بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥
0%
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632
مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632
فقال الوليد : تبايعنا على أن تضع عنّا ما أصبنا ، و تعفي لنا عمّا في أيدينا ، و تقتل قتلة صاحبنا . فغضب عليّ عليه السّلام و قال : أمّا ما ذكرت من و تري إيّاكم . فالحقّ و تركم ، و أما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن اضيع حقّ اللّه ،
و أمّا إعفائي عمّا في أيديكم فما كان للّه و للمسلمين فالعدل يسعكم ، و أما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا ، و لكن لكم أن أحملكم على كتاب اللّه ، و سنّة نبيّه . فمن ضاق عليه الحقّ فالباطل عليه أضيق ، و إن شئتم فالحقوا بملاحقكم . فقال مروان بل نبايعك ، و نقيم معك فترى و نرى ١ .
« لا حاجة لي في بيعته إنّها كفّ يهوديّة لو بايعني بكفه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( بيده ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .
« لغدر بسبته » أي : باسته . في خبر ( الخرائج ) المتقدم « فلما بسط يده ليبايعه أخذ كفّه عن كفّ مروان فنزها و قال : لا حاجة لي فيها ، إنّها كفّ يهودية لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته . . . » ٣ .
و قد عرفت من خبر أبي مخنف « و أنّ فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته » و من خبر الواقدي « و ايم اللّه إنّ فيكم من لا ابالي بايعني بكفه أو باسته ،
و لئن بايعني لينكثن » . قال ابن أبي الحديد : كان الغادر من العرب إذا عزم على الغدر بعد عهده حبق استهزاء ٤ .
قال عليه السّلام ذلك لأنّه يعرف ضميره ، و كيف كان يفي ببيعته ، و قد كان كتب الى معاوية ، و يعلى بن منبة قبل قتل عثمان « و إني خائف إن قتل يعني عثمان أن تكون أي الخلافة من بني اميّة بمناط الثريا إن لم نصر كرصيف
ــــــــــــــــ
( ١ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٨ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٢٠٣ أيضا « بكفه » .
( ٣ ) الخرائج و الجرائح ١ : ١٨٦ .
( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٥٤ ، و النقل بتصرف يسير .
الأساس المحكم ، و لئن و هى عمود البيت لتتداعينّ جدرانه ، و الّذي عيب عليه إطعامكما الشام و اليمن إلى أن قال :
و أما أنا فمساعف كلّ مستشير ، و معين كلّ مستصرخ ، و مجيب كل داع أتوقع الفرصة . فأثب و ثبة الفهد . أبصر غفلة مقتنصة .
و كتب الى معاوية بعد قتل عثمان مشيرا إليه عليه السّلام و أصحابه و لقد طويت أديمهم على نغل يحلم منه الجلد كذبت نفس الظان بنا ترك المظلمة ، و حبّ الهجوع إلاّ تهويمة الراكب العجل إلى أن قال و كتابي إليك و أنا كحرباء السبسب في الهجير ترقب عين الغزالة . هذا ، و قال الشاعر :
« إنّ احيحا هي صئبان السّه » ١
و السه : أيضا الاست ، و الصئبان : جمع الصؤابة بيضة القملة .
هذا ، و قال الأخطل و كان شاعرا نصرانيا ، و من المنقطعين إلى بني اميّة في بشر بن مروان :
فلا تجعلنيّ يا ابن مروان كامرئ
غلت في هوى آل الزبير مراجله
يبايع بالكف التي قد عرفتها
و في قلبه ناموسه و غوائله
« أما إنّ له إمرة » قال ابن أبي الحديد : و روى هذا الخبر من طرق كثيرة ،
و رويت فيه زيادة هكذا : « يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه ، و إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه » ٢ و قال الشاعر في امارة مروان ، و قد عرفت أنّه كان يلقب بخيط الباطل :
لحا اللّه قوما أمرّوا خيط باطل
على الناس يعطي من يشاء و يمنع ٣
ــــــــــــــــ
( ١ ) أورده لسان العرب ١٣ : ٤٩٥ ، مادة ( سه ) .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٣ .
( ٣ ) نقله ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٥٥ .
و قد وقعت إمارته كما أخبر عليه السّلام قال المسعودي : أراد مروان بعد موت يزيد أن يلحق بابن الزبير . فمنعه من ذلك عبيد اللّه بن زياد عند لحاقه بالشام و قال له : إنك شيخ بني عبد مناف إلى أن قال :
قال عمرو بن سعيد الأشدق لمروان أدعوا الناس اليك ، و آخذها لك على أن يكون لي من بعدك .
فقال مروان : بل بعد خالد بن يزيد بن معاوية فرضي الأشدق بذلك ،
و دعا الناس إلى بيعة مروان فأجابوا ، و كانت أيّامه تسعة أشهر و أيّاما قلائل و قيل ثمانية أشهر و اختلف في سبب وفاته فمنهم من رأى أنّه مات مطعونا ، و منهم من رأى انّه مات حتف أنفه ، و منهم من رأى أنّ فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة امّ خالد بن يزيد هي الّتي قتلته ، و ذلك أنّ مروان حين أخذ البيعة لنفسه و لخالد بن يزيد بعده ، و عمرو بن سعيد بعده .
ثم بداله في ذلك فجعلها لابنه عبد الملك بعده ثم لابنه عبد العزيز ، و دخل عليه خالد بن يزيد فكلّمه ، و أغلظ له فغضب من ذلك ، و قال : أتكلمني يا ابن الرطبة و كان مروان قد تزوّج بامّه فاختة ليذلّه بذلك و يضع منه فدخل خالد على امّه فقبّح لها تزوجها بمروان ، و شكا إليها ما نزل به منه . فقالت : لا يعيبك بعدها . فمنهم من رأى أنّها وضعت على نفسه و سادة ، و قعدت فوقها مع جواريها حتى مات ، و منهم من رأى انّها أعدّت له لبنا مسموما فلما دخل عليها ناولته إيّاه فشربه . فلما استقرّ في جوفه وقع يجود بنفسه ، و أمسك لسانه فحضره عبد الملك ، و غيره من ولده ، فجعل مروان يشير إلى امّ خالد يخبرهم أنّها قتلته و امّ خالد تقول : بأبي أنت حتّى عند النزع لم تشتغل عنّي انّه يوصيكم بيّ ١ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٨٥ ٨٩ ، و النقل بتصرف يسير .
« كلعقة الكلب أنفه » فقد عرفت أنّ إمرته كانت تسعة أشهر أو ثمانية أشهر .
هذا ، و في ( أنساب البلاذري ) كان ابن همام حين حصر ابن مطيع في القصر أي في الكوفة من قبل ابن الزبير لمّا ظهر المختار فتدلّى منه مع ناس تدلّوا أيضا فقال : لما رأيت القصر اغلق بابه ، و تعلقت همدان بالأسباب . و رأيت أفواه الأزقّة حولنا ملئت بكلّ هراوة ، و ذباب ، و رأيت أصحاب الدقيق كأنّهم حول البيوت ثعالب الأسراب أيقنت أنّ أمارة ابن مضارب لم يبق منها فيش اير ذباب ١ .
و مما قيل في قصر المدّة قول ابن عباس في مدّة امارة عائشة في الجمل .
ففي ( العقد ) قال ابن عباس لها بعد هزيمتها إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الّذي خرجت منه . قالت : رحم اللّه أمير المؤمنين . إنّما كان عمر ابن الخطاب . فقال لها بل عليّ بن أبي طالب . فقالت : أبيت أبيت فقال لها : ما كان إباؤك إلاّ فواق ناقة بكيئة . ثمّ صرت ما تحلين ، و لا تمرّين و لا تأمرين ، و لا تنهين . فبكت حتّى علا نشيجها ٢ .
« و هو أبو الأكبش الأربعة » في ( إعلام الورى ) عن ابن مرهب بعد ذكر ورود مروان على معاوية ، و تركه حاجة له فورد ابنه عبد الملك إلى معاوية فكلّمه فلما أدبر عبد الملك قال ( معاوية لابن عباس و كان عنده ) : أنشدك اللّه يا ابن عباس أما تعلم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذكر هذا . فقال : أبو الجبابرة الأربعة ؟ قال ابن عباس : اللّهم نعم ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) أنساب الأشراف ٥ : ٢٣٠ ، و ما نقل عن ابن همام فهو شعر في أربعة أبيات .
( ٢ ) العقد الفريد ٥ : ٧٢ ، و فتوح ابن اعثم ٢ : ٣٣٦ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٣ ) إعلام الورى : ٣٥ .
و في ( حيوان الدميري ) قال مصعب الزبيري : زعموا أنّ عبد الملك بن مروان رأى في منامه أنّه بال في المحراب أربع مرّات . فدسّ من سأل سعيد بن المسيب و كان يعبرّ الرؤيا فقال : يملك من صلبه أربعة . فكان آخرهم هشام ١ .
و قال ابن أبي الحديد : فسّروا الأكبش الأربعة ببني عبد الملك الوليد ،
و سليمان ، و يزيد ، و هشام ، و لم يل الخلافة من بني اميّة ، و لا من غيرهم أربعة إخوة إلاّ هؤلاء و يجوز عندي أن يريد عليه السّلام ولد مروان لصلبه عبد الملك ، و عبد العزيز ، و بشر ، و محمّد ، و كانوا كباشا أبطالا أنجادا وليّ عبد الملك الخلافة ،
و وليّ بشر العراق ، و ولي محمّد الجزيرة ، و ولى عبد العزيز مصر و لكلّ منهم آثار مشهورة ٢ .
قلت : و كان لمروان ولد آخر أحمق ، معاوية بن مروان ، و هو الّذي قال للطحان : أرأيت إن قام حمارك و حركّ رأسه ليصوت جلجله ما علمك ؟ فقال :
و من له بمثل عقل الأمير . و الأظهر ما عليه الأكثر من كون المراد بني عبد الملك الأربعة الّذين و لو الخلافة ، و كيف كان . فمروان كان أبا عشرة .
هذا ، و في ( كامل الجزري ) : ولي الخلافة في الأخوين المسترشد ،
و المقتفي ابنا المستظهر ، و الهادي و الرشيد ابنا المهدي ، و الواثق و المتوكّل ابنا المعتصم ، و في الاخوة الثلاثة ، الأمين ، و المأمون ، و المعتصم بنو هارون ،
و المكتفي ، و المقتدر و القاهر بنو المعتضد ، و الراضي ، و المتقى ، و المطيع بنو المقتدر ، و أما أربعة إخوة فليس إلاّ الوليد ، و سليمان ، و يزيد ، و هشام بنو عبد الملك ٣ .
ــــــــــــــــ
( ١ ) حياة الحيوان ١ : ٧١ .
( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٣ ) ذكره كلا في موضعه من الكامل .
و كما أخبر عليه السّلام بهؤلاء الأكبش الأربعة أخبر عليه السّلام أنّ كبشا آخر و هو ابن الزبير يستحلّ حرمة الكعبة .
ففي ( تاريخ الطبري ) : قال عبد اللّه بن سليم ، و المذري بن المشمعل الأسديان : سمعنا ابن الزبير و هو يقول للحسين عليه السّلام يوم التروية بين الحجر و الباب : إن شئت أن تقيم أقمت . فوليت هذا الأمر فآزرناك ، و ساعدناك ،
و نصحنا لك ، و بايعناك . فقال عليه السّلام « إنّ أبي حدّثني أنّ بها كبشا يستحلّ حرمتها فما أحبّ أن أكون ذلك الكبش » ١ و يأتي خبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ولد أبي العاص جدّ مروان كعثمان .
« و ستلقى الامّة منه و من ولده يوما أحمر » و في خبر الخرائج المتقدّم بعد قوله عليه السّلام في مروان : لو بايعني بيده عشرين مرّة لنكث باسته ثم قال عليه السّلام :
هيه يا ابن الحكم خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة ؟ كلاّ و اللّه حتّى يخرج من صلبك فلان ، و فلان يسومون هذه الامّة خسفا ، و يسقونهم كأسا مصبرة ٢ .
و قال ابن أبي الحديد « و في ( الاستيعاب ) نظر علي عليه السّلام يوما إلى مروان .
فقال له : ويل لك ، و ويل لأمّة محمّد منك ، و من بنيك ، اذا شاب صدغاك » ٣ قلت :
الّذي وجدت في ( الاستيعاب ) « ويلك و ويل امّة محمّد منك ، و من بنيك إذا ساءت درعك » ٤ و الظاهر كون كلّ منهما تصحيفا ، و أنّ الأصل في قول « و أشاب ذراعاك » و قول « إذا ساءت درعك » « إذا شاب صدغاك » كما مرّ في خبر .
ــــــــــــــــ
( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٨٨ ، سنة ٦٠ .
( ٢ ) الخرائج و الجرائح ١ : ١٨٦ .
( ٣ ) شرح ابن ابي الحديد ٢ : ٥٥ .
( ٤ ) الاستيعاب ٣ : ٤٢٥ .
و في الجزري يقال لمروان و لولده : بنو الزرقاء و زرقاء بنت موهب جدة مروان لأبيه كانت من ذوات الرايات في البغاء قال ابن الأشعث لمّا أجمع أهل العراق على خلع عبد الملك بدير الجماجم إنّ بني مروان يعيرون بالزرقاء و اللّه ما لهم نسب أصحّ منه إلاّ أنّ بني أبي العاص أعلاج من أهل صفوريّة ١ .
قال ابن أبي الحديد : و في ( أغاني أبي الفرج ) : قال مروان لمعاوية لمّا عزله عن الامارة : رويدا رويدا ، فقد بلغ بنو الحكم ، و بنو بنيه نيفا و عشرين ،
و إنّما هي أيّام قلائل حتّى يكملوا أربعين ثم يعلم امرؤ ما يكون منهم حينئذ .
ثمّ هم للجزاء بالحسني و السوء بالمرصاد .
قال أبو الفرج : هذا رمز إلى قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم « إذا بلغ بنو أبي العاص ،
أربعين رجلا اتّخذوا مال اللّه دولا ، و عباد اللّه خولا » فكان بنو أبي العاص يذكرون انّهم سيلون أمر الامّة إذا بلغوا إلى هذه العدّة . فغضب معاوية و قال :
يا ابن الوزغ لست هناك ، فقال مروان : هو ما قلت لك ، و إنّي الآن لأبو عشرة و أخو عشرة ، و عمّ عشرة ، و قد كاد ولد أبي أن يكمّلوا العدّة يعني أربعين و لو قد بلغوها لعلمت أين تقع منّي . فانخذل معاوية . فقال الأحنف لمعاوية : ما رأيت لك سقطة مثلها ما هذا الخضوع لمروان ؟ و أيّ شيء يكون منه و من بني أبيه إذا بلغوا أربعين ؟ و ما الّذي تخشاه منهم ؟ فقال : ان الحكم بن أبي العاص كان أحد من قدم مع امّ حبيبة لمّا زفّت إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و هو يتولىّ نقلها إليه ،
فجعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يحدّ النظر إليه . قيل له : لقد أحددت النظر إلى الحكم . فقال :
« ذاك رجل إذا بلغ بنو أبيه ثلاثين أو أربعين ملكوا الأمر من بعدي » فو اللّه لقد تلقّاها مروان من عين صافية .
ــــــــــــــــ
( ١ ) الكامل ٤ : ١٩٤ و ٤٧١ ، سنة ٦٥ و ٨٢ .
فقال له الأحنف : رويدا لا يسمع هذا منك أحد . فإنّك تضع من قدرك و قدر ولدك بعدك ، و إن يقض اللّه أمرا يكن . فقال له معاوية : اكتمها عليّ . فقد لعمرك صدقت و نصحت ١ .
قلت : و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : إشتكى عمرو بن عثمان .
فكان العوّاد يدخلون عليه . فيخرجون ، و يتخلّف عنده مروان فيطيل . فانكرت ذلك رملة بنت معاوية امرأة عمرو . فخرجت كوّة . فاستمعت على مروان . فإذا هو يقول : ما أخذ هؤلاء يعني حرب بن اميّة الخلافة إلاّ باسم أبيك . فما يمنعك أن تنهض بحقك . فلنحن أكثر منهم رجالا . منّا فلان ، و منهم فلان و عدّد فضول رجال أبي العاص على رجال بني حرب فلمّا برأ عمرو تجهّز للحج ، و تجهّزت رملة في جهازه . فلما خرج عمرو خرجت رملة إلى أبيها بالشام فأخبرته ، و قالت له : ما زال يعدّ فضل رجال أبي العاص على بني حرب حتّى عدّ ابني عثمان و خالدا ابني عمرو . فتمنيت أنّهما ماتا . فكتب معاوية إلى مروان :
أو اضع رجل فوق اخرى تعدّنا
عديد الحصى ما ان تزال تكاثر
و امّكم تزجي تؤاما لبعلها
و امّ أخيكم نزرة الولد عاقر
إشهد يا مروان أنّي سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول : إذا بلغ ولد الحكم ثلاثين رجلا اتّخذوا مال اللّه دولا ، و دين اللّه دخلا ، و عباد اللّه خولا » . فكتب إليه مروان :
أما بعد يا معاوية فإنّي أبو عشرة ، و أخو عشرة ، و عم عشرة ٢ .
ثمّ الخبر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ورد تارة في الحكم أبي مروان كما عرفته من معاوية على رواية مصعب الزبيري ، و اخرى في أبي العاص جدّه كما عرفته
ــــــــــــــــ
( ١ ) شرح ابن ابي الحديد ٢ : ٥٦ ٥٧ ، و النقل بتقطيع .
( ٢ ) نسب قريش : ١١٠ ، و النقل بتصرف يسير .
من خبر أبي الفرج الإصبهاني ، و الثاني يشمل عثمان أيضا ، و قد استند إليه أبو ذر في قباله ، و قد شهد له أيضا الدراية .
و لقد لقيت الامّة منه ، و من ولده يوما أحمر كما قال عليه السّلام فكان مروان و ابنه عبد الملك سببا لغلبة مسلم بن عقبة يوم الحرة على أهل المدينة ، و فعله تلك الشنائع الّتي لم تكن بعد واقعة الطف أشنع منها . فكتب مسلم بن عقبة إلى يزيد يشكره و يشكر ابنه .
و لما حضر ابنه عبد الملك الوفاة قال لابنه الوليد : لا تعصر علي عينيك كالأمة الوكساء إذا أدليتني في حفرتي اخرج إلى الناس ، و البس لهم جلد النمر ،
واقعد على المنبر ، و ادع الناس إلى بيعتك . فمن مال بوجهه عنك فقل له بالسيف كذا . فلما توفّي دعا الوليد الى البيعة . فلم يختلف عليه أحد ، و كان أوّل ما ظهر من أمره أن أمر بهدم كلّ دار من دار أبيه إلى قبره . فهدمت من ساعتها و سوّيت بالأرض لئلاّ يعرج بسرير عبد الملكّ يمينا و شمالا ذكر ذلك خلفاء ابن قتيبة ) ١ .
و لقي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أبيه الحكم ما لقى من محاكاته له في مشيته و تجسسه أخباره لأعدائه حتى ألجأه إلى نفيه إلى الطائف ، و لقى الناس منه فكان يثبّطهم عن الإسلام .
ففي ( العقد ) قال مروان لحويطب بن عبد العزّى و كان كبيرا مسنّا تأخّر إسلامك أيّها الشيخ حتّى سبقك الأحداث .
فقال : اللّه المستعان ، و اللّه لقد هممت بالإسلام غير مرّة كلّ ذلك يعوقني عنه أبوك و ينهاني ، و يقول : تضع من قدرك تترك دين آبائك
ــــــــــــــــ
( ١ ) الإمامة و السياسة ٢ : ٥٨ ، و النقل بتلخيص .
لدين محدث ، و تصير تابعا ١ .
و لقى الناس من ولد ابنه الأربعة ما لقوا لا سيّما الأوّل منهم الوليد كان جبّارا عنيدا ، و الأخير هشام كان فظّا غليظا شحيحا .
قال المسعودي في ( مروجه ) كان هشام بن عبد الملك أحول خشنا فظّا غليظا يجمع الأموال ، و يعمّر الأرض ، و يتسجيد الخيل ، و أقام الحلبة . فاجتمع له فيها من خيله ، و خيل غيره أربعة آلاف فرس ، و لم يعرف ذلك في جاهلية ،
و لا في إسلام لأحد من الناس ، و سلك الناس جميعا في أيّامه مذهبه ، و منعوا ما في أيديهم فقلّ الإفضال و انقطع الرفد ، و لم ير زمان أصعب من زمانه ،
و عرض يوما الجند بحمص . فمرّ به رجل من أهل حمص ، و هو على فرس نفور . فقال له هشام : ما حملك على أن تربط فرسا نفورا . فقال الحمصى : لا و الرحمن الرحيم ما هو بنفور ، و لكنّه أبصر حولتك . فظنّ أنّه عين غزوان البيطار و كان غزوان نصرانيا ببلاد حمص كأنّه هشام في حولته و كشفته فقال له هشام : تنحّ فعليك و على فرسك لعنة اللّه ٢ .
و لقد أخبر صلّى اللّه عليه و آله و سلم به بالخصوص . ففي ( الإرشاد ) في إخباره عليه السّلام عنه :
« و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة ، إنّ من ورائكم الأعور الأدبر ، جهنّم الدنيا لا تبقي و لا تذر » ٣ و كان كما قال عليه السّلام حريصا على جمع أموال الناس . فكان يأخذ ضياع الناس و عقارهم و نفائسهم ، و قد عرفت كونه أعور أحول .
و أخبر عليه السّلام بالوليد بن يزيد ابن ثالثهم . ففي ( الإرشاد ) بعد ما مرّ « و من بعده النّهاس الفرّاس » ٤ أما نهاسيته ، فقالوا : إنّ ابن عائشة القرشي غنّاه :
ــــــــــــــــ
( ١ ) العقد الفريد ٤ : ١٠٢ ، و النقل بتصرف يسير .
( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٢٠٥ و ٢٠٩ .
( ٣ ) الإرشاد : ١٤٨ .
( ٤ ) المصدر نفسه .
إنّي رأيت صبيحة النحر
حورا نفين عزيمة الصبر
مثل الكواكب في مطالعها
عند العشاء أطفن بالبدر
و خرجت أبغي الأجر محتسبا
فرجعت موقورا من الوزر
فقال له الوليد : أحسنت و اللّه يا أمير المؤمنين أعد بحقّ عبد شمس .
فأعاد فجعل يتخطّى من أب إلى أب ، و يأمره بالإعادة حتّى بلغ نفسه . فقال : أعد بحياتي . فأعاد . فقام الوليد إليه . فأكبّ عليه ، و لم يبق عضوا من أعضائه إلاّ قبّله و أهوى إلى إيره . فجعل ابن عائشة يضمّ ذكره بين فخذيه . فقال له الوليد : و اللّه لا زلت حتّى اقبّله . فقبّل رأسه ، و قال : و اطرباه و اطرباه و نزع ثيابه ، فالقاها على ابن عايشة ، و بقي مجردا إلى أن أتوه بثياب غيرها و دعاله بألف دينار ، و حمله على بغلة ، و قال : اركبها على بساطي ، و انصرف فقد تركتني على أحرّ من جمر الغضى ١ .
و أما فراسيته ففي ( المروج ) : كان الوليد مغرى بالخيل و حبّها ، و جمعها ،
و إقامة الحلبة ، و كان السندي فرسه جواد زمانه ، و كان يسابق به في أيّام هشام ، و كان يقصر عن فرس هشام المعروف بالزائد ، و أجرى الخيل بالرصافة ، و أقام الحلبة ، و هي يومئذ ألف قارح ، و وقف بها ينتظر الرائد ، و معه سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ، و كان له فيها جواد يقال له الوضاح ،
و خشى الوليد أن تسبق فرس سعيد ، فركض فرسه حتّى ساوى الوضاح .
فقذف بنفسه عليه ، و دخل سابقا فكان الوليد أوّل من فعل ذلك ٢ .
و لقد أخبر عليه السّلام بعمر بن عبد العزيز منهم ، و كونه من بين ولد مروان أخف وطأة فقال عليه السّلام في خطبته كما في ( الإرشاد ) أيضا : « ثمّ ليتوارثنكم من
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه المسعودي في مروج الذهب ٣ : ٢١٥ .
( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٢١٧ .
بني اميّة عدة ما الآخر بأرأف بكم من الأوّل ما خلا رجلا واحدا » ١ .
هذا ، و أخبر عليه السّلام عمر بن سعد بقتلة ابنه الحسين عليه السّلام ففي ( كامل الجزري ) : قال ابن سيرين قال عليّ عليه السّلام لعمر بن سعد : « كيف أنت اذا قمت مقاما تخيّر فيه بين الجنّة و النار فتختار النار » ٢ أشار عليه السّلام إلى تخيير ابن زياد له بين ردّه كتاب عهده على الري أو خروجه إلى قتال الحسين عليه السّلام و قتله ،
فاختار الثاني و قال في ذلك :
أ أترك ملك الري و الري رغبتي
أم أرجع مذموما بقتل حسين
و في قتله النار الّتي ليس دونها
حجاب و ملك الري قرّة عيني
هذا ، و نقل ابن أبي الحديد عند قوله عليه السّلام « أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم » عن الإسكافي أنّ رأس الحسين عليه السّلام لمّا وصل إلى المدينة كان مروان أميرها ، فحمل الرأس على يديه ، و قال :
يا حبّذا بردك في اليدين
و حمزة تجري على الخدين
كأنّما بتّ بمسجدين ثمّ رمى بالرأس نحو قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم : و قال : يا محمّد يوم بيوم بدر . ثمّ قال ابن أبي الحديد : مروان لم يكن أمير المدينة يومئذ بل كان أمير المدينة عمرو بن سعيد ، و لم يحمل إليه الرأس ، و إنما كتب إليه ابن زياد يبشّره بقتل الحسين عليه السّلام فقرأ كتابه على المنبر ، و أنشد الرجز المذكور و أومأ إلى القبر :
يوم بيوم بدر . فأنكر عليه قوله قوم من الأنصار . ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب ( المثالب ) ٣ .
قلت : ردّ ابن أبي الحديد و هم ، فإنّ مراد الإسكافي لم يكن بعد القتل من
ــــــــــــــــ
( ١ ) الإرشاد : ١٤٨ .
( ٢ ) الكامل ٤ : ٢٤٢ ، سنة ٦٦ .
( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦١ .
الكوفة من ابن زياد بل بعد ذلك بإرسال يزيد من الشام . ففي ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) قال كاتب الواقدي : إنّ رأس الحسين عليه السّلام دفن بالمدينة عند امّه .
و ذكر الشعبي أنّ مروان كان بالمدينة . فأخذ الرأس ، و تركه بين يديه ،
و تناول أرنبة أنفه و قال : « يا حبّذا الرجز و اللّه لكأني أنظر إلى أيّام عثمان . . . ١ و أخبار ابن زياد كتابة عمرو بن سعيد و الى المدينة بقتل الحسين عليه السّلام لم ينحصر نقله بأبي عبيدة بل ذكره الطبري و غيره ٢ و تعبير ابن أبي الحديد بالتبشير غلط .
١٧
من الخطبة ( ٩٩ ) أَيُّهَا اَلنَّاسُ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي ٤ ٦ ١١ : ٨٩ وَ لاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ عِصْيَانِي وَ لاَ تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي فَوَالَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ إِنَّ اَلَّذِي أُنَبِّئُكُمْ بِهِ عَنِ ؟ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِّيِّ ص ؟ مَا كَذَبَ اَلْمُبَلِّغُ وَ لاَ جَهِلَ اَلسَّامِعُ وَ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ضِلِّيلٍ قَدْ نَعَقَ ؟ بِالشَّامِ ؟ وَ فَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي ؟ كُوفَانَ ؟ فَإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ وَ اِشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ وَ ثَقُلَتْ فِي اَلْأَرْضِ وَطْأَتُهُ عَضَّتِ اَلْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا وَ مَاجَتِ اَلْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا وَ بَدَا مِنَ اَلْأَيَّامِ كُلُوحُهَا وَ مِنَ اَللَّيَالِي كُدُوحُهَا فَإِذَا أَيْنَعَ زَرْعُهُ وَ قَامَ عَلَى يَنْعِهِ وَ هَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ وَ بَرَقَتْ بَوَارِقُهُ عُقِدَتْ رَايَاتُ اَلْفِتَنِ اَلْمُعْضِلَةِ وَ أَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ وَ اَلْبَحْرِ اَلْمُلْتَطِمِ هَذَا وَ كَمْ يَخْرِقُ ؟ اَلْكُوفَةَ ؟ مِنْ قَاصِفٍ وَ يَمُرُّ عَلَيْهَا مِنْ عَاصِفٍ وَ عَنْ قَلِيلٍ تَلْتَفُّ اَلْقُرُونُ بِالْقُرُونِ وَ يُحْصَدُ اَلْقَائِمُ وَ يُحْطَمُ اَلْمَحْصُودُ
ــــــــــــــــ
( ١ ) تذكرة الخواص : ٢٦٥ ٢٦٦ .
( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٥٦ ، سنة ٦١ .
« أيّها الناس لا يجرمنّكم » أي : لا يوقعكم في الجرم .
« شقاقي » أي : خلافي و عداوتي ، و الأصل في قوله عليه السّلام « لا يجرمنّكم شقاقي » قول شعيب عليه السّلام و يا قوم لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ١ الآية .
« و لا يستهوينكم عصياني » في ( الصحاح ) استهواه الشيطان ، أي :
استهامه ٢ .
« و لا تتراموا بالأبصار » أي : لا يرمي هذا بصره إلى ذاك ، و ذاك إلى هذا .
« عند ما تسمعونه منّي » بأن تقولوا هو كذب . روى المدائني في ( صفّينه ) أنّ عليّا عليه السّلام خطب بعد النهروان . فذكر طرفا من الملاحم إلى أن قال قال رجل من أهل البصرة لرجل من أهل الكوفة إلى جانبه : أشهد أنّه كاذب على اللّه و رسوله . قال الكوفي : و ما يدريك ؟ قال : فو اللّه ما نزل ( عليّ عليه السّلام ) عن المنبر حتّى فلج الرجل فحمل إلى منزله في شق محمل . فمات من ليلته ٣ .
« فو الذي فلق الحبة و برأ » أي : الخلق .
« النسمة » أي : الإنسان .
« إنّ الذي أنبّئكم به عن النبيّ الامّي صلّى اللّه عليه و آله و سلم » و النبّي يقول عن اللّه تعالى فلا يمكن وقوع خلاف واقع منه .
« ما كذب المبلّغ » أي : النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال تعالى : يا أيّها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربّك ٤ .
« و لا جهل السامع » أي : هو عليه السّلام .
ــــــــــــــــ
( ١ ) هود : ٨٩ .
( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٥٣٨ ، مادة ( هوى ) .
( ٣ ) رواه عن صفين المدائني ابن ابي الحديد في شرحه ٢ : ٤٩ ٥٠ ، شرح الخطبة ٦٩ .
( ٤ ) المائدة : ٦٧ .
روى الطبراني في معجمه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال لعليّ عليه السّلام لما نزلت و تعيها اذن واعية : سألت اللّه تعالى أن يجعلها اذنك يا عليّ قال عليه السّلام : فما نسيت شيئا بعد ١ .
« و لكنّي » هكذا في ( المصرية ، طبع الاستقامة ) ، و الصواب : ( لكأنّي ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .
« أنظر إلى ضلّيل » مبالغة في الضالّ قال ابن أبي الحديد مراده عليه السّلام بالضلّيل عبد الملك لأنّ هذه الصفات ، و الأمارات فيه أتمّ منها في غيره لأنّه قام بالشام حين دعا إلى نفسه و هو معنى نعيقه إلى أن قال و هو زمان اشتداد شكيمة عبد الملك و ثقل و طأته ، و حينئذ صعب الأمر جدا ، و تفاقمت الفتن مع الخوارج و عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث . فلمّا كمل أمر عبد الملك ، و هو معنى « أينع زرعه » هلك و عقدت رايات الفتن المعضلة من بعده كحروب أولاده مع بني المهلّب ، و كحروبهم مع زيد بن عليّ عليه السّلام ، و كالفتن الكائنة بالكوفة أيّام يوسف بن عمر ، و خالد القسري ، و عمر بن هبيرة ، و غيرهم ، و ما جرى فيها من الظلم ، و استيصال الأموال ، و ذهاب النفوس ، و قيل : كنّى عليه السّلام عن معاوية ، و ما حدث في أيّامه من الفتن و ما حدث بعده من فتنة يزيد ٣ .
قلت : الأصحّ و إن كان ما قال من إرادة عبد الملك لانطباق الفقرات عليه إلاّ أنّه ليس المراد بقوله عليه السّلام « أينع زرعه » انقضاء أمر عبد الملك ، و لا المراد بقوله عليه السّلام « عقدت رايات الفتن المعضلة » حروب أولاده مع من قال ، بل المراد بالأوّل انقضاء أمر بيته من زمن هشام ابنه الرابع إلى مروان بن محمّد ابن أخيه آخر الامويّة ، و المراد بالثاني الرايات
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه عن الطبراني الكنجي في كفاية الطالب : ٤٠ .
( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٩٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ١٠ مثل المصرية .
( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٩٤ .
العباسية المقبلة من خراسان .
و في ( كامل المبرد ) : روى أنّ عبد الملك كان له صديق و كان من أهل الكتاب يقال له : يوسف فأسلم فقال له عبد الملك يوما ، و هو في عنفوان نسكه و قد مضت جيوش يزيد مع مسلم بن عقبة المرّي من مرّة غطفان يريد المدينة : أ لا ترى خيل عدوّ اللّه قاصدة لحرم رسوله . فقال له يوسف : جيشك و اللّه إلى حرم اللّه أعظم من جيشه . فنفض عبد الملك ثوبه ثم قال : معاذ اللّه . فقال له يوسف : ما قلت شاكّا ، و لا مرتابا و إنّي لأجدك بجميع أوصافك . قال له عبد الملك : ثمّ ماذا ؟ قال : ثمّ يتداولها رهطك . قال : إلى متى ؟ قال : إلى أن تخرج الرايات السود من خراسان .
و فيه أيضا : و تزعم الرواة أنّ رجلا من أهل الكتاب و كان موصوفا بقراءة الكتب و فد على معاوية فقال له معاوية : أتجد نعتي ؟ قال : نعم إلى أن قال فقال الرجل لمعاوية : حتّى يفضي الأمر إلى رجل أعرف نعته ببيع الآخرة الدائمة بحظّ من الدنيا مخوس . فيجتمع عليه ، و هو من آلك و ليس منك ، لا يزال لعدوّه قاهرا ، و على من ناواه ظاهرا ، و يكون له قرين لعين . قال : أفتعرفه إن رأيته ؟ قال : لشدّ ما أعرفه . فأراه معاوية من بالشام من بني أميّة . فقال ، ما أراه هاهنا . فوجّه به إلى المدينة مع ثقات من رسله فإذا عبد الملك يسعى مؤتزرا في يده طائر . فقال للرسل : ها هو ذا . . . ١ .
و هو أوّل من توعد أن يقال له اتّق اللّه . حجّ في سنة ( ٧٥ ) فدخل المدينة فقال « و إنّي لا أداوي هذه الامّة إلاّ بالسيف حتّى تستقيم لي قناتكم ، و إنّكم تأمروننا بتقوى اللّه ، و تنسون ذلك من أنفسكم ، و اللّه لا يأمرني بتقوى اللّه بعد
ــــــــــــــــ
( ١ ) كامل المبرد ٧ : ١٦٩ ، ١٧٢ ، و النقل بتصرف يسير .
مقامي هذا أحد إلاّ ضربت عنقه » ١ .
و قال الجاحظ كان عبد الملك أوّل خليفة من بني امية منع الناس من الكلام عند الخلفاء و تقدّم فيه ، و توعّد عليه ، و قال إنّ جامعة عمرو بن سعيد عندي ، و إني و اللّه لا يقول أحد هكذا إلاّ فعلت به هكذا . و قال : إنّه خطب : فقال :
و إني و اللّه ما أنا بالخليفة المستضعف يعني عثمان و لا أنا بالخليفة المداهن يعني معاوية و لا بالخليفة المأفون يعني يزيد ٢ .
و في ( الكامل ) : كان من أكثر الناس علما ، و أبرعهم أدبا ، و أحسنهم في شبيبته ديانة . فقتل عمرو بن سعيد ، و تسمى بالخلافة ، فسلّم عليه بها أوّل تسليمة ، و المصحف في حجره . فأطبقه ، و قال : هذا فراق بيني و بينك ٣ .
و روى ( أنساب البلاذري ) عن ابن عباس لمّا بلغه قتل عبد الملك عمرا الأشدق قال : أيّها الناس إنّ عبد الملك قتل ابن عمّه ، و ابن عمته بعد أن آمنه . فلا تأمنوه ، و لا تصدّقوه . و قالوا : كان ابن الحنفية قد شخص يريد عبد الملك . فلمّا بلغه قتله عمرا بعد الّذي أعطاه من المواثيق ، استوحش فانصرف إلى الحجاز ٤ .
و كان بخيلا . فكان يقال له رشح الحجارة لذلك . و كان أبخر فكان يقال له أبو ذبّان لذلك . قال تيجان التيمي من جيش ابن الأشعث : « خلعت أبا ذبّان كخلعي قميصي » .
« قد نعق » الأصل في النعق صوت الراعي .
« بالشام » في ( المروج ) : كان عبد الملك سار من دمشق إلى زفر بن
ــــــــــــــــ
( ١ ) رواه ابن الأثير في الكامل ٤ : ٣٩١ ، سنة ٧٥ .
( ٢ ) البيان و التبيين ٢ : ٢٧٣ .
( ٣ ) كامل المبرد ٧ : ١٧١ .
( ٤ ) انساب الأشراف ٤ : ق ٢ : ١٤٤ .
الحرث الكلابي بقرقيسا ، و خلّف عمرو بن سعيد . فبلغه أنّ عمرا دعا إلى بيعته بدمشق . فكرّ راجعا إليها ، و قال له ارجع إلى بيعتك ، فإنّي سأجعل لك العهد فرضى ، و دخل عبد الملك و عمرو متحيّز منه في نحو خمسمئة يزولون حيث زال فقتله عبد الملك ، و اختلفوا في كيفية قتله . فقيل : إنّ عبد الملك قال لحاجبه :
ويحك أتستطيع إذا دخل عمرو أن تغلق الباب ؟ قال : نعم . قال : فافعل و كان عمرو رجلا عظيم الكبر لا يلتفت وراءه إذا مشى إلى أحد . فلمّا فتح الحاجب الباب دخل عمرو . فأغلق الحاجب الباب دون أصحابه ، و مضى عمرو ، و لا يلتفت ، و هو يظنّ أنّ أصحابه قد دخلوا معه . فعاتبه عبد الملك طويلا ، و قد كان وصىّ صاحب حرسه أبا الزعيزعة أن يضرب عنقه . فضربه فقتله ، و قال له عبد الملك : إرم برأسه إلى أصحابه . فلمّا رأوا رأسه تفرّقوا ثمّ خرج عبد الملك .
فصعد المنبر ، و ذكر عمرا . فوقع فيه ، و ذكر خلافه و شقاقه . و نزل و هو يقول :
أدنيته منّي لتسكن نفره
فأصول صولة حازم متمكن
غضبا و محماة لديني إنّه
ليس المسيء سبيله كالمحسن
و قيل : إنّ عمرا خرج من منزله يريد عبد الملك . فعثر بالبساط . فقالت له امرأته : انشدك اللّه ألاّ تأتيه . فقال لها : دعيني عنك لو كنت نائما ما أيقظني . . . ١ .
و في ( تاريخ الطبري ) : دخل عمرو على عبد الملك . فأمر بالأبواب فغّلقت .
فرحّب به و أجلسه معه على السرير ، و جعل يحدّثه طويلا ثمّ قال : يا غلام خذ السيف منه فقال عمرو : إنّا لله . فقال له عبد الملك : أو تطمع أن تجلس معي متقلّدا سيفك . فأخذ عنه ، ثمّ تحدّثا ما شاء اللّه . ثمّ قال له عبد الملك : إنّك حيث خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك أن أجمعك في جامعة . فأخرج من تحت فراشه جامعة . ثم قال يا غلام قم فاجمعه فيها . فقام فجمعه فيها . فقال عمرو :
ــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب ٣ : ١٠٢ ، و النقل بتصرف يسير .
اذكّرك اللّه أن تخرجني فيها على رؤوس الناس . فقال عبد الملك : أ مكرا عند الموت ما كنّا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس . ثمّ اجتبذه اجتباذه أصاب فمه السرير . فكسر ثنيته فقال عمرو : أغدرا يا ابن الزرقاء إلى أن قال :
و أذّن المؤذن العصر . فخرج عبد الملك . فصلىّ بالناس ، و أمر أخاه عبد العزيز أن يقتله ، و صلىّ صلاة خفيفة ، و رجع . فوجد عمرا حيّا . فقال لعبد العزيز : ما منعك أن تقتله ؟ قال : ناشدني اللّه و الرحم فرققت له . فقال له عبد الملك : اخزى اللّه امّك البوّالة على عقبيها . فإنّك لم تشبه غيرها ، و قال : يا غلام إيتني بحربة . فأتاه بها . فهزّها ثمّ طعنه بها . فلم تجز . ثمّ ثنّى فلم تجز . فضرب بيده إلى عضد عمرو فوجد مسّ الدرع . فضحك ، و قال : و دارع أيضا إن كنت لمعدّا . يا غلام إيتني بالصمصامة فأتاه بسيفه . ثمّ أمر بعمرو فصرع و جلس على صدره فذبحه و هو يقول :
يا عمرو إن لا تدع شتمي و منقصتي أضربك حيث تقول الهامة اسقوني ١ و في ( المروج ) : كان عبد الملك سار في جيوش أهل الشام . فنزل بطنان ينتظر ما يكون من ابن زياد و كان ذهب إلى حرب إبراهيم بن الأشتر فأتاه خبر مقتله و مقتل من كان معه ، و هزيمة الجيش ، و أتاه في تلك الليلة مقتل حبيش بن دلجة و كان على جيش أرسله إلى المدينة لحرب ابن الزبير ثمّ جاءه خبر دخول بابل بن قيس فلسطين من قبل ابن الزبير ، و مسير مصعب من المدينة إلى فلسطين ثمّ جاء مسير ملك الروم لاوي بن فلقط و نزوله المصيصة يريد الشام . ثمّ جاءه خبر دمشق ، و أنّ عبيدها ، و أوباشها ، و دعّارها قد خرجوا على أهلها ، و نزلوا الجبل . ثمّ أتاه أنّ من في السجن بدمشق فتحوا السجن ، و خرجوا منه مكابرة ، و انّ خيل الأعراب أغارت على
ــــــــــــــــ
( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦٠ ٥٩٨ ، سنة ٦٩ ، و النقل بتلخيص .
حمص و بعلبك ، و غير ذلك ممّا نمى إليه من المفظعات في تلك الليلة . فلم ير عبد الملك في ليلة قبلها أشدّ ضحكا ، فترك اظهار الفشل ، و بعث بأموال و هدايا إلى ملك الروم ، فشغله و هادنه ، و سار إلى فلسطين و بها بابل بن قيس على جيش ابن الزبير . فالتقوا بأجنادين . فقتل بابل و عامة أصحابه و انهزم الباقون ،
و نمى خبر جيشه إلى مصعب ، و هو في الطريق . فولىّ راجعا ، و رجع عبد الملك إلى دمشق فنزلها ١ .
« و فحص » الأصل في الفحص بحث القطا في الأرض بما يستقر فيه .
« براياته في ضواحي » جمع الضاحية : الناحية البارزة .
« كوفان » في ( الكامل ) لمّا قتل عبد الملك عمرو بن سعيد وضع السيف .
فقتل من خالفه . فصفا له الشام . فلمّا لم يبق له مخالف فيه أجمع المسير إلى مصعب ابن الزبير بالعراق . فاستشار اصحابه . فأشار عمّه يحيى بن الحكم أن يقنع بالشام إلى أن قال :
فلمّا عزم على المسير ودّع زوجته عاتكة بنت يزيد . فبكت و بكى جواريها لبكائها . فقال : قاتل اللّه كثير عزّه لكأنّه يشاهدنا حيث يقول :
إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه
حصان عليها عقد درّ يزينها
نهته فلمّا لم تر النهي عاقه
بكت و بكى ممّا عناها قطينها
و لمّا بلغ مصعبا و كان بالبصرة مسير عبد الملك سار إلى الكوفة ،
و معه الأحنف بن قيس . فتوفّي بها ، و سار عبد الملك . فنزل بمسكن قريبا من عسكر مصعب ، و بين العسكرين ثلاثة فراسخ أو فرسخان ، و كتب عبد الملك إلى أهل العراق من كاتبه و من لم يكاتبه ، و بذل لجميعهم اصبهان طعمة ،
و قيل : انّ كلّ من كاتبه طلب إمرة اصبهان . فقال : أيّ شيء اصبهان هذه حتّى
ــــــــــــــــ
( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٩٧ ، و النقل بتصرف يسير .