بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 41873
تحميل: 4594


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41873 / تحميل: 4594
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

فخرجت إليه فضربني و ضربته فقتلته . ففيكم أحد فعل هذا غيري ؟

قالوا : اللهم لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التطهير على رسوله إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهرّكم تطهيرا ١ فأخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كساء خيبريا فضمنّي فيه ، و فاطمة و الحسن و الحسين ثم قال : « يا رب هؤلاء أهل بيتي . فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا » ؟ قالوا :

اللهم لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « أنا سيّد ولد آدم و أنت يا علي سيّد العرب » قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في المسجد إذ نظر إلى شي‏ء فبادره و لحقه أصحابه . فانتهى إلى سودان أربعة يحملون سريرا . فقال لهم : ضعوه فوضعوه فقال : اكشفوا عنه فإذا أسود مطوّق بالحديد . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : من هذا ؟ قالوا : غلام آل فلان كان قد أبق عنهم « فأخذوه فقيّدوه فمات » فأمرونا أن ندفنه في حديده كما هو فنظرت إليه . فقلت : ما رآني هذا قط إلاّ قال : أنا و اللّه احبّك ، و اللّه ما أحبّك إلاّ مؤمن و ما أبغضك إلاّ كافر . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « يا علي لقد أثابه اللّه بهذا بسبعين قبيلا من الملائكة كل قبيل ألف نزلوا يصلّون عليه . ففكّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حديدته ، و صلّى عليه و دفنه » ؟ قالوا : اللهمّ لا .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مثل ما قال لي قال « اذن لي البارحة في الدعاء . فما سألت ربّي شيئا إلاّ أعطانيه ، و ما سألت لنفسي شيئا إلاّ سألت لك مثله فقلت : الحمد للّه » ؟ قالوا : اللهمّ لا . قال : نشدتكم باللّه هل علمتم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعث خالد بن الوليد إلى بني خزيمة . ففعل ما فعل ، فصعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم المنبر فقال : « اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا فعل خالد » ثلاث

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

٥٠١

مرات ثم قال : « يا علي إذهب فأعطهم الدية » . فذهبت فوفّرت ديتهم . ثم ناشدتهم باللّه هل بقي شي‏ء فقالوا : فميلغة كلابنا ، و عقال بعيرنا ، فأعطيتهم لهما ، و بقي معي ذهب كثير فأعطيتهم إيّاه ، و قلت : هذا لذمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لما تعلمون و لما لا تعلمون ، و لروعات النساء و الصبيان . ثم جئت إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فأخبرته فقال : و اللّه ما يسرّني انّ لي بما صنعت حمر النعم » ؟

قالوا : اللهمّ نعم .

قال : نشدتكم باللّه هل سمعتم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول لي : « لقد عرضت علي امتي البارحة فمرّ بي أصحاب الرايات . فاستغفرت لك و لشيعتك » ؟ قالوا : اللهمّ نعم قال : نشدتكم باللّه هل سمعتم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال لأبي بكر : « اذهب فاضرب عنق ذلك الرجل الّذي تجده في موضع كذا و كذا . فرجع فقال له : قتلته ؟ قال : لا .

وجدته يصلّي ، قال يا عمر : إذهب فاقتله . فرجع . فقال له : قتلته ؟ قال : لا . وجدته يصلّي فقال : أمرتكما بقتله فتقولان وجدناه يصلّي فقال لي : اذهب فاقتله . فلمّا مضيت قال : إن أدركه قتله . فرجعت فقلت : لم أجد أحدا . قال : صدقت أما إنّك لو وجدته لقتلته » ؟ قالوا : اللهمّ نعم .

قال : نشدتكم باللّه هل علمتم أنّ عائشة قالت للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « إنّ إبراهيم ليس منك ، و انّه ابن فلان القبطي » فقال : « يا علي فاذهب فاقتله » فقلت : « يا رسول اللّه إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمي في الوبر أو اتثبّت » قال : « لا . بل تثبّت » فذهبت فلما نظر اليّ استند إلى حائط . فطرح نفسه فيه . فطرحت نفسي على أثره . فصعد على نخلة ، و صعدت خلفه . فلمّا رآني قد صعدت رمى بإزاره .

فإذا ليس له شي‏ء ممّا يكون للرجال ، فجئت فأخبرت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال :

« الحمد للّه الّذي صرف عنّا السوء أهل البيت » ؟ قالوا : اللهمّ نعم .

قال : نشدتكم باللّه هل فيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كما قال لي : « انّ

٥٠٢

وليّك في الجنّة ، و عدوّك في النار » ؟ قالوا : اللهمّ لا قال : اللهمّ اشهد .

نقله ( مناقب ابن شهر آشوب ) و قال : رواه ابن مردويه في كتابه ،

و الخوارزمي في ( أربعينه ) ، و رواه الزمخشري عن أبي ذر ١ .

« لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق » قال الاسكافي في ( نقض عثمانيته ) :

قال ابن عباس : فرض اللّه تعالى الاستغفار لعلي عليه السلام في القرآن على كل مسلم بقوله تعالى : ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ٢ فكلّ من أسلم بعد علي عليه السلام فهو يستغفر لعليّ عليه السلام .

قال : و قال ابن عباس أيضا : السبّاق ثلاثة : سبق يوشع بن نون إلى موسى عليه السلام ، و سبق صاحب يس إلى عيسى عليه السلام ، و سبق علي بن أبي طالب عليه السلام إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

قال : و قال عفيف بن قيس الكندي : كنت في الجاهلية عطّارا . فقدمت مكه .

فنزلت على العباس بن عبد المطلب ، فبينا أنا جالس عنده أنظر إلى الكعبة و قد تحلّقت الشمس في السماء ، أقبل شابّ كأنّ وجهه القمر حتّى رمى ببصره إلى السماء . فنظر إلى الشمس ساعة . ثم أقبل حتّى دنا من الكعبة . فصفّ قدميه يصلّي . فخرج على أثره فتى كأنّ وجهه صفيحة يمانية . فقام عن يمينه فجاءت امرأة متلففة في ثيابها . فقامت خلفهما . فأهوى الشاب راكعا فركعا معه ثم أهوى إلى الأرض ساجدا فسجدا معه . فقلت للعباس : يا أبا الفضل أمر عظيم .

فقال : أمر و اللّه عظيم . أتدري من هذا الشاب ؟ قلت : لا . قال : هذا ابن أخي محمّد ابن عبد اللّه . أتدري من هذا الفتى ؟ قلت : لا . قال : هذا ابن أخي علي بن أبي طالب .

أتدري من المرأة ؟ قلت : لا . قال هذه ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزّى ، هذه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنهم ابن طاووس في الطرائف ٢ : ٤١١ ٤١٧ .

( ٢ ) الحشر : ١٠ .

٥٠٣

خديجة زوج محمّد هذا . و إنّ محمّدا هذا يذكر أنّ إلهه إله السماء و الأرض أمره بهذا الدين . فهو عليه كما ترى ، و يزعم أنّه نبي ، و قد صدّقه على قوله علي ابن عمّه ، هذا الفتى ، و زوجته خديجة ، هذه المرأة ، و اللّه ما أعلم على وجه الأرض كلّها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة . فقلت له : فما تقولون أنتم ؟ قال :

ننتظر الشيخ ما يصنع . يعني أبا طالب أخاه .

و روى مثله عن ابن مسعود . قال : و قال السدّي : إنّ أبا بكر و عمر خطبا فاطمة عليه السلام فردّهما النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و قال : لم اومر بذلك . فخطبها علي عليه السلام فزوّجه إيّاها ، و قال لها زوّجتك أقدم الامّة إسلاما ، و أكثرهم علما ، و أعظمهم حلما ، و ما زوّجتك إلاّ بأمر من السماء أما علمت أنّه أخي في الدنيا و الآخرة .

قال : و رواه جابر بن عبد اللّه ، و ابن عباس ، و ام أيمن ، و أسماء بنت عميس .

قال : و قال عبّاد بن عبد اللّه الأسدي : سمعت عليّا عليه السلام يقول : أنا عبد اللّه و أخو رسوله ، و أنا الصّديق الأكبر ، لا يقولها غيري إلاّ كذّاب ، و قد صلّيت قبل الناس سبع سنين .

قال : و روى أبو أيوب الأنصاري عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : لقد صلّت الملائكة علي و على علي سبع سنين ، و ذلك انّه لم يصلّ معي رجل فيها غيره ١ .

و في ( الطبري ) عن ابن عباس قال : قال عليّ عليه السلام : لما نزلت و أنذر عشيرتك الأقربين ٢ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم دعاني فقال : انّ اللّه أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا ، و عرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذه الأحاديث رواها عن نقض الاسكافي ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٦٠ ٢٦٢ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

( ٢ ) الشعراء : ٢١٤ .

٥٠٤

أرى منهم ما أكره . فصمتّ عليه حتّى جاءني جبرئيل فقال : يا محمّد إن لا تفعل يعذّبك ربك . فاصنع لنا صاعا من طعام ، و اجعل عليه رجل شاة ، و املأ لنا عسّا من لبن . ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتّى أكلّمهم و أبلّغهم ما أمرت به .

ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له ، و هم يومئذ أربعون ، فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب . فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم . فجئت به . فلمّا وضعته تناول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حذية من اللحم فشقّها بأسنانه . ثم ألقاها في نواحي الصفحة ثم قال : خذوا بسم اللّه . فأكل القوم حتّى ما لهم بشي‏ء من حاجة ، و ما أرى إلاّ موضع أيديهم ، و أيم اللّه الّذي نفس علي بيده ، و إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم . ثم قال : إسق القوم . فجئتهم بذلك العسّ . فشربوا منه حتّى رووا منه جميعا ، و أيم اللّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله فلمّا أراد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يكلّمهم بدره أبو لهب فقال : لشدّ ما سحركم صاحبكم .

فتفرقوا و لم يكلّمهم . فقال : الغد يا علي انّ هذا الرجل سبقني إلى ما سمعت . فتفرقوا قبل ان أكلّمهم . فعد لنا من الطعام بمثل ما فعلت ، ثم اجمعهم إليّ ففعلت ثم دعا بالطعام ، فقرّبته إليهم ، ففعل كما فعل بالأمس . فأكلوا حتّى ما لهم بشي‏ء حاجة . ثم قال : إسقهم فجئتهم بذلك العسّ فشربوا منه حتّى رووا جميعا . ثم تكلّم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال : يا بني عبد المطلب إنّي و اللّه ما أعلم شابّا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به ، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة ، و قد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه . فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي ، و خليفتي فيكم . فأحجم القوم عنها جميعا ، و قلت ،

و أنا لأحدثهم سنّا و أرمصهم عينا ، و أعظمهم بطنا ، و أحمشهم ساقا : أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه . فأخذ برقبتي ثم قال : « إنّ هذا أخي ، و وصيي ، و خليفتي

٥٠٥

فيكم فاسمعوا له و أطيعوا » فقام القوم يضحكون ، و يقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع .

و روى قريبا عنه منه ربيعة بن ناجد عنه عليه السلام ١ .

« و صلة رحم و عائدة كرم » ظفر عليه السلام يوم الجمل بمروان و ابن الزبير ،

و سعيد ابن العاص ، و هم مبغضوه لا سيّما الأوّلان فعفا عنهم تكرّما .

و لما قال طلحة بن عثمان العبدري صاحب لواء المشركين يوم أحد : يا معشر أصحاب محمّد إنّكم تزعمون أنّ اللّه يعجّلنا بسيوفكم إلى النار ،

و يعجّلكم بسيوفنا إلى الجنّة ، فهل منكم أحد يعجّله اللّه بسيفي إلى الجنّة ، أو يعجّلني بسيفه إلى النار ؟ فقام إليه علي بن أبي طالب فقال : و الّذي نفسي بيده لا افارقك حتّى اعجّلك بسيفي إلى النار . أو تعجّلني بسيفك إلى الجنّة . فضربه علي عليه السلام فقطع رجله فسقط . فانكشفت عورته ، فقال : انشدك اللّه و الرحم يا ابن عم . فتركه . فكبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و قال لعليّ عليه السلام أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه قال : إنّ ابن عمّي ناشدني حين انكشفت عورته ، فاستحييت منه ٢ .

و لمّا كشف عمرو بن العاس و بمعاونته تمكن معاوية من مقابلته معه عليه السلام يوم صفين عورته ، و بعده بسر بن أرطاة و هو الّذي قتل كثيرا من شيعته و كان يسبّه أيضا عورته لئلاّ يقتلهما عليه السلام تركهما تكرّما ٣ .

« فاسمعوا قولى و عوا منطقي » أي : اجعلوا آذانكم و عاء لمنطقي . كناية عن حفظه و العمل به .

« عسى أن تروا هذا الأمر » أي : أمر الخلافة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الطبري في تاريخه ٢ : ٦٢ و ٦٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٢ : ١٩٤ ، سنة ٣ ، و الواقدي في المغازي ١ : ٢٢٥ ، و ابن هشام في السيرة ٣ : ٢٣ .

( ٣ ) رواهما ابن مزاحم في وقعة صفين : ٤٢٤ و ٤٦١ .

٥٠٦

« بعد هذا اليوم » أي : يوم الشورى الّتي جعلها عمر .

« تنتضي » أي : تسلّ .

« فيه السيوف » فان جعله شورى لم يكن باقلّ فسادا من منعه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الوصية . كما اعترف به محمّد بن سليمان حاجب الحجاب ،

كما نقل عنه ابن أبي الحديد عند شرح قوله عليه السلام للمغيرة بن أخنس ١ .

و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : لمّا قدم معاوية المدينة لأخذ البيعة ليزيد ،

و امتنع الحسين عليه السلام و امتنع ابن أبي بكر ، و ابن عمر ، و ابن الزبير ، أخرجهم معه إلى مكّة ، و أمر بنصب منبر قرب الكعبة ، و أحضرهم فقال لهم : انّي أتقدّم اليكم ، و قد أعذر من أنذر . إنّي قائل مقالة فاقسم باللّه لئن ردّ علي رجل منكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته حتّى يضرب رأسه . فلا ينظر امرؤ منكم إلاّ إلى نفسه ، و لا يبقي إلاّ عليها و أمر أن يقوم على رأس كلّ رجل منهم رجلان بسيفيهما . فإن تكلّم بكلمة يردّ بها عليه قوله قتلاه ، و خرج و أخرجهم معه حتّى رقى المنبر ، و حفّ به أهل الشام ، و اجتمع الناس . فقال بعد حمد اللّه :

« إنّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار . قالوا : إنّ حسينا ، و ابن أبي بكر ، و ابن عمر و ابن الزبير لم يبايعوا ليزيد ، و هؤلاء الرهط سادة المسلمين ، و خيارهم . لا نبرم أمرا دونهم ، و لا نقضي أمرا إلاّ عن مشورتهم ، و إنّي دعوتهم فوجدتهم سامعين مطيعين ، فبايعوا و سلّموا و أطاعوا » .

فقال أهل الشام : و ما يعظم من أمر هؤلاء إئذن لنا لنضرب أعناقهم فنحن لا نرضى حتّى يبايعوا علانية . فقال معاوية : « سبحان اللّه ما أسرع الناس إلى قريش بالشرّ و ما أحلّ دماءهم عندهم أنصتوا فلا اسمع هذه المقالة من أحد . ثم قربت رواحله فركب و مضى ، فقال الناس للحسين عليه السلام

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٨١ ، شرح الخطبة ١٣٣ .

٥٠٧

و أصحابه : قلتم لا نبايع فلمّا دعيتم و ارضيتم بايعتم ، قالوا : لم نفعل ، قالوا : بلى قد فعلتم و بايعتم . أفلا أنكرتم ؟ قالوا : خفنا القتل ، و كادكم بنا ، و كادنا بكم ١ .

و لما رغّب معاوية في الشام الوافدين عليه في الخطبة ليزيد تكلّم الضحّاك بن قيس ، و عمرو بن سعيد . ثم قام يزيد بن المقفع فقال : الخليفة هذا و أشار إلى معاوية فإن هلك فهذا و أشار إلى يزيد فمن أبى فهذا و أشار إلى سيفه . فقال له معاوية : اجلس فانّك سيّد الخطباء .

« و تخان فيه العهود » في ( مقاتل أبي الفرج ) : قال أبو إسحاق : قال معاوية بالنخيلة أي بعد أخذه البيعة من الحسن عليه السلام بشرائط و عهود : ألاّ إنّ كلّ شي‏ء أعطيته الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين لا أفي به . قال أبو إسحاق و كان و اللّه غدّارا ٢ .

و قال سعيد بن سويد : صلّى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الصحن ثم خطبنا فقال : إنّي و اللّه ما قاتلتكم لتصلّوا ، و لا لتصوموا ، و لا لتحجّوا ، و لا لتزكّوا إنكم لتفعلون ذلك ، و انّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، و قد أعطاني اللّه ذلك و انتم كارهون . قال شريك في حديثه هذا هو التهتّك ٣ .

قلت : قول معاوية و إن كان تهتّكا إلاّ أنّه كان قولا صدقا في إخباره عن نفسه بعيدا من الرياء و النفاق ، بخلاف قول من أسّس له ذلك في تخلّفه تارة عن جيش بعذر عدم قبول قلبه ترك النبي في تلك الحالة ، و في منعه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الوصية اخرى بكفاية القرآن لهم ، و ثالثة بعد موت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأنّه لا يمكن أن يموت لغرض وصول أبي بكر إليه ، و رابعة لتقديم صاحبه بأن جعله الخليفة أولى من أمره بالصلاة لكون الصلاة أمرا دينيا و الخلافة امرا دنيويا .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٩٠ ، و النقل بالمعنى لكن هذه القصة قد وقعت في المدينة لا مكة .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين : ٤٥ .

( ٣ ) مقاتل الطالبيين : ٤٥ .

٥٠٨

« حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضّلالة ، و شيعة لأهل الجهالة » في ( الطبري ) بعد ذكر وصول رسول عبيد اللّه بن زياد إلى الحر أنّ أبا الشعثاء الكندي من أصحاب الحسين عليه السلام نظر إلى الرسول فقال : أمالك بن التسير البدي ؟ قال :

نعم فقال له : ثكلتك أمّك ماذا جئت فيه ؟ قال : و ما جئت فيه أطعت إمامي ،

و وفيت ببيعتي . فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك ، و أطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار و النار . قال اللّه عزّ و جلّ « و جعلناهم أئمّة يدعون إلى النار » ١ فهو إمامك ٢ .

نبّههم عليه السلام في قوله « لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ ، و صلة رحم ، و عائدة كرم » على ما فطر اللّه تعالى العقول عليه من وجوب تقديم الأفضل ، و خبطهم في اختيار أبي بكر ، و في قوله : « عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضى فيه السيوف ، و تخان فيه العهود حتّى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضّلالة ، و شيعة لأهل الجهالة » على أنّهم إن اختاروا عثمان كما دبّر عمر لقريش المنافقين يترتب عليه تلك المفاسد من سلطنة بني اميّة المشتملة على تلك الامور من انتضاء السيوف في طلب الخلافة ، و خيانة العهود ، و غير ذلك . قال النّظام مخاطبا عبد الملك بعد نقل خطبته لمّا بويع : « إنّي و اللّه ما أنا بالخليفة المستضعف ( يعني عثمان ) و لا بالخليفة المداهن ( يعني معاوية ) و لا بالخليفة المأفون ( يعني يزيد ) » :

« و اللّه لو لا نسبك من هذا المستضعف ، و سببك من هذا المداهن لكنت منها أبعد من العيّوق » ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٤١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٨ ، سنة ٦١ .

( ٣ ) رواه الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ٢٧٣ .

٥٠٩

٢٢

الخطبة ( ٧٢ ) و من كلام له عليه السلام لمّا عزموا على بيعة عثمان :

لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ اَلنَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اَللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ اَلْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً اِلْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ أقول : قال ابن أبي الحديد : نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى و تعديده فضائله ، و خصائصه الّتي بان بها منهم و من غيرهم إلى أن قال ثم قال عليه السلام لهم : « انشدكم اللّه أفيكم أحد آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بينه و بين نفسه حيث آخى بين بعض المسلمين و بعض ، غيري ؟ فقالوا : لا . فقال : أفيكم أحد قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « من كنت مولاه فهذا مولاه » غيري ؟ فقالوا : لا . فقال : أفيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم :

« أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي » غيري ؟ قالوا : لا . قال :

أفيكم من أؤتمن على سورة براءة و قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « انّه لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي » غيري ؟ قالوا : لا . قال : ألا تعلمون أنّ أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فرّوا عنه في مأقط الحرب في غير موطن ، و ما فررت قط ؟ قالوا : بلى . قال : ألا تعلمون أنّي أوّل الناس إسلاما ؟ قالوا : بلى . قال : فأيّنا أقرب إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نسبا ؟ قالوا : أنت » . فقطع عبد الرحمن بن عوف كلامه ، و قال : يا علي قد أبى الناس إلاّ على عثمان ، فلا تجعل على نفسك سبيلا ، ثم قال : يا أبا طلحة ما الّذي أمرك به عمر ؟ قال : أن أقتل من شقّ عصا الجماعة . فقال عبد الرحمن لعليّ : بايع إذن ، و إلاّ كنت متّبعا غير سبيل المؤمنين ، و أنفذنا فيك ما أمرنا به . فقال عليه السلام : « لقد علمتم أنّي أحقّ بها من غيري ، و اللّه لأسلّمنّ

٥١٠

ما سلمت . . . » ثم مدّ يده فبايع ١ .

« لقد علمتم أنّي أحقّ النّاس » هكذا في ( المصرية ) ، و ليست كلمة « الناس » في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ فهي زائدة .

« بها من غيري » حيث أقرّوا بمقاماته ، و مقالات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيه من كونه كنفسه أولى بهم من أنفسهم ، و أنّه من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمنزلة هارون من موسى و غير ذلك ممّا مرّ في مناشداته إلاّ انّهم لم يكونوا يريدون العمل بالحق ، و لا فهم من هو أحقّ ، و لذا قطع ابن عوف كلامه عليه السلام ، و قال له : إنّ الناس ، و مراده ابن أبي سرح الّذي نزل القرآن بكفره ، و الوليد بن عقبة الّذي نزل القرآن بفسقه ٣ و نظراءهما أبوا إلاّ عثمان لأنّهم نظروا لأنفسهم في دنياهم ، و لم يكن لهم شغل بالدين ، و هدّده أيضا بأمر عمر بقتله عليه السلام إن أراد شقّ عصا الجماعة أي جماعة الكفر و النفاق ، و أنّه عليه السلام إن لم يقبل ذلك كان متّبعا غير سبيل المومنين : أي بالجبت و الطاغوت .

« و و اللّه لأسلّمنّ ما سلمت امور المسلمين و لم يكن فيها جور الاّ علي خاصة » قال ابن أبي الحديد : هذا الكلام يدلّ على أنّه عليه السلام لم يكن يذهب إلى أنّ خلافة عثمان كانت تتضمن جورا على المسلمين و الاسلام ، و انّما تتضمن جورا عليه خاصّة ، و أنّها وقعت على جهة مخالفة الاولى لا على جهة الفساد الكلي ٤ .

قلت : ما ذكره من الدلالة غريب . فإنّ معنى كلامه عليه السلام أنّ باقي الستة الذين عيّنهم عمر لم يكن عليهم جور لأنّهم لا حق لهم في الخلافة و لا استحقاق و عمر ذكرهم بغير حق ، و انّما الجور عليه عليه السلام خاصّة حيث غصب حقّه .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٠ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٢٠٤ .

( ٣ ) انظر الى الآيات : الأنعام : ٩٣ و السجدة : ١٨ و الحجرات : ٦ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦١ .

٥١١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و أمّا قوله : « لم يكن جورا على الاسلام » فمضحك . إذ مر أبو سفيان أيّام عثمان على قبر حمزة . فضربه برجله ، و قال له : يا أبا عمارة قم فانظر أنّ الدين الذين كنت تضربنا عليه بالسيف في يد شبّاننا يلعبون به ١ ، و سمعوا ليلة بيعته هاتفا يقول : « يا ناعي الاسلام قم فانعه » ٢ .

و امّا قوله عليه السلام « ما سلمت امور المسلمين » فمعناه ما كانت صورة الاسلام على الظاهر محفوظة ، و إلاّ فكيف كانت بيعة عثمان صحيحة ، و قد أكرهوه على البيعة و أرادوا قتله ، و كيف كانت صحيحة ، و قد تضمّنت تلك المفاسد الجليلة من ركوب بني اميّة أعداء الدين رقاب الامة ، و اخذ الخلافة بنقض العهد و سلّ السيف .

و كيف كانت صحيحة ، و جميع من بايعه من أهل الشورى و غيرهم من المهاجرين ، و الأنصار و التابعين على إباحة قتله فضلا عن وجوب خلعه .

و كيف كانت صحيحة ، و كل فقرة ممّا قرّرها عليه السلام عليهم قبل هذا الكلام من مناشداته الواردة في الروايات دالّة على بطلان خلافة الأوّلين فضلا عن عثمان .

و روى ابن مردويه في ( مناقبه ) ، و الخوارزمي في ( أربعينه ) ، عن الطبراني مسندا عن أبي الطفيل . قال : كنت على الباب يوم الشورى .

فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليّا عليه السلام يقول : بايع الناس أبا بكر ،

و أنا و اللّه أولى بالأمر منه و أحق به منه . فسمعت و أطعت مخافة أن يرجع الناس كفّارا أو يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف . ثم بايع أبو بكر لعمر و أنا أولى بالأمر منه فسمعت و أطعت مخافة أن يرجع الناس كفّارا . ثم أنتم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ٥١ ، شرح الكتاب ٣٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه ابن طاووس في كشف المحجة : ١٧٩ .

٥١٢

تريدون أن تبايعوا عثمان الخبر ١ .

و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في مغالطة ابن أبي الحديد في قوله : « فان قلت :

فهلاّ سلّم إلى معاوية و إلى أصحاب الجمل ، و أغضى على اغتصاب حقّه حفظا للاسلام من الفتنة قلت : إنّ الجور الداخل عليه من أصحاب الجمل ، و من معاوية و أهل الشام لم يكن مقصورا عليه خاصّة . بل كان يعمّ الاسلام و المسلمين جميعا لأنّهم لم يكونوا عنده ممّن يصلح لرياسة الامّة ، و تحمّل أعباء الخلافة » ٢ .

فإنّه أيّ فرق بين عثمان و معاوية ، بل كانت امور المسلمين في زمان معاوية أقرب إلى الصلاح منها في زمان عثمان ، لأنّ معاوية إنّما كان ظالما جائرا ، و لم يكن مفسدا بخلاف عثمان ، و لذا انتقضت عليه الامور حتّى أجهز عليه عمله .

ثم ننشدهم باللّه انّ الزبير و طلحة ، و هما عندهم من حواري النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و من العشرة المبشّرة ، و ممّن توفي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو عنهم راض ، و لهما سوابق في أيام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أيّ نقص كان لهما عن عثمان بل عن أبي بكر و عمر سوى أنّهم نالوها و هما لم ينالاها ؟ و الكلام في الاستحقاق لا الاتفاق .

و لما قال عمر لأهل الشورى : أكلّكم يطمع بعدي في الخلافة ؟ قال له الزبير : « و ما الّذي يبعّدنا منها ؟ وليتها أنت فقمت بها ، و لسنادونك في قريش و لا في السابقة و لا في القرابة » ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنهما ابن طاووس في الطرائف ٢ : ٤١١ و أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٢٢١ أيضا .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦١ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٦٢ ، شرح الخطبة ٣ .

٥١٣

و إنّما الفارق أنّه عليه السلام يوم السقيفة و يوم الشورى كان وحده في مقابل سلطنة مستقرة . هدّدوه في الأول بالإحراق و القتل ، و في الثاني بضرب العنق كما أمرهم عمر ، و وكّل أبا طلحة بذلك لو تخلّف متخلّف عن دستوره في البيعة لمن ينتخبه ابن عوف ، و هو عثمان .

و أما أهل الجمل و أهل الشام فبالعكس كان هو عليه السلام ذا سلطنة قاهرة أراد الأوّلون نكثها ، و الأخيرون التخلّف عنها ، و كان عليه السلام مكلّفا بعدم تخليتهم بعد قدرته . فقال عليه السلام : « لو لا حضور الحاضر ، و قيام الحجّة بوجود الناصر ،

و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ، و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها » ١ .

و قال عليه السلام أيضا في ذلك « لم يسعني إلاّ القتال أو الجحود بما أنزل على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم » ٢ و قد أباد عليه السلام الأوّلين في يوم واحد ، و أراد استيصال الآخرين إلاّ أنّ الأقدار منعت عن ذلك بامتحان اللّه تعالى لعباده ، سنّة اللّه الّتي قد خلت من قبل و لن تجد لسنّة اللّه تبديلا ٣ .

٢٣

الخطبة ( ١٦ ) و من كلام له عليه السلام لما بويع بالمدينة :

ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ ١١ ١٤ ١٢ : ٧٢ إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ اَلْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ اَلْمَثُلاَتِ حَجَزَتْهُ اَلتَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ اَلشُّبُهَاتِ أَلاَ وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اَللَّهُ نَبِيَّكُمْ ص وَ اَلَّذِي بَعَثَهُ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٣٦ ، الخطبة ٣ .

( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ١٠٣ ، الخطبة ٥٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) اسقط الشارح هنا شرح قوله عليه السلام : « التماسا لأجر ذلك و فضله و زهدا فيما تنافستموه من زخرفه و زبرجه » .

٥١٤

بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ اَلْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ وَ أَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا وَ اَللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لاَ كَذَبْتُ كِذْبَةً وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا اَلْمَقَامِ وَ هَذَا اَلْيَوْمِ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي اَلنَّارِ أَلاَ وَ إِنَّ اَلتَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ اَلْجَنَّةَ حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ اَلْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ وَ لَئِنْ قَلَّ اَلْحَقُّ لَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ‏ءٌ فَأَقْبَلَ قال الشريف : أقول : إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الاحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان ، و إن حظّ العجب منه أكثر من حظّ العجب به ، و فيه مع الحال الّتى و صفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان ، و لا يطلع فجّها إنسان ، و لا يعرف ما أقول إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحق ، و جرى فيها على عرق ، و ما يعقلها إلاّ العالمون .

و من هذه الخطبة :

شُغِلَ مَنِ اَلْجَنَّةُ وَ اَلنَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وَ طَالِبٌ بَطِي‏ءٌ رَجَا وَ مُقَصِّرٌ فِي اَلنَّارِ هَوَى اَلْيَمِينُ وَ اَلشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ اَلطَّرِيقُ اَلْوُسْطَى هِيَ اَلْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي اَلْكِتَابِ وَ آثَارُ اَلنُّبُوَّةِ وَ مِنْهَا مَنْفَذُ اَلسُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ اَلْعَاقِبَةِ هَلَكَ مَنِ اِدَّعَى وَ خابَ مَنِ اِفْتَرى‏ ١٤ ١٦ ٢٠ : ٦١ مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ لاَ يَهْلِكُ عَلَى اَلتَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ وَ لاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ١١ ١٤ ٨ : ١ وَ اَلتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ وَ لاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ وَ لاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ

٥١٥

أقول : قال ابن أبي الحديد : هذه الخطبة من جلائل خطبه ، و من مشهوراتها قد رواها الناس كلّهم ، و فيها زيادات حذفها الرضي . إمّا اختصارا أو خوفا من إيحاش السامعين ، و قد ذكرها الجاحظ في كتاب البيان على وجهها ، و رواها عن أبي عبيدة قال : أوّل خطبة خطبها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالمدينة في خلافته حمد اللّه و أثنى عليه ، و صلّى على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثم قال : « ألا لا يرعين مرع إلاّ على نفسه . شغل من الجنّة و النار أمامه . ساع مجتهد ، و طالب يرجو ، و مقصّر في النار ، ثلاثة و اثنان . ملك طار بجناحه ، و نبي أخذ اللّه بيده لا سادس . هلك من ادّعى و ردي من اقتحم ، أليمين و الشمال مضلّة ، و الوسطى الجادّة . منهج عليه باقي الكتاب و السنّة ، و آثار النبوّة . انّ اللّه داوى هذه الامة بدواءين : السوط و السيف ، لاهوادة عند الامام فيهما . إستتروا في بيوتكم ،

و أصلحوا ذات بينكم ، و التوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك . قد كانت امور لم تكونوا عندي فيها محمودين . أما إنّي لو أشاء لقلت عفا اللّه عما سلف . سبق الرجلان ، و قام الثالث كالغراب همته بطنه ، و يحه لو قصّ جناحاه و قطع رأسه لكان خيرا له . انظروا فان أنكرتم فأنكروا ، و إن عرفتم فآزروا .

حقّ و باطل و لكلّ أهل ، و لئن أمر الباطل لقديما فعل ، و إن قل الحق لربّما و لعل ،

و قلّما أدبر شي‏ء فأقبل ، و لئن رجعت إليكم اموركم إنّكم لسعداء ، و إنّي لأخشى ان تكونوا في فترة ، و ما علينا إلاّ الاجتهاد .

قال الجاحظ : و قال أبو عبيدة : و زاد فيها في رواية جعفر بن محمّد ، عن آبائه عليه السلام ألا انّ أبرار عترتي ، و أطائب ارومتي . أحلم الناس صغارا ، و أعلم الناس كبارا . ألا و إنّا أهل بيت من علم اللّه علمنا ، و بحكم اللّه حكمنا ، و من قول صادق سمعنا . فإن تتّبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا ، و إن لم تفعلوا يهلككم اللّه بأيدينا . معنا راية الحق ، من تبعها لحقّ ، و من تأخّر عنها غرق . ألا و بنا يدرك

٥١٦

ترة كلّ مؤمن ، و بنا تخلع ربقة الذلّ عن أعناقكم ، و بنا فتح لابكم ، و بنا يختم لا بكم ١ .

و قال ابن ميثم تمام الخطبة هكذا : « الحمد للّه أحق محمود بالحمد ،

و أولاه بالمجد إلها واحدا صمدا . أقام أركان العرش . فأشرق لضوئه شعاع الشمس . خلق فأتقن ، و أقام . فذلّت له وطأة المستمكن ، و أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله . أرسله بالنور الساطع ،

و الضياء المنير . أكرم خلق اللّه حسبا ، و أشرفهم نسبا . لم يتعلّق عليه مسلم و لا معاهد بمظلمة . بل كان يظلم أما بعد فإنّ أوّل من بغى على الأرض عناق ابنة آدم . كان مجلسها من الأرض جريبا ، و كان لها عشرون إصبعا ، و كان لها ظفران كالمخلبين . فسلّط اللّه عليها أسدا كالفيل ، و ذئبا كالبعير ، و نسرا كالحمار ، و كان ذلك في الخلق الأول فقتلها ، و قد قتل اللّه الجبابرة على أسوء أحوالهم ، و انّ اللّه أهلك فرعون و هامان ، و قتل قارون بذنوبهم . ألا و انّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّكم .

و الّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ، و لتغربلنّ غربلة و لتساطن سوط القدر حتّى يعود أسفلكم أعلاكم ، و أعلاكم اسفلكم ، و ليسبقن سابقون كانوا قصروا ، و ليقصرن سباقون كانوا سبقوا . و اللّه ما كتمت و شمة ، و لا كذبت كذبة ، و لقد نبّئت بهذا اليوم و هذا المقام . ألا و إنّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها ، و خلعت لجمعها فتقحمت بهم في النار فهم فيها كالحون . ألا و إنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها فسارت بهم تأوّدا حتّى إذا جاءوا ظلا ظليلا فتحت أبوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ٢ . ألا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٩١ و الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ٤٩ .

( ٢ ) الزمر : ٧٣ .

٥١٧

و قد سبقني هذا الأمر من لم أشركه فيه ، و من ليست له منه توبة إلاّ بنبي يبعث ،

و لا نبي بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم أشفى منه على شفا جرف هار . فانهار به في نار جهنّم . أيّها الناس كتاب اللّه و سنّة نبيّه لا يرعى مرع إلاّ على نفسه . شغل من الجنة و النار أمامه . ساع نجا ، و طالب يرجو ، و مقصّر في النار ، و لكلّ أهل ،

و لعمري لئن أمر الباطل لقديما فعل ، و لئن قلّ الحقّ لربما و لعل ، و لقلّما أدبر شي‏ء فأقبل ، و لئن ردّ أمركم عليكم إنّكم لسعداء ، و ما علينا إلاّ الجهد . قد كانت امور مضت ملتم فيها ميلة كنتم عندي فيها غير محمودي الرأي ، و لو أشاء أن أقول لقلت . عفا اللّه عمّا سلف . سبق الرجلان ، و قام الثالث كالغراب همّه بطنه .

ويله لو قصّ جناحاه و قطع رأسه كان خيرا له . شغل من الجنّة و النار أمامه .

ساع مجتهد ، و طالب يرجو ، و مقصّر في النار ، ثلاثة و إثنان خمسة و ليس فيهم سادس . ملك طائر بجناحيه ، و نبيّ أخذ اللّه بضبعيه . هلك من ادّعى ، و خاب من افترى . اليمين و الشمال مضلّة ، و وسط الطريق المنهج ، عليه باقي الكتاب ،

و آثار النبوّة . ألا و إنّ اللّه قد جعل أدب هذه الامّة السوط و السيف ، ليس عند إمام فيهما هوادة ، فاستتروا ببيوتكم ، و اصلحوا ذات بينكم ، و التوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك . ألا و إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان و ما أخذه من بيت مال المسلمين فهو مردود عليهم في بيت مالهم ، و لو وجدته قد تزوّج به النساء و فرّق في البلدان . فإنّه إنّ لم يسعه الحقّ فالباطل اضيق عنه ١ .

و رواه ( الارشاد ) عن أبي عبيدة مثل ما رواه البيان و رواه ( عقد ابن عبد ربه ) مثله لكن فيه : « منهج على امّ الكتاب » و رواه ( عيون ابن قتيبة ) لكن بدون زيادة ما عن الصادق عليه السلام ، و في ( العقد ) و ( العيون ) « فلا يدّعينّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٩٧ .

٥١٨

مدّع إلاّ على نفسه » ١ .

و روى ( روضة الكافي ) : عن القمي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن على بن رئاب ، و يعقوب السّراج عن الصادق عليه السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر . فقال : « الحمد للّه الّذي علا فاستعلى ، و دنا فتعالى ، و ارتفع فوق كل منظر إلى أن قال .

أما بعد ، أيّها الناس فإنّ البغي يقود أصحابه إلى النار ، و إنّ أوّل من بغى على اللّه جل ذكره ، عناق بنت آدم ، و أوّل قتيل قتله عناق ، و كان مجلسها جريبا من الأرض في جريب ، و كان لها عشرون إصبعا في كلّ إصبع ظفران مثل المنجلين ، فسلّط اللّه عزّ و جلّ عليها أسدا كالفيل ، و ذئبا كالبعير و نسرا مثل البغل فقتلوها ، و قد قتل اللّه الجبابرة على أفضل أحوالهم ، و آمن ما كانوا ،

و أمات هامان و أهلك فرعون ، و قد قتل عثمان . ألا و إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و الّذي بعثه بالحق إلى أن قال .

فلئن أمر الباطل ، لقديما فعل ، و لئن قلّ الحق ، فلربّما و لعل ، و لقلّما أدبر شي‏ء فأقبل ، و لئن ردّ عليكم أمركم إنّكم سعداء ، و ما علي إلاّ الجهد ، و انّي لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عنّي ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ، و لو اشاء لقلت . عفا اللّه عمّا سلف . سبق فيه الرجلان ، و قام الثالث كالغراب همّه بطنه ، ويله لو قصّ جناحاه ، و قطع رأسه كان خيرا له . شغل عن الجنة و النار أمامه ثلاثة و إثنان خمسة ليس لهم سادس ملك يطير بجناحيه ،

و نبي أخذ اللّه بضبعيه ، و ساع مجتهد ، و طالب يرجو ، و مقصّر في النار . اليمين و الشمال مضلّة ، و الطريق الوسطى هي الجادّة ، عليها باقي الكتاب ، و آثار

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المفيد في الارشاد : ١٢٨ و ابن عبد ربه في العقد الفريد ٤ : ١٣٣ و ابن قتيبة في عيون الاخبار ٢ : ٢٣٦ و لفظ العيون « لا يدعى مدع » .

٥١٩

النبوة . هلك من ادّعى ، و خاب من افترى ، إنّ اللّه أدّب هذه الامّة بالسيف و السوط ، و ليس لأحد عند الامام فيهما هوادة . فاستتروا في بيوتكم ،

و أصلحوا ذات بينكم ، و التوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحقّ هلك » ١ .

و رواه ( إثبات المسعودي ) مثله ، و لكن فيه و قد قتل عثمان ، و كان لي حقّ حازه من لم آمنه عليه ، و لم أشركه فيه . فهو منه على شفا حفرة من النار لا يستنقذه منها إلاّ نبي مرسل يتوب على يديه ، و لا نبيّ بعد محمّد ٢ .

و روى باب تمحيص ( الكافي ) ، و ( غيبة النعماني ) من العنوان من « ألا و انّ بليّتكم قد عادت إلى و هذا اليوم » ٣ .

قول المصنّف « من كلام له عليه السلام لما بويع بالمدينة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و من خطبة له عليه السلام » الخ كما في « حد ، و ثم ، و الخطية » ٤ و يشهد له قول المصنّف بعد « و من هذه الخطبة » .

« ذمتي بما أقول رهينة » أي : متعهّدة .

« و أنا به زعيم » أي : كفيل ، و الجملة لفظ القرآن ٥ .

« إنّ من صرّحت » أي : كشفت . و أمّا ما في ( الصحاح ) : « صرح الحق عن محضه : أي انكشف » ٦ فكما ترى .

« له العبر » أي : جمع العبرة .

« عمّا بين يديه » أي : عمّا يستقبله .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٨ : ٦٧ ، ح ٢٣ .

( ٢ ) اثبات الوصية : ١٢٦ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٣٦٩ ، ح ١ و غيبة النعماني : ١٣٥ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٩٦ .

( ٥ ) يوسف : ٧٢ .

( ٦ ) صحاح اللغة ١ : ٢٣٨ ، مادة ( صرح ) .

٥٢٠