بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 41881
تحميل: 4594


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41881 / تحميل: 4594
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

غير حقّ ، و كلامه عليه السّلام غير آب عن ذلك حيث لم يقل عليه السّلام : « كنتم في فترة » بل « ان تكونوا في فترة » .

« و قد كانت أمور مضت ملتم فيها ميلة كنتم فيها عندي غير محمودين » في تقديمهم الثلاثة عليه .

و روى ( شواهد التنزيل ) عن ابن عباس في قوله تعالى : و اتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة ١ أنّه لمّا نزلت هذه الآية . قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم :

من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنّما جحد نبوّتي ، و نبوّة الأنبياء قبلي ٢ .

و روى أبو عبد اللّه السراج منهم في كتابه عن ابن مسعود أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال له : قد أنزلت هذه الآية و اتّقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة ٣ و أنا مستودعكها و مسمّ لك خاصّة الظلمة فكن لما أقول لك واعيا ، و عنّي له مؤدّيا . من ظلم عليا مجلسي هذا كمن جحد نبّوتي ، و نبوّة من كان قبلي ٤ .

و قال ابن أبي الحديد ٥ : مراده عليه السّلام تقديم عثمان عليه ، و يبعد أن يريد خلافة الشيخين أيضا لأنّ المدّة قد طالت ، و لم يبق من يعاتبه ، و لسنا نمنع من أن يكون في كلامه عليه السّلام الكثير من التوجّد و التألّم بصرف الخلافة بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله عنه ، و انّما كلامنا الآن في ألفاظ هذه الخطبة على أنّ قوله عليه السّلام فيها « سبق الرجلان » أي في زيادات لم ينقلها الرضي كاف في انحرافه عنهما .

قلت : أما قوله : « انّ المدّة قد طالت ، و لم يبق من يعاتبه » ، ففيه :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانفال : ٢٥ .

( ٢ ) أخرجه الحسكاني في شواهد التنزيل ١ : ٢٠٦ ، ح ٢٦٩ .

( ٣ ) الانفال : ٢٥ .

( ٤ ) رواه عنه ابن طاووس في الطرائف ١ : ٣٦ ، ح ٢٥ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٠٤ ، و النقل بالمعنى .

٥٦١

أولا : إنّ كثيرا من المهاجرين و الأنصار الذين شهدوا السقيفة كانوا موجودين وقت قيامه عليه السّلام . فلم يمض إلاّ ستّ و عشرون سنة .

و ثانيا : إنّ جري الباقين على ذلك يكفي في عتابهم . فعاتب اللّه تعالى بني اسرائيل الذين كانوا في عصر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بما فعل آباؤهم في عصر موسى عليه السّلام لرضاهم بما فعلوا في آيات كثيرة ، و منها و إذ قتلتم نفسا فادّارأتم فيها ١ .

و ثالثا : إنّ تقديم عثمان الّذي سلّمه كان من فعل عمر و تدبيره .

« و لئن ردّ عليكم أمركم » بأن يتولّوه عليه السّلام ، لجعل اللّه تعالى له عليه السلام وليّهم في قوله عزّ و جلّ : إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكوة و هم راكعون ٢ .

فنزلت الآية لما اعطى عليه السّلام خاتمه في الركوع للسائل ٣ .

و على لسان رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد تقريره للناس بأنّه أولى بهم من أنفسهم : « من كنت مولاه و أولى به من نفسه فهذا على مولاه و أولى به من نفسه » .

« انكم لسعداء » في الآخرة برفضهم الباطل ، و اعتقادهم بالحق من اصول الاسلام .

قال أبو سليمان الضبيّ : أرسل عليّ عليه السّلام إلى لبيد العطاردي بعض شرطه فمرّوا به على مسجد سماك . فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فحال بينهم و بينه فأرسل عليه السّلام إلى نعيم فجي‏ء به ، و رفع شيئا ليضربه . فقال نعيم :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٧٢ .

( ٢ ) المائدة : ٥٥ .

( ٣ ) رواه جمع كثير من أهل الأثر ، أورد بعض طرقه السيوطي في الدر المنثور ٢ : ٢٩٣ و ٢٩٤ و المجلسي في بحار الانوار ٣٥ : ١٨٣ ، باب ٤ .

٥٦٢

« و اللّه إنّ صحبتك لذلّ ، و إنّ خلافك لكفر » . فقال عليه السّلام : و تعلم ذلك ؟ قال : نعم .

قال : خلّوه ١ .

« و ما عليّ إلاّ الجهد » و السعي بإتمام الحجّة عليكم لئلاّ يكون على اللّه حجّه بعد الرسل و أوصيائهم .

« و لو أشاء ان اقول لقلت . عفا اللّه عمّا سلف » في ميل من مال عنه أيّام الثلاثة و رجع إليه عليه السّلام في أيّامه أو في البين ، و هم جمع ذكرهم الكشي في عنوان :

« السابقون الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام » ٢ و ذكرهم الرضا عليه السّلام للمأمون في خبر .

٢٧

من الخطبة ( ١٧١ ) أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ اَلنَّاسِ بِهَذَا اَلْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَ أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اَللَّهِ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اُسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ اَلْإِمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ اَلنَّاسِ فَمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ وَ لَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَ لاَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ أَلاَ وَ إِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ رَجُلاً اِدَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَ آخَرَ مَنَعَ اَلَّذِي عَلَيْهِ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا تَوَاصَى اَلْعِبَادُ بِهِ وَ خَيْرُ عَوَاقِبِ اَلْأُمُورِ عِنْدَ اَللَّهِ وَ قَدْ فُتِحَ بَابُ اَلْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ وَ لاَ يَحْمِلُ هَذَا اَلْعَلَمَ إِلاَّ أَهْلُ اَلْبَصَرِ وَ اَلصَّبْرِ وَ اَلْعِلْمِ بِمَوَاقِعِ اَلْحَقِّ فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَ قِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ وَ لاَ تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَهُ غِيَراً

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه السروي في مناقبه ٢ : ١١٣ و الكليني في الكافي ٧ : ٢٦٨ ، ح ٤٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) اختيار معرفة الرجال : ٣٨ رقم ٧٨ .

٥٦٣

أقول : أمّا قوله عليه السّلام : « أيّها النّاس إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه و أعلمهم بأمر اللّه فيه » فيشهد له قوله تعالى : أ فمن يهدي إلى الحقّ أحق ان يتّبع أمّن لا يهدّيّ إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ١ .

و هو دليل على عدم لياقة غيره و غير أهل بيته ، ففي خطبته الّتي خطب بها بعد قتل محمّد ابن أبي بكر ، و فتح معاوية لمصر في حكايته عليه السّلام يوم الشورى ، و قد رواها ابن قتيبة في ( خلفائه ) ، و غيره « فما كانوا لولاية أحد منهم أشدّ كراهية لولايتي عليهم . كانوا يستمعونني عند وفاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم أحاجّ أبا بكر ، و أقول : يا معشر قريش إنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنّة ، و يدين بدين الحقّ ، فخشي القوم إن أنا ولّيت عليهم أن لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان ، و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها ، و يتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي » ٢ .

و إخواننا أخذوا دينهم عن معاوية . فجعلوا المناط في الخلافة الغدر و المكر ، و السياسة الدنيوية دون رعاية الشريعة . فجعلوا أبا بكر أحقّ ، فكتب معاوية إلى الحسن عليه السّلام كما في ( المقاتل ) و غيره : « و لو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه ( أي أبي بكر ) أو يقوم مقامه أو يذبّ عن حريم المسلمين ذبّه ،

ما عدلوا بذلك الأمر إلى غيره إلى أن قال و الحال في ما بيني و بينك اليوم مثل الحال الّتي كنتم عليها أنتم و أبو بكر بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و لو علمت أنّك أضبط منّي للرعيّة ، و أحوط على هذه الامّة ، و أحسن سياسة ، و أقوى على جمع الأموال ، و أكيد للعدو ، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ، و رأيتك لذلك أهلا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) يونس : ٣٥ .

( ٢ ) رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٥٥ و الثقفي في الغارات ١ : ٣٠٧ .

٥٦٤

و لكنّي قد علمت أنّي اطول منك ولاية . . . » ١ .

و لو كان استدلال أبي بكر ، صحيحا كان أبوه أبو سفيان أولى من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنبوّة . فالنبوة و الإمامة خلافة اللّه .

« فإن شغب شاغب » قال الجوهري : الشغب تهييج الشرّ و هو شغب الجند ٢ .

« استعتب » و قال أيضا : « استعتب و اعتب » بمعنى واحد أي : عاد إلى المسرّة راجعا عن الاساءة ٣ .

« فإن أبى قوتل » كما أمر اللّه تعالى في قوله : فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفي‏ء إلى أمر اللّه ٤ .

و لقد استعتب عليه السّلام أهل الجمل و صفّين و النهروان . فأبوا ، فقاتلهم على حسب أمر اللّه تعالى و أمر رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم عموما و خصوصا .

« و لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى يحضرها عامّة الناس فما » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب « ما » بدون فاء . كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٥ .

« إلى ذلك سيبل » لأنّه من المحالات العاديّة .

« و لكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد » للبيعة .

« أن يرجع » عن بيعته و ينكثها كأهل الجمل طلحة و الزبير .

« و لا للغائب » عن البيعة « أن يختار » كمعاوية و أهل الشام .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه أبو الفرج في المقاتل : ٣٧ ، و المدائني ، و عنه شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٩ ، شرح الكتاب ٣١ .

( ٢ ) صحاح اللغة ١ : ١٥٧ ، مادة ( شغب ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ١٧٦ ، مادة ( عتب ) ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) الحجرات : ٩ .

( ٥ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٨٣ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣٩ ، « فما » أيضا .

٥٦٥

قال عليه السّلام : هذا الكلام جدلا ردّا على معاوية فكان معاوية كتب إليه عليه السّلام كما في ( خلفاء ابن قتيبة ) : « و لعمري ما حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة ، و لا حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة و الزبير . لأنّ أهل البصرة بايعوك ، و لم يبايعك أحد من أهل الشام ، و أنّ طلحة و الزبير بايعاك و لم ابايعك » ١ .

فقول ابن أبي الحديد : « هذا الكلام تصريح بصحّة مذهبنا في أنّ الاختيار طريق إلى الإمامة ، و مبطل لما تقوله الامامية من دعوى النصّ عليه » ٢ غلط و شطط .

فالواجب أن يدحض الانسان حجّة الخصم بما يقرّ به الخصم لا بما ينكره ، و معاوية كان ينكر النص و لا ينكر البيعة .

« ألا و إنّي اقاتل رجلين رجلا ادّعى ما ليس له ، و آخر منع الّذي عليه » قال ابن أبي الحديد : « إنّ الأوّل الّذي ادّعى الخلافة ، و الثاني الّذي لا يدّعيها و لكنّه يمتنع من الطاعة » ٣ .

قلت : إنّ سعدا و ابن عمر ، و محمّد بن مسلمة و المغيرة ، و جمعا آخر لم يدّعوا الخلافة ، و امتنعوا من طاعته عليه السّلام ، و مع ذلك خلاّهم و لم يقاتلهم . فلا بدّ أنّه عليه السّلام أراد بالأوّل معاوية ، و بالثاني طلحة و الزبير حيث نكثا و قاما في وجهه .

« أوصيكم عباد اللّه » ليس كلمة « عباد اللّه » في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ .

« بتقوى اللّه » قال تعالى : إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٠١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٨٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٨٣ .

( ٤ ) توجد الكلمة في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣٩ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٨٣ .

( ٥ ) الحجرات : ١٣ .

٥٦٦

« فإنّها خير ما تواصى العباد به » و العصر إنّ الانسان لفي خسر إلاّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحقّ و تواصوا بالصبر ١ .

« و خير عواقب الامور عند اللّه » قال جلّ و علا : و لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه و رزق ربك خير و أبقى و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لانسألك رزقا نحن نرزقك و العاقبة للتقوى ٢ ، إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين ٣ تلك الدار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ٤ و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقضيا ثم ننجّي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيّا ٥ .

« و قد فتح باب الحرب بينكم و بين أهل القبلة » قال ابن أبي الحديد : « لم يكن المسلمون قبل حرب الجمل يعرفون كيفية قتال أهل القبلة ، و إنّما تعلّموا فقه ذلك من أمير المؤمنين عليه السّلام و قال الشافعي : « لو لا عليّ عليه السّلام لما عرف شي‏ء من أحكام أهل البغي » ٦ .

« و لا يحمل هذا العلم » بفتحتين أي : الراية .

« إلاّ أهل البصر و الصبر و العلم بمواضع الحقّ » في ( الطبري ) : قال أبو عبد الرحمن السلمي : رأيت عمّارا لا يأخذ واديا من أودية صفين إلاّ تبعه من كان هناك من أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و رأيته جاء إلى هاشم بن عتبة المر قال ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العصر : ١ ٣ .

( ٢ ) طه : ١٣١ ١٣٢ .

( ٣ ) الأعراف : ١٢٨ .

( ٤ ) القصص : ٨٣ .

( ٥ ) مريم : ٧٢ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٨٤ .

٥٦٧

و هو صاحب راية عليّ عليه السّلام . فقال : يا هاشم أعورا و جنبا لا خير في أعور لا يغشى البأس إلى أن قال تقدّم يا هاشم ، الجنّة تحت ظلال السيوف ، و الموت في أطراف الأسل ، و قد فتحت أبواب السماء ، و تزيّنت الحور العين . اليوم ألقى الأحبّة محمّدا و حزبه . فلم يرجعا ، و قتلا .

و قال السلمي أيضا : سمعت عمارا بصفين و هو يقول لعمرو بن العاص لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هذه الرابعة ما هي بأبّر و لا أتقى ١ ٢ .

« و لا تعجلوا في أمر حتّى تتبيّنوا » وجهه و حكمته .

« فإنّ لنا مع كل أمر تنكرونه غيرا » أي : منافع و مصالح للمسلمين أنتم لا تعلمونها . « غيرا » من غار يغير و يغور بمعنى نفع و أصلح . قال الهذلي :

« ما ذا يغير ابنتي ربع عويلهما » ٣ .

قال الجوهري : غاره يغيره و يغوره أي : نفعه و غار أهله يغيرهم غيارا أي يميرهم و ينفعهم ، و أغارهم اللّه بمطر يغيرهم و يغورهم أي : سقاهم . يقال :

نزل القوم يغيرون أي : يصلحون الرجال « و غارنا اللّه بخير » كقولك : أعطانا خيرا ٤ .

و ممّا أنكروا عليه عليه السّلام قتاله أهل القبلة قال ابن قتيبة في ( خلفائه ) بعد ذكر اعتزال ابن عمر و سعد ، و محمّد بن مسلمة عن مشاهده و حروبه قال عمار ، لعليّ عليه السّلام : إيذن لي آت ابن عمر فاكلّمه . فقال : نعم . فأتاه فقال له : « قد بايع عليا المهاجرون ، و الأنصار ، و من إن فضّلناه عليك لم يسخطك ، و إن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٨ ، سنة ٣٧ .

( ٢ ) أسقط الشارح هنا شرح قوله : « فامضوا لما تؤمرون به ، وقفوا عند ما تنهون عنه » .

( ٣ ) أورده لسان العرب ٥ : ٤٠ ، مادة ( غير ) .

( ٤ ) صحاح اللغة ٢ : ٧٧٥ ، مادة ( غير ) ، و النقل بتقطيع .

٥٦٨

فضّلناك عليه لم يرضك ، و قد أنكرت السيف في أهل الصلاة ، و قد علمت أنّ على القاتل القتل ، و على المحصن الرجم ، و هذا يقتل بالسيف ، و هذا يقتل بالرجم » فقال ابن عمر « إنّ أبي جمع أهل الشورى فكان أحقّهم بها عليّ ، غير أنّه جاء أمر فيه السيف و لا أعرفه ، و لكن و اللّه ما أحبّ أنّ لي الدنيا و ما فيها ،

و أنّي أضمرت عداوة عليّ » ، فانصرف عمار فأخبر عليا عليه السّلام بقوله . فقال له : لو أتيت محمّد بن مسلمة الأنصاري . فأتاه فقال له ابن مسلمة : لو لا ما في يدي من النبيّ لبايعته ، و لو أنّ الناس كلّهم كانوا عليه لكنت معه ، و لكنّه كان من النبي أمر ذهب فيه الرأي . فقال له عمار : أفتريد من النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قولا بعد قوله يوم حجّة الوداع « دماؤكم و أموالكم عليكم حرام إلاّ بحدث » أفتقول : لا نقاتل المحدثين ؟ قال : حسبك . ثم أتى عمر سعدا فكلّمه فأظهر الكلام القبيح ،

فانصرف عمار إلى عليّ عليه السّلام فقال له : دع هؤلاء الرهط أمّا ابن عمر فضعيف ،

و أما سعد فحسود ، و ذنبي إلى محمّد بن مسلمة أنّي قتلت أخاه يوم مرحب ١ .

و أخطأ ابن أبي الحديد فتوهم أنّ غيرا من غيّر ، كما أخطأ في بيان المراد من الفقرة فقال : « معناها أنّ عندنا تغييرا لكلّ ما تنكرونه من الامور الّتي يثبت أنّه يجب إنكارها و تغييرها أي لست كعثمان أصرّ على ارتكاب ما أنهى عنه بل أغيّر كل ما ينكره المسلمون ، و يقتضي الحال و الشرع تغييره » ٢ .

قلت : إنّ ما قاله ممّا يضحك الثكلى ، فلم يستطع أحد من أعدائه حتّى مثل معاوية أن يدّعي عليه أمرا منكرا في الشرع حتّى يقول ابن أبي الحديد إنّه عليه السّلام قال « لست كعثمان أصرّ على ارتكاب ما أنهى عنه ، بل أغيّر كل ما ينكره المسلمون » ٣ و إنّما أنكر المغرضون عليه امورا معروفة . فأنكر معاوية عليه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٥٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٨٤ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٥٦٩

ايواءه قتلة عثمان كعمار ، و محمّد بن أبي بكر ، و عمرو بن الحمق و نظرائهم ،

و أنكر ابن عمر و سعد و محمّد بن مسلمة عليه قتاله مع أهل الجمل و صفّين بشبهة لفّقوها ، و أنكر الخوارج عليه عليه السّلام تحكيم القرآن .

و لو كان عليه السّلام أراد المعنى الّذي ذكر ، لقال : « فعليّ في كلّ أمر منكر تغييره » لا « أنّ لنا مع كل أمر تنكرونه غيرا » و بالجملة ما قاله في غاية السقوط .

٢٨

من الخطبة ( ١٥٢ ) و من خطبة له عليه السّلام :

وَ نَاظِرُ قَلْبِ اَللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ وَ يَعْرِفُ غَوْرَهُ وَ نَجْدَهُ دَاعٍ دَعَا وَ رَاعٍ رَعَى فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي وَ اِتَّبِعُوا اَلرَّاعِيَ « و ناظر » قال الجوهري : الناظر في المقلة ، السواد الأصغر الّذي فيه إنسان العين ١ .

« قلب اللبيب » أي : الشخص العاقل .

« به » أي : بسبب ذلك الناظر .

« يبصر » أي : يرى قلب اللبيب .

« أمده » أي : غايته و منتهاه .

و أمّا قول الحسن البصري لما قال له الحجاج ما أمدك ؟ « سنتان لخلافة عمر » فلا ينافي كون الأمد بمعني الغاية لأنّ المراد : ما غاية ما أدركت من أوّل عمرك ؟

« و يعرف غوره » أي : قعره .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٣١ ، مادة ( نظر ) .

٥٧٠

« و نجده » أي : مرتفعه ، و قال الجوهري : الغور من بلاد العرب تهامة و النجد ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق ١ .

و كما جعل عليه السّلام هنا لقلب اللبيب ناظرا به يبصر أمده ، و يعرف غوره ،

و نجده يمكن أن يجعل له اذنا يسمع بها الامور الحقّة . فعن الصادق عليه السلام : « ما من مؤمن إلاّ و لقلبه اذنان في جوفه اذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس ، و اذن ينفث فيها الملك فيوّيد اللّه المؤمن بالملك فذلك قوله تعالى : و أيّدهم بروح منه ٢ .

و عنه عليه السّلام : « ما من قلب إلاّ و له اذنان على إحديهما ملك مرشد ، و على الاخرى شيطان مفتن هذا يأمره و هذا يزجره الشيطان يأمره بالمعاصي ،

و الملك يزجره عنها ، و هو قول اللّه تعالى : عن اليمين و عن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ٣ .

« داع دعا » و المراد بالداعي : النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، قال تعالى : يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى اللّه باذنه و سراجا منيرا ٤ .

« و راع رعى » المراد بالراعي : هو عليه السّلام . روى الثعلبي في تفسير إذا جاء نصر اللّه ٥ أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال لعليّ عليه السلام : قد جاء ما وعدت به ،

جاء الفتح ، و دخل الناس في دين اللّه أفواجا ، و ليس أحد أحقّ منك بمقامي ، لقدمك في الاسلام ، و قربك منّي ، و صهرك ، و عندك سيّدة نساء العالمين ، و قبل ذلك ما كان من بلاء أبي طالب عندي حين نزل القرآن ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ١ : ٥٣٩ ، مادة ( نجد ) ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٢٦٧ ح ٣ ، و الآية ٢٢ من سورة المجادلة .

( ٣ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٢٦٦ ح ١ ، و الآيات ١٧ ١٨ من سورة ق .

( ٤ ) الأحزاب : ٤٥ ٤٦ .

( ٥ ) النصر : ١ .


٥٧١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و أنا حريص على أن اراعي ذلك لولده ١ .

« فاستجيبوا للدّاعي » قال تعالى : يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم ٢ .

« و اتبعوا الراعي » أي : نفسه و كان اتّباعه واجبا لأنّه عليه السّلام كان على الحقّ ،

و الحقّ كان يدور معه ، كما تواتر ذلك عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و اعترف به عمر ٣ .

و روى الثعلبي في تفسير : إنّما أنت منذر و لكل قوم هاد ٤ أنّه لمّا نزلت الآية وضع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يده على صدره ، و قال : أنا المنذر و أومأ بيده إلى صدر عليّ عليه السّلام ، و قال : أنت الهادي يا علي . بك يهتدي المهتدون من بعدي ٥ .

و رواه الحسكاني في ( شواهد تنزيله ) ، و المرزباني في كتاب ( ما نزل من القرآن في عليّ عليه السّلام ) ، و صنّف ابن عقدة كتابا فيه كما نقل ذلك السروي ٦ .

و روى ابن بابويه باسناده عن الأعمش باسناده قال : قال عليّ عليه السّلام : ما نزلت من القرآن آية إلاّ و قد علمت أين نزلت ، و في من نزلت ، و في أيّ شي‏ء نزلت فقيل له : فما نزل فيك . فقال : لو لا أن سألتموني ما أخبرتكم نزلت فيّ إنّما أنت منذر و لكلّ قوم هاد ٧ فالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم المنذر ، و أنا الهادي إلى ما جاء به ٨ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن الثعلبي ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٣١ ، شرح الخطبة ١٥٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الانفال : ٢٤ .

( ٣ ) أخرجه البزار في مسنده ، عنه مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٦ ، و ابن مردويه في مناقبه ، عنه ذيل احقاق الحق ٥ : ٦٣١ ، و غيرهما .

( ٤ ) الرعد : ٧ .

( ٥ ) رواه عن الثعلبي ابن طاووس في الطرائف ١ : ٧٩ ح ١٠٧ .

( ٦ ) رواه عنهما السروي في مناقبه ٣ : ٨٣ ، و الحديث في شواهد التنزيل ١ : ٢٩٣ ٣٠٣ ح ٣٩٨ ٤١٦ ، بطرق كثيرة .

( ٧ ) الرعد : ٧ .

( ٨ ) أخرجه الصدوق في أماليه : ٢٢٧ ح ١٣ ، المجلس ٤٦ ، و النقل بتلخيص .

٥٧٢

و في تفسير القمي عن الصادق عليه السّلام : المنذر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و الهادي أمير المؤمنين عليه السّلام و بعده الأئمّة عليهم السلام ، و هو قوله تعالى : و لكلّ قوم هاد ١ .

أي : في كلّ زمان إمام هاد مبين . و هو ردّ على من أنكر أنّ في كلّ عصر اماما ٢ .

٢٩

الحكمة ( ٣١١ ) و قال عليه السّلام لأنس بن مالك ، و قد كان بعثه إلى طلحة و الزبير لمّا جاء إلى البصرة يذكّرهما شيئا قد سمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في معناهما ، فلوى عن ذلك فرجع إليه ، فقال : إنّي أنسيت ذلك الأمر ،

فقال عليه السّلام :

إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ اَللَّهُ بِهَا بَيْضَاءَ لاَمِعَةً لاَ تُوَارِيهَا اَلْعِمَامَةُ قال : يعنى البرص فأصاب أنسا هذا الدّاء فيما بعد في وجهه ، فكان لا يرى إلا متبرقعا .

أقول : قال ابن أبي الحديد : المشهور أنّ عليّا عليه السّلام ناشد الناس اللّه في الرحبة بالكوفة . فقال : انشدكم اللّه رجلا سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول لي ، و هو منصرف من حجّة الوداع : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه » فقام رجال فشهدوا بذلك . فقال عليه السّلام لأنس بن مالك لقد حضرتها فما بالك ؟ فقال يا أمير المؤمنين كبرت سنّي ، و صار ما أنساه أكثر ممّا أذكره . فقال له : « إن كنت كاذبا فضربك اللّه بها بيضاء لا تواريها العمامة » فما مات حتّى أصابه البرص . فأمّا ما ذكره الرضي من أنّه بعث أنسا إلى طلحة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٧ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٣٥٩ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٧٣

و الزبير فغير معروف إلى أن قال و قد ذكر ابن قتيبة حديث البرص ،

و الدعوة الّتي دعا بها أمير المؤمنين عليه السّلام على أنس في كتاب ( المعارف ) في باب البرص من أعيان الرجال ، و ابن قتيبة غير متّهم في حقّ عليّ عليه السّلام على المشهور من انحرافه عنه ١ .

قلت : الأمر كما ذكر ابن أبي الحديد من كون دعائه على أنس بالبرص لإنكاره حديث غدير خم . فروى المفيد في ( إرشاده ) عن إسماعيل بن عمير قال : حدّثني مسعر بن كدام . قال : حدّثنا طلحة بن عميرة . قال : أنشد عليّ عليه السلام الناس في قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » فشهد اثنا عشر رجلا من الأنصار ، و أنس بن مالك في القوم لم يشهد . فقال له عليّ عليه السلام : يا أنس قال : لبيّك . قال : ما يمنعك أن تشهد ، و قد سمعت ما سمعوا ؟ قال : يا أمير المؤمنين كبرت و نسيت . فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : « اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض أو بوضع لا تواريه العمامة » . قال طلحة : فأشهد باللّه لقد رأيتها بيضاء بين عينيه ٢ .

و رواه الكشيّ في ( رجاله ) مع زيادة شهود البراء بن عازب ، و عدم شهادته و دعائه عليه السّلام عليه بالعمى . فقال : روى عبد اللّه بن ابراهيم ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن المنهال بن عمرو ، عن زرّ بن جيش . قال : خرج عليّ عليه السّلام من القصر . فاستقبله ركبان متقلّدون بالسيوف عليهم العمائم . فقالوا : « السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته . السلام عليك يا مولانا » فقال عليّ عليه السّلام من ها هنا من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم . فقام خالد بن زيد أبو أيوب ،

و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، و قيس بن سعد بن عبادة ، و عبد اللّه بن بديل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٨٨ .

( ٢ ) الارشاد : ١٨٥ .

٥٧٤

بن ورقاء فشهدوا جميعا أنّهم سمعوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » . فقال عليّ عليه السّلام لأنس بن مالك ، و البراء بن عازب : « ما منعكما أن تقوما فتشهدا فقد سمعتما كما سمع القوم » ؟ ثم قال : « اللهمّ إن كانا كتماها معاندة فابتلهما » فعمي البراء بن عازب ، و برص قدما أنس بن مالك .

فحلف أنس ان لا يكتم منقبة لعليّ عليه السّلام ، و لا فضلا أبدا ، و أمّا البراء فكان يسأل عن منزله فيقال هو في موضع كذا و كذا . فيقول : كيف يرشد من اصابته الدعوة ١ .

قلت : « و قدما أنس بن مالك » : فيه مصحّف « و قدّام رأس أنس بن مالك » من النسخة . فمثله فيها كثير كما برهنّا عليه في رجالنا .

و رواه الصدوق في ( خصاله ) و في ( أماليه ) مع زيادة البراء ، و نفرين آخرين الأشعث ، و خالد البجلي . و في خبره : ثم أقبل على أنس . فقال : إن كنت سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ثم لم تشهد لي اليوم .

فلا أماتك اللّه حتّى يبتليك ببرص لا تغطّيه العمامة . قال جابر الأنصاري : و اللّه لقد رأيت أنسا ، و قد ابتلي ببرص يغطّيه بالعمامة فما تستره . الخبر ٢ .

و رواه ابن قتيبة في ( معارفه ) قال : أنس بن مالك : كان بوجهه برص ،

و ذكر قوم أنّ عليا عليه السّلام سأله عن قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : « اللهمّ و ال من والاه و عاد من عادا » فقال كبرت سنّي و نسيت . فقال له عليّ عليه السّلام : « إن كنت كاذبا فضربك اللّه ببيضاء لا تواريها العمامة » ٣ .

و رواه ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السّلام « أما إنّه سيظهر عليكم رجل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اختيار معرفة الرجال : ٤٥ ح ٩٥ .

( ٢ ) الخصال ١ : ٢١٩ ح ٤٤ ، باب الأربعة ، و الأمالي : ١٠٦ ح ١ ، و المجلس ٢٦ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) المعارف : ٥٨٠ .

٥٧٥

رحب البلعوم » عن شيوخ البغداديّين . قالوا : ناشد عليّ عليه السّلام الناس برحبة القصر : أيّكم سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » الخ ١ .

و قال ابن ميثم : روى عثمان بن مطرف أنّ رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن عليّ عليه السّلام . فقال : إنّي آليت أن لا أكتم حديثا سئلت عنه في عليّ بعد يوم الرحبة ، ذاك رأس المتّقين يوم القيامة سمعته و اللّه من نبيّكم ٢ .

و بالجملة ، المشهور عند العامة و الخاصّة أنّ دعاءه عليه السّلام على أنس بالبرص كان لإنكاره قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم في غدير خم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » و نقل الرضي كونه لمّا أنكر شيئا سمعه من النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم في طلحة و الزبير كما مرّ ، و روى ( الأمالي ) كونه لمّا أنكر حديث الطير يوم الدار فروى عن أبي هدبة قال : رأيت أنس بن مالك معصوبا بعصابة . فسألته عنها فقال :

هي دعوة عليّ . فقلت له : و كيف كان ذلك عليه السّلام قال : اهدي إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم طائر مشوي . فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير . فجاء عليّ عليه السّلام فقلت له : النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم عنك مشغول ، و أحببت أن يكون رجلا من قومي إلى أن قال فلمّا كان يوم الدار استشهدني عليّ فكتمته فقلت : إنّي نسيته . فرفع عليّ عليه السّلام يده إلى السماء فقال : اللهمّ ارم أنسا بوضح لا يستره ثم كشف العصابة عن رأسه فقال : هذه دعوة عليّ ، هذه دعوة علي ٣ .

و في ( المناقب ) : نظم ذلك الحميري فقال :

نبّئت أن أبانا كان عن أنس

يروي حديثا عجيبا معجبا عجبا

في طائر جاء مشويّا به بشر

يوما و كان رسول اللّه محتجبا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦٢ ، شرح الخطبة ٥٧ .

( ٢ ) بل رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٣٦٢ ، شرح الخطبة ٥٧ .

( ٣ ) أمالي الصدوق : ٥٢١ ح ٣ ، المجلس ٩٤ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٥٧٦

إلى أن قال :

فقد دعا ربّه المحجوب في أنس

بأن يحلّ به سقم حوى كربا

فناله السوء حتّى كان يرفعه

في وجهه الدهر حتّى مات منتقبا ١

و حيث إنّ كلاّ من الخبرين متواتر يمكن استشهاده عليه السّلام من أنس مرة لهذا و اخرى لذاك ، و يكون أنس أنكر كليهما فدعا عليه السّلام عليه ، و يكون ظهر أثر الدعاء بعد الثاني ، و لكن الاستشهاد لخبر الغدير مشهور مستفيض كما عرفت ، و لخبر الطير خبر واحد مثل الاستشهاد لما سمع في طلحة و الزبير إلاّ أنّ خبر الطير واحد مسند ، و للأخير خبر مرفوع .

هذا ، و قد عرفت من خبر الكشي أنّ البراء بن عازب أيضا لم يشهد لخبر الغدير لما استنشده عليه السّلام فدعا عليه بالعمى .

و روى ( الإرشاد ) : أن زيد بن أرقم أيضا لم يشهد . فدعا عليه السّلام عليه بالعمى أيضا .

فقال : روى أبو اسرائيل عن الحكم بن أبي سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم قال : أنشد عليّ عليه السّلام الناس في المسجد . فقال : انشد اللّه رجلا سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه » فقام اثنا عشر بدريا ، ستّة من الجانب الأيمن ، و ستّة من الجانب الأيسر . فشهدوا بذلك فقال زيد بن أرقم : و كنت أنا في من سمع ذلك فكتمته فذهب اللّه ببصري و كان يندم على ما فاته من الشهادة و يستغفر اللّه ٢ .

و روى الجزري في ( اسد غابته ) كتمان عبد الرحمن بن مدلج ، و يزيد بن وديعه و دعاءه عليه السّلام عليهما بالعمى أيضا ، فروى عن أبي إسحاق . قال : حدّثني

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ٢٨٣ .

( ٢ ) الإرشاد : ١٨٥ .

٥٧٧

عمرو بن ذي مر ، و يزيد بن نثيع ، و سعيد بن وهب ، و هاني بن هانى ، و حدّثني من لا أحصي أنّ عليا عليه السّلام نشد النّاس في الرحبة من سمع قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم « من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ ، و ال من والاه و عاد من عاداه » ، فقام نفر فشهدوا أنّهم سمعوا ذلك من النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و كتم قوم ، فما خرجوا من الدنيا حتّى عموا ، و أصابتهم آفة ، منهم يزيد بن وديعة و عبد الرحمن بن مدلج ١ .

و ممّن روى استنشاده عليه السّلام ، يعلى بن مرّة . روى أيضا ( أسد الغابة ) عن عمر بن عبد اللّه بن يعلى بن مرّة عن أبيه عن جدّه قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه » ، فلمّا قدم عليّ عليه السّلام الكوفة نشد الناس من سمع ذلك من النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فانتشد له بضعة عشر رجلا فيهم عامر بن ليلي الغفاري ٢ .

و روى الخبر في عنوان زيد بن شراحيل الأنصاري ، و عدّه في من شهد و رواه في عنوان ناجية بن عمرو الخزاعي و عدّه في من شهد ٣ .

و ممّن روى استنشاده عليه السّلام : الأصبغ بن نباتة . روى الجزري أيضا في ( اسده ) بإسناده عنه . قال : نشد عليّ عليه السّلام الناس في الرحبة : من سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم ما قال إلاّ قام قال : و لا يقوم إلاّ من سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : فقام بضعة عشر رجلا فيهم أبو أيّوب الأنصاري ، و أبو عمرة بن محصن ، و أبو زينب ، و سهل بن حنيف ، و خزيمة بن ثابت ، و عبد اللّه ابن ثابت الأنصاري ، و حبشي بن جنادة السلولي ، و عبيد بن عازب الأنصاري ،

و النعمان بن عجلان الأنصاري ، و ثابت بن وديعة الأنصاري ، و أبو فضالة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اسد الغابة ٣ : ٣٢١ .

( ٢ ) اسد الغابة ٣ : ٩٣ .

( ٣ ) اسد الغابة ٢ : ٢٣٣ و ٥ : ٦ .

٥٧٨

الأنصاري ، و عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري ، فقالوا : نشهد أنّا سمعنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : « ألا إنّ اللّه عزّ و جلّ وليّي و أنا وليّ المؤمنين ، ألا فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ و ال من والاه ، و عاد من عاداه ، و أحبّ من أحبّه ،

و أبغض من أبغضه ، و أعن من أعانه » ١ .

و من هذا الخبر يظهر كون أبي أيوب ، و أبي عمرة ، و أبي زينب ، و سهل بن حنيف ، و ذي الشهادتين ، و عبد اللّه بن ثابت ، و حبشي السلولي ، و عبيد الأنصاري و النعمان الأنصاري ، و ثابت الأنصاري ، و أبي فضالة الأنصاري ،

و عبد الرحمن الأنصاري ممّن سمع قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم في غدير خم .

كما يظهر من الخبر السابق سماع يعلى بن مرة ، و عامر بن ليلى الغفاري ، و زيد بن شراحيل الأنصاري ، و ناجية بن عمرو الخزاعي أيضا ،

قوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، من الأخبار الآتية سماع جمع آخر .

و ممّن روى استنشاده عليه السّلام أبو الطفيل فروى الجزري في ( الاسد ) أيضا عنه قال : كنّا عند عليّ عليه السّلام . فقال : انشد اللّه تعالى من شهد يوم غدير خم إلاّ قام .

فقام سبعة عشر رجلا منهم أبو قدامة الأنصاري . فقالوا : نشهد أنّا أقبلنا مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم من حجّة الوداع ، حتى إذا كان الظهر خرج فأمر بشجرات فشددن و ألقي عليهنّ ثوب . ثم نادى الصلاة فخرجنا فصلّينا ، ثم قام فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه . ثم قال : أيّها الناس أتعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ مولاي و أنا مولى المؤمنين ، و أنا أولى بكم من أنفسكم ؟ يقول ذلك مرارا قلنا : نعم . و هو آخذ بيدك يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه » ثلاث مرّات ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اسد الغابة ٣ : ٣٠٧ .

( ٢ ) اسد الغابة ٥ : ٢٧٦ .

٥٧٩

و منهم زاذان فروى ( مسند أحمد بن حنبل ) ، و ( سنن الترمذي ) كما في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) عن زاذان قال : سمعت عليّا عليه السّلام يقول في الرحبة ،

و هو ينشد الناس يقول : انشد اللّه رجلا سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول في يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » فقام ثلاثة عشر رجلا من الصحابة .

فشهدوا أنّهم سمعوا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ذلك .

و زاد الثاني في قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : « اللّهم وال من والاه ، و عاد من عاداه ،

و أدر الحقّ معه كيفما دار ، و حيث دار » و حكم بكون الحديث حسنا ١ .

و منهم بريدة . فروى ( فضائل أحمد بن حنبل ) كما في ( التذكرة ) أيضا عن بريدة قال : لمّا أنشد عليّ عليه السّلام الناس في الرحبة ، قام خلق كثير فشهدوا له بذلك . و في لفظ « فقام ثلاثون رجلا فشهدوا » ٢ .

و منهم عمرو بن ذي مر ، و يزيد بن نثيع ، و سعيد بن وهب ، و هاني بن هاني و قد مرّ في رواية ( اسد الغابة ) عن أبي إسحاق عنهم ، و عن جمع آخر لا يحصيهم رواية ذلك .

و منه يظهر تواتر استنشاده عليه السّلام كتواتر أصل قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم . و في ( الأغاني ) مسندا عن يزيد بن عيسى بن مروق قال : كنت بالشام زمن ولي عمر بن عبد العزيز فجئته فقال لي : ممّن أنت ؟ قلت : من أهل الحجاز . قال : من أيّهم ؟

قلت : من المدينة قال : من أيّهم ؟ قلت : من قريش قال : من أيّهم ؟ قلت : من بني هاشم . قال : من أيّ بني هاشم ؟ قلت : مولى عليّ . قال : من عليّ : فسكتّ . قال :

من ؟ قلت : ابن أبي طالب . و كان متّكئا على إزار و كساء من صوف ، فجلس

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنهما السبط في التذكرة : ٢٨ ، و الحديث في مسند أحمد ١ : ٨٤ ، و سنن الترمذي ٥ : ٦٣٣ ح ٣٧١٣ ، و لفظ الترمذي « من كنت مولاه فعليّ مولاه » بلا زيادة .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ٢٩ .

٥٨٠