بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 41876
تحميل: 4594


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41876 / تحميل: 4594
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

إلى محاجّتهم ، و طلب النصف منهم ، باعدونا و استولوا بالاجتماع على ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا ، فالموعد اللّه و هو الولي النصير . و قد تعجّبنا لتوثّب المتوثّبين علينا في حقّنا ، و سلطان نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلم . . . » ١ .

و مثله كتب الحسين عليه السلام من مكة إلى أهل البصرة في ما رواه الطبري ٢ ، و قد هدّد معاوية الحسن عليه السلام باظهاره عقيدته عند العوام . فكتب إليه : « رأيتك صرّحت في كتابك بتهمة أبي بكر الصّديق ، و عمر الفاروق ،

و أبي عبيدة الأمين و حواري النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و صلحاء المهاجرين ، و الأنصار فكرهت ذلك لك . فإنّك امرؤ عندنا و عند الناس غير ظنين و لا المسي‏ء و لا اللئيم ، و أنا أحبّ لك القول السديد و الذكر الجميل . . . » ٣ .

و إخواننا أخذوا دينهم عن معاوية . فكتب إلى الحسن عليه السلام في كتابه ذاك « انّ هذه الامّة لمّا اختلفت بعد نبيّها لم تجهل فضلكم ، و لا سابقتكم و لا قرابتكم من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لا مكانتكم في الاسلام و أهله ، فرأت الامّة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيّها ، و رأى صلحاء الناس من قريش و الأنصار ،

و غيرهم من سائر الناس ، و عامّتهم أن يولّوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما و أعلمها باللّه و أحبّها له ، و أقواها على أمر اللّه و اختاروا أبا بكر ، و كان ذلك رأي ذوى الحجى و الدين و الفضيلة ، و الناظرين للأمة ، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ، و لم يكونوا بمتّهمين ، و لا في ما أتوا بمخطئين ، و لو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم مقامه أو يذبّ عن حريم المسلمين ذبّه ، ما عدلوا بذلك الأمر إلى غيره رغبة عنه ، و لكنهم عملوا في ذلك بما رأوه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه أبو الفرج في المقاتل : ٣٥ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٦٦ ، سنة ٦٠ .

( ٣ ) رواه أبو الفرج في المقاتل : ٣٦ .

٤٨١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

صلاحا للاسلام و أهله ، فاللّه يجزيهم عن الاسلام و أهله خيرا » ١ .

قال معاوية في قبال دفع ابن بنت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم الّذي شهد اللّه تعالى بعصمته ، و صرّح النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بكونه سيّد شباب أهل الجنّة عن مقامه الّذي جعله اللّه تعالى له ، أنّ صلحاء الناس اختاروا أبا بكر لكونه أقدمهم سلما ،

و أعلمهم باللّه و أقواهم . لكن لمّا أراد استخلاف ابنه يزيد ، و ادّعى عبد اللّه بن عمر ، و عبد اللّه بن الزبير أنّهما أحق قال : « انّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف لأنّهم أهل رسول اللّه فلمّا مضي رسول اللّه ولّى الناس أبا بكر و عمر من غير معدن الخلافة و الملك غير أنّهما سارا بسيرة جميلة . ثم رجع الملك إلى بني عبد مناف . فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، و قد أخرجك اللّه يا ابن الزبير و أنت يا ابن عمر منها » ٢ فان كان كلام معاوية حجّة لهم فلم اقتصروا على كلامه الأوّل .

مع أنّ قوله عليه السلام الأوّل دالّ على بقاء أهل البيت على إنكارهم إلى الأبد و أمّا بيعته عليه السلام أخيرا بعد إتمام الحجّة و استقرار الملك ، فلئلاّ يقتل كما قتل سعد بن عبادة ، كما انّه عليه السلام لم يتكلّم ايّام قيام عمر لئلاّ يقتل ، و انّما استطاع أن يتكلّم يوم الشورى فتكلّم .

و لقد أغرب في تعليلاته في قوله : « لأنّه رأى من بغض الناس له » إلى آخر ما عدّد ، فهل ما عدّد امور يصحّح خلافة المتقدّمين أو يبطلها فإنّما هي أسباب لدفعهم له عليه السلام عن حقّ جعله اللّه تعالى له ، فإذا كان ذلك مصحّحا لخلافة المتقدّمين عليه كان قتل يحيى بن زكريا لكونه ينهى الملك الباغي عن البغاء صحيحا . فإنّه خلط بين سبب وقوع شي‏ء ، و سبب جوازه و صحّته .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه أبو الفرج في المقاتل : ٣٦ .

( ٢ ) مناظرة ابن الزبير و معاوية رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد ٤ : ٨٨ ، بتفصيل و غيره .

٤٨٢

كما أنّ قوله عليه السلام : « إنّا صنائع ربّنا ، و الناس بعد صنائع لنا » لم يكن سببا لتأخيره بل لتقديمه فهو بنص القرآن كنفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ١ و معلوم شموخ مكان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن سائر الناس .

و أما قوله : « و انّه لو ولي الأمر لفتقت على العرب » و قوله : « فقد رأيت انتقاض العرب عليه العرب حين بويع بعد خمس و عشرين سنة . . . » ، فمغالطة .

فلو كان عليه السلام ولي لاتّفقت عليه الامّة عربهم و عجمهم لكونه من بيت الرسالة .

فقال لهم سلمان كما روى ( سقيفة الجوهري ) : « لو جعلتموها في أهل بيت نبيكم ما اختلف عليكم اثنان و لأكلتموها رغدا » ٢ .

و قال عبد اللّه بن جعفر لمعاوية لما قدم المدينة لأخذ البيعة ليزيد كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) : « و أيم اللّه لو ولّوه ( أمير المؤمنين عليه السلام ) بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه لحقّه و صدقه و لأطيع الرحمن ، و عصي الشيطان ، و ما اختلف في الامة سيفان » ٣ .

و إنّما صار تصدّي أبي بكر للأمر سببا لخروج من خرج و ارتداد من ارتدّ ، و قيام الأنصار ، و غير ذلك كما صرّح به في تاريخ ابن أعثم الكوفي و غيره ٤ .

فالمناسب أن يقال للرجل : « إقلب تصب » ، بل نقول : لو كان عليه السلام ولي بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لدانت له قريش و بنو اميّة قهرا كما دانوا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قهرا بعد فتحه لمكّة ، و الأصل في بغضهم له عليه السلام بغضهم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم . أفلم يقل ابن رئيس قريش و بني امية يزيد بن معاوية .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) بالنظر إلى قوله تعالى انفسنا و انفسكم آل عمران : ٦١ .

( ٢ ) السقيفة : ٤٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٧٣ .

( ٤ ) هذا استنباط الشارح من كلام ابن أعثم في الفتوح ١ : ٢ ٧ .

٤٨٣

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل ؟

و أمّا ما قاله « من انتشار الأمر عليه يوم قيامه » فإنّما كان سببه فاروقهم ، و لم ينتقض عليه عرب و لا عجم ، و إنّما انتقض عليه طلحة و الزبير لجعل فاروقهم لهما قرينين له عليه السلام يوم الشورى مع مساعدة ابنة صدّيقهم لهما ، و انتقض عليه معاوية لأنّ فاروقهم جعله واليا في عصره على جميع بلاد الشام ، و فوّض الأمر إلى جميع بني اميّة باسم عثمان .

مع أنّه لو كان الأمر كما قال من عدم صلاح تصدّيه عليه السلام للأمر بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بما لفّق ، لم يكن تصدّيه عليه السلام بعد عثمان أيضا صلاحا ، فلم جعلوه من خلفائهم ، فلا بدّ أن يصير إلى قول من عدّ قيامه فتنة ، و كفاهم بذلك خزيا .

و أما قوله : « فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبر الخلافة ، و سيفه بعد يقطر دما من مهج العرب إلى قوله إذن كانت تدرس أعلام الملّة » فقد عرفت أنّه ليس كذلك لو لم يكن صدّيقهم و فاروقهم تواطئا أوّلا مع أعداء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فعصياه في الخروج في جيش اسامة ، و المنع عن الوصية ، و أخذ البيعة منه عليه السلام بإحراق بيته و أهل بيته فاطمة و الحسنين ، و ضرب عنقه لو لم يخرج ، و لم يبايع .

نعم لو كان عليه السلام قام مع تلك الكيفية بتواطئهما مع الطلقاء ، لدرست أعلام الملّة ، و لفسد ما أصلحه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمساعدته عليه السلام في ثلاث و عشرين سنة ، فرضي عليه السلام بمسالمتهم لئلاّ يضمحلّ الدّين ، فخطب عليه السلام في أوّل خلافته و قال : « إنّ اللّه تعالى لمّا قبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قلنا نحن أهل بيته لا ينازعنا في سلطانه منازع ، إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبيّنا منّا و ولّوه غيرنا ، و أيم اللّه لولا مخافة الفرقة بين المسلمين ، و أن يعودوا إلى الكفر ، لكنّا

٤٨٤

غيرنا ذلك ما استطعنا . . . » ١ .

كما أنّ ابنه الحسين رضي بقتل نفسه ، و أعزّته ، و أسرحرمه و عترته بعدم المسالمة مع يزيد لئلاّ يضمحلّ الدّين حسب اقتضاء وقته . فكان عليه السلام يقول : « لو لم يبق في الأرض ملجأ لي لم أبايع يزيد ، و لو بايعته فعلى الاسلام السلام » ٢ .

و أمّا قول ابن أبي الحديد : « فكان من عناية اللّه تعالى بهذا الدين أن ألهم الصّحابة ما فعلوه » فإنّي استحي عوضه من كلامه . فهل كان سبب حدوث هذه المذاهب الفاسدة ، و صدور جنايات الجبابرة من الاموية و العباسية ،

و قتل أهل بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالسيف و السم ، و حبسهم ، و نهبهم و أسرهم في كلّ عصر و تفصيلها مذكورة في مقاتل أبي الفرج الاصبهاني و شنائع أخر سوّدت وجه التاريخ إلاّ ما فعل اولئك الصحابة ، و انّما أرادوا إطفاء نور اللّه بما فعلوا و لكنّ الحق ظهر و تبيّن بما تحمّل عليه السلام ، و يأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره و لو كره المشركون .

و لو كان ابن أبي الحديد قال : « و كان من عقوبة اللّه لاولئك الصحابة ،

و باقي الناس الّذين رضوا بفعلهم و لم ينكروا ، أن ولاّهم اللّه أيام عثمان بني امية ، فاتّخذوا دين اللّه دغلا ، و عباده خولا ، و مال اللّه دولا ، و ولاّهم معاوية و يزيد ، و المروانيّة و أن حرمهم من نعمة أهل بيت نبيّهم أهل بيت الرحمة إلاّ أياما معدودة في قيامه عليه السلام ، و قد قال فيها : « لو لا حضور الحاضر ، و قيام الحجّة بوجود الناصر لسقيت آخرها بكأس أوّلها ، و لألقيت حبلها على غاربها » ٣ كان في محله .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المدائني ، و عنه شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٠١ ، شرح الخطبة ٢٢ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) أقرب الألفاظ ما أخرجه الخوارزمي في مقتل الحسين ١ : ١٨٨ .

( ٣ ) هذه فقرات من الخطبة الشقشقية رواها الشريف الرضيّ في نهج البلاغة ١ : ٣٦ ، الخطبة ٣ .

٤٨٥

٢٠

الحكمة ( ٣١٧ ) و قال له بعض اليهود : ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم فيه فقال عليه السلام :

إِنَّمَا اِخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِيهِ وَ لَكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ اَلْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ اِجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ١٦ ٢٥ ٧ : ١٣٨ أقول : قال ابن أبي الحديد : روى هذا العنوان على وجه آخر أنّه قيل له عليه السلام : إختلفتم بعد نبيكم و لم يجفّ ماؤه يعني غسله ، فقال : « و أنتم قلتم إجعل لنا إلها كما لهم آلهة و لم يجفّ ماؤكم » ١ .

قلت : و الأصل في رواية المصنّف رواية الشعبي ، و ابن المسيب ، قالا :

جاء حبر من أحبار اليهود إلى علي عليه السلام فناظره فقطعه . فقال له : أنتم ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم فيه . فقال عليه السلام : « إنّما اختلفنا عنه لا فيه ، و لكنكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتّى قلتم لنبيّكم : إجعل لنا إلها » . فأسلم اليهودي ذكر ذلك ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) ٢ .

و رواه ابن شهر آشوب بوجه آخر . فقال في ( مناقبه ) : قال له رأس الجالوت لم تلبثوا بعد نبيكم إلاّ ثلاثين حتّى ضرب بعضكم وجه بعض بالسيف . فقال عليه السلام : و انتم لم تجفّ أقدامكم من ماء البحر حتّى قلتم لموسى إجعل لنا إلها كما لهم آلهة ٣ .

و يمكن تعدد الواقعة قول اليهودي « ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم فيه » المختلفون في النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل دفنه إنما كانوا الأنصار و قريش ، و الطعن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٨٩ .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ١٦٢ .

( ٣ ) مناقب السروي ٢ : ٤٦ .

٤٨٦

عليهم حيث نازعوه عليه السلام في حقّه دونه عليه السلام إلاّ أنّ اليهودي وجّه الطعن على جميعهم بجامع كون الجميع أهل الاسلام ، فأجابه عليه السلام بما أفحمه . فالكلام يختلف باختلاف المقام لمن عرف الخصام ، فمعاوية الّذي كان أعدى عدوّ لبني هاشم كان يفتخر بهم في قبال الزبير بجامع كون اميّة و هاشم من بني عبد مناف ، ففي ( العقد الفريد ) بعد ذكر بيان ابن الزبير مفاخر له عند معاوية مع حضور أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام :

فقال معاوية لابن الزبير : ويحك كيف تصف نفسك بما وصفتها ، و و اللّه مالك في القديم من رياسة ، و لا في الحديث أي الجديد من سياسة ، و لقد قدناك و سدناك قديما و حديثا لا تستطيع لذلك انكارا ، و لا عنه فرارا ، و إنّ هؤلاء الخصوم ليعلمون أنّ قريشا قد اجتمعت يوم الفجار على رياسة حرب بن امية ، و إنّ أباك و اسرته تحت رايته ان أمر أطاعوا ، و إن قال أنصتوا ، فأنزل فينا القيادة و عزّ الولاية « حتّى بعث اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم فانتخبه من خير خلفه من اسرتي لا اسرتك ، و بني أبي لا بني أبيك ، فجحدته قريش أشدّ الجحود ، فما ساد قريشا و قادهم إلاّ أبو سفيان . فكانت الفئتان تلتقيان ،

و رئيس الهدى منّا ، و رئيس الضلالة منّا . فمهديكم تحت راية مهدينا ، و ضالّكم تحت راية ضالّنا فنحن الأرباب و أنتم الأذناب . حتّى خلّص اللّه تعالى أبا سفيان بفضله من عظيم شركه ، فكان في الجاهلية عظيما شأنه ، و في الاسلام معروفا مكانه ، و لقد أعطي يوم الفتح ما لم يعط أحد ، و إنّ منادي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نادى : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن . و أمّا جدّك لامك الصّدّيق فبتصديق عبد مناف ، سمّي صدّيقا لا بتصديق عبد العزّى أي جدّه لأبيه .

و أمّا ما ذكرت من جدّي المشدوخ ببدر ، فلعمري لقد دعا إلى البراز هو و أخوه و ابنه . فلو برزت إليه أنت أي إن كنت قابلا للبراز و أبوك ما بارزوكم

٤٨٧

و لا رأوكم لهم أكفاء ، كما قد طلب ذلك غيركم أي الأنصار فلم يقبلوهم حتّى برز إليهم أكفاؤهم من بني أبيهم أي أمير المؤمنين عليه السلام و حمزة و عبيدة فقضى اللّه مناياهم بأيديهم ، فنحن قتلنا ، و نحن قتلنا ، و أما عمّتك ام المؤمنين يعني خديجة فبنا شرفت ، و سمّيت أمّ المؤمنين ، خالتكم عائشة مثل ذلك و أما صفّية أي بنت عبد المطلب أم أبيه فهي أدنتك من الظلّ ، و لو لا هي لكنت ضاحيا ، و أمّا ما ذكرت من زوج عمتك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و خال ابيك سيّد الشهداء أي حمزة ففخرهم و إرثهم لي دونك ، و لا فخر لك فيهم ، و لا إرث بينك و بينهم أي لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و حمزة من بني عبد مناف الّذي كان معاوية منهم لا من أسد بن عبد العزّى الّذي كان ابن الزبير منهم .

و أما قولك : أنا عبد اللّه ، و أنت معاوية . فقد علمت قريش أيّنا أجود في الإزم و أحزم في القدم ، و أمنع للحرم . لا و اللّه ما أراك منتهيا حتّى تروم من بنى عبد مناف ما رام أبوك . فقد طالبهم الذحول ، و قدم إليهم الخيول ، و خدعتم ام المؤمنين أي عائشة و لم تراقبوا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذ مددتم على نسائكم السجوف ، و أبرزتم زوجته للحتوف ، و مقارعة السيوف ، فلمّا التقى الجمعان نكص أبوك هاربا . فلم ينجه ذلك أن طحنه أبو الحسن بكلكله طحن الحصيد ،

بأيدي العبيد ، و أما أنت فأفلتّ بعد أن خمشتك براثنه ، و نالتك مخالبه ، و أيم اللّه ليقوّمنك بنو عبد مناف بثقافها ، أو لتصبحن منها صباح أبيك بوادي السباع ،

و ما كان أبوك المدهن خده ، و لكنّه كما قال الشاعر :

تناول سرحان فريسة ضيغم

ففضفضه بالكفّ منه و حطّما ١

و إلاّ فلو كان الخصام في النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل دفنه من المتصدّين للأمر معه عليه السلام لكان اختلافهم أشدّ طعن عليهم ، لأنّهم تركوا جنازة نبيّهم صلّى اللّه عليه و آله و سلم ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٤ : ٨٨ و النقل بتصرف يسير .

٤٨٨

و تكالبوا على طلب الإمارة . ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : بعث أبو بكر عمر إلى قوم تخلّفوا عن بيعته فجاء فناداهم ، و هم في دار علي عليه السلام ، فأبوا أن يخرجوا . فدعا بالحطب و قال : و الّذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها . فقيل له : إنّ فيها فاطمة . فقال : و إن ، فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّا ، فإنّه زعم أنّه قال : حلفت أن لا أخرج ، و لا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة عليها السلام على بابها . فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم . تركتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم جنازة بين أيدينا ، و قطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ، و لم تردّوا لنا حقّا الخ ١ .

و روى المصنّف في ( خصائصه ) في خبر أنّ عليّا عليه السلام انكبّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في احتضاره فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : يا أخي إنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يريدون من عرض الدنيا ، و هم عليه واردون ، فلا يشغلك عنّي ما شغلهم فإنّما مثلك في الامّة مثل الكعبة نصبها اللّه علما و انّما يؤتى من كلّ فجّ عميق ، و ناد سحيق ، و إنّما أنت العلم علم الهدى ، و نور الدين و هو نور اللّه . يا أخي و الّذي بعثني بالحق لقد قدّمت إليهم بالوعيد ، و لقد أخبرت رجلا رجلا منهم بما افترض اللّه عليهم من حقّك ، و ألزمهم من طاعتك ، فكلّ أجاب اليك ،

و سلّم الأمر لك ، و إنّي لأعرف خلاف قولهم . فإذا قبضت و فرغت من جميع ما وصيّتك به ، و غيّبتني في قبري . فالزم بيتك ، و اجمع القرآن على تأليفه ،

و الفرائض و الأحكام على تنزيله . ثم أمض ذلك على عزائمه و على ما أمرتك ،

و عليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتّى تقدم علي الخبر ٢ .

« فقال عليه السلام : إنّما اختلفنا عنه لا فيه » قال ابن أبي الحديد : ما أحسن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) خصائص الأئمّة : ٤٣ .

٤٨٩

قوله عليه السلام اختلفنا عنه لا فيه ، و ذلك لأن الاختلاف لم يكن في التوحيد و النبوّة ،

بل في فروع خارجة عن ذلك نحو الإمامة و الميراث ١ .

قلت : الإمامة أيضا من أصول الدين و انّما هي من فروع النبوّة بمعني أنّ الامام يعيّنه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بوحي اللّه تعالى إليه لا الناس . قال جلّ و علا : و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة ٢ .

و قد عرفت اختلاف الكلام بالمقام ، و أنّه عليه السلام أجاب جدلا حيث إنّ ذلك اليهودي أدخله في المختلفين . فأجابه بما يسكته ، و إلاّ فاختلافهم إنّما كان عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الظاهر ، و فيه في الباطن كما يلمّح إليه قوله جلّ و علا و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا و سيجزي اللّه الشاكرين ٣ .

فقال أبو المقدام لأبي جعفر عليه السلام : إنّ العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا للّه ، و ما كان اللّه تعالى ليفتن أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم من بعده فقال أبو جعفر عليه السلام أو ما يقرؤون كتاب اللّه ؟ أو ليس اللّه يقول : « و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم » ٤ فقلت : إنّهم يفسّرون هذا على وجه آخر . فقال : أو ليس قد أخبر اللّه عن الذين من قبلهم من الامم أنّهم اختلفوا من بعد ما جاءتهم البيّنات حيث قال : و آتينا عيسى بن مريم البيّنات إلى فمنهم من آمن و منهم من كفر ٥ ففي هذا ما يستدّل به على أنّ أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم قد اختلفوا من بعده

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٨٩ .

( ٢ ) القصص : ٦٨ .

( ٣ ) آل عمران : ١٤٤ .

( ٤ ) آل عمران : ١٤٤ .

( ٥ ) البقرة : ٢٥٣ .

٤٩٠

فمنهم من آمن ، و منهم من كفر ١ .

و في خبر آخر عنه : كان الناس أهل ردّة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلاّ ثلاثة المقداد و أبو ذر و سلمان الفارسى ثم عرف الناس بعد يسير و قال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى ، و أبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتّى جاءوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرها فبايع ، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ٢ .

« و لكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتّى قلتم لنبيّكم اجعل لنا آلها كما لهم آلهة فقال انّكم قوم تجهلون » أشار عليه السلام إلى قوله تعالى : و جاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنّكم قوم تجهلون إنّ هؤلاء متبّر ما هم فيه و باطل ما كانوا يعملون ٣ .

و من الآية يرفع استبعاد المخالفين مخالفة الصحابة نصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لو كان نصّ . فإنّ بنى اسرائيل اولئك كانوا أولاد أنبياء يعقوب ، و إسحاق و إبراهيم و كانوا من أوّل عمرهم موحّدين و هم الذين قال عزّ و جلّ فيهم و لهم :

يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم و أنّي فضّلتكم على العالمين ٤ . و مع ذلك مالوا إلى عبادة الأصنام و الارتداد عن الدين مع حياة نبيّهم ، و حضوره عندهم ساعة نجاتهم من عدوّهم ، فكيف يستبعد ذلك من أولئك الصحابة مع شيخوختهم في الكفر و عبادة الأصنام ، و بغضهم لوصيه لثارات لهم عنده ، و معاضدة المنافقين و من أسلم كرها لهم ، و بعد موت نبيّهم .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٨ : ٢٧٠ ، ح ٣٩٨ .

( ٢ ) أخرجه الكشي في معرفة الرجال ، اختياره : ٦ ، ح ١٢ . و الآية ١٤٤ من سورة آل عمران .

( ٣ ) الاعراف : ١٣٨ و ١٣٩ .

( ٤ ) البقرة : ٤٧ .

٤٩١

ثم لم يرتدع بنو إسرائيل بردع نبيّهم لهم ، و قوله لهم إنّكم قوم تجهلون انّ هؤلاء متبرّ ما هم فيه ، و باطل ما كانوا يعملون ١ لكونهم اشربوا في قلوبهم العجل حتّى عبدوا العجل و كفروا .

و لمّا نهاهم هارون عن ذلك أرادوا قتله . قال تعالى : و اتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلا جسدا له خوار إلى قال ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني ٢ فكيف يستبعد إخواننا وقوع الارتداد من اولئك الصحابه الذين عرفت و صفهم بعد وفاة نبيّهم ، و قد ارتدّ أولاد الأنبياء اولئك الذين عرفت و صفهم بغيبة نبيّهم عنهم ساعات .

و قد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام لمّا أحضروه للبيعة قال ابن قتيبة في ( خلفائه ) : « أتى عمر و معه جماعة بيت فاطمة . فدقّوا الباب . فلمّا سمعت فاطمة عليها السلام أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبه يا رسول اللّه ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة . فلمّا سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين ، و كادت قلوبهم تتصدّع ، و أكبادهم تتقطّر ، و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا عليا . فمضوا به إلى أبي بكر . فقالوا له : بايع فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟

قالوا : إذن و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك . قال : إذن تقتلون عبد اللّه و أخا رسوله . قال عمر : أما عبد اللّه فنعم . و أمّا أخو رسوله فلا . و أبو بكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر بأمرك فيه . فقال : لا أكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه . فلحق علي بقبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصيح و ينادي : « يا ابن امّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني » ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاعراف : ١٣٨ ١٣٩ .

( ٢ ) الاعراف : ١٤٨ ١٥٠ .

( ٣ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٩٢

و من قوله تعالى : و جاوزنا ببني اسرائيل البحر ١ إلى آخر الآية ،

يعلم أنّ صلاح الانسان في الدنيا الابتلاء بالبلاء . فقال بنو اسرائيل لموسى :

أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا ٢ فقال لهم موسى : عسى ربكم أن يهلك عدوّكم و يستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ٣ فلمّا آمنهم اللّه و مكّنهم في البلاد صاروا كفرعون يقتلون أنبياء اللّه و يفعلون ما حكى اللّه تعالى عنهم كالمسلمين في أوّلهم و آخرهم بعد نبيّهم .

هذا و يقرب من العنوان ما في ( العقد الفريد ) : أنّ معاوية قال لرجل من أهل اليمن « ما كان أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة » فقال : أجهل من قومي قومك الذين قالوا حين دعاهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٤ .

٢١

خطبة ( ١٣٧ ) و من كلام له عليه السلام في وقت الشورى :

لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ وَ صِلَةِ رَحِمٍ وَ عَائِدَةِ كَرَمٍ فَاسْمَعُوا قَوْلِي وَ عُوا مَنْطِقِي عَسَى أَنْ تَرَوْا هَذَا اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِ هَذَا اَلْيَوْمِ تُنْتَضَى فِيهِ اَلسُّيُوفُ وَ تُخَانُ فِيهِ اَلْعُهُودُ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ اَلضَّلاَلَةِ وَ شِيعَةً لِأَهْلِ اَلْجَهَالَةِ أقول : رواه الطبري مع زيادة في صدره و ذيله ففيه « ثم تكلّم علي عليه السلام ( يوم الشورى ) فقال : الحمد للّه الّذي بعث محمّدا منا نبيّا و بعثه إلينا رسولا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاعراف : ١٣٨ .

( ٢ ) الاعراف : ١٢٩ .

( ٣ ) الاعراف : ١٢٩ .

( ٤ ) العقد الفريد ٤ : ٩٧ ، و الآية ٣٢ من سورة الأنفال .

٤٩٣

فنحن بيت النبوة ، و معدن الحكمة ، و أمان أهل الأرض ، و نجاة لمن طلب ، لنا حقّ إن نعطه نأخذه ، و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل ، و لو طال السرى إلى أن قال لن يسرع أحد قبلي إلى آخر العنوان و زاد ، ثم أنشأ يقول :

فإن تك جاسم هلكت فإنّي

بما فعلت بنو عبد بن ضخم

مطيع في الهواجر كلّ عيّ

بصير بالنوى من كلّ نجم ١

و قال ابن أبي الحديد : قال الشعبي : فأمّا ما يذكره الناس من المناشدة ،

و قول علي عليه السلام لأهل الشورى : « أ فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كذا ؟ » فإنّه لم يكن يوم البيعة ، و إنّما كان بعد ذلك بقليل ٢ .

و روى أبو الطفيل عامر بن واثلة قال : كنت في البيت يوم الشورى فسمعت عليّا عليه السلام و هو يقول : إستخلف الناس أبا بكر و أنا و اللّه أحقّ بالأمر ،

و أولى به منه ، و استخلف أبو بكر عمر ، و أنا و اللّه أحقّ بالأمر ، و أولى به منه . إلاّ أنّ عمر جعلني مع خمسة أنا سادسهم لا يعرف لهم فضل علي ، و لو أشاء لا حتججت عليهم بما لا يستطيع عربيّهم ، و عجميّهم ، المعاهد منهم و المشرك بغير ذلك .

ثم قال نشدتكم باللّه أيّها النفر هل فيكم أحد وحدّ اللّه قبلي ؟ قالوا : اللهم لا قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » غيري ؟ قالوا : اللهم لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أتي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بطير يأكل منه فقال : « اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » فجئته فقال « اللهم و إلى رسولك » غيري ؟ قالوا اللهم لا . قال :

نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين رجع عمر يوم خيبر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٠٠ ، سنة ٢٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٩١ .

٤٩٤

يجبّن أصحابه و يجبّنونه قد ردّ راية النبي منهزما فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « لأعطينّ الراية غدا رجلا ليس بفرّار يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه » فلمّا أصبح قال : أدعوا لي عليّا ، فقالوا : هو أرمد ما يطرف . فقال : جيئوني به . فلمّا قمت بين يديه تفل في عيني و قال « اللهمّ أذهب عنه الحرّ و البرد » فأذهب اللّه عنّي الحرّ و البرد إلى ساعتي هذه ، و أخذت الراية فهزم اللّه المشركين و أظفرني بهم غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر المزيّن بالجناحين في الجنّة يحلّ حيث يشاء ،

غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم اللّه هل فيكم أحد له عمّ مثل عمّي حمزة أسد اللّه و أسد رسوله و سيّد الشهداء ، غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطيّ الحسن و الحسين ابني رسول اللّه و سيّدي شباب أهل الجنّة غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم احد له زوج مثل زوجي فاطمة بنت رسول اللّه ، و بضعة منه ، و سيّدة نساء الجنّة ، غيري ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « من فارقك فارقني و من فارقني فارق اللّه » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلا كنفسي ، طاعته كطاعتي ، و معصيته كمعصيتي يغشاهم بالسيف » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال :

نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « كذب من زعم أنّه يحبّني ، و هو يبغضك » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « أنت الخليفة في الأهل و المسلمين في كلّ غيبة و عدوّك عدوّي ،

و عدوّي عدوّ اللّه ، و وليّك وليّي ، و وليّي وليّ اللّه » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال :

نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « من أحبّك و والاك سبقت له

٤٩٥

الرحمة ، و من أبغضك سبقت له اللعنة » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « أنت أخي و أنا أخوك في الدنيا و الآخرة و منزلك مواجه منزلي كما يتواجه الأخوان في الخلد » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « إنّ اللّه خصّك بالزهد في الدنيا فليس تنال منها شيئا ، و لا تنال منك ، و هي زينة الأبرار . فطوبى لمن أحبّك و صدق عليك ، و ويل لمن أبغضك و كذب عليك » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد بعثه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ليجي‏ء بالماء كما بعثني فذهبت حتّى حملت القربة على ظهري ، و مشيت بها فاستقبلتني ريح فردّتني حتّى أجلستني ، ثم قمت إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فقال : ما حبسك ؟ فقصصت عليه القصّة . فقال : قد جاءني جبرئيل فقال : أمّا الريح الاولى فجبرئيل جاء في ألف من الملائكة يسلّمون عليك ، و أمّا الثانية فميكائيل جاء في ألف من الملائكة يسلّمون عليك » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال فيه جبرئيل « يا محمّد أترى هذه المواساة من علي » فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم :

إنّه منّي و أنا منه . فقال جبرئيل : و أنا منكما ، غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد يكتب للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما جعلت اكتب . فأغفى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فأنا أرى أنه يملي علي . فلمّ انتبه قال لي : من أملى عليكم من هاهنا إلى ها هنا ؟

فقلت : أنت . فقال : لا . و لكن جبرئيل أملاه عليك » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما قال لي : « لو لا أن أخاف أن لا يبقى أحد إلاّ قبض من أثرك قبضة يطلب بها البركة لعقبه بعده لقلت فيك قولا لا يبقى أحد إلاّ قبض من أثرك قبضة » ؟ فقالوا : اللهم لا . قال :

نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « إحفظ الباب فإنّ زوّارا من الملائكة تزورني فلا تأذن لأحد منهم » فجاء عمر فرددته ثلاث مرأت ،

٤٩٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و أخبرته أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم محتجب ، و عنده زوّار من الملائكة ، و عدّتهم كذا و كذا . ثم أذنت له فدخل فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إنّي جئت غير مرّة كلّ ذلك يردّني علي ، و يقول : إنّ النبي محتجب ، و عنده زوّار من الملائكة ، و عدّتهم كذا و كذا ،

فكيف علم بالعدّة ؟ أعاينهم ؟ فقال : لا . يا علي كيف علمت بعدّتهم ؟ فقلت :

اختلفت التحيات ، و سمعت الأصوات . فأحصيت العدد قال : صدقت ، غيري ؟

قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما قال لي : « إنّ طوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار علي ، و ليس من مؤمن إلاّ و في منزله غصن من أغصانها » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « تقاتل الناكثين و القاسطين و المارقين » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و رأسه في حجر جبرئيل فقال : « ادن إلى ابن عمك فأنت أولى به منّي » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال :

نشدتكم باللّه هل فيكم أحد وضع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم رأسه في حجره حتّى غابت الشمس ، و لم يصلّ العصر . فلمّا انتبه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : هل صليت العصر .

قلت : لا ، فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فردّت الشمس بيضاء نقية فصلّيت ثم انحدرت » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أمر اللّه تعالى رسوله أن يبعث ببراءة فبعث بها مع أبي بكر فأتاه جبرئيل فقال : يا محمد إنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك . فبعثني النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فأخذتها من أبي بكر ، فمضيت بها ، و أدّيتها عن رسوله و أثبت اللّه على لسان رسوله أي جبرئيل أنّي منه » غيري ؟ قالوا :

اللهمّ لا .

٤٩٧

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « أنت إمام من أطاعني ، و نور أوليائي ، و الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « من سرّه أن يحيى حياتي ،

و يموت مماتي ، و يسكن جنتي الّتي و عدني ربي إلى أن قال فليوال عليّا و ذريّته من بعده . فهم الأئمة و هم الأوصياء أعطاهم اللّه علمي و فهمي . لا يدخلونكم في باب ضلال ، و لا يخرجونكم من باب هدى ، و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم . يزول الحقّ معهم أينما زالوا » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « قضي فانقضى أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ، و لا يبغضك إلاّ منافق » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال :

نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مثل ما قال لي : « أهل ولايتك يخرجون يوم القيامة من قبورهم على نوق بيض . شراك نعالهم نور حتّى ينطلق بهم إلى ظل عرش الرحمن . يوضع بين أيديهم مائدة . يأكلون منها حتّى يفرغ الناس من الحساب . يخاف الناس و لا يخافون ، و يحزن الناس و لا يحزنون » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد حين جاء أبو بكر يخطب فاطمة فأبى أن يزوّجه فخطبت إليه فزوّجني فجاء أبو بكر و عمر . فقال : أبيت أن تزوّجنا و زوّجته فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما منعتكما و زوّجته ، بل اللّه منعكما و زوّجه غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل سمعتم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : يقول « كل نسب و سبب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي و نسبي » فأيّ سبب أفضل من سببي ، و أيّ نسب أفضل من نسبي ؟ إنّ أبي و أبا رسول اللّه لأخوان لأب و أم ، و إنّ الحسن و الحسين ابني رسول اللّه و سيّدي شباب أهل الجنّة إبناي ، و فاطمة بنت رسول اللّه ، و سيّدة نساء أهل الجنّة زوجتي ، غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

٤٩٨

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « انّ اللّه تعالى خلق الخلق . ففرّقهم فرقتين . فجعلني من خير الفرقتين . ثم جعلهم شعوبا فجعلني في خير شعبة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خير بيت . ثم اختار من البيت أنا و عليّا و جعفرا . فجعلني خيرهم .

فكنت نائما بين ابني أبي طالب فجاء جبرئيل و معه ملك . فقال : يا جبرئيل إلى أيّ هؤلاء أرسلت . فقال : إلى هذا . ثم أخذ بيدي فأجلسني » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد سدّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أبواب المسلمين كلّهم من المسجد ، و لم يسدّ بابي فجاء العباس و حمزة ، و قالا : أخرجتنا و أسكنته فقال : « ما أنا أخرجتكم و أسكنته بل اللّه أخرجكم و أسكنه إنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى أخي موسى عليه السلام أن اتّخذ مسجدا طهورا ، و اسكنه أنت و هارون و ابنا هارون ، و أوحى إليّ أن اتّخذ مسجدا طهورا ، و اسكنه أنت و علي ، و ابنا علي » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « انّه مع الحق و الحقّ معه لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا قال :

نشدتكم باللّه هل فيكم أحد و قى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حيث جاء المشركون يريدون قتله فاضطجعت في مضجعه ، و ذهب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نحو الغار ، و هم يرون أنّي هو . فقالوا أين ابن عمك فقلت : لا أدري . فضربوني حتّى كادوا يقتلونني ،

غيري ؟ قالوا : اللهم لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما قال لي : « إنّ اللّه أمرني بولاية علي ، فولايته ولايتي و ولاية ربي ، عهد عهده إليّ ربّي ، و أمرني أن ابلّغكموه فهل سمعتم » قالوا : نعم قد سمعناه قال : « أما إنّ فيكم من يقول سمعت و هو يحمل الناس على كتفيه و يعاديه » قالوا : اخبرنا بهم قال : أما إنّ

٤٩٩

ربّي قد أخبرني بهم و أمرني بالإعراض عنهم لأمر قد سبق ، و إنّما يكتفي أحدكم بما يجد لعلي في قلبه » غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قتل من بني عبد الدار تسعة مبارزة كلهم بأخذ اللواء . ثم جاء صواب الحبشي مولاهم ، و هو يقول : و اللّه لا أقتل بسادتي غير محمّد ، قد أزبد شدقاه ، و احمرّت عيناه فاتقيتموه و حدتم عنه .

فخرجت إليه . فلمّا أقبل كأنّه قبّة مبنية فاختلفت أنا و هو ضربتين فقطعته بنصفين ، و بقيت رجلاه و عجزه و فخذه قائمة على الأرض ينظر إليه المسلمون و يضحكون منه ، غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد جاء عمرو بن عبد ود ينادي هل من مبارز فكعتم عنه كلّكم . فقمت أنا .

فقال لي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إلى أين تذهب ؟ قلت : إلى هذا الفاسق . فقال : إنّه عمرو بن عبد ود فقلت فانا علي بن أبي طالب . فأعاد علي الكلام ، و أعدت عليه . فقال :

إمض على اسم اللّه ، فلمّا قربت منه قال : من الرجل ؟ قلت : علي بن أبي طالب .

قال : كفو كريم ، ارجع يا ابن أخي فقد . كان لأبيك معي صحبة و محادثة . فأنا أكره قتلك . فقلت له : يا عمرو إنّك قد عاهدت اللّه أنّه لا يخيّرك أحد ثلاث خصال إلاّ اخترت إحداهن . فقال : إعرض علي . قلت : تشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و أنّ محمّدا رسوله ، و تقرّ بما جاء من عنده . قال : هات غيرها . قلت : ترجع من حيث جئت .

قال : و اللّه لا تحدّث نساء قريش بهذا أنّي رجعت عنك . فقلت : فانزل فاقاتلك .

قال : أمّا هذه فنعم . فنزل ، فاختلفت أنا و هو ضربتين . فأصاب سيفه رأسي ،

و ضربته ضربة . فقتله اللّه على يدي . ففيكم أحد فعل هذا غيري ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد حين جاء مرحب و هو يقول :

أنا الّذي سمّتني امّي مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب

أطعن أحيانا و حينا أضرب

٥٠٠