بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 41869
تحميل: 4594


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41869 / تحميل: 4594
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

« من المثلات » جمع المثلة بالفتح فالضم أي : العقوبة .

« حجزته » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « حجزه » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ١ : أي : منعه .

« التقوى عن تقحّم الشبهات » التقحّم من تقحّم به المركب إذا لم يضبطه .

قال الشاعر :

أقول و الناقة بي تقحم ٢ هذا ، و ليس من أوّل العنوان إلى هنا في ( مداركه ) ، و إنّما الجملة الاولى إلى « زعيم » من كلامه عليه السلام في البدع كما في ( الإرشاد ) ٣ ، و أمّا الجملة الثانية فلم أقف على موضعها .

« ألا و انّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّه نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلم » هذا الكلام يدلّ على أنّ الإمامة كالنبوّة ، و أنّه عليه السلام مثل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في امتحان اللّه تعالى الخلق به . ففي بعثة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم سبق جمع كانوا قصّروا ، و قصّر جمع كانوا سبقوا . فاليهود كانوا يبشّرون الناس بظهور النبي الخاتم ، و يوعدون الأوس و الخزرج به ، فلمّا بعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كفر به اليهود ، و آمن به الأوس و الخزرج كما ورد في تفسير قوله تعالى و لمّا جاءهم كتاب من عند اللّه مصدّق لما معهم و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ، فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به . فلعنة اللّه على الكافرين بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيا أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب و للكافرين عذاب مهين ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩٠ و شرح ابن ميثم ١ : ٢٩٦ مثل المصرية أيضا .

( ٢ ) أورده في لسان العرب ١٢ : ٤٦٤ ، مادة ( قحم ) و أساس البلاغة : ٣٥٦ ، مادة ( قحم ) .

( ٣ ) الارشاد : ١٢٣ .

( ٤ ) البقرة : ٨٩ ٩٠ .

٥٢١

و كان اميّة بن أبي الصلت ، و عبد اللّه بن جحش ، و أبو عامر الأوسي ممّن آمن باللّه في الجاهلية ، و لكن في الاسلام كفروا .

و كذلك بليّة الناس و امتحانهم كانت تعود عند قيام كلّ إمام من أئمّة الهدى عليهم السلام قال النوبختي في ( فرقه ) : فلمّا قتل علي عليه السلام افترقت الفرقة الّتي ثبتت على إمامته ، و انّها فرض من اللّه تعالى و رسوله فصاروا فرقا ثلاثا : فرقة قالت : إنّ عليّا عليه السلام لم يقتل و لم يمت ، و لا يقتل و لا يموت حتّى يملأ الأرض عدلا و قسطا و هي السبائية ، و فرقة قالت بامامة محمّد بن الحنفية لأنّه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه و هي الكيسانية ، و فرقة لزمت القول بإمامة الحسن عليه السلام ثم بعده بإمامة الحسين عليه السلام حتّى قتل فحارب فرقة من أصحابه ،

و قالت : اختلف فعل الحسن و فعل الحسين لأنّه إن كان الّذي فعله الحسن حقّا واجبا صوابا من موادعته مع معاوية مع كثرة أنصاره فما فعله الحسين من محاربة يزيد مع قلّة أنصاره كان باطلا ، و إن كان ما فعله الحسين حقّا صوابا فقعود الحسن كان باطلا فشكّوا في امامتهما و رجعوا .

و اختلف القائلون بامامته بعد أبيه و أخيه . فقالت فرقة بامامة علي بن الحسين عليه السلام ، و فرقة قالت : انقطعت الإمامة بعد الحسين عليه السلام انّما كانوا ثلاثة مسمّين بأسمائهم استخلفهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و فرقة قالت : انّ الإمامة صارت بعد الحسين عليه السلام في ولد الحسن و الحسين ، من قام منهم و دعا إلى نفسه فهو الإمام و هم السرحوبية .

و لمّا توفي علي بن الحسين عليه السلام قال القائلون بإمامته بإمامة ابنه الباقر عليه السلام غير نفر يسير أصحاب عمر بن رباح .

و لمّا توفّي الباقر عليه السلام قالت فرقة بإمامة محمّد بن عبد اللّه المحض ، و هم المغيرية ، و قالت فرقة منهم بإمامة ابنه الصادق عليه السلام .

٥٢٢

و لمّا توفي الصادق عليه السلام افترقت شيعته ستّ فرق : فرقة قالت : إنّه لم يمت و لا يموت و هم الناووسية ، و فرقة قالت : الإمام بعده ابنه إسماعيل ، و انّه لم يمت في حياة أبيه ، و فرقة قالت : الإمام بعده محمّد بن إسماعيل لأنّ إسماعيل مات في حياته و هم المباركية ، و قالت فرقة : إنّ الإمام بعده محمّد بن جعفر و هم السمطية ، و قالت فرقة منهم : انّ الإمام بعده ابنه عبد اللّه الأفطح و هم الفطحية ، و قالت فرقة : إنّ الإمام بعده ابنه الكاظم عليه السلام .

و لمّا توفّي الكاظم عليه السلام صارت الشيعة خمس فرق : فرقه قالت : إنّ الإمام بعده ابنه الرضا عليه السلام ، و هم القطعية ، لأنّها قطعت بوفاة أبيه ، و قالت فرقة : إنّ الكاظم عليه السلام لم يمت و إنّه اختفى ، و بعضهم قال : مات و رجع ، و بعضهم قال : لا يرجع إلاّ وقت قيامه ، و بعضهم قال : مات و رفعه اللّه ، و ينزل عند قيامه . و كلهم الواقفة ، و فرقة قالت : غاب ، و استخلف محمّد بن بشير إلى أن يرجع و هم البشيرية .

و لمّا مات الرضا عليه السلام قالت فرقة : إنّ الامام بعده ابنه الجواد عليه السلام ،

و فرقة قالت : أخوه أحمد لكون الجواد عليه السلام إذ ذاك ابن سبع .

و لمّا توفّي الجواد عليه السلام قالت شيعته بامامة ابنه الهادي عليه السلام سوى شرذمة قالوا بإمامة أخيه موسى بن محمّد مدّة ثمّ رجعوا إليه عليه السلام .

و لمّا توفي الهادي عليه السلام قالت فرقة : إنّ الامام بعده ابنه محمّد ، و إنّه لم يمت في حياة أبيه ، و قالت فرقة : إنّ الإمام بعده الحسن ابنه عليه السلام ، و قال نفر يسير بإمامة أخيه جعفر .

و لمّا توفّي الحسن عليه السلام افترق أصحابه أربع عشرة فرقة : الأولى : أنّه لم يمت ، و الثانية : أنّه مات و عاش ، و الثالثة : أنّ الامام بعده أخوه جعفر منه

٥٢٣

و الرابعة : أنّه جعفر من قبل أبيه الخ ١ .

كما أنّه تعود بلية الناس عند قيام القائم عليه السلام . فعن الصادق عليه السلام : إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله ، و دخل فيه شبه عبدة الشمس و القمر ٢ .

كما أنّ بلية الناس في أمير المؤمنين عليه السلام كانت مرّتين : وقت قيامه كما قاله هنا ، و بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بيعة أبي بكر .

« و الّذي بعثه » أي : النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

« بالحق لتبلبلنّ بلبلة » بالفتح قال الجوهري : تبلبلت الألسن أي :

اختلطت ٣ .

« و لتغربلنّ غربلة » أي : تجعلون في الغربال كالدقيق يغربل .

« و لتساطنّ » أيّ : تقلّبنّ .

« سوط » أي : تقلب .

« القدر » يقال نحن نسوط هذا الأمر أي : نقلّبه ظهرا لبطن .

« حتى يعود أسفلكم أعلاكم و أعلاكم أسفلكم » في حياته عليه السلام و بعده .

روي عن الصادق عليه السلام قال : و اللّه لتكسّرنّ تكسر الزجاج ، و انّ الزجاج ليعاد فيعود ، و اللّه لتكسّرنّ تكسرّ الفخار ، و إنّ الفخار ليكسرن و لا يعود كما كان ، و و اللّه لتغربلن ، و و اللّه لتميّزن ، و و اللّه لتمحّصن حتّى لا يبقى منكم إلاّ الأقل .

و عن الباقر عليه السلام لتمحصن يا شيعة آل محمّد تمحيص الكحل في العين ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا حاصل كلام النوبختي في كل الكتاب فرق الشيعة .

( ٢ ) أخرجه النعماني في الغيبة : ٢١٧ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٦٤٠ ، مادة ( بلل ) .

٥٢٤

و إنّ صاحب الكحل يدري متى يقع الكحل في عينه ، و لا يعلم متى يخرج منها و كذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ، و يمسي و قد خرج منها ، و يمسي على شريعة من أمرنا ، و يصبح و قد خرج منها .

و عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لشيعته : كونوا كالنحل في الطير . ليس شي‏ء من الطير إلاّ و هو يستضعفها ، و لو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك . خالطوا الناس بالسنتكم و أبدانكم ، و زايلوهم بقلوبكم و أعمالكم ، فو الّذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض ، و حتى يسمّي بعضكم بعضا كذّابين ، و حتى لا يبقى منكم إلاّ كالكحل في العين ، و الملح في الطعام . و سأضرب لكم مثلا و هو مثل رجل كان له طعام فنقّاه و طيّبه ثم أدخله بيتا ، و تركه فيه ما شاء اللّه . ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس . فأخرجه و نقّاه و طيّبه ثم أعاده إلى البيت . فتركه ما شاء اللّه ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس . فأخرجه و نقّاه و طيّبه و أعاده ، و لم يزل كذلك حتّى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضرّه السوس شيئا ، و كذلك أنتم تميّزون حتّى لا يبقى منكم إلاّ عصابة لا تضرّها الفتنة شيئا ١ .

« و ليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا » أي : يسبق إلى إمامته حين توليته أمر الخلافة جمع كانوا قصّروا بعد رحلة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حقّه .

و في رجال الكشي ، قال الفضل بن شاذان : إنّ من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام أبو الهيثم بن التيهان ، و أبو ايّواب ، و خزيمة بن ثابت ، و جابر بن عبد اللّه ، و زيد بن أرقم ، و أبو سعيد الخدري ، و سهل بن حنيف ،

و البراء بن مالك ، و عثمان بن حنيف ، و عبادة بن الصامت . ثم ممّن دونهم قيس

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاحاديث الثلاثة اخرجها النعماني في الغيبة : ١٣٨ ١٤٠ .

٥٢٥

بن سعد بن عبادة ، و عدى بن حاتم ، و عمرو بن الحمق ، و عمران بن الحصين ،

و بريدة الأسلمي و بشر كثير ١ .

« و ليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا » كالزبير فإنّه بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم تخلّف عن بيعة أبي بكر مع أمير المؤمنين عليه السلام و سلّ سيفه قائلا لا يبايع إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام حتّى أخذوا سيفه و كسروه ، و كان يعدّ في عداد الهاشميين و لكن بعد قيامه عليه السلام بالأمر كان أوّل من نكث بيعته مع صاحبه طلحة ، و قال عليه السلام : ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ ابنه المشؤوم ٢ أي :

عبد اللّه ابن الزبير .

كما أنّ تميم البصرة كانوا في حرب الجمل معه عليه السلام ، و أزدها مع عائشة ، و في فتنة ابن الحضرمي الّذي بعثه معاوية إلى البصرة صاروا بالعكس .

و قال الخوئي المراد بقوله عليه السلام « و ليقصّرن سبّاقون كانوا سبقوا » أهل الجمل ، و أهل الشام ، و أهل النهروان ٣ و هو كما ترى بلا ربط .

هذا ، و ممّن قصّر في أمر الدين بعد سبقه لا معه عليه السلام محمد بن مناذر الشاعر اللغوي قالوا : كان في أوّل أمره ناسكا يتألّه . ثم ترك ذلك ، و هجا الناس و تهتّك ، و عن يحيى بن معين أنّه كان يرسل العقارب في المسجد بالبصرة حتّى تلسع الناس : و كان يصبّ المداد بالليل في اماكن الوضوء حتّى تسودّ وجوههم .

« و اللّه ما كتمت » بصيغة المجهول : أي : من قبل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اختيار معرفة الرجال : ٣٨ .

( ٢ ) رواه الجوهري في السقيفة : ٦٠ و عاصم بن حميد في اصله : ٢٣ و ابن عبد البر في الاستيعاب ٢ : ٣٠٢ و غيرهم .

( ٣ ) شرح الخوئي ١ : ٣٥٠ .

٥٢٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« وشمة » أي : كلمة كما عن ابن السكّيت ١ ، و الأصل فيه شي‏ء حقير كلمة أو غيرها يقال « ما أصابتنا العام وشمة » أي : قطرة ، و يقال « ما عصيتك وشمة » أي : أدنى معصية .

« و لا كذبت » أيضا مجهولا .

« كذبة » أي : من طرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ما أخبرني .

و في ( تاريخ بغداد ) : عن أبي جحيفة قال علي عليه السلام حين فرغنا من الحرورية : « إنّ فيهم رجلا محدجا ليس في عضده عظم أو في عضده حلمة كحلمة الثدي عليها شعرات طوال عقف فالتمسوه . فلم يوجد ، و أنا في من يلتمس ، فما رأيت عليا جزع جزعا قطّ أشدّ من جزعه يومئذ . فقالوا : ما نجده يا أمير المؤمنين قال : ويلكم ما اسم هذا المكان ؟ قالوا : النهروان . قال : كذبتم . إنّه لفيهم فالتمسوه إلى أن قال فالتمسناه في ساقية . فوجدناه فجئنا به . فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم ، و عليها حلمة كحلمة ثدي المرأة عليها شعرات طوال عقف ٢ .

و روى عن أبي الأحوص قال : كنّا مع علي يوم النهروان ، فجاءت الحرورية فكانت من وراء النهر ، فقال علي : و اللّه لا يقتل اليوم رجل ، من وراء النهر ثمّ نزلوا فقالوا لعليّ : قد نزلوا قال : و اللّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر فأعادوا عليه هذه المقالة ثلاثا كلّ ذلك يقول لهم على مثل قوله الأوّل .

فقالت الحرورية بعضهم لبعض : يرى علي أنّا نخافه ، فأجازوا فقال علي لأصحابه : لا تحرّكوا هم حتّى يحدثوا حدثا إلى أن قال بعد ذكر إخراجهم عبد اللّه بن خباب من منزله على شطّ النهر ، و ذبحهم له كالشاة ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه الجوهري في صحاح اللغة ٥ : ٢٠٥٢ ، مادة ( وشم ) .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١ : ١٩٩ .

٥٢٧

و سيلان دمه في الماء كالشراك ما اختلط ، و طلبه منهم قاتله ، و جوابهم أنّ كلّهم قاتله فقال علي عليه السلام لأصحابه : دونكم القوم . فما لبثوا أن قتلوهم . فقال علي : اطلبوا في القوم رجلا يده كثدي . المرأة فطلبوه . فقالوا : ما وجدنا . فقال :

و اللّه ما كذبت و لا كذبت ، و إنّه لفي القوم الخبر ١ .

« و لقد نبّئت بهذا المقام و هذا اليوم » أي : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما كتم عنّي شيئا و أخبرني بكلّ ما يجرى علي ، و قتل الناس لعثمان ، و بيعتهم له ، و إن كانت قريش غير راضيه بذلك ، و كان المتقدّمون عليه من صدّيقهم و فاروقهم أسّسوا لهم ذلك بنصب عثمان لئلاّ يرجع الأمر إليه أبدا ، و يكون متداولا بين بطون قريش و بني اميّة .

و لقد كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أخبره بالكلّ و الجزء ، و غدر الامّة به بعده ثم انتقال الأمر إليه بعد ثالثهم حتّى بخصوصيات من ينصره ، و يلحق بعسكره في معاركه . ففي ( الطبري ) : روى الشعبي عن أبي الطفيل قال : قال علي عليه السلام ( بالربذة لمّا أراد البصرة ) : يأتيكم من الكوفة إثنا عشر ألف رجل و رجل » فقعدت على نجفة ذى قار . فاحصيتهم . فما زادوا رجلا ، و لا نقصوا رجلا ٢ .

و هذا أيضا دليل على بطلان أمر من تقدّم عليه ، و حقّية خلافته ، و كان أبو بكر تمنّى في حال احتضاره في ما تمنّى كما روى ابن قتيبة و غيره أنّه ليت سأل النبي هل كان له في الأمر نصيب ٣ .

و قد قال عمر كما رووا أنفسهم في يوم من أيّام خلافته : و اللّه ما أدرى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه جمع كثير منهم المدائني في الكتاب الخوارج عنه شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠٣ ، شرح الخطبة ٣٦ لكن لم أظفر به في تاريخ بغداد .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٥١٣ ، سنة ٣٦ .

( ٣ ) جاء هذا في الإمامة و السياسة المنسوب الى ابن قتيبة ١ : ١٩ و تاريخ الطبري ٢ : ٦٢٠ ، سنة ١٣ و مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٠٢ .

٥٢٨

أخليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكا فقد ورطت في أمر عظيم ١ . و روى ( تاريخ بغداد ) : أنّ عتبة بن غزوان كان يعتقده ملكا . فدعا اللّه أن يميته لئلاّ يكون واليا له فاستجيب له ٢ .

و قد روى أبو أحمد العسكري أنّ عمر كان يخرج مع الوليد بن المغيرة في تجارة للوليد إلى الشام ، و عمر يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، و كان يرعى للوليد إبله ، و يرفع أحماله ، و يحفظ متاعه . فلمّا كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الروم فجعل ينظر إليه ، و يطيل النظر . ثم قال : أظن يا غلام اسمك عامر أو عمران أو نحو ذلك . قال : إسمي عمر . قال : إكشف عن فخذيك . فكشف . فإذا على أحدهما شامة سوداء في قدر راحة . الكف فسأله أن يكشف عن رأسه .

فإذا هو أصلع .

فسأله أن يعتمد بيده . فإذا هو أعسر أيسر . فقال : له : أنت ملك العرب فضحك عمر مستهزئا فقال : أو تضحك ؟ و حقّ مريم البتول أنت ملك العرب ،

و ملك الفرس و الروم . فتركه عمر و انصرف مستهينا بكلامه . فكان عمر بعد ذلك يحدّث و يقول : تبعني ذلك الرومي راكب حمار . فلم يزل معي حتّى باع الوليد متاعه و قفل ٣ .

و إنّما أخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بتصدّيهما للخلافة كما أخبر بتصدّي بني اميّة الشجرة الملعونة للخلافة أخبر بذلك بنتيهما ، و اشترط عليهما عدم إظهاره فأظهرتا سرّه ، قال البلاذري في ( تاريخه ) : حدّث هشام الكلبي عن أبيه عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى و إذ أسرّ النبي إلى بعض ازواجه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١١٠ ، شرح الخطبة ٢٢٦ و الطبري في تاريخه ٣ : ٢٧٩ ، سنة ٢٣ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١ : ١٥٦ .

( ٣ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٤٣ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٢٩

حديثا . فلمّا نبّأت به و أظهره اللّه عليه عرّف بعضه و أعرض عن بعض قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما و إن تظاهرا عليه فإنّ اللّه هو مولاه و جبرئيل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير ١ انّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم أسرّ إلى حفصة أنّ أبا بكر يلي الأمر بعده ، و أنّ عمر و إليه بعد أبي بكر ، فأخبرت بذلك عائشة الخبر ٢ .

و في ( الكشّاف ) في تفسير الآية ، روي أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم خلا بمارية في يوم عائشة و علمت بذلك حفصة . فقال لها : اكتمي عليّ ، و قد حرّمت مارية على نفسي ، و ابشّرك أنّ أبا بكر و عمر يملكان بعدي أمر أمّتي . فأخبرت به عائشة ،

و كانتا متصادقتين و قيل : خلا بها في يوم حفصة فأرضاها بذلك ،

و استكتمها فلم تكتم إلى أن قال و روي أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال لها : ألم أقل لك اكتمي عليّ ؟ قالت : و الّذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحا الخ ٣ .

فلو كان ملكهما حقا كان الواجب على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم إعلانه ، لا أن يشترط كتمانه و هو صار سببا لتكالبهما في طلب الأمر ، و لو بإحراق فاطمة و الحسنين عليهم السلام و ضرب رقبة أمير المؤمنين عليه السّلام لو لم يستسلم .

كما أنّ الصادق عليه السّلام لمّا أخبر المنصور ، و أخاه السفاح بنيلهما الأمر دون بني الحسن ٤ صار سببا لتكالبه في الأمر و حبسه لبني الحسن و قتله لهم .

« ألا و إنّ الخطايا خيل شمس » جمع شموس .

« حمل عليها أهلها و خلعت لجمها » جمع لجام .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) التحريم : ٣ و ٤ .

( ٢ ) أنساب الأشراف ١ : ٤٢٤ .

( ٣ ) الكشاف ٤ : ٥٦٢ و ٥٦٦ .

( ٤ ) رواه أبو الفرج في المقاتل : ١٧٢ .

٥٣٠

« فتقمّحت بهم » أي : طرحتهم .

« في النار » أي : نار جهنم .

روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام قال : كان أبي عليه السّلام يقول : ما من شي‏ء أفسد للقلب من خطيئة . إن القلب ليواقع الخطيئة ، فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله .

و عنه عليه السّلام في قوله اللّه تعالى فما أصبرهم على النار ١ قال : ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النار .

و عنه عليه السّلام : كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : « لا تبدين عن واضحة ، و قد عملت الأعمال الفاضحة ، و لا يأمن البيات من عمل السيّئات » .

و عنه عليه السّلام : « من همّ بسيّئة فلا يعملها فإنّه ربّما عمل العبد السيّئة فيراه الربّ تبارك تعالى فيقول : و عزّتي و جلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا » .

و عن الكاظم عليه السّلام : « حقّ على اللّه ألاّ يعصى في دار إلاّ أضحاها للشمس حتّى تطهّرها ، و كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث للّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون ، و أنّ للّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللّه عن معاصي اللّه . فلو لا بهائم رتّع ، و صبية رضّع ،

و شيوخ ركّع لصبّ عليكم العذاب صبّا ، ترضّون به رضّا » .

و عن الباقر عليه السّلام : « انّه ما من سنة أقل مطرا من سنة ، و لكن اللّه يضعه حيث يشاء . إن اللّه عزّ و جلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم ، و إلى الفياض و البحار و الجبال ، و إنّ اللّه ليعذّب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض الّتي هي بمحلها بخطايا من بحضرتها و قد جعل اللّه لها السبيل في سلك سوى محلة أهل المعاصي » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ١٧٥ .

٥٣١

و عن الرضا عليه السّلام : « أوحى اللّه تعالى إلى نبي من الأنبياء إذا اطعت رضيت ، و إذا رضيت باركت ، و ليس لبركتي نهاية ، و إذا عصيت غضبت ، و إذا غضبت لعنت ، و لعنتي تبلغ السابع من الورى » .

و عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى : قالوا ربّنا باعد بين أسفارنا ١ الآية : « هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم إلى بعض ، و أنهار جارية و أموال ظاهرة . فكفروا نعم اللّه تعالى . فأرسل اللّه عليهم سيل العرم فغرّق قراهم ، و خرّب ديارهم ، و أذهب أموالهم ، و أبدل مكان جنّاتهم جنّتين ذواتي أكل خمط ، و أقل و شي‏ء من سدر قليل ، و قال تعالى ذلك جزيناهم بما كفروا و هل نجازي إلاّ الكفور » ٢ .

و الخمط : ضرب من الأراك له حمل يؤكل ، و الأثل : شجر نوع من الطرفاء .

و عنه عليه السّلام قال اللّه عزّ و جلّ : « إذا عصاني من عرفني سلّطت عليه من لا يعرفني ، و انّ الرجل يذنب الذنب . فيحرم صلاة الليل ، و انّ العمل السيى‏ء أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم » ، و قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : « إنّ العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام ، و إنّه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعّمن » .

و عن الباقر عليه السّلام : « ما من عبد إلاّ و في قلبه نكتة بيضاء . فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء . فإن تاب ذهب ذلك السواد ، و إن تمادى في الذنوب زاد ذاك السواد حتّى يغطّي البياض . فإذا تغطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا و هو قوله تعالى : كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون » ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) سبأ : ١٩ .

( ٢ ) سبأ : ١٧ .

( ٣ ) هذه الأحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٢ : ٢٦٨ ٢٧٦ و ما رواه عن الامام الكاظم عليه السّلام فهو تلفيق ثلاثة أحاديث ثانيها للامام الرضا عليه السّلام ، و الآية ١٤ من سورة المطففين .

٥٣٢

« ألا و إنّ التقوى مطايا » أي : مراكب .

« ذلل » جمع ذلول .

« حمل عليها أهلها و اعطوا ازمّتها » الأزمة : جمع الزمام .

« فاوردتهم الجنّة » قال جلّ و علا : و اما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فانّ الجنّة هي المأوى ١ .

و في ( الكافي ) : عن الصادق عليه السّلام : « إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنّة . فيضربونه . فيقال لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل الصبر . فيقال لهم : على ما صبرتم ؟ فيقولون : كنّا نصبر على طاعة اللّه ، و نصبر عن معاصي اللّه . فيقول اللّه تعالى : صدقوا . أدخلوهم الجنّة ، و هو قول اللّه تعالى :

انّما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ٢ .

و عن الباقر عليه السّلام : أعينونا بالورع . يقول تعالى : من يطع اللّه و الرسول فاولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين و الصّدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا ٣ و منّا النبيّ ، و منّا الصّدّيق ، و الشهداء ، و الصالحون ٤ .

« حق و باطل » قد تواتر قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : « عليّ مع الحقّ ، و الحقّ مع عليّ ،

و لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ٥ .

و حيث لا واسطة بينهما . فلا بد أنّ من تقدّم عليه كان باطلا ، و صرّح به في الخطبة على رواية الروضة و نقل ابن ميثم من قوله عليه السّلام : « ألا و قد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ، و من لم أهبه له ، و من ليست له منه توبة إلا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النازعات : ٤٠ و ٤١ .

( ٢ ) الزمر : ١٠ .

( ٣ ) النساء : ٦٩ .

( ٤ ) أخرجهما الكليني في الكافي ٢ : ٧٥ و ٧٨ ، ح ٤ و ١٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٥ ) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١ و البيهقي عنه فرائد السمطين ١ : ١٧٧ ، ح ١٤٠ غيرها عن ام سلمة .

٥٣٣

بنبيّ يبعث ، و لا نبي بعد محمّد صلى اللّه عليه و آله ، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم » ١ .

« و لكلّ » من الحق و الباطل .

« أهل » كذلك كان من أوّل الدنيا ، و كذلك يكون إلى الأبد ذلك بأنّ الذين كفروا اتّبعوا الباطل و أنّ الذين آمنوا اتّبعوا الحقّ من ربّهم كذلك يضرب اللّه للناس أمثالهم ٢ .

« فلئن أمر الباطل ( حالا ) لقديما فعل » أي : من القديم تصدّى للأمارة .

و المراد أنّ الثلاثة إن تقدّموا عليه ، و استقرّ أمرهم و تزلزل أمره فليس بغرو لأنّه كان كذلك في جميع الأعصار بفرار الناس من أهل الحق ، و اتّباعهم أهل الباطل ، و لذا كان عليه السّلام يقول : « أيّها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله . فانّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير و جوعها طويل » ٣ .

و كان عليه السّلام يحمل سيّدة النساء صلوات اللّه عليها على دابّة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة . فما أجابه أحد ، مع سماعهم أقوال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيه و فيها عليه السّلام ، و لمّا خرجت بنت أبي بكر على أمير المؤمنين عليه السّلام أجابها آلاف ، من الناس مع قول اللّه عزّ و جلّ فيها : و قرن في بيوتكن و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى ٤ و ضرب اللّه تعالى لها و لصاحبتها مثل امرأة نوح و امرأة لوط .

« و لئن قل الحقّ فلربّما و لعلّ » يكثر بعد ذلك .

« و قلّما أدبر شي‏ء فأقبل » فإنّه و إن رجع الأمر إليه عليه السّلام و قرّ الحقّ مقرّه إلاّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٨ : ٦٨ و شرح ابن ميثم ١ : ٢٩٧ .

( ٢ ) محمّد : ٣ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٢ : ١٨١ ، الخطبة ١٩٩ .

( ٤ ) الاحزاب : ٣٣ .

٥٣٤

أنّه كان محض صورة . فلم يتمكن عليه السّلام من ردع الناس عن بدع من تقدّم عليه ،

و لذا كان عليه السّلام يقول : « لو استقرّت قدماي لغيّرت أشياء » ١ و لم يتمكّن عليه السّلام من عزل عمالهم كمعاوية ، و لم يستطع صدّ من أراد الخروج عليه كالزبير و طلحة حتّى أنّه عليه السّلام لمّا أراد منعهم عن صلاة النوافل بالليل جماعة في شهر رمضان لعدم فعل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم له ، و انّما أحدثه لهم عمر ، لم يقبلوا و صاحوا و اعمراه .

و قول المصنّف : « أقول : قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) ، و كلّه زائد و ليس من النهج أما « أقول » فليس في ( ابن أبي الحديد ، و ابن ميثم ) رأسا ، و أما « قال الشريف » : فإنّما قال ابن أبي الحديد إنشاء من نفسه « قال الرضي أبو الحسن » و قال ابن ميثم : « قال السيّد » ٢ .

« إنّ في هذا الكلام الأدنى » أي : الأقرب ، و الظاهر كونه إشارة إلى كلامه عليه السّلام الأخير « فلئن أمر الباطل لقديما فعل ، و لئن قلّ الحق فلربما و لعل و لقلّما أدبر شي‏ء فأقبل » و يحتمل أن يكون إشارة إلى قوله قبله « الا و إنّ الخطايا . . . » . فإنّه أيضا يصدق عليه الأدنى بالنسبة إلى أوّل الكلام .

« من مواقع الاحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان » و المراد لا يستطاع وصف حسنه .

هذا ، و قال أبو الفضل الميكالي في وصف مكتوب « و كاد فرط التعجب مرة و عظم الإعجاب تارة يقف بي عند أوّل فصل من فصوله ، و يثبّطني من استيفاء غرره و حجوله ، و يوهمني أن المحاسن ما حوته قلائده ، و نظمته فرائده . فليس في قوس احسان وراءها منزع ، و لا لاقتراح جنان فوقها متطلع ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ نهج البلاغة ٤ : ٦٦ ، و الحكمة ٢٧٢ « لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت أشياء » .

( ٢ ) الموجود في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩١ « أقول » و في شرح ابن ميثم ١ : ٢٩٦ « قال الشريف أقول » .

٥٣٥

حتّى إذا جاوزته إلى لفقه و تزيينه ، و أجلت فكري في نكته و عيونه ، رأيت ما يحيّر الطرف و يعجز الوصف ، و يعلو على الأوّل محلا و مكانا ، و يفوته حسنا و إحسانا ، فرتعت كيف شئت في رياضه و حدائقه ، و اقتبست نور الحكمة من مطالعه و مشارقه ، و سلّمت لمعانيه و ألفاظه فضيلة السبق و البراعة ، و تلقّيتها بواجبها من النشر ، و الإذاعة ، فإنّها جمعت إلى حسن الإيحاز درجة الإعجاز ،

و إلى فضيلة الإبداع جلالة الموقع في القلوب ، و الأسماع .

« إنّ حظّ العجب منه أكثر من حظّ العجب به » قال الطائي :

أبدت أسى إن رأتني مخلس القصب

و آل ما كان من عجب إلى عجب

« و فيه مع الحال الّتي وصفنا » من عدم بلوغ مواقع استحسانه . بمواقع إحسانه ، و كون حظّ العجب منه أكثر من حظّ العجب به .

« زوائد من الفصاحة » في اللفظ و المعنى . لأنّ المراد بالفصاحة في كلامه ما يعمّ البلاغة .

« لا يقوم بها لسان » لأدائها .

« و لا يطّلع فجّها » قال الجوهري : الفجّ : الطريق الواسع بين الجبلين ١ .

« انسان » للوقوف عليها .

« و لا يعرف ما أقول » هكذا في ( المصرية ) نسخة ( ابن أبي الحديد ) و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) : « أقوله » : أي في وصف ذاك الكلام الأدنى ٢ .

« إلاّ من ضرب في هذه الصناعة » أي : صناعة البلاغة .

« بحقّ » لا مجرد ظاهر .

« و جرى فيها على عرق » حتّى صار من أهل التعمق فيها .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ١ : ٣٣٣ ، مادة ( فجج ) .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩١ و شرح ابن ميثم ١ : ٢٩٧ كليهما « أقول » .

٥٣٦

« و ما يعقلها » أي : صفة الضرب فيها بحقّ ، و الجري فيها على عرق .

« إلاّ العالمون » بذاك الفن لا كلّ من ادّعى .

و حيث إنّ المصنّف قال : « لا يعرف ما أقول إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحق » رأيت نقل ما قاله الادباء على لسان أهل الصناعات في وصف صناعة الكلام بمناسبة صناعتهم . قالوا : « قال الصيرفي : خير الكلام ما نقدته يد البصيرة و جلته عين الروية ، و وزنته بمعيار الفصاحة . فلا نظر يزيفه ، و لا سماع يهرجه .

و قال الجوهري : أحسن الكلام نظاما ما ثقبته يد الكفرة . و نظمته الفطنة و وصل جوهر معانيه في سمّو ألفاظه . فاحتملته نحور الرواة .

و قال العطّار : أطيب الكلام ما عجن عنبر الفاظه بمسك معانيه . ففاح نسيم نشقه ، و سطعت رائحة عبقه ، فتعلّقت به الرواة ، و تعطّرت به السراة .

و قال الصائغ : خير الكلام ما أحميته بكير الفكر ، و سبكته بمشاغل النظر ، و خلّصته من خبث الإطناب . فبرز بروز الابريز في معنى و جيز .

و قال الحدّاد : أحسن الكلام ما نصبت عليه منفخة القريحة ، و اشعلت عليه نار البصيرة . ثم أخرجته من فحم الاقحام ، و رققته بفطيس الأفهام .

و قال النجار : خير الكلام ما أحكمت نجر معناه بقدوم التقدير . و انشرته بمنشار التدبير . فصار بابا لبيت البيان ، و عارضة لسقف اللسان .

و قال الخياط : البلاغة قميص فجر بانه البيان ، وجيبه المعرفة ، و كمّاه الوجازة ، و دخاريصه الأفهام ، و دروزه الحلاوة ، و لا بسه جسد اللفظ ، و روح المعنى .

و قال البزاز : أحسن الكلام ما صدق رقم ألفاظه ، و حسن نشر معانيه .

فلم يستعجم عليك نشر ، و لم يستبهم عليك طيّ .

٥٣٧

و قال النجّاد : أحسن الكلام ما لطفت رفارف ألفاظه ، و حسنت مطارح معانيه ، فتنزهت في زرابيّ محاسنه عيون الناظرين ، و أصاخت لنمارق بهجته آذان السامعين .

و قال الصبّاغ : أحسن الكلام ما لم تنض بهجة ايجازه ، و لم تكشف صبغة إعجازه . قد صقلته يد الرويّة من كمود الاشكال . فراع كواعب الآداب و أنف عذارى الألباب .

و قال الحائك : أحسن الكلام ما اتصلت لحمة ألفاظه بسدى معانيه .

فخرج مفوّفا منيّرا ، و موشّى محرّرا .

و قال الماتح : أبين الكلام ما علقت و ذم ألفاظه ببكرة معانيه . ثم أرسلته في قليب الفطن . فامتحت به سقاء يكشف الشبهات . و استنبطت به معنى يروي من ظمأ المشكلات .

و قال الرائض : خير الكلام ما لم يخرج عن حدّ التخليع إلى منزلة التقريب إلاّ بعد الرياضة ، و كان كالمهر الّذي أطمع أوّل رياضته في تمام ثقافته .

و قال الجمّال : البليغ من أخذ بخطام كلامه . فأناخه في مبرك المعنى ثم جعل الاختصار له عقالا ، و الإيحاز له مجالا . فلم يندّ عن الآذان ، و لم يشذّ عن الأذهان .

و قال المخنّث : خير الكلام ما تكسّرت أطرافه ، و تثّنت أعطافه ، و كان لفظه حلّة ، و معناه حلية .

و قال الخمّار : أبلغ الكلام ما طبخته مراجل العلم ، و صفّاه راوق الفهم و ضمّته ، دنان الحكمة . فتمشّت في المفاصل عذوبته ، و في الافكار رقّته ، و في العقول حدّته .

٥٣٨

و قال الفقاعي : خير الكلام ما روّحت ألفاظه غباوة الشك ، و رفعت رقّته فظاظة الجهل . فطاب حساء فتنته ، و عذب مصّ جرعته .

و قال الطبيب : خير الكلام ما إذا باشر دواء بيانه سقم الشبهة . استطلقت طبيعة الغباوة . فشفي من سوء التفهّم ، و اورث صحّة التوهّم .

و قال الكحّال : كما أنّ الرمدقذى الأبصار . فكذا الشبهة قذى البصائر فاكحل عين اللكنة بميل البلاغة ، و اجل رمص الغفلة بمرود اليقظة .

و أجمعوا كلهم على أن أبلغ الكلام ما إذا أشرقت شمسه . انكشف لبسه ،

و إذا صدقت أنواؤه . أخضرت أنحاؤه .

قول المصنّف : « و من هذه الخطبة شغل » أي : عن الاهتمام بالامور الراجعة إلى الدنيا .

« من » أي : الذي .

« الجنّة و النار أمامه » فيجعل همّه في حيازة الجنّة ، و الاحتراز عن النار . و عن الباقر عليه السّلام بكى أبو ذر من خشية اللّه عزّ و جلّ حتى اشتكى بصره . فقيل له : يا اباذر لو دعوت اللّه أن يشفي بصرك . فقال : إنّي عنه لمشغول في ما هو أكبر منه همّي . قالوا : و ما يشغلك عنه . قال : العظيمتان الجنّة و النار ١ .

و قال عليه السّلام : لا تنسوا الموجبتين في دبر كلّ صلاة قيل : و ما الموجبتان ؟

قال : تسأل اللّه الجنّة و تعوذ باللّه من النار ٢ و في خبر آخر ما معناه أن المصلّي لو لم يسأل اللّه الجنّة بعد صلاته و لم يستعذ به من النار . قالتا أي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في الخصال ١ : ٣٩ ، ح ٢٥ ، باب الاثنين عن الباقر عليه السّلام و أخرجه الكشي في معرفة الرجال ، اختياره : ٢٨ ، ح ٥٤ و غيره عن الكاظم عليه السّلام .

( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ٣ : ٣٤٣ ، ح ١٩ و الصدوق في معانى الاخبار : ١٨٣ ، ح ١ و غيرهما .

٥٣٩

بلسان الحال ما أجهله بنعمي ، و ما أغفله عن نقمي ١ .

و في ( الطبري ) بعد ذكر أنّ الحر سأل ابن سعد هل أنت مقاتل الحسين ؟ فقال له : نعم أنّ الحر أخذ يدنو من الحسين عليه السّلام قليلا قليلا . فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فسكت و أخذه مثل العرواء . فقال له المهاجر : و اللّه إنّ أمرك لمريب . و اللّه ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شي‏ء أراه الآن ، و لو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك . فما هذا الّذي أرى منك ؟ قال : إنّي و اللّه اخيّر نفسي بين الجنّة و النار ،

و و اللّه لا أختار على الجنّة شيئا ، و لو قطّعت و حرّقت . ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السّلام ٢ .

« ساع » في أمر الآخرة .

« سريع » في العمل .

« نجا » من النار .

قال جلّ و علا : و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم و جلة أنّهم إلى ربّهم راجعون اولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون ٣ .

« و طالب » لأمر الآخرة .

« بطي‏ء » في العمل .

« رجا » أن تكون له نجاة و ليس بحتم .

قال تعالى : و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) روى هذا المعنى من طرق عديدة الحر العاملي في الوسائل ٤ : ١٠٣٩ ، باب ٢٢ و المحدث النوري في المستدرك ١ : ٣٤٢ ، باب ٢٠ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٢٥ ، سنة ٦١ .

( ٣ ) المؤمنون : ٦١ .

٥٤٠