بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632

  • البداية
  • السابق
  • 632 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40503 / تحميل: 4357
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

عدي أنّ زيادا قال له : يا عدوّ اللّه ما تقول في أبي تراب ؟ قال : ما أعرف أبا تراب . قال : ما أعرفك به قال : ما أعرفه . قال : أما تعرف عليّ بن أبي طالب ؟ قال :

بلى . قال : فذاك أبو تراب . قال : كلاّ ذاك أبو الحسن و أبو الحسين عليه السّلام . فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير هو أبو تراب و تقول أنت لا . قال له : ان كذب الأمير أتريد أن أكذب ، و أشهد له على باطل كما شهد . قال زياد : عليّ بالعصا .

فاتى بها قال : ما قولك فيه ؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد اللّه المؤمنين . قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض . فضرب حتّى لزم الأرض . ثمّ قال : أقلعوا عنه . إيه ما قولك في عليّ ؟ قال : و اللّه لو شرحتني بالمواسي و المدى ما قلت إلاّ ما سمعت منّي . قال : لتلعننّه أو لأضربن عنقك .

قال : اذن تضربها و اللّه قبل ذلك . . . ١ .

ثمّ مع جوازه يجب عليه التورية إن أمكنه ذلك ، روى الكشي أنّ معاوية قال لصعصعة بن صوحان : اصعد المنبر و العن عليّا . فصعده و قال : أيّها الناس إنّ معاوية أمرني أن ألعن عليّ بن أبي طالب . فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب فضجّوا بآمين . فلمّا خبّر معاوية قال : لا و اللّه ما عنى غيري .

أخرجوه لا يساكنني في بلد . فأخرجوه ٢ .

و روى ( العقد ) عن الأعمش قال : رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى ضربه الحجّاج و أوقفه على باب المسجد ، فجعلوا يقولون له : العن الكاذبين عليّ بن أبي طالب ، و عبد اللّه بن الزبير ، و المختار بن أبي عبيد . فقال : لعن اللّه الكاذبين ثمّ قال عليّ بن أبي طالب إلى أن قال فعرفت حين سكت ثمّ ابتدأ فرفع أنّه ليس يريدهم ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٩٨ ، سنة ٥١ .

( ٢ ) اختيار معرفة الرجال : ٦٨ ح ١٢٣ ، و النقل بتقطيع .

( ٣ ) العقد الفريد ٥ : ٢٦٩ .

٥٨١

هذا ، و روى ( الكافي ) : أنّ أبا الصباح الكناني قال للصادق عليه السّلام : إنّ لنا جارا يجلس الينا ، فنذكر فضل عليّ عليه السّلام فيقع فيه . أفتأذن لي فيه . فقال عليه السّلام :

دعه فستكفى . فلّما رجعت إلى الكوفة قيل لي بعد ثمانية عشر يوما انّ الرجل ايقظ فإذن هو مثل الزق المنفوخ ميّتا فذهبوا يحملونه . فإذا لحمه يسقط عن عظمه . فجمعوه في نطع فإذا تحته أسود ١ .

« و أمّا البراءة فلا تتبرأوا منّي » قال ابن أبي الحديد : لا فرق عند أصحابنا بين السبّ و التبرّي في جواز فعلهما مع التقية ، و تركهما إعزازا للدين ، و إنما استفحش عليه السّلام البراءة لأنّ هذه اللفظة ما وردت في القرآن إلاّ عن المشركين مثل قوله تعالى : براءة من اللّه و رسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين ٢ فصارت الكلمة بالعرف الشرعي مطلقة على المشركين خاصة ، و أما الإمامية فتروي عنه عليه السّلام أنّه قال : إذا عرضتم على البراءة منّا فمدّوا الأعناق . و يقولون :

لا يجوز التبرّي منه إن كان الحالف صادقا و إنّ عليه الكفارة و يقولون : إنّ حكم البراءة من اللّه تعالى و من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و من أحد الأئمة عليه السّلام واحد ،

و يقولون : إنّ الإكراه على السبّ يبيح إظهاره ، و لا يجوز الاستسلام للقتل معه ،

و أمّا الإكراه على البراءة فإنّه يجوز معه الاستسلام للقتل ، و يجوز إظهار التبري ، و الأولى الاستسلام ٣ .

قلت : كلامه كلّه خلط و خبط . أما قوله صارت كلمة البراءة بالعرف الشرعي مطلقة على المشركين خاصة فجزاف ، فأيّ دلالة للآية على ما قال بعد التصريح فيها بأنّ اللّه و رسوله بري‏ء من المشركين .

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه السروي في مناقبه ٤ : ٢٣٩ ، و لم يوجد في الكافي و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) التوبة : ١ .

( ٣ ) شرح ابن ابي الحديد ١ : ٣٧٤ ٣٧٥ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٥٨٢

و أما قوله فتروي الإمامية عنه عليه السّلام « إذا عرضتم على البراءة منّا فمدوا الأعناق » فبهتان . فالأصل في الرواية العامة و تبعهم المصنّف و قبله شيخه المفيد غفلة فقال في ( ارشاده ) ما استفاض عنه عليه السّلام من قوله : « إنّكم ستعرضون من بعدي على سبّي فسبّوني فإن عرض عليكم البراءة منّي فلا تبرأوا منّي فإنّي ولدت على الاسلام فمن عرض عليه البراءة منّي فليمدد عنقه .

فمن تبرأ منّي فلا دنيا له و لا آخرة » ١ و أما الإماميّة فرووا تكذيب ما نسبوا إليه من أنّه عليه السّلام قال لا تتبرأوا منّي .

روى الكليني في ( باب تقية كافيه ) ، و الحميري في ( قرب إسناده ) عن مسعدة ابن صدقة أنّه قيل لجعفر بن محمّد عليه السّلام : إنّ الناس يروون أنّ عليّا عليه السّلام قال على منبر الكوفة : « أيّها الناس انّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تتبرّأوا منّي » . فقال ، ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ عليه السّلام . إنّما قال : « إنّكم ستدعون الى سبّي فسبّوني ثم ستدعون إلى البراءة منّي و إنّي لعلى دين محمّد » و لم يقل « و لا تتبرأوا منّي » . فقال له السائل : أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة . فقال : و اللّه ما ذلك عليه ، و ماله إلاّ ما مضى عليه عمّار حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالايمان . فأنزل اللّه فيه إلاّ من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان ٢ فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عندها : يا عمّار ان عادوا فعد فقد أنزل اللّه تعالى عذرك ٣ .

و روى إبراهيم الثقفي في ( غاراته ) و قد نقله ابن أبي الحديد نفسه عن يوسف بن كليب المسعودي ، عن يحيى بن سليمان العبدي ، عن أبي مريم

ــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد : ١٦٩ .

( ٢ ) النمل : ١٠٦ .

( ٣ ) رواه الكليني في الكافي ٢ : ٢١٩ ح ١٠ ، و الحميري في قرب الاسناد : ٨ .

٥٨٣

الأنصاري عن محمّد بن علي الباقر عليه السّلام قال : خطب عليّ عليه السّلام على منبر الكوفة .

فقال « سيعرض عليكم سبّي و ستذبحون عليه فإن عرض عليكم سبّي فسبّوني ، و إن عرض عليكم البراءة منّي فإنّي على دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم » و لم يقل فلا تبرأوا منّي .

و عن أحمد بن المفضل عن الحسن بن صالح عن جعفر بن محمّد عليه السّلام قال : قال عليّ عليه السّلام : و اللّه لتذبحنّ على سبّي و أشار بيده إلى حلقه ثمّ قال « فإن أمروكم بسبّي فسبّوني ، و إن أمروكم أن تبرأوا منّي فإنّي على دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم » و لم ينههم عن إظهار البراءة ١ . فهذه ثلاثة أخبار : خبران عن الصادق عليه السّلام و خبر عن الباقر عليه السّلام أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم ينههم عن اظهار البراءة ، و إن نسبة النهي إليه عليه السّلام من العامة .

و بالجملة ، المحقّق من الفرق بين السبّ و البراءة انّه عليه السّلام في السب قال « فسبّوني » ، و أمّا في البراءة فلم يقل « فتبرأوا منّي » و إنّما اقتصر على قوله عليه السّلام « فإنّي على دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم » فتوهّموا انّه نهى فدفع عترته عليه السّلام التوهّم بأنّه اقتصر على ذاك ، و هو أعم من النهي و قد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال له « الايمان مخالط لحمك و دمك كما خالط لحمي و دمي » ٢ .

و وجه تفريقه عليه السّلام أنّ من يأمرهم بالسبّ يأمرهم لهوى نفسه فلا يقبل جوابه ، و أمّا من يأمرهم بالتبرّي فإنّما يأمرهم بالتبرّي منه عليه السّلام أي من دينه .

فعلّمهم عليه السّلام كيف يجيبونهم بأنّ دين عليّ عليه السّلام دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هم كانوا في الظاهر مقرّين به و لا يمكنهم انكاره .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن الغارات ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٣٧٢ ، شرح الخطبة ٥٧ ، لكن لم يوجد في النسخة المطبوعة .

( ٢ ) أخرجه في ضمن حديث الثقفي في المعرفة عنه أعلام الورى : ١٨٦ ، و ابن المغازلي في مناقبه : ٢٣٧ ح ٢٨٥ ، و الصدوق في أماليه : ٨٦ ح ١ ، المجلس ٢١ ، و الكراجكي في كنز الفوائد : ٢٨١ و غيرهم .

٥٨٤

روى الطبري أنّ شرطة معاوية لمّا قتلوا حجرا مع خمسة من أصحابه لعدم قبولهم التبرّي قال عبد الرحمن بن حسان العنزي ، و كريم بن عفيف الخثعمي : إبعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته . فبعثوا بهما إليه فقال الخثعمي له : اللّه اللّه يا معاوية فإنّك منقول من هذ الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثمّ مسؤول عمّا أردت بقتلنا ، و فيم سفكت دماءنا . فقال له معاوية : ما تقول في عليّ ؟ قال : أقول فيه قولك أتبرأ من دين عليّ الّذي كان يدين اللّه به ١ .

و في ( الإرشاد ) : روى أصحاب السيرة من طرق مختلفة أنّ الحجاج قال لقنبر : إبرأ من دين عليّ . قال . فإذا برئت من دينه تدلّني على دين أفضل من دينه . قال : إنّي قاتلك . فقال له : إنّه عليه السّلام أخبرني أن منيتي تكون ذبحا ظلما بغير حقّ . فأمر به فذبح ٢ .

و في ( كامل المبرد ) ، و من شعر علي عليه السّلام الّذي لا اختلاف فيه أنّه قاله و كان يردّده :

يا شاهد اللّه علي فاشهد

أنّي على دين النبيّ أحمد

من شك في اللّه فإنّي مهتدي ٣

و في كتاب الحسين عليه السّلام إلى معاوية كما في ( رجال الكشّي و خلفاء القتيبي ) : أو لست صاحب الحضرميّين الّذين كتب فيهم ابن سميّة انّهم كانوا على دين عليّ فكتبت إليه ان اقتل كلّ من كان على دين عليّ . فقتلهم ، و مثّل بهم بأمرك ، و دين عليّ و اللّه الّذي كان يضرب عليه أباك و يضربك ، و به جلست

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٠٦ ، سنة ٥١ .

( ٢ ) الإرشاد : ١٧٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) كامل المبرد ٧ : ١٠٩ .

٥٨٥

مجلسك الّذي جلست ، و لو لا ذلك لكان شرفك ، و شرف أبيك الرحلتين ١ .

و حجر بن عدي مع أصحابه كانوا أربعة عشر تبرّأ نصفهم و هم كريم بن عفيف ، و عبد اللّه بن حوية ، و عاصم بن عوف ، و ورقاء بن سمي ، و الأرقم بن عبد اللّه ، و عتبة بن الأخنس ، و سعد بن نمران ، فنجوا ، و أبي نصفهم فقتلوا ، و هم حجر ، و عبد الرحمن العنزي ، و شريك بن شدّاد ، و صيفي بن فسيل ، و قبيصة بن ضبيعة ، و محرز بن شهاب ، و كدام بن حيان .

و روى النسوي أنّ عليّا عليه السّلام قال : يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الاخدود ٢ .

و في ( المروج ) : لمّا صار حجر و أصحابه إلى مرج عذراء على اثني عشر ميلا من دمشق تقدّم البريد بخبرهم إلى معاوية . فبعث برجل أعور .

فلمّا أشرف عليهم قال رجل من أصحاب حجر : إن صدق الزجر فإنّه يقتل منّا النصف ، و ينجو الباقون فقيل له و كيف ذلك ؟ قال : أما ترون الرجل المقبل مصابا بإحدى عينيه . فلمّا وصل اليهم قال لحجر إنّ الخليفة أمرني بقتلك يا رأس الضلال ، و معدن الكفر و الطغيان ، و المتولي لأبي تراب إلاّ أن ترجعوا عن كفركم ، و تلعنوا صاحبكم ، و تبرأوا منه . فقال حجر و جماعة من أصحابه إنّ الصبر على حدّ السيف لأيسر علينا ممّا تدعونا إليه ، و أجاب نصفهم إلى البراءة منه عليه السّلام . فلمّا قدّم حجر ليقتل قال دعوني اصلّي ركعتين . فجعل يطول في صلاته . فقيل له : أجزعا من الموت . فقال : لا و لكنّي ما تطهرت للصلاة قط إلاّ صليت و ما صلّيت قطّ أخفّ من هذه ، و كيف لا أجزع ، و انّي لأرى قبرا محفورا

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكشي في معرفة الرجال اختياره : ٥٠ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ١٨٠ ، و الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٢٩٧ .

( ٢ ) رواه عن تاريخ النسوي السروي في مناقبه ٢ : ٢٧٢ .

٥٨٦

و سيفا مشهورا ، و كفنا منشورا ، ثمّ قدّم فنحر ، و الحق به من وافقه منهم ١ .

و في ( تاريخ الطبري ) : لمّا أرادوا قتل حجر قال لمن حضره ، من أهله : لا تطلقوا عنّي حديدا ، و لا تغسلوا عنّي دما . فإنّي الاقي معاوية غدا على الجادة فكان محمّد بن سيرين إذا سئل عن الشهيد هل يغسّل حدّثهم حديث حجر ،

و قال بلغنا أنّ معاوية لمّا حضرته الوفاة جعل يغرغر بالصوت ، و يقول يومي منك يا حجر طويل ٢ .

و فيه قال معاوية لعبد الرحمن العنزي : ما قولك في عليّ قال : لا تسألني خير لك قال : لا أدعك حتّى تخبرني . قال : أشهد انّه كان من الذاكرين اللّه كثيرا ،

و من الآمرين بالحقّ ، و القائمين بالقسط ، و العافين عن الناس . قال : فما قولك في عثمان ؟ قال : هو أوّل من فتح باب الظلم ، و أرتج ابواب الحقّ . فبعث معاوية به إلى زياد ، و كتب إليه اقتله شرّ قتلة . فبعث به زياد إلى قسّ الناطف فدفن به حيّا ٣ .

و ممّن عرض عليه البراءة فأبى و قتل رشيد الهجري ، و ميثم التمّار .

روى الكشي عن قنواء بنت رشيد عن أبيها قال : قال لي أمير المؤمنين عليه السّلام كيف صبرك إذا أرسل اليك دعيّ بني أميّة . فقطع يديك و رجليك و لسانك ؟

قالت : فو اللّه ما ذهبت الأيّام حتّى أرسل إليه عبيد اللّه بن زياد الدعيّ فدعاه إلى البراءة منه عليه السّلام فأبى أن يبرأ . . . ٤ .

و عن ميثم قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعيّ بني اميّة ابن دعيّها عبيد اللّه بن زياد إلى البراءة منّي ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٩٠ ، سنة ٥١ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٦ ، سنة ٥١ ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) اختيار معرفة الرجال : ٧٥ ح ١٣١ ، و النقل بتلخيص .

٥٨٧
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

أنا و اللّه لا أبرأ منك . قال : إذن و اللّه يقتلك و يصلبك . قلت : أصبر فذاك في اللّه قليل . . . ١ .

و كيف يصحّ ما قاله من أنّ الإماميّة تروي أنّه لا يجوز التبرّي منه و قد روى الكليني في باب تقيته أنّه قيل للباقر عليه السّلام : رجلان من أهل الكوفة اخذا فقيل لهما : ابرءا من عليّ . فبرى‏ء واحد منهما ، و أبي الآخر . فخلّى سبيل الّذي برى‏ء ، و قتل الآخر . فقال : أمّا الذي برى‏ء فرجل فقيه في دينه ، و أما الّذي لم يبرأ فرجل تعجّل إلى الجنّة .

و عن الصادق عليه السّلام ما منع ميثم رحمه اللّه من التقية فو اللّه لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمّار و أصحابه إلاّ من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان ٢ . و مرّ أنّ ميثما دعي الى البراءة .

هذا ، و روى ( ذيل الطبري ) : أنّ الحجاج قال للحسن البصري : ما تقول في أبي تراب ؟ قال : و ما عسى أن أقول إلاّ ما قال اللّه تعالى . قال : و ما قال ؟ قال : قال :

و ما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه و إن كانت لكبيرة إلاّ على الّذين هدى اللّه ٣ و كان عليّ ممّن هدى اللّه .

فغضب ، ثمّ أكبّ ينكت الأرض ، و خرجت لم يعرض لي أحد ، فتواريت تسع سنين حتّى مات ٤ .

و أمّا قوله : « و يقولون لا يجوز التبرّي منه إن كان الحالف صادقا و انّ عليه الكفّارة . . . » فخلط منه ، فإنّ كلامنا في الإكراه على التبرّي منه عليه السّلام ، و ما ذكره أمر آخر ، و هو عدم جواز الحلف بالبراءة لمن كان صادقا ، و هو لا

ــــــــــــــــ

( ١ ) اختيار معرفة الرجال : ٨٣ ح ١٣٩ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢٢٠ و ٢٢١ ح ١ و ٢١ ، ١٥ . و الآية ١٠٦ من سورة النحل .

( ٣ ) البقرة : ١٤٣ .

( ٤ ) منتخب ذيل المذيل : ١٢٦ .

٥٨٨

يناسب هنا بل كلامه عليه السّلام في احلاف الظالم و المبطل بالبراءة من اللّه تعالى حتّى يعجل تعالى منه الانتقام .

« فإنّي ولدت على الفطرة » قال ابن أبي الحديد : ولد عليه السّلام لثلاثين من عام الفيل و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعث لأربعين منه ، و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ليلة ولادته عليه السّلام :

« لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح اللّه علينا به أبوابا كثيرة من النعمة و الرحمة » .

و يمكن أن يكون مراده عليه السّلام بالفطرة العصمة ، و أنّه عليه السّلام منذ ولد لم يواقع قبيحا ، و لا كان كافرا طرفة عين ، و لا مخطئا ، و لا غالطا في شي‏ء من الأشياء المغلقة ، و هذا تفسير الإمامية ١ قلت : و رواه العامة أيضا .

ففي ( مسند أحمد بن حنبل ) عن سليمان قال : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : كنت أنا و عليّ نورا بين يدي اللّه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام . فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور جزأين : فجزء أنا و جزء عليّ ٢ .

و رواه ابن المغازلي ، و في آخره بعد قوله « جزأين » « جزء في صلب عبد اللّه ، و جزء في صلب أبي طالب ، فأخرجني نبيّا و أخرج عليّا وصيّا » ٣ .

و عن ابن مسعود قال : قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : أوحى اللّه تعالى إلى إبراهيم انّي جاعلك للناس إماما إلى أن قال قال : قال « و من ذرّيتي » الى أن قال قال تعالى لا أعطيك لظالم من ذريّتك . قال إبراهيم عندها « و اجنبني و بنيّ أن نعبد الأصنام » قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : فانتهت الدعوة إليّ و إلى عليّ لم يسجد أحدنا لصنم قط . فاتخذني اللّه نبيّا و اتّخذ عليّا وصيّا ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧٥ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) رواه عن مسند أحمد : ابن طاووس في الطرائف ١ : ١٥ ح ١ ، و لم يوجد فيه بل اخرجه أحمد في الفضائل ، عنه تذكرة الخواص : ٤٦ .

( ٣ ) مناقب ابن المغازلي : ٨٩ ح ١٣٢ .

( ٤ ) مناقب ابن المغازلي : ٢٧٦ ح ٣٢٢ .

٥٨٩

« و سبقت إلى الإيمان » قال المأمون كما في ( العقد ) لإسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حماد بن زيد في ما حاجّه في إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام : هل علمت أحدا سبق عليّا عليه السّلام إلى الاسلام ؟ قال إسحاق : إنّ عليّا أسلم و هو حديث السنّ لا يجوز عليه الحكم ، و أبو بكر أسلم و هو مستكمل يجوز عليه الحكم .

قال له المأمون : أخبرني أيّهما أسلم قبل ثمّ أناظرك بعد في الحداثة . قال إسحاق : عليّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة . قال له المأمون : أخبرني عن إسلام عليّ عليه السّلام حين أسلم لا يخلو من أن يكون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم دعاه إلى الاسلام ، أو يكون إلهاما من اللّه تعالى . فأطرق .

فقال له المأمون : لا تقل إلهاما فتقدّمه على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لأن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يعرف الإسلام حتّى أتاه جبرئيل عليه السّلام عن اللّه تعالى . قال إسحاق : بل دعاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

قال المأمون : فهل يخلو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين دعاه من أن يكون دعاه بأمر اللّه أو تكلّف ذلك من نفسه . فأطرق .

قال له المأمون : لا تنسب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى التكلّف فإنّ اللّه تعالى يقول و ما أنا من المتكلّفين ١ قال إسحاق : أجل بل دعاه بأمر اللّه تعالى .

قال له المأمون : هل من صفة الجبّار جلّ ذكره أن يكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه الحكم ؟ و في قياس قولك « أسلم عليّ و هو صبي لا يجوز عليه حكم » قد كلّف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون ، فهل يدعوهم الساعة ، و يرتدّون بعد ساعة . فلا يجب عليهم في ارتدادهم شي‏ء ، و لا يجوز عليهم حكم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أترى عندك جائزا أن تنسب هذا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟

قال إسحاق : أعوذ باللّه .

ــــــــــــــــ

( ١ ) ص : ٨٦ .

٥٩٠

قال له المأمون : فأراك يا إسحاق إنّما قصدت لفضيلة فضّل بها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليّا عليه السّلام على هذا الخلق أبانه بها منهم ليعرفوا فضله ، و لو كان اللّه أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليّا . . . ١ .

« و الهجرة » قال ابن أبي الحديد : يمكن أن يريد عليه السّلام بسبقه في هجرته غير هجرة المدينة فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم هاجر عن مكّة مرارا يطوف على أحياء العرب ،

و ينتقل من أرض قوم إلى غيرها ، و كان عليّ عليه السّلام معه دون غيره إلى أن قال و أما هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى بني عامر بن صعصعة و إخوانهم من قيس عيلان . فإنّه لم يكن معه إلاّ عليّ عليه السّلام وحده ، و ذلك عقيب وفاة أبي طالب أوحى تعالى إليه أخرج منها فقد مات ناصرك ، فخرج إلى بني عامر ، و معه عليّ عليه السّلام وحده . فعرض نفسه عليهم ، و سألهم النصر ، و تلا عليهم القرآن فلم يجيبوه .

فعاد إلى مكّة و كانت مدّة غيبته في هذه الهجرة عشرة أيّام ، و هي أوّل هجرة هاجرها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بنفسه ٢ .

١٦

الخطبة ( ٧١ ) و من كلام له ع قاله ؟ لمروان بن الحكم ؟ ؟ بالبصرة ؟

قَالُوا : أُخِذَ ؟ مَرْوَانُ بْنُ اَلْحَكَمِ ؟ أَسِيراً ؟ يَوْمَ اَلْجَمَلِ ؟ فَاسْتَشْفَعَ ؟ اَلْحَسَنَ ؟

وَ ؟ اَلْحُسَيْنَ ع ؟ إِلَى ؟ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالاَ لَهُ يُبَايِعُكَ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ ع أَ وَ لَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ ؟ عُثْمَانَ ؟ لاَ حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِكَّفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ اَلْكَلْبِ أَنْفَهُ وَ هُوَ أَبُو اَلْأَكْبُشِ

ــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٣١٩ ٣٢٠ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧٨ ٣٧٩ .

٥٩١

اَلْأَرْبَعَةِ وَ سَتَلْقَى اَلْأُمَّةُ مِنْهُ وَ مِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ « قالوا أخذ مروان بن الحكم » روى ( الروضة ) عن الصادق عليه السّلام قال :

خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من حجرته و مروان و أبوه يستمعان إلى حديثه . فقال له :

الوزغ ابن الوزغ . فمن يومئذ يرون أنّ الوزغ يسمع الحديث .

و عن الباقر عليه السّلام : لمّا ولد مروان عرضوا به للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يدعو له فأرسلوا به إلى عائشة ليدعو له . فلمّا قرّبته منه قال : أخرجوا عنّي الوزغ ابن الوزغ قال زرارة : لا أعلم إلاّ أنّه قال ، و لعنه ١ .

و في ( حياة الحيوان ) للدميرى : روى الحاكم في ( الفتن و الملاحم من مستدركه ) عن عبد الرحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود إلاّ أتى به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيدعو له فأدخل عليه مروان . فقال : هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون .

و عن محمّد بن زياد قال : لمّا بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان : سنّة أبي بكر و عمر . فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : سنّة هرقل و قيصر . فقال له مروان : أنت الّذي أنزل اللّه فيك و الذي قال لوالديه افّ لكما فبلغ ذلك عائشة . فقالت : كذب و اللّه ما هو به و لكنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعن أبا مروان و مروان في صلبه ٢ .

و في ( نقض عثمانية الاسكافي ) : كان مروان مجاهرا بالإلحاد ، هو و أبوه ، و هما الطريدان اللعينان . كان أبوه عدوّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يحكيه في مشيه ،

و يغمز عليه عينه ، و يدلع لسانه ، و يتهكّم به ، و يتهانف عليه هذا و هو في قبضته و تحت يده ، و هو يعلم أنّه قادر على قتله أيّ وقت شاء . فهل يكون هذه إلاّ من

ــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٨ : ٣٣٨ ح ٣٢٣ ٣٢٤ .

( ٢ ) حياة الحيوان ٢ : ٣٩٩ ، و المستدرك ٤ : ٤٧٩ و ٤٨١ .

٥٩٢

شانئ شديد البغضة حتّى أفضى أمره إلى أن طرده النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و سيّره إلى الطائف و أمّا مروان ابنه فأخبث عقيدة و أعظم الحادا و كفرا ١ .

و في ( الاستيعاب ) في هند بن أبي هالة عن هند قال : مرّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأبي مروان فجعل يغمزه . فالتفت فقال « اللّهمّ اجعل به وزغا » و الوزغ :

الارتعاش فرجف مكانه ٢ .

و روى المدائني خبرا طويلا في محاجّة ابن عباس في مجلس معاوية مع مروان و غيره إلى أن قال فقال مروان : يا ابن عباس انّك لتصرف بنابك و توري نارك كأنّك ترجو الغلبة و تؤمّل العافية ، و لو لا حلم معاوية عنكم لتناولكم بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره ، و لعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقّه منكم ، و لئن عفا عن جرائركم . فقديما نسب إلى ذلك .

فقال ابن عباس : و إنّك لتقول ذلك يا عدوّ اللّه ، و طريد رسول اللّه و المباح دمه ، و الداخل بين عثمان و رعيته بما حملهم على قطع أوداجه ، و ركوب أثباجه . اما و اللّه لو طلب معاوية ثأره لأخذك به ، و لو نظر في أمر عثمان لوجدك أوّله و آخره ٣ .

و في ( الاحتجاج ) : قال الحسن عليه السّلام لمروان في مجلس معاوية : و ما زادك اللّه يا مروان بما خوّفك إلاّ طغيانا كبيرا و صدق اللّه و صدق رسوله يقول اللّه تعالى و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغيانا كبيرا ٤ .

و فيه : عن محمّد بن السائب قال مروان يوما للحسين عليه السّلام : لو لا فخركم

ــــــــــــــــ

( ١ ) لم يوجد في النسخة المطبوعة من النقض .

( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٦٠٣ .

( ٣ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ١٠٦ ، شرح الخطبة ٨٢ .

( ٤ ) الاحتجاج ١ : ٢٧٩ . و الآية ٦٠ من سورة الاسراء .

٥٩٣

بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا ؟ فوثب الحسين عليه السّلام و كان شديد القبضة فقبض على حلقه فعصره و لوى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه ثم تركه و أقبل الحسين عليه السّلام على جماعة من قريش فقال : أنشدكم باللّه ان صدّقتموني إن صدقت . أتعلمون أن في الأرض حبيبين كانا أحب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم منّي و من أخي أو على ظهر الأرض ابن بنت نبيّ غيري و غير أخي . قالوا : اللّهمّ لا .

قال : و إنّي لا أعلم أنّ في الأرض ملعونا ابن ملعون غير هذا و أبيه طريدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم . و اللّه ما بين جابرس و جابلق أحدهما بباب المشرق و الآخر بباب المغرب رجلا ممّن ينتحل الإسلام أعدى لله و لرسوله و لأهل بيته منك و من أبيك إذا كان ، و علامة قولي فيك أنّك إذا غضبت سقط رداؤك من منكبك ، قال : فو اللّه ما قام مروان من مجلسه حتى غضب فانتفض و سقط ردائه عن عاتقه ١ .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) : ذكر هشام الكلبي عن محمّد بن إسحاق قال : بعث مروان و كان واليا على المدينة رسولا إلى الحسن عليه السّلام فقال له : يقول لك مروان : أبوك الّذي فرّق الجماعة ، و قتل عثمان ، و أباد العلماء و الزهاد يعني الخوارج و أنت تفخر بغيرك . فإذا قيل لك : من أبوك تقول :

خالي الفرس . فجاء الرسول إلى الحسن عليه السّلام فقال له : أتيتك برسالة ممّن يخاف سطوته ، و يحذر سيفه . فإن كرهت لم أبلغك و وقيتك بنفسي .

فقال الحسن عليه السّلام : لا بل تؤديها ، و نستعين عليه باللّه . فأدّاها فقال له :

تقول لمروان : إن كنت صادقا فاللّه يجزيك بصدقك ، و ان كنت كاذبا فاللّه أشدّ نقمة . فخرج الرسول من عنده . فلقيه الحسين عليه السّلام فقال : من أين أقبلت . فقال :

من عند أخيك الحسن عليه السّلام . فقال : و ما تصنع ؟ قال : أتيت برسالة من عند

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحتجاج ٢ : ٢٩٩ .

٥٩٤

مروان . فقال : و ما هي ؟ فامتنع الرسول من أدائها . فقال : لتخبرني أو لأقتلنّك .

فسمع الحسن عليه السّلام فخرج ، و قال لأخيه : خلّ عن الرجل . فقال : لا و اللّه حتّى أسمعها فأعادها الرسول عليه . فقال له الحسين عليه السّلام : قل له يقول لك الحسين بن علي و ابن فاطمة : « يا ابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز ،

و صاحبة الراية بسوق عكاظ ، و يا ابن طريد الرسول و لعينه إعرف من أنت ،

و من أبوك ، و من امّك » .

فجاء الرسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا . فقال للرسول : ارجع إلى الحسن و قل له : أشهدك أنّك ابن الرسول ، و قل للحسين : أشهد أنّك ابن عليّ بن أبي طالب .

فقال الحسين عليه السّلام للرسول : قل لمروان كلاهما لي رغما لك . قال الأصمعي : أمّا قول الحسين عليه السّلام : « يا ابن الداعية إلى نفسها » فذكر ابن إسحاق ان امّ مروان اسمها اميّة و كانت من البغايا في الجاهلية ، و كانت لها راية مثل راية البيطار تعرف بها ، و كانت تسمّى امّ حنبل الزرقاء ، و كان مروان لا يعرف له أب و إنّما نسب إلى الحكم كما نسب عمرو إلى العاص .

و أما قوله يا ابن طريد الرسول : يشير إلى الحكم بن أبي العاص بن اميّة بن عبد شمس أسلم يوم الفتح ، و سكن المدينة ، و كان ينقل أخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى الكفار من الاعراب ، و غيرهم ، و يتجسّس عليه .

قال الشعبي : و ما أسلم إلاّ لهذا ، و رآه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوما و هو يمشي و يتخلج في مشيته يحاكي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فقال له كذلك . فما زال يمشي كأنّه يقع على وجهه و نفاه إلى الطائف ، و لعنه . فلمّا توفّي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم كلّم عثمان أبا بكر أن يردّه لأنه كان عمّه . فقال أبو بكر : هيهات شي‏ء فعله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و اللّه لا اخالفه أبدا . فلمّا ولي عمر بعده كلّمه ، فقال : و اللّه لا كان هذا أبدا . فلمّا ولي عثمان بعده ردّه في اليوم الّذي تولى فيه ، و قرّبه و أدناه ، و دفع له مالا عظيما ،

٥٩٥

و رفع منزلته . فقام المسلمون على عثمان ، و أنكروا عليه ، و هو أوّل ما أنكروا عليه . فامتنع جماعة من الصحابة من الصلاة خلف عثمان لذلك . ثمّ توفّي الحكم في خلافته . فصلّى عليه و مشى خلفه . فشقّ ذلك على المسلمين ، و قالوا ما كفاك ما فعلت حتّى تصلّي على منافق ملعون لعنه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و نفاه ،

فخلعوه و قتلوه .

و أعطى عثمان ابنه مروان خمس غنائم أفريقيّة خمسمئة ألف دينار ،

و لما بلغ ذلك عائشة أرسلت إلى عثمان : أما كفاك أنّك رددت المنافق حتّى تعطيه أموال المسلمين ، و تصلّي عليه و تشيّعه ، و بهذا السبب قالت : اقتلوا نعثلا قتله اللّه فقد كفر ، و كان مروان يشتم عليّا عليه السّلام يوم الجمعة على المنبر ،

و كان الحسن عليه السّلام يقعد في حجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتّى يفرغ ثمّ يخرج فيصلّي خلفه ١ .

و في ( الصحاح ) : خيط باطل هو الّذي يقال له لعاب الشمس ، و مخاط الشيطان و كان مروان يلقّب بذلك لأنّه كان طويلا مضطربا ٢ .

و في ( المروج ) : لمّا قتل عبد الملك عمرو بن سعيد الأشدق قالت اخته :

غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل

و كلّكم يبني البيوت على غدر ٣ .

و في ( تاريخ الطبري ) بعد ذكر أنّ الوليد رخّص للحسين عليه السّلام في الانصراف لمّا دعاه لبيعة يزيد قال مروان للوليد : إحبس الرجل ، و لا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه . فوثب عند ذلك الحسين عليه السّلام فقال : يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو ؟ إلى أن قال :

ــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ٢٠٧ ٢٠٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ١١٢٥ ١١٢٦ ، مادة ( خيط ) .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ٣٠٦ .

٥٩٦

فقال مروان للوليد : عصيتني . فقال له الوليد : اخترت لي التّي فيها هلاك ديني . و اللّه إنّي لأظنّ أمرءا يحاسب بدم الحسين عليه السّلام لخفيف الميزان عند اللّه يوم القيامة . فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت في ما صنعت يقول له هذا و هو غير حامد له على رأيه ١ .

و في ( الأغاني ) : إستأذن اسماعيل بن يسار النسائي على الغمر بن يزيد بن عبد الملك يوما . فحجبه ساعة ثمّ أذن له . فدخل يبكي . فقال له الغمر : مالك تبكي ؟ فقال : و كيف لا أبكي و أنا على مروانيتي و مروانية أبي احجب عنك .

فجعل يعتذر إليه . و هو يبكي . فما سكت حتّى وصله الغمر بجملة لها قدر . ثمّ خرج من عنده فلحقه رجل : فقال له : ويلك يا اسماعيل أيّ مروانية كانت لك أو لأبيك . قال : بغضنا إيّاهم فامرأته طالق إن لم تكن امّه تلعن مروان و اللّه كلّ يوم مكان التسبيح ، و إن لم يكن أبوه حضره الموت فقيل له : قل : لا إله إلاّ اللّه . فقال :

لعن اللّه مروان . تقربا بذلك إلى اللّه تعالى و إبدالا له من التوحيد ، و إقامة له مقامه ٢ .

و فيه زعم أهل اليمامة و عكل و غيرهم أنّ ثلاثة نفر أبو حفصة جدّ مروان بن أبي حفصة الشاعر ، و رجل من تميم ، و رجل من سليم أتوا مروان فباعوا أنفسهم منه في مجاعة نالتهم ، فاستعدى أهل بيوتاتهم عليهم فأقرّ السلمي أنّه من العرب و أنّه إنّما أتى مروان فباعه نفسه . فدسّ إليه مروان من قتله . فلمّا رأى ذلك الآخران ثبتا على أنّهما موليان لمروان ٣ .

« أسيرا يوم الجمل . فاستشفع الحسن و الحسين عليه السّلام إلى أمير

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٥١ ، سنة ٦٠ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الأغاني ٤ : ٤١٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) الأغاني ١٠ : ٧٣ .

٥٩٧

المؤمنين عليه السّلام فكلّماه فيه فخلّى سبيله » في ( المروج ) : دخل عليّ عليه السّلام على عائشة بعد أن بعث ابن عباس اليها يأمرها بالخروج إلى المدينة ، و معه الحسن و الحسين عليه السّلام و باقي أولاده ، و أولاد إخوته ، و فتيان أهله من بني هاشم ، و غيرهم من شيعته فلمّا بصرت به النسوان صحن في وجهه ، و قلن : يا قاتل الأحبة . فقال عليه السّلام : لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذا البيت و أشار إلى بيت من البيوت قد اختفي فيه مروان ، و عبد اللّه بن الزبير ، و عبد اللّه بن عامر ،

و غيرهم فضرب من كان معه بأيديهم إلى قوائم سيوفهم لمّا علموا من في البيت مخافة أن يخرجوا فيغتالوهم إلى أن قال فسألته عائشة أن يؤمّن ابن اختها عبد اللّه بن الزبير فآمنه ، و تكلّم الحسن و الحسين عليه السّلام في مروان فآمنه ١ .

و لكن روى ( الخرائج ) : أنّ ابن عباس استشفع له ، فروى عن رجل من مراد قال كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين عليه السّلام يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال . فقال : إنّ لي حاجة . فقال عليه السّلام : ما أعرفني بالحاجة الّتي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم . قال : ما جئت إلاّ لتؤمنه . قال : قد آمنته ، و لكن اذهب و جئني به و لا تجئني به إلاّ رديفا فإنّه أذلّ له . فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنّه قرد . . . ٢ و كذا رواه ( جمل المفيد ) عن الواقدي فقال : قال لمّا فرغ عليّ عليه السّلام من أهل الجمل جاء فتيان من قريش يسألونه الأمان ، و أن يقبل منهم البيعة .

فاستشفعوا إليه بعبد اللّه بن العباس فشفّعه ، و أمر لهم في الدخول عليه . فلمّا مثلوا بين يديه قال لهم : ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني ؟ على أن

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٦٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) الخرائج و الجرائح ١ : ١٨٦ .

٥٩٨

حكمت فيكم بغير عدل ؟ أو قسمت بينكم بغير سوية ؟ أو استأثرت عليكم ؟ أو لبعدي عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟ أو لقلّة بلاء منّي في الإسلام ؟ فقالوا : نحن إخوة يوسف فاعف عنّا ، و استغفر لنا . فنظر إلى أحدهم فقال : من أنت ؟ قال : أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلّة ، مقرّ بالخطيئة ، تائب من ذنبي . فقال عليه السّلام :

قد صفحت عنكم ، و ايّم اللّه إنّ فيكم من لا ابالي بايعني بكفّه أو باسته ، و لئن بايعني لينكثن ، و تقدم إليه مروان ، و هو متّكئ على رجل فقال له : ما بك ؟ هل بك جراحة ؟ قال : نعم ، و ما أراني إلاّ لما بي . فتبسّم عليّ عليه السّلام و قال : لا و اللّه ما أنت لما بك ، و ستلقى هذه الامّة منك و من ولدك يوما أحمر ١ .

و ظاهر خبر أبي مخنف عدم استشفاع أحد فيه ، و في جمع آخر معه .

ففي ( جمل المفيد ) أيضا : روى أبو مخنف عن العدوي عن أبي هشام ،

عن البريد عن عبد اللّه بن المخارق ، عن هاشم بن مساحق القرشي ، عن أبيه قال : لما انهزم الناس يوم الجمل إجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان .

فقال بعضهم لبعض : و اللّه لقد ظلمنا هذا الرجل ، و نكثنا بيعته من غير حدث ،

و اللّه لقد ظهر علينا . فما رأينا قط أكرم سيرة منه ، و لا أحسن عفوا منه بعد الرسول . تعالوا حتّى ندخل عليه ، و نعتذر إليه في ما صنعناه . فصرنا إلى بابه .

فاستأذنّاه . فأذن لنا . فلمّا مثلنا بين يديه جعل متكلّما يتكلّم . فقال عليّ عليه السّلام :

أنصتوا أكفكم إنّما أنا بشر مثلكم فإن قلت حقّا فصدّقوني ، و إن قلت باطلا ردّوا عليّ . انشدكم اللّه أتعلمون أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبض و أنا أولى الناس به و بالناس من بعده . قالوا : اللهمّ نعم ، قال : فعدلتم عنّي و بايعتم أبا بكر فأمسكت ، و لم أحبّ أن أشقّ عصا المسلمين ، و افرّق بين جماعاتهم . ثمّ إنّ أبا بكر جعلها لعمر من بعده . فكففت و لم اهيّج الناس ، و قد علمت أنّي كنت أولى

ــــــــــــــــ

( ١ ) الجمل ٢٢٠ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٩٩

الناس باللّه و برسوله ، و بمقامه . فصبرت حتّى قتل و جعلني سادس ستّة .

فكففت ، و لم احبّ أن افرّق بين المسلمين . ثمّ بايعتم عثمان فطعنتم عليه ،

و قتلتموه ، و أنا جالس في بيتي و أتيتموني و بايعتموني كما بايعتم أبا بكر و عمر . فما بالكم و فيتم لهما و لم تفوا لي ؟ و ما الّذي منعكم من نكث بيعتهما ،

و دعاكم إلى نكث بيعتي ؟ فقالوا له : كن يا أمير المؤمنين كالعبد الصالح إذ قال لا تثريب عليكم اليوم ١ . فقال عليه السّلام : لا تثريب عليكم اليوم ، و إنّ فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته يعني مروان بن الحكم ٢ .

هذا ، و كما أطلق عليه السّلام مروان بعد أسره مع عداوته تلك ، أطلق الوليد بن عقبة مع كونه مثل مروان في العداوة له .

ففي ( كنايات الجرجاني ) : أتى علي عليه السّلام بالوليد بن عقبة أسيرا يوم الجمل ، فقال لمّا رآه :

هنيدة قد حللت بدار قوم

هم الأعداء و الأكباد سود

هم أن يظفروا بي يقتلوني

و إن أظفر فليس لهم جلود

« فقالا له يبايعك يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام : أ و لم يبايعني بعد قتل عثمان » و ما في ( المصرية ) « قبل قتل عثمان » غلط واضح .

في ( تاريخ اليعقوبي ) : بايع الناس بعد عثمان عليّا عليه السّلام إلاّ ثلاثة من قريش مروان ، و سعيد بن العاص ، و الوليد بن عقبة و كان لسان القوم فقال الوليد له عليه السّلام : يا هذا إنّك و ترتنا جميعا . أمّا أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر ، و أما سعيد فقتلت أباه يوم بدر ، و أما مروان فشتمت أباه ، و عبت على عثمان حين ضمّه إليه إلى أن قال :

ــــــــــــــــ

( ١ ) يوسف : ٩٢ .

( ٢ ) الجمل : ٢٢٢ ، و النقل بتصرف يسير .

٦٠٠