شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80224
تحميل: 4645

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80224 / تحميل: 4645
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أخرج البيهقي في سننه الكبرى عن عبد الرحمان بن يزيد قال: كنا مع عبد الله بن مسعود فلما دخل مسجد منى، قال: كم صلى أمير المؤمنين ( يعني عثمان ) قالوا: أربعاً، فصلى أربعاً، قال: فقلنا: ألم تحدثنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى ركعتين وأبا بكر صلى ركعتين ؟

فقال: بلى وأنا أحدثكموه الآن، ولكن عثمان كان إماماً فما أخالفه والخلاف شر(١) .

إقرأ واعجب من هذا الصحابي وهو من أكابرهم عبد الله بن مسعود، إذ يرى في خلاف عثمان شراً، ويرى في خلاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل الخير.

أفبعد هذا يقال: إنهم أنكروا عليه عندما ترك السنة النبوية ؟

وروى سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد قال:

إعتل عثمان وهو بمنى، فأتى علي فقيل له: صل بالناس.

فقال علي: ( إن شئتم، ولكن أصلي لكم صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعني ركعتين ! )

فقالوا: لا إلا صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعاً، فأبى علي أن يصلي بهم(٢) .

اقرأ واعجب من هؤلاء الصحابة وهم ألوف مؤلفة ؛ لأنهم كانوا بمنى في موسم الحج، كيف يرفضون صراحة سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يقبلون إلا بدعة عثمان، وإذا كان عبد الله بن مسعود يرى في خلاف عثمان شراً فيصلي أربعاً رغم أنه يروي عن النبي ركعتين فلعله فعل ذلك تقية خوفاً من هؤلاء الذين يعدون بالآلاف، والذين لا يقبلون إلا ما فعله عثمان ضاربين بالسنة النبوية عرض الجدار.

ولا تنس بعد كل هذا أن تصلي وتسلم على النبي وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي رفض أن يصلي بهم إلا صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أراد بذلك

____________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ١٤٤.

(٢) المحلى لابن حزم ج ٤ ص ٢٧٠.

١٨١

إحياء السنة النبوية التي خالفوها، ولم يخش علي في ذلك لومة لائم، ولا خاف من جموعهم ومؤامراتهم. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن عبد الله بن عمر قال: الصلاة في السفر ركعتان من خالف السنة فقد كفر(١) . وبهذا فقد كفر عبد الله بن عمر الخليفة عثمان وكل الصحابة الذين تابعوه على بدعة إمام الصلاة في السفر، ومع ذلك فلنا عودة مع الفقيه عبد الله بن عمر لنحكم عليه بما حكم به على غيره.

كما أخرج البخاري في صحيحه قال: سمعت عثمان علياً ( رضي الله عنهما ) بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً قائلاً: ( لبيك عمرة وحجة معاً ). فقال عثمان: تراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت ؟ فقال علي: ( لم أكن لأدع سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد من الناس )(٢) . ألا تعجب من خليفة المسلمين الذي يخالف صريح السنة ولا يكتفي بذلك حتى ينهى الناس عنها فلا ينكر عليه أحد منهم إلا علي بن أبي طالب الذي لم يكن يدع سنة رسول الله ولو قتل دون ذلك. فقل لي بربك، هل تجد في أصحاب محمد من يمثل السنة النبوية بحق وحقيقة غير أبي الحسن عليعليه‌السلام . ورغم سطوة الحاكم وشدته ورغم تأييد الصحابة له، فإن علياً لم يترك السنة أبداً، وهذه كتبهم وصحاجهم تشهد على صدق ما ذهبنا إليه من أنه (سلام الله عليه ) قد حول بكل جهوده إحياء السنة النبوية، وإرجاع الناس إلى احضانها، ولكن لا رأي لمن لا يطاع، كما قال هو بنفسه. فلم يكن في ذلك العصر من يطيعه ويعمل بأقواله غير الشيعة الذين والوه واتبعوه وانقطعوا إليه في كل شيء.

____________________

(١) البيهقي في سننه ج ٣ ص ١٤٠ وكذلك الطبراني في المعجم الكبير والجصاص في أحكام القرآن ج ٢ ص ٣١٠.

(٢) صحيح البخاري ج ٢ ص ١٥١ باب التمتع والإقران من كتاب الحج.

١٨٢

وبهذا يتبين لنا جلياً بأن الصحابة لم ينكروا على عثمان تغييره للسنة النبوية، فقد عرفنا من صحاحهم كيف أنهم يخالفون سنة النبي ولا يخالفونه في بدعه، ولكنهم ثارت ثائرتهم عليه من أجل الدنيا الدنيئة لكسب المال والجاه والسلطان. وهم الذين حاربوا علياً دون هوادة ؛ لأنه لم يولهم المناصب وطالبهم أن يرجعوا الأموال التي جمعوها بغير حق إلى بيت مال المسلمين ليستيد منها المساكين.

لك الله يا أبا الحسن، يا من حافظت على كتاب ربك وسنة ابن عمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنت إمام المتقين وناصر المستضعفين، وكان شيعتك هم الفائزون، إذ أنهم تمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله بالتفافهم حولك وانقطاعهم إليك.

فهل تصدق أيها القارئ العزيز والباحث اللبيب بعد كل ما مر عليك من أبحاث بأن أتباع عثمان بن عفان هم أهل السنة، واتباع علي هم الروافض وأهل البدع ؟

فاحكم بما أراك الله إن كنت من المنصفين.

( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُکُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَ إِذَا حَکَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُکُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ کَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) ( النساء: ٥٨ ).

صدق الله العلي العظيم

٤ - طلحة بن عبيد الله:

إنه من كبار الصحابة المشهورين، وهو أحد السنة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة وقال فيه بأنه مؤمن الرضا كافر الغضب يوماً إنسان ويوماً شيطان، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة على زعم « أهل السنة والجماعة ». وعندما نبحث عن شخصية هذا الرجل في كتب التاريخ يتبين لنا بأنه من عشاق الدنيا، من الذين غرتهم وجرتهم وراءها فباعوا دينهم من أجلها وخسروا أنفسهم وما ربحت تجارتهم ويوم القيامة يندمون.

١٨٣

هذا طلحة الذي كان يؤذي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله: إن مات رسول الله تزوجت عائشة فهي بنت عمي، فبلغ رسول الله قوله فتأذى من ذلك. ولما نزلت آية الحجاب واحتجب نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال طلحة: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا ؟ فإن حدث به حدث لنزوجهن نساءه من بعده(١) .

ولما تأذى رسول الله من ذلك نزل قول الله تعالى:

( … وَ مَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لاَ أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِکُمْ کَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً ) ( الأحزاب: ٥٣ ).

وهذا طلحة الذي دخل على أبي بكر قبل وفاته عندما كتب عهده بالخلافة لعمر بن الخطاب فقال له: ماذا تقول لربك إذ وليت علينا فظاً غليظاً ؟ فشتمه أبو بكر بكلام بذيء(٢) . ولكننا نجده بعد ذلك يسكت ويرضى بالخليفة الجديد ويصبح من أنصاره، ويعمل على جمع الأموال وكسب العبيد خصوصاً بعد أن طمع في الخلافة، واشرأبت عنقه إليها بعد أن رشحه عمر بن الخطاب لها.

وطلحة، هو الذي خذل الإمام علياً وانجاز في صف عثمان بن عفان لعلمه المسبق بأن الخلافة إذا آلت إلى علي فلا يبقى له فيها مطمع بعد ذلك، وقد قال علي في ذلك: ( فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره، مع هن وهن … ) يقول الشيخ محمد عبده في شرحه: وكان طلحة ميالاً لعثمان لصلات بينهما على ما ذكره بعض رواة الأثر، وقد يكفي في ميله إلى عثمان انحرافه عن علي ؛ لأنه تيمي وقد كان بين بني هاشم وبني تيم مواجد لمكان الخلافة في أبي بكر(٣) .

____________________

(١) تفسير ابن كثير وتفسير القرطبي وتفسر الألوسي وغيرهم كلهم ذكروا ذلك عن تفسر قوله سبحانه: ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده …).

(٢) الإمامة والسياسة لابن قتيبة في باب وفاة أبي برك واستخلافه عمر.

(٣) محمد عبده في شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٨٨ من الخطبة الشقشقية.

١٨٤

لا شك بأن طلحة هو أحد الصحابة الذين حضروا بيعة الغدير وسمعوا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ). ولا شك بأنه سمع رسول الله يقول: ( علي مع الحق والحق مع علي ) وحضر يوم خيبر عندما أعطاه الراية، وقال بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ويعرف أيضاً بأن علياً هو للنبي بمنزلة هارون من موسى، ويعرف الكثير والكثير. ولكن الحقد الدفين والحسد ملأ قلبه فلم يعد يرى إلا التعصب لقبيلته والانحياز إلى ابنة عمه عائشة بنت أبي بكر التي كان يطمع في الزواج منها بعد النبي، ولكن القرآن حال دون ذلك. نعم لقد انضم طلحة إلى عثمان وبايعه بالخلافة ؛ لأنه كان يعطيه الصلات والهبات، ولما اعتلى عثمان منصة الخلافة أغدق على طلحة من أموال المسلمين بدون حساب(١) ، فكثرت أمواله ومواشيه وعبيده حتى بلغت غلته من العراق وحده كل يوم ألف دينار. يقول ابن سعد في طبقاته: لما مات طلحة كانت تركته ثلاثين مليوناً من الدراهم، كان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار، وكان سائرها عروضاً وعقاراً(٢) .

لكل ذلك طغى طلحة وتجبر وبدأ يؤلب على صديقه الحميم عثمان ليطيح به ويأخذ مكانه. ولعل عائشة أم المؤمنين أطمعته في الخلافة ومنته بها ؛ لأنها هي الأخرى عملت على أسقاط عثمان بكل جهودها، وكانت لا تشك في أن الخلافة ستؤول إلى ابن عمها طلحة، ولما بلغها مقتل عثمان وأن الناس قد بايعوا طلحة فرحت فرحاً شديداً وقالت: « بعداً لنعثل وسحقاً، إيه ذا الإصبع إيه أبا شبل، إيه ابن عم لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفؤاً ».

____________________

(١) ذكر الطبري وابن أبي الحديد وطه حسين في الفتنة الكبرى بأن طلحة كان قد افترض من عثمان خمسين ألفاً، فقال له ذات يوم: قد تهيأ مالك فأرسل من يقبضه، فقال عثمان: هو لك يا أبا محمد معونة على مروءتك ! ويقال إن عثمان وصل طلحة بمائتي ألف أيضاً.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٨٥٨.

١٨٥

نعم هذا جزاء عثمان من طلحة، بعدما أغناه غدر به من أجل الطمع في الخلافة وألب عليه الناس، وكان من أشد المحرضين عليه حتى منعه من شرب الماء أيام الحصار. قال ابن أبي الحديد بأن عثمان يقول أيام الحصار: ويلي على ابن الحضرمية « يعني طلحة » أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي ويحرض على نفسي، اللهم لا تمنعه به ولقه عواقب بغيه.

نعم هذا طلحة الذي انحاز لعثمان واختاره للخلافة من أجل إبعادها عن علي، ولأن عثمان أعطاه الذهب والفضة وها هو اليوم يؤلب عليه ويأمر الناس يقتله ويمنع دخول الماء إليه، وعندما يأتون بجثته يمنع من دفنه في مقابر المسلمين فيدفن في « حش كوكب » كانت اليهود تدفن فيه موتاهم(١) . ثم بعد ذلك نرى طلحة أول من يبايع الإمام علياً بعد مقتل عثمان، ثم ينكث بيعته ويلتحق بعائشة ابنة عمه في مكة، وينقلب فجأة للمطالبة بدم عثمان، سبحان الله، هل يوجد بهتان أكبر من هذا ؟ !

بعض المؤرخين يعلل ذلك بأن علياً رفض أن يوليه على الكوفة وما وراءها، فنكث البيعة وخرج محارباً للإمام الذي بايعه بالأمس. إنها نفسية من غرق في الدنيا إلى أم رأسه، وباع آخرته ولم يعد يشغله غير المنصب والجاه والمال.

يقول طه حسين:

« فكان طلحة إذن يمثل نوعاً خاصاً من المعارضة، رضي ما أتاح الرضا له الثراء والمكانة، فلما طمع في أكثر من ذلك عارض حتى أهلك وهلك(٢) .

هذا هو طلحة الذي بايع بالأمس الإمام علياً يخرج بعد أيام قليلة يجر حرم رسول الله عائشة إلى البصرة فيقتل الأبرياء وينهب الأموال ويثير الرعب في

____________________

(١) تاريخ الطبري والمدائني والواقدي في مقتل عثمان.

(٢) الفتنة الكبرى طه حسين ج ١ ص ١٥٠.

١٨٦

الناس حتى يشقوا عصا الطاعة لعلي، ويقف بدون خجل يحارب إمام زمانه الذي أعطاه عهد البيعة طائعاً مختاراً. ومع ذلك فقد بعث إليه الإمام علي قبل المعركة، فلقيه في الصف، فسأله أما بايعتني ؟ وما الذي أخرجك يا طلحة ؟ قال: الطلب بدم عثمان. قال علي: ( قتل الله أولانا بدم عثمان ).

وفي رواية ابن عساكر، قال له الإمام علي: ( أنشدك الله ياطلحة، أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والي من والاه وعاد من عاداه ؟ ) قال: نعم، فقال له: ( فلم تقاتلني ؟ ) وكان جوابه: الطلب بدم عثمان، وكان رد علي: ( قتل الله أولانا بدم عثمان ).

واستجاب الله دعوة علي فقتل طلحة في اليوم نفسه، قتله مروان بن الحكم الذي جاء به طلحة لمحاربة علي. إنه طلحة الفتة والبهتان وتقليب الحقائق لا يراعي في ذلك إلا ولا ذمة، ولا يفي بعهده، ولا يسمع نداء الحق وقد ذكره به الإمام علي وأقام عليه بذلك الحجة، ولكنه أصر واستكبر وتمادى في غيه فضل وأضل، وقتل بسبب فتنته خلق كثير من الأبرياء لم يشاركوا في مقتل عثمان ولا عرفوه مدة حياتهم ولا خرجوا من البصرة. نقل ابن أبي الحديد أنه لما نزل طلحة البصرة أتاه عبد الله بن الحكيم التميمي لكتب كان كتبها إليه فقال لطلحة: « يا أبا محمد، أما هذه كتبك إلينا ؟ قال: بلى. قال: فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله، حتى إذا قتلته أتيتنا ثائراً بدمه، فلعمري ما هذا رأيك، إنك لا تريد إلا هذه الدنيا، مهلاً إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائهاً راضياً ثم

١٨٧

نكثت بيعتك، ثم جئت لتدخلنا في فتنتك(١) .

نعم هذه هي حقيقة طلحة بن عبيد الله عارية كما ذكرها أصحاب السنن والتواريخ من « أهل السنة والجماعة » وبعد كل هذا فهم يقولون أنه من العشرة المبشرين بالجنة. ويحسبون أن الجنة هي فندق هيلتون يدخلها أصحاب الملايين والسماسرة من رجال الأعمال، فيلتقي فيها القاتل والمقتول والظالم والمظلوم، ويلتقي فيها المؤمن والفاسق والبر والفاجر.( أَ يَطْمَعُ کُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ) ( المعارج: ٣٨ ).( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ کَالْفُجَّارِ ) ( ص: ٢٨ )( أَ فَمَنْ کَانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ‌ ) ( السجدة: ١٨ ).( أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا کَانُوا يَعْمَلُونَ‌ * وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ کُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي کُنْتُمْ بِهِ تُکَذِّبُونَ‌ ) ( السجدة: ١٩ - ٢٠ ).

٥ - الزبير بن العوام:

هو أيضاً من كبار الصحابة ومن المهاجرين الأولين، وله قرابة قريبة من رسول الهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو ابن صفية بنت عبد المطلب عمة النبي. وهو أيضاً زوج اسماء بنت أبي بكر أخت عائشة. وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة(٢) .

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ج ٢ ص ٥٠٠.

(٢) لقد ابتكر عمر بن الخطاب هذه الفكرة وهي من الدهاء بمكان، وذلك ليخلق معارضين لعلي ومنافسين له ؛ لأن الصحابة كلهم كانوا على علم تام بأن الخلافة هي من حق علي وإنما اغتصبتها قريش اغتصاباً، ولما حاججتهم فاطمة الزهراء قالوا لها: لو سبق إلينا زوجك وابن عمك ما عدلنا به أحداً، فما رضي عمر بن الخطاب أن تعود الخلافة بعد موته لصاحبها الشرعي فخلق له منافسين بهذه الطريقة فطمع كل منهم بالخلافة وحدثتهم أنفسهم بالرئاسة فباعوا دينهم بدنياهم فما ربحت تجارتهم.

١٨٨

وهو أيضاً من المبشرين بالجنة على ما يقول « أهل السنة والجماعة ». ولا غرابة أن نجده دائماً صحبة شبيهه طلحة فلا يذكر طلحة إلا ومعه الزبير ولا الزبير إلا ومعه طلحة. وهو أيضاً من الذين تنافسوا في الدنيا وملأوا منها البطون، فقد بلغت تركته حسبما يذكره الطبري، خمسين ألف دينار وألف فرس، وألف عبد وضاعاً كثيرة في البصرة وفي الكوفة وفي مصر وغيرها.

يقول طه حسين في ذلك:

« والناس يختلفون في مقدار ما قسم على الورثة من تركة الزبير، فالمقلون يقولون: إن الورثة اقتسموا فيما بينهما خمسة وثلاثين مليوناً، والمكثرون يقولون: إنهم اقتسموا اثنين وخمسين مليوناً، والمعتدلون يقولون: إنهم اقتسموا أربعين مليوناً. ولا غرابة في ذلك فقد كانت للزبير خطط في الفسطاط، وخطط في الإسكندرية وخطط في البصرة وخطط في الكوفة وإحدى عشرة داراً في المدينة وكانت له بعد ذلك غلات وعروض أخرى »(١) . أما البخاري فيروي أنه خلف في تركته خمسين ألف ألف ومائتي ألف(٢) .

ونحن لا نقصد من هذا العرض محاسبة الصحابة عما اكتسبوه من عروض، وما جمعوه من أموال قد تكون كلها من حلال، ولكن عندما نرى حرص الرجلين طلحة والزبير على الدنيا، ونعلم بأنهما نكثا بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ لأنه عزم على إرجاع الأموال التي اقتطعها عثمان إلى بيت مال المسلمين عند ذلك نشك في أمر الرجلين. أضف إلى ذلك أن الإمام علياً عندما تولى الخلافة بادر بإرجاع الناس إلى السنة النبوية، وأول شيء فعله هو توزيع بيت المال فأعطى لكل واحد من المسلمين ثلاثة دنانير سواء كان عربياً أم أعجمياً وهو ما فعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة

____________________

(١) التفنة الكبرى لطه حسين ج ١ ص ١٤٧.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ٥٣ باب فرض الخمس باب بركة الغازي في ماله حياً وميتاً.

١٨٩

حياته، وأبطل علي بذلك بدعة عمر بن الخطاب الذي فضل العربي على الأعجمي فأعطى للعربي ضعف الأعجمي. ويكفي علي بن أبي طالب أن يعود بالناس إلى السنة النبوية حتى يثور عليه الصحابة الذين أعجبوا بها ابتدعه عمر. وهذا أمر أغفلناه في تعليل محبة قريش وتقديسها لعمر، وقد فضلها على باقي المسلمين وبعث فيهم نعرة القومية العربية والقبيلة القريشية والطبقة البورجوازية. فكيف يأتي علي بعد ربع قرن من وفاة النبي ليعود بقريش الى ما كانت عليه زمن النبي الذي سوى في العطاء فكان بلال الحبشي يقبض كالعباس عم النبي، وقد كانت قريش منكرة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك المساواة، وقد نجد قلال تصفح السيرة بأنهم كانوا يعارضونه في أغلب الاوقات من أجل ذلك.

ومن أجل ذلك أيضاً ثارت ثورة طلحة والزبير على أمير المؤمنين علي ؛ لانه ساوى بينهم في العطاء ولم يعطهم ما طلبوا من الامارة، ثم هو يريد محاسبتهم على الاموال التي جمعوها ليعود بالاموال المسروقة الى الشعب المستضعف. والمهم أن نعرف بأن الزبير عندما يئس أن يوليه علي على البصرة، وأن يفضله على غيره وخاف أن يحاسبه الخليفة الجديد على ثروته الخيالية، جاء مع صاحبه طلحة يستأذنان علياً في الخروج الى العمرة، وعرف علي نواياهما المبيتة فقال: ( والله ما أراد العمرة ولكنهما أرادا الغدرة ).

والتحق الزبير هو الاخر بعائشة بنت أبي بكر فهي أخت زوجته، وأخرجها هو وطلحة صوب البصرة، ولما نبحتها كلاب الحوأب وأرادت الرجوع جاءوها بخمسين رجلاً جعلوا لهم جعلاً، وشهدوا ذوداً لكي تواصل أم المؤمنين صيانها لربها ولزوجها وتسير معهم الي البصرة ؛ لانهم عرفوا بدهائهم بأن تأثيرها في الناس أكبر من تأثيرهم، فقد أوعزوا طيلة ربع قرن وأوهموا الناس بأنها حبيبة رسول الله، وابنة الصديق الحميراء التي عندما نصف الدين، والعجيب في أمر الزبير أنه هو الاخر خرج للطلب بدم عثمان كما يدعي، وقد اتهمه صلحاء الصحابة بأنه هو الذي عمل قتله.

١٩٠

فقد قال له الامام علي عند مقابلته له في ساحة المعركة: ( أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته؟)(١)

وفي لفظ المسعودي قال له: ( ويحك يا زبير ما الذي أخرجك ؟ ) قال: الطلب بدم عثمان، قال علي: ( قتل الله أولانا بدم عثمان ).

كما أخرج الحاكم في المستدرك، قال: جاء طلحة والزبير الى البصرة فقال لهم الناس: ما جاء بكم ؟ قال: نطلب بدم عثمان، فقال الحسين: ( أيا سبحان الله، أفما كان للقوم عقول فيقولون والله، ما قتل عثمان غيركم ).

لقد فعل الزبير مثل صاحبه طلحة، غدر بعثمان وحرض على قتله، ثم بايع الامام علياً طائعاً، ونكث البيعة والعهد وجاء الى البصرة يطلب هو الاخر بدم عثمان، ولما دخل البصرة شارك بنفسه في تلك الجرائم فقتلوا أكثر من سبعين رجلاً من حراسه، ونهبوا بيت المال يقول المؤرخون بأنهم كتبوا كتاب هدنة مع عثمان بن حنيف ( والي البصرة ) وتعاهدوا على احترامه حتى يقدم علي. ثم خانوا العهد والميثاق وهجموا على عثمان بن حنيف وهو يصلي بالناس صلاة العشاء، فكتفوهم وقتلوهم وأرادوا قتل عثمان بن حنيف والي علي فخافوا أن يسمع أخوه سهل بن حنيف والي المدينة فينتقم من أهلهم، فضربوه ضرباً شديداً ونتفوا لحيته وشاربيه، ثم هجموا على بيت المال فقتلوا من حراسه أربعين رجلاً وحبسوا عثمان وأسرفوا في تعذيبه.

يقول طه حسين في شأن هذه الخيانة ويقصد طلحة والزبير:

( لم يكتف هؤلاء القوم بنكث البيعة التي أعطوها علياً وانما أضافوا اليها نكث الهدنة التي اصطلحوا عليها مع عثمان بن حنيف، وقتلوا من قتلوا من أهل البصرة الذين أنكروا نقض الهدنة وحبس الامير، وغصب ما في بيت المال وقتل من قتلوا من حراسه )(٢) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٢٠٤، الكامل لابن الاثير ج ٣ ص ١٠٢.

(٢) الفتنة الكبرى لطه حسين ج ٢ ص ٣٧.

١٩١

ولما اقبل علي الى البصرة لم يقاتلهم، بل دعاهم الى كتاب الله فرفضوا وقتلوا من حمل اليهم القرآن ومع ذلك فقد ناداه الامام هو الاخر، وذكره كما فعل مع طلحة، اذ قال له: ( يا زبير، أتذكر يوم مررت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بني غنم، فنظر الي فضحك وضحكت اليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صه، انه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم )(١) .

ذكر ابن أبي الحديد خطبة لامير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول فيها:

( اللهم ان الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر علي عدوي فاكفنيه اليوم بما شئت )(٢) . وقد جاء في نهج البلاغة للامام علي قوله في طلحة والزبير: ( اللهم انهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي والبا الناس علي فاحلل ما عقدا، ولا تحكم لهما ما أبرما، وأراهما المساءة فيما أملا وعملا، ولقد استتبتهما قبل القتال واستأنيت بهما أمام الوقائع، فغمطا النعمة العافية )(٣) .

وفي رسالة منه بعث بها اليهما قبل بدء القتال جاء فيها: ( فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما فان الان أعظم أمركما العار من قبل أن يجتمع العار والنار والسلام )(٤) .

وهذه هي الحقيقة المؤلمة وهذه هي نهاية الزبير ومهما يحاول بعض المؤرخين اقناعنا بأنه تذكر حديث النبي الذي ذكره به علي فتاب واعتزل القتال وخرج الى وادي السباع فقتله ابن جرموز، فهذا لا يستقيم مع نبوءة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال له: ( ستقاتل علياً وأنت له ظالم ).

ويقول بعض المؤرخين بأنه أراد الاعتزال عند ذكره الامام علي بالحديث ولكن ابنه عبد الله غيره بالجبن، فأخذته الحمية فرجع يقاتل حتى قتل.

____________________

(١) تاريخ الطبري في وقعة الجمل وتاريخ المسعودي وتاريخ أعثم وغيرهم.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ ص ١٠١.

(٣) نهج البلاغة شرح محمد عبده ص ٣٠٦.

(٤) نهج البلاغة شرح محمد عبده ص ٦٢٦.

١٩٢

وهذا أقرب للواقع وللحديث الشريف الذي فيه اخبار بالغيب من الذي لا ينطق عن الهوى. ثم لو كان فعلاً ندم وتاب ورجع عن غيه وظلمه، فلماذا لم يعمل بقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره وأخذل من خذله )، فلماذا لم ينصر علياً ولم يواله ولم يسترضه ؟ وهب أن ذلك لا يمكنه فعله، فهلا ركب في الناس الذين جاء بهم للحرب وأخبرهم بأنه استبصر الى الحق وتذكر ما كان ناسياً، وطلب منهم أن يكفوا عن الحرب، فيحقن بذلك دماء الابرياء من المسلمين ؟ لكن شيئاً من ذلك لم يقع فعرفنا بأن أسطورة التوبة والاعتزال هي من خيال الوضاعين الذين بهرهم حق علي وباطل الزبير، وبما أن صاحبه طلحة قتله مروان بن الحكم فاختاروا ابن جرموز لقتل الزبير غدراً، حتى يتسنى لهم التأويل ممتلكاتهم يدخلون فيها من يشاؤون ويمنعون منها من يشاؤون. ويكفينا دليلاً على كذب الرواية ما جاء في رسالة الامام علي ودعوتهما للرجوع عن الحرب وقوله: ( فان الان أعظم أمركما العار من قبل أن يجمع العار والنار ).

ولم يحدث أحد أنهما استجابا لندازه ولا امتثلا لأمره ولا رداً على رسالته. أضف الى كل ذلك أن الأمام وقبل بدء المعركة دعاهم لكتاب الله كما قدمنا فرفضوا الامتثال، وقتلوا الشاب الذي حمل لهم القرآن عند ذلك استباح علي قتالهم. وإنك لتقرأ بعض المهازل عند المؤرخين فتعرف أن البفض منهم لا يعرفون الحق ولا يفقهون مثال ذلك: يقول بعضهم بأن الزبير لما علم بأن عمار بن ياسر جاء مع علي بن أبي طالب، قال: ياجدع أنفاه، يا قطع ظهراه، ثم أخذه إفكل فجعل السلاح ينتفض في يده، فقال أحد أصحابه:

ثكلتني أمي هذا الزبير الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش معه ؟.

١٩٣

والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ويقصدون بوضع هذه الروايات بأن الزبير تذكر حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( ويح عمار تقتله الفئة الباغيه ) ويريد هؤلاء أن يحتقروا عقولنا ويهزؤوا منا لكن عقولنا كاملة وسليمة بحمد الله ولا نرضى منهم بذلك، فكيف يخاف الزبير ويرتعد من حديث ( عمار تقتله الفئة الباغية ) ولا يخاف ولا يرتعد من أحاديث كثيرة قالها النبي في علي بن أبي طالب ؟ أكان عمار عند الزبير أفضل وأشرف من علي ؟ !

ويريد هؤلاء أن يحتقروا عقولنا ويهزؤوا منا لكن عقولنا كاملة وسليمة بحمد الله ولا نرضى منهم بذلك، فكيف يخاف الزبير ويرتعد من حديث ( عمار تقتله الفئه الباغية ) ولا يخاف ولا يرتعد من أحاديث كثيرة قالها النبي في علي بن أبي طالب ؟ أكان عمار عند الزبير أفضل وأشرف من علي ؟ ! ألم يسمع الزبير قول النبي: ( يا علي، لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ) ؟ ألم يسمع قوله: ( علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيث دار ) وقوله: ( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) وقوله: ( يا علي أنا حرب لمن حاربك وسلم لمن سالمك ) وقوله: ( لأعطين رايتي إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) وقوله: ( أنا قاتلتهم على تنزيل القرآن وأنت تقاتلهم على تأويله ) وقوله: ( يا علي، أعهد إليك بأن تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ). وقوله … وقوله … وآخرها حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الزبير نفسه: ( ستقالته وأنت له ظالم )، فأين الزبير من كل هذه الحقائق التي يعرفها كل الناس الأباعد الغرباء، فكيف به وهو ابن عمة النبي وابن عمة علي ؟ إنها العقول المتحجرة التي لم تقدر على دفع الأحداث التاريخية وما فيها من حقائق، فتحاول بكل جهوجها عبثا أن تجد بعض الأعذار الواهية لكي تموه على الناس وتوهمهم بأن طلحة والزبير من المبشرين بالجنة.

( تِلْکَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِينَ‌ ) ( البقرة:١١١ )( إِنَّ الَّذِينَ کَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَ کَذٰلِکَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ‌ ) ( الأعراف:٤٠ ).

____________________

(١) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٢٠٥.

١٩٤

٦ - سعد بن أبي وقاص:

وهو أيضاً من كبار الصحابة السابقين الى الاسلام، ومن المهاجرين الاولين الذين شهدوا بدراً، وهو أحد الستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة بعده، وأحد العشرة المبشرين بالجنة على زعم ( أهل السنة والجماعة ). وهو بطل القادسية في خلافة عمر بن الخطاب، ويقال ان بعض الصحابة كانوا يشكون ويطعنون في نسبة ويؤذونه بذلك، ويروون أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثبت نسبة فهو من بني زهرة.

وينقل ابن قتيبة في كتاب الامامة والسياسة أن بني زهرة اجتمعوا بعد وفاة النبي الى سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين، فلما أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة قال لهم عمر: مالي أراكم حلقاً شتي ؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الانصار، فقال سعد وعبد الرحمن ومن معها من بني زهرة فبايعوا(١) .

____________________

(١) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ١ ص ١٨.

ويروى أن عمر بن الخطاب عزله عن الولاية، ولكنه أوصى الخليفة من بعده ان صرفت الخلافة عن سعد أن يوليه ؛ لانه لم يعزله عن خيانة، وقد نفذ عثمان بن عفان وصية عمر فولاه على الكوفة.

ومن الملاحظ أن سعد بن أبي وقاص لم يترك ثروة كبيرة بالقياس الى أصحابه، وبلغت تركته حسب الرواة ثلاثمائة ألف كما أنه لم يشارك في قتل عثمان ولم يحرض عليه كطلحة والزبير.

روى ابن قتيبة في تاريخه قال: كتب عمرو بن العاص الى سعد بن أبي وقاص، يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ؟

فكتب اليه سعد: انك سألتني من قتل عثمان ؟ واني أخبرك أنه قتل بسيف سلته عائشة وصقله طلحة وسمه ابن أبي طالب وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه، ولكن عثمان غير وتغير وأحسن وأساء فان كنا أحسنا فقد أحسنا، وان أسأنا نستغفر الله، وأخبرك أن الزبير مغلوب

١٩٥

بغلبة أهله وبطلبه بذنبه وطلحة لو يجد أن يشق بطنه من حب الامارة لشقه …(١) .

ولكن الغريب في سعد بن أبي وقاص أنه تخلف عن بيعة أمير المؤمنين علي، ولم يعينه وهو يعرف حق الامام وفضله. فقد روى بنفسه عدة فضائل في علي منها ما أخرجه الامام النسائي والامام مسلم في صحيحيهما:

قال سعد: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في علي خصالاً ثلاثاً لئن يكون لي واحدة منهن أحب الي من حمد النعم سمعته يقول: ( انه مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي ) وسمعته يقول: ( لاعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )، وسمعته يقول: أيها الناس من وليكم ؟ قالوا: الله ورسوله ثلاثاً أخد بيد علي فأقامه ثم قال: ( من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )(٢) .

وفي صحيح مسلم قال سعد بن أبي وقاص: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي: ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي )، وسمعته يقول يوم خيبر: ( لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا علياً.. ولما نزلت هذه الآية( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَکُمْ ) ( آل عمران: ٦١ ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: ( اللهم هؤلاء أهلي )(٣) .

فكيف يعرف سعد بن أبي وقاص كل هذه الحقائق ثم يمتنع عن بيعته ؟! كيف يسمع سعد قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان الله ورسوله وليه فعلي وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، والذي رواه هو بنفسه ثم لا يواليه ولا ينصره ؟! كيف يغيب على سعد بن أبي وقاص حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) الذي رواه عبد الله بن عمر، فيموت

____________________

(١) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ١ ص ٤٨.

(٢) خصائص الامام النسائي ص ١٨ وص ٣٥.

(٣) صحيح مسلم ج ٧ ص ١١٩ باب فضائل علي بن أبي طالب.

١٩٦

سعد ميته جاهلية ناكباً عن بيعة أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ؟! يذكر المؤرخون بأن سعداً جاء الى الامام علي معتذراً فقال: والله يا أمير المؤمنين، لا ريب لي في أنك أحق الناس بالخلافة وأنت أمين على الدين والدنيا، غير أنه سينازعك على هذا الامر أناس، فلو رغبت في بيعتي لك أعطي سيفاً له لسان يقول لي خذ هذا ودع هذا !

فقال له علي: ( أترى أحداً خالف القرآن أو العمل ؟ لقد بايعني المهاجرون والانصار على أن أعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه، فان رغبت بايعت والا جلست في دارك فاني لست مكرهك عليه )(١) .

أليس موقف سعد بن أبي وقاص غريباً ؟ ! فهو يشهد بأن علياً لا ريب فيه، وأنه أحق الناش بالخلافة، وأنه أمين الدين والدنيا ثم بعد هذا يطالبه بسيف ناطق كشرط على بيعته حتى يعرف به الحق من الباطل ؟! أليس هذا تناقضاً يرفضه العقلاء ؟ وهل هذا الا المحال الذي يطلبه مكابر عرف الحق من صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أكثر من حديث روى هو بنفسه منها أكثر من خمسة ؟ !، ألم يكن سعد حاضراً بيعة أبي بكر وعمر وعثمان والتي حكموا في كل منها بقتل منن يتخلف عنها خوفاً من الفتنة ؟، وقد بايع سعد لعثمان وانحاز إليه بدون شرط وسمع عبد الرحمان بن عوف يهدد علياً مسلطاً السيف فوق رأسه قائلاً: فلا تجعل على نفسك سبيلاً فانه السيف لا غير(٢) . وكان حاضراً لما امتنع علي عن بيعة أبي بكر فهدده عمر بن الخطاب وقال له: بايع وإلا والله الذي لا اله إلا هو نضرب عنقك(٣) .

____________________

(١) تاريخ أعثم ص ١٦٣.

(٢) الامامة والسياسة لابن قتبية ج ١ ص ٣١.

(٣) الامامة والسياسة لاين قتيبة ج ١ ص ٢٠.

١٩٧

وهل جرأ المتخلفين عن البيعة والذين تطاولوا على وصي النبي أمثال عبد الله بن عمر، وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة، الا تخلف سعد بن أبي وقاص ؟ وانك تلاحظ أن الاشخاص الخمسة الذين عينهم عمر بن الخطاب لمنافسة علي في الخلافة قد لعبوا بالضبط الدور الذي رسمه لهم لبن الخطاب، وهو منع علي من الوصول اليها، فهذا عبد الرحمان يختار للخلافة صهره عثمان، ويهدد علياً بالقتل ان لم يبايع كل ذلك ؛ لان عمر رجح كفة عبد الرحمان على الباقين. وبعد موت عبد الرحمان بن عوف ومقتل عثمان بن عفان لم يبق من المنافسين لعلي في الخلافة الا ثلاثة طلحة والزبير وسعد. ولما رأى هؤلاء بأن المهاجرين والأنصار هرعوا للإمام علي وبايعوه ولم يتلفتوا لأي واحد منهم، عند ذلك أضمروا له الشر وأرادوا به الهموم، فحاربه طلحة والزبير وخذله سعد.

ولا تنس بأن عثمان بن عفان لم يمت حتى كون لعلي منافساً جديداً هو أخطر منهم جميعاً وأشد مكراً ودهاء، وأكثرهم عدة وعدداً فقد مهد له عثمان للاستيلاء على الخلافة بأن ضم له تحت ولايته التي دامت عشرين عاماً أهم الولايات، والتي تجمع أكثر من ثلثي العائدات للدولة الإسلامية بأسرها. وهذا المنافس هو معاوية الذي لم يكن له دين ولا خلق وليس له شغل إلا الوصول إلى الخلافة بأي ثمن وعن أي طريق.

ومع ذلك فإن أمير المؤمنين علياً لم يجير الناس على البيعة بالقوة والإكراه كما فعل الخلفاء من قبله، ولكنه تقيد ( سلام الله عليه ) بأحكام القرآن والسنة ولم يغير ولم يبدل أبداً، ألم تقرأ قوله لسعد: ( لقد بايعني المهاجرون والأنصار على أن أعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه، فإن رغبت بايعت وإلا جلست في دارك فإني لست مكرهك عليه ؟ )

هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، يا من أحييت القرآن والسنة بعدما أماتهما غيرك من قبلك، فهذا كتاب الله ينادي:( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَکَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَکَثَ فَإِنَّمَا يَنْکُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ

١٩٨

فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) ( الفتح: ١٠ ) وقوله تعالى:( أَ فَأَنْتَ تُکْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَکُونُوا مُؤْمِنِينَ‌ ) ( يونس: ٩٩ ). فلا إكراه في الدين، ولا بيعة بالإكراه في الإسلام، ولم يأمر الله نبيه أن يقاتل الناس ليبيايعوه. وهذه سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيرته الشريفة تحدثنا بأنه لم يكره أحداً من الناس على بيته أبداً. ولكن الخلفاء والصحابة هم الذين سنوا تلك البدعة وهددوا الناس بالقتل إن لم يدخلوا في بيعتهم. وإذا كانت فاطمة نفسها هددت بالحرق إن لم يخرج المتخلفون في بيتها للبيعة !، وإذا كان علي نفسه وهو الذي نصبه رسول الله للخلافة يسلطون عليه السيف ويقسمون بالله ليقتله إن لم يبايع، فلا تسأل عن بقية الصحابة المستضعفين، أمثال عمار وسلمان وبلال وغيرهم. والمهم أن سعد بن أبي وقاص امتنع عن بيعة علي كما امتنع عن سبه لما أمره معاوية بذلك كما جاء في صحيح مسلم.

ولكن هذا لا يكفي سعداً ولا يضمن له الجنة ؛ لأن مذهب الاعتزال الذي أسسه تحت شعار: « أنا لست معك ولست ضدك » لا يقبله الإسلام ولا يعترف به ؛ لأن الإسلام يقول: ليس بعد الحق إلا الضلال. ولأن كتاب الله وسنة رسوله قد رسما معالم الفتنة وأخبرا بها ووضعا لها حدوداً ليهلك من هلك عن بينة وينجو من نجا عن بينة. وقد بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل شيء بقوله في علي: ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار ).

وقد بين الإمام علي الأسباب والدوافع التي منعت سعداً من الانضمام إليه ورفضه بيعته عندما قال في الخطبة الشقشقية: ( فصغى رجل منهم لضغنه ).

١٩٩

ويقول الشيخ محمد عبده في شرح هذا المقطع. كان سعد بن أبي وقاص في نفسه شيء من علي ( كرم الله وجهه ) من قبل أخواله ؛ لأن أمه حمنه بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، ولعلي في قتل صناديدهم ما هو معروف ومشهور(١) .

فالحقد الدفين والحسد أعمى بصيرة سعد فلم يعد يرى لعلي ما يراه لخصومه، فقد نقل عنه أنه لما ولاه عثمان ولاية الكوفة خطب فيهم قائلاً:

« أطيعوا خير الناس أمير المؤمنين عثمان ». فسعد بن أبي وقاص كان هواه مع عثمان في حياته وحتى بعد مقتله، وبذلك نفهم اتهامه بالمشاركة في قتل عثمان عندما كتب لعمرو بن العاص بقوله: « إن عثمان قتل بسيف سلته عائشة وسمه ابن أبي طالب ». إنه اتهام باطل يشهد التاريخ على كذبه فلم يكن لعثمان في محنته أكثر نصحاً ومواساة من علي لو كان له رأي يطاع. والذي نستخلصه من مواقف سعد المتخاذلة: هو بالضبط ما وصفه به الإمام علي بأنه صاحب ضغينة، فهو رغم معرفته بحق علي إلا أن الضغينة والحقد وقفا حائلاً بينه وبين الحق، فبقي حائراً متخيراً بين ضمير يوبخه ويوقظ فيه شعلة الإيمان وبين نفس مريضة أقعدتها عادات الجاهلية فصغت لضغنها، وتغلبت نفس سعد الأمارة بالسوء على ضميره فتردت به وأقعدته عن نصرة الحق.

والدليل على ذلك ما أخرجه المؤرخون عن مواقفه المحيرة، ذكر ابن كثير في تاريخه قال:

« دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية بن أبي سفيان فقال له: مالك لم تقاتل علياً ؟ قال سعد: إني مرت بي ريح مظلمة فقلت: أخ، أخ وانخت راحلتي حتى انجلت عني ثم عرفت الطريق فسرت.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده المصري ج ١ ص ٨٨.

٢٠٠