شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80182
تحميل: 4645

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80182 / تحميل: 4645
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ملء بطنه كما صرح هو بذلك وكما فهم النبي منه ذلك عندما أسكنه في أهل الصفة وكلما جيء للنبي بصدقة من الأكل بعث بها إليهم، وكان كما يروي هو عن نفسه كثير الجوع فيعترض طريق الصحابة ويمثل دور المصروع طمعاً في أن يدخلوه إلى بيوتهم ويطعموه.

ولكنه اشتهر بكثرة الأحاديث التي يرويها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبلغت مروياته ما يقرب من ستة آلاف حديث، وهذا ما ألفت نظر المحققين إليه ولأنه مع قلة الصحبة روى أحاديث ووقائع لم يحرضها أبداً. وجمع بعض المحققين مجموع مرويات الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين وأمهات المؤمنين وأهل البيت الطاهرين. فلم تبلغ كلها عشر معشار ما رواه أبو هريرة بمفرده، ( مع العلم بأن من هؤلاء علي بن أبي طالب الذي صاحب النبي ثلاثين عاماً ).

ومن ثم توجهت إلى أبي هريرة أصابع الأتهام ووصفته بالكذب والوضع والتدليس وقالوا بأنه أول راوية أتهم في الإسلام. ولكن « أهل السنة والجماعة » يلقبونه ب- « راوية الإسلام » ويحترمونه كثيراً ويحتجون به ولعل البعض منهم يعتقد بأنه أعلم من علي، وذلك لحديث يرويه هو عن نفسه قال: قلت يا رسول الله، إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه قال: أبسط رداءك فبسطته قال فغرف بيديه، ثم قال: ضمه فضممته فما نسيت شياً بعدها(١) .

وأكثر أبو هريرة الرواية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى ضربه عمر بن الخطاب بالدرة وقال له: قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول الله. وذلك لرواية رواها أن الله غلق السماوات والأرض والخق فعد سبعة أيام، فلما سمع بذلك عمر دعاه وطلب منه إعادة الحديث فلما أعاده ضربه عمر وقال: يقول الله في ستة أيام وأنت تقول في سبعة ؟ فقال أبو هريرة: علني سمعته من كعب الأحبار، فقال عمر: ما دمت لا تفرق بين أحاديث النبي وكعب الأحبار فلا تحدث(٢) .

____________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٨ من كتاب العلم باب حفظ العلم وكذلك ج ٣ ص ٢.

(٢) انظر كتاب أبي هريرة لمحمود أبو ربه المصري.

٢٢١

كما يروي أن الإمام علي بن أبي طالب قال: ألا إن أكذب الأحياء على رسول الله أبو هريرة الدوسي(١) .

كما أن عائشة أم المؤمنين كذبته عدة مرات في عدة أحاديث كان يرويها عن رسول الله، فأنكرت عليه مرة وقالت له: متى سمعت رسول الله يقول ذلك ؟ فقال لها: لقد شغلك عن حديث رسول الله ( ص٩ المرآة والمكحلة والخضاب، ولما أصرت على تكذيبه وشهرت به، وتدخل مروان بن الحكم وتثبت من صحة الحديث اعترف عند ذلك أبو هريرة وقال: إني لم أسمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما سمعته من الفضل بن العباس(٢) .

وفي هذه الرواية بالخصوص اتهمه ابن قتيبة وقال فيه: لقد استشهد أبو هريرة بالفضل بن العباس بعد موته، ونسب الحديث إليه ليوهم الناس بأنه سمعه منه(٣) .

كما قال ابن قتيبة في كتابه « تأويل مختلف الحديث »: كان أبو هريرة يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا وكذا، وإنما سمعته من غيره ».

كما أن الذهبي أخرج في كتابه « أعلام النبلاء » بأن يزيد بن إبراهيم سمع شعبة بن الحجاج يقول: كان أبو هريرة مدلساً. وجاء في كتاب « البداية والنهاية » لابن كثير أن يزيد بن هارون سمع شعبة يقول فيه ذلك أيضاً يعني كان مدلساً، وكان يروي ما سمعه من كعب الأحبار ومن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يميز ين هذا وهذا. كما أن أبا جعفر الإسكافي قال: أبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية(٤) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ٢٨.

(٢) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٣٢ باب الصائم يصبح جنبا وموطأ مالك ج ٣ ص ٢٧٢.

(٣) سر أعلام النبلاء للذهبي.

(٤) شرح ابن ابي الحديد المعتزلي ج ٤ ص ٦٨.

٢٢٢

وقد اشتهر أبو هريرة في حياته من بين الصحابة بالكذب والتدليس والإكثار من الأحاديث الموضوعة حتى أن بعضهم كان يستهزئ به ويطلب منه وضع الأحاديث لما يريد. فقد روي أن رجلاً من قريش لبس جبة جديدة وأخذ يتبختر فيها ومر بأبي هريرة فقال له: يا أبا هريرة، إنك تكثر الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئاً ؟ فقال أبو هريرة: سمعت أبا القاسم يقول: إن رجلاً ممن كان قبلكم بينما كان يتبختر في حلته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة، فو الله ما أدري لعله كان من قومك ورهطك(١) . وكيف لا يشك الناس في روايات أبي هريرة إذا كانت متناقضة، فقد يروي حديثا ثم يروي نقيضه وإذا عارضوه واحتجوا عليه بما رواه سابقاً، يعرض عنهم أو يرطن بالحبشية(٢) .

وكيف لا يتهمونه بالكذب والوضع وقد شهد هو على نفسه بأنه يحدث من جعبته وينسبه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أخرج البخاري في صحيحه أن أبا هريرة قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، تقول المرأة أما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن أطعمني إلى من تدعني، فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ! فقال: لا هذا من كيس أبي هريرة(٣) .

أنظر كيف يبدأ الحديث بقوله: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم بعد ذلك عندما ينكرون عليه ويستفهمونه، يعترف بوضعه ويقول هو من كيس أبي هريرة !

____________________

(١) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٠٨.

(٢) صحيح البخاري ج ٧ ص ٣١ باب لا هامة.

(٣) صحيح البخاري ج ٦ ص ١٩٠ باب وجوب النفقة على الأهل والعيال.

٢٢٣

فهنيئاً لأبي هريرة بهذا الكيس المليء بالأكاذيب والأساطير، والذي وجد له رواجاً عند معاوية وبني أمية واكتسب من ورائه الجاه والسلطان والأموال والقصور فقد ولاه معاوية ولاية المدينة المنورة وبنى له قصر العقيق وزوجه من المرأة الشريفة التي كان أبو هريرة يخدمها. وإذا كان أبو هريرة وزير معاوية المغرب فليس ذلك لفضله ولا لشرفه أو علمه ولكنه كان يحد عنده الأحاديث التي يريدها ويرويها، وإذا كان بعض الصحابة يتلكأون في لعن أبي تراب ويجدون في ذلك حرجاً، فإن أبا هريرة لعن علياً في عقر داره وعلى مسمع من شيعته.

روى أبن ابي الحديد قال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه، ثم ضرب صلعته وقال: يا أهل العراق، أتزعمون أني أكذب على رسول الله وأحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعت رسول الله يقول: إن لكل نبي حرماً وإن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وأشهد أن عليا قد أحدث فيها.

فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه المدينة ويكفينا دليلاً أنه كان والياً على المدينة من قبل معاوية، ولا شك في أن المحققين والباحثين الأحرار سيشكون في كل من تولى عدو الله ورسوله وعادى ولي الله ورسوله. ولا شك في أن أبا هريرة لم يصل إلى ذلك المنصب الرفيع وهو ولاية المدينة عاصمة الإسلام، إلا للخدمات التي أسداها لمعاوية وحكام بني أمية، وسبحان مقلب الأحوال فقد جاء أبو هريرة إلى المدينة عرياناً ليس له إلا نمرة يستر بها عورته، ويستدى المارة ليسدوا رمقه والفعل يجري فوق جلده. وإذا به فجأة يصبح والي المدينة المنورة يسكن قصر العقيق وعنده الأموال والخدم والعبيد ولا يتكلم الناس إلا بإذنه.

٢٢٤

كل ذلك من بركات كيسه، فلا تنس ولا تتعجب فإنك ترى اليوم نفس المسرحيات تتكرر والتاريخ يعيد نفسه فكم من معدم جاهل تقرب إلى الحاكم، وانخرط في الحزب فأصبح سيداً مهاباً يقيم الدنيا ويقعدها، يصول ويجول وتحت تصرفه الأموال التي لا تخضع للحساب والسيارات التي لا تخضع للرقابة والمأكولات التي لا تباع في الأسواق ومع كل ذلك فهو لا يحسن الكلام حتى بلغته، ولا يفهم من معاني الحياة غير بطنه وفرجه غاية ما هنالك أن له كيساً مثل كيس أبي هريرة مع وجود الفارق طبعاً، ولكن الهدف واحد هو إرضاء الحاكم والترويج له لدعم ملكه وتثبيت عرشه والقضاء على أعدائه.

وقد كان أبو هريرة يحب الأمويين ويحبونه من زمن عثمان بن عفان زعيمهم، فكان رأيه في عثمان مخالف لكل الصحابة من المهاجرين والأنصار، فهو يكفر الصحابة الذين شاركوا في قتل عثمان وألبوا عليه. ولا شك بأنه كان يتهم علي بن أبي طالب بقتل عثمان، ونفهم ذلك من حينه في مسجد الكوفة وقوله بأن علياً أجدث في المدينة ويلعنه على لسان النبي والملائكة والناس أجمعين. ولذلك ينقل ابن سعد في طبقاته أنه لما مات أبو هريرة سنة ٥٩ كان ولد عثمان بن عفان يحملون سريره، حتى بلغوا البقيع حفظاً بما كان من رأيه في عثمان(٢) .

وإن لله في خلقه شؤوناً، إذ يموت عثمان بن عفان سيد قريش وعظيمها مقتولاً ويذبح بذبح النعاج وهو خليفة المسلمين الذي لقبوه بذي النورين والذي تستحي منه الملائكة كما يزعمون، ولا يغسل ولا يكفن ويعطل دفنه ثلاثة أيام، ثم يدفن في مقرة اليهود. ويموت أبو هريرة الدوسي في العز والجاه، وقد كان معدما ولا يعرف أحد قومه ولا عشيرته وليس له في قريش قرابة، فيحمله أولاد الخليفة الذين أصبحوا في عهد معاوية ولاة الأمور ويدفنونه في بقيع رسول الله ! وهلم بنا الآن إلى أبي هريرة لنعرف موقفه من السنة النبوية.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٤ ص ٦٧.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٢ ص ٦٣.

٢٢٥

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: حفظت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم(١) . وإذا قلنا في الأبحاث السابقة أن أبا بكر وعمر قد أحرقا السنة النبوية المكنونة ومنعا المتحدثين من نقلها، فها هو أبو هريرة يفصح بهذا الحديث عن المكنون ويؤكد ما ذهبنا إليه، ويعترف بأنه ما كان يحدث إلا بما يروق الخلفاء الحاكمين. وعلى هذا الأساس فإن أبا هريرة كان يملك كيسين أو وعاءين أحدهما كان يبثه، وهو الذي تحدثنا عنه وفيه ما يشتيهيه الحاكمون. وأما الوعاء الثاني الذي كتمه أبو هريرة ولم يحدث به خوفاً من أن يقطع بلعومه، فهو الذي يحوي الأحاديث الصحيحة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولو كان أبو هريرة ثقة ما كان ليكتم الأحاديث الحقيقية ويبث الأوهام والأكاذيب لتأييد الظالمين، وهو يعلم بأن الله لعن من يكتم البينات. فقد أخرج له البخاري قوله: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حدياً، ثم تلو: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنم اللاعنون ن وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلوم النبي يشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون(٢) . فكيف يقول أبو هريرة: لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً، ثم يقول هنا حفظت عن رسول الله وعاءين فأما أحدهما فبثثته، وأما الوعاء الثاني لو بثثته قطع هذا البلعوم ! وهل هذه إلا شهادة منه بأنه كتم الحق رغم الآيتين في كتاب الله ؟ !

____________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٨ باب حفظ العلم.

(٢) صيحيح البخاري ج ١ ص ٣٧ باب حفظ العلم.

٢٢٦

وإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم(١) وقال: رب مبلغ أوعى من سامع. وأخرج البخاري أن النبي حرض وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا به من وراءهم. فهل لنا أن نتساءل وهل للباحثين أن يتساءلوا لماذا قتل الصحابي عندما يتحدث بحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقطع منه البلعوم ؟ ! فلابد أن هناك سراً لا يحب الخلفاء إفشاءه وقد أشرنا إلى ذلك السر في الأبحاث السابقة من كتاب « فاسألوا أهل الذكر » ونوجز هنا بأنه يتعلق بالنص على خلافة علي. وليس اللوم على أبي هريرة فقد عرف قدره وشهد على نفسه بأن الله لعنه ولعنه اللاعنون إذ كتم حديث النبي.

ولكن اللوم على « أهل السنة والجماعة » الذي يجعلون من أبي هريرة راوية السنة، وهو يشهد بأنه كتمها ويشهد بأنه دلسها وكذب عليها ويشهد أيضاً بأنها اختلطت عليه فلم يعرف حديث النبي من حديث غيره. وهذا كله من أحاديث واعترافات صحيحة جاءت في صحيح البخاري وغيره من صحاح « أهل السنة والجماعة ». كيف يطمئنون لرجل طعن في عدالته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأتهمه بالكذب فقال: إنه أكذب الأحياء على النبي، واتهمه عمر بن الخطاب وضربه وهدده بالنفي، كما طعنت فيه عائشة وكذبته عدة مرات، وطعن فيه كثير من الصحابة وردوا أحاديثه المتناقضة فكان يعترف مرة ويرطن بالحبشية أخرى وطعن فيه كثير من علماء الإسلام واتهموه بالكذب والتدليس والتكالب على موائد معاوية وذهبه وفضته. فكيف يصح بعد كل هذا أن يصبح أبو هريرة راوية الإسلام ويأخذون عنه أحكام الدين ؟

وقد أكد بعض العلماء المحققين بأن أبا هريرة هو الذي أدخل في الإسلام

____________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٠.

٢٢٧

عقائد اليهود والإسرائيليات التي ملأت كتب الحديث، أو أن كعب الأحبار اليهودي هو الذي أدخلها عن طريقه وبواسطته، فجاءت روايات تشبيه الله وتجسيمه ونظرية الحلول، والأقوال المنكرة في الأنبياء كلها عن أبي هريرة. فهل يتوب « أهل السنة والجماعة » إلى رشدهم ليعرفوا عمن يأخذون السنة الحقيقية وإذا ما سألوا فنقول لهم: تعالوا إلى باب مدينة العلم والأئمة من بنيه فهم حفظة السنة وهم أمان الأمة وهم سفينة النجاة وهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وهم العروة الوثقى وحبل الله المتين.

١١ - عبد الله بن عمر:

هو من مشاهير الصحابة الذين كان لهم دور كبير في سير الأحداث التي وقعت في زمن الخلفاء الثلاثة وفي عهد بني أمية، ويكفي أن أباه عمر بن الخطاب ليكون عند « أهل السنة والجماعة » معظماً ومحبوباً، فهم يعدونه من أكبر الفقهاء ومن حفاظ « الأحاديث النبوية »، حتى أن الإمام مالكاً اعتمد عليه في أكثر أحكامه، كما أنه أشبع كتاب الموطأ من أحاديثه. وإذا تصفحنا كتب « أهل السنة والجماعة » وجدناها حافلة بذكره والثناء عليه. غير أننا عندما نقرأ ذلك بعين الباحث البصير يتبين لنا بأنه كان بعيداً عن العدالة وعن الصدق وعن السنة النبوية وعن الفقه وعلوم الشريعة. وأول ما يلفت انتباهنا هو عداؤه الشديد وبغضه لسيد العترة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وصل به إلى حد الوقيعة فيه واعتباره من سوقة الناس.

وقد قدمنا فيما سبق بأنه روج أحاديث مكذوبة مفادها أنهم كانوا يفاضلون على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى مسمع منه بأن أفضل الناس أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان ثم الناس بعد ذلك سواء، فسمع ذلك النبي ولا ينكره(١) .

____________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم ومالك وغيرهم.

٢٢٨

وهو كما ترى كذب مفضوح يضحك منه العقلاء وقد بحثنا عن حياة عبد الله بن عمر في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدناه شابا صغيراً لم يبلغ الحلم ولم يكن له مع أهل الحل والعقد شأن يذكر ولا رأي يسمع، وقد توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعبد الله بن عمر في التاسعة عشر من عمره على أحسن التقادير.

فكيف يقول والحال هذه: كنا نفاضل في عهد النبي ؟ اللهم إلا إذا كان ذلك حديث الصبيان فيما بينهم من أولاد أبي بكر وعثمان وإخوته هو، ومع ذلك فلا يصح أن يقال كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع ذلك فلا ينكره ! فدل ذلك على كذب الحديث وسوء النوايا.

أضف إلى ذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأذن لعبد الله بن عمر بالخروج معه إلا في غزوة الخندق وما بعدها من الغزوات إذ بلغ عمره خمسة عشر عاماً(١) .

فلا شك أنه حضر غزوة خيبر التي وقعت في السنة السابعة للهجرة النبوية، ورأى بعينيه هزيمة أبي بكر وكذلك هزيمة أبيه عمر، وسمع بلا شك قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك: ( لأعطين الراية غداً إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا ليس فرارا امتحن الله قلبه للإيمان ) ولما أصبح أعطاها لقاطع اللذات ومفرق الجماعات ومفرج الكربات وصاحب الكرامات أسد الله الغالب علي بن أبي طالب(٢) .

وقد أبان حديث الراية هذا فضل علي وفضائله على سائر الصحابة وعلو مقامه عند الله ورسوله وفوزه بمحبة الله ورسوله. ولكن بغض عبد الله بن عمر شاء أن يجعل علياً من سوقة الناس ! وقد قدمنا بأن « أهل السنة والجماعة » عملوا بهذا الحديث الذي أوحاه إليهم سيدهم عبد الله بن عمر، فلم يعدوا علي بن أبي طالب ضمن الخلفاء الراشدين، كلا ولم يعترفوا بخلافته إلا في زمن أحمد بن حنبل كما أثبتناه، عندنا افتضحوا في عهد كثر فيه الحديث المحدثون، وبدأت أصابع الأتهام تتوجه

____________________

(١) صحيح اليخاري كتاب الشهادات باب بلوغ الصبيان ج ٣ ص ١٥٨. وكذلك صحيح مسلم كتاب الإمارة باب سن البلوغ.

(٢) ذكر حديث الراية كل من البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والإمام أحمد وأبو داود وكل المحدثين.

٢٢٩

إليهم وتوصمهم بالنصب والبغض لأهل البيت النبوي، وقد عرف المسلمون كلهم بأن بغض علي من أكبر علامات النفاق. عند ذلك اضطروا للقول بخلافة علي وألحقوه بركب الراشدين وتظاهروا بمحبة أهل البيت زوراً وبهتاناً. وهل من سائل يسأل أبن عرم، لماذا اختلف المسلمون كلهم أو جلهم بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيمن يستحق الخلافة ومن هو أولى بها فاختلفوا في علي وأبي بكر فقط، ولم يكن لأبيه عرم ولا بان عفان سوق رائجة في ذلك العهد ؟

وهل من سائل يسأل ابن عمر، إذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرك على رأيك، فلا يعدل بأبي بكر أحدا ثم عثمان، فلماذا ولى عليهم قبل وفاته بيومين شايا لا نبات بعارضيه اصغر منك سناً، وأمرهم بالسير تحت إمرته وقيادته ؟ أتراه يهجر كما قال أبوك ؟

وهل من سائل يسأل ابن عمر، لماذا قال المهاجرون والأنصار غداة بيعة أبي بكر لفاطمة الزهراء: والله لو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما كنا نعدل به أحداً، وهو اعتراف من كبار الصحابة بأنهم لا يعدلون بعلي أحداً، لولا ما سبقت بيعتهم التي سموها فلتة. فما هي قيمة رأي عبد الله بن عمر المراهق المغرور الذي لا يعرف كيف يطلق زوجته من آراء كبار الصحابة ؟

وأخيراً هل من سائل يسأل عبد الله بن عمر، لماذا اختار جل الصحابة علي بن أبي طالب للخلافة بعد مقتل عمر وقدموه على عثمان، لولا رفضه شرط ابن عوف في الحكم بسنة الشيخين(١) .

ولكن عبد الله بن عمر تأثر بأبيه، فقد عاشر خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وهو يرى علي بن أبي طالب مبعداً، ليس له في الجماعة مجلس ولا في الحكومة منصب وقد تحولت عنه وجوه الثاس بعد وفاة ابن عمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوجته سيدة النساء وليس عنده ما يطمع الناس فيه.

____________________

(١) تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٠، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٠٤ تاريخ ابن قتيبة وكذلك مسند أحمد ج ١ ص ٧٥.

٢٣٠

ولا شك في أن عبد الله بن عمر كان أقرب الناس لأبيه فكان يسمع آراءه ويعرف أصدقاءه وأعداءه، فشب على ذلك البغض والحقد والكراهية لعلي خاصة ولأهل البيت عامة وترعرع وكبر على ذلك، حتى إذا رأى يوماً علياً وقد بايعه المهاجرون والأنصار بعد مقتل عثمان، فكبر ذلك عليه ولم يتحمله وأظهر المكنون من حقده الدفين فرفض أن يبايع إمام المتقين وولي المؤمنين، ولم يتحمل البقاء في المدينة فخرج إلى مكة مدعيا العمرة. ونرى بعد ذلك عبد الله بن عمر يعمل كل ما في وسعه لتثبيط الناس وفك عزائمهم ليحجموا عن نصرة الحق ومقاتلة الفئة الباغية التي أمر الله بمقاتلتها حتى تفيء إلى أمر الله. فكان من الخاذلين الأولين لإمام زمانه المفترض الطاعة.

وبعد مقتل الإمام علي وتغلب معاوية على الإمام الحسن بن علي وانتزاع الخلافة منه، خطب معاوية في الناس قائلا: ( إني لم أقاتلكم لتصلوا أو تصوموا وتحجوا ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك ). نرى عبد الله بن عمر يسارع عند ذلك إلى بيعة معاوية بدعوى أن الناس اجتمعوا عليه بعد ما كانوا متفرقين، وأنا أعتقد بأنه هو الذي سمى ذلك العام بعام الجماعة فهو وأتباعه من بني أمية أصبحوا « أهل السنة والجماعة » من ذلك الوقت وحتى قيام الساعة. وهل من سائل يسأل ابن عمر ومن يقول بمقالته من « أهل السنة والجماعة » متى حصل الإجماع على خليفة في التاريخ كالذي حصل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؟

فخلافة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها وقد تخلف عنها كثير من الصحابة. وخلافة عمر كانت بدون مشورة بل بعهد من أبي بكر ولم يكن للصحابة فيها رأي ولا قول ولا عمل. وخلافة عثمان كانت بالثلاثة الذين اختارهم عمر بل تمت باستبداد عبد الرحمان بن عوف وحده.

٢٣١

أما خلافة علي فكانت ببيعة المهاجرين والأنصار له بدون فرض ولا إكراه، وكتب ببيعته إلى الآفاق كلهم إلا معاوية من الشام(١) . وكان من المفروض على ابن عمر و « أهل السنة والجماعة» أن يقتلوا معاوية بن أبي سفيان الذي شق عصا الطاعة وطلب الخلافة لنفسه، وذلك حسب الروايات التي أخرجوها في صحاحهم من أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما جاء في صحيح مسلم وغيره: ( من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر )(٣) .

ولكن عبد الله بن عمر عكس الآية تماماً وبدلاً من الامتثال لحديث النبي وأواره ومقاتلة معاوية وقتله ؛ لأنه نازع خليفة المسلمين وأشعل نار الفتنة، نراه يمتنع عن بيعة علي التي أجمع عليها المسلمون ويبايع معاوية الذي شق عصا الطاعة ونازع الإمام وقتل الأبرياء وتسب في فتنة بقيت آثارها إلى اليوم. ولذلك أعتقد بأن عبد الله بن عمر قد شارك معاوية في كل ما ارتكبه من جرائم وموبقات وآثام ؛ لأنه شيد ملكه وأعانه على التسلط والاستيلاء على الخلافة التي حرمها الله ورسوله على الطلقاء وأبناء الطلقاء، كما ورد ذلك في الحديث الشريف. ولم يكتف عبد الله بن عمر بذلك فحسب، بل سارع لبيعة يزيد بن معاوية، يزيد الخمور والفجور والكفر والفسوق الطليق ابن الطليق واللعين ابن اللعين. وإذا كان عمر بن الخطاب كما ذكره ابن سعد في طبقاته يقول: « لا تصلح الخلافة لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح »(٤) ، فكيف يخالف عبد الله أباه

____________________

(١) ابن حجر في فتح الباري ج ٧ ص ٥٨٦.

(٢) صحيح مسلم ج ٦ ص ٢٣ مستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٥٦، سنن البيهقي ج ٨ ص ١٤٤.

(٣) صحيح مسلم وسنن البيهقي وسنن ابن ماجه.

(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٢٤٨.

٢٣٢

في هذا المبدأ الذي سطره من قبل، وإذا كان عبد الله بن عمر بخالف كتاب الله وسنة رسوله في أمر الخلافة فلا نستغرب أن يعمل بعكس رأي أبيه، ثم هل لنا أن نسأل عبد الله بن عمر: أي إجماع وقع على بيعة يزيد بن معاوية وقد نبذه صلحاء الأمة وبقية المهاجرين والأنصار، ومنهم سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وكل من سار معهم ورأى رأيهم ؟ والمعروف أنه هو نفسه كان من المعارضين لبيعة يزيد في البداية، ولكن معاوية عرف كيف يستميله فأرسل إليه مائة ألف درهم فقبلها، فلما ذكر له البيعة لابنه يزيد قال ابن عمر: هذا ما أراد ؟ إن ديني إذن علي لرخيص(١) .

نعم لقد باع عبد الله بن عمر دينه بثمن رخيص كما شهد بذلك على نفسه، وهرب من بيعة إمام المتقين وأسرع لبيعة إمام الباغين معاوية وإمام الفاسقين يزيد، وكما تحمل أوزار تلك الجرائم التي سببها حكم معاوية الظالم، فإنه يتحمل بلا شك أوزار جرائم يزيد وعلى رأسها انتهاك حرمة رسول الله، وقتل ريحانته سيد شباب أهل الجنة وعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصالحين من أبناء الأمة الذين قتلهم في كربلاء وفي وقعة الحرة. ولم يكتف عبد الله بن عمر بهذا الحد من البيعة إلى يزيد فحسب بل عمل على حمل الناس عليها وردهم إلهيا وخوف كل من تحدثه نفسه بالخروج عليها. فقد أخرج البخاري في صحيحه وغيره من المحدثين بأن عبد الله بن عمر جمع ولده وحشمه ومواليه - وذلك عندما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية - فقال لهم: إنا بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله(٢) وإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان ،

____________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٣١ والاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٣٩٦ وأسد الغابة، ج ٣ ص٢٨٩.

(٢) هل أمر الله ورسوله ببيعة الفساق والمجرمين ؟ أم أنه أمر ببيعة أوليائه الصالحين فقال: ( إنما وليكن الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ؟

٢٣٣

وإن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته(١) ولا يخلعن أحد منكم ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلماً بيني وبينه(٢) . ولقد قوي بطش يزيد بموالاة عبد الله بن عمر له وتحريضه الناس على بيعته، فجهز جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة من أكابر الفاسقين، وأمره بالسير إلى مدينة الرسول وأباح له أن يفعل فهيما ما يشاء فقتل عشرة آلاف من الصحابة وسبى نساءهم وأموالهم، وقتل سبعمائة من حفاظ القرآن على ما يذكره البلاذري، وهتك الحرمات من الحرائر المسلمات حتى ولدن من سفاح أكثر من ألف مولود، وأخذ منهم البيعة على أنهم كلهم عبيد لسيده يزيد. أفلم يكن عبد الله بن عمر شريكه في كل ذلك إذ عمل على دعمه وتأييده ؟ أترك الاستنتاج في ذلك إلى الباحثين !

ولم يقف عبد الله بن عمر عند هذا الحد بل تعداه إلى بيعة مروان بن الحكم الوزغ اللعينن الفاجر الذي حارب عليا، وقتل طلحة وفعل الأفاعيل، من حرق بيت الله الحرام ورميها بالمجانيق حتى هدم ركنها، وقتل فيها عبد الله بن الزبير، وأعمال أخرى يندى لذكرها الجبين. ثم يذهب ابن عمر في البيعة أشواطاً ويذهب إلى بيعة الحجاج بن يوسف الثقفي الزنديق الأكبر الذي كان يستهزئ بالقرآن، ويقول ما هو إلا رجز الأعراب، ويفضل على رسول الله سيده عبد الملك بن مروان، الحجاج الذي عرف بوائقه الخاص والعام حتى قال المؤرخون بأنه انتقض كل أركان الإسلام. ذكر الحافظ بن عساكر في تاريخه أن رجلين أختلفا في الحجاج قال أحدهما: هو كافر، وقال الثاني: بل هو مؤمن ضال، ولما تعاندا سألا الشعبي عنه

____________________

(١) ليت ابن عمر قال هذا لطلحة والزبير اللذان نكثا بيعتهما لعلي وحارباه وليست « أهل السنة والجماعة » عملوا بهذا الحديث في تقسيم الرجال ! وإذا كان نكث البيعة من أعظم الكباير الذي تأتي بعد الإشراك، فما هي مصير طلحة والزبير اللذين لم ينكثا البيعة ققط ولكنهما هتكا الأعراض وقتلا الأبرياء ونهبا الأموال وخانا العهد ؟ ؟ ؟

(٢) صحيح البخاري ج١ ص١٦٦، مسند أحمد ج٢ ص٩٦، سنن البيهقي ج٨ ص١٥٩.

٢٣٤

فقال: إنه مؤمن بالجبت والطاغوت وكافر بالله العظيم(١) . هذا الحجاج المجرم المنتهك لما حرم الله، والذي يذكر المؤرخون بأنه أسرف في القتل والتعذيب والتمثيل بصلحاء الأمة والمخلصين وخصوصاً منهم شيعة آل محمد، فإنهم لاقوا منه ما لم يلاقوه من غيره. يقول ابن قتيبة في تاريخه بأن الحجاج قتل في يوم أحد بضع وسبعين ألفاً حتى سالت الدماء إلى باب المسجد وإلى السكك(٢) . ويقول الترمذي في صحيحه: أحصى ما قتل الحجاج صراً فوجد مائة وعشرون ألفا(٣) . ويقول ابن عساكر في تاريخه بعد ذكر من قتلهم الحجاج: ووجد في سجنه بعد موته ثمانون ألفاً منهم ثلاثون ألف امرأة(٤) . وكان الحجاج يشبه نفسه برب العزة والجلالة فإذا مر قرب السجن وسمع نداء المسجونين واستغاثتهم له يقول لهم: إخسأوا فيها ولا تكلموني. هذا الحجاج الذي تنبأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل وفاته فقال: ( إن في ثقيف كذاباً ومبيراً ). والغريب أن راوي هذا الحديث هو عبد الله بن عمر نفسه(٥) ! نعم لقد ترك عبد الله بن عمر بيعة خير البشر بعد النبي ولم ينصره ولم يصل وراءه، فأذله الله سبحانه وذهب إلى الحجاج يقول: سمعت رسول الله ( صلي الله عليه وآله و سلم ) يقول: ( من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ). فاحتقره الحجاج اللعين وأعطاه رجله قائلاً: إن يدي مشغولة فبايعه، وكان يصلي خلف الحجاج الزنديق وخلف واليه نجدة بن عامر رأس الخوارج(٦) .

ولا شك بأن عبد الله بن عمر اختار الصلاة وراء هؤلاء ؛ لأنهم كانوا مشهورين

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٨١.

(٢) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٦.

(٣) صحيح الترمذي ج ٩ ص ٦٤.

(٤) تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٨٠.

(٥) صحيح الترمذي ج ٩ ص ٦٤ ومسند أحمد بن حنبل ج ٢ ص ٩١.

(٦) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ١١٠ والمحلى لابن حزم ج ٤ ص ٢١٣.

٢٣٥

بشتم ولعن علي بعد كلا صلاة. فكان ابن عمر يشفي غليله ويروي حقده الدفين وهو يسمع ذلك فيرتاح قلبه ويهدأ روعه. ولذلك نجد مذهب « أهل السنة والجماعة » يفتون بالصلاة وراء البر والفاجر، وراء المؤمن والفاسق وذلك استناداً لما فعله سيدهم وفقيه مذهبهم عبد الله بن عمر في صلاته وراء الحجاج الزنديق والخارجي نجدة بن عامر. أما ما قاله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً )(١) . فيضرب به عرض الجدار.

وليست هذه الخصال الأربعة - حفظ القرآن، وحفظ السنة، وقدم الهجرة، وقدم الإسلام - ولا واحدة منهن توجد في هؤلاء الذين بايعهم ابن عمر وصلى بإمامتهم لا معاوية ولا يزيد ولا مروان ولا الحجاج ولا نجدة الخارجي. وهذه طبعاً من السن النبوية التي خالفها عبد الله بن عمر وضرب بها عرض الجدار، وعمل بعكسها تماماً إذ أنه ترك سيد العترة الطاهرة علياً الذي اجتمعت فيه كل هذه الخصال وأكثر منها فنبذه وراء ظهره ويمم وجهه شطر الفساق والخوارج والملحدين أعداء الله ورسوله واقتدى بصلاتهم !

وكم لعبد الله بن عمر فقيه « أهل السنة والجماعة » من مخالفات لكتاب الله وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو شئنا لجمعنا في ذلك كتاباً مستقلاً، ولكن يكفينا ذكر بعض الأمثلة من كتبهم وصحاجهم حتى تكون حجتنا بالغة.

خلاف عبد الله بن عمر للكتاب والسنة:

قال الله تعالى في كتابه العزيز:( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‌ءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) ( الحجرات: ٩ ) وقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا علي، أنت تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين ). فيخالف عبد الله بن عمر نصوص القرآن والسنة النبوية كما يخالف إجماع

____________________

(١) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٣٣، صحيح الترمذي ج ٦ ص ٣٤، سنن أبي داود ج ١ ص ٩٦.

٢٣٦

الأمة من المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا مع أمير المؤمنين، ويقول برأيه: لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب(١) . كما ذكر ابن حجر بأن عبد الله بن عمر كان من رأيه ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة(٢) . عجيب والله أمر عبد الله بن عمر الذي يرى الحق مع طائفة ويرى الباطل مع الأخرى، ثم لايتحرك لنصرة الحق على الباطل ولا لردع الباطل حتى يفئ إلى أمر الله، ويصلي وراء الغالب ولو كان باطلاً ! وهو ما وقع فعلاً من ابن عمر. فقد تغلب معاوية وقهر الأمة وتولى عليها رغم أنفها فجاء ابن عمر فبايعه وصلى خلفه رغم ما فعله معاوية من جرائم ويواثق تفوق التصور ولا تخفى على ابن عمر. وقد تغلب أهل الباطل من أئمة الجور بكثرتهم على أهل الحق، وهم أئمة أهل البيت فأبعدوا وقام الطلقاء والفساق والمجرمون الضالون يحكمون الأمة بالقوة والقهر. فترك ابن عمر الحق بكامله فلم يسجل له التاريخ صحبة ولا مودة لأهل البيت، وقد عاصر منهم خمسة أئمة، فلم يصل وراء واحد منهم، ولو يرو عن واحد منهم حديثاً ولم يحدث ولم يعترف لواحد منهم بفضل ولا فضيلة.

وقد عرفنا - في فصل الأئمة الاثني عشر من هذا الكتاب - رأيه في الخلفاء الاثني عشر على حد زعمه فقد صحح خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والسفاح وسلام والمنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب، قال: هؤلاء الاثنا عشر كلهم من بني كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله(٣) . فهل ترى في هؤلاء واحداً من أئمة الهدى من عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذين وصفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنهم سفينة النجاة وأعدال القرآن ؟ !

____________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج٤ ص١١٠.

(٢) فتح الباري لابن حجر ص ٣٩.

(٣) تاريخ السيوطي - كنز العمال - تاريخ ابن عساكر والذهبي، ولمعرفة المصادر بالأرقام يراجع فصل الخلفاء الاثني عشر عند أهل السنة من الكاب.

٢٣٧

ولذلك فإنك لا ترى لهم وجوداً عند « أهل السنة والجماعة » ولا يوجد في قائمة أئمتهم وخلفائهم الذين يقتدون بهم واحد من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام . هذه حال عبد الله بن عمر في مخالفة الكتاب والسنة، أما جهله بهما فحدث ولا حرج. فمنه جهله بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخص للنساء إذا كن محرمات أن يلبسن الخفين، وكان ابن عمر يفتي بحرمة ذلك(١) . ومنها أنه كان يكري مزارعه على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وعمر وعثمان معاوية حتى حدثه أحد الصحابة في آخر خلافة معاوية بأن رسول الله حرمه(٢) . نعم هذا هو فقيه « أهل السنة والجماعة » لا يعرف حرمة كراء المزارع، ولا شك بأنه كان يفتي بجواز ذلك طوال هذه المدة المذكورة من عهد النبي إلى آخر خلافة معاوية قرابة خمسين عاماً.

ومنها ما أنكرته عليه عائشة من فتواه بأن القبلة توجب الوضوء، أو فتواه بأن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، وكذلك في أذان الصبح وفي قوله بأن الشهر تسعة وعشرون يوماً، كما عارضته في عذة مسائل أخرى. ومنها ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما: قيل لبعد الله بن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر. فقال ابن عمر: اكثر أبو هريرة علينا، فصدقت عائشة أبا هريرة وقالت: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوله، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في فراريط كثيرة(٣) .

وتكفينا شهادة عمر بن الخطاب في ابنه عبد الله عندما قال له أحد المتملقين، وهو على فراش الموت: إستخلف عبد الله بن عمر، فقال له: كيف استخلف عليهم من لا يعرف كيف يطلق زوجته ؟

____________________

(١) سنن أبي داود ج ١ ص ٢٨٩، سنن البيهقي ج ٥ ص ٢٥، مسند أحمد ج ٢ ص ٢٩.

(٢) صحيح اليخاري وصحيح مسلم ج ٥ ص ٢١.

(٣) صحيح البخاري في كتاب الجنائز باب فضل اتباع الجنائز.

٢٣٨

فهذا هو ابن عمر ولا أحد يعرفه أكثر من أبيه.

وأما الأحاديث المكذوبة التي خدم بها سيده معاوية فكثيرة جداً ونذكر منها على سبيل المثال قوله: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع معاوية، ثم قال من الغد يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع معاوية، ثم قال من الغد مثل ذلك فطلع معاوية. وقوله: لما نزلت آية الكرسي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاوية: أكتبها، فقال معاوية: مالي يكتبها إن كتبتها ؟ قال: لا يقرأها أحد إلا كتب لك أجرها.

وأنا لا أدري لماذا لم يلحق « أهل السنة والجماعة » سيدهم معاوية كاتب الوحي بالعشرة المبشرين بالجنة وسيدهم ابن عمر يؤكد ثلاث مرات، وفي ثلاثة أيام متوالية أن معاوية من أهل الجنة، وإذا كان الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة فإن معاوية أفضل مهم جميعاً، إذ يبعث وعليه رداء من نور الإيمان !! إقرأ واعجب !!

هذا هو عبد الله بن عمر وهذا مبلغه من العلم وهذا فقهه وخلافه للكتاب والسنة النبوية، وهذا هو عداؤه لأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا هو ولاؤه وتزلفه لأعداء الله ورسوله وأعداء الإنسانية. فهل يتبصر « أهل السنة والجماعة » اليوم بهذه الحقائق ويعلمون بأن السنة المحمدية لا توجد إلا عند أتباع العترة الطاهرة وهم الشيعة الإمامية ؟( لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ‌ ) ( الحشر: ٢٠ ).

صدق الله العلي العظيم

١٢ - عبد الله بن الزبير:

أبوه الزبير بن العوام الذي قتل في حرب الجمل وتسمى في السنة النبوية حرب الناكثين، وأمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وخالته عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر وزوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو من أكبر المناوئين للإمام عليعليه‌السلام والمبغضين له.

٢٣٩

ولعله كان يفتخر بخلافة جده أبي بكر وبخالته عائشة فورث منهما ذلك الحق وشب عليه. فكان الإمام عليعليه‌السلام يقول للزبير: قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك. والمشهور في التاريخ أنه كان في حرب الجمل من العناصر البارزة والقادة المباشرين، حتى أن عائشة قدمته ليؤم الناس في الصلاة بعدما عزلت طلحة والزبير ؛ لأنهما اختلفا ورغب كل واحد منهما فيها. ويقال أيضاً إنه هو الذي جاء لخالته عائشة بخمسين رجلاً يشهدون زوراً بأن المكان ليس ب- ( ماء الحوأب ) فواصلت معهم طريقها. وعبد الله هو الذي عبر أباه بالجبن واتهمه بالخوف لما عزم على اعتزال المعركة بعدما ذكره الإمام عليعليه‌السلام بحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإعلامه بأنه سيقاتل علياً وهو له ظالم، حتى أن أباه - لما كثر هو تعييره - قال له: ( مالك أخزاك الله من ولد ما أشأمك )(١) .

ويقال: إنه ما زال يعير أباه ويهيجه حتى حمل على جيش علي فقتل، وبهذا يصدق عليه قول أبيه ( ما أشأمك من ولد ).

وهذه هي الرواية التي اخترناها ؛ لأنها أقرب للواقع ولنفسية الزبير الحاقدة وابنه عبد الله ابن السوء. فلا يمكن للزبير أن ينسحب من المعركة بتلك السهولة ويترك وراءه طلحة وأصحابه ومواليه وعبيده الذين جاء بهم إلى البصرة، ويترك أم المؤمنين أخت زوجته وقد أشرفت على الهلاك، ولو سلمنا بأنه تركهم فهم لا يتركونه وبالخصوص ابنه عبد الله الذي عرفنا عزمه وشدة حزمه. ويذكر المؤرخون بأن عبد الله بن الزبير كان يشتم علياً ويلعنه ويقول: جاءكم الوغد اللئيم - يقصد علياًعليه‌السلام - وخطب في أهل البصرة يستنفر الناس ويحرضهم على القتال فقال: أيها الناس إن علياً قتل الخليفة بالحق عثمان مظلوماً، ثم جهز الجيوش ليستولي عليكم ويأخذ مدينتكم، فكونوا رجالاً تطالبون بثأر خليفتكم، واحفظوا حريمكم وقاتلوا عن نسائكم

____________________

(١) تاريخ أعلم وكذلك شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ١٧٠.

٢٤٠