بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632

  • البداية
  • السابق
  • 632 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40471 / تحميل: 4348
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

في ظلّ الترس ، و إذا فارس يسأل عنه . فقلت : يا أمير المؤمنين هذا فارس يريدك . قال : فأشر إليه . فأشرت إليه فجاء فقال : يا أمير المؤمنين قد عبر القوم ،

و قد قطعوا النهر فقال : كلاّ ما عبروا .

فقال : بلى و اللّه لقد فعلوا ، و انّه لكذلك إذ جاء آخر فقال : يا أمير المؤمنين قد عبر القوم . قال : كلاّ ما عبروا . قال : و اللّه ما جئتك حتّى رأيت الرايات في ذلك الجانب و الأثقال . قال : و اللّه ما فعلوا و إنّه لمصرعهم و مهراق دمائهم ثمّ نهض و نهضت معه .

فقلت في نفسي : الحمد للّه الّذي بصّرني هذا الرجل ، و عرّفني أمره هذا أحد رجلين إمّا رجل كذّاب جريّ أو على بيّنة من ربّه ، و عهد من نبيّه ، اللهمّ إنّي اعطيك عهدا تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أوّل من يقاتله ، و أوّل من يطعن بالرمح في عينه ، و إن كان القوم لم يعبروا أن اقيم على المناجزة و القتال ، فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات و الأثقال كما هي . فأخذ بقفائي و دفعني ثمّ قال : يا أخا الأزد أتبيّن لك الامر ؟ قلت : أجل يا أمير المؤمنين . فقال : شأنك بعدوّك . فقتلت رجلا من القوم ثمّ قتلت آخر ثمّ اختلفت أنا و رجل أضربه و يضربني . فوقعنا جميعا فاحتملني أصحابي و أفقت حين أفقت و قد فرغ من القوم . و هذا حديث مشهور شائع بين نقلة الآثار ١ .

قلت : و في الخبر زيادة دلالة إخباره عليه السّلام بشكّ الرجل .

و في الخامس : روينا بإسناد متّصل إلى الأصبغ قال : لمّا رحل علي عليه السّلام من نهر براثا إلى النهروان ، و قد قطع جسرها ، و سمرّت سفنها . فنزل و قد سرّح الجيش إلى جسر بوران ، و معه رجل من أصحابه قد شكّ في قتال الخوارج .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد : ١٦٧ .

٤٦١

فإذا رجل يركض . إلى أن قال لمّا بلغ الخوارج نزولك البارحة نهر براثا ولّوا هاربين . فقال له عليّ عليه السّلام : « أنت رأيتهم حين ولّوا » قال : نعم . قال : « كذبت . لا و اللّه ما عبروا النهروان ، و لا يجاوزوا الأثيلات و لا النخيلات حتّى يقتلهم اللّه عزّ و جلّ على يدي ، عهد معهود و قدر مقدور . لا ينجو منهم عشرة و لا يقتل منّا عشرة . . . ١ .

و في السادس : في الخبر لمّا خرج عليه السّلام إلى أصحاب النهر جاءه رجل من أصحابه . فقال : البشرى يا أمير المؤمنين إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك فأبشر فقد منحك اللّه أكتافهم . فقال : اللّه أنت رأيتهم قد عبروا . فقال :

نعم . فقال عليه السّلام : « و اللّه ما عبروه و لن يعبروه و إنّ مصارعهم دون النطفة ،

و الّذي فلق الحبة و برأ النسمة لم يبلغوا الأثلاث ، و لا قصر توران حتّى يقتلهم اللّه ، و قد خاب من افترى » قال ثمّ جاءه جماعة من أصحابه ، واحدا بعد آخر كلّهم يخبره بما أخبره الأوّل . فركب عليه السّلام و سار حتّى انتهى إلى النهر . فوجد القوم بأسرهم قد كسروا جفون سيوفهم و عرقبوا خيولهم ، و جثوا على الركب ، و حكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل .

و روي أنّ شابّا من أصحابه قال في نفسه حين حكم عليه السّلام بما حكم من أمرهم و سار إلى النهر لبيان صدق حكمه : و اللّه لأكوننّ قريبا منه فإن كانوا عبروا النهر لأجعلنّ سنان رمحي في عينه . أيدعي علم الغيب فلمّا وجدهم لم يعبروا نزل عن فرسه و أخبره بما روى في نفسه و طلب منه أن يغفر له فقال عليه السّلام له : « إنّ اللّه هو الّذي يغفر الذنوب جميعا فاستغفره » .

و فيه أيضا روي أنّه عليه السّلام قال لأبي أيّوب الأنصاري و كان على ميمنته لمّا بدأت الخوارج بالقتال : إحملوا عليهم فو اللّه لا يفلت منهم عشرة ، و لا يهلك

ــــــــــــــــ

( ١ ) خرج المهموم : ١٠٥ .

٤٦٢

منكم عشرة . فلمّا قتلهم وجد المفلت منهم تسعة ، و المقتول من أصحابه ثمانية ١ .

و قال ابن أبي الحديد : هذا الخبر من الأخبار الّتي تكاد تكون متواترة لاشتهاره . و نقل الناس كافة له ، و هو من معجزاته و أخباره المفصّلة عن الغيوب . فالاخبار المفصّلة عن الغيوب مثل هذا الخبر فإنّه لا يحتمل التلبيس لتقييده بالعدد المعين في أصحابه ، و في الخوارج ، و وقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة و لا نقصان ، و ذلك أمر إلهي عرفه من جهة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و عرفه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من جهة اللّه سبحانه ، و القوّة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا ، و لقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره ، و بمقتضى ما شاهد الناس من معجزاته و أحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا حتّى نسب إلى أنّ الجوهر الإلهي حلّ في بدنه كما قالت النصاري في عيسى عليه السّلام .

و قد أخبره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بذلك فقال له : « يهلك فيك محبّ غال و مبغض قال » و قال له تارة اخرى : « و الّذي نفسي بيده لو لا أنّي أشفق أن يقول فيك طوائف من امّتي ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لاتمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة » .

قال : و لمعترض أن يقول قد يقع الاخبار عن الغيوب من طريق النجوم .

فإنّ المنجّمين قد اتّفقوا على أنّ شكلا من أشكال الطالع إذا وقع لمولود اقتضى أن يكون صاحبه متمكّنا من الإخبار عن الغيوب ، و قد يقع الإخبار عن الغيوب لأصحاب زجر الطير و البهائم كما يحكى عن بني لهب في الجاهلية .

و قد يقع الأخبار عن الغيوب للقيافة كما يحكى عن بني مدلج . أو قد يخبر به أرباب التسخيرات ، و أرباب السحر و الطلسمات . و قد يقع الإخبار عن الغيوب

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٥٣ .

٤٦٣

لأرباب النفس الناطقة القوية الصافية الّتي تتّصل مادّتها الروحانية على ما تقوله الفلاسفة . و قد يقع الإخبار عن الغيوب بطريق المنامات الصادقة على ما رآه أكثر الناس ، و قد وردت الشريعة نصّابه .

قال : و قد يقع الإخبار عن الغيوب بأمر صناعي يشبه الطبيعي كما رأيناه عن أبي البيان و ابنه ، و قد يقع الإخبار عن الغيوب بواسطة إعلام ذلك إنسانا آخر ، لنفسه بنفس ذلك المخبر اتحادا أو كالاتحاد ، و ذلك كما يحكي أبو البركات بن ملكا الطبيب في كتاب المعتبر ، قال : و المرأة العمياء الّتي رأيناها ببغداد و تكررت مشاهدتنا لها مدّة مديدة قدرها ما يقارب ثلاثين سنة و هي على ذلك إلى الآن تعرض عليها الخبايا . فتدّل عليها بأنواعها و أشكالها و مقاديرها و أعدادها غريبها و مألوفها ، دقيقها و جليلها ، تجيب على أثر السؤال من غير توقف و لا استعانة بشي‏ء من الأشياء إلاّ أنّها كانت تلتمس أن يرى الّذي يسأل عنه أبوها أو تسمعه في بعض الأوقات دون بعض ، و عند قوم دون قوم . فيتصوّر في أمرها أنّ الّذي تقوله بإشارة من أبيها ، و كان الّذي تقوله يبلغ من الكثرة إلى ما يزيد على عشرين كلمة إذا قيل بصريح الكلام الّذي هو الطريق الأخضر و إنّما كان أبوها يقول إذا رأى ما يراه من أشياء كثيرة مختلفة الأنواع و الأشكال في مدّة واحدة كلمة واحدة و اقصاه كلمتان ،

و هي الّتي يكرّرها في كلّ قول ، و مع كلّ ما يسمع و يرى « سلها و سلها تخبرك » أو « قولي له » أو « قولي يا صغيرة » .

قال أبو البركات : و لقد عاندته يوما و حاققته في أن لا يتكلّم و أريته عدّة أشياء . فقال : لفظة واحدة فقلت له : « الشرط أملك » فاغتاظ و احتدّ طيشه عن أن يملك نفسه . فباح بخبيئته . قال : و مثلك يظنّ أشرت إلى هذا كله بهذه اللفظة فاسمع الآن ثمّ التفت إليها و أخذ يشير باصبعه إلى شي‏ء و هو يقول تلك الكلمة و هي تقول : « هذا كذا و هذا كذا » على الاتّصال من غير توقف و هو يقول تلك

٤٦٤

الكلمة لا زيادة عليها ، و هي لفظة واحدة بلحن واحد ، و هيئة واحدة حتّى ضجرنا ، و اشتدّ تعجبّنا ، و رأينا أنّ هذه الاشارة لو كانت تتضمّن هذه الأشياء لكانت أعجب من كلّ ما تقوله العمياء .

و من عجيب ما شاهدناه من أمرها أنّ أباها كان يغلط في شي‏ء يعتقده على خلاف ما هو به . فتخبر هي عنه على معتقد أبيها كأنّ نفسها نفسه ،

و رأيناها تقول ما لم يعلم أبوها من خبيئة في الخبيئة الّتي اطّلع عليها أبوها ،

فكانت تطّلع على ما قد علمه أبوها ، و على ما لا يعلمه أبوها ، و هذا أعجب ،

و حكاياتها أكثر من أن تعدّ ، و عند كلّ أحد من حديثها ما ليس عند الآخر ، لأنّها كانت تقول من ذلك على الاتّصال لشخص شخص جوابا بحسب السؤال ، و ما زلت أقول : إنّ من يأتي بعدنا لا يصدّق ما رأيناه منها . فقلت لي : اريد أن تفيدني العلّة في معرفة هذه . فقلت لك : العلّة الّتي تصلح في جواب لم في نسبة المحمول إلى الموضوع يكون الحدّ الأوسط في القياس ، و هذه فالعلّة الفاعلة الموجبة لذلك فيها هي نفسها بقوّتها و خاصتها . فما الّذي أقوله في هذا ؟ و هل لي أن أجعل ما ليس بعلّة علّة ؟

قال ابن أبي الحديد : و اعلم أنّنا لا ننكر أن يكون في نوع البشر أشخاص يخبرون عن الغيوب ، و لكن كلّ ذلك مستند إلى الباري سبحانه بإقداره ،

و تمكينه ، و تهيئة أسبابه . فإن كان المخبر عن الغيوب ممّن يدّعى النبوّة لم يجز أن يكون إلاّ بإذن اللّه ، و أن يريد به استدلال المكلّفين على صدق مدّعي النبوّة لأنّه لو كان كاذبا لكان تمكين اللّه تعالى ذلك إضلالا للمكلّفين ، و كذلك لا يجوز أن يمكّن اللّه سبحانه الكاذب في ادّعاء النبوّة من الإخبار عن الغيب بطريق السحر و تسخير الكواكب و الطلسمات ، و لا بالزجر و القيافة ، و لا بغير ذلك من الطرق المذكورة ، لما فيه من استفساد البشر و إغوائهم ، و أمّا إذا لم يكن المخبر عن الغيوب مدّعيا للنبوّة ، نظر في حاله فإن كان من الصالحين ،

٤٦٥

نسب ذلك إلى أنّه كرامة أظهرها اللّه تعالى على يده إبانة له و تمييزا من غيره كما في حق علي عليه السّلام ، و إن لم يكن كذلك ، أمكن أن يكون ساحرا أو كاهنا ١ .

قلت : ما ذكره أخيرا مغالطة . فكما كان إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الغيوب تصديق نبوّته ، كذلك إخبار أمير المؤمنين عليه السّلام عن الغيوب تصديق إمامته من اللّه تعالى بواسطة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم . لأنه كان مدّعيا ذلك بالتواتر ، و كونه تصديقا له من فطريات العقول و ضرورياتها .

قول المصنّف : « و قيل له إنّهم عبروا جسر النهروان » قد عرفت من رواية المسعودي أنّه يقال لجسر النهروان قنطرة طبرستان .

قوله عليه السّلام « مصارعهم » : أي محل هلاكتهم .

« دون النطفة » قد عرفت من رواية المسعودي أنه عليه السّلام قال نقتلهم بالرميلة دونه .

« و اللّه لا يفلت » أي : ينجو .

« منهم عشرة » قد عرفت أنّ المبرّد و ابن ميثم و ابن طاووس رووه كالمصنّف ، و لكن المسعودي رواه « منهم إلاّ عشرة » و الظاهر و همه .

« و لا يهلك منكم عشرة » قد عرفت من رواية ابن ميثم أنّ المخاطب له بذلك أبو أيوب الأنصارى الّذي كان على ميمنته عليه السّلام ، ثمّ قد عرفت من رواية المبرّد أنّ المفلت من الخوارج ثمانية ، و المقتول من أصحابه عليه السّلام تسعة و ابن ميثم قال بالعكس .

و روى الطبري عن أبي مخنف أنّ المقتول من أصحابه عليه السّلام سبعة ، و به قال سبط ابن الجوزي و الجزري ، و زاد الأخير و كان في من قتل من أصحابه عليه السّلام يزيد بن نويرة الأنصاري و له صحبة و سابقة ، و شهد له

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٢٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٦

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالجنّة و كان أوّل من قتل ١ .

و في ( تاريخ الطبري ) : كان أحد الثمانية الّذين هربوا من الخوارج يوم النهر عليّ بن أبي شمر التيمي ، و كان من فرسان العرب و نسّاكهم ٢ .

و روى الخطيب في أبي برزة كون المقتولين من أصحابه عليه السّلام تسعة ٣ ،

و للتشابه الخطي بين سبعة و تسعة حصل الاختلاف ، و الأصل واحد ، و أمّا قول ابن ميثم بالثمانية ٤ فساقط .

و أمّا ما في آخر ( صفين نصر ) : « و اصيب من أصحاب علي يوم النهروان ألف و ثلاثمئة قال : و ذكر جابر عن الشعبي ، و أبي الطفيل ذكروا في عدّة قتلى صفين و النهروان و النخيلة نحوا ممّا ذكر تميم الناجي » ٥ فخبر شاذ مع أنّه لم يعلم كونه من نصر ، فقبل أوّل خبره « من هنا عند عبد اللّه بن عقبة » مع أن خبره مختلط . فعدّ زيد بن صوحان العبدي في عداد أصحاب طلحة و الزبير مع أنّه لا ريب في كونه من أصحابه عليه السّلام ، و بالجملة لا عبرة بما هو كذلك .

قول المصنّف : « يعني بالنطفة ماء النهر ، و هو أفصح كناية » هكذا في ( المصرية ) ، و سقط منها كلمة « عن الماء » كما في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطيّة ) ٦ .

« و إن كان كثيرا جمّا » يعني انّ النطفة تكون كناية عن الماء و إن لم يكن

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الطبري في تاريخه ٤ : ٦٧ ، سنة ٣٧ ، و السبط في التذكرة : ١٠٥ ، و الجزري في الكامل ٣ : ٣٤٨ ، سنة ٣٧ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٣٩ ، سنة ٤٣ .

( ٣ ) تاريخ بغداد ١ : ١٨٢ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٢ : ١٥٣ .

( ٥ ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ٥٥٩ .

( ٦ ) توجد كلمة « عن الماء » في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٢٤ ، لكن ليست في شرح ابن ميثم ٢ : ١٥٣ .

٤٦٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

قليلا كما يوهمه كون أصل النطفة ماء قليلا .

هذا ، و زاد ابن أبي الحديد في كلام الرضي : « و قد أشرنا إلى ذلك في ما تقدّم عند مضيّ ما أشبهه » إلاّ أنّه ليس في ( ابن ميثم ) الّذي نسخته بخط المصنّف ، و لا في ( الخطّية ) المصححة نسبة كما ليس في ( المصرية ) ، و لعلّه كان حاشية خلّط بالمتن في نسخة ابن أبي الحديد ، و كيف كان فمرّ في الخطبة ( ٤٨ ) قوله عليه السّلام : « و قد أردت أن أقطع هذه النطفة » ، و قول المصنّف ثمة « و يعني بالنطفة ماء الفرات و هو من غريب العبارات و عجيبها » ١ .

٩

الحكمة ( ٣٢٣ ) وَ قَالَ ع وَ قَدْ مَرَّ بِقَتْلَى ؟ اَلْخَوَارِجِ ؟ ؟ يَوْمَ اَلنَّهْرَوَانِ ؟

بُؤْساً لَكُمْ لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ فَقِيلَ لَهُ مَنْ غَرَّهُمْ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ اَلشَّيْطَانُ اَلْمُضِلُّ وَ اَلْأَنْفُسُ اَلْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ فَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِي وَ وَعَدَتْهُمُ اَلْإِظْهَارَ فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ اَلنَّارَ من الخطبة ( ٥٩ ) و قال ع لما قتل ؟ الخوارج ؟ فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم :

كَلاَّ وَ اَللَّهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلاَبِ اَلرِّجَالِ وَ قَرَارَاتِ اَلنِّسَاءِ كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلاَّبِينَ و قال ع فيهم :

لاَ تَقْتُلُ ؟ اَلْخَوَارِجَ ؟ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ اَلْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ اَلْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ ( يعني ؟ معاوية ؟ و أصحابه )

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٢٤ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ١٥٣ ، و نهج البلاغة ١ : ٩٧ .

٤٦٨

أقول : نقلنا الأوّل هنا لأنّ الثاني مربوط به قال المسعودي في ( مروجه ) مرّ عليّ عليه السّلام بالخوارج و هم صرعى فقال : « لقد صرعكم من غرّكم » قيل و من غرّهم ؟ قال : « الشيطان و أنفس السوء » فقال أصحابه : قد قطع اللّه دابرهم إلى آخر الدهر . فقال عليه السّلام : « كلاّ و الّذي نفسي بيده ، و إنّهم لفي أصلاب الرجال ،

و أرحام النساء ، لا تخرج خارجة إلاّ خرجت بعدها مثلها حتّى تخرج خارجة بين الفرات و دجلة مع رجل يقال له الأشمط ، يخرج إليه رجل منّا أهل البيت فيقتله و لا تخرج بعدها خارجة إلى يوم القيامة » ١ و روى الأوّل فقط الطبري . فقال « مرّ علي عليه السّلام على الخوارج و هم صرعى فقال : بؤسا لكم لقد ضرّكم من غرّكم » فقالوا : من غرّهم ؟ قال عليه السّلام :

« الشيطان و أنفس بالسوء أمارة ، غرّتهم بالأماني ، و زيّنت لهم المعاصي ،

و نبّأتهم أنّهم ظاهرون » ٢ .

و روى الثاني فقط الخطيب في حبّة العرني فقال : قال حبّة : لمّا فرغنا من النهروان قال رجل : و اللّه لا يخرج بعد اليوم حروري أبدا . فقال عليّ عليه السّلام مه لا تقل هذا . فو الّذي فلق الحبة و برأ النسمة إنّهم لفي أصلاب الرجال و أرحام النساء ، و لا يزالون يخرجون حتّى تخرج طائفة منهم بين نهرين حتّى يخرج إليهم رجل من ولدي فيقتلهم فلا يعودون أبدا ٣ .

قول المصنّف : « و قال عليه السّلام : و قد مرّ بقتلي الخوارج يوم النهروان » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( يوم النهر ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٤٠٧ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٦٦ ، سنة ٣٧ .

( ٣ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٧٥ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٩٢ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٣ ، مثل المصرية أيضا .

٤٦٩

و في ( تاريخ الطبري ) : و طلب عليّ عليه السّلام في القتلى من به رمق . فوجدهم أربعمئة رجل فأمر بهم . فدفعوا إلى عشائرهم ، و قال : إحملوهم معكم .

فداووهم فإذا برؤوا فوافوا بهم الكوفة ، و خذوا ما في عسكرهم من شي‏ء ، و أما السلاح و الدوابّ و ما شهدوا به عليه الحرب . فقسّمه بين المسلمين ، و أما المتاع و العبيد و الإماء فإنّه حين قدم ردّه على أهله ، و دفن رجال من الناس قتلاهم . فقال عليه السّلام حين بلغه ذلك « ارتحلوا أتقتلونهم ثمّ تدفنونهم » فارتحل الناس . . . ١ .

قلت : و هو دالّ على كفر جميع الخارجين عليه .

قوله عليه السّلام : « بؤسا لكم » دعاء عليهم لاستحقاقهم ذلك بفعلهم .

« لقد ضركم من غركم » حسب استناد فعل المسبب إلى فعل السبب .

فالضارّ لهم في الحقيقة هو الغارّ لهم .

« فقيل له : من غرّهم يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السّلام : الشيطان المضلّ » و غركم باللّه الغرور ٢ .

« و الأنفس الأمارة بالسوء » و في ابن أبي الحديد ٣ : « و النفس الأمارة بالسوء » و قد عرفت أنّ الطبري نقله : « و أنفس بالسوء أمارة » و هو أحسن .

فالتنكير أنسب في المقام .

« غرّتهم » أي : الشيطان ، و أنفسهم الأمارة .

« بالأماني » جمع الامنية بمعنى التمنّي . قال تعالى حكاية عن المؤمنين للمنافقين يوم القيامة : و لكنكم فتنتم أنفسكم و تربصتم و ارتبتم و غرّتكم

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٦٦ ، سنة ٣٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الحديد : ١٤ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٩٢ .

٤٧٠

الأمانّي حتّى جاء أمر اللّه و غرّكم باللّه الغرور ١ . و أمّا الأماني في قوله تعالى :

و منهم امّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ ٢ فقيل : بمعنى قراءات من « تمنيت الكتاب » قرأته .

« و فسحت لهم » أي : وسعت لهم .

« بالمعاصي » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( في المعاصي ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« و وعدتهم الإظهار » هو نظير حكايته تعالى عن الشيطان مع كفّار بدر في قوله تعالى : و اذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم و قال لا غالب لكم اليوم من الناس و إنّي جار لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه ٤ .

« فاقتحمت بهم النار » أي : أدخلتهم النار ، و الاقتحام الدخول في مهلك و في أمر شديد .

« و لمّا قتل الخوارج فقيل له : يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم قال عليه السّلام » هكذا في ( المصرية ) و مثلها ( ابن أبي الحديد ) إلاّ أنّه قال : « و قال لمّا » الخ و في ( ابن ميثم ) : « و قال عليه السّلام لمّا قيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم » و هو الصحيح ٥ .

« كلاّ و اللّه انّهم نطف في أصلاب الرجال » يخرج من بين الصلب و الترائب ٦ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الحديد : ١٤ .

( ٢ ) البقرة : ٧٨ .

( ٣ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٣٩٢ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٣ ، مثل المصرية أيضا .

( ٤ ) الانفال : ٤٨ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٢٧ ، و لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ١٥٣ ، « لما قتل الخوارج قيل له » .

( ٦ ) الطارق : ٧ .

٤٧١

« و قرارات النساء » مأخوذ من قوله تعالى : ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين ١ .

و في ( العقد ) : قال الحجاج لامرأة من الخوارج : لأحصدنّكم حصيدا .

فقالت أنت تحصد ، و اللّه يزرع . فأين قدرتك من قدرة اللّه ؟ ٢ .

« كلّما نجم » أي : ظهر .

« منهم قرن » أي : كبير .

« قطع » في زمان بني أمية و بني العباس .

و في ( المروج ) : ذكرنا في كتابنا اخبار الزمان من خبر الخوارج شأن مرداس التميمي و عطية الحنفي ، و أبي فديك ، و سودة الشيباني ، و وقعة ابن الماحوز مع المهلّب ، و مقتله ، و خبر عبد ربه ، و اخبار خوارج اليمن كأبي حمزة الأزدي و بيهس الهيصمي ، و ذكرنا في كتابنا ( المقالات ) فرقهم من الأباضية و هم سراة عمان من الأزد و الحمرية و الصفرية و غيرهم ، و ذكرنا بلدانهم مثل بلاد سنجار و تلّ أعفر من بلاد ديار ربيعة ، و السن ، و البواريج و الحديقة ممّا يلي بلاد الموصل ، ثمّ من سكن بلاد آذربيجان ، و من سكن منهم بلاد سجستان ، و جبال هراة و هشتانه ، و بوشنج من بلاد خراسان ، و من بلاد مكران . . . ٣ .

و في ( التنبيه و الإشراف ) : غلب الضحاك الشيباني في أيام مروان الحمار على العراق ، و لم يغلب قبله ، و لا بعده أحد من الخوارج على العراق ،

و سار للقاء مروان في جيوش عظيمة ، و معه سليمان بن هشام بن عبد الملك

ــــــــــــــــ

( ١ ) المؤمنون : ١٣ .

( ٢ ) رواه الجاحظ في البيان ٢ : ٣٥٦ ، و البغدادي في بلاغات النساء : ١٩٨ ، لكن لم اجده في العقد .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ١٣٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٧٢

في جميع مواليه و رجاله مؤتمّا بالضحاك تابعا ، و في ذلك قال بعض شعراء الخوارج مفتخرا :

ألم تر أنّ اللّه أنزل نصره

و صلّت قريش خلف بكر بن وائل

فالتقيا بكفر توثا ، و أقاموا يقتتلون أيّاما إلى أن قتل الضحاك و خليفته الخيبري ، و سارت الأباضية من اليمن من قبل عبد اللّه بن يحيى الكندي الملقّب طالب الحق ، عليهم أبو حمزة الأزدي ، و بلج بن عقبة . فنزلوا مكّة يوم عرفة في سنة ( ١٢٩ ) و وادعهم عبد الملك بن سليمان بن عبد الملك عامل مكّة إلى انقضاء الحج ثمّ هرب إلى المدينة . فجهزّ عبد الواحد للقائهم جيشا أمّر عليهم عبد العزيز بن عبد اللّه بن عمرو بن عثمان فالتقوا بقديد في سنة ( ١٣٠ ) فقتل عبد العزيز في جمع كثير أكثرهم من قريش ، فقالت نائحتهم :

ما للزمان و ماليه

أفنت قديد رجاليه

فلأبكين سريرة

و لأبكين علانية

و دخلت الخوارج المدينة . فغلبوا عليها ثلاثة أشهر ، فوجّه مروان إليهم عبد الملك السعدي . فالتقوا بوادي القرى . فقتل بلج ، و أكثر الخوارج ، و نجا أبو حمزة إلى مكّة . فلحقه بها فقتله ، و سار إلى اليمن . فلقيه عبد اللّه بن يحيى بنواحي صنعاء . فقتل عبد اللّه ، و أكثر من معه ، و لحق بقيّتهم بعد قتل طالب الحق أيّام مروان إلى حضرموت . فأكثرها أباضية إلى هذا الوقت سنة ( ٣٣٢ ) ١ .

و في ( المروج ) ، و قد أتى الهيثم بن عدي ، و المدائني ، و أبو البختري القاضي و غيرهم على اخبار الخوارج و أصنافهم في ما أفردوه من كتبهم ، و ذكرنا في كتابنا المقالات من خرج منهم من وقت التحكيم في عصر عصر

ــــــــــــــــ

( ١ ) التنبيه و الإشراف للمسعودي : ٢٨٢ و ٢٨٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٧٣

إلى آخر من خرج ، منهم بديار ربيعة على بني حمدان في سنة ( ٣١٨ ) الرجل المعروف بعرون خرج ببلاد كفرتوثي ، و ورد إلى نصيبين . فكانت له مع أهلها حرب اسرفيها ، و قتل منهم خلق عظيم . و المعروف بأبي شعيب خرج في بني مالك و غيرهم من ربيعة ، و قد كان أدخل على المقتدر . و كان للأباضية بعد ( ٣٢٠ ) ببلاد عمان حروب و تحكيم و إمام نصبوه ، و قتل من كان معه ١ .

و فيه : و في سنة ( ٧٧ ) كانت للحجاج حروب مع شبيب الخارجي و ولّى عنه الحجاج بعد قتل ذريع كان في أصحابه حتى أحصى عددهم بالقضيب .

فدخل الكوفة ، و تحصّن في دار الأمارة و دخل شبيب و امّه و زوجته غزالة ،

الكوفة عند الصباح و قد كانت غزالة نذرت أن تدخل مسجد الكوفة فتصّلي فيه ركعتين تقرأ فيهما سورة البقرة و آل عمران فأتوا الجامع في سبعين رجلا فصلّوا به الغداة ، و خرجت غزالة ممّا كانت أوجبته على نفسها . فقال الناس بالكوفة في تلك السنة :

وفت الغزالة نذرها

يا ربّ لا تغفر لها

و كانت الغزالة من الشجاعة و الفروسية بالموضع العظيم ، و كذلك امّ شبيب و لمّا بلغ عبد الملك تحصين الحجاج في دار الأمارة من شبيب بعث من الشام بعساكر كثيرة عليها سفيان بن الأبرد الكلبي لقتال شبيب . فخرجوا إلى شبيب فانهزم و قتلت الغزالة و امّه و مضى شبيب في فوارس و اتّبعه سفيان فلحقه بالأهواز فولّى . فلمّا حصل على جسر دجيل نفر به فرسه و عليه الحديد الثقيل من درع و مغفر . فألقاه في الماء . فقال له بعض أصحابه : أغرقا ؟ قال :

ذلك تقدير العزيز العليم . فألقاه دجيل ميتا بشاطئه . فحمل على البريد إلى الحجاج فأمر بشق بطنه . فاستخرج قلبه فإذا هو كالحجر إذا ضربت بها نبا

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ١٣٨ ، و النقل بتلخيص .

٤٧٤

عنها ، فشق فاذا في داخله قلب صغير كالكرة فشقّ فاصيب علقة الدم في داخله ١ .

« حتّى يكون آخرهم لصوصا سلاّبين » قال ابن أبي الحديد : ممن انتهى أمره إلى ذلك ، الوليد بن طريف الشيباني في أيّام هارون ، و عمرو الخثعمي في أيّام المتوكّل ، و خرج بعدهما جمع بكرمان ، و جمع بعمان ممن قصده الفساد ذكرهم أبو إسحاق الصابي في كتابه ٢ .

قلت : لم أقف على مستند الرضي في هذه العبارة ، و قد عرفت ، أنّ الخطيب و المسعودي رويا العنوان بدون الفقرة ، و نقلا بدلها : « حتّى يخرج إليهم رجل من ولدي . فيقتلهم فلا يعودون أبدا » ، و الظاهر أصحية هذا ، و أنّ مراده عليه السّلام القائم عليه السّلام و هم إلى زماننا باقون ، و لابدّ من انقراضهم على يد المهدي .

قول المصنّف « و قال عليه السّلام فيهم لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه يعني معاوية و أصحابه » لم أقف أيضا على مستنده ، و يبعد أن يكون من كلامه عليه السّلام حيث إنّه عليه السّلام لو كان قال ذلك لما تصدّى شيعته لقتالهم مع أنّهم كانوا مجدّين في ذلك ، و في رأسهم صعصعة بن صوحان ثمّ معقل بن قيس ، و عدي بن حاتم ، و شريك بن الأعور ثمّ شيعة الكوفة و البصرة .

ففي ( تاريخ الطبري ) : أنّ المستورد الخارجي لمّا أراد الخروج في سنة ( ٤٣ ) أو سنة ( ٤٢ ) في أمارة المغيرة على الكوفة قام المغيرة خطيبا . فقال : أيم اللّه لا يخرجون في حيّ من أحياء العرب في هذا المصر إلاّ أبدتهم و جعلتهم

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ١٣٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٤٥ ٤٤٦ ، و النقل بتلخيص .

٤٧٥

نكالا لمن بعدهم إلى أن قال فبعث المغيرة إلى الرؤساء فقال لهم : ليكفني كلّ امرئ منهم قومه إلى أن قال فقام صعصعة و ذكر خطبته لقومه عبد القيس إلى أن قال في ما قال لهم حتّى أهلك اللّه بكم ، و بمن كان على مثل هديكم و رأيكم ، الناكثين يوم الجمل ، و المارقين يوم النهر و سكت ، عن ذكر أهل الشام لأنّه كان حينئذ سلطانهم و لا قوم أعدى للّه و لكم ، و لأهل بيت نبيّكم و لجماعة المسلمين من هذه المارقة الخاطئة الّذين فارقوا إمامنا ، و استحلّوا دماءنا ،

و شهدوا علينا بالكفر . فإيّاكم أن تؤوهم في دوركم فانّه ليس ينبغي لحيّ من أحياء العرب أن يكونوا أعدى لهذه المارقة منكم ، و قد و اللّه ذكر لي أنّ بعضهم في جانب من الحيّ ، و أنا باحث عن ذلك . فإن كان حقّا تقربت إلى اللّه تعالى بدمائهم . فإنّ دمائهم حلال . يا معشر عبد القيس إنّ و لاتنا هؤلاء هم أعرف شي‏ء بكم و برأيكم يعني تشيّعهم فلا تجعلوا لهم عليكم سبيلا . فإنّهم أسرع شي‏ء إليكم و إلى أمثالكم إلى أن قال فقال المغيرة للرؤساء : من ترون أبعث إليهم ؟ فقام إليه عدي بن حاتم . فقال : كلّنا لهم عدو ، و لرأيهم مسفّه ، فأيّنا شئت سار إليهم .

فقام معقل بن قيس ، و قال له : لا أرى أن تبعث إليهم أحدا من الناس أعدي لهم و لا أشدّ عليهم منّي ، فابعثني إليهم . فإنّي أكفيكهم بإذن اللّه تعالى .

فقال : اخرج على اسم اللّه ، و جهّز معه ثلاثة آلاف رجل ، و قال المغيرة لقبيصة بن الدمون : إلصق لي بشيعة عليّ . فأخرجهم مع معقل فإنّه كان من رؤساء أصحابه . فإذا بعث بشيعته الّذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا استأنس بعضهم ببعض ، و تناصحوا ، و هم أشدّ استحلالا لدماء هذه المارقة ، و أجرأ عليهم من غيرهم ، و قد قاتلوا قبل هذه المرّة إلى أن قال و لم يلبث قبيصة أن أخرج الجيش معه ثلاثة آلاف نقاوة الشيعة و فرسانهم إلى أن قال قال المستورد لأصحابه إنّ هذا الخرف معقل بن قيس قد وجّه اليكم و هو من

٤٧٦

السبائية المفترين الكاذبين إلى أن قال سأل عبد اللّه بن عامر أمير البصرة عن المغيرة كيف صنع فقيل له : إنّه نظر إلى رجل شريف رئيس قد كان قاتل الخوارج مع عليّ ، و كان من أصحابه فبعثه و بعث معه شيعة عليّ لعداوتهم لهم . فقال : أصاب الرأي .

فبعث عبد اللّه بن عامر إلى شريك بن الأعور الحارثي و كان يرى رأي عليّ عليه السّلام فقال له : اخرج إلى هذه المارقة فانتخب ثلاثة آلاف رجل من الناس ثمّ اتبعهم حتّى تخرجهم من أرض البصرة أو تقتله ، و قال له بينه و بينه : اخرج إلى أعداء اللّه بمن يستحلّ قتالهم من أهل البصرة فظنّ شريك به أنّه يعني شيعة عليّ عليه السّلام و لكنّه يكره أن يسمّيهم فانتخب شريك الناس و ألحّ على فرسان ربيعة الّذين كان رأيهم في الشيعة ، و تجيبه العظماء منهم . ثمّ إنّه خرج فيهم مقبلا إلى المستورد إلى أن قال فأخبر من قدم على المغيرة بالفتح أنّ معقلا و المستورد مشى كلّ واحد منهما إلى صاحبه ، و بيد المستورد الرمح و بيد معقل السيف . فالتقيا فأشرع المستورد الرمح في صدر معقل حتّى خرج السنان من ظهره . فضربه معقل بالسيف على رأسه حتّى خالط السيف امّ الدماغ فخرّا ميّتين ١ .

و أما استشهاد ابن أبي الحديد للعنوان بأنّ المبرّد في ( كامله ) قال : خرج حوثرة الأسدي ، و حابس الطائي على معاوية فصار إلى موضع أصحاب النخيلة و كان معاوية بالكوفة ، و قد كان الحسن بن علي عليه السّلام خرج يريد المدينة . فوّجه إليه معاوية و قد تجاوز طريقه يسأله أن يكون المتولّي لمحاربة الخوارج . فكان جواب الحسن عليه السّلام : و اللّه لقد كففت عنك لحقن دماء

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٤٠ ٨٥٨ ، سنة ٤٣ ، و النقل بتلخيص .

٤٧٧

المسلمين أ فاقاتل عنك قوما أنت و اللّه أولى بالقتال منهم » ١ ؟ فأعمّ ، حيث إنّ حوثرة و حابسا لم يكونا ممّن قاتل أمير المؤمنين عليه السّلام و إنّما اعتزلاه ، و شكّا في أمره ، و أرادا بعد قتال معاوية لوضوح بطلانه .

ففي ( تاريخ الطبري ) : رفع علي عليه السّلام يوم النهروان راية أمان مع أبي أيوب إلى أن قال فقال فروة بن نوفل الأشجعي : و اللّه ما أدري على أيّ شي‏ء نقاتل عليّا ؟ لا أدري إلاّ أن أنصرف حتّى تنفذ لي بصيرتي في قتاله أو اتباعه ،

و انصرف في خمسمئة فارس حتّى نزل البند نيجين و الدسكرة ٢ .

و فيه : خرجت الخوارج الّذين اعتزلت أيّام علي عليه السّلام بشهر زور في سنة ( ٤١ ) على معاوية . قال عوانة : قدم معاوية الكوفة قبل أن يبرح الحسن حتّى نزل النخيلة . فقالت الخمسئة من الحرورية الّتي كانت اعتزلت بشهر زور مع فروة بن نوفل الأشجعي : قد جاء الآن مالا شك فيه ، فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فأقبلوا و عليهم فروة حتّى دخلوا الكوفة ، فأرسل إليهم معاوية خيلا من أهل الشام . فكشفوهم ، فقال معاوية لأهل الكوفة : لا أمان لكم و اللّه عندي حتّى تكفّوا بوائقكم . فخرجوا إليهم فقاتلوهم . فقالت الخوارج لهم : ويلكم ما تبغون منّا ؟ أليس معاوية عدوّنا و عدوّكم ؟ دعونا حتّى نقاتله و إن أصبناه كنّا قد كفيناكم عدوّكم ، و إن أصابنا كنتم قد كفيتمونا . قالوا : لا و اللّه حتّى نقاتلكم ٣ .

و بالجملة نهيه عليه السّلام عن قتال الخوارج بعده عليه السّلام بعد اصرار خواص شيعته على قتالهم غير معلوم ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّه بعد صلح إمامهم مع

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٤٥٣ ، و كامل المبرد ٧ : ١٧٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٦٤ ، سنة ٣٧ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٢٦ ، سنة ٤١ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٧٨

معاوية كان قتالهم لهم جايزا ، و وجه كلامه عليه السّلام مع العامة ، و الكلام في نفسه صحيح بكون معاوية أولى بالمقاتلة من الخوارج ، لكون الخوارج طلبوا الحقّ فأخطأوه لكونهم أخفّاء الهام سفهاء الاحلام ، و معاوية و أتباعه طلبوا الباطل .

فأدركوه .

و قد روى ( التهذيب ) في باب قتال أهل البغي بإسناده ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليه السّلام لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السّلام من أهل النهروان قال : لا يقاتلهم بعدي إلاّ من هم أولى بالحقّ منه .

و عنه عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال : ذكرت الحرورية عند علي عليه السّلام قال :

إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم ، و إن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم فإنّ لهم في ذلك مقالا ١ .

و في ( تاريخ الطبري ) بعد ذكر قصة المستورد المتقدّم ، و ندب المغيرة بن شعبة و الي الكوفة من قبل معاوية الناس إليهم ، و قيام معقل بن قيس من رؤساء الشيعة للتصدي لحربهم ثمّ قام صعصعة بن صوحان و قال : إبعثني إليهم أيّها الأمير فأنا و اللّه لدمائهم مستحلّ ، و بحملها مستقلّ .

فقال له المغيرة : إجلس فإنّما أنت خطيب فأحفظه ذلك و إنّما قال : ذلك لأنّه بلغه أنّه يعيب عثمان ، و يكثر ذكر علي عليه السّلام و يفضّله و قد كان دعاه فقال :

إيّاك أن يبلغني أنّك تعيب عثمان عند أحد من الناس ، و إيّاك أن يبلغني أنّك تظهر شيئا من فضل علي علانية . فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ، و لكن هذا السلطان قد ظهر ، و قد أخذنا باظهار عيبه للناس .

فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به ، و نذكر الشي‏ء الّذي لا نجد بدّا منه ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية . فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك و بين أصحابك ، و في

ــــــــــــــــ

( ١ ) التهذيب ٦ : ١٤٤ و ١٤٥ ح ٤ و ٧ .

٤٧٩

منازلكم سرّا ، و أمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا ، و لا يعذرنا فيه . فكان يقول له نعم . أفعل . ثمّ يبلغه أنّه قد عاد إلى مانهاه عنه ١ .

١٠

خطبة ( ١٧٩ ) وَ مِنْ كَلاَمٍ لَهُ ع :

وَ قَدْ أَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْلَمُ لَهُ عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْمٍ مِنْ جُنْدِ ؟ اَلْكُوفَةِ ؟ قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ ؟ بِالْخَوَارِجِ ؟ وَ كَانُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْهُ ع فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ اَلرَّجُلُ قَالَ لَهُ أَ أَمِنُوا فَقَطَنُوا أَمْ جَبَنُوا فَظَعَنُوا فَقَالَ اَلرَّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ ع بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ؟ ثَمُودُ ؟ أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ اَلْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ وَ صُبَّتِ اَلسُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِنَّ اَلشَّيْطَانَ اَلْيَوْمَ قَدِ اِسْتَفَلَّهُمْ وَ هُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَ مُتَخَلٍّ عَنْهُمْ فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ اَلْهُدَى وَ اِرْتِكَاسِهِمْ فِي اَلضَّلاَلِ وَ اَلْعَمَى وَ صَدِّهِمْ عَنِ اَلْحَقِّ وَ جِمَاحِهِمْ فِي اَلتِّيهِ الخطبة ( ٤٤ ) و من كلام له ع لما هرب ؟ مصقلة بن هبيرة الشيباني ؟ إلى ؟ معاوية ؟ ،

و كان قد ابتاع سبي ؟ بني ناجية ؟ من عامل ؟ أمير المؤمنين عليه السلام ؟

و أعتقهم ، فلما طالبه بالمال خاس به و هرب إلى ؟ الشام ؟ :

قَبَّحَ اَللَّهُ ؟ مَصْقَلَةَ ؟ فَعَلَ فِعْلَ اَلسَّادَاتِ وَ فَرَّ فِرَارَ اَلْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَ لاَ صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَ لَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٤٤ ، سنة ٤٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٨٠