النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي0%

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 194

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور زهير الأعرجي
تصنيف: الصفحات: 194
المشاهدات: 46129
تحميل: 6601

توضيحات:

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46129 / تحميل: 6601
الحجم الحجم الحجم
النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و ( الإجماع على ذلك، ولِما جاء عن أهل البيت (ع): ( لو أنّ رجلاً ذمّياً أسلمَ وأبوه حي، ولأبيه ولد غيره، ثمّ مات الأب ورثَ المسلم جميع ماله، ولا يرث ولده، ولا امرأته من المسلم شيئاً ) (1) .

أمّا غير المسلمين، فإنّهم يتوارثون فيما بينهم، فالنصراني يرث اليهودي وبالعكس ( بلا خلاف معتدّ به ) (2) ؛ لقوله تعالى: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) (3) ، وقوله أيضاً: ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ) (4) ، مُشعراً بأنّ الكفر مجتمعاً ملّة واحدة.

والقتلُ يمنع الإرث، فإذا قتلَ مورّثه عمداً بغير حقّ مُنع القاتل من الإرث؛ للرواية المروية عن رسول الله (ص): ( لا ميراث للقاتل ) (5)؛ لأنّه تعجّل الميراث فعوقِب بخلاف قصده.

ومن الوَرَثة مَن يرث بالفرض وهو السهم المقدّر في كتاب الله كالزوج والزوجة، ومنهم مَن يرث بالقرابة كالابن، ومنهم مَن يرث بالفرض مرّة وبالقرابة مرّة أخرى كالبنت ترث بالفرض إذا لم يكن لها ابن، وبالقرابة إذا كان لها ابن.

والفروض المقدّرة في كتاب الله ستة، وهي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس (6) .

ففي النصف: فريضة البنت الواحدة ( وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) (7) ،

____________________

1 - الجواهر: كتاب الإرث.

2 - الجواهر: كتاب الإرث.

3 - الكافرون: 6.

4 - يونس: 32.

5 - الكافي: ج 7، ص 141.

6 - التهذيب: ج 9، ص 249.

7 - النساء: 11.

١٦١

وفريضة الأخت الواحدة لأبوين أو لأب ( قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ (1) ، وفريضة الزوج عند عدم الولد ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ) (2) .

وفي الربع: فريضة الزوج مع الولد ( فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) (3) ، وفريضة الزوجة مع عدم الولد ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ ) (4) .

وفي الثُمن: فريضة الزوجة مع الولد ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) (5) .

وفي الثلثين: فريضة الأختين لأبوين أو لأب ( فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ) (6) ، وفريضة البنتين فأكثر ( فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ) (7) .

وفي الثلث: فريضة الأم عند عدم وجود الابن للميت، وعدم وجود الأخوة له يحجبونها عمّا زاد عن السدس ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَِلأَمِّهِ الثُّلُثُ ) (8) ، وفريضة الأخوات من الأم فقط

____________________

1 - النساء: 176.

2 - النساء: 12.

3 - النساء: 12.

4 - النساء: 12.

5 - النساء: 12.

6 - النساء: 176.

7 - النساء: 11.

8 - النساء: 11.

١٦٢

( فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ) (1) .

وفي السدس: فريضة الأبوين مع الولد ( وَِلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ) (2) ، وفريضة الأم مع الأخوة ( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَِلأَمِّهِ السُّدُسُ ) (3) ، وفريضة الأخ الواحد أو الأخت الواحدة من الأم ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ) (4) .

ويمكن أن تجتمع الفروض بعضها مع بعض، فالنصف يجتمع مثلاً مع الربع كالزوج والبنت، حيث إنّ للبنت النصف وللزوج الربع، وهناك موارد متعدّدة تجتمع فيها الفروض.

ويمكن أن يُمنع شخص من الإرث كلاً أو بعضاً بسبب وجود فرد آخر، فيكون الثاني حاجباً والأول محجوباً.

والحجب على نوعين: حجبُ الحرمان : حيث يكون الحاجب سبباً لمنع المحجوب عن أصل الميراث، كحرمان الجدّ كلياً بسبب وجود الأب، والضابط لحجب الحرمان مراعاة الأقرب؛ لقوله تعالى: ( وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ) (5) .

وحجب النقصان: وهو أن يكون الحاجب سبباً للمنع من النصيب لا من أصل الإرث، كحرمان الزوج ممّا زاد على الربع بسبب وجود الولد.

ويصطلح الفقهاء على نقصان الفروض عن التركة بـ ( التعصيب ) .

____________________

1 - النساء: 12.

2 - النساء: 11.

3 - النساء: 11.

4 - النساء: 12.

5 - الأنفال: 75.

١٦٣

ومثال ذلك: إنّ فرض البنت الواحدة النصف، فإذا مات الأب وله بنت واحدة فقط وليس له ولد ذكر، فإنّ بعض المذاهب الإسلامية قد جَعلت أخ الميت شريكاً مع البنت، فيأخذ مع البنت النصف، ولكنّ فقهاء الإمامية قالوا بأنّ التعصيب باطل، وأنّ ما بقي من الفرض يجب ردّه على صاحب الفرض القريب، فالتركة إذاً ترجع بكاملها إلى البنت، وليس لأخ الميت شيء؛ لقوله تعالى: ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) (1) .

أمّا ( العول ): فهو اصطلاح يطلقه الفقهاء على زيادة السهام على التركة بوجود الزوج أو الزوجة، كما لو تركَ الميت زوجة وأبوين وبنتين، ففرض الزوجة الثُمن، وفرض الأبوين الثلث، وفرض البنتين الثلثان، ولا تحتمل الفريضة ثُمناً وثلثاً وثلثين، ولكنّ علماء الإمامية قالوا بعدم العول وبوفاء الفريضة، وأنّ النقص يدخل دائماً على البنات والأخوات دون الزوج والزوجة والأم والأب، وعليه فإنّ للزوجة الثُمن وللأبوين الثلث والباقي للبنتين.

والمرتبة الأولى من مراتب الإرث تشمل: الأبوين، والأولاد وأولادهم، والولد اصطلاح يُطلق على الذكر والأنثى؛ لأنّه مشتق من الولادة كما قال تعالى: ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (2) .

واستُدلّ بميراث المرتبة الأولى بقول الإمام محمد الباقر (ع): ( لا يرث مع الأم، ولا مع الأب، ولامع الابن، ولا مع الابنة، إلاّ الزوج والزوجة، وإنّ

____________________

1 - النساء: 6.

2 - النساء: 11.

١٦٤

الزوج لا ينقص من النصف شيئاً إذا لم يكن [ له ] ولد، وإنّ الزوجة لا تنقص مع الربع شيئاً إذا لم يكن [ لها ] ولد، فإن كان معهما ولد فللزوج الربع، وللمرأة الثُمن ) (1) ، وأحكام مواريث الأب، والأم، والأولاد، وأولاد الأولاد، والحبوة مفصّلة في كُتب الفقه، وعَرضُها هنا بشكل استدلالي يخرج عن نطاق هذا الكتاب.

والمرتبة الثانية تشمل: الأجداد والجدات، والأخوة والأخوات وأولادهم، وقد أُطلق على الأخوة اسم الكلالة: وهي من الإكليل لإحاطتهم بالفرد كما يحيط الإكليل بالرأس، فإذا كان للميت مثلاً أخوة ذكور من أبيه وأمه قُسِّم المال بينهم بالسوية، وإن كان معهم إناث فللذكر مثل حظّ الأُنثيين كما وردَ نصاً وإجماعاً.

ويُعتبر في تقسيم الإرث في هذه المرتبة: أنّ الجد كالأخ، والجدّة كالأخت؛ للروايات المتضافرة، ومنها: ( يرث الأخ من الأب مع الجدّ ينزّله بمنزلته ) (2) ، و ( إنّ الجدّة مع الأخوة من الأب مثل واحد من الأخوة ) (3) ، و ( إنّ الجد مع الأخوة يرث حيث ترث الأخوة، ويسقط حيث تسقط، وكذلك الجدّة أخت مع الأخوات ترث حيث يرثن، وتسقط حيث يسقطن ) (4) .

وقد ( انعقدَ الإجماع على أنّ أولاد الأخوة يقومون مقام آبائهم، ويرثون نصيبهم مع عدمهم، وعدم مَن هو في درجتهم ) (5) .

والمرتبة الثالثة تشمل: الأعمام، والأخوال وأولادهم.

____________________

1 - الكافي: ج 7، ص 82.

2 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 206.

3 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 206.

4 - الوسائل: ج 17، ص 493.

5 - مفتاح الكرامة: كتاب الإرث.

١٦٥

وقد ( أجمعَ الفقهاء على أنّ جميع أفراد هذه المرتبة إنّما يرثون مع فقد الأجداد وآبائهم، والأخوة وأبنائهم ) (1) .

وإذا انفرد الأعمام واتحدوا في النسبة إلى الميت اقتسموا التركة بالسوية، وكذلك الأخوال، ولكن إذا اجتمعَ الأعمام والأخوال، فللأخوال الثلث ذكوراً كانوا أم إناثاً، وللأعمام الثلثان ذكوراً كانوا أم إناثاً، و ( هو المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة؛ لاستفاضة النصوص أو تواترها، قال الإمام الصادق (ع): ( جاء في كتاب علي (ع): إنّ العمّة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به، إلاّ أن يكون هناك وارث أقرب إلى الميت فيحجبه ) (2) .

وفي ميراث الزوجين، يشارك الزوج الورثة في جميع المراتب المذكورة سابقاً، وله النصف من تركة الزوجة إذا لم يكن لها ولد منه أو من زوج غيره، والربع إن كان لها ولد، ولا فرق إن كان منه أو من غيره؛ لقوله تعالى: ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ) (3) ، وتَعدّ الشريعة ولد الولد بمنزلة الولد؛ لقوله (ع): ( ولدُ البنين بمنزلة البنين، ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر، وإن سفلوا ببطن أو بطنين أو ثلاثة أو أكثر، ويرثون ما يرث الولد للصُلب، ويحجبون ما يحجب الولد للصُلب ).

____________________

1 - مفتاح الكرامة: كتاب الإرث.

2 - الجواهر: كتاب الإرث.

3 - النساء: 12.

١٦٦

وتشارك الزوجة الورثة في جميع المراتب، ولها الربع إن لم يكن له ولد منها أو من غيرها، والثُمن إذا كان له ولد منها أو من غيرها؛ لقوله تعالى: ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) (1) ، وإذا تعدّدت الزوجات فهنّ شركاء في الربع أو الثُمن بعد اقتسامه بالسوية.

____________________

1ـ النساء: 12.

١٦٧

أحكامُ الطلاق

ولمّا كان الطلاق من أهم أسباب اضطراب العائلة وتحلّلها في النظام الاجتماعي؛ لأنّه يتعلّق بحقوق الزوج والزوجة والأولاد، وما يترتّب على انفصام العلاقة الزوجية من مشاكل اجتماعية وحقوقية بين عائلَتي الزوجين، كان لابدّ من تنظيمٍ دقيق لشروطه وعناصره الأخرى المتمثلة بالمطلِّق، والمطلِّقة، والعدّة، والنفقة، والرضاع، والحضانة ونحوها.

ويُقسّم الفقهاء الطلاق إلى قسمين:

طلاق السُنّة: وهو الطلاق الذي يلتزم به الفرقاء بالشروط الشرعية المقرّرة.

وطلاق البدعة: وهو الطلاق غير المشروع ويدخل فيه طلاق الحائض، والنفساء بعد الدخول، والتطليق بعد المواقعة في طهرها، والتطليق ثلاثاً بصيغة واحدة، والتطليق بغير شهود، وللطلاق الشرعي أركان أربعة هي: المطلِّق، والمطلَّقة، وصيغة الطلاق، والشهود.

ويُشترط في شخصية المطلِّق أربعة شروط:

أولاً: البلوغ، فلا يصح طلاق الصبي حتى لو كان مميّزاً.

ثانياً: العقل.

ثالثاً: الاختيار؛ لِما ورد في حديثٍ لرسول الله (ص): ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه ) (1) ، و ( تؤيّده رواية عائشة عنه (ص): ( لا طلاق ولا عتاق في إغلاق ) (2) .

____________________

1 - الخصال: ج 2، ص 184.

2 - سُنن ابن ماجة: ج 1، ص 660.

١٦٨

قال أبو عبيد: الإغلاق الإكراه، وهو مذهب علي (ع) وابن عمر وابن عباس، وحكم المُغضب حكم المكرَه مع ارتفاع قصده؛ لاشتراكهما في العلّة ) (1) .

رابعاً: القصد، أي تطابق اللفظ مع النيّة؛ ( للإجماع، وصحيح هشام عن الإمام الصادق (ع): ( لا طلاق إلاّ لِمن أراد الطلاق )، وقول الباقر (ع): ( لا طلاق على سنّة وعلى طهر بغير جماع إلاّ بنيّة، ولو أنّ رجلاً طلّق، ولم ينوِ الطلاق لم يكن طلاقه طلاقاً )، إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بعموم ( لا عمل إلاّ بنيّة ) و ( إنّما الأعمال بالنيات ) بناءً على إرادة القصد منها لا خصوص القربة ) (2) .

وليس للأب أن يطلّق عن ابنه غير البالغ؛ للنص الوارد عن رسول الله (ص): ( الطلاق بيد مَن أخذَ بالساق ) (3) ، وقد ذهبَ المشهور أنّ للزوج الحقّ، غائباً كان أو حاضراً، في توكيل مَن يشاء بطلاق زوجته؛ لإطلاق أدلّة الوكالة الشرعية.

ولا شك أنّ الطلاق لا يتمّ ما لم تتوفر كل الشروط الشرعية في المطلَّقة، وهذه الشروط هي:

أولاً: أن تكون بالفعل زوجة دائمة.

ثانياً: أن يعيّنها بالذات، فيقول مثلاً: فلانة طالق.

ثالثاً: أن تكون في طهرٍ لم يواقعها فيه، فلو طُلِّقت وقت الحيض، أو النفاس، أو في طهر المواقعة فسدَ الطلاق؛ لقوله تعالى: ( يا أَيُّها النَّبي إذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (4) ، وزمان العدّة في الآية الشريفة هو الطهر إجماعاً، فمعنى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) أي: ( لزمان عدّتهنّ: وذلك أن يطلّقها في طهرٍ لم يجامعها فيه،.. عن: ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وابن سيرين، وقتادة، والضحّاك، والسدي.

____________________

1 - التنقيح الرائع: ج 3، ص 294.

2 - الجواهر: ج 32، ص 17.

3 - المستدرك: مقدّمات الطلاق، باب 25 خبر3.

4 - الطلاق: 1.

١٦٩

فهذا هو الطلاق للعدّة؛ لأنّها تعتدّ بذلك الطهر من عدّتها وتحصل في العدّة عقيب الطلاق، فالمعنى: فطلّقوهنّ لطهرهنّ الذي يحصينه من عدّتهنّ، ولا تطلّقوهنّ لحيضهنّ الذي لا يعتددن به من قرئهنّ، فعلى هذا تكون العدّة الطهر على ما ذهب إليه أصحابنا ) (1) .

ويدلّ على ذلك أيضاً قوله (ع): ( أمّا طلاق السنّة، فإذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر، فإذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدَين ) (2) ، فشرط صحة الطلاق هو: أن تستبرئ بحيضة بعد المواقعة، إلاّ في حالة المسترابة، وهي غير الآيسة التي لا يأتيها الحيض لسببٍ مرضي، فيمسك عنها زوجها ثلاثة أشهر على الأقل.

ويُستثنى في بطلان طلاق الحائض خمسة أصناف: ( الحامل المتيقّن حملها، والتي لم يدخل بها زوجها، والغائب عنها زوجها، والتي لم تحض، والتي قد يئست من المحيض ) (3) .

ولا يقع الطلاق إلاّ بصيغة معيّنة حدّدها الشارع، وهي لفظ ( الطلاق )؛ لرواية بكير بن أعين عن الإمام (ع): ( أن يقول لها، وهي في طهر من غير جماع: أنت طالق، ويشهد شاهدَي عدل، وكل ما سوى ذلك فهو مُلغى ) (4) .

ولا يقع الطلاق إلاّ بالإشهاد، وهو حضور شاهدَين عدلَين من الذكور؛ لقوله تعالى بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) (5) ،

____________________

1 - مجمع البيان: ج 28، ص 102.

2 - الكافي: ج 2، ص 99.

3 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 169.

4 - الكافي: ج 2، ص 101.

5 - الطلاق: 2.

١٧٠

ولقوله (ع): ( وإن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع، ولم يُشهد على ذلك رجلَين عدلين، فليس طلاقه إياها بطلاق ) (1) .

ويقسّم الفقهاء طلاق السنّة إلى قسمين: الطلاق الرجعي، والطلاق البائن.

فالرجعي: يملك فيه المطلِّق الحقّ الرجوع إلى مطلّقته المدخول بها ما دامت في العدّة، رضيت بذلك أم لم ترضَ؛ لأنّها تُعتبر شرعاً بحكم الزوجة أولاً، ولأنّه هو الذي طلّقها كرهاً لها ثانياً.

ولا يترتّب على الطلاق الرجعي أي أثر على الحياة الزوجية سوى عَدُّه من التطليقات الثلاث؛ للنصّ الوارد عن الإمام الصادق (ع): ( المطلّقة [ الرجعية ] تكتحل وتختضب وتتطيّب، وتلبس ما شاءت من الثياب؛ لأنّ الله عزّ وجل يقول: ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ) لعلّها تقع في نفسه فيراجعها ) (2) .

والطلاق البائن: هو الذي تنقطع فيه الرجعة إلى المطلَّقة، ويشمل: المطلَّقة ثلاثاً، والمطلَّقة غير المدخول بها، والآيسة، والمطلَّقة خلعياً.

فإذا طلّق المرء زوجته ثلاث مرّات فلا تحلّ له، حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً دائمياً صحيحاً ويدخل بها، بدليل النص القرآني الشريف: ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ) (3) ، وما روي عن الإمام (ع): ( المطلّقة التطليقة الثالثة لا تحلّ له، حتى تنكح زوجاً غيره، ويذوق عسيلتها ) (4) .

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 263.

2 - الكافي: ج 2، ص 108.

3 - البقرة: 230.

4 - الكافي: ج 2، ص 103.

١٧١

وتحرم المطلّقة تسع مرات للعدّة مؤبّداً على زوجها، بمعنى أنّ طلاق العدّة وهو: أن يطلّقها ثمّ يراجعها ويطأها، ثمّ يطلّقها في طهر آخر، ثمّ يراجعها ويطأها، ويُحلّلها الزوج الثاني، ثمّ يتزوجها الأول بعقد جديد، وهكذا إلى أن يتمّ طلاق العدّة تسع مرات، يثبت الحرمة المؤبّدة بين المطلَّقَين، فلا يحلّ لهما بعدئذٍ الزواج من بعضهما مرّة أخرى.

وإذا ادّعت المرأة المطلّقة ثلاثاً بأنّها تزوجت من زوج آخر يُقبل قولها بلا يمين، وللزوج الأول أن يتزوجها إذا اطمأنَّ إلى صدق ادّعائها؛ ( لرواية حمّاد الصحيحة عن أبي عبد الله (ع) في رجل طلّق امرأته ثلاثاً، فبانت منه، فأراد مراجعتها، فقال لها: إنّي أريد مراجعتك فتزوّجي زوجاً غيري، فقالت: قد تزوّجت زوجاً غيرك، وحلّلت لك نفسي؟ أتُصدَّق ويراجعها، وكيف يصنع؟ قال (ع): ( إذا كانت المرأة ثقة صُدِّقَت في قولها بناء على عدم إرادة الشرطية بذلك ) (1) .

والطلاق البائن: خلعي، ومبارأة.

فالطلاق الخلعي: ناتج عن إبانة الزوجة على مالٍ تفتدي نفسها به، بسبب كرهها له؛ لقوله تعالى: ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا ) (2) ، وقوله أيضاً: ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) (3) ، وقيل في صيغة الطلاق الخلعي: إنّ الأفضل أن يُجمع بين لفظَي الخلع والطلاق، فيقول مثلاً: خلعتكِ على كذا فأنتِ طالق.

____________________

1 - الجواهر: ج 32، ص 173.

2 - البقرة: 229.

3 - النساء: 4.

١٧٢

واتفق الفقهاء على: أنّ الخلع يجب أن يعقب البذل فوراً؛ لأنّ المعاوضة تقتضيه، وإذا تراخى في الطلاق بعد أن بذلت له المال لم يستحقّ العوض، ووقع الطلاق رجعياً إن كان قد دخل بها، ولم تكن آيسة.

والمعروف أنّ الفدية هي: العوض الذي تبذله الزوجة لزوجها كي يَطلق سراحها، فيمكن أن يكون بمقدار المهر أو أقلّ أو أكثر، بدليل قول الإمام الصادق (ع): ( يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير ) (1) .

ويُشترط في الطلاق الخلعي ما يشترط في غيره من: وجود العقل، والبلوغ، والاختيار، والقصد عند كلا الطرفين. ويشترط في المختلعة أيضاً: أن تكون في طهر لم يواقعها فيه إذا كان قد دخل بها، وأن تكون غير آيسة، ولا صغيرة، ولا حامل.

ويُشترط في صحة الخلع: حضور شاهدَي عدل، ولا يصح الخلع ولا يجوز للرجل أخذ العوض إلاّ إذا كانت هي وحدها كارهة للزوج؛ للنصّ الشرعي الصريح بذلك: ( لا يكون الخلع، حتى تقول: لا أُطيع لك أمراً، ولا أبرّ لك قَسماً، ولا أُقيم لك حدّاً، فخذ منّي وطلّقني، فإذا قالت ذلك فقد حلّ له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير ) (2) ، والمختلعة تعتدّ أينما شاءت، ولا نفقة لها إلاّ إذا كانت حاملاً.

وطلاق المبارأة: ( تطليقة بائنة، وليس فيها رجعة ) حسب ما ورد في الرواية (3) ، ومن شروطها: تبادل الكراهية من قِبل الزوجين.

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 276.

2 - التهذيب: ج 2، ص 276.

3 - الاستبصار: ج 3، ص 317.

١٧٣

وقد ثبت الإجماع على ذلك ( مضافاً إلى موثّق سماعة عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع): سألته عن المبارأة، كيف هي؟ فقال: ( يكون للمرأة شيء على زوجها من صداق أو من غيره، ويكون قد أعطاها بعضه، فيَكرَه كل منهما صاحبه، فتقول المرأة لزوجها: ما أخذتهُ منك فهو لي، وما بقيَ عليك فهو لك، وأُبارئك، فيقول لها الرجل: فإن أنتِ رجعتِ في شيء ممّا تركت فأنا أحقّ ببضعك ) (1) .

وصيغة المبارأة تصح بلفظ: ( بارأتكِ، أنتِ طالق )، حيث ( لابدّ هنا من الإتباع بالطلاق على المشهور، بل لا نعلم فيه مخالفاً، وادّعى جماعة أنّه إجماع ) (2) ، ويجب أن تكون الفدية بمقدار المهر أو أقل، ولا تجوز الزيادة؛ للنص عنه (ع): ( لا يحلّ لزوجها أن يأخذ منها إلاّ المهر فما دونه ) (3) .

والعدّة: هي الفترة التي حدّدها الشرع للمطلّقة للدخول في زواج آخر؛ للنص المجيد: ( وَالمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (4) ، والمقصود شرعاً بالقُرء هو الطهر، أو ما بين الحيضتين، وقوله تعالى أيضاً: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (5) .

وقد أجمعَ الفقهاء على أنّه لا أثر للعدّة ما لم يحصل الدخول، كما جاء في قوله تعالى: ( إذا نَكَحتُم المُؤمِنات ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبل أن تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُم عَلَيهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعتَدّونَها ) (6) ، والرواية الواردة عن أئمة أهل البيت (ع): ( إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة

____________________

1 - الجواهر: ج 33، ص 89.

2 - شرح اللمعة للشهيد الثاني: ج 6، ص 112.

3 - الكافي: ج 2، ص 124.

4 - البقرة: 228.

5 - البقرة: 234.

6 - الأحزاب: 49.

١٧٤

فقد بانت منه، وتُزوّج من ساعتها إن شاءت ) (1) .

ولا عدّة على المطلّقة التي بلغت سنّ اليأس، وهو الخمسين بالنسبة لغير القرشيّة، والستين بالنسبة للقرشيّة؛ للعوامل الجينية الوراثية، والمطلّقة الحامل تعتدّ بوضع الحمل نصّاً وإجماعاً؛ لقوله تعالى: ( وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (2) ، ( قال ابن عباس: هي في المطلّقات خاصة وهو المروي عن أئمتنا (ع)، فعدّتهنّ وضع الحمل ) (3) .

أمّا المطلّقة الشابة التي لا يأتيها الحيض لسببٍ مرضي، وتسمّى بالمسترابة، فإنّها تعتدّ مع الدخول وعدم الحمل بثلاثة أشهر، بدليل النصوص الشرعية، ومنها: ( عدّة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر، وعدّة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء... والمسترابة [ وهي التي يأتيها الحيض ما زاد على شهر ] فلتعتدّ ثلاثة أشهر ولتترك الحيض ) (4) .

وعدّة المتمتّع بها إذا كانت حاملاً هو وضع الحمل، ومع الدخول وعدم الحمل حيضتان؛ للرواية المروية عن الإمام جعفر بن محمد (ع): ( إذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق، ويعطيها الشيء اليسير، وعدّتها حيضتان ) (5) ، وإذا كانت غير قادرة على الحيض فعدّتها خمس وأربعون يوماً ( إجماعاً ونصوصاً، بل في خبر البزنطي عن الإمام الرضا (ع) أنّه قال: ( قال أبو جعفر (ع): عدّة المتمتّعة خمسة وأربعون يوماً، والاحتياط خمس

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 105.

2 - الطلاق: 5.

3 - مجمع البيان: ج 28، ص 108.

4 - التهذيب: ج 2، ص 282.

5 - الجواهر: ج 30، ص 196.

١٧٥

وأربعون ليلة )، بمعنى خمسة وأربعون يوماً بلياليها، بل الأَولَى عدم اعتبار التلفيق ) (1) ، والآيسة لا عدّة لها.

ولو توفي زوجها فعدّتها أربعة أشهر وعشرة أيام، دخلَ بها أم لم يدخل، دائمة كانت أو منقطعة؛ لقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (2) .

أمّا إذا كانت حاملاً وتوفي زوجها فعدّتها أبعد الأجَلين، واتفق الفقهاء على وجوب الحِداد خلال فترة العدّة، إذا توفي زوجها؛ للرواية المروية عن الإمام (ع): ( المتوفّى عنها زوجها لا تكتحل للزينة، ولا تتطيّب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تبيت عن بيتها، وتقضي الحقوق ) (3) .

ويكون للمعتدّة من الطلاق الرجعي النفقة حاملاً كانت أو غير حامل، وكذلك المعتدّة من الطلاق البائن فإنّ لها النفقة إن كانت حاملاً فقط، ولا نفقة لها إن كانت حائلاً.

أمّا المعتدّة من الوفاة، فلا نفقة لها وإن كانت حاملاً؛ بسبب وجود التركة المالية التي لها حقّ ثابت فيها، واتفق الفقهاء على أنّ المطلقة الرجعية تعتدّ في بيت الزوج، ولا يجوز للزوج إخراجها منه، ولا يجوز لها الخروج من البيت إلاّ بإذنه، وإلاّ تُعدّ ناشزة وتسقط نفقتها.

أمّا المطلّقة البائنة، فإنّها تعتدّ في أيّ مكان؛ لانقطاع العصمة بينها وبين زوجها أولاً، وسقوط نفقتها إلاّ إذا كانت حاملاً ثانياً، وانتفاء التوارث بينهما ثالثاً.

ويستطيع الزوج في الطلاق الرجعي أن يستبقي زوجته المطلّقة، في

____________________

1 - الجواهر: ج 30، ص 199.

2 - البقرة: 234.

3 - الكافي: ج 2، ص 116.

١٧٦

عصمته خلال عدّتها وردّها إليه دون عقد جديد؛ لقوله تعالى: ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (1) ، ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (2) ، والمعنى: أنّه عند الإشراف على انتهاء العدّة لا ضيرَ في أن يراجع مطلَّقته بقصد المعاشرة بالمعروف.

وتتحقّق الرجعة بالفعل المقصود، و ( تصحّ نطقاً كقوله: ( رجعت ) و ( راجعت ) و ( ارتجعت ) مع اتصالها باسم ظاهر، كقوله: ( راجعت فلانة )، أو ( ارتجعت فلانة )، أو مضمر كقوله: ( راجعتك )، أو ( ارتجعتك )، وفعلاً: كالوطء، والقُبلة، واللمس بشهوة ) (3) .

وتتحقّق الرجعة أيضاً بإنكار الطلاق أثناء العدّة، و ( الإجماع على ذلك؛ لأنّه يتضمّن التمسّك بالزوجية، بل في المسالك: هو أبلغ من الرجعة بألفاظها المشتقّة منها وما في معناها، ويستدلّ على ذلك بصحيحة أبي ولاّد عن أبي عبد الله (ع): ( إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدّة فإنّ إنكاره للطلاق رجعة لها، وإن كان أنكرَ الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يُفرّق بينهما بعد شهادة الشهود )، وعن الفقه المنسوب إلى الرضا (ع): ( وأدنى المراجعة أن يُقبّلها أو ينكر الطلاق )، فيكون إنكار الطلاق رجعة ) (4) .

____________________

1 - البقرة: 228.

2 - الطلاق: 2.

3 - التنقيح الرائع: ج 3، ص 329.

4 - الجواهر: ج 32، ص 182.

١٧٧

خصائصُ النظام العائلي الإسلامي بالمقارنة مع النظام العائلي الرأسمالي

ومن أجل فهم الأبعاد الحقيقية للمؤسّسة العائلية في المجتمع الإسلامي، ودور الشريعة في إحكام بنائها العلوي، لابدّ لنا من دراسة الفوارق الفكرية والفلسفية المتوقّعة بينها وبين نظيرتها في النظام الاجتماعي الرأسمالي، وفي سبيل تحقيق ذلك الفهم لابدّ من ترتيب النقاط التالية:

أولاً: إقرار الضمان المالي للعائلة في المجتمع الإسلامي، فتنصبّ مسؤولية الزوج على إعالة زوجته ووالديه وأبنائه، حيث أوجبت الشريعة نفقة الزوجة الدائمة على زوجها، حتى لو كانت الزوجة ثرية، وجَعلت المسؤولية مشتركة بينهما، فعليه النفقة وعليها الطاعة والتمكين.

ولا شك أنّ تحديد النفقة الشرعية مرهون بالعرف، إلاّ أنّ الأصل فيها هو إشباع حاجاتها الأساسية من: المأكل، والملبس، والمسكن، والعلاج، ونفقة الحمل، والوضع، والرضاعة، والحضانة.

وبطبيعة الحال، فإنّ وجوب الإنفاق لا يقتصر على الزوجة فحسب، بل يجب على الآباء نفقة أبنائهم وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً، وعلى الأبناء نفقة آبائهم وإن عَلوا ذكوراً وإناثاً، وهو ما عُبّر عنه فقهياً بنفقة الأصول والفروع، حتى لو كان الأصل فاسقاً أو كافراً بلا خلاف.

أمّا في النظام الرأسمالي، فإنّ النظام العائلي مصمّم نظرياً على أساس أنّ الفرد المُنتج في العائلة الواحدة، هو المسؤول عن إعالة الآخرين الذين لا يقدرون على القيام بعمل منتج بسبب السن، أو المرض، أو العجز الطبيعي.

١٧٨

ولكنّ الواقع يفصح عن أنّ وجوب النفقة على الزوج - من الناحية القانونية - منحصر بنفقة القاصرين من الأولاد فقط؛ لأنّ الزوج غير مكلّف بإعالة زوجته القادرة على العمل والإنتاج.

وليس غريباً إذاً أن نجد أنّ نصف نساء الولايات المتحدة مثلاً يعملنَ على الساحة الإنتاجية الاجتماعية خارج البيوت، من أجل المساهمة في النفقة العائلية، ولا يُلزم القانون الرأسمالي الأبناء البالغين بالنفقة على آبائهم العاجزين عن العمل؛ لأنّ الدولة والنظام الاجتماعي والسياسي كلِّفا بإشباع حاجات الشيوخ والمسنّين، ولا يخفى أنّ روح هذا النظام مستمدّة من فكرة ( المذهب الفردي ) ، التي تنادي بالتحلّل من الالتزامات العائلية التي نادت بها جميع الأديان السماوية.

ولكنّ الدولة لا تستطيع سدّ كل حاجات الشيوخ والمسنّين والعاجزين عن العمل، وخروجُ الزوجة للعمل خارج البيت يترك الأبناء والبنات القاصرين دون رعاية أبوية، هم بأمسّ الحاجة إليها وقت نموّهم العقلي والبدني.

ولذلك، فإنّ تحميل المسؤولية المالية على الزوج للإنفاق على زوجته ووالديه وأبنائه، يُعتبر من أفضل الحلول الاجتماعية لمشكلة تَحلّل الأسرة وتدهورها الأخلاقي والاقتصادي، والتي يشهدها النظام الرأسمالي بكل ضراوة بعد أكثر من ثلاثة قرون على إنشائه، وتطوّره في المجالات الاقتصادية والصناعية.

ثانياً: الضمان المالي للزوجة المتمثّل بالصداق، وهو الذي شرّعه الإسلام لمصلحتها، واعتبرهُ حقّاً من حقوقها المالية، إن كان مهراً مسمّى، أو مهر مثل، أو مهر تفويض.

١٧٩

وفي جميع الحالات، يجب أن يكون المهر نقداً أو عقاراً أو منفعة لها قيمة معتبرة في العرف الاجتماعي والاقتصادي، فإذا طلّقها قبل الدخول كان لها نصف المهر، ولها المهر كاملاً بعد الدخول.

ولا شك أنّ الصداق يُعتبر - حسب النظرية الإسلامية - ضماناً مالياً كاملاً للمرأة خصوصاً بعد الطلاق، حيث تتوقف نفقة الزوج عليها، فلابدّ لها حينئذٍ من الاستقلال مالياً دون الحاجة إلى مدّ يدها طلباً للمساعدة في سدّ حاجاتها الأساسية، وهو تشريع تفتقده النظرية الرأسمالية تماماً.

فإذا تمّ الطلاق حسب النظرية الرأسمالية، فإنّ المطلَّقَين يتقاسمان الثروة التي جهدا في تحصيلها خلال سنوات الزواج، ولكن إذا بدّدت الثروة المالية خلال أيام الزواج لسبب من الأسباب، أو كان الزوج عاجزاً عن توفيرها، أصبحت المطلَّقة ريشة في مهبّ الرياح الاجتماعية، لا تملك لنفسها مالاً تُشبع فيه حاجاتها الأساسية.

ولمّا كانت النظرية الرأسمالية لا ترى في المهر حقّاً من حقوق الزوجة الرئيسية، ولا شرطاً في صحة الزواج، انحدرت أغلب المطلّقات وأولادهنّ إلى مستوى الطبقة الفقيرة، ولذلك فإنّك ترى أنّ أغلب فقراء النظام الرأسمالي هم من: المطلَّقات، والأرامل، والأولاد من العوائل المطلَّقة.

ثالثاً: إنّ الشروط الشرعية التي يشترطها الزوج أو الزوجة ضمن العقد في النظام الإسلامي، ليس لها ما يقابلها في النظام العائلي الرأسمالي، فالشروط الصحيحة التي لا تَفسخ العقد يترتّب عليها الإلزام وصحة العقد: كاشتراط الصفات الجسدية، أو الخُلقية في أحدهما، فيثبت خيار الفسخ مع تخلّف تلك الصفات؛ لعموم ( المؤمنون عند شروطهم ).

١٨٠