النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي0%

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 194

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور زهير الأعرجي
تصنيف: الصفحات: 194
المشاهدات: 46141
تحميل: 6601

توضيحات:

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46141 / تحميل: 6601
الحجم الحجم الحجم
النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفي الأُسر الكبيرة، يكون الزواج قضية طبيعية لا يتوقّع الفرد منها أن تخلق المعجزات، فالزوجة تساهم في عمل البيت وتربية الأطفال، وقد تضطر للعمل أحياناً خارج البيت، ولكن كل ذلك يخضع للحدود والقيم والتعليمات التي تلتزم الأسرة الكبيرة بها، وهذا كلّه يساهم في استقرار النظام الأُسري، حتى لو كان المردود العاطفي بين الزوجين ضعيفاً.

أمّا على مستوى الزواج في المجتمع الرأسمالي، فقد يتوقّع الزوجان من أحدهما الآخر، أموراً بعيدة عن الواقع بسبب الصورة الخيالية المسبقة الموضوعة في ذهنيهما قبل الزواج، وإذا فشل الزوجان في تحقيق الصورة الخيالية التي رَسماها في مخيّلتهما، انفرطَ عقد الزواج، وأصبحَ الطلاق المَنفذ الوحيد لإعادة ترتيب أولويات حياتهما الاجتماعية والاقتصادية، ولا شك أنّ هذه المشكلة تُعتبر من أخطر مشاكل التغيّر في المؤسّسة العائلية الرأسمالية.

٤١

العائلةُ الرأسمالية الأمريكية

ولاشك أنّ إيمان العائلة الأمريكية بالنظرية الرأسمالية كان قد أوقَعها في وضع مأساوي خطير، بسبب افتقاد النظرية لمنهج موضوعي ينظم الحياة العائلية ويساهم في بنائها العلوي.

وبطبيعة الحال، فإنّ الإحصاءات الحكومية تعكس واقع هذا الوضع الاجتماعي، فعشرين بالمئة من مجمل الولادات في أمريكا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، لا تحصل نتيجة الزواج الشرعي المتفق عليه اجتماعياً، وربع حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، ونصف عدد الزيجات في أمريكا تنتهي بالطلاق (1) ، وعشرين بالمئة من البالغين الأمريكان يعيشون حياة العزوبية اختياراً (2) ، عِلماً بأنّ وسائل الزواج ميسورة.

وهذه الصورة الاجتماعية القاتمة، دليلٌ على فشل النظرية الرأسمالية الغربية في تقديم حلّ اجتماعي مقبول لمعالجة مشاكل الإنسان الحياتية، خصوصاً في عصر تدّعي فيه النظرية الرأسمالية نجاحها الباهر في كلّ الميادين العلمية والتقنية والاقتصادية.

وإذا كانت صورة الحاضر تعيش ضمن هذا الإطار المنحل، فإنّ صورة الماضي إنّما اختلفت في الشكل لا الجوهر، فخلال الحرب الأهلية الأمريكية - على سبيل المثال - كان القانون الرأسمالي الأمريكي يمنع الزنوج من التزاوج فيما بينهم، ويسمح لهم بممارسة عملية الجماع دون زواج شرعي،

____________________

1 - ( سار ليفيتان ) و ( ريتشارد بلوز ). ماذا يحصل للعائلة الأمريكية؟ بالتيمور، مطبعة جامعة جونز هوبكنز، 1981 م.

2 - ( بيتر ستاين ). العزوبية: انجلوود كليفز، نيوجرسي، برنتس - هول، 1976،

٤٢

لغرض إنجاب العبيد وبيعهم في أسواق النخاسة؛ لأنّ العبد - في العقيدة الرأسمالية - مِلك للسيد المالك حتى في القضايا الخاصة، وليس له الحرّية في اختيار الشريك في عملية الزواج أو في أيّ عمل آخر، وبذلك تدرّ عملية الجماع هذه أموالاً على المالك، دون الاكتراث لشرعية الزواج، أو الاهتمام بحق الإنسان في التزاوج الطبيعي والتأهيل العائلي.

وكان معتنقو مذهب المورمن النصراني يمارسون عملية تعدّد الزوجات لحد 1896 م، والذي مَنعهم قانوناً من ذلك: شَرطُ الحكومة الفيدرالية لولاية يوتا التي يسكنونها، بعدم السماح لهم بالدخول في الاتحاد الأمريكي، ما لم يُعلنوا صراحة توقّفهم عن ممارسة عملية تعدّد الزوجات؛ وذلك لمعارضته لأصل الفكرة الرأسمالية حول مفهوم ( الفردية ) التي تحترم إرادة الفرد، وتَعتبر فكرة تعدّد الزوجات إهانة لكرامة الزوجات جميعاً!

ولا شكّ أنّ تعنّت النظرية الرأسمالية في رفض فكرة تعدّد الزوجات، لم يحلّ المشكلة الاجتماعية التي تواجهها الأسرة الرأسمالية، فثلاثة أرباع الحالات الزوجية الأمريكية تعاني من خيانات زوجية من كلا الطرفين في العائلة الواحدة (1) . وازدياد عدد حالات التشرّد بين النساء المطلقات والفتيات من العوائل المنحلّة، لا يساعد مفهوم النظرية الرأسمالية الزاعم بأنّ الحُب في المجتمع الحضاري الصناعي يخلق الزواج المثالي، وأنّ التمتّع بزوجة واحدة يجني الفرد الخيانة الزوجية.

ولو كان زعمُ النظرية الرأسمالية صحيحاً، فَلِم انحدرَ إذاً ثلاثة أرباع المجتمع في مستنقع الرذيلة بممارسة الخيانة الزوجية عن طريق الزنا؟ وليس هناك أدنى شك من أنّ الإقرار

____________________

1 - ( ديفيد فنكلهور ) وآخرون. الجانب المظلم من العائلة: بيفرلي هيل، كاليفورنيا: 1983 م.

٤٣

بالانحراف عن الحياة الزوجية السليمة من جهة، ورفض قبول الحلول الاجتماعية التي يقدّمها الفكر الديني المتمثل بالإسلام، بخصوص نظام تعدّد الزوجات من جهة أخرى، يُعتبر تعنّتاً واستكباراً لا مبرّر له، من قِبل النظام الاجتماعي الرأسمالي.

وإذا كان الحُب العُذري الكائن في المجتمع الصناعي كأساس للزواج الناجح، هو الذي يساعد الزوجين - كما تزعم النظرية الرأسمالية - على بناء علاقات زوجية حميمة بعد الزواج، فلماذا إذاً تنتهي نصف الحالات الزوجية الرأسمالية الأمريكية المفترَض قيامها أساساً على قاعدة الحُب العذري، إلى الطلاق؟ أليس هذا تناقضاً مع الفكرة القائلة بأنّ: نجاح أيّ قضية نسبياً يتوقّف على حلّ ثلاثة أرباع أجزائها على الأقل؟ فكيف نعتبر الزواج في المجتمع الرأسمالي نجاحاً للفكرة الرأسمالية؟ وكيف نعتبر نصف الحالات الزوجية التي تنتهي إلى تهديم الأُسس الأُسرية نجاحاً للفكرة الاجتماعية الرأسمالية؟

ويتساءل الفرد ما هو الحُب العذري ، الذي تزعم النظرية الرأسمالية اعتباره من أهمّ أركان النظام العائلي في المجتمع الإنساني؟

وللجواب على هذا السؤال: فلنفترض أنّه الشعور الذي يتملّك الفرد، فتظهر عليه أعراضه، وهذه الأعراض تنقسم إلى قسمين:

أولاً: أعراض جسدية، وهي الشهوة وخَفقان القلب.

وثانياً: أعراض نفسية، وهي تنشيط المَلكة الوجدانية بالتركيز على فرد معيّن ذي مواصفات جذّابة، ثمّ المجازفة في سلوك أيّ طريق يوصِل ذلك المُحب إلى حبيبه، وهذا النوع من الحُب يشجّعه النظام الرأسمالي وتوصي به الثقافة الغربية المرئية والسمعية والكتبية.

٤٤

هنا قد يتساءل المرء: لماذا تتحمّس النظرية الرأسمالية إلى نشر هذا النوع من الحُب بين أفراد المجتمع؟ ولماذا تحاول النظرية الرأسمالية تقديس هذه الظاهرة التي غالباً ما تحصل بين فردين ينجذب أحدهما إلى الآخر، ثمّ يتطوّر هذا الانجذاب إلى علاقة شخصية تنتهي بالزواج؟

وللجواب على ذلك: تدّعي الفكرة الرأسمالية أنّ الحُب العذري مهم في إنشاء حياة عائلية في عالَم صناعي رأسمالي، لأسباب منها:

أولاً: إنّ الحُب العذري يساعد الفردين المتحابّين على نزع ارتباطاتهما العائلية مع العائلة الكبيرة، وهذه الخطوة مهمة في تنشيط الإنتاج الرأسمالي وتشجيع المتزوجين الجُدد على الانتقال إلى أيّ منطقة أو مدينة تحتاجها العملية الإنتاجية، أمّا لو كان الحُب العذري منعدماً وكانت الأسرة كبيرة، فإنّ الزواج سيأخذ مساره الطبيعي دون الانغماس بالناحية النفسية والعاطفية للحُب، والتركيز على شهوات الفرد بشكل مطلق وتناسي العالَم والواقع الخارجي المحيط بجدران ذلك الشعور.

ثانياً: إنّ الحُب العذري يساهم في إشباع الناحية العاطفية التي حَرمها انكسار وتحطّم الأُسر الكبيرة، ففي وقت الأزمات تساهم الأسرة الكبيرة في التخفيف عن الآلام التي يتعرّض لها الإنسان المصاب بأزمة من تلك الأزمات، وتساهم أيضاً في تقديم المساعدة العاطفية والمادية، في حين أنّ الأُسر الصغيرة تفتقد إلى هذا النوع من الحنان والتعاون الجماعي.

ولذلك، فإنّ الرأسمالية تشجّع الأفراد على ممارسة الحُب العذري؛ حتى يساهم ذلك الحُب في رَأب الصدع الذي سبّبته لهم العملية الرأسمالية الإنتاجية.

ثالثاً: وخوفاً من تناقص النسبة المئوية السنوية للمواليد، فإنّ الفكرة الرأسمالية تشجّع الأفراد على ممارسة الحُب العذري؛

٤٥

لأنّه يؤدي إلى الزواج وبقاء فكرة الذرّية مستمرة في النظام الاجتماعي، فلو عُرِض الخَيار لأفراد النظام الرأسمالي بالزواج أو عدمه، لاختارت نسبة ملحوظة منهم العدم تخوّفاً من تحمّل المسؤولية المالية والاجتماعية التي تفرضها الأسرة، وتوافقاً مع فكرة ( المذهب الفردي ) في الاستمتاع الشخصي بالحياة، دون الاهتمام بالمسؤولية الجماعية التي يفرضها التزاوج الإنساني.

ومجمل القول: إنّ النظرية الرأسمالية تشجّع الأفراد على تحطيم القيود الأُسرية التي يشجّعها النظام الديني، وتحفّزهم على التزاوج عن طريق الاختلاط والإعجاب المتبادل، وتخفيف القيود الاجتماعية على علاقة الرجل بالمرأة قبل الزواج.

ولا ريبَ أنّ السبب المباشر الذي يدعو النظرية الرأسمالية إلى التبشير - بكل حماس - لفكرة إنشاء الأُسر الصغيرة هو: اعتقادها بأنّ الأُسر الصغيرة التي تفتقد العلاقات المتينة مع أقاربها وعشيرتها، تُعتبر أكثر نفعاً وأوفر إنتاجاً وأعظم خدمة للنظام الرأسمالي من الأُسر العشائرية الكبيرة.

٤٦

الزواجُ والطلاق في المجتمع الرأسمالي

ويشجّع النظام الرأسمالي الأفراد على اختيار شركاء حياتهم بحرّية، إيماناً منه بقوّة ( المذهب الفردي ) في زيادة الإنتاج، فتتم طريقة الاختيار هذه عن طريق التقاء الرجل بالمرأة، ثمّ بعد رحلة طويلة يتمّ في نهاية المطاف الاتفاق على الزواج، ومع أنّ هذا الوصف مشترك في أغلب الحالات، إلاّ أنّ هناك خصائص ومميزات تتحكّم في عملية الانجذاب والزواج منها: العمر، والدِين، والمنزلة الاجتماعية، والثقافة، والأصل العرقي، ومكان العمل.

فعلى صعيد العمر: فإنّ التزاوج يحصل بين فردين من ذوي عمر متقارب، فالرجال غالباً ما يتزوجون نساءً تقلّ أعمارهنّ عن أعمارهم بحوالي سنتين إلى أربع سنوات، ولا يشجّع النظام الرأسمالي التزاوج بين أفراد تتفاوت أعمارهم تفاوتاً كبيراً؛ لأنّ ذلك يسبّب تقليل العمل الإنتاجي للأسرة.

وعلى صعيد الدين: يتم التزاوج غالباً ضمن أفراد معتنقي الدين الواحد، ولمّا كان التزاوج بين أبناء الديانات المختلفة لا يؤثر على إنتاجية النظام الاقتصادي الرأسمالي، فإنّ النظام لا يعارض التزويج بين أفراد من ديانات متغايرة.

وعلى صعيد الطبقة الاجتماعية: يتم التزاوج ضمن أفراد الطبقة الواحدة؛ لأنّ جذور الزوجين وعلاقاتهما الاجتماعية مرتبطة بظروف الطبقة ووضعها المالي والسكني، ولمّا كان من مصلحة الزوجين العيش بسلام ضمن

٤٧

إطار الطبقة الواحدة، وعدم الدخول في صراع اجتماعي مع الطبقات الاجتماعية الأخرى، فإنّ أغلب الشباب يبحثون أولاً عن شريكات حياتهم ضمن طبقتهم الاجتماعية، ولكن إذا حصل التزاوج بين فردين من طبقتين مختلفتين، فإنّ المرأة غالباً ما تتزوج رجلاً من طبقة أعلى من طبقتها الاجتماعية.

وعلى صعيد الثقافة والتحصيل العلمي: فإنّ النظرية الرأسمالية تشجّع الأفراد على الزواج من أقرانهم في المعاهد الدراسية: كالجامعات، والكلّيات، والمدارس العامة، فالجامعات تُعتبر - حسب النظرية الرأسمالية - من أفضل الأماكن للالتقاء والنقاش واكتشاف الأفراد.

ولا شك أنّ الأسرة المكوّنة من فردين مسلّحَين بشهادات جامعية ويعملان في حقول الإنتاج، تدرّ على النظام الرأسمالي أموالاً أكثر؛ لأنّ الزوجين ينتجان ويستهلكان أكثر من أقرانهما خارج الدائرة العلمية، أولاً.

وثانياً: أنّ اجتماع طاقاتهما العلمية سيولّد إبداعاً للحقل الصناعي.

وثالثاً: أنّ احتمال حذو أبنائهما نفس الطريق العلمي، أقوى ممّا لو كانت الأسرة مؤلّفة من فردين غير جامعيَين.

وعلى الصعيد العرقي: فإنّ حكومات الولايات المحلّية في أمريكا كانت لا تسمح قانوناً بالتزاوج بين الزنوج والبيض لحد العقد السادس من القرن العشرين، ومع أنّ القانون قد تم إلغاؤه؛ بسبب نشاط حركات الحقوق المدنية، إلاّ أنّ المجتمع لا يزال حتى اليوم يستنكر الزواج بين العرقيات المختلفة.

والقاعدة: أنّ الزواج يجب أن يتم بين الأفراد ضمن العرق الواحد، فالأفراد السود ينبغي على الصعيد العرفي أن يتزوجوا نساءً من نفس العِرق، والنساء البيض ينبغي أن يتزوّجن رجالاً من نفس العِرق أيضاً.

٤٨

أمّا موقع العمل: فهو من الأماكن التي يحصل فيها التعارف بين الرجل والمرأة، ثمّ الاتفاق على الزواج إذا ما تم الإعجاب.

وبعد أن أكملَ النظام الرأسمالي إزالة الحواجز العرفية بين الرجال والنساء القائمة لقرون عديدة، أصبحت عملية الزواج طريقة طبيعية لا تقيدها الضوابط الاجتماعية، فقد صفّقَ الكثير من دعاة التحرّر الاجتماعي لفكرة هدم الضوابط الاجتماعية التي تقيد عملية الزواج و ( الحرّية الفردية )، فيما يخص قرار اختيار الزوج أو الزوجة، ولكن نسبة الطلاق العالية التي يشهدها المجتمع الصناعي الرأسمالي، أجبرت هؤلاء على الإقرار بعجز النظام الرأسمالي في إنشاء نظام أُسري يُسعد المجتمع الإنساني، وينقله إلى شاطئ الأمان كما نقلته التقنية الحديثة إلى مستوىً أرقى في التعامل الإنساني.

وتُعتبر نسبة الطلاق في أرقى المجتمعات الرأسمالية في العالم المتمثلة اليوم بالولايات المتحدة، أعلى نسبة طلاق في التاريخ الإنساني: حيث إنّ نصف الحالات الزوجية الأمريكية تنتهي إلى الطلاق كما ذكرنا ذلك سابقاً، بعد أقلّ من سبع سنوات فقط من بدء الزواج، وهذا دليل على تحلّل النظام الأُسري في المجتمع الرأسمالي.

فالطلاق: وثيقة اجتماعية دامغة تُظهر فشل عملية التزاوج بين فردين اتفقا على إنشاء أسرة كريمة لم يشتدّ عُودها بَعدُ، تماماً كمَن يبذر بذرة آملاً في شجرة مثمرة، ولكنّه يترك شجرته بعد حين دون سقي في صحراء قاحلة، ولا تكمن مشكلة الطلاق في الاختلاف بين الطرفين المتخاصمين المتمثلين بالزوج والزوجة، بل تتعدّى إلى ذرّية الفرد وهم الأطفال، فيقع عليهم الطلاق موقعاً مؤثراً وربّما يؤدي إلى تحطيم مستقبلهم، فالمشاكل التي تسبق الطلاق غالباً ما تترك تأثيراتها النفسية على هؤلاء الأطفال، عِلماً بأنّ الاضطراب العاطفي يُعتبر من أهم أسباب نشوء الانحراف الاجتماعي.

٤٩

ولمّا كانت الحياة الرأسمالية مصمّمة على أساس استيعاب العائلة الصغيرة المكوّنة من أبوين وطفل أو طفلين مثلاً، فإنّ التغيّر الناتج من أثر الطلاق يجعل حياة الأسرة بعد الانفصال شاقّة من ناحية الوحدة والانعزال، والإحساس بالعجز في مواجهة مشاكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وغالباً ما تتدهور الميزانية المالية للعائلة بعد الطلاق، خصوصاً ميزانية الأم المطلّقة وأطفالها (1) .

ومع أنّ القانون الرأسمالي يُلزم الزوج بالنفقة على أطفاله، إلاّ أنّ أكثر من نصف عدد الآباء المطلِّقين يتهربون من دفع النفقة المالية؛ بسبب ارتباطهم بالتزامات عائلية جديدة (2) ، وهكذا يصبح الأطفال عرضة للحرمان الاجتماعي بسبب انعدام وجود المعيل، فلا عجبَ إذاً أن نجد الأطفال والأحداث في المجتمع الرأسمالي من أكثر الأفراد حرماناً من الناحية المعيشية، مقارنة ببقية المجاميع من الأعمار الأخرى كالشباب والشيوخ.

وتقع أشدّ حالات الطلاق عُنفاً ووحشيّة بين الأزواج الساكنين في المُدن الصناعية الكبيرة، وبين المتزوجين بسن مبكرة، وبين الذين تزوّجوا على الرغم من معارضة عوائلهم.

والسبب في هذا التمزّق: هو أنّ هذه العوائل الصغيرة ليس لها مَن يوجّهها ويأخذ بأيديها بحكمة، إلى حلّ المشاكل الزوجية والاقتصادية التي تواجهها لاحقاً في حياتها الاجتماعية؛ لأنّ دور

____________________

1 - ( اندريو جيرلن ). الزواج، الطلاق، والزواج مرّة أخرى: كامبردج، ماساشوست: مطبعة جامعة هارفرد، 1983 م.

2 - ( هيو كارتر ) و ( بول كليك ). الزواج والطلاق: دراسة اجتماعية واقتصادية، كامبردج، ماساشوست: مطبعة جامعة هارفرد، 1976 م.

٥٠

الشيخ الكبير السن كان قد أُلغي تقريباً من الحياة الاجتماعية الرأسمالية، والقاعدة : أنّ الزوجة إذا كانت قادرة على العمل والكسب المادي، فإنّها ستترك - حتماً - البيت الزوجي الذي لا يوفر لها السعادة التي تتوقّعها في حياتها الجديدة.

ويُرجِع علماء الاجتماع تحطّم النظام العائلي في المجتمع الرأسمالي إلى عدّة أسباب منها: الأسرة الصغيرة، وسراب الحُب العُذري، ودور المرأة المتغيّر في الساحة الاجتماعية، والانحلال الخلقي.

فعلى صعيد الأسرة الصغيرة: وجدنا سابقاً أنّ النظام الرأسمالي يشجّع الأفراد على تحطيم تقاليد الأُسر الكبيرة، ويحث على التركيز على إنشاء أُسر صغيرة مكوّنة من أب وأم وطفليهما؛ كي تسهل حركة الأسرة طلباً للعمل، وهذا العامل يساعد على زيادة الإنتاج في المجتمع الرأسمالي، ولكن من أعظم مساوئه: هو أنّ هذه الأسرة تكون أكثر تعرّضاً للهزّات الاقتصادية والاجتماعية من الأسرة الكبيرة المكوّنة من أجيال متعدّدة تعيش مع بعضها البعض، فإذا تخلّى القَيّم على الأسرة عن قيمومته المالية انهارت أركان الأسرة تماماً.

أمّا في الأُسر الكبيرة، فإنّ كثرة الأفراد وتنوّع أعمارهم وخبراتهم يمنح كل عضو من أعضائها دعماً وسنداً معنوياً للاستمرار في الحياة الاجتماعية، ومواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بكل ثقة واطمئنان، عِلماً بأنّ أكبر الأفراد سنّاً في الأسرة الكبيرة يُقدّم للأسرة الخبرة والنصيحة التي تحتاجها في شقّ طريقها بين الأمواج الاجتماعية المتلاطمة.

٥١

وعلى صعيد سراب الحُب العذري: فإنّ هذا الشعور المفترَض أن يعيش طويلاً بعد الزواج سرعان ما تخفّ وطأته بمرور الأيام، خصوصاً إذا انشغل الزوجان بمشاكل الحياة اليومية من خلال عمل الزوج خارج البيت، وترتيب الزوجة لشؤونها البيتية.

وإذا ما عَلمنا أنّ الجزء الأكبر من الحُب العُذري يتمثل بالشهوة الغريزية الجنسية والتركيز النفسي على المحبوب، تَبيّن لنا سبب فشل صمود الحُب العُذري بعد الزواج؛ لأنّ إشباع الشهوة الغريزية والقرب المستمر من المحبوب، يساهم في إرجاع الفرد إلى واقعه الحقيقي بدل العيش في عالَم الخيال والأوهام.

والواقع أنّ العلاقة النفسية بين الزوج والزوجة إذا كانت قائمة على أساس المنطق والعقل والتفاهم والاحترام المتبادل، نجحَ الزواج في بناء الأسرة الكريمة الأكثر إنتاجاً في النظام الاجتماعي، أمّا إذا كان الزواج قائماً على أساس الحُب العُذري وما يتبعه اليوم في العائلة الرأسمالية للمجتمع الأمريكي، فشلَ الزواج في بناء الأسرة.

وعلى صعيد دور المرأة في سدّ الشواغر الاجتماعية: فإنّ المتوقّع من المرأة في كلّ الأزمنة وفي كل المجتمعات الإنسانية القيام بوظيفتها البيتية في تربية الأطفال، ومساعدة زوجها في الشؤون البيتية، وما وراء البيت فهو على الرجل، حيث ينبغي عليه السعي طلباً للرزق.

ولكنّ المرأة في المجتمع الرأسمالي اليوم ترفض هذا الدور متحدية النظام العائلي الذي أقرّه النظام الاجتماعي، وهذا التحدي لا يشمل البيت والزوج فحسب بل يشمل دور المرأة من الناحية البيولوجية، فالعديد من النساء في النظام الرأسمالي لا يعتبرنَ بيت الزوجية فحسب، بل يعتبرنَ الحمل والولادة والرضاعة قيوداً عليهنّ رفضها؛ لأنّ هذه القيود تؤثر على حريتهنّ في العمل والتمتع بالشباب والحياة والجمال.

٥٢

وطالما كان اهتمام المرأة بالعمل خارج البيت قائماً، كانت عملية الطلاق أكثر يسراً؛ لأنّ النساء يشعرنَ بالاكتفاء من الناحية الاقتصادية، وبالاستغناء عن الرجال، فلا ريبَ أنّ أبسط مشكلة بيتية إذاً تؤدي إلى الانفصال ثمّ الطلاق.

وعلى صعيد الانحلال الخُلقي: فإنّ النظام الرأسمالي - بتصنيعه وسائل منع الحمل على شكل واسع - ساهمَ في نشر الانحلال والعلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء؛ لأنّ استخدام وسائل منع الحمل يوفر على المرأة والرجل الفضيحة ويمنع تخليق ولد الزنا.

وقد ساهمَ اضمحلال دور الدين في المجتمع الرأسمالي على تغيير السلوك الجنسي قبل الزواج، وحتى بعد الزواج مع نساء أُخر، ولا شك أنّ انتشار المصانع في رقعة جغرافية واسعة، وانتقال الأفراد بشكل مستمر طلباً للعمل، ساهمَ هو الآخر في إضعاف الرقابة الاجتماعية على الممارسات الغريزية غير الشرعية بين الرجال والنساء.

وهذه الممارسات غير الشرعية تضع الزواج في موضع خطر؛ لأنّ عدم قناعة أحدهما بالآخر سيؤدي إلى البحث عن شريك جديد، وهذا السلوك يُنزل بالمؤسّسة العائلية ضربة قاصمة؛ بسبب انعدام العفّة والنظافة السلوكية بين الرجال والنساء في نظام يؤمن بكل قوة بشرعية ( المذهب الفردي ) ، وما يترتّب عليه من هدم لأصل التصميم الإلهي للنظام الاجتماعي وعلاقاته الإنسانية.

٥٣

مشكلةُ الإسقاط المتعمّد ( الإجهاض )

وتُعتبر مشكلة الإجهاض إحدى أخطر المشاكل التي تواجه النظام العائلي الرأسمالي، خصوصاً بعد إعلان المحكمة العليا الأمريكية سنة 1973 م في قضية ( جين رو ) ضدّ ( هنري ويد ) شرعية الإجهاض (1) ، حيث قسّم قُضاة المحكمة العُليا الحمل إلى ثلاث مراحل: كل مرحلة تستغرق ثلاثة أشهر.

ففي المرحلة الأولى: يجوز للمرأة قانوناً إجهاض جنينها باستخدام مختلف الوسائل الطبّية.

وفي المرحلة الثانية: يجوز للمرأة الإجهاض، ولكن يجب أن تخضع عملية الإجهاض إلى قوانين الولاية التي تسكن فيها المرأة الحامل.

وفي المرحلة الثالثة: حيث يكون عمر الجنين ستة أشهر فما فوق، فإنّ الإجهاض محرّم قانوناً إلاّ في الحالات الطارئة التي تكون فيها صحّة الأم بخطر، وقانون المحكمة العليا الأمريكية مقتبس من أحكام القرآن الكريم، فقد وردَ في النص المجيد بشأن عمر الجنين: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) (2) ، وفي موضع آخر: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (3) ، فيكون عمر الجنين الكامل الذي له قابلية العيش مستقلاً عن الأم ستة أشهر فما فوق، وتكون الحرمة القانونية الأمريكية في قتل الجنين عند بلوغه ستة أشهر فما فوق، وهو أقلّ الحمل في النظرية الإسلامية.

____________________

1 - ( لوكر كريستين ). الإجهاض وسياسة الأمومة: بيركلي، كاليفورنيا: مطبعة جامعة كاليفورنيا، 1985 م.

2 - لقمان: 14.

3 - الأحقاف: 15.

٥٤

وتكمن الخطورة في تشريع المحكمة العليا الأمريكية لشرعية الإجهاض: أنّ عدد حالات الإسقاط المتعمّد ازدادت منذ تشريع ذلك القانون إلى أكثر من مليون ونصف المليون حالة سنوياً، وهذا يعني أنّ حوالي ربع إجمالي ولادات أمريكا تنتهي - عن طريق الإجهاض الطبي - إلى سلاّت القمامة سنوياً، في نهاية القرن العشرين.

والسؤال الفلسفي المطروح اليوم هو: هل إنّ الإجهاض مسألة شخصية متعلّقة بالمرأة، أم هو قَتل للجنين البشري الذي لو سُمحَ له بالعيش لكان إنساناً؟

وللجواب على هذا السؤال علينا أن ننتقل إلى سؤال آخر للإجابة عليه أولاً وهو: ما هو وضع الجنين البشري من الناحية البيولوجية؟ فهل يعتبر طفلاً فيكون الإجهاض قتلاً؟ أم هو مجرّد مجموعة من الخلايا والأنسجة، فيكون الإجهاض عملية جراحية طبيعية لاستئصال غدّة غير مرغوب فيها؟

وقد احتارَ علماء الطبيعة والطب والفلسفة في النظام الرأسمالي في الإجابة على هذا السؤال؛ لأنّ الجنين - بزعمهم - ليس إنساناً كاملاً، وليس مجرّد مجموعة من الخلايا والأنسجة، وهنا فنحن ننتقد هؤلاء ونقول: إنّ الجنين ليس إنساناً كاملاً، ولكنّه يستطيع بالقوّة أن يصبح إنساناً.

ويردّون علينا قائلين: إذا كان الجنين إنساناً فهل تدفنونه أنتم كما تدفنون الإنسان الكامل؟ ونجيبهم بكلمة: نعم، فالسِقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعداً يُلفّ بخرقة ويُدفن (1) ، والجنين الكامل ليس مجموعة خلايا ميّتة كالشعر والظفر والقَرن، بل إنّه حياة وحيوية، فيكون الجواب على السؤال الأول هو: إنّ الإجهاض عملية قَتل للأجِنّة.

____________________

1 - المحقق الحلّي. شرائع الإسلام: ج 1، ص30.

٥٥

وهكذا يدور هذا النقاش لينتقل من الناحية البيولوجية إلى حقوق المرأة في السيطرة على جسدها، فالمؤيّدون لشرعية الإجهاض يؤكدون على أنّ قرار الإجهاض قرار فردي، فكيف نستطيع - بزعمهم - أن نفرض على المرأة طفلاً لا تريد أن تحمله؟

ولكنّنا نجيبهم: بأنّ نصف جينات الجنين مِلك للأب، فكيف تقولون: إنّ الجنين بكامله مِلك لجسد الأم؟ وإذا كانت الأم تحمل الجنين تسعة أشهر، فإنّ الأب مكلّف بالإنفاق عليه لحدّ التكسّب أو البلوغ، وهو سنّ الخامسة عشرة بالنسبة للذكر، ولحدّ الزواج أو البلوغ، وهو سنّ التاسعة بالنسبة للأنثى، حسب النظرية الإسلامية.

وهنا يبرز سؤال آخر دون جواب أيضاً، وهو: لو أنّ الأب أراد للجنين أن يحيا ويولَد، فهل للمرأة الأم الحقّ في إجهاض جنينها بدعوى أنّ لها الحق بالسيطرة على جسدها؟ لا يوجد على الساحة الفكرية الغربية جواب شافٍ على هذا السؤال!

وظاهر الأمر: أنّ المجتمع الرأسمالي ومفكّريه وعلماء منقسمون إلى صفّين: صف يؤيّد الإجهاض باعتباره أحد خيارات المرأة الطبيعي في الحياة، وهؤلاء اصطُلح عليهم بالاختياريين ، وصفّ يعارضه باعتباره قَتلاً للإنسانية، وهؤلاء اصطُلح عليهم بالحياتيين .

وأمام هذا الاضطراب في الحكم على شكل حياة الجنين، والصراع بين حرّية المرأة والمسؤولية الاجتماعية بحفظ النظام الاجتماعي من الانقراض، يقف الدين النصراني واليهودي في المجتمع الرأسمالي موقف المراقب الصامت، الذي لا يجد كلمة شافية يحلّ بها هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة، مع العلم أنّ أغلب الحياتيين ينتمون إلى مختلف الكنائس النصرانية.

٥٦

ولا ريبَ أنّ ارتفاع نسبة الإجهاض في المجتمع الرأسمالي الأمريكي، يعكس عُمق المشكلة الأخلاقية بين الرجل والمرأة، ودور الشهوة الغريزية الجنسية قبل وبعد الزواج في هزّ النظام العائلي، وهو دليل على أنّ مفهوم ( الفردية ) - التي يبشّر بها النظام الرأسمالي ويَعتبره أساس نجاحه الاقتصادي - يفشل فشلاً ذريعاً في بناء الأسرة الكريمة، التي يحلم بها الإنسان كوسيلة من وسائل بناء مجتمع نظيف قائم على أساس فهم مسؤولية الرجل والمرأة الاجتماعية، ودورهما في الحياة الإنسانية السعيدة.

٥٧

هَفَوات النظام العائلي الرأسمالي

ولا يستطيع أيّ فرد - مهما أوتي من قدرة على الاستيعاب والتحليل والاستنتاج - تقدير حجم الخسارة الاجتماعية التي أنزَلَتها النظرية الرأسمالية على المؤسّسة العائلية الإنسانية، إلاّ أنّ جميع المفكرين والمنظّرين المعاصرين يتفقون على أنّ خسارة المؤسّسة العائلية في المجتمع الرأسمالي باتت خسارة عظيمة.

فبعدَ أن شجّعت النظرية الرأسمالية النساء على العمل خارج البيوت - مانحة إياهنّ الحرّية المناسبة - ازدادت نسبة العاملات في المجتمع الأمريكي إلى نصف عدد نساء أمريكا الرأسمالية اليوم، في مختلف شؤون الحياة العملية (1) ، وهذا التهافت في البحث عن العمل والمال له تأثير خطير على الحياة الاقتصادية والأسرية (2) .

فكان من نتائج ذلك: ارتفاع نِسب العوائل التي تعيلها الأمّهات، والسكن المختلَط بين النساء والرجال دون عقود زواج، وتعدّد مرّات الزواج والطلاق خلال حياة الفرد، واضطراب إعادة التركيب العائلي بعد الطلاق، والزواج دون إنجاب الذرّية اختياراً، والزواج المفتوح، والانحراف في اختيار الشريك، والبقاء على العزوبية مع توفّر مستلزمات الزواج.

ولمّا كان الطلاق ميسوراً في النظام الأمريكي، أصبحت العوائل التي تعيلها المطلقات تشكّل حوالي ثلث مجمل العوائل الأمريكية في التسعينيات من هذا القرن.

____________________

1 - ( روزابث موس كانتر ). العمل والعائلة في الولايات المتحدة: نيويورك: مؤسّسة روسيل سيك، 1977 م.

2 - ( لينور ويتزمان ). ثورة الطلاق: النتائج الاجتماعية والاقتصادية غير المتوقعة للنساء والأطفال في أمريكا. نيويورك: المطبعة الحرة، 1985 م.

٥٨

والسبب في ازدياد هذه النسبة يكمن في عاملين هما: العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة، وسهولة عملية الطلاق. وكِلا العاملَين يساعدان على ازدياد نسبة العوائل التي تعيلها الزوجة دون الزوج، وإذا ما عَلمنا أنّ ثلاثة أرباع النساء غير المتزوّجات في أمريكا لهنّ علاقة ما مع الرجال، تبيّنَ لنا حجم المشكلة الاجتماعية التي تعيشها الأسرة الرأسمالية، والمصير القائم الذي ينتظرها في نهاية الطريق.

ومن الغريب، أنّنا نجد مَن يدّعي أنّ الحرّية التي اكتسبتها المرأة في المجتمع الرأسمالي تصون حياتها الاجتماعية، وتجعلها على مستوى اجتماعي واقتصادي واحد مع الرجل، وهذا القول ليس سليماً؛ لأنّ هذا الوضع الاجتماعي ما هو إلاّ تحقير وإذلال للمرأة، وحطّ من كرامتها وحقّها في العيش الكريم كأُم أو بنت أو أخت، ودليلنا على ذلك: إنّ نصف عدد العوائل التي تعيلها الزوجات دون الأزواج، هم من أفقر فقراء النظام الرأسمالي في أمريكا (1) .

ولا شك أنّ التحلّل الاجتماعي الواسع في النظام الرأسمالي، أدّى إلى اندفاع الأفراد نحو السكن المختلط دون عقد زواج، حيث إنّ انتشار هذا اللون من السكن بين طلبة الجامعات بالخصوص، يُنذر بخطر تحلّل النظام الأُسري في المستقبل المنظور؛ لأنّ هذا الاختلاط لا يحدّه نظام أو قانون أو تشريع يحفظ حقوق المرأة أو الرجل أو الذرّية، التي غالباً ما تضيع خلال عملية الإجهاض.

____________________

1 - ( ميشيل هارنكتن ). الفقر الأمريكي الجديد: نيويورك: هولت، راينهارت، و ونستن، 1984. و ( جيمس باترسن ). الكفاح الأمريكي ضد الفقر 1900 - 1980 م. كامبردج، ماساشوست: مطبعة جامعة هارفرد، 1982 م.

٥٩

ومع أنّ النظرية الرأسمالية تُعارض بشدّة نظام تعدّد الزوجات في وقت واحد، إلاّ أنّ الظروف الاجتماعية التي خلقها النظام الرأسمالي أجبرت النظرية على الإقرار بالزواج التعدّدي في أوقات مختلفة، أو بمعنى آخر: الزواج ثمّ الطلاق، ثمّ الزواج من امرأة أخرى ثمّ الطلاق، ثمّ الزواج من امرأة ثالثة ثمّ الطلاق وهكذا.

وإقرار هذا الزواج التعدّدي يمثّل فشلاً ذريعاً للنظرية الرأسمالية، التي أرادت - بإدانتها لنظام تعدّد الزوجات وتحطيم فكرة الأسرة الكبيرة - زيادة عملية الإنتاج والتأكيد ( المذهب الفردي ).

ونظام تعدّد الزوجات أفضل من الناحية الاجتماعية من نظام الزواج المتعدّد؛ لأنّه يحفظ كرامة الزوجات تحت ظل بيت واحد تسوده المحبّة والألفة والأبوّة والقيمومة، التي تغمر كل الأبناء والبنات وبمنتهى العطف والحُب والرحمة، ولكنّ الزواج التعدّدي لا يجلب غير الألم والمرارة وتفسّخ العائلة، فينفصل الأطفال عن أحد الأبوين، ويعيشون مع أمّهم التي تتزوّج رجلاً آخر، ويتزوج الأب امرأة أخرى، وهكذا يضيع التوجّه العائلي وتفتقد الرحمة الأبويّة بين شهوات الأبوين ورغبتهما بالحرّية الفرديّة.

وعندما يتحطّم النظام العائلي عن طريق الطلاق، فلابدّ للعائلة من إعادة تركيب علاقاتها الأُسرية، فعليها أن تثبت أُسس العلاقة الجديدة بين الأطفال من الأم و زوج أمّهم الجديد، وبين الأطفال من الأب والأطفال من الزوجة الجديدة، فيصبح الأطفال في العائلة الجديدة مجموعة من الأشقّاء، أشقّاء من الأمّ وأشقّاء من الأب، وهذا يولِّد تعقيداً جديداً في رسم شجرة العائلة الجديدة، ويولِّد أيضاً مشكلة نفسية من مشاكل الانسجام تُضفي بتأثيراتها السلبية على الأسرة لاحقاً.

٦٠