شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80158
تحميل: 4644

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80158 / تحميل: 4644
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شيعة هم اهل السنّة

الدكتور محمد التيجاني السماوي

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمان الرحيم، قاهر الجبارين والمتكبرين ناصر المظلومين والمستضعفين، المتفضل على عباده أجمعين من المؤمنين والكافرين والمشركين والملحدين، المنعم علي خلقه كلهم بالهداية والرعاية والتكريم، فقال جل علا:( وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (الإسراء: ٧٠ ).

والحمد لله الذي اسجد لنا ملائكته المقربين ومن أبى أصبح من الملاعين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله الذي عبد لنا الطريق ومهد لنا السبيل لنصل بعنايته وتحت ظل عبادته إلى مراتب الكمال العلية، وأنار لنا الظلام وأوضح لنا الحقيقة بالحجج القوية والبراهين الجلية، وأرسل لنا رسلا منا تتلو علينا آياته وتخرجنا من الظلمات إلى النور وتنقذنا من الضلالة العمية وجعل لنا العقل إماما قائما نهتدي به كلما شكت حواسنا في أمر مبهم أو قضية.

والصلاة والسلام، والبركات والتحيات على المبعوث رحمة للإنسانية، سيدنا ومولانا وقائدنا محمد بن عبد الله خاتم الرسل وسيد البشرية، صاحب الفضيلة والوسيلة والدرجة الرفيعة، صاحب المقام المحمود واليوم الموعود والشفاعة المقبولة والخلق العظيم وعلى آل بيته الطاهرين الذين أعلى الله مقامهم

٥

وجعلهم أمان الأمة من الهلكة ومنقذي الملة من الضلالة ونجاة المؤمنين من الغرق، المتمسك بحبل ولائهم مؤمن طيب الولادة، والناكب عن صراطهم منافق رديء الولادة محبهم ينتظر الرحمة ومبغضهم ليس له إلا النقمة، لا يصل العبد إلى ربه إلا من طريقهم ولا يدخل إلا من بابهم.

ثم الراضون على شيعتهم ومحبيهم من الصحابة الأولين الذين بايعوهم على نصرة الدين، وثبتوا معهم على العهد وكانوا من الشاكرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

رب أشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل كل من يقرأ كتابي يميل إلى الحق بإذنك، ويترك التعصب بمنك وإحسانك، فإنك أنت الوحيد القادر على ذلك ولا يقدر عليه سواك.

فبعزتك وجلالك وبقدرتك وكمالك، وبمحبك لعبادك افتح بصائر المؤمنين الموحدين الذين آمنوا برسالة حبيبك محمد على الحق الذي لا شك فيه، حتى يهتدوا إليه بفضلك ويعرفوا قيمة الأئمة من آل بيت نبيك، ويتوحدوا لإعلاء كلمة الدين بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة والأخوة الصادقة، فلقد عم الفساد في البر والبحر.

ولولا الصبر الذي خلقته وألهمتنا إياه، لدب اليأس إلى قلوبنا ولأصبحنا من الخاسرين ؛ لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. فاجعلنا اللهم من الصابرين ولا تجعلنا من اليائسين.

اللهم، كن لوليك الحجة ابن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه

٦

الساعة وفي كل ساعة، وليا وحافظا وقائدا وناصرا، ودليلا وعينا، حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا، واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه في طاعتك وسبيلك، إنك أنت السميع العليم.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، للهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

٧

٨

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد.

لقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مداد العلماء أفضل عند الله من دماء الشهداء ).

كان لزاما على كل عالم أو كاتب أن يكتب للناس ما يراه صالحا لهدايتهم وإصلاح ذات بينهم وجمع كلمتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور ؛ لأن الإنسان إذا ما استشهد في سبيل الله وهي دعوة الحق من أجل إقامة العدل، فقد لا يتأثر به إلا الذي حضره، ولكن العالم الذي يعلم الناس ويكتب قد يتأثر بعلمه كثير من القراء من أبناء جيله ويبقى كتابه مناراً للأجيال اللاحقة جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكل شيء تنقصه النفقة إلا العلم فإنه يزكو بالإنفاق.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لئن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس، أو خير لك من الدنيا وما فيها ). فكم من كاتب توفي منذ قرون عديدة وأصبحت عظامه رميما ولكن أفكاره وعلومه بقيت من خلال كتابه الذي قد يطبع مئات المرات عبر الأجيال فستلهم الناس منه الهداية والتوفيق.

وإذا كان الشهيد حيا عند ربه يرزق فكذلك العالم الذي كان سببا في هداية الناس فهو حي عند ربه وعند العباد يذكرونه بأحسن ذكر ويدعون له ويستغفرون.

٩

أما أنا فلست من العلماء ولا أدعي ذلك لنفسي وأعوذ بالله من الأنانية، بل أنا من خدام العلماء والباحثين في فضلاتهم واللاحسين من بقاياهم والمتبعين خطاهم كما يتبع الخادم سيده. ولما ألهمني الله لكتابه « ثم أهتديت » ولقيت تشجيعاً من عديد من القراء والباحثين، ثم أردفته بالكتاب الثاني « لأكون مع الصادقين » والذي لقي هو الآخر قبولاً حسناً، مما شجعني على مواصلة البحث والتنقيب فكتبت الجزء الثالث « فاسألوا أهل الذكر » دفاعاً عن الإسلام وعن نبي الإسلام لإزالة الشبهات التي ألصقت بحضرته المقدسة وكشف المؤامرة التي دبرت ضده وضد أهل بيته الأطهار.

وتلقيت رسائل كثيرة من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي تحمل في طياتها عبارات الود والولاء والمحبة والإخاء، كما دعيت لحضور العديد من المؤتمرات الفكرية في أنحاء العالم والتي تقيمها المؤسسات الإسلامية، فحضرتها في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الجمهورية الإسلامية وفي بريطانيا وفي الهند والباكستان وفي كينيا وغرب إفريقيا والسويد. وكلما التقيت مجموعة من الشباب المثقف ومن رجال الفكر وجدت لديهم إعجابا وتعطشا لمزيد من المعرفة، فيسألون هل من مزيد وهل هناك كتاب جديد ؟

فحمدت الله وشكرته على هذا التوفيق وطلبت منه مزيداً من العناية والهداية، واستعنت به على هذا الكتاب الذي أضعه بين يدي المسلمين الباحثين، والذي يدور في فلك الكتب الثلاثة السابقة عسى أن ينتفع به بعض المثقفين والباحثين عن الحق ليعلموا أن الفرقة المستهدفة والتي تسمى ب- « الشيعة الإمامية » هي الفرقة الناجية، وأنهم - أي الشيعة - هم أهل السنة الحقيقية، وأقصد بالسنة الحقيقية السنة المحمدية التي صدع بها نبي الإسلام بوحي من رب العالمين. فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وسأبين للقراء الكرام بأن

١٠

الاصطلاح الذي اتفق عليه مناوئو الشيعة وخصومهم وتسموا ب « أهل السنة والجماعة » ما هي في الحقيقة إلا سنة مزعومة سموها هم وآباؤهم، ما أنزل الله بها من سلطان والنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها بريء. فكم كذب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكم منعت أحاديثه وأقواله وأفعاله أن تصل إلى المسلمين بحجة الخوف من اختلاطها بكلام الله وهي حجة واهية كبيت العنكبوت، وكم من أحاديث صحيحة أصبحت في سلة المهملات ولا يقام لها وزن ولا يعبأ بها، وكم من أوهام وخزعبلات أصبحت من بعده أحكاماً تنسب إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكم من شخصيات وضيعة يشهد التاريخ بخستها وحقارتها، أصبحت بعده سادة وقادة تقود الأمة ويلتمس لأخطائها الأعذار والتأويلات. وكم من شخصيات رفيعة يشهد التاريخ بسموها وشرف منبتها، أصبحت بعده مهملة لا يعبأ بها ولا يتلفت إليها، بل تكفر وتلعن من أجل مواقفها النبيلة، وكم من أسماء براقة جذابة تخفي وراءها الكفر والضلال، وكم من قبور تزار وأصحابها من أهل النار.

وقد عبر رب العزة والجلالة عن كل ذلك بأحسن تعبير فقال:( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُکَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ‌ * وَ إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَ يُهْلِکَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَ إِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهَادُ ) ( البقرة: ٢٠٧ - ٢٠٦ ).

ولعلي لست مبالغاً إذا عملت بالحكة القائلة: « لو عكست لأصبت » وعلى الباحث المحقق أن لا يأخذ الأشياء على ما هي عليه بأنها من المسلمات، بل عليه أن يعكسها ويشكك فيها في أغلب الأحيان ليصل إلى الحقيقة المطموسة التي لعبت فيها السياسة كل أدوارها، وعليه أن لا يغتر بالمظاهر ولا بكثرة العدد فقد قال تعالى في كتابه العزيز:( وَ إِنْ تُطِعْ أَکْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوکَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ‌ ) ( الأنعام: ١١٦ ).

١١

فقد يلبس الباطل لباس الحق للتمويه والتضليل وقد ينجح في أغلب الأحيان لبساطة عقول الناس أو لحسن ظنهم به وقد ينتصر الباطل أحيانا لوجود أنصار مؤيدين له فما على الحق إلا الصبر وانتظار وعد الله بأن يزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.

وأكبر مثل على ذلك ما حكاه القرآن الكريم في قصة يعقوب وأولاده، إذ( وَ جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْکُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَ تَرَکْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَکَلَهُ الذِّئْبُ وَ مَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَ لَوْ کُنَّا صَادِقِينَ ) ( يوسف: ١٦ - ١٧ ).

وكان من المفروض لو كانوا أهل الصدق أن يقولوا: « وما أنت بمؤمن لنا لأنا كاذبون ». فما كان من سيدنا يعقوب وهو نبي الله يوحي إليه إلا أن استسلم إلى باطلهم واستعان بالله على الصبر الجميل رغم علمه بأنهم كاذبون، قال:( بَلْ سَوَّلَتْ لَکُمْ أَنْفُسُکُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‌ ) ( يوسف: ١٨ ). وماذا عساه أن يفعل أكثر من ذلك، وهو يواجه أحد عشر رجلاً اتفقوا كلهم على كلمة واحدة ومثلوا مسرحية القميص والدم وكلهم يبكون على أخيهم المفقود. فهل يكشف يعقوب كذبهم ويدحض باطلهم ويسارع إلى الجب ليخرج ابنه الصغير الحبيب لقلبه، ثم يعاقبهم على فعلتهم الشنيعة ؟

كلا، إن ذلك فعل الجاهلين الذين لا يهتدون بحكمة الله أما يعقوب فهو نبي يتصرف تصرف الحكماء العلماء وقد قال الله في شأنه:( وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَ لٰکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) ( يوسف: ٦٨ ) فما كان من علمه وحكمته إلا أن تولى عنهم وقال:( يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ کَظِيمٌ ) ( يوسف: ٨٤ ). ولو تصرف يعقوب مع أبنائه كما قدمنا بأن أخرج ابنه من الجب وعنفهم على كذبهم وعاقيهم على جريمتهم لاشتد بغضهم لأخيهم ولوصل بهم الأمر إلى

١٢

اغتيال أبيهم وربما عبروا عن ذلك بقولهم لأبيهم:( تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْکُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَکُونَ حَرَضاً أَوْ تَکُونَ مِنَ الْهَالِکِينَ‌ ) ( يوسف: ٨٥ ).

ومن كل هذا نستنتج بأن السكوت في بعض الأوقات مستحب إذا كان في معارضة الباطل مفسدة أو هلاك أو كان في السكوت عن الحق مصلحة عامة ولو آجلة. ولابد أن يفهم من الحديث النبوي الشريف القائل: « الساكت عن الحق شيطان أخرس » هذا المدلول الذي يتفق مع العقل ومع كتاب الله المجيد. ولو تتبعنا حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لوجدناه يسكت في كثير من الأوقات لمصلحة الإسلام والمسلمين حسبما يروى في الصحاح من السيرة النبوية كصلح الحديبية وغيرها. ورحم الله أمير المؤمنين عليا الذي سكت بعد وفاة ابن عمه بأبي هو وأمي، وقال في ذلك قولته المشهورة: ( وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدج فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتين أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا … ).

ولو لم يسكت أبو الحسن عن حقه في الخلافة، وقدم في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين، لما كان للإسلام بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعيش أبدا على ما رسمه الله ورسوله. وهذه هي الحقيقية التي يجهلها أكثر الناس الذين يحتجون علينا دائماً بصحة خلافة أبي بكر وعمر ؛ لأن علياً سكت عنهما، ويضيفون كما يحلو لهم: « لو كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عين عليا للخلافة بعده لما جاز له أن يسكت عنها ؛ لأنها من حقه والساكت عن الحق شيطان أخرس. هذا ما يقولونه ويرددونه. وهذا لعمري هو الفهم الخاطئ الذي لا يعرف من الحق إلا الذي يتماشى مع ميوله وهواه، ولا يدرك الحكمة التي تتمخض عن ذلك السكوت والمصالح

١٣

الآجلة التي لا تقدر بقيمة إذا ما قيست بالمصلحة العاجلة نتيجة الثورة على الباطل الذي له أنصار ومؤيدون كثيرون. وإذا كان سكوت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية على الحق وقبوله بشروط قريش وباطل المشركين، حتى ثارت ثورة عمر بن الخطاب فقال للرسول: أو لست نبي الله حقا ؟ ! أولسنا على الحق وهم على الباطل ؟ فلماذا نعطي الدنية في ديننا ؟.

أقول: إذا كان سكوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلبيا بنظر عمر بن الخطاب وأغلب الصحابة الذين حضروه، فإن الواقع يثبت بلا شك أنه إيجابي لمصلحة الإسلام والمسلمين وإن لم تكن تلك المصلحة عاجلة فقد ظهرت نتائجه الإيجابية بعد عام واحد عند ما فتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة المكرمة بدون حرب ولا مقاومة ودخل الناس في دين الله أفواجاً عند ذلك استدعى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمر بن الخطاب وأطلعه على نتائج سكوته على الحق والحكمة من وراء ذلك. ونحن إذ نقدم هذه الاستدلالات للتعبير عن الواقع الذي لا مفر منه ألا وهو انتصار الباطل على الحق إذا وجد له أنصار ومؤيدون، فبالرغم من أن عليا مع الحق والحق معه يدور حيث دار إلا أنه لم يجد له أنصاراً ومؤيدون لمقاومة معاوية وباطله، ولأن هذا الأخير وجد أنصاراً كثيرين لمقاومة الحق ودحضه، فالناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم فهم لا يحبون الحق ويميلون مع الباطل فالحق مر وصعب والباطل سهل ميسور. وصدق الله العظيم إذ يقول:( بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَکْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ ) ( المؤمنون: ٧٠ ). وانتصر باطل يزيد على حق الحسين لنفس الأسباب كما انتصر باطل الحكام الأمويين والعباسيين على حق الأئمة من أهل البيت الذين استشهدوا كلهم ساكتين لمصلحة الإسلام والمسلمين. كما غاب الإمام الثاني عشر واختفى خوفا من الباطل وسكت حتى يجد لنصره الحق أعوانا ومؤيدين، عند ذلك يأذن الله له بالخروج لتكون ثورة الحق

١٤

ضد الباطل عالمية، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلما وجوراً وبتعبير آخر يملأها حقا بعد ما ملئت بالباطل. وبما أن أكثر الناس للحق كارهون فهم أنصار الباطل ويبقى في الناس عدد قليل محب للحق فلا ينتصرون على أهل الباطل إلا بإعانة الله لهم عن طريق المعجزات، وذلك ما سجله كتاب الله الكريم في كل المعارك والحروب التي جمعت أهل الحق ضد أهل الباطل( کَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً کَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) ( البقرة: ٢٤٩ ).

فالذين يصبرون على الحق رغم قلة أعوانه ينصرهم الله سبحانه بالمعجزات فيبعث الملائكة المسومين يقاتلون معهم، ولولا تدخل الله مباشرة لما انتصر الحق على الباطل أبداً. وها نحن نعيش اليوم هذه الحقيقة المؤلمة، والمؤمنون الصادقون أنصار الحق مغلوبون على أمرهم ومقهورون مشردون ومنكوبون، بينما أنصار الباطل الذين يكفرون بالله يحكمون ويلعبون بمصير الشعوب وبأرواحهم ولا يمكن للمؤمنين المستضعفين أن ينتصروا في معركتهم ضد الكافرين المستكبرين إلا بإعانة الله تعالى، ولذلك وردت الروايات بأن المعجزات ستظهر بظهور المهديعليه‌السلام . وليست هذه دعوة للركود والانتظار، كيف يضح ذلك وقد قدمت آنفاً بأنه لا يظهر إلا بوجود الأنصار والأعوان، ويكفي المؤمنين الصادقين أن يحملوا فكر الإسلام الصحيح المتمثل في ولاية أهل البيت - أعني بذلك التمسك بالثقلين كتاب الله وعثرة النبي - ليكونوا من أنصار وأعوان المهدي المنتظر ( عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة وأزكى السلام ).

أقول قولي هذا واستغفر الله إن كنت مخطئا على رأي الأكثرية من الناس، ومصيباً على رأي الأقلية منهم، فلا أبالي بلوم الأكثرية ولا أباهي بمدح الأقلية ما دمت أبتغي رضا الله ورسوله ورضا الأئمة من أهل البيتعليهم‌السلام . أما رضا الناس فهو غاية لا تدرك ؛ لأن الناس لا يرضون إلا عما يعجبهم ولا

١٥

يميلون إلا مع أهوائهم، وأهواؤهم شتى( وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ … ) ( المؤمنون: ٧١ ).

وإذا كان أغلب الناس معرضين عن الحق حتى وصل بهم الأمر إلى قتل رسل الله معاندة للحق الذي لا يتماشى مع أهوائهم قال تعالى:( أَ فَکُلَّمَا جَاءَکُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُکُمُ اسْتَکْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً کَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ‌ ) ( البقرة: ٨٧ ).

فلا غضاضة علي إن أهنت أو لعنت على لسان البعض منهم الذين لم يتحملوا الحق الذي صدعت به في كتبي السابقة وقد أعيتهم الحيلة في الرد علي بالحجة والدليل العلمي فلجأوا للسب والشتم كما هي عادة الجاهلين. فلا ولن اخضع للمساومات ولا للترهيب والترغيب وسأكون المدافع بلساني وقلمي عن رسول الله وأهل بيت ( صلوات الله عليهم أجمعين )، عسى أن أحظى لديهم بالقبول فأكون من الفائزين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

محمد التيجاني السماوي التونسي

١٦

التعريف بالشيعة

إذا أردنا الكلام عن الشيعة بدون تعصب ولا تكلف، قلنا: هي الطائفة الإسلامية التي توالي وتقلد الأئمة الاثني عشر من أهل بيت المصطفى عليا وبينه، وترجع إليهم في كل المسائل الفقهية من العبادات والمعاملات، ولا يفضلون عليهم أحد سوى جدهم صاحب الرسالة محمدا ( رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

هذا هو التعريف الحقيقي للشيعة بكل اختصار، ودعك من أقوال المرجفين والمتعصبين من أن الشيعة هم أعداء الإسلام، أو أنهم يعتقدون بنبوة علي وأنه صاحب الرسالة أو أنهم ينتمون إلى عبد الله بن سبأ اليهودي. وقد قرأت كتبا ومقالات عديدة يحاول أصحابها بكل جهودهم تكفير الشيعة وإخراجهم من الملة الإسلامية. ولكن أقوالهم كلها محض افتراء وكذب صريح لم يأتوا عليه بحجة ولا بدليل سوى أنهم يعيدون ما قاله أسلافهم من أعداء أهل البيت، والنواصب الذين تسلطوا على الأمة وحكموها بالقوة والقهر، وتتبعوا عثرة النبي ومن تشيع لهم فقتلوهم وشردوهم ونبزوهم بكل الألقاب. ومن هذه الألقاب التي تتردد كثيرا في كتب أعداء الشيعة لقب الرافضة، أو الروافض. فيخيل للقارئ لأول وهلة أن هؤلاء رفضوا قواعد الإسلام ولم يعملوا بها، أو أنهم رفضوا رسالة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقبلوا بها.

____________________

(١) ونقصد بالشيعة هنا، ( الإمامية الاثني عشرية ) والمسماة أيضاً بالجعفرية نسبة للإمام جعفر الصادق، ولا يتعلق بحثنا بالفرق الأخرى كالإسماعيلية والزيدية ولا يهمنا من أمر هؤلاء ما دمنا نعتقد بأنهم كسائر الفرق الأخرى التي لم تتمسك بحديث الثقلين، ولا ينفع اعتقادهم بإمامة علي بعد رسول الله مباشرة.

١٧

ولكن الواقع على غير هذا، إنما لقبوا بالروافض لأن الحكام الأولين من بني أمية وبني العباس ومن يتزلف إليهم من علماء السوء أرادوا تشويههم بهاذ اللقب ؛ لأن الشيعة والوا عليا ورفضوا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان أولا، كما رفضوا خلافة كل الحكام من بني أمية وبني العباس ولم يقبلوا بها ثانيا. ولعل هؤلاء كانوا يموهون على الأمة بإعانة بعض الوضاعين من الصحابة بأن خلافتهم شرعية ؛ لأنها بأمر الله سبحانه، فكانوا يروجون بأن قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْکُمْ ) ( النساء: ٥٩ ) تخصهم ونازلة في حقهم، فهم أولو الأمر الواجبة طاعتهم على كل المسلمين، وقد استأجروا من يروي لهم كذبا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول: « ليس أحد خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية» فليس من حق أي مسلم أن يخرج عن طاعة السلطان.

وبهذا نفهم بأن الشيعة إنما استهدفوا من قبل الحكام لأنهم رفضوا بيعتهم ولم يقبلوا بها واعتبروها اغتصابا لحق أهل البيت، فكان الحكام وعلى مر العصور يوهمون العامة بأن الشيعة رافضون للإسلام بل يريدون هدمه والقضاء عليه، كما عبر عن ذلك بعض الكتاب والمؤرخين ممن يدعي العلم من السابقين واللاحقين. وإذا رجعنا إلى لعبة تلبيس الحق بالباطل فسندرك بأن هناك فرقا بين من يريد هدم الإسلام وبين من يريد هدم الحكومة الجائرة الفاسقة التي تعمل ضد الإسلام.

فالشيعة لم يخرجوا على الإسلام، إنما خرجوا على الحكام الجائرين وهدفهم إرجاع الحق إلى أهله لإقامة قواعد الإسلام بالحاكم العادل. وعلى كل حال فالذي عرفناه خلال البحوث السابقة من كتاب « ثم اهتديت » و « مع الصادقين » و « أهل الذكر » أن الشيعة هم الفرقة الناجية ؛ لأنهم تمسكوا بالثقلين كتاب الله وعترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا أنصفنا المنصفين، فإن البعض من علماء « أهل السنة » يعترف بهذه الحقيقة، فقد قال ابن منظور في كتابه « لسان العرب » في تعريف الشيعة.

١٨

« والشيعة هم قوم يهوون هوى عثرة النبي ويوالونهم » كما يقول الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور بعد استعراض هذا المقطع من الكتاب المذكور: « وإذا كان الشيعة هم الذين يهوون هوى عثرة النبي ويوالونهم فمن من المسلمين يرفض أن يكون شيعيا ؟ ! ».

هذا وقد ولى عصر التعصب والعداوة الوراثية، وأقبل عهد النور والحرية الفكرية، فعلى الشباب المثقف أن يفتح عينيه، وعليه أن يقرأ كتب الشيعة ويتصل بهم ويتكلم مع علمائهم كي يعرف الحق من بابه، فكم خدعنا بالكلام المعسول وبالأراجيف التي لا تثبت أمام الحجة والدليل. والعالم اليوم في متناول الجميع، والشيعة موجودون في كل بقاع الدنيا من هذه الأرض، وليس من الحق أن يسأل الباحث عن الشيعة أعداء الشيعة وخصومهم الذين يخالفونهم في العقيدة، وماذا ينتظر السائل من هؤلاء أن يقولوا في خصومهم منذ بداية التاريخ ؟

فليست الشيعة فرقة سرية لا تطلع على عقائدها إلا من ينتمي إليها، بل كتبها وعقائدها منشورة في العالم، ومدارسها وحوزاتها العلمية مفتوحة لكل طلاب العلم، وعلماؤهم يقيمون الندوات والمحاضرات والمناظرات والمؤتمرات، ويندون إلى كلمة سواء وإلى توحيد الأمة الإسلامية.

وأنا على يقين بأن المنصفين من الأمة الإسلامية إذا ما بحثوا في الموضوع بجد سوف يستبصرون إلى الحق الذي ليس بعده إلا الضلال ؛ لأن مانعهم من الوصول هو فقط وسائل الدعاية المغرضة والإشاعة الكاذبة من أعداء الشيعة أو تصرف خاطئ من بعض عوام الشيعة(١) .

ويكفي في أغلب الأحيان أن تزاح شبهة واحدة أو تنمحي خرافة باطلة حتى ترى من كان عدوا للشيعة يصبح منهم.

____________________

(١) ستعرف في آخر الكتاب بأن أعمال بعض العوام من الشيعة ينفر الشباب المثقف من أهل السنة ولا يشجعهم على مواصلة البحث للوصول إلى الحقيقة.

١٩

ويحضرني في هذا الصدد قصة الشامي الذي ضللته وسائل الإعلام في ذلك العهد، عندما دخل المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجد رجلاً يركب فرسه عليه هيبة ووقار، وحوله كوكبة من أصحابه يحوطونه من كل جانب وهم طوع إشارته.

استعرب الشامي وتعجب أن يكون في الدنيا رجل له من الهالة والتعظيم أكثر من معاوية في الشام فسأل عن الرجل، فقيل له: إنه الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: هذا هو ابن أبي تراب الخارجي ؟ ثم أولغ سبا وشتما في الحسن وأبيه وأهل بيته. وشهر أصحاب الحسن سيوفهم كل يريد قتله، ومنعهم الإمام الحسن ونزل عن جواده فرحب به ولاطفه قائلا له:( يبدو أنك غريب عن هذه الديار يا أخا العرب ؟ ) قال الشامي: نعم، أنا من الشام، من شيعة أمير المؤمنين وسيد المسلمين معاوية بن أبي سفيان، فرحب به الإمام من جديد وقال له: ( أنت من ضيوفي ) وامتنع الشامي ولكن الحسن لم يتركه حتى قبل النزول عنده وبقي الإمام يخدمه بنفسه طيلة أيام الضيافة ويلاطفه، فلما كان اليوم الرابع بدا على الشامي الندم والتوبة مما صدر منه تجاه الحسن بن علي وكيف يسبه ويشتمه فيقابله بالإحسان والعفو وحسن الضيافة، فطلب من الحسن ورجاه أن يسامحه على ما صدر منه وكان بينهما الحوار التالي بمحضر من أصحاب الحسن:

الحسن: ( أقرأت القرآن يا أخا العرب ؟ )

الشامي: أنا أحفظ القرآن كله.

الحسن: ( هل تعرف من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم ؟ )

الشامي: إنهم معاوية وآل أبي سفيان.

استغرب الحاضرون وتعجبوا وابتسم له الحسن قائلا: ( أنا الحسن بن علي وأبي

٢٠