شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80207
تحميل: 4645

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80207 / تحميل: 4645
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وذراريكم وأحسابكم وأنسابكم، ألا وإن علياً لا يرى في هذا الأمر أحداً سواه، والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم(١) . وقد بلغ من بغضه لبني هاشم عامة ولعليعليه‌السلام خاصة أنه ترك الصلاة على محمد أربعين جمعة ويقول: إنه لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها(٢) .

وإذا كان حقده وبغضه يصل به إلى ترك الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا لوم عليه ولا يستغرب منه أن يكذب على الناس ويتهم الإمام علياًعليه‌السلام ويرميه بكل قبيح، وقد سمعت خطبته في أهل البصرة وقوله لهم: والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم. إنه كذب مفضوح وبهتان عظيم من عبد الله بن الزبير الذي لا يعرف الحق إلى قلبه سبيلاً. والشاهد على ذلك أن علي بن أبي طالب ظفر بهم وانتصر عليهم وأمر الإغلبية منهم وفيهم عبد الله بن الزبير نفسه، ولكنه عفا عنهم جميعاً وأطلق سراحهم وأكرم عائشة بأن سترها وأرجعها إلى بيتها في المدينة، كما منع أصحابه من أحد الغنائم وسبي النساء والأطفال، والإجهاز على جريح، حتى سبب له ذلك تمرد بعض الجيش عليه والتشكيك في أمره. فعليعليه‌السلام هو محض السنة النبوية وهو العارف بكتاب الله ولا أحد يعرفه سواه، فقد ثارت ثائرة بعض المنافقين المندسين في جيشه وألبوا عليه، وقالوا: كيف يبيح لنا قتالهم ويحرم علينا سبي نسائهم ؟

واغتر بهذا القول كثير من المقاتلين غير أنه ( سلام الله عليه ) احتج عليهم بكتاب الله وقال لهم: إقترعوا على من يأخذ منكم أمه عائشه ! وعند ذلك أدركوا أنه على الحق فقالوا نستغفر الله لقد أصبت وأخطأنا. فقول عبد الله بن الزبير كذب وبهتان مبين ؛ لأن بغضه لعليعليه‌السلام

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٣٥٨ تاريخ المسعودي ج ٥ ص ١٦٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٧، شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٣٨٥.

٢٤١

أعمى بصره وبصيرته وأخرجه عن الإيمان ولم يتب ابن الزبير بعد ذلك ولم يتخذ من تلك الحرب دروساً ومواعظ يستفيد منها. كلا إنه قابل الحسنة بالسيئة وازداد حقده وبغضه لبني هاشم ولسيد العترة الطاهرة، وعمل كل ما في وسعه لإطفاء نورهم والقضاء عليهم. فقد روى المؤرخون بأنه وبعد مقتل الإمام عليعليه‌السلام قام يدعو لنفسه بإمارة المؤمنين والتف بعض الناس وقويت شوكته، فعمل على سجن محمد بن الحنفية، ولد الإمام عليعليه‌السلام وكذلك الحسن بن علي ومعهم سبعة عشر رجلاً من بني هاشم، وأراد أن يحرقهم بالنار فجمع على باب الحبس حطباً كثيراً وأضرم عليهم النار، ولولا وصول جيش المختار في الوقت المناسب فأطفأ النار واستنقذهم لبلغ فيهم ابن الزبير مراده(١) . وبعث إليه مروان بن الحكم جيشاً بقيادة الحجاج فحاصره وقتله وصلبه في الحرم.

وهكذا انتهت حياة عبد الله بن الزبير كما انتهت حياة أبيه من قبل، كل منهما أبح الدنيا وحرص على الإمارة وأراد البيعة لنفسه وقاتل من أجلها وهلك وأهلك ومات مقتولاً دونها ولم يبلغ مناه. ولعبد الله بن الزبير أراء في الفقه أيضاً وهي رد فعل منه لمخالفة فقه أهل البيت الذين يبغضهم، ومن أشهرها قوله بحرمة زواج المتعة. فقد قال مرة لعبد الله بن عباس: يا أعمى البصر، لئن فعلتها لأرجمنك بالحجارة. ورد عليه ابن عباس: أنا أعمى البصر، أما أنت فأعمى البصيرة، وإذا اردت معرفة حلية المتعة فاسأل عنها أمك !(٢) .

____________________

(١) تاريخ المسعودي ج ٥ ص ١٨٥ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٤ ص ٤٨٧.

(٢) أعمى البصر لأن عبد الله بن عباس كف بصره في كبره، أما قوله: فاسأل عنها أمك فيقال إن الزبير تزوج أسماء بزواج متعة وإن عبد الله نفسه ولد من المتعة، ويقال إن عبد الله رجع إلى أمه فقالت له: ألم أنهك عن ابن عباس فهو أعلم الناس بمثالب العرب.

٢٤٢

ولا نريد الإطالة في هذا الموضوع الذي كثر فيه الكلام، وإنما أردنا إبراز مخالفة ابن الزبير لأهل البيت في كل شيء حتى في الأمور الفقهية التي ليس له فيها قدم راسخة. وقد ذهب كل هؤلاء بخيرهم وشرهم وتركوا الأمة المنكوبة تمخر في بحر من الدماء وتغرق في بحر الضلالة، والأغلبية منهم لا يعرفون الحق من الباطل، وقد صرح بذلك طلحة والزبير وكذلك سعد بن أبي وقاص. ولكن الوحيد الذي كان على بينة من ربه ولم يشك في الحق طرفة عين، هو علي بن أبي طالب ( سلام الله عليه ) الذي كان يدور الحق معه حيث توجه ودار. فهنياً لمن أتبعه واقتدى به، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنت يا علي وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة )(١) .( فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَکُمْ کَيْفَ تَحْکُمُونَ‌ ) ( يونس: ٣٥ ).

صدق الله العلي العظيم

____________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي في سورة البينة.

٢٤٣

السنة النبوية لا تخالف القرآن عند الشيعة

بعد البحث والتنقيب في عقيدة الطرفين من الشيعة و « أهل السنة والجماعة » وجدنا بأن الشيعة يرجعون في كل أحكامهم الفقهية إلى كتاب الله والسنة النبوية لا غير، ثم هم يرتبون القرآن في المرتبة الأولى والسنة النبوية في المرتبة الثانية، ونعني بذلك أنهم يخضعون السنة للمراقبة ويعرضونها على كتاب الله العزيز، فما وافق بذلك أنهم يخضعون السنة للمراقبة ويعرضونها على كتاب الله العزيز، فما وافق منها كتاب الله قبلوه وعملوا به وما خالف كتاب الله تركوه ولم يقيموا له وزناً(١) . والشيعة يرجعون في ذلك إلى ما قرره أئمة أهل البيتعليهم‌السلام رواية عن جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال: إذا جاءكم حديث عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فاعملوا به وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار. وقد قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عدة مرات: ( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ). وقال في أصول الكافي بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب الناس بمنى فقال: ( أيها الناس، ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم عني يخالف كتاب الله فلم أقله ).

____________________

(١) هذا هو لعمري المنطق السليم الذي يقطع الطريق على كل المحدثين الذين اشتهروا بتدليس الحديث ونسبته للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منه برئ.

٢٤٤

وعلى هذا الأساس المتين بنى الشيعة الإمامية فقههم وعقائدهم، فمهما بلغ الحديث من صحة الإسناد فلابد أن يزنوه بهذا الميزان ويعرضوه على الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والشيعة الإمامية هي الفرقة الوحيدة بين الفرق الإسلامية الأخرى التي اشترطت هذا الشرط، وبالخصوص في باب تتعارض فيه الروايات والأخبار. قال الشيخ المفيد في كتابه المسمى ب- « تصحيح الاعقتاد »: « وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها فما قضى به فهو الحق دون سواه ».

وبناء على هذا الشرط، وهو عرض الحديث على كتاب الله تعالى تميز الشيعة عن « أهل السنة والجماعة » في كثير من الأحكام الفقهية وكذلك في كثير من العقائد. والباحث يجد في كل أحكام الشيعة وعقائدهم مصداقاً في كتاب الله، خلافاً لما هو عند « أهل السنة والجماعة » فالمتتبع قد يجد عندهم عقائد وأحكاماً تخالف صريح القرآن الكريم، ستعرف ذلك وسنوافيك ببعض الأدلة على ذلك قريباً إن شاء الله. وبناء على ذلك يفهم المتتبع أيضاً بأن الشيعة لم يصححوا، أي كتاب من كتب الحديث عندهم أو يعطوه قدسية تجعله بمثابة القرآن، كما هو الحال عند « أهل السنة والجماعة » الذين يصححون كل الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم، رغم أن فيهما مئات الأحاديث التي تتناقض مع كتاب الله. ويكفيك أن تعرف بأن كتاب الكافي عند الشيعة رغم جلالة قدر مؤلفه محمد بن يعقوب الكليني، وتبحره في علم الحديث إلا أن علماء الشيعة لم يدعوا يوماً بأن ما جمعه كله صحيح بل هناك من علمائهم من طرح أكثر من نصفه وقال بعدم صحتها، بل إن مؤلف ( الكافي ) لا يقول بصحة كل الأحاديث التي جمعها في الكتاب.

٢٤٥

ولعل كل ذلك ناتج عن سيرة الخلفاء عند كل فرقة منهم، ف- « أهل السنة والجماعة » اقتدوا بأئمة يجهلون أحكام القرآن والسنة، أو يعرفونها ولكنهم اجتهدوا بآرائم، وخالفوا تلك النصوص لعدة أسباب أوضحنا البعض منها في أبحاث سابقة. أما الشيعة فإنهم اقتدوا بأئمة العترة الطاهرة الذين هم عدل القرآن وترجمانه لا يخالفونه ولا يختلفون فيه.( أَ فَمَنْ کَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَ رَحْمَةً أُولٰئِکَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَکْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَکُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکَ وَ لٰکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ‌ ) ( هود: ١٧ ).

صدق الله العلي العظيم

٢٤٦

السنة والقرآن عند « أهل السنة والجماعة »

بعد ما عرفنا بأن الشيعة الإمامية يقدمون القرآن علي السنة و يجعلونه القاضي عليها والمهيمن، ف " أهل هذا بأنهم سموا أنفسهم ب " أهل السنة " من أجل هذا المبدأ الذي ارتأوه، و إ لا لماذا لم يقولوا بأنهم أهل القرآن السنة و الجماعة " علي العكس تماماً يقدمون السنة علي القرآن و يجعلونها و مهيمنة عليه. و نستنتج من و السنة و خصوصاً أنهم يروون في كتبهم بأن النبي قال: تركت فيكم كتاب الله و سنتي ؟، ولأنهم أهملوا القرآن و جعلوه في المرتبة و تمسكوا بالسنة المزعومة و جعلوها في المرتبة الأولي، فهمنا من ذلك السبب الرئيسي لقولهم بأن السنة قاضية على القرآن. و هذا منهم أمر عجيب، و أعتقد بأنهم اضطروا إلى ذلك اضطراراً عندما وجدوا أنفسهم يقومون بأعمال مخالفة لما جاء في القرآن، و قد ألفوها بعدما فرضها عليهم الحكام الذين أطاعوهم. و لتبرير تلك الأعمال وضعوا لها أحاديث نسبوها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذباً، و لما كانت تلك الأحاديث تتعارض مع أحكام القرآن، قالوا بأن السنة قاضية علي القرآن أو أنها تنسخ القرآن. وأضرب لذلك مثلاً واضحاً يفعله المسلم مرات عديدة في كل يوم، ألا وهو الوضوء قبل الصلاة فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَيْدِيَکُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُءُوسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَى الْکَعْبَيْنِ ) (المائدة: ٦ )

٢٤٧

ومهما قيل، و بقطع النظر عن قراءة النصب والجر وقد قدمنا بأن الفخر الرازي وهو من أشهر علماء " أهل السنة والجماعة " في اللغة العربية قال بوجوب المسح في القراءتين(١) . وقال ابن حزم أيضاً: سواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس أما علي اللفظ و إما على الوضع ولا يجوز غير ذلك.(٢) ولكن الفخر الرازي بعد اعترافه بأن القرآن نزل بوجوب المسح في القراءتين، نراه يتعصب لمذهبه السني، فقال: ولكن السنة جاءت بالمسح ناسخة للقرآن.(٣) وهذا المثل من السنة المزعومة القاضية على القرآن أو الناسخة له، يوجد له أمثلة كثيرة عند " أهل السنة والجماعة " فكم من حديث موضوع يبطلون به حكماً من أحكام الله بدعوى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخه.

و نحن لو تمعنا قي آية الوضوء التي نزلت في سورة المائدة و إجماع المسلمين على أن سورة المائدة هي آخر ما نزل من القرآن و يقال: إنها نزلت قبيل وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهرين فقط، فكيف و متى نسخ النبي حكم الوضوء يا ترى ؟ ! وقد قضى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهل يعقل أنه و قبل شهرين من وفاته عندما نزل عليه قوله سبحانه: ( وامسحوا برؤوسكم و أرجلكم ) عمد إلى غسل رجليه معارضة لكتاب الله ؟ ! إنه كلام لا يصدق، ثم كيف يصدق الناس هذا النبي الذي يدعوهم لكتاب الله والعمل به قائلاً لهم: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ثم يعمل هو بعكسه ؟ ! فهل هذا معقول أو يقلبه العقلاء ؟ أم سيقول له المعارضون والمشركون والمنافقون: إذا كنت أنت تعمل بخلافه، فكيف تأمرنا نحن باتباعه ؟ ! وسوف يجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنى ذلك نفسه محرجاً ولا يقدر علي دفع حجتهم، و لذلك نحن لا نصدق بهذا الادعاء الذي يرفضه النقل والعقل، و كل من له دراية بالكتاب والسنة لا يصدقه.

____________________

(١) التفسير الكبير للفخراوي ج١١ ص١٦١.

(٢) المحلى لابن حزم ج٣ ص٥٤.

(٣) التفسير الكبير للفخر الرازي ج١١ ص١٦١.

٢٤٨

ولكن " أهل السنة و الجماعة " والذين هم في الحقيقة حكام بني أمية و من جرى وراءهم كما عرفنا بذلك في أبحاث سابقة، عمدوا لوضع الأحاديث على لسان النبي ليصححوا بذلك آراء واجتهادات أئمة الضلالة، و يكسبوها شرعية دينية أولاً، وليعللوا اجتهادات هؤلاء في مقابل النصوص بأن النبي نفسه قد اجتهد مقابل النصوص القرآنية و نسخ منها ما شاء، فيصبح بذلك أهل البدع يستمدون شرعيه مخالفتهم للنصوص اقتداء بالرسول كذباً و بهتاناً. و قد قدمنا في بحث سابق بالأدلة و احجج القوية أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال يوماً برأي ولا بقياس و إنما كان ينتظر نزول الوحي لقوله تعالى: ( لتحكم بين الناس بما أراك الله )(١) أليس هو القائل مبلغاً عن ربه:( وَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَکُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ‌ ) ( يونس: ١٥). أولم يهدده ربه بأشد التهديد لو حاول أن يتقول على الله كلمة واحدة، فقال جل وعلا:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ‌ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ‌ * فَمَا مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ‌ ) ( الحاقة: ٤٤ - ٤٧ )

فهذا هو القرآن، و هذا هو النبي الذي كان خلقه القرآن، و لكن " أهل السنة والجماعة "(٢) ، ولشدة عداوتهم لعلي بن أبي طالب و أهل البيتعليهم‌السلام ، كانوا يخالفونهم في كل شيء حتى أصبح شعارهم هو مخالفة علي و شيعته في كل شيء، حتى لو كانت سنة نبوية ثابتة عندهم(٣) . و لما كان المشهور عن الإمام عليعليه‌السلام الجهر بالبسملة حتى في الصلاة السرية من أجل إحياء النبوية، فقد عمل بعضهم علي القول

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٤٨، ( النساء: ١٠٥ ).

(٢) ونقصد بهم الأوائل الذين عاهدوا عليا و أولاجه من بعده والذين أسسوا مذهب « أهل السنة والجماعة ».

(٣) قد فصلنا القول في ذلك وأخرجنا تصريحاتهم من كتبهم و أقوال أئمتهم في كتاب « مع الصادقين » فليراجع.

٢٤٩

بكراهتها في الصلاة، و كذلك بالنسبة للقبض والسدل و دعاء القنوت و غير ذلك من الأمور التي تخص الصلاة اليومية. و لذلك كان أنس بن مالك يبكي و يقول: و الله ما أجد شيئاً مما أدركت عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قالوا: و هذه الصلاة ؟ قال: لقد غيرتم فيها ما غيرتم(١) والغريب يشنعون على الشيعة إذا خالفوهم في أية مسألة فتصبح تلك الرحمة نقمة، ولا يقلبون إلا آراء أئمتهم مع أن أئمتهم لا يساوون أئمة العترة الطاهرة في علم ولا في عمل ولا في فضل ولا في شرف. و كما ذكرنا في " غسل الرجلين " و رغم أن كتبهم تشهى بأن المسح هو الذي نزل به القرآن و هو أيضاً سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، و لكنهم لا يقبلون من الشيعة شيئاً من ذلك و يتهمونهم بتأويل القرآن و الخروج عن الدين. والمثل الثاني الذي لا بد من ذكره أيضاً هو نكاح المتعة الذي نزل به القرآن و أقرته السنة النبوية، و لكنهم لتبرير اجتهاد عمر بن الخطاب الذي حرمه اختلقوا حديثاً مكذوباً نسبوه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أخذوا يشنعون على الشيعة لإباحتهم هذا النكاح استناداً لما رواه الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام أضف إلى ذلك أن صحاحهم تشهد بأن الصحابة فعلوه في عهد رسول الله و عهد أبي بكر، و شطر من عهد عمر قبل أن يحرمه، و يشهدون أيضاً بأن الصحابة اختلفوا فيه بين محلل و محرم. والأمثلة في هذه المواضيع - التي ينسخون فيها النص القرآني بحديث مكذوب - كثيرة جداً، و قد ضربنا منها والقصد هو رفع الستار عن مذهب " أهل السنة و الجماعة " و إطلاع القارئ بأنهم يقدمون الحديث على القرآن، و يقولون صراحة بأن السنة قاضية علي القرآن.

____________________

(١) البخاري ج ١ ص ٧٤.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٦ ص ١٩١.

٢٥٠

فهذا الإمام الفقيه عبد الله بن مسلم بن قتيبة محدث و فقيه " أهل السنة و الجماعة " متوفي سنة ٢٧٦ هجرية يقول بصراحة: " السنة قاضية على الكتاب، و ليس الكتاب بقاض علي السنة"(١) . كما ذكر صاحب كتاب مقالات الإسلاميين نقلاً عن الإمام الأشعري و هو إمام " أهل السنة و الجماعة " في الأصول قوله: " إن السنة تنسخ القرآن و تقضي عليه، و أن القرآن لا ينسخ السنة و لا يقضي عليها "(٢) .

و ذكر ابن عبد البر بأن الإمام الأوزاعي و هو من كبار أئمة " أهل السنة و الجماعة "، قال: " إن القرآن أحوج إلي السنة من السنة إلى القرآن … "(٣) .

فإذا كانت هذه أقوالهم تشهد على عقيدتهم فمن الطبيعي جداً أن يتناقض هؤلاء مع ما يقوله أهل البيت من عرض كل حديث على كتاب الله، ووزنه عليه ؛ لأن القرآن هو القاضي على السنة، و من الطبيعي أيضاً أن يرفضوا هذه الأحاديث و لا يعترفوا بها ولو رواها أئمة أهل البيت ؛ لأنهم تنسف مذهبهم نسفاً. فقد ذكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة بأن الحديث الذي روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو قوله: إذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله، قال البيهقي: هذا حديث باطل لا يصح، و هو ينعكس على نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن. و صرح ابن عبد البر نقلاً عن عبد الرحمان بن مهدي بأن الحديث الذي روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال: ( ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، و إن خالف كتاب الله فلم أقله )، هذه الألفاظ لا تصح عنه عند أهل العلم. بصحيح انقل من سقيمه، و قال بأن هذا الحديث وضعه الزنادقة و الخوارج(٤) .

____________________

(١) سنن الدارمي ج ١ ص ١٤٥ و كذلك اين قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص ١٩٩.

(٢) مقالات الإسلاميين ج ٢ ص ٢٥١.

(٣) جامع البيان العلم ج ٢ ص ٢٣٤.

(٤) جامع بيان العلم ج ٢ ص ٢٣٣.

٢٥١

أنظر إلى هذا التعصب الأعمى الذي لم يترك لهم سبيلاً للتحقيق العلمي و الخضوع للحق، فأصبحوا يسمون رواة هذا الحديث، و هم أئمة الهدى من العترة الطاهرة، بالزنادقة و الخوارج و يتهمونهم بوضع الحديث ! و هل لنا أن نسألهم، ما هو هدف الزنادقة و الخوارج من وضع هذا الحديث الذي يجعل كتاب الله - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مرجعاً لكل شيء ؟ ؟ و العاقل المنصف يميل إلى هؤلاء ( الزنادقة و الخوارج ! ! ) الذين يعظمون كتاب الله و يجعلونه في المرتبة الأولى للتشريع، أحسن له من الميل الي " أهل السنة و الجماعة " الذين يقضون علي كتاب الله بأحاديث مكذوبة و ينسخون أحكامه ببدع مزعومة.( کَبُرَتْ کَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ کَذِباً ) ( الكهف: ٥ )

فالذين يسمونهم زنادقة و خوارج هم أهل بين النبوة أئمة الهدى و مصابيح الدجى الذين وصفهم جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنهم أمان الأمة من الاختلاف فإذا خالقتهم قبيلة صارت حزب إبليس و ذنبهم الوحيد هو أنهم تمسكوابسنة جدهم و رفضوا ما سواها من البدع البكرية و العمرية و العثمانية و المعاوية، و اليزيدية و المروانية و الأموية، و بما أن السلطة الحاكمة كانت و زنادقة و أن يحاربوهم و ينبذوهم، ألم يلعن علي و أهل البيت على منابرهم ثمانين عاماً ؟ ؟ ألم يقتل الحسن بسمهم و الحسين و ذريته بسيوفهم ؟ ؟

و دعنا من الرجوع إلى مأساة أهل البيت الذين لم تنته مظلمتهم بعد، ولنعد إلى هؤلاء الذين يسمون أنفسهم " أهل السنة و الجماعة " و الذين ينكرون حديث عرض السنة على القرآن، فلماذا لم يسموا أبا بكر " الصديق " من الخوارج أو من الزنادقة ؟ و هو الذي أحرق الأحاديث و خطب في الناس قائلاً: " أنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، و الناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاَ، فمن سألكم فقولوا: بيننا و بينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله و حرموا حرامه "(١) .

____________________

(١) الذهبي في تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٣.

٢٥٢

ألم يقدم أبو بكر القرآن علي السنة ؟ بل جعله المصدر الوحيد و رفض السنة بدعوى أن الناس يخلفون فيها ؟ ! و لماذا لم يسموا عمر بن الخطاب من الخوارج أو من الزنادقة، و هو الذي رفض السنة النبوية من أول يوم عندما قال: حسبنا كتاب الله يكفينا، و قد أحرق هو أيضاً كل ما جمعه الصحابة من الأحاديث و السنن على عهده(١) و لم يقف عند ذلك الحد حتى نهى الصحابة عن إفشاء الحديث(٢) . و لماذا لم يسموا أم المؤمنين عائشة التي يؤخذ عنها نصف الدين بأنها من الخوارج و من الزنادقة، فهي التي اشتهرت بعرض الحديث على القرآن، فكانت كلما بلغها حديث لا تعرفه عرضته على كتاب الله و أنكرته إذا عارض القرآن. فقد أنكرت على عمر بن الخطاب حديث: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه، و قالت: حسبكم القرآن، فإنه يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى(٣) .

كما أنكرت حديث عبد الله بن عمر الذي روى بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام علي القليب و فيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال، ثم التفت إلى أصحابه فقال: " إنهم ليسمعون ما أقول ".

فكذبت عائشة أن يكون الأموات يسمعون و قالت: إنما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق )، ثم استشهدت على كذب الحديث بعرضه على القرآن فقرأت قوله سبحانه:( أنك لا تسمع الموتى ) ( النحل: ٨٠ )( وَ مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ( فاطر: ٢٢ )(٤)

و أنكرت أحاديث كثيرة كانت في كل مرة تعرضها على كتاب الله، فقالت لمن حدث بأن محمداً رأى ربه - لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن بها فقد كذب، من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم

____________________

(١) كنز العمال ج ٥ ص ٢٣٧، و ابن كثير و الذهبي في تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٥.

(٢) الذهبي في تذكرة الحفاظ ج ١ ص ٤.

(٣) صحيح البخاري كتاب الجنائز باب قول النبي يعذب الميت ببعض بكاء أهله و كذلك صحيح مسلم، كتاب الجنائز باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

(٤) صحيح البخاري و كذلك صحيح مسلم في كتاب الجنائز في نفس الباب السابق.

٢٥٣

قرأت قوله تعالى:( لاَ تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِکُ الْأَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (الأنعام: ١٠٣ )، و قرأت( وَ مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) (الشوري: ٥١ ). و من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت قول الله: ( و ما تدري نفس ماذا تكسب غداً ) ( لقمان: ٣٤ ) و من حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْکَ مِنْ رَبِّکَ ) ( المائدة: ٦٧ ).

كذبك كان ألو هريرة رواية أهل السنة عندهم، كان كثيراً ما يحدث الحديث، ثم يقول: فاقرأوا إن شئتم قوله تعالى، فيعرض حديثه على كتاب الله حتى يصدقه المستمعون.

فلماذا لا يسمي " أهل السنة و الجماعة " كل هؤلاء من الخوارج و الزنادقة، فهم يعرضون الأحاديث التي يسمعونها علي كتاب الله و يكذبون ما خالف منها القرآن ؟ ! إنهم لا يجرؤون علي ذلك، أما إذا تعلق الأمر بأئمة أهل البيت، فإنهم لا يتورعون بأن يشتموهم بكل نقيصة ولا ذنب لهم سوى عرض الحديث على كتاب الله و إبطالها بأحاديث مكذوبة ؛ لأنهم يدركون تماماُ أنه لو عرضت أحاديثهم على كتاب الله فسوف لن يوافق كتاب الله على تسعة أعشار منها. والعشر العاشر الذي يؤيده كتاب الله لأنه من أقوال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يؤولون بعضه على غير ما أراده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتأويلهم حديث: ( الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش )، و حديث: " تمسكوا بسنة الخلفاء الراشيدين بعدي "، و كقوله: ( اختلاف أمتي رحمة )، و غيرها من الأحاديث الشريفة و التي يقصد بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أئمة العترة الطاهرة، ولكنهم صرفوها إلى خلفائهم الغاصبين و إلى بعض الصحابة المنقلبين. و حتى الألقاب التي يضفونها على الصحابة كتسمية أبي بكر ب- " الصديق " و عمر ب- " الفاروق " و عثمان ب- " ذي النورين " و خالد ب- " سيف الله "، و الحال أن كل هذه الألقاب هي لعلي على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، و علي بن أبي

٢٥٤

طالبعليه‌السلام و هو أفضلهم )(١) .

و علي نفسه كان يقول: أنا الصديق الأكبر ولا يقولها بعدي إلا كذاب. و هو الفاروق الأعظم الذي فرق الله به الحق من الباطل(٢) ، ألم يقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن حبه إيمان و بغضه نفاق، و أن الحق يدور معه حيث دار ؟ وأما ذو النورين(٣) ، فهوعليه‌السلام ، والد الحسن و الحسين ( عليمها السلام ) سيدي شباب أهل الجنة، و هما نوران من صلب النبوة. و أما سيف الله فهو الذي قال فيه جبريلعليه‌السلام يوم أحد: ( لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذوالفقار ) و هو بحق سيف الله الذي سله على المشركين فقتل أبطالهم و جندل شجعانهم و هشم أنوفهم حتى أذعنوا للحق و هم كارهون، و هو سيف الله ؛ لأنه لم يهرب من معركة أبداً، و لم يخش من مبارزة قط. و هو الذي فتح خيبر و قد عجز عنها أكابر الصحابة و رجعوا منهزمين. لقد قامت السياسة من أول خلاقة على عزله و تجريده من كل فضل و فضيلة، و لما معاوية للحكم ذهب أشواطاً بعيدة فعمل على لعن علي و انتقاصه، و على رفع شأن مناوئيه و نسب إليهم كل فضائله و ألقابه زوراً منه و بهتاناً، و من يقدر في ذلك العهد على تكذبيه أو معارضته ؟ و قد وافقوه على سبه و لعنه والبراءة منه، و قد قلب أتباعه من " أهل السنة و الجماعة " كل الحقائق ظهراً على عقب، فأصبح عندهم المنكر معروفاً و المعروف منكراً، و أصبح علي و شيعته هم الزنادقة و الخوارج و الروافض فاستباحوا بذلك لعنهم و قتلهم، و أصبح أعداء الله و رسوله و أهل بيته هم " أهل السنة " فاقرأ واعجب، و إن كنت في شك من هذا فابحث و نقب.

( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ کَالْأَعْمَى وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِيرِ وَ السَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَ فَلاَ تَذَکَّرُونَ‌ ) ( هود: ٢٤ ).

صدق الله العلي العظيم

____________________

(١) شواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ ص ٢٢٣، غاية المرام ص ٤١٧، الرياض النضرة ج ٢ ص ٢٠٢.

(٢) تاريخ الطبري في إسلام علي، سنن ابن ماجه ج ١ ص ٤٤، خصائص النسائي، مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١٢.

(٣) يسمي " أهل السنة و الجماعة " عثمان بذي النورين و يعللون ذلك بأنه تزوج رقية وأم كلثوم بنتي النبي و الصحيح أنهما ربيبتاه، و على فرض أنهما بنتاه، فكيف تكونان نورين و لم يحدث النبي لهما بفضيلة واحدة و لماذا لا تكون فاطمة التي قال في حقها: سيدة نساء العالمين هي النور، و لماذا لم يسموا علياً " بذي النور " على هذا الأساس ؟

٢٥٥

الأحاديث النبوية عند " أهل السنة " متناقضة

لعل الباحث يجد كثيراً من السنن التي تنسب إلي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي في الحقيقة ليست إلا بدعاً ابتدعها بعض الصحابة بعد وفاته و ألزموا الناس بها و حملوهم عليها قهراً، حتى اعتقد أولئك المساكين أنها من أفعال النبي و أقواله. و لذلك جاءت تلك البدع في أغلبها متناقضة و متعارضة مع القرآن، فاضطر علماؤهم للتأويل و القول بأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل هذا مرة، و فعل ذاك أخرى كقولهم بأنه صلى مرة بالبسملة و أخري صلى بدون البسملة، و مرة مسح رجليه في الوضوء و أخرى غسلهما، و مرة قبض يديه في الصلاة و أخري أسدلها، حتى ذهب البعض منهم للقول بأنه فعل ذلك متعمداً للتخفيف علي أمته حتى يختار كل واحد منهم ما يناسبه من العمل. إنه كذبّ برفضه الإسلام الذي بني عقائده علي كلمة التوحيد و توحيد العبادة حتى في المظهر و اللباس، فلم يسمح للمحرم وقت الحج أن يلبس ما يريد لا شكلاً ولا لوناً، و لم يسمح للمأموم إلا أن يتبع إمامه في حركاته وسكناته من قيام و ركوع و سجود و جلوس. كما أنه كذبّ ؛ لأن الأئمة الطاهرين من أهل البيت يرفضون تلك الروايات و لا يقلبون بالاختلاف في العبادات شكلاً و مضموناً. و إذا رجعنا إلى تناقض الأحاديث عند " أهل السنة و الجماعة " فهي كثيرة جداً تفوق الحصر، و سوف نعمل علي جمعها في كتاب خاص إن شاء الله.

٢٥٦

وكالعادة و بإيجاز نذكر هنا بعض الأمثلة ليتبين للباحث على أي أساس بني " أهل السنة و الجماعة " مذهبهم و عقيدتهم. فقد جاء في صحيح مسلم، و في شرح الموطاً لجلال الدين السيوطي عن أنس بن مالك قال: صليت خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أبي بكر و عمر و عثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: بسم الله الرحمان الرحيم.

و في رواية أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يجهر بقراءة بسم الله الرحمان الرحيم، قال: و قد روي هذا الحديث عن أنس قتادة و ثابت البناني و غيرهما، و كلهم أسنده و ذكر فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أنهم اختلف عليهم في لفظه اختلافاً كثيراً، مضطرباً و متدافعاً، فمنهم من يقول فيه: كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمان الرحيم، و منهم من يقول كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمان الرحيم، و منهم من يقول: كانوا يجهرون ببسم الله الرحمان الرحيم و منهم من قال: كانوا لا يتركون بسم الله الرحمان الرحيم، و منهم من قال: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.

قال: و هذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من افقهاء(١) .

أما إذا أردت معرفة السر الحقيقي لهذا التناقض و الاضطراب من نفس الراوي، و هو أنس بن مالك الذي كان يلازم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنه حاجبه، فتراه مرة يروي بأنهم - رسول الله و الخلفاء الثلاثة - كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمان الرحيم، و مرة بأنهم لا يتركونها.

إنما هو الواقع الأليم المؤسف الذي اتبعه أكثر الصحابة في نقل الحديث و روايته حسبما تقتضيه المصلحة السياسية و حسبما يرضي الأمراء.

فلا شك بأنه روي عدم القراءة لبسم الله الرحمان الرحيم عندما عمل بنو أمية و حكامهم علي تغيير كل سنة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان علي بن أبي طالب يتمسك بها ويعمل على إحيائها.

____________________

(١) تنوير الحوالك شرح على موطاً مالك ج ١ ص ١٠٣ و نحن نقول: الحمد لله أن شهد شاهد من أهلها على اضطراب الأحاديث عندهم و تناقضها و أنه كما أعترف، لا تقوم لأحد من فقهائهم حجة، إنما الحجة قائمة مع أئمة الهدي الأطهار الذين بم يختلفوا في شيء.

٢٥٧

فقد قامت سياستهم على مخالفته في كل شيء و العمل بضده. حيث اشتهر ( سلام الله عليه) بأنه كان يبالغ في الجهر بالبسمة حتى في الصلاة السرية. و هذا ليس ادعاء منا أو من الشيعة، فنحن لم نعتمد في كل ما كتبنا إلا على كتب " أهل السنة و الجماعة " و تصريحاتهم.

و قد ذكر الإمام النيسابوري في تفسير غرائب القرآن، و بعد ذكره للروايات المتناقضة عن أنس بن مالك قال: " و فيها تهمة أخري، و هي أن علياًرضي‌الله‌عنه كان يبالغ في الجهر بالتسمية، و لما كان زمن بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سيعاً منهم في إبطال آثار علي بن أبي طالب، فلعله إنما خاف منهم فلهذا اضطراب أقواله "(١) .

كما صرح الشيخ أبو زهرة ما يقارب هذا المعني إذ قال: " لابد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار عليعليه‌السلام في القضاء و الإفتاء ؛ لأنه ليس من المعقول أن يلعنوا علياً فوق المنابر، و أن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه و ينقلون فتاواه و أقواله للناس، و خصوصاً ما يتصل بأساس الحكم الإسلامي"(٢) .

و الحمد الله الذي أظهر الحق على لسان بعض علمائهم فاعترفوا بأن علياً كان يبالغ في الجهر ببسم الله الرحمان الرحيم. و نستنتج بأن الذي دعاه ( سلام الله عليه ) أن يبالغ في الجهر بالتسمية، هو أن الخلفاء الذين سبقوه تركوها إما عمداً أو سهواً واقتدى بهم الناس فأصبحت سنة متبعة و هي بلا شك مبطلة للصلاة إذا ما تركت عمداً، و إلا لما بالغ الإمام عليعليه‌السلام في الجهر بها حتى في الصلاة السرية. ثم إننا نشتم من روايات أنس بن مالك التزلف لإرضاء بني أمية الذين أطروه و أغدقوا عليه الأموال و بنوا له القصور ؛ لأنه من المناوئين لعليعليه‌السلام هو الآخر و يظهر بغضه لأمير المؤمنينعليه‌السلام من قصة الطير

____________________

(١) تفسير غرائب القرآن للنيسابوري بهامش تفسير الطبري ج ١ ص ٧٧.

(٢) الشيخ أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق ص ١٦١.

٢٥٨

المشوي عندما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطير )، فجاء علي يستأذن فرده أنس ثلاث مرات، و لما عرف النبي في المرة الرابعة قال لأنس: ( ما حملك على ما فعلت ؟ ) قال أنس: رجوت أن يكون واحداً من الأنصار.(١)

و يكفي هذا الصحابي أن يسمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو ربه بأن يأتيه بأحب الخلق إليه، و يستجيب الله لدعاء رسوله فيأتيه بعليعليه‌السلام ، ولكن بغض أنس له يحمله على الكذب فيرد علياً مدعياً بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حاجة له و يتكرر منه الكذاب ثلاث مرات متوالية لأنع لم يقبل أن يكون عليعليه‌السلام أحب الخلق إلي الله بعد رسوله، ولكن علياً اقتحم الباب في المرة الرابعة ودخل، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما حسبك عني يا علي ؟ ) قال: ( جئتك فردني أنس ثلاث مرات )، قال: ( ما حملك على ذلك يا أنس ؟ ) قال: يا رسول الله، سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي.

و التاريخ بعد ذلك يحدثنا بأن أنس بقي علي بغضه للإمامعليه‌السلام طيلة حياته، و هو الذي استشهده علي يوم الرحبة بحديث الغدير فكتم الشهادة و دعا عليه الإمامعليه‌السلام فلم يقم من مجلسه إلا أبرص، فكيف لا يصبح أنساً من المناوئين لعليعليه‌السلام ، و هو بيغضه و يتقرب إلي أعدائه بالبراءة منه. لكل ذلك جاءت روايته في خصوص البسملة تفوح بالولاء لمعاوية بن أبي سفيان إذ يقول: " صليت خلف النبي و أبي بكر و عمر و عثمان " و يعني بذلك أنه ما كان يقبل بالصلاة وراء علي، و هو بالضبط ما كان يريده معاوية و أتباعه من رفع ذكر الخلفاء الثلاثة، و طمس ذكر عليعليه‌السلام و عدم التحدث باسمه. و بما أنه ثبت من طريق أئمة العترة الطاهرة و شيعتهم بأن علياًعليه‌السلام

____________________

(١) لأخرجه الحاكم في المستدرك و قال: صحيح على شرط الشيخين، و أخرجه الترمذي في صحيحه ج ٢، ص ٢٩٩، و الطبري في الرياض النضرة ج ٢ ص ١٦٠، تاريخ بغداد ج ٣ ص ١٧١، كنز العمال ج ٦ ص ٤٠٦، النسائي في الخصائص ص ٥، و ابن الأثير في أسد الغابة ج ٤ ص ٣٠.

٢٥٩

كان يجهر بالبسملة في الفاتحة والسورة التي بعدها، كما ثبت أيضاً من طريق " أهل السنة و الجماعة " بأنه كان يبالغ في الجهر بالبسملة حتى في الصلاة السرية، فثبت بذلك أنها هي السنة النبوية الصحيحة، فمن تركها فقد ترك الواجب و أبطل صلاته ؛ لأن مخالفة السنة هو الضلال، فما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا.

و لنا بعد هذا عدة مآخذ على روايات الصحابة التي تخالف سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عدة أمثلة ذكرنا البعض منها في أبحاث سابقة و سنذكر البعض الآخر في أبحاث لاحقة. و المهم في كل ذلك أن نعرف بأن " أهل اسنة و الجماعة " يقتدون بأقوال و أفعال الصحابة.

أولاً: لإيمانهم بأن أقوالهم و أفعالهم هي سنة ملزمة.

ثانياً: لاشتباههم في أن ما قاله الصحابة و ما فعلوه لا يخالف السنة النبوية ؛ لأن الصحابة كانوا يحكمون بآرائهم و ينسبون ذلك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يتمكنوا من التأثير في النفوس و يأمنوا معارضة المعارضين. و إذا كان علي بن أبي طالبعليه‌السلام هو المعارض الوحيد الذي حاول بكل جهوده في أيام خلافته إرجاع الناس للسنة النبوية بأقواله و أفعاله و فضائه، و لكن بدون جدوى ؛ لأنهم شغلوه بالحروب الطاحنة فلم ينته من حرب إلا و أشعلوا له حرباً أخرى، ولم ينته من حرب الجمل حتى أسعروا حرب صفين ولم ينته من صفين حتى أشعلوا حرب النهروان، و لم ينته منها حنى اغتالوه في محراب الصلاة.

و جاء معاوية للخلافة و كان همه الوحيد هو إطفاء نور الله، فعمل بكل جهوده للقضاء علي سنة النبي التي أحياها الإمام عليعليه‌السلام ، و أرجع الناس لبدع الخلفاء و خصوصاً البدع التي سنها هو لهم، و عمل على سب عليعليه‌السلام و لعنه حتى لا يذكره ذاكر إلا بما هم مشين. يذكر المدائني أن بعض الصحابة جاء إلى معاوية فقال له: " يا أمير المؤمنين، إن علياًعليه‌السلام مات و ليس هناك شيء تخافه، فلو رفعت هذا

٢٦٠