النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي0%

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 194

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور زهير الأعرجي
تصنيف: الصفحات: 194
المشاهدات: 46120
تحميل: 6601

توضيحات:

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46120 / تحميل: 6601
الحجم الحجم الحجم
النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

العقد ) (1) .

أمّا القبول، فيكفي فيه اللفظ الدالّ على الرضا الصريح مثل قوله: ( قبلتُ ورضيت )، ولا خلاف ولا إشكال في حصول الرضا بهذين اللفظين، و ( نص الفقهاء على اعتبار اللفظ الصريح وضعاً في العقد اللازم، وأنّه لا يكفي فيه المجاز، والقبول أن يقول: قبلتُ التزويج، أو قبلتُ النكاح أو ما شابههما مثل: رضيت ونحوه، لكن بملاحظة ما ذكرنا تعرف عدم انحصاره في لفظ مخصوص ولا هيئة مخصوصة، بل يكفي فيه كل لفظ دال عليه بالطريق المتعارف في بيان أفعاله من المقاصد، ولا إشكال في أنّه يجوز الاقتصار ( في القبول ) على ( قبلتُ ) كغيره من العقود ) (2) .

والمشهور أنّ صيغة الزواج الدائم لا تنعقد إلاّ بلفظ الماضي كقوله: ( زوّجت، دون أتزوج )، إلاّ أنّ الشهيد الثاني في المسالك، والشيخ النجفي في الجواهر، والشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب قالوا بانعقاد الزواج بغير صيغة الماضي، و ( أنّ المقصود من العقد لمّا كان هو الدلالة على القصد الباطني، واللفظ كاشف عنه، فكل لفظ دلّ عليه ينبغي اعتباره، وقولهم: إنّ الماضي صريح في الإنشاء دون غيره ممنوع؛ لأنّ الأصل في الماضي أن يكون إخباراً، لا إنشاءً، وإنّما التزموا بجعله إنشاء بطريق النقل، وإلاّ فإنّ اللفظ لا يفيده، وإنّما يتعيّن بقرينة خارجة، ومع اقتران القرينة يمكن ذلك في غير صيغة الماضي ) (3) .

____________________

1 - مجمع البيان: ج 3، ص 59.

2 - الجواهر: ج 29، ص 134.

3 - المسالك: كتاب النكاح.

٨١

واستدلّوا على انعقاد الزواج بغير صيغة الماضي، اعتماداً على رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) أنّه سأله عن الزواج المنقطع كيف أتزوّجها وما أقول؟ قال: ( تقول لها: أتزوّجك على كتاب الله، وسُنّة نبيه كذا وكذا، شهراً بكذا وكذا درهماً، فإذا قالت: نعم، فقد رضيَت وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها ) (1) .

والمشهور بين الفقهاء: أنّ الموالاة بين الإيجاب والقبول شرط في انعقاد عقد الزواج، فإذا كان الفاصل بينهما طويلاً فلا يتحقّق العقد، ولكنّ العقد لا يتوقف على الفورية، ولا على اتحاد المجلس، فـ( لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس في عقد الزواج، ولا في غيره من العقود ) (2) ، والواجب في الموالاة هو: بقاء إرادة الموجِب أو الخاطب قائمة إلى حين القبول.

والمشهور أيضاً: أنّ التعليق مُبطل لعقد الزواج، كأن تقول له: ( زوّجتك نفسي إن رضيَ فلان، أو عند رجوع أخي ) مثلاً، بطلَ العقد، ولكنّ جماعة من الفقهاء قالوا بصحة التعليق مطلقاً، بادّعاء أنّ صحّة تعليق المنشأ واضحة في الأحكام الشرعية؛ لأنّ أغلب الأحكام الشرعية - إلاّ ما شذّ - قضايا حقيقية وأحكام مشروطة على تقدير وجود موضوعاتها، ووقوعه بالجملة في العقود والإيقاعات ممّا لا إشكال فيه.

والأصل أن يكون الإيجاب من المخطوبة والقبول من الخاطب، ولكن يجوز تقديم القبول على الإيجاب شهرة؛ ( لأنّ العقد هو الإيجاب والقبول، والترتيب - كيف اتفق - غير مخلّ بالمقصود، ويزيد النكاح على غيره من العقود أنّ الإيجاب من المرأة، وهي تستحي غالباً من الابتداء به، فاغتُفر هنا وإن خولِف في غيره،

____________________

1 - الوسائل: ج 7، ص 197.

2 - الجواهر: ج 29، ص 143.

٨٢

ومن ثمّ ادّعى بعضهم الإجماع على جواز تقديم القبول هنا ) (1) .

و( لو عجزَ أحد المتعاقدين [ عن النطق بلفظ الزواج والنكاح ]، تكلّم كلّ واحد منهما بما يحسنه، ولو عَجزا عن النطق أصلاً، أو أحدهما، اقتصرَ العاجز على الإشارة إلى العقد والإيماء ) (2) .

و ( النكاح يقع على الإجازة، ويكفي في الإجازة سكوت البكر ويُعتبر في الثيّب النطق، وهو المشهور بين الأصحاب؛ والدليل عليه وجوه:

الأول: رواية ابن عباس، أنّ جارية بكراً أتت النبي (ص) فذكرت أنّ أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي (ص) (3) . الثاني: في خبر آخر: أنّ رجلاً زوّج ابنته وهي كارهة فجاءت إلى النبي (ص) فقالت: زوّجَني أبي من ابن أخيه - يريد أن يرفع خسيسته - فجعلَ النبي أمرَها إليها فقالت: أجزتُ ما صنعَ أبي، وإنّما أردتُ أن أُعلِم النساء أن ليس إلى الآباء من أمر النساء شيء (4) ، والمراد في هذين زواج مَن هي بالغة، إذ لو كانت صغيرة لم يتوقف على رضاها.

الثالث: رواية محمد بن مسلم عن الباقر (ع) في رجل زوّجته أمّه وهو غائب، قال: ( النكاح جائز إن شاء المتزوّج قبِلَ وإن شاء تركَ، فإن تركَ المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأمّه (5) ) (6) .

____________________

1 - شرح اللمعة: ج 5، ص 110.

2 - شرائع الإسلام: ج 2، ص 273.

3 - سُنن ابن ماجة: ج 1، ص 603.

4 - سُنن ابن ماجة: ج 1، ص 602.

5 - الكافي: ج 5، ص 401.

6 - التنقيح الرائع: ج 3، ص 33.

٨٣

ولا يصحّ شرط الخيار في الزواج اتفاقاً، دائماً كان أو منقطعاً، فلو افترضنا أنّ الزوج أو الزوجة اشترطا ضمن العقد الفسخ والرجوع عنه في فترة معيّنة فسدَ الشرط؛ لأنّ الزواج لا يقبل الإقالة فلا يقبل الفسخ، والمشهور فساد العقد أيضاً، و ( ليس هناك اختلاف بين الفقهاء في بطلان الشرط، للعلم بأنّ عقد الزواج لا يقبل الخيار؛ لأنّ فيه شائبة العبادة، وفسخهُ محصور بالعيوب المنصوص عليها، ولذا لا تجري فيه الإقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات، فاشتراط الخيار فيه منافٍ لمقتضى العقد المستفاد من الأدلّة الشرعية... ومن هنا كان شرط الخيار مبطلاً للعقد ) (1) .

واتفق الفقهاء أيضاً: على أنّ الإشهاد على الزواج الدائم مستحب وليس بواجب، حيث إنّ المعروف بين الفقهاء عدم وجوب الإشهاد، بل القول بالوجوب شاذ (2) .

ولم يذكر الله تعالى في القرآن الشهادة في النكاح، و ( ذكرَ الشهادة في البيع والدَين مع أنّ الحكم في الشهادة في النكاح أكثر؛ لِما فيها من حفظ النسب وزوال التهم والتوارث وغيره من توابع النكاح، فلو كان الإشهاد فيه شرطاً لمَا أهملهُ الله تعالى في القرآن؛ لأنّه منافٍ للحكمة.

وعن النبي (ص) أنّه لمّا تزوّج بصفيّة أولَمَ بتمر وأقط، فقال الناس: ترى أنّه تزوّج بها أم جعلها أُم ولده؟ ثمّ قالوا: إن حَجبها فهي امرأته ولو كان أشهدَ ما اختلفوا ) (3) ، نعم، ورد نص عن طريق الفريقين أنّه ( لا نكاح إلاّ بولي وشاهدَي عدل ) (4) ، ولكن هذه الرواية الضعيفة ( تصلح سنداً للاستحباب، لا الشرطية ) (5) .

____________________

1 - الجواهر: ج 29، ص 150.

2 - الجواهر: ج 29، ص 29.

3 - تذكرة الفقهاء للمحقق الحلّي: كتاب النكاح.

4 - المغني لابن قدامة: ج 7، ص 9.

5 - شرح اللمعة: ج 5، ص 112.

٨٤

ويشترط في صحة العقد أمور عدّة منها: العقل، البلوغ، والرشد في كلّ من المخطوبة والخاطب، وخلوّ الخاطب والمخطوبة من المحرّمات السببيّة والنسبيّة، ووجوب التعيين، فلا يصح قول الولي مثلاً: ( زوّجتك إحدى هاتين البنتين )؛ لأنّ الأخذ بالأحكام الزوجية لا يتم إلاّ عن طريق التشخيص والتعيين، ووجوب القصد والرضا والاختيار.

وإن حصلَ الإكراه في الزواج ثمّ ارتفعَ وحصل الرضا كفى ذلك في الصحّة، وإذا عقدَ السكران فقد ( عرفتَ أنّ شرط صحّة العقد القصد إليه، فالسكران الذي بلغَ به السكر حدّاً زالَ عقله معه وارتفع قصده، يكون زواجه باطلاً كغيره من العقود، سواء في ذلك الذكر والأنثى، هذا هو الأقوى على ما تقتضيه القواعد الشرعية، ومتى كان العقد باطلاً فلا تنفعه إجازته بعد الإفاقة؛ لأنّ الإجازة لا تصحّح ما وقعَ باطلاً من أصله ) (1) .

ووردَ أنّه لا يُشترط التفتيش حين التزويج عن كون المرأة ذات بعل أم لا؛ لسببين:

الأول: أصالة الصحة في فعل المسلم. والثاني: الروايات التي عمل بها الفقهاء.

ومنها سؤال أحدهم الإمام جعفر بن محمد (ع): ( ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول: ألكِ زوج؟ فتقول: لا، فأتزوّجها؟ قال (ع): ( نعم، هي المصدّقة على نفسها ) ) (2) .

وفي رواية أخرى، سَأل عمر بن حنظلة، قال: ( إنّي تزوّجت امرأة فسألتُ عنها، فقيل فيها؟ فقال (ع):

____________________

1 - المسالك: كتاب النكاح.

2 - الكافي: ج 2، ص 25.

٨٥

( وأنت لم سألتَ أيضاً؟ ليس عليكم التفتيش ) (1) .

أمّا الشروط التي يشترطها الزوج أو الزوجة ضمن العقد فهي على ثلاثة أقسام: شروط صحيحة لا تفسخ العقد، وشروط تُبطل العقد، وشروط باطلة ولكنّها لا تُفسد العقد.

فالقسم الأول، وهي الشروط الصحيحة: هي التي يترتّب عليها الإلزام وصحة العقد، ويثبت خيار الفسخ مع تخلّفه، كأن يشترط أحدهما توفر صفة معيّنة في الآخر: كالبكورة دون الثيّب، أو التديّن دون التحلّل، فيصحّ الشرط ويلزم العقد مع تحقّقه. وقد ورد في الروايات أنّ الإمام (ع) قد سُئِلَ عن رجل تزوّج امرأة فقال لها: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك؟ قال (ع): ( تَفسخ النكاح ) (2) .

وكذلك إذا اشترطت عليه أن يترك نوعاً خاصاً من الاستمتاع كالجماع فقط، وله دون ذلك ما يشاء، كما ورد في الروايات أنّ الإمام الصادق (ع) سُئِلَ عن امرأة قالت لرجل: أُزوّجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من التماس، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلاّ أنّك لا تُدخل فرجك في فرجي وتتلذّذ بما شئت، فإنّي أخاف الفضيحة؟ قال (ع): ( ليس له منها إلاّ ما اشتُرِط ) (3) ، وإذا أذِنت بعد ذلك بالوطء جاز؛ لأنّ ( الشرط كالمانع، ومع فرض الإذن يزول المانع فيبقى المقتضى على مقتضاه [ وهو عقد الزواج ]، بل لو عصى وخالفَ الشرط لم يكن زانياً، ويُلحق به الولد، كما هو واضح ) (4) .

وكذلك إذا اشترطَ أن يُسكنها في بلد معيّن وجبَ الوفاء بالشرط؛ لعموم ( المؤمنون عند شروطهم ).

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 79.

2 - الجواهر: ج 30، ص 112.

3 - التهذيب: ج 2، ص 191.

4 - الجواهر: ج 30 كتاب النكاح.

٨٦

وقد وردَ أيضاً في الحديث عن أبي عبد الله (ع) أنّه سُئِلَ في الرجل يتزوّج المرأة، ويشترط أن لا يخرجها من بلدها؟ قال: ( يفي لها بذلك ) (1) ، وإنّ علياً (ع) كان يقول: ( مَن شرط لامرأته شرطاً فليفِ لها به؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حرّم حلالاً، أو أحلّ حراماً ) (2) .

أمّا القسم الثاني، فهي الشروط التي تُبطل العقد: ومنها أن يشترط أحدهما فسخ الزواج والرجوع عنه لمدّة ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر، فحينئذٍ يفسد الشرط والعقد؛ لأنّ الزواج لا يقبل الإقالة، فلا يقبل الفسخ أيضاً، وهذا هو المشهور.

والقسم الثالث، وهي الشروط التي لا تفسخ العقد ولكنّها باطلة في نفسها، ومنها : أن يكون الشرط منافياً لمقتضى العقد وطبيعته، فتشترط عليه مثلاً أن لا يقترب منها ولا يمسّها إطلاقاً، فيبطل الشرط ويصحّ العقد.

ومنها: أن يشترط لها على نفسه إن سلّمها المهر كاملاً في فترة معيّنة فهي زوجته، وإن أخلفَ فلا يتحقّق الزواج، فيصحّ العقد والمهر، ويبطل الشرط ولا خيار لها؛ حيث إنّ تخلّف الشرط أو تعذّره لا يوجب الخيار في الحالة الزوجية، عِلماً بأنّ هذا الحكم يخالف سائر العقود التجارية؛ لسببٍ واضح وهو: أنّ المرأة في الشريعة ليست سلعة تجارية، كما يروّج ذلك أعداء النظرية الدينية.

حيث وردَ في الرواية أنّ الإمام الصادق (ع) سُئِلَ عن رجل تزوّج امرأة إلى أجلٍ مسمى، فإن جاء بصداقها إلى الأجل فهي امرأته، وإن لم يأتِ بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل، ذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه؟ فقضى

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 28.

2 - التهذيب: ج 2، ص 220.

٨٧

(ع) للرجل: ( إنّ بيده بضع امرأته وأحبطَ شرطهم ) (1) .

ومنها: أن يكون الشرط مخالفاً للشرع، حيث تشترط عليه مثلاً: أن لا يتزوّج عليها، أو أن لا يطلّقها، أو لا يمدّ يد العون إلى أبويه، فيصحّ العقد، ويبطل الشرط اتفاقاً، لقوله: ( مَن اشترط شرطاً سوى كتاب الله، فلا يجوز له ولا عليه ).

ودليل آخر: الرواية الواردة عن الإمام الصادق (ع) فيما يخص رجلاً تزوّج امرأة وأصدَقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق، فقال (ع): ( خالفت السنّة، ووليت حقّاً ليست بأهله )، فقضى ( أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنّة ) (2) .

وعلى صعيد ثان: لو ادّعى رجل زوجية امرأة فأنكرت، أو ادّعت امرأة بزوجيتها لرجل فأنكرَ الزوجية، فعلى المدّعي البيّنة، وعلى المُنكِر اليمين، و ( لو أوقعَ الرجل المنكِر صورة الطلاق، كأن يقول: إن كانت زوجتي فهي طالق، فالظاهر انتفاء الزوجية عنها، وجاز لها التزويج بغيره، لا بأبيه وابنه مطلقاً، لاعترافها بما يوجب حرمة المصاهرة ) (3) .

و( إذا ادّعى أحدهما [ أي الزوج أو الزوجة ] الزوجية وأنكرَ الآخر، فتجري عليهما قواعد الدعوى، فإن كان للمدّعي بيّنة، وإلاّ فيحلف المنكِر أو يرد اليمين فيحلف المدّعي ويُحكم له بالزوجية، وعلى المنكِر ترتيب آثاره في الظاهر، ولو رجعَ المنكِر إلى الإقرار هل يُسمع منه ويُحكم بالزوجية بينهما؟ الأقوى السماع إذا اظهرَ عذراً لإنكاره، ولم يكن مُتهماً، وإن كان بعد الحلف ) (4) .

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 28.

2 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 136.

3 - الجواهر: كتاب الطلاق.

4 - العروة الوثقى: ج 2، ص 693.

٨٨

ولا شك أنّ المعاشرة بين فردين في سكن واحد، كما يسكن الزوج وزوجته، لا يُثبت الزوجية ما لم ينشئ عقد الزواج؛ لأنّ الفقهاء قالوا: إنْ تعارضَ الظاهر مع الأصل يُقدّم الأصل، ولا يؤخذ بالظاهر إلاّ مع الاطمئنان أو قيام الدليل.

والأصل هنا عدم حصول الزواج، وكل حادث يُشك في وجوده فالأصل عدمه، حتى يقام الدليل عليه، ومع ذلك، فقد رجّح بعض الفقهاء - كالعلاّمة الحلّي في شرائع الإسلام - كون المعاشرة تكشف بظاهرها عن الزواج، ولذلك فإنّه يُحكم بثبوت الزواج في المثال السابق.

أمّا الأبناء، فإنّ حَملهم على الصحّة يستلزم الحكم على كونهم ولِدوا بطريق شرعي، فإذا كانت المعاشرة نتيجة زواج أو شبهة زواج، فإنّ الأبناء تترتّب عليهم في كلا الحالتين جميع الآثار الشرعية في الولاية، والوصاية، والنفقة، والإرث.

٨٩

المحرّماتُ في الشريعة الإسلامية

ولمّا كان الأصل في الزواج المتعة الجسدية وإنجاب الأطفال، أصبحت قضية اختيار الشريك للمضاجعة من أهم القضايا التي تهم النظام الاجتماعي بجميع أفراده، وعلى كل المستويات.

ولا شك أنّ الإنسان - مهما كانت درجة التزامه بالأحكام الشرعية - يدرك أهمية المحرّمات النسبية والسببية في الزواج، فيضع بشكل طبيعي حاجزاً نفسياً لا شعورياً أمامها، وبكلمة، فإنّ قضية المحرّمات النسبية والسببية هي قضية فطرية أكثر ممّا هي قضية فلسفية أو منطقية، ولذلك كان تأكيد الدِين عليها.

وعلى ضوء ما سبق، فقد اشترطت الشريعة أن يكون الفرد مؤهّلاً للزواج حتى يصح العقد منه، ومثال ذلك: أنّ المرأة أو الرجل المراد تزويجه أو تزويجها يجب أن يكونا فردين صالحَين للعقد، وجامعَين للشروط: كالعقل، والبلوغ، والرشد، وخاليين من الموانع النسبية والسببية.

وما يمنع الفرد من الزواج بسبب المحرّمات النسبية، هو سبعة أصناف:

1 - الأم، ويدخل معها الجدّات من جهة الأم.

2 - البنات، ويدخل معهنّ بنات الابن، وبنات البنت وإن نزلنَ.

3 - الأخوات للأب أو للأم، أو لهما معاً.

4 - العمّات، وتشمل عمّات الآباء والأجداد.

5 - الخالات، وتشمل خالات الآباء والأجداد.

6 - بنات الأخ وإن نزلنَ.

7 - بنات الأخت وإن نزلنَ.

٩٠

والأصل في التحريم قوله تعالى: ( وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) (1) .

و ( إذا خاطب تعالى المكلّفين بلفظ الجمع، كقوله: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ) ثمّ أضاف المحرّمات بعده إليهم بلفظ الجمع، فالآحاد يقع بإزاء الآحاد، فكأنّه قال: حُرّم على كلّ واحد منكم نكاح أمّه ومَن يقع عليها اسم الأم، ونكاح ابنته ومَن يقع عليها اسم البنت، وكذلك الجميع، وهؤلاء السبع هي المحرّمات بالنسب، وقد صحّ عن ابن عباس أنّه قال: حرّم الله من النساء سبعاً بالنسب، وتلا الآية ) (2) .

أمّا المحرّمات السببية، وهي المذكورة في الآية الشريفة السابقة: ( وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ... ) (3) وبقيّة النصوص الشرعية، فهي ثمانية أصناف:

____________________

1 - النساء: 22 - 24.

2 - مجمع البيان: ج 3، ص 61.

3 - النساء: 23.

٩١

1 - ما يحرم من آثار المصاهرة.

2 - ما يحرم من آثار الزنا.

3 - الدخول بالمعتدّة والمتزوّجة.

4 - الجمع بين الأختين.

5 - الزواج بأكثر من أربع حرائر.

6 - الملاعنة.

7 - التطليقة الثالثة.

8 - الارتداد الفطري أو الملّي عن الإسلام.

فالمصاهرة: عملية تستهدف صهر العلاقات الاجتماعية وإنشاء علاقات جديدة على ضوء عملية التزويج، حيث يترتب عليها بسبب العلاقة الجديدة تحريم لبعض أقارب الزوج أو الزوجة، فتحرم زوجة الأب على الابن وإن نزلَ تحريماً مؤبّداً بمجرّد العقد - نصّاً وإجماعاً -؛ لقوله تعالى: ( وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ ) (1) .

وتحرم زوجة الابن على الأب وإن عَلا تحريماً مؤبّداً بمجرّد العقد؛ لقوله تعالى: ( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ) (2) ، وتحرم أمّ الزوجة وإن عَلت على زوج ابنتها تحريماً مؤبّداً، ولكنّه اختُلف هل أنّ التحريم يقع بمجرّد العقد أو بالدخول، وقيل: ( فيه روايتان: أشهرهما رواية وفتوى أنّها تحرم بمجرّد العقد،

____________________

1 - النساء: 23.

2 - النساء: 23.

٩٢

بل في كتاب الغُنية وكتاب الناصريات الإجماع على ذلك؛ لعموم قوله تعالى: ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ ) (1) ، وللأخبار وللاحتياط ) (2) .

وتحرم بنت الزوجة إذا دخل بالأم؛ لقوله تعالى: ( وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (3) ، ولا تحرم بمجرّد العقد، فيجوز للزوج إن طلّقَ الأم قبل الدخول العقد على ابنتها، بالإجماع.

ويترتّب على الزنا آثار شرعية أيضاً، منها: إنّ الزنا قبل العقد يوجب تحريم المصاهرة، فليس لأبيه ولا لابنه العقد عليها ( وفاقاً للأكثر بل هو المشهور ) (4) ، ولو ( زنى بذات بعل أو في عدّة رجعية، حَرُمت عليه أبداً في قول مشهور ) (5) .

و ( إذا زنى بها وهي خليّة [ غير متزوّجة ] لم يحرم عليه زواجها، وإن لم تتُب، وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة، بل عن كتاب الخلاف الإجماع عليه للعمومات التي منها أنّ الحرام لا يُحرّم الحلال، وخصوص صحيح الحَلبي عن أبي عبد الله (ع): أيّما رجل فجرَ بامرأة، ثمّ بَدا له أن يتزوّجها حلالاً [ جاز ] قال: ( أوّلهُ سفاح وآخره نكاح، ومَثَله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً، ثمّ اشتراها بعد ذلك، فكانت حلالاً ) (6) .

ويفسد العقد إذا عقدَ الفرد على امرأة معتدّة من: وفاة، أو طلاق بائن، أو رجعي، أو شُبهة، سواء كان عالماً بالحُكم والموضوع أو جاهلاً بهما، وإذا دخلَ بها وهي في العدّة وهو عالم بذلك، فإنّها تحرم عليه مؤبّداً (7) .

____________________

1 - النساء: 23.

2 - الجواهر: ج29، ص 366.

3 - النساء: 23.

4 - الجواهر: ج 29، ص 366.

5 - شرائع الإسلام: ج 2، ص 292.

6 - الجواهر: ج 29، ص 439.

7 - الانتصار للسيد المرتضى: ص 28.

٩٣

أمّا إذا كان جاهلاً بأنّها في العقد، أو جاهلاً بأنّه يحرُم عليه ذلك، وتزوّجها ولكن لم يدخل بها، فإنّها لا تحرم عليه مؤبّداً، بل يستطيع أن يستأنف العقد بعد انتهاء العدّة )، بلا خلاف أجدهُ في شيء من ذلك، بل الإجماع عليه، وهو الحجّة بعد الروايات المعتبرة المستفيضة.

قال الصادق (ع): ( الذي يتزوج المرأة في عدّتها وهو يعلم، لا تحلّ له أبداً...)، وقال أيضاً: ( إذا تزوج الرجل المرأة في عدّتها ودخل بها، لم تحلّ له أبداً عالماً كان أو جاهلاً، وإن لم يدخل بها حلّت للجاهل، ولم تحلّ للآخر ) (1) ، وينطبق نفس الحكم على المتزوجة من باب مفهوم الموافقة، فيثبت التحريم مؤبّداً.

ويحرم الجمع بين الأختين المتولّدتين من أب وأمّ، أو لأحدهما؛ كتاباً وسنّة وإجماعاً، وقوله تعالى: ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ ) (2) ظاهر، وإذا فارقَ الأخت بطلاق أو موت، جاز العقد على أختها بعد زوال المانع من عدّة وغيرها.

ويجوز للرجل الجمع بين أربع نسوة اتفاقاً، شريطة عدم مجانبة العدل لقوله تعالى: ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) (3) ، والرواية الواردة عن الإمام الصادق (ع): ( لا يحلّ لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام ) (4) .

وعلى صعيد الخلافات الزوجية، تحرم الزوجة على زوجها في بعض الوقائع، ومثالها: إذا ادّعى الزوج أنّ زوجته قد زنت وادّعى المشاهدة ولكنّه

____________________

1 - الجواهر: ج29، ص 450.

2 - النساء: 23.

3 - النساء: 3.

4 - مجمع البيان: ج 2، ص 6.

٩٤

لم يتمكن من إثبات البيّنة، وكانت زوجته معاقة بالخرس أو الصمم مثلاً، حيث لم تتمكن من الكلام أو السمع ولم تستطع الدفاع عن نفسها، فإنّها حينئذ تحرم عليه مؤبّداً، و ( لا يسقط الحدّ بتحريمها عليه، بل يُجمع بينهما إن ثبتَ القذف عند الحاكم، وإلاّ حرُمت بينه وبين الله تعالى، وبقيَ الحدّ في ذمّته على ما دلّت عليه رواية أبي بصير التي هي الأصل في الحكم ) (1) .

وتحرم الزوجة على الزوج عموماً إذا قذفها بالزنا ولم يتمكن من تقديم البيّنة، فيجوز له حينئذ أن يلاعنها، وإذا تمّت المُلاعنة فإنّها تحرم عليه تحريماً مؤبّداً.

وعلى صعيد الطلاق، فإذا طلّق الرجل زوجته ثلاث مرّات بينهما رجعتان، تحرم عليه بعد انتهاء عدّة الطلاق الثالث، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره، وإذا فارقها الزوج الثاني بموت أو طلاق وانتهت عدّتها، جاز للزوج الأول أن يعقد عليها ثانية، فإذا عاد وطلّقها ثالثاً حرُمت عليه حتى تنكح زوجاً آخر، وهكذا.

والأصل في ذلك قوله تعالى: ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ.. ) (2) ، وقوله: ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (3) ، ويقع التحريم المؤبّد عند فقهاء الإمامية في طلاق العدّة، وهي حالة استثنائية تتم بإكمال تسع تطليقات في العدّة بينها زوجان من رجل آخر.

وطلاق العدّة هو: ( أن يطلّق على الشرائط، ثمّ يُراجع في العدّة ويطأ، ثمّ يطلّق في طهرٍ آخر، ثمّ يراجع في العدّة

____________________

1 - شرح اللمعة الدمشقية: ج 5، ص 224.

2 - البقرة: 229.

3 - البقرة: 230.

٩٥

ويطأ، ثمّ يطلّق الثالثة فينكحها بعد عدّتها زوجاً آخر، ثمّ يفارقها بعد أن يطأها فيتزوجها الأول بعد العدةّ، ويفعل كما فعل أولاً إلى أن يكمل لها تسعاً كذلك، ينكحها رجلاً بعد الثالثة والسادسة فإنّها تحرم أبداً ) (1) ، وقد وردَ ( الإجماع على ذلك ) (2) .

واختلف الفقهاء في وحدة دين الأسرة، فهل يجوز للمسلم الزواج من أهل الكتاب أم لا؟ وقد تراوحت الأقوال بين عدم الجواز مطلقاً إلى الجواز مطلقاً على كراهية، واستدلّ الذين قالوا بكراهية الزواج من أهل الكتاب وليس التحريم: أنّ الأدلّة الدالّة على إباحة الزواج عموماً خرجَ منها زواج المسلم بالمشركة، والمسلمة بالمشرك الكتابي فقط، وقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) (3) ظاهر في حلّية الزواج من أهل الكتاب زواجاً دائماً ومؤقّتاً ومِلك اليمين، والمراد بالمحصنات هنا العفيفات.

وقوله تعالى: ( وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) (4) خاص بالمشركات وهنّ غير الكتابيات.

واستدلّوا أيضاً بالروايات المستفيضة عن أهل البيت (ع)، ومنها: أنّ رجلاً سأل الإمام جعفر بن محمد (ع) عن رجلٍ مؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية؟ فقال الإمام (ع): ( إذا أصابَ المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ قال السائل: يكون له فيها الهوى، قال: إن فعلَ فليمنعها من

____________________

1 - شرح اللمعة: ج 5، ص 211.

2 - الجواهر: ج 30، ص 119.

3 - المائدة: 5.

4 - البقرة: 221.

٩٦

شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلَم أنّ عليه في دينه غضاضة ) (1) .

و ( إنّ هذه الرواية أوضح ما في الباب سنداً؛ لأنّ طريقها صحيح، وفيها إشارة إلى كراهية التزويج المذكور، فيمكن حمل النهي الوارد عنه على الكراهة جمعاً بين الروايات ) (2) .

واتفق الفقهاء على حرمة زواج المسلم أو المسلمة بمَن يدين بالديانات الوضعية غير السماوية: كالبوذية، والهندوسية، والسيخية، وغيرها، وكذلك حرمة زواج المسلمة بالرجل الكتابي.

والارتداد عن الإسلام - بقسميه الفطري والملّي - مانع من الزواج أيضاً، فالمرتد الفطري: وهو الذي كان أحد أبويه أو كلاهما مسلماً، أو المرتد الملّي: وهو مَن كان أبواه غير مسلمَين ثمّ دخلَ هو في الإسلام، ثمّ ارتدّ عنه، لا يحلّ زواجه مطلقاً رجلاً كان أم امرأة؛ لأنّ الارتداد ضربٌ من ضروب الكفر الذي لا يُباح التناكح معه.

أمّا أنكحة غير المسلمين فهي كلّها صحيحة، شرط أن تقع على الطريقة التي يعتقدونها في دينهم، وقد ثبت في الروايات المتعلقة بالأحكام عن أهل البيت (ع) أنّه: ( تجوز على أهل كل ذوي دين ما يستحلّون ) (3) ، و ( ألزِموهم بما ألزموا أنفسهم ) (4) ، وحَكمَ فقهاء الإمامية ( بصحّة ما في أيديهم من النكاح وغيره، بمعنى ترتّب الآثار عليه، وإن كان فاسداً عندنا ) (5) .

ويبطل عقد المُحرِم للحج أو العمرة وجوباً أو ندباً، فليس له أن يُزوّج

____________________

1 - الكافي: ج 12، ص 13.

2 - المسالك: كتاب النكاح.

3 - التهذيب: ج 9، ص 322.

4 - الاستبصار: ج 4، ص 148.

5 - الجواهر: كتاب النكاح.

٩٧

أو يتزوّج، كما ورد في صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع): ( ليس للمُحرِم أن يتزوّج ولا يزوَّج وإن تزوّج أو زوِّج محلاً فتزويجه باطل ) (1) ، وإذا كان العاقد عالماً بالتحريم يُفرّق بينهما وتحرم عليه مؤبّداً، وإن كان جاهلاً بالتحريم تحرم عليه مؤقّتاً فإذا أحلاّ جاز له استئناف العقد عليها.

وتُحرّم الشريعة نكاح الشغار؛ للنص الوارد عن رسول الله (ص): ( لا شغار في الإسلام ) (2) ، وهو: أن يزوِّج الرجل ابنته أو أخته ويتزوّج هو ابنة المتزوج أو أخته، ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا وهذا (3) ، بمعنى أن يقول أحد الوليّين للآخر: ( زوِّجني ابنتك حتى أُزوِّجك ابنتي على أن لا مهر بينهما )، ويقبل الآخر، بحيث يكون بضع كل امرأة - نظرياً - مهراً للأخرى.

وهذا النوع من التزويج كان سائداً في العصور الجاهلية للعرب، فلمّا جاء الإسلام حرّم هذا اللون من النكاح الذي يَحرُم المرأة من حقوقها المالية والمعنوية.

____________________

1 - التهذيب: ج 1، ص 541.

2 - معاني الأخبار للصدوق: ص 79.

3 - الكافي: ج 2، ص 15.

٩٨

أحكامُ العقد المنقطع

ولا ريبَ أنّ معالجة المشاكل الاجتماعية الاستثنائية يتطلّب تشريع قوانين استثنائية لحفظ النظام الاجتماعي واستقراره، ففي الحالات التي تعذّر فيها استخدام القاعدة الأصلية في الزواج وهي النكاح الدائم، كان لابدّ للإسلام - بسبب نظرته الرحيمة تجاه إشباع الغريزة الجنسية - من تشريع العقد المنقطع حتى يساهم في حلّ المشاكل الاجتماعية الاستثنائية.

ولا يختلف الفقهاء من كل المذاهب الإسلامية: بأنّ القاعدة الأصلية في الزواج هو العقد الدائم، وما العقد المنقطع إلاّ حلّ لمشكلة اجتماعية استثنائية، ولذلك قيل: إنّ الإسلام إنّما شرّع الزواج المنقطع بالأساس لسببين:

الأول: الاستعفاف به لِمن لم يرزقه الله التزويج الدائم.

والثاني: محاربة الرذيلة في المجتمع الإنساني.

وتدلّ على ذلك الروايات المستفيضة المروّية عن أهل البيت (ع)، فقد وردَ عن الإمام الرضا (ع) تصريح عندما سُئل عن المتعة؟ فقال: ( ما أنت وذاك قد أغناكَ الله عنها ) (1) ، وفي حديث آخر: ( هي حلالٌ مباح مطلق لِمن لم يُغنه الله بالتزويج، فليستعفِف بالمُتعة، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباحٌ له إذا غابَ عنها [ أي عن زوجته ] ) (2) .

واختلف فقهاء المسلمين في نَسخها، ولكنّهم اتفقوا جميعاً على أنّ الإسلام شرَّعها في الأصل، وأنّ رسول الله (ص) أباحها، ودليل ذلك قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (3) .

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 43.

2 - الكافي: ج 2، ص 43.

3 - النساء: 24.

٩٩

فقد اتفقوا على أنّ المتعة ( كانت مباحة في ابتداء الإسلام، وروي عن النبي (ص) لمّا قدِم مكة في عمرته تزيّن نساء مكة، فشكا أصحاب الرسول (ص) طول العزوبة، فقال: ( استمتعوا من هذه النساء )، واختلفوا في أنّها نُسخت أم لا؟ فذهبَ السواد الأعظم من الأمّة إلى أنّها صارت منسوخة، وقال السواد منهم: إنّها بقيت مباحة كما كانت، وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين ) (1) .

وقد وردت روايات من كِلا الفريقين بما يؤيّد ذلك، فقد وردَ عن ابن أبي جمرة قال: ( سمعت ابن عبّاس سُئل عن متعة النساء فرخّصَ، فقال له مولىً له: إنّما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلّة أو نحوه؟ فقال ابن عباس: نعم.

وعن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في حبيس، فأتانا رسولُ رسول لله (ص) فقال: ( إنّه قد أُذِن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا )، وقال ابن أبي ذئب: حدّثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن رسول الله (ص): ( أيّما رجل وامرأة توافقا فعِشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا ) (2) .

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرجَ منادي رسول الله (ص) فقال: ( إنّ رسول الله (ص) قد أذِن لكم فتمتّعوا - يعني نكاح المتعة - ) (3) .

وورد عنه أيضاً قوله: ( استمتعنا على عهد رسول الله (ص)، وأبي بكر، وعمر، وكنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأيام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ) (4) ، وذهب علماء السُنّة إلى نَسخها، وحرمتها بعد الإذن بها.

____________________

1 - التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 10، ص 49.

2 - صحيح البخاري: ج 7، ص 16.

3 - وسائل الشيعة: ج 14، ص 440.

4 - صحيح مسلم: ج 4، ص 131.

١٠٠