،
و عدّ الضبابي العباس عليه السلام ، و إخوته من امّه بني اختهم لأنّ امّهم كانت من عشيرتهم .
و إنّما قال عليه السلام لأخيه عقيل « فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق ، و جماحهم في التيه » لأنّهم سمّوا تارة طلبه عليه السلام لحقه حرصا و عدّوا عزّة نفسه و قد جعل اللّه العزّة للمؤمنين ، و هو أميرهم حقّا كبرا و عجبا ، و ثالثة : بشره الّذي هو من صفات المؤمن و هو اوّل مؤمن باللّه بعد رسوله دعابة ، و رابعة : خلوصه الّذي شهد له تعالى في هل أتى ٢ رياء ، و تشكّكوا في سبق إيمانه بعدم بلوغه مع أنّ لازمه عدم عرفان اللّه تعالى و عرفان رسوله حيث قبلاه ، و تشكّكوا في نصب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له بخمّ مع تواتر الروايات به من طريقهم ، تارة بانكاره رأسا ، و اخرى على أنّ المراد كونه ابن عمه أو مولى معتق زيد بن حارثة ، و ثالثة بإخفائه حتّى استنشدهم أمير المؤمنين عليه السلام ذلك بأنّ من شهد ذاك اليوم يشهد . فاعتذر بعضهم بنسيانه . فدعا عليهم بالعمى و البرص و غير ذلك . فابتلوا بما دعا ، و بهتوا عليه بخطبته بنت أبي جهل ، و موجدة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليه بذلك ، مع أنّه لو فرض صحته كان اعتراضا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حيث أنكر ما أحلّته شريعته .
و عبّروا عنه عليه السلام تحقيرا من جهالتهم بأبي تراب كما عيّروه بذلك ما عيّر ابليس آدم بكونه من تراب ، و عبّروا عن شيعته بالترابية لذلك ، كما أنّهم عبّروا عنهم تلبيسا بالسبائية . فكانوا يعبّرون عن حجر بن عدى ، و عمرو بن
ــــــــــــــــــ
( ١ ) هذا تلفيق بين آيتي الاعراف : ٧٣ و ٦٥ .
( ٢ ) الانسان : ١ .
الحمق و صعصعة بن صوحان ، و نظرائهم الّذين لا يعتقدون بسواه حتّى بأبي بكر و عمر فضلا عن عثمان بذلك ليموّهوا على الناس بأنّهم كعبد اللّه بن سبأ ١ من الغلاة و تبع قريشا اولئك مؤرّخوهم كالجاحظ و ابن قتيبة و ابن عبد ربه و غيرهم . فإنّهم عنونوا في كتبهم الشيعة ، و لم يذكروا غير الغلاة و خلّطوا و لبّسوا ، و نسبوا إلى أبيه عليه السلام الكفر مع تفادياته تلك الّتي لم يأت أحد بمثلها للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلاّ ابنه أمير المؤمنين عليه السلام و مع أبياته المصرّح فيها بحقيّة دينه .
و بالجملة دين إخواننا من يوم السقيفة لأبي بكر إلى يوم الشورى لعثمان دين قريش الّذين كانوا مسلمين ظاهرا و كافرين باطنا ، و إنّما أسرّوا كفرهم بعد قهر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لهم في حياته . فلمّا وجدوا بعده أعوانا أظهروه .
أما في السقيفة فقد أقرّ فاروقهم بأنّ نصب صدّيقهم كان من قبل اولئك فقال لابن عباس كما في ( الطبري ) و غيره « أ تدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا . قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة و الخلافة .
فتجحفوا الناس جحفا فنظرت قريش لأنفسهما فاختارت ، و وفّقت فأصابت » فقال له ابن عباس : أمّا قولك : إنّ قريشا كرهت ، فانّ اللّه تعالى قال لقوم :
ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم ٢ و أمّا قولك : إنّ قريشا اختارت فإنّ اللّه تعالى يقول : و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة ٣ و قد علمت أنّ اللّه اختار لذلك من اختار . فلو نظرت قريش من
ــــــــــــــــــ
( ١ ) عبد اللّه بن سبأ لا وجود له ، كما أثبت ذلك العلاّمة السيّد مرتضى العسكري في كتابه « اسطورة عبد اللّه بن سبأ » فراجع .
( ٢ ) محمد : ٩ .
( ٣ ) القصص : ٦٨ .
حيث نظر اللّه لها لوفّقت و أصابت ١ .
و امّا يوم الشورى ، ففي ( الطبري ) و غيره قال عبد الرحمن بن عوف :
اشيروا علي . فقال عمّار : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا . فقال المقداد : صدق عمّار . إن بايعت عليّا قلنا سمعنا و أطعنا . فقال ابن أبي سرح : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان . فقال عبد اللّه بن أبي ربيعة : صدق ابن أبي سرح إن بايعت عثمان قلنا سمعنا و أطعنا . فشتم عمّار ابن أبي سرح ،
و قال : متى كنت تنصح المسلمين . فتكلّم بنو هاشم و بنو اميّة . فقال عمّار : أيّها الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ أكرمنا بنبيه ، و أعزّنا بدينه ، فانّى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم . فقال رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سمية ،
و ما أنت و تأمير قريش لأنفسها . فقال سعد لعبد الرحمن : افرغ قبل أن يفتتن الناس ٢ .
فترى انّ عمارا و مقدادا و جلالهما في الاسلام و شموخ مقامها معلوم جعلا قريشا مقابلة للمسلمين كما ترى أنّ الداعي إلى عثمان لميل قريش إليه ابن أبي سرح و نظراؤه الّذين نزل القرآن بكفرهم .
و في ( المروج ) بعد ذكر قول أبي سفيان لمّا بويع عثمان « يا بني اميّة تلقفوها تلقف الكرة . فو الّذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ،
و لتصيرن إلى صبيانكم وراثة » . فانتهره عثمان و ساءه ما قال و نمي هذا القول و غيره من الكلام إلى المهاجرين و الأنصار و غير ذلك فقام عمّار في المسجد . فقال : يا معشر قريش أمّا إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم
ــــــــــــــــــ
( ١ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٨٩ ، سنة ٢٣ ، و ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بالمعنى .
( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٧ ، سنة ٢٣ ، و الجوهري في السقيفة ٥ : ٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .
ها هنا مرّة ، و ها هنا مرّة . فما أنا بآمن أن ينزعه اللّه منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله ، و قام المقداد . فقال : ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيّهم فقال له عبد الرحمن : و ما أنت و ذاك يا مقداد . فقال : إنّي و اللّه لاحبّهم لحبّ رسوله ، و انّ الحق معهم و فيهم . يا عبد الرحمن أعجب من قريش ، و من تطوّلهم على الناس بفضل أهل هذا البيت .
قد اجتمعوا على نزع سلطان الرسول من بعده من أيديهم . أما و أيم اللّه يا عبد الرحمن لو أجد على قريش انصارا لقاتلتهم كقتالي ايّاهم مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم بدر ١ .
فتراه دالاّ على كون قريش في قبال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى ككونهم في قبال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم بدر ، و أنّهم و على رأسهم عبد الرحمن بن عوف كأبي جهل و عتبة و شيبة و نظرائهم يجب الجهاد ضدّهم لو وجد أعوان و المقداد و عمّار ممّن أجمع على جلالهما و أنّهما من أربعة لم يكن أحد فوقهم في الصحابة .
هذا و قال ابن أبي الحديد بعد العنوان الأوّل : و اعلم أنّ الآثار و الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا ، و من تأمّلها و أنصف علم أنّه لم يكن هناك نص صريح و مقطوع به تختلجه الشكوك و لا يتطرق اليه الاحتمالات كما تزعم الامامية . فإنّهم يقولون : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام نصّا صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير ، و لا خبر المنزلة و لا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامّة ، و غيرها بل نصّ عليه بالخلافة و بإمرة المؤمنين ، و أمر المسلمين أن يسلّموا عليه بذلك . فسلموا عليه بها ، و صرّح لهم في كثير من المقامات بأنّه خليفة عليهم من بعده ، و أمرهم بالسمع و الطاعة له ،
ــــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٤٣ .