بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥
0%
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632
« و مساجدهم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( مساجدهم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ١ لأنّ المقام مقام الفصل لا الوصل .
« يومئذ » غامرة هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( عامرة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ و بقرينة ما بعده .
« من البناء ، خراب من الهدى » عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : يأتي في آخر الزمان ناس من امّتي يأتون المساجد ، فيقعدون حلقا ذكرهم الدنيا و حبّ الدنيا ، لا تجالسوهم فليس للّه بهم حاجة .
و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : للبغي في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش ٣ .
و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : لا تزخرفوا مساجدكم كما زخرفت اليهود و النصارى بيعهم ٤ .
و في الخبر : إذا قام القائم جعل المساجد جمّا لا شرف لها كما كانت على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ٥ .
و في الأثر إذا خرج القائم عليه السّلام أمر بهدم المنار و المقاصير الّتي في المساجد ٦ .
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إذا فعلت أمّتي خمس عشرة خصلة حلّ بها البلاء إلى أن قال و ارتفعت الأصوات في المساجد ٧ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) توجد الواو في شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٨ . و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٢٣ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٨ . و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٢٣ .
( ٣ ) جامع الأخبار للشعيري : ٧٠ .
( ٤ ) لب اللباب للراوندي ، عنه المستدرك ١ : ٢٢٨ باب ١٢ ح ١ .
( ٥ ) الغيبة للطوسي : ٢٨٣ ، و النقل بالمعنى .
( ٦ ) كشف الغمة للاربلي ، عنه المستدرك ١ : ٢٣٠ ح ١ ، و اثبات الوصية للمسعودي : ٢١٥ .
( ٧ ) الخصال للصدوق ٢ : ٥٠٠ ح ١ .
و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم : لا تقوم الساعة حتّى يتبايع الناس في المساجد ١ .
« سكّانها و عمّارها شرّ أهل الأرض . منهم تخرج الفتنة ، و إليهم تأوى الخطيئة » رووا أنّ المأمون أمر بإشخاص سليمان بن محمّد الخطّابي من البصرة و كان إمام مسجدها و كان رأى على سارية منه « رحم اللّه عليّا إنّه كان تقيّا » فأمر بإزالته ، فلمّا مثل بين يديه قال له : أنت القائل « العراق عين الدنيا ، و البصرة عين العراق ، و المربد عين البصرة ، و مسجدي عين المربد ، و أنا عين مسجدي » و أنت أعور ؟ فإذن عين الدنيا عوراء . قال : لم أقل ذلك ، و لا أظنّ أنّك أحضرتني لذلك . قال : بلغني أنّك أصبحت فوجدت على سارية من سواري مسجدك « رحم اللّه عليّا إنّه كان تقيّا » فأمرت بمحوه . قال كان « لقد كان نبيّا » فأمرت بإزالته . فقال له المأمون : كذبت كانت القاف أصح من عينك الصحيحة . و و اللّه لو لا أن اقيم لك سوقا عند العامة لأحسنت تأديبك .
« يردّون من شذّ » من باب مدّ و فرّ .
« عنها فيها » أي : يردّون من تفرّق عن الفتنة فيها كما يردّ الراعي شاة تفرّقت عن الأغنام فيها .
« و يسوقون من تأخّر عنها إليها » كما يسوق السائق حمارا أو بقرا تأخّر عنهما إليهما ، و ردّهم كذلك ، و سوقهم كذلك لجدّيتهم في رواج الفتنة و صيرورتها معمولا بها .
و في ( عقاب الأعمال ) عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : سيأتي على امّتي زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه ، و لا من الاسلام إلاّ اسمه يسمّون به و هم أبعد الناس منه . مساجدهم عامرة ( من البناء ) و هي خراب من الهدي . فقهاء ذلك الزمان
ــــــــــــــــ
( ١ ) لب اللباب للراوندي : عنه المستدرك ١ : ٢٣٠ ح ٧ .
شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء منهم خرجت الفتنة ، و إليهم تعود ١ .
« يقول اللّه تعالى : فبي حلفت لأبعثنّ على اولئك فتنة أترك الحليم » هكذا في ( النسخ ) ، و الصواب : ( الحكيم ) و قد نسبه ابن ميثم إلى رواية ٢ .
« فيها حيران » لا يرى وجه خلاص له كلّما فكر .
في ( عقاب الأعمال ) عن الباقر عليه السّلام : أنّ اللّه تعالى أنزل كتابا من كتبه على نبي من الأنبياء و فيه أن يكون خلق من خلقي يختتلون الدنيا بالدين . يلبسون مسوك الضان على قلوب كقلوب الذئاب . أشدّ مرارة من الصبر ، و ألسنتهم أحلى من العسل ، و أعمالهم الباطنة أنتن من الجيف . فبي يغترّون ؟ أم إيّاي يخادعون ؟ أم عليّ يجترئون ؟ فبعزّتي حلفت ، لأبعثنّ عليهم فتنة تطأ في خطامها حتّى تبلغ أطراف الأرض ، تترك الحكيم منها حيران فيها ، رأي ذي الرأي ، و حكمة الحكيم ألبسهم شيعا و اذيق بعضهم بأس بعض أنتقم من أعدائي بأعدائي فلا ابالي .
و عنه عليه السّلام قال : سئل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيم النجاة غدا ؟ قال : إنّما النجاة في ألاّ تخادعوا اللّه فيخذعكم ، فانه من يخادع اللّه يخدعه و ينزع منكم الايمان و نفسه يخدع لو يشعر . قيل له : فكيف يخادع اللّه ؟ قال : يعمل بما أمر اللّه ثم يريد به غيره فاتقوا اللّه في الرياء فانه شرك باللّه إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك ، و بطل أجرك ، فلا خلاص لك اليوم ، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له .
و عن الصادق عليه السّلام قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : سيأتي على امّتي زمان تخبث فيه سرائرهم ، و تحسن علانيتهم طمعا في الدنيا . لا يريدون به ما عند اللّه عزّ و جلّ
ــــــــــــــــ
( ١ ) عقاب الاعمال : ٣٠١ ح ٤ .
( ٢ ) كذا في نهج البلاغة ٤ : ٨٨ . و شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٨ و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٢٤ .
يكون أمرهم رياء لا يخالطه خوف ، يعمّهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم .
و عنه عليه السّلام قال عليّ عليه السّلام : إنّ في جهنّم رحى تطحن أفلا تسألوني ما طحنها ؟ فقيل له : و ما طحنها يا أمير المؤمنين ؟ فقال : العلماء الفجرة ، و القرّاء الفسقة ، و الجبابرة الظلمة ، و الوزراء الخونة ، و العرفاء الكذبة ، و إنّ في النار لمدينة يقال لها : الحصينة . أفلا تسألوني ما فيها ؟ فقيل له : و ما فيها يا أمير المؤمنين ؟ قال : فيها أيدي الناكثين ١ .
و عنهم عليه السّلام يقول عزّ و جل : « إذا عصاني من خلقي من يعرفني ، سلّطت عليه من لا يعرفني » ٢ .
« و قد فعل » هكذا في ( النسخ ) ٣ ، و كأنّه مصحّف « و كذلك يفعل » لأنّ مقوله تعالى إلى قوله « حيران » ، و أمّا هذا فكلامه عليه السّلام تصديقا لقوله تعالى ، نظير تصديق اللّه تعالى لقول ملكة سبأ : إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزّة أهلها أذلّة في قوله تعالى : و كذلك يفعلون ٤ .
« و نحن نستقيل اللّه » أي : نطلب تجاوزه .
« عثرة الغفلة » عنه تعالى حتّى لا يجعلنا مثل اولئك .
ــــــــــــــــ
( ١ ) عقاب الأعمال : ٣٠١ ٣٠٤ .
( ٢ ) أخرجه الصدوق في اماليه : ١٩٠ ح ١٢ ، المجلس ٤٠ . عن السجاد عليه السّلام و الكليني في الكافي ٢ : ٢٧٦ ح ٣٠ عن الصادق عليه السّلام .
( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ٤ : ٨٨ . و شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٤٠٩ و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٢٤ .
( ٤ ) النمل : ٣٤ .
٢
الحكمة ( ٤٦٨ ) و قال ع يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ اَلْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَ لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ لا تَنْسَوُا اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ٣٠ ٣٤ ٢ : ٢٣٧ تَنْهَدُ فِيهِ اَلْأَشْرَارُ وَ تُسْتَذَلُّ اَلْأَخْيَارُ وَ يُبَايِعُ اَلْمُضْطَرُّونَ وَ قَدْ نَهَى ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ عَنْ بَيْعِ اَلْمُضْطَرِّينَ أقول : الأصل فيه رواية عيون ابن بابويه عن الرضا عن آبائه عليه السّلام عن الحسين عليه السّلام قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : سيأتي على الناس زمان عضوض يعضّ المؤمن على ما في يده و لم يؤمر بذلك ، قال اللّه تعالى : و لا تنسوا الفضل بينكم إنّ اللّه بما تعملون بصير ١ .
و سيأتي زمان يقدّم فيه الأشرار ، و ينسىء فيه الأخيار ، و يبايع المضطر ،
و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع المضطر ، و عن بيع الغرر ، فاتّقوا اللّه يا أيّها الناس ، و اصلحوا ذات بينكم و احفظوني في أهلي ٢ .
و رواه ( سنن أبي داود ) عن شيخ من بني تميم قال : خطبنا عليّ عليه السّلام فقال : سيأتي على الناس زمان عضوض يعضّ الموسر على ما في يديه و لم يؤمر بذلك . قال اللّه تعالى : و لا تنسوا الفضل بينكم و يبايع المضطرّون و قد نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع المضطر ، و بيع الغرر ، و بيع الثمرة قبل أن تدرك ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) البقرة : ٢٣٧ .
( ٢ ) عيون الاخبار للصدوق ٢ : ٤٥ ح ١٦٨ و مسند الرضا عليه السّلام فيه : ٤٩٠ .
( ٣ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٥٥ ح ٣٣٨٢ .
« يأتي على الناس زمان عضوض » أي : زمان يعضّ الناس ككلب كلب . قال ابن أحمر :
نأت عن سبيل الخير إلاّ أقلّه
و عضّت من الشر القراح بمعظم ١
« يعض الموسر على ما في يديه » فلا يدع أن يخرج منه خير إلى غيره .
« و لم يؤمر بذلك » ( بل بضدّه ) قال اللّه سبحانه : و لا تنسوا الفضل بينكم ٢ .
و في ( الكافي ) عن الباقر عليه السّلام : إنّ الشمس لتطلع ، و معها أربعة أملاك .
ملك ينادي : يا صاحب الخير أتمّ و أبشر ، و ملك ينادي : يا صاحب الشرّ إنزع و أقصر ، و ملك ينادي : أعط منفقا خلفا ، و آت ممسكا تلفا ، و ملك ينضحها بالماء ، و لو لا ذلك اشتعلت الأرض .
و عن الصادق عليه السّلام : من يضمن أربعة بأربعة أبيات في الجنّة ؟ أنفق و لا تخف فقرا ، و أنصف الناس من نفسك ، و أفش السلام في العالم ، و اترك المراء و إن كنت محقّا .
و عن الرضا عليه السّلام قال لمولى له : هل أنفقت اليوم شيئا ؟ فقال لا فقال فمن أين يخلف اللّه علينا . أنفق و لو درهما واحدا .
و عنه عليه السّلام كتب إلى ابنه الجواد عليه السّلام بلغني أنّ الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير . فإنّما ذلك من بخل منهم لئلاّ ينال منك أحد خيرا ،
و أسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك و مخرجك إلاّ من الباب الكبير . فإذا ركبت فليكن معك ذهب و فضّة ثمّ لا يسألك أحد شيئا إلاّ أعطيته ، و من سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين دنيارا ، و الكثير إليك ، و من سألك
ــــــــــــــــ
( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٣٠٥ ، مادة ( عضّ ) .
( ٢ ) البقرة : ٢٣٧ .
من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة و عشرين دينارا ، و الكثير إليك . إني إنّما اريد بذلك أن يرفعك اللّه فانفق ، و لا تخش من ذي العرش إقتارا ١ .
و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ما محق الإسلام محق الشحّ شيء . إنّ لهذا الشحّ دبيبا كدبيب النمل ، و شعبا كشعب الشرك و في نسخة ( الشوك ) ٢ .
و عن الصادق عليه السّلام : جاء رجل الى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال : إنّي شيخ كثير العيال قليل المال فنظر صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى أصحابه و قال : قد أسمعنا . فقام رجل و قال :
كنت بالأمس مثلك . فذهب به إلى منزله فأعطاه مرودا من تبر ، و كانوا يتبايعون بالذهب و الفضة . فقال : هذا كلّه ؟ قال : نعم . قال : خذ تبرك . إنّي لست بإنسي و لا جنّي و لكنّي رسول من اللّه لأبلوك . فوجدتك شاكرا جزاك اللّه خيرا ٣ .
« تنهد » أي : تنهض و تقوم .
« فيه الأشرار و تستذلّ الأخيار » في ( العقد الفريد ) : دفع الحجّاج إلى محمّد بن المنتشر الهمداني رجلا ذميّا ، و أمره بالتشديد عليه ، و الاستخراج منه . قال :
فقال لي : إنّ لك لشرفا و دينا و انّي لا أعطي على القسر شيئا فارفق بي . ففعلت .
فأدّى إليّ في اسبوع خمسمئة ألف . فبلغ ذلك الحجاج . فأغضبه فانتزعه من يدي ، و دفعه إلى الّذي كان يتولّى له العذاب . فدقّ يديه و رجليه . فلم يعطه شيئا ،
و إنّي لسائر يوما في السوق إذ صاح بي صائح . فالتفتّ فإذا أنابه معترضا على حمار مدقوق اليدين و الرجلين .
فقال لي : إنّك وليت منّي ما ولي هؤلاء . فرفقت بي ، و إنّهم صنعوا بي ما
ــــــــــــــــ
( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٤٢ ٤٤ ح ١ ، ٥ ، ٩ ، ١٠ .
( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٤٥ ح ٥ .
( ٣ ) الكافي للكليني ٤ : ٤٨ ح ١١ ، و النقل بتصرف يسير .
ترى ولي خمسمئة ألف عند فلان فخذها مكافأة لما أحسنت إليّ . فقلت : ما كنت لآخذ منك شيئا .
قال : فأمّا إذ أبيت فاسمع منّي حديثا احدّثك به حدّثنيه بعض أهل دينك عن نبيّك أنّه قال : إذا رضي اللّه عن قوم أنزل عليهم المطر في وقته ، و جعل المال في سمحائهم ، و استعمل عليهم خيارهم ، و إذا سخط على قوم أنزل عليهم المطر في غير وقته ، و جعل المال في بخلائهم ، و استعمل عليهم شرارهم . فانصرفت فما وضعت ثوبي حتّى أتاني رسول الحجاج فأتيته فألفيته جالسا على فراشه ، و السيف مصلت بيده .
فقال لي : ادن . فدنوت شيئا ثمّ قال لي الثانية : ادن لا أبا لك . فقلت : ما بي إلى الدنوّ من حاجة ، و في يد الأمير ما أرى . فضحك و أغمد سيفه . و قال : إجلس ما كان من حديث الخبيث . فقلت له : أيّها الأمير ، و اللّه ما خنتك منذ ائتمنتني . ثمّ حدّثته فلمّا صرت إلى ذكر الرجل الّذي عنده المال أعرض عنّي بوجهه ، و أومأ إليّ أن لا تسمّه : ثمّ قال : إنّ للخبيث نفسا و قد سمع الأحاديث ١ .
« و يبايع المضطرّون و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع المضطرين » عقد الشيخ في ( الاستبصار ) بابا لكراهية مبايعة المضطر ، ثمّ روى خبرا عن الصادق عليه السّلام قال : « يأتي على الناس زمان عضوض يعضّ كلّ امرئ على ما في يديه ، و ينسى الفضل ، و قد قال تعالى و لا تنسوا الفضل بينكم ٢ ثمّ ينبري في ذلك الزمان أقوام يبايعون المضطرين اولئك هم شرار الناس » .
و روى خبرا آخر أنّه قيل للصادق : إنّ الناس يزعمون أنّ الربح على المضطر حرام ، و هو من الربا . فقال : و هل رأيت أحدا اشترى غنيا أو فقيرا إلاّ
ــــــــــــــــ
( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٢٦٦ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) البقرة : ٢٣٧ .
من ضرورة قد أحلّ اللّه البيع ، و حرّم الربا بع و اربح و لا ترب . . .
ثمّ قال : لا تنافي بينهما . فالمضطر الّذي في الخبر الأوّل محمول على المضطر الّذي يضطرّه غيره إلى البيع بالجبر و الاكراه ، و في الخبر الثاني محمول على الّذي تضطرّه حاجته لا غيره ١ .
قلت : بل المضطر في الخبر الأوّل محمول بقرينة صدره على عدم تفضل الموسرين على المعسرين حتّى يضطر المعسرون إلى بيع نفائسهم بأقل ثمن ، و مثله كلامه عليه السّلام فإنّ الأصل فيهما واحد .
و كلام آخرهم عليه السّلام ككلام أوّلهم لا ما قاله من أنّه في ما أجبره جبار ،
و الخبر الثاني مورده أنّ كلّ من يشتري شيئا لابد أنّه كان محتاجا إلى ذاك الشيء . فلا بأس أن يأخذ البائع ربحا بدون ربا لا كما يتوهمه بعض القاصرين من المتصوّفين من حرمة أخذ الربح من كلّ مشتر .
و يوضح كون المراد من الخبر الأوّل ما قلناه . ما رواه ( الكافي ) : أنّ رجلا قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام : إنّي رأيت في منامي كأنّي خارج من الكوفة في موضع أعرفه ، و كأنّ شبحا من خشب أو رجلا منحوتا من خشب على فرس من خشب يلوّح بسيفه ، و أنا اشاهده فزعا مرعوبا . فقال له عليه السّلام : أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته . فاتّق اللّه الّذي خلقك ثمّ يميتك .
فقال الرجل : أشهد أنّك اوتيت علما . إنّ رجلا من جيراني جاءني و عرض عليّ ضيعته فهممت أن أملكها بوكس كثير لما عرفت أنّه ليس لها طالب غيري .
فقال له عليه السّلام : و صاحبك يتولاّنا و يتبرّأ من أعدائنا ؟
فقال : نعم . رجل جيّد البصيرة ، مستحكم الدين ، و أنا تائب إلى اللّه تعالى
ــــــــــــــــ
( ١ ) كذا قال في الاستبصار ٣ : ٧١ و ٧٢ و النقل بتصرف يسير .
و إليك ممّا هممت به . فأخبرني لو كان ناصبا أيحلّ لي اغتياله .
فقال : أدّ الأمانة إلى من ائتمنك و أراد منك النصيحة ، و لو إلى قاتل الحسين عليه السّلام ١ .
هذا ، و روى زيادات ( حج التهذيب ) عن محمّد بن جعفر ، عن أبيه عليه السّلام قال : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : يأتي على الناس زمان يكون فيه حجّ الملوك نزهة ، و حجّ الأغنياء تجارة ، و حجّ المساكين مسألة ٢ .
٣
الخطبة ( ٩١ ) وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ ع أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا اَلنَّاسُ فَأَنَا فَقَأْتُ عَيْنَ اَلْفِتْنَةِ وَ لَمْ تَكُنْ لِيَجْرُأَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا وَ اِشْتَدَّ كَلَبُهَا فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ اَلسَّاعَةِ وَ لاَ عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً وَ تُضِلُّ مِائَةً إِلاَّ أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَ قَائِدِهَا وَ سَائِقِهَا وَ مُنَاخِ رِكَابِهَا وَ مَحَطِّ رِحَالِهَا وَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلاً وَ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً وَ لَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَ نَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ اَلْأُمُورِ وَ حَوَازِبُ اَلْخُطُوبِ لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ اَلسَّائِلِينَ وَ فَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ اَلْمَسْئُولِينَ وَ ذَلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ وَ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ وَ ضَاقَتِ اَلدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً تَسْتَطِيلُونَ مَعَهُ أَيَّامَ اَلْبَلاَءِ عَلَيْكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اَللَّهُ لِبَقِيَّةِ اَلْأَبْرَارِ مِنْكُمْ أقول : قال ابن أبي الحديد : و هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب
ــــــــــــــــ
( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٩٣ ح ٤٤٨ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) التهذيب للطوسي ٥ : ٤٦٢ ح ٢٥٩ .
السيرة و هي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها عليّ عليه السّلام بعد انقضاء امر النهروان ، و فيها ألفاظ لم يوردها الرضي . . . ١ .
و في ( إرشاد المفيد ) أبو بكر محمّد بن المظفر البزاز ، عن أبي مالك كثير بن يحيى ، عن محمّد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبد اللّه بن يونس ، عن سعد الكناني ، عن الأصبغ قال : لمّا بويع أمير المؤمنين عليه السّلام بالخلافة خرج إلى المسجد معتمّا بعمامة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم لابسا بردته ، فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ، و وعظ و أنذر ، ثمّ جلس متمكّنا و شبك بين أصابعه و وضعها أسفل سرّته .
ثمّ قال : يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني . سلوني فإنّ عندي علم الأولين و الآخرين . أما و اللّه لو ثني لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم إلى أن قال .
ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني فو الّذي فلق الحبّة ، و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية لأخبرتكم بوقت نزولها ، و فيم نزلت ، و أنبأتكم بناسخها من منسوخها ، و خاصّها من عامها ، و محكمها من متشابهها و مكّيها من مدنيّها ، و اللّه ما من فئة تضلّ أو تهدي إلاّ و أنا أعرف قائدها ، و سائقها ، و ناعقها إلى يوم القيامة ٢ .
و روى في ( أماليه ) مسندا عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي قال : كان عليّ عليه السّلام كثيرا ما يقول : سلوني قبل أن تفقدوني . فو اللّه ما من أرض مخصبة و لا مجدبة ، و لا فئة تضلّ مئة أو تهدي مئة إلاّ و أنا أعلم قائدها ، و سائقها و ناعقها إلى يوم القيامة » ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٨ .
( ٢ ) الإرشاد للمفيد : ٢٣ .
( ٣ ) أخرجه أبو علي الطوسي في اماليه ١ : ٥٨ ، جزء ٢ . عن طريق المفيد لكن لم يجىء في أمالي المفيد .
و روى الصفار في ( بصائره ) عن الأصبغ قال : سمعت عليّا عليه السّلام يقول على هذا المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، و اللّه ما أرض مخصبة و لا مجدبة ،
و لا فئة تضلّ مئة أو تهدي مئة إلاّ و قد عرفت قائدها و سائقها ، و قد أخبرت بهذا رجلا من أهل بيتي يخبرها كبيرهم لصغيرهم إلى أن تقوم الساعة ١ .
و روى ابن عقدة كما في ( غيبة النعماني ) عن أحمد بن محمّد الدينوري ، عن علي بن الحسن الكوفي ، عن عميرة بنت دوس ، عن جدّها الخضر بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن جدّه عمر بن سعيد قال : قال علي عليه السّلام يوما لحذيفة : لا تحدّث الناس بما لا يعرفون فيكفروا . إنّ من العلم صعبا شديدا محمله لو حملته الجبال عجزت عن حمله إلى أن قال يا ابن اليمان إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم تفل في فمي ، و أمرّ يده على صدري ، و قال : اللّهمّ أعط خليفتي ،
و وصيّي ، و قاضي ديني و منجز وعدي و أمانتي و وليّي في حوضي ،
و ناصري على عدوّك و عدوّي ، و مفرّج الكرب عن وجهي ، ما أعطيت آدم من العلم ، و نوحا من الحلم ، و إبراهيم من العترة الطيبة و السماحة ، و أيّوب من الصبر عند البلاء ، و داود من الشدّة عند منازلة الأقران ، و سليمان من الفهم .
اللّهمّ لا تخف على علي شيئا من الدنيا حتّى تجعلها كلّها بين عينيه ، مثل المائدة الصغيرة بين يديه . اللّهمّ أعطه حلاوة موسى ، و أجعله في نسله شيبه عيسى . اللّهمّ إنّك خلّفتني عليه ، و على عترته ، و ذرّيّته الطيبة المطهّرة الّتي أذهبت عنها الرجس و النجس ، و صرفعت عنها ملامسة الشيطان . اللّهمّ إن بغت قريش عليه ، و قدّمت غيره عليه ، فاجعله بمنزلة هارون من موسى إذا غاب عنه موسى .
ثمّ قال : يا عليّ كم في ولدك من ولد فاضل يقتل و الناس قيام ينظرون لا
ــــــــــــــــ
( ١ ) البصائر : ٣١٩ ح ١٣ .
يغيّرون . إنّ القاتل و الآمر و الشاهد الّذي لا يغيّر ، كلّهم في الإثم و اللّعان مشتركون .
يا ابن اليمان إنّ قريش لا تشرح صدورها ، و لا ترضى قلوبها ، و لا تجري ألسنتها ببيعة عليّ و موالاته إلاّ على الكره و العمى .
يا ابن اليمان ستبايع قريش عليّا ثمّ تنكث عليه و تحاربه و تناضله و ترميه بالعظائم ، و بعد عليّ يلي الحسن ، و سينكث عليه . ثمّ يلي الحسين فتقتله فلعنت امّة تقتل ابن بنت نبيّها ، و لا تعزّ من امّة ، و لعن القائد لها ،
و المرتّب لفاسقها .
و الّذي نفس عليّ بيده لا تزال هذه الامّة بعد قتل الحسين ابني في ضلالة و ظلمة و جور ، و اختلاف في الدين ، و تبديل لما أنزل اللّه تعالى في كتابه ،
و إظهار البدع ، و إبطال السنن ، و ترك محكمات حتّى تنسلخ من الاسلام و تدخل في العمى . ما لكم يا بني اميّة ؟ لا هديتم يا بني اميّة و ما لكم يا بني فلان ؟ لكم الاتعاس . فما في بني فلان إلاّ ظالم معتد متمرّد على اللّه بالمعاصي ، قتّال لولدك ، هتّاك لستر حرمتي . فلا تزال هذه الامّة جبّارين يتكالبون على حرام الدنيا منغمس في بحار الهلكات ، و في أودية الدماء ، حتّى اذا غاب المتغيّب من ولدي عن عيون الناس ، و ماج الناس بفقده أو بقتله أو بموته ، أطلعت الفتنة ،
و نزلت البلية ، و التحمت العصبية ، و غلا الناس في دينهم ، و أجمعوا على أنّ الحجّة ذاهبة و الإمامة باطلة ، و تحجّ حجيج الناس في تلك السنة من شيعة عليّ و تواصيهم التمكن و التجسس عن خلف الخلفاء ، فلا يرى له أثر . فعند ذلك سبّت شيعة علي . سبّها أعداؤها ، و غلبت عليها الأشرار و الفسّاق باحتجاجها ،
حتّى إذا بقيت الامّة ، و تدلّهت و أكثرت في قولها إنّ الحجّة هالكة ، و الإمامة باطلة . فوربّ علي إنّ حجّتها عليها قائمة ماشية في طرقاتها ، داخلة في دورها و قصورها ، جوّالة في شرق الأرض و غربها ، تسمع الكلام و تسلّم على
الجماعة ، ترى و لا ترى الى الوقت و الوعد ، و نداء المنادي من المساء ١ .
و في أوّل ( غارات الثقفي ) عن إسماعيل بن أبان ، عن عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن فهد ، عن المنصور بن عمرو ، عن زرّ بن حبيش ، و عن أحمد بن عمران الأنصاري عن أبيه ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو عن زرّ قال : خطب علي عليه السّلام بالنهروان فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس أمّا بعد ، فأنا فقأت عين الفتنة و لم يكن أحد ليجترىء عليها غيري .
و في حديث أبن أبي ليلى : « لم يكن ليفقأها أحد غيري » .
إلى أن قال سلوني قبل أن تفقدوني ، إنّي ميّت أو مقتول بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم و ضرب بيده إلى لحيته و الّذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء في ما بينكم و بين الساعة ، و لا عن فئة تضلّ مئة ، أو تهدي مئة إلاّ نبّأتكم بناعقها و سائقها .
فقام إليه رجل . فقال : حدّثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء . قال عليه السّلام : إنّكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل ، و إذا سئل مسؤول فليتثبّت . ألا و إنّ من ورائكم امورا أتتكم جللا مزوجا ، و بلاء مكلحا مبلحا . و الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة أن لو فقد تموني ، و نزلت كرائه الامور ، و حقائق البلاء . لقد أطرق كثير من السائلين ، و فشل كثير من المسؤولين ، و ذلك إذا قلصت حربكم و شمّرت عن ساق ، و كانت الدنيا بلاء عليكم ، على أهل بيتي حتّى يفتح اللّه لبقية الأبرار الخبر ٢ .
« أما بعد أيّها الناس فأنا فقأت عين الفتنة » في ( القاموس ) : فقأ العين و البثرة و نحوهما كمنع : كسرها أو قلعها أو بخقها كفقأها ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) الغيبة للنعماني : ٩٣ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) الغارات للثقفي ١ : ٢ .
( ٣ ) القاموس المحيط للفيروز آبادي ١ : ٢٣ ، مادة ( فقأ ) .
و المراد فقؤه عليه السّلام عين فتنة : الجمل ، و صفين ، و النهروان .
هذا ، و كانت العرب إذا بلغت إبلهم ألفا فقؤوا عين الفحل فإن زادت فقؤوا الاخرى . فذلك المقفّى و المعمّى ، و كانوا يفتخرون بذلك قال :
فقأت لها عين الفحيل تعيفّا
و فيهن رعلاء المسامع و الحام
أيضا :
و هب لنا و أنت ذو امتنان
يفقأ فيها أعين البعران
قالوا : كان عامر بن الطفيل يوم فيف الريح ( اسم مكان كان به الوقعة ) يتعهد الناس فيقول : يا فلان ما رأيتك فعلت شيئا . فمن أبلى فليرني سيفه أو رمحه ، فكان كلّ من أبلى بلاء حسنا أتاه فأراه الدم على سنان رمحه أو سيفه .
فأتاه رجل من العدوّ . فقال : انظر ما صنعت بالقوم انظر إلى رمحي . فلمّا أقبل عليه لينظر و جاه بالرمح في و جنته ففلقها و فقأ عينه ، و ترك رمحه و عاد إلى قومه . دعاه إلى ذلك ما رآه يفعل بقومه . فقال : هذا و اللّه مبير قومي . و فقأ رجل عين آخر بحديدة محماة . فسمّى بنوه بني سمّال .
و في ( العقد ) من نوكي الأشراف عجل بن لجيم ، أرسل ابنه فرسا في حلبة فجاء سابقا . فقال له : يا أبه ما ترى اسمّيه ؟ قال : افقأ إحدى عينيه ، و سمّه الأعور . قال الشاعر :
رمتني بنو عجل بداء أبيهم
و أيّ عباد اللّه أنوك من عجل
أ ليس أبوهم عار عين جواده
فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل ١
« و لم تكن ليجرؤ » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( ليجترئ ) كما في ( ابن
ــــــــــــــــ
( ١ ) العقد الفريد ٧ : ١٤٩ ، و النقل بتصرف يسير .
أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ، و كما مرّ عن الثقفي ١ .
« عليها أحد غيري » لعدم علمهم بقتال أهل القبلة . قال الصادق عليه السّلام : لو لم يقاتلهم أمير المؤمنين عليه السّلام لم يدر أحد بعده كيف يسير فيهم ٢ .
و في ( المناقب ) : إنّ لمحمّد بن الحسن الفقيه كتابا يشتمل على ثلاثمئة مسألة في قتال أهل البغي بناء على فعل عليّ عليه السّلام ٣ .
و قتل عليه السّلام في صفين المقبل و المدبر ، و أجهز على الجريح لكون قائدهم معاوية باقيا و قال عليه السّلام يوم الجمل بعد قتل طلحة و الزبير : لا تتبعوا موليّا ، و لا تجهزوا على جريح ٤ .
ثمّ مراده عليه السّلام بقوله « و لم يكن ليجترئ عليها أحد غيري » من باقي الناس ،
لا أهل بيته . فأهل بيته عليه السّلام مثله .
و ممّا ذكرنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد : لو لا أنّه عليه السّلام اجترأ على سلّ السيف فيها ما أقدم أحد عليه ، حتّى الحسن عليه السّلام ابنه أشار عليه ألاّ يبرح عرصة المدينة ، و نهاه عن المسير إلى البصرة حتّى قال له منكرا عليه إنكاره ، و لا تزال تحنّ حنين الامّة ، و قد روى ابن هلال أنّه كلّم أباه في قتال أهل البصرة بكلام أغضبه . فرماه ببيضة حديد عقرت ساقه فعولج منها شهرين . . . ٥ ، غلط ، و خبراه من الروايات المجعولة من العامة . و كيف يعقل اعتراض من شهد القرآن بعصمته في صغره في قوله تعالى : إنّما يريد
ــــــــــــــــ
( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٧٣ . و الغارات ١ : ٦ . لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٧ مثل المصرية .
( ٢ ) التهذيب للطوسي ٦ : ١٤٥ ح ٥ .
( ٣ ) مناقب السروي ٢ : ٤٤ .
( ٤ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٥١٨ و ٥٤٥ ، لسنة ٣٦ ، و البلاذري في أنساب الأشراف ٢ : ٢٦٢ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ٧٧ و غيرهم .
( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٥ .
اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ ، و من باهل به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم في صباه في قوله جلّ و علا : قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم . . . ٢ في كبره على أمير المؤمنين عليه السّلام .
و لو أغمضنا عن ذلك كيف يمكن أن يخفى على الحسن عليه السّلام وجه الحكمة في وجوب قتال الناكثين لبيعة أبيه و المفسدين في الأرض ؟ أما كان سمع قوله تعالى : فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه ٣ و كان تركهم خلاف الشريعة و السياسة ؟
ثمّ كيف يفعل مثل أمير المؤمنين عليه السّلام ما نسبه اليه ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
قال ابن أبي الحديد من الخطبة مما لم ينقله الرضي قوله عليه السّلام : « و لو لم أك فيكم لما قوتل أصحاب الجمل و أهل النهروان » و لم يذكر عليه السّلام صفين . قيل :
لأنّ الشبهة كانت في أهل الجمل و أهل النهروان ظاهرة الالتباس ، لأنّ طلحة و الزبير موعودان بالجنّة ، و عائشة موعودة أن تكون زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الآخرة كما هي زوجته في الدنيا ، و حال طلحة و الزبير في السبق و الجهاد و الهجرة معلومة و حال عائشة في محبّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لها و ثناؤه عليها ، و نزول القرآن فيها معلوم .
و أمّا أهل النهروان فكانوا أهل قرآن و عبادة و اجتهاد ، و عزوف عن الدنيا و إقبال على امور الآخرة ، و هم كانوا قرّاء أهل العراق و زهّادها .
و أمّا معاوية فكان فاسقا مشهورا بقلّة الدين و الانحراف عن الاسلام ،
ــــــــــــــــ
( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .
( ٢ ) آل عمران : ٦١ .
( ٣ ) الحجرات : ٩ .
و كذلك ناصره و مظاهره على أمره عمرو بن العاص ، و من اتّبعهما من طغام أهل الشام و أجلافهم و جهّال الاعراب ، فلم يكن أمرهم خافيا في جواز محاربتهم و استحلال قتالهم ( كأهل الجمل و النهروان ) ١ .
قلت : كلامه كلّه خبط في خبط . ففيه أوّلا : من أين أنّه عليه السّلام اقتصر على ما قال . فقد نقل ( البحار ) عن ( غارات الثقفي ) أنّه قال : لو لم أكن فيكم ما قوتل أهل الجمل ، و لا أهل صفين ، و لا أهل النهروان ٢ .
و كذلك رواه ابن ميثم فقال : قال عليه السّلام : « أمّا بعد ، فأنا فقأت عين الفتنة شرقيّها و غربيّها ، و منافقها و مارقها ، لم يكن ليجتري عليها غيري و لو لم أكن لما قوتل أصحاب الجمل و لا صفين و لا أصحاب النهروان ٣ .
و ثانيا : إنّ جمعا من الأجلاّء عندهم كابن عمر ، و محمّد بن مسلمة ، و أبي موسى الأشعري ، و سعد بن أبي وقاص و هو عندهم من العشرة و هو من الستة استشكلوا في قتال أهل صفين و كانوا من القاعدين .
و ثالثا : إنّ زهادهم و قرّأءهم ، و في رأسهم ربيع بن خثيم استشكلوا في قتال معاوية . فروى ( صفين نصر بن مزاحم ) : أنّه عليه السّلام لمّا ندب الناس إلى حرب معاوية أتاه جمع من أصحاب عبد اللّه بن مسعود منهم ربيع بن خثيم ، و هم يومئذ أربعمائة رجل . فقالوا : إنّا قد شككنا في هذا القتال ، و لا غنى بك و لا بنا و لا بالمسلمين عمّن يقاتل العدوّ من الكفّار ، فولّنا بعض الثغور . فوجّه الربيع على ثغر الري ٤ .
و روى أبو حنيفة الدينوري في ( الأخبار الطوال ) : أنّ جلّ الناس أجاب
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٩ .
( ٢ ) الغارات للثقفي ١ : ٧ و ١٦ . و عنه فتن البحار للمجلسي : ٦٧١ .
( ٣ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٣٨٩ .
( ٤ ) وقعة صفين : ١١٥ ، و النقل بتصرف يسير .
عليّا عليه السّلام إلى المسير إلى الشام إلاّ أصحاب عبد اللّه بن مسعود و عبيدة السلماني و ربيع بن خثيم في نحو من أربعمئة رجل من القرّاء . فقالوا : يا أمير المؤمنين قد شككنا في هذا القتال ، فولّنا بعض هذه الثغور . فولاّهم ثغر قزوين و الري ، و ولّى عليهم الربيع ، و عقد له لواء و كان أوّل لواء عقد بالكوفة ١ .
و كيف لا يستشكون في قتال معاوية ، و قد سمّو قيامه عليه السّلام فتنة . فروى ( استيعاب أبي عمرو ) هو من كتبهم المعتبرة في اسامة أنّ عليّ بن حشرم قال : قلت لوكيع : من سلم من الفتنة ؟ قال : أمّا المعروفون من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فأربعة : سعد بن مالك ، و عبد اللّه بن عمر ، و محمّد بن مسلمة ،
و اسامة بن زيد و احتلط سائرهم قال : و لم يشهد أمرهم من التابعين أربعة :
الرفيع بن خثيم ، و مسروق بن الأجدع ، و الأسود بن يزيد ، و أبو عبد الرحمن السلمي ٢ .
و روى نصر بن مزاحم أنّه عليه السّلام لمّا حرّض الناس لقتال أهل الشام ، و قال :
« سيروا إلى أعداء السنن و القرآن سيروا إلى بقية الأحزاب ، قتلة المهاجرين و الأنصار » فقام رجل من بني فزارة يقال له : أربد . فقال : أتريد أن تسيّرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى اخواننا من أهل البصرة . . . ٣ .
و روى المفيد عن سعيد بن المسيّب قال : سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن عليّ عليه السّلام فقال له ابن عباس : إنّ عليّا عليه السّلام صلّى القبلتين ، و بايع
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه الدينوري في الأخبار الطوال : ١٧٦ . و ابن مزاحم في وقعة صفين : ١١٥ ، و النقل بتلخيص .
( ٢ ) الاستيعاب ١ : ٥٩ .
( ٣ ) وقعة صفين : ٩٤ .
البيعتين ، و لم يعبد صنما و لا وثنا ، و لم يضرب على رأسه بزلم ، و لا قدح .
ولد على الفطرة و لم يشرك بالله طرفة عين .
فقال الرجل : إنّي لم أسألك عن هذا ، و إنّما سألتك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتّى أتى البصرة . فقتل بها أربعين ألفا ثمّ سار إلى الشام فلقي حواجب العرب . فضرب بعضهم ببعض حتّى قتلهم ، ثمّ أتى النهروان و هم مسلمون فقتلهم عن آخرهم .
و في آخره : قال له ابن عباس : و علم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم كلّهم في علم عليّ عليه السّلام كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر ١ .
و قال المسعودي في ( مروجه ) : نادى منادي المأمون في سنة ( ٢١٢ ) أن برئت الذمة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدّمه على أحد من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و انشئت الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر . فأعظم الناس ذلك و أكبروه و اضطربت العامّة فاشير عليه بترك ذلك فأعرض عمّا كان همّ به ٢ .
قلت : لم يكبر اولئك سبّ أمير المؤمنين عليه السّلام و هو نفس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بنص القرآن ٣ ثمانين سنة ، و أكبروا سبّ معاوية و هو عدوّ اللّه و عدوّ رسوله ساعة .
و روى الآبي عن العلاء بن صاعد قال : لمّا حمل رأس صاحب الزنج و دخل به المعتضد إلى بغداد دخل في جيش لم ير مثله . فلمّا صار بباب الطاق صاح قوم : « رحم اللّه معاوية » و زاد حتّى علت أصوات العامة . فتغيّر وجه
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه المفيد في أماليه : ٢٣٥ ح ٦ ، المجلس ٢٧ .
( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٤٥٤ و ٤٥٥ .
( ٣ ) استنادا الى قوله تعالى : أنفسنا و أنفسكم ( آل عمران : ٦١ ) .