شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80183
تحميل: 4645

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80183 / تحميل: 4645
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هو ابن عم رسول الله وأخوه، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وجدي رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين وعمي حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار، ونحن أهل البيت الذي طهرنا الله سبحانه وافترض مودتنا على كل المسلمين ونحن الذين صلى الله وملائكته علينا وأمر المسلمين بالصلاة علينا، وأنا وأخي الحسين سيدا شباب أهل الجنة.

وعدد له الإمام الحسن بعض فضائل أهل البيت وعرفه حقيقة الأمر فاستبصر الشامي وبكى وأخذ يقبل أنامل الحسن ويلثم وجهه معتذرا عما صدر منه في حقه قائلا:

والله الذي لا إله إلا هو إني دخلت المدينة وليس لي على وجه الأرض أبغض منكم، وها أنا أخرج منها وليس على وجه الأرض أحب إلي منكم، وإني أتقرب إلى الله سبحانه بحيكم ومودتكم وموالاتكم والبراءة من أعدائكم.

التفت الإمام الحسن إلى أصحابه قائلا:

لقد أردتم قتله وهو بريء لأنه لو عرف الحق ما كان ليعانده وإن أكثر المسلمين في الشام مثله لو عرفوا الحق لاتبعوه.

ثم قرأ قول الله تعالى:( وَ لاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَکَ وَ بَيْنَهُ عَدَاوَةٌ کَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ‌ ) ( فصلت: ٣٤ ).

نعم هذا هو الواقع الذي يجهله أكثر الناس مع الأسف فكم من إنسان يعادي الحق ويعانده ردحا من عمره، حتى يكتشف في يوم من الأيام أنه على خطأ فيسارع بالتوبة والاستغفار وهذا هو واجب كل إنسان فقد قيل: « الرجوع للحق فضيلة ».

وإنما المصيبة في الذين يرون الحق عيانا ويلمسونه بأيديهم ثم يقفون ضده ويحاربونه من أجل أغراض خسيسة ودنيا دنيئة وأحقاد دفينة.

وهذا النمط من الناس، قال في حقهم رب العزة والجلالة:( وَ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ‌ ) ( يس: ١٠ ) فلا فائدة في تضييع الوقت معهم وحرق الأعصاب من أجلهم، وإنما الواجب علينا أن نضحي بكل شيء

٢١

مع أولئك المنصفين الذين يبحثون عن الحق ويبذلون جهدهم للوصل إليه والذين قال في حقهم رب العزة والجلالة:( إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّکْرَ وَ خَشِيَ الرَّحْمٰنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ کَرِيمٍ‌ ) ( يس: ١١ ).

فعلى المستبصرين من الشيعة في كل مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحق لكل أبناء الأمة الإسلامية، فلم يكن أئمة أهل البيت حكرة على الشيعة وحدهم، إنما هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى لكل المسلمين.

وإذا بقي الأئمة من أهل البيت مجهولين لدى عامة المسلمين وخصوصا منهم المثقفين من أبناء « أهل السنة والجماعة » فإن الشيعة يتحملون مسؤولية ذلك عند الله.

كما إذا بقي الناس كفارا وملحدين لا يعرفون دين الله القويم الذي جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد المرسلين، فالمسؤولية على كل المسلمين.

٢٢

التعريف بأهل السنة

هم الطائفة الإسلامية الكبرى التي تمثل ثلاثة أرباع المسلمين في العالم، وهم الذين يرجعون في الفتوى والتقليد إلى أئمة المذاهب الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل.

وقد تفرع عنها فيما بعد ما يسمى بالسلفية التي جدد معالمها ابن تيمية الذي يسمونه مجدد السنة، ثم الوهابية التي ابتدعها محمد بن عبد الوهاب، وهو مذهب السعودية.

وكل هؤلاء يسمون أنفسهم « بأهل السنة » وفي بعض الأحيان يضيفون كلمة الجماعة، فيقال « أهل السنة والجماعة ».

ويتبين لنا من خلال البحث التاريخي أن كل من انتمى إلى ما يسمى عندهم بالخلافة الراشدة، أو الخلفاء الراشدين وهم « أبو بكر وعمر وعثمان وعلي » واعترف بإمامتهم سواء في عهدهم أو في عصرنا فهو سني من « أهل السنة والجماعة ».

وكل من رفض تلك الخلافة واعتبرها غير شرعية، وقال بثبوت النص على علي بن أبي طالب فهو شيعي من أهل الرفض. ويتبين لنا أيضاً أن كل الحكام، من أبي بكر وإلى آخر خلفاء بني العباس

____________________

(١) سيتبين لنا في أبحاث لاحقة بأن « أهل السنة والجماعة » لم يلحقوا علي بن أبي طالب بالخلفاء الراشدين الثلاثة إلا في زمن متأخر جدا.

٢٣

هم راضون على أهل السنة ومتفقون تماما معهم، وغاضبون ومنتقمون من الذين تشيعوا لعلي بن أبي طالب وبايعوه بالخلافة كما بايعوا أولاده من بعده.

وعلى هذا الأساس فإن علي بن أبي طالب وشيعته لم يكونوا معدودين عندهم من « أهل السنة والجماعة » وكأن هذا الاصطلاح - يعني « أهل السنة والجماعة » قد وضع في مقابل علي وشيعته، وهو حسب أعتقادي السبب الرئيسي في تقسيم الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول إلى سنة وشيعة.

وإذا رجعنا لتحليل الأسباب وكشف الأستار حسب المصادر التاريخية الموثوقة لوجدنا أن هذا التقسيم ظهر عقيب وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة وبدون فصل، إذ أن الأمر استتب لأبي بكر باعتلائه منصة الخلافة وايدته الأغلبية الساحقة من الصحابة، وعارضه علي بن أبي طالب وبنو هاشم وقلة قليلة من الصحابة الذين كانوا في أغلبهم من الموالي. وبديهي أن السلطة الحاكمة أقصت هؤلاء وأبعدتهم واعتبرتهم خارجين من الصف الإسلامي، وعملت كل جهودها على شل معارضتهم بكل الأساليب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ومن المعلوم أن « أهل السنة والجماعة » اليوم، لا يدركون الأبعاد السياسية التي لعبت في تلك العصور، ومدى العداوة والبغضاء التي أولدتها تلك الأدوار الخبيثة في عزل وإبعاد أعظم شخصية عرفها تاريخ البشرية بعد الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و «أهل السنة والجماعة » في هذا العصر يظنون أو يعتقدون بأن الأمور كانت على أحسن ما يرام وأنها تدور وفق الكتاب والسنة في زمن الخلفاء الراشدين وأن هؤلاء كانوا يتشبهون بالملائكة فكانوا يحترمون بعضهم ولم تكن بينهم أحقاد ولا مطامع ولا نوايا سيئة.

ولكل ذلك تراهم يرفضون كل ما يقوله الشيعة في الصحابة عامة وفي الخلفاء الراشدين منهم خاصة. وكأن « أهل السنة والجماعة » لم يقرأوا كتب التاريخ التي سجلها علماؤهم، واكتفوا فقط بما يسمعونه من أسلافهم من مديح وإطراء وإعجاب بعامة

٢٤

الصحابة وخصوصاً منهم الخلفاء الراشدين، ولو فتحوا قلوبهم وأبصارهم وتصفحوا تاريخهم وكتب الحديث عندهم طلبا للحق ومعرفة الصواب لغيروا عقيدتهم ليس في الصحابة فحسب ولكن في كثير من الأحكام التي يعتبرونها صحيحة وما هي كذلك.

وإني أحاول بهذا المجهود المتواضع أن أبين لإخواني من « أهل السنة والجمعة» بعض الحقائق التي طفحت بها كتب التاريخ، وأخرج لهم باختصار وجيز النصوص الجلية التي تدحض الباطل وتظهر الحق، عسى أن يكون في ذلك الدواء الناجع لتشتت المسلمين واختلافهم ويعمل على توحيدهم وجمع كلمتهم.

وإن « أهل السنة والجماعة » كما أعرفهم اليوم ليسوا متعصبين، وليسوا ضد الإمام علي وأهل البيت، بل إنهم يحبونهم ويحترمونهم ولكنهم في نفس الوقت يحبون ويحترمون أعداء أهل البيت ويقتدون بهم باعتبار « كلهم من رسول الله ملتمس ».

و « أهل السنة والجماعة » لا يعملون بقاعدة الولاء لأولياء الله والبراءة من أعداء الله، بل يلقون بالمودة للجميع ويترضون على معاوية بن أبي سفيان كما يترضون على علي بن أبي طالب.

وقد بهرتهم هذه التسمية البراقة ( أهل السنة والجماعة ) ولم يعرفوا خفاياها ودسائسها التي وضعها دهاة العرب ولو علموا يوماً بأن علي بن أبي طالب هو مخض السنة المحمدية وهو بابها الذي يؤتى منه للدخول إليها، قد خالفوه في كل شيء وخالفهم، لتراجعوا عن موقفهم ولبحثوا الموضوع بجد، ولما وجدت «أهل السنة » إلا شيعة لعلي وللرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكل ذلك لابد من كشف حقيقي لتلك المؤامرة الكبرى التي لعبت أخطر الأدوار في إقصاء السنة المحمدية، وإبدالها ببدع جاهلية سببت نكسة المسلمين وارتدادهم عن الصراط المستقيم وتفرقهم واختلافهم ثم تكفير ومقاتلة بعضهم البعض، الشيء الذي سبب تخلفهم العلمي والتقني مما أدى إلى احتلالهم وغزوهم ثم إذلالهم وتحقيرهم وتذويبهم.

٢٥

وبعد هذا الاستعراض الوجيز للتعريف بالشيعة وبالسنة لابد من الملاحظة بأن اسم الشيعة لا يعني معارضة السنة كما يتوهم عامة الناس عندما يتباهون بقولهم: نحن أهل السنة، ويقصدون بأن غيرهم ضد السنة، فهذا لا يوافق عليه الشيعة أبداً، بل إن الشيعة يعتقدون بأنهم وحدهم المتمسكين بسنة النبي الصحيحة لأنهم أتوها من بابها وهو علي بن أبي طالب ولا باب سواه وعلى رأيهم لا يمكن الوصول إلى الرسول إلا عن طريقه.

ونحن كالعادة في توخي الحياد للوصول إلى الحق لابد أن نتدرج بالقارئ العزيز، ونستعرض معه بعض الأحداث التاريخية ونقدم إليه الدليل والبرهان على أن الشيعة هم أهل السنة كما جاء عنوان الكتاب.

ونترك له بعد ذلك حرية الاختيار والتعليق.

٢٦

أول حادث فرق المسلمين إلى شيعة وسنة

ذلك هو الموقف الرهيب والخطير الذي وقفه عمر بن الخطاب وأكثر الصحابة تجاه أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما أراد أن يكتب لهم ذلك الكتاب الذي يعصم المسلمين من الضلالة(١) .

وعارضوه بشدة وقساوة وعدم احترام لمقامه السامي حتى اتهموه بالهجر والهذيان، مدعين بأن كتاب الله يكفيهم فلا حاجة لكتابة الرسول. ومن خلال هذه الحادثة التي سماها ابن عباس رزية المسلمين يتبين لنا بأن الأكثرية من الصحابة يرفضون السنة النبوية ويقولون: « حسبنا كتاب الله».

أما علي وأتباعه من الصحابة وهم الأقلية والذين سماهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيعة علي، فكانوا يمتثلون أوامر الرسول بدون اعتراض ولا نقاش ويعتبرون كل أقواله وأفعاله سنة واجبة الاتباع تماما ككتاب الله، ألم يقل كتاب الله:( الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْکُمْ ) ( النساء: ٥٩ )

وسيرة عمر بن الخطاب معروفة عند كل المسلمين ومواقفه المعارضة للنبي في كل أدوار حياته مشهورة(٢) .

وبطبيعة الحال فإن عمر بن الخطاب كان يرى عدم التقيد بالسنة النبوية، ويظهر ذلك جليا من خلال أحكامه عندما أصبح للمؤمنين فكان يجتهد

____________________

(١) رزية يوم الخميس مشهورة في صحيح البخاري وصحيح مسلم.

(٢) لقد وافينا البحث لمعارضة عمر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابنا « فاسألوا أهل الذكر ».

٢٧

برأيه مقابل النصوص النبوية بل كان يجتهد برأيه مقابل النصوص الإلهية الجلية فيحرم ما أحل الله ويحلل ما حرم الله(١) .

وبطبيعة الحال إن أنصاره ومؤيديه من الصحابة كانوا على شاكلته، وإن محبيه والمعجبين به من السلف والخلف يقتدون به وببدعه الحسنة كما يسمونها. وسيأتي خلال الأبحاث القادمة بأنهم يتركون سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتبعون سنة عمر بن الخطاب.

____________________

(١) كتحريمه سهم المؤلفة قلوبهم ومتعة الحج ومتعة النساء التي حلّلها الله وتحليله طلاق الثلاث بطلقة واحدة وقد حرّم الله ذلك.

٢٨

الحادث الثاني في مخالفتهم للسنة النبوية

ذلك هو رفضهم الالتحاق بجيش أسامة الذي عبأه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه وأمرهم بالسير تحت قيادته، يومين قبل وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ووصل الأمر بهم إلى الطعن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانتقاده إذ ولى عليهم شابا صغيراً لا نبات بعارضيه عمره سبعة عشر عاماً.

وتخلف عن السير أبو بكر وعمر وبعض الصحابة ولم يلتحقوا بالجيش بدعوى إدارة أمر الخلافة رغم لعن الرسول لمن تخلف عن أسامة(١) .

أما علي وأتباعه فلم يعينهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجيش وذلك لحسم الخلاف، وليصفوا الجو ويخلو من أولئك المعاندين والمعارضين لأمر الله، فلا يرجعوا من مؤتة إلا والأمر قد استتب لعلي كما يريده الله ورسوله في خلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لكن دهاة العرب من القريشيين عرفوا ذلك منه، فرفضوا الخروج من المدينة وتباطأوا حتى لحق الرسول بربه، فأبرموا أمرهم كما خططوا له من قبل، وأبعدوا ما أراده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو بعبارة أخرى رفضوا السنة النبوية.

وبهذا يتبين لنا ولكل باحث أن أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمان بن عوف وأبا عبيدة عامر بن الجراح كانوا يرفضون السنة النبوية ويجتهدون بآرائهم جريا وراء المصالح الدنيوية ومن أجل الخلافة ولو كلفهم ذلك معصية الله ورسوله.

____________________

(١) إقرأ كتاب الملل والنحل للشهرستاني قول النبي: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ج ١ ص ٢٩.

٢٩

أما علي والصحابة الذين اتبعوه فكانوا يتقيدون بالسنة النبوية ويعملون على تنفيذها حرفياً ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وقد رأينا علياًعليه‌السلام في تلك المحنة كيف أنه تقيد بوصية النبي له على أن يقوم بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ومواراته في قبره، فنفذ علي كل أوامره ولم يشغله عن ذلك شاغل، ورغم علمه المسبق بأن الجماعة تسابقوا إلى السقيفة لاختيار أحدهم للخلافة، وكان بإمكانه أن يسارع إليها هو الآخر ويفسد عليهم تخطيطهم ولكن احترامه للسنة النبوية والعمل على تطبيقها يحتم عليه البقاء بجانب ابن عمه ولو كلفه ذلك ضياع الخلافة.

ولابد لنا هنا من وقفة ولو قصيرة، لنلاحظ الخلق العظيم الذي ورثه علي من المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففي حين يزهد علي في الخلافة من أجل تنفيذ السنة نرى الآخرين يرفضون السنة من أجل الخلافة.

٣٠

الحادث الثالث الذي أبرز الشيعة في مقابل « أهل السنة »

ذلك هو الموقف الخطير الذي وقفه أغلب الصحابة في السقيفة ليخالفوا صراحة النصوص النبوية التي نصبت علياً للخلافة وقد حضروها كلهم يوم الغدير بعد حجة الوداع. ورغم اختلاف المهاجرين والأنصار في أمر الخلافة إلا أنهم تصافقوا في الأخير على ترك النصوص النبوية وتقديم أبي بكر للخلافة ولو كلفهم ذلك زهق النفوس، وشمروا على سواعدهم لقتل كل من تحدثه نفسه بمخالفتهم ولو كان من أقرب الناس للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وهذا الحادث أبرز أيضاً أن الأغلبية الساحقة من الصحابة عاضدوا أبا بكر وعمر في رفض سنة نبيهم وإبدالها باجتهاداتهم، فهم أنصار الاجتهاد. كما أبرز في المقابل الأقلية من المسلمين الذين تمسكوا بالنصوص النبوية وتخلفوا عن البيعة لأبي بكر وهم علي وشيعته.

نعم، لقد ظهر في المجتمع الإسلامي بعد الأحداث الثلاثة المذكورة، هوية الفريقين أو الحزبين المتعارضين، يعمل أحدهما على احترام السنة النبوية وتنفيذها، ويعمل الثاني على دحض السنة النبوية وطمسها وإبدالها بالاجتهاد الذي يطمع الأكثرية ويمنيهم بالوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه.

____________________

(١) وأكبر دليل على ذلك تهديد عمر بن الخطاب بحرق بيت فاطمة الزهراء بمن فيها، والقصة مشهورة في كتب التاريخ.

٣١

برز على رأس الحزب الأول السني علي بن أبي طالب وشيعته، وبرز على رأس الحزب الثاني الاجتهادي أبو بكر وعمر وأغلب الصحابة.

وعمل الحزب الثاني بقيادة أبي بكر وعمر على تحطيم وكسر شوكة الحزب الأول ودبروا لذلك عدة تدابير للقضاء على الحزب المعارض، من ذلك:

أولاً: عزل المعارضة وشلها اقتصادياً

أول مبادرة بادر بها الحزب الحاكم هو إقصاء المعارضين عن كل موارد الرزق والمال، وقد عمد أبو بكر وعمر على طرد فلاحي فاطمة من فدك(١) واعتبرا تلك الأرض ملكاً للمسلمين، وليست خالصة لفاطمة كما أقر بذلك أبوهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . كما حرماها من ميراث أيها بدعوى أن الأنبياء لا يورثون، وقطعا عنها سهم الخمس الذي كان رسول الله يخص به نفسه وأهل بيته ؛ لأن الصدقات محرمة عليهم.

وبذلك أصبح علي مشلولاً اقتصادياً فقد اغتصبت منه أرض فدك التي كانت تدر عليه أرباحاً هائلة، وكذلك حرم من ميراث ابن عمه والذي هو حق من حقوق زوجته، وقطع عنه سهم الخمس، فأصبح علي وزوجته وأولاده في حاجة لمن يسد رمقهم ويكسو أجسامهم، وهو بالضبط ما عبر عنه أبو بكر عندما قال للزهراء: نعم أنت لك الحق في الخمس ولكني سوف أعمل فيه عمل رسول الله، فلا أتركك تجوعين ولا تعرين.

وكما قدمنا فإن الصحابة الذين تشيعوا لعلي أغلبهم من الموالي الذين لا ثراء لهم، فلا يخشى الحزب الحاكم منهم ولا من تأثيرهم، فالناس يميلون للغني ويحتقرون الفقير.

____________________

(١) قصة فدك معروفة في كتب التاريخ، وخصام الزهراء لأبي بكر حتى ماتت وهي غاضبة عليه مشهورة ذكرها البخاري ومسلم.

٣٢

ثانياً: عزل المعارضة وشلها اجتماعياً

ولأجل اساقط الصف المعارض الذي يتزعمه علي بن أبي طالب فقد عمل الحزب الحاكم أيضاً على عزله اجتماعياً. وأول شيء فعله أبو بكر وعمر هو تحطيم الحاجز النفسي والعاطفي الذي يحمل المسلمين كافة على احترام وتقدير قرابة الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا كان علي هو ابن عم النبي وسيد العترة الطاهرة، قد وجد له مبغضون ضمن الصحابة الذين كانوا يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، فضلاً عن المنافقين الذين كانوا يتربصون به.

فإن فاطمة هي وحيدة النبي التي بقيت بعده في أمته وهي أم أبيها كما كان يسميها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيدة نساء العالمين فكل المسلمين يحترمونها ويتعظمونها للمكانة التي حظيت بها عند أبيها وللأحاديث التي قالها في فضائلها وشرفها وطهارتها. ولكن أبا بكر وعمر عمدا إلى إسقاط هذا الاحترام والتقدير من نفوس الناس، فجاء عمر بن الخطاب إلى بيت الزهراء وفي يده قبس من نار وطوق بيتها بالحطب وأقسم أن يحرقها بمن فيها إن لم يخرجوا لبيعة صاحبه. يقول ابن عبد ربه في العقد الفريد(١) : « وأما على والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا قاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟

قال: نعم أو تدخلوا في ما دخلت فيه الأمة ».

فإذا كانت فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين كما جاء في صحاح « أهل السنة والجماعة »، وإذا كان ولداها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وريحانة

____________________

(١) العقد الفريد لابن عبد ربه الجزء الرابع عند ذكر جماعة تخلفوا عن بيعة أبي بكر.

٣٣

النبي في هذه الأمة يستهان بهم ويستصغر شأنهم حتى يقسم عمر أمام الملأ أن يحرق عليهم دارهم إن رفضوا البيعة لأبي بكر، فهل يبقى بعد هذا في نفوس الآخرين شيء من الاحترام أو التقدير لعلي بن أبي طالب الذي يبغضه أكثرهم ويحسدونه وقد أصبح بعد وفاة النبي زعيم الصف المعارض وليس عنده من حطام الدنيا ما يرغب الناس فيه ؟

فهذا البخاري يحدث في صحيحه بأن فاطمة طالبت أبا بكر بميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولو يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر(١) .

فقد نجح الحزب الحاكم نجاحاً كبيراً في عزل علي بن أبي طالب اقتصادياً واجتماعياً وأسقطه من أعين الناس، فلم يبق له بينهم احترام ولا تقدير وخصوصاً بعد وفاة الزهراء ولذلك استنكر علي وجوه الناس فاضطر لمصالحة أبي بكر ومبايعته حسب ما يرويه البخاري ومسلم.

وتعبير البخاري كلمة « استنكر على وجوه الناس » يدلنا دلالة واضحة على مدى الحقد والبغض الذي كان يواجهه أبو الحسن ( سلام الله عليه ) بعد وفاة ابن عمه وزوجته، ولعل بعض الصحابة كان إذا مشى بينهم يسبونه ويشتمونه ويستهزئون به، ولذلك استنكر وجوههم للمنكر الذي رآه.

ولا نقصد من هذا الفصل سرد التاريخ ومظلومية علي بقدر ما نريد إظهار الحقيقة المرة والمؤلمة، ألا وهي أن حامل لواء السنة النبوية وباب علم الرسول أصبح متروكاً، وفي المقابل أصبح أنصار الاجتهاد بالرأي الذين يرفضون السنة النبوية هم الحاكمون والمؤيدون أغلب الصحابة.

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٥، ص ٨٢ باب غزوة خيبر، صحيح مسلم كتاب الجهاد.

٣٤

ثالثاً: عزل المعارضة سياسياً

رغم الحصار الشديد ومصادرة الحقوق المالية وعزلهم عن المجتمع الإسلامي حتى تحولت وجوه الناس عن علي بن أبي طالب كما مر علينا، فإن الحزب الحاكم لم يكتف بكل ذلك حتى عمد إلى عزله سياسياً وإبعاده عن كل أجهزة الدولة وعدم إشراكه في أي منصب حكومي أو إسناده أي مسؤولية. وبالرغم من تعيينهم الولاة من الطلقاء ومن فساق بني أمية الذين حاربوا الإسلام طوال حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد بقي الإمام علي بعيداً عن مسرح الحياة السياسية طيلة ربع قرن حياة أبي بكر وعمر وعثمان. وفي حين كان بعض الصحابة الولاة يجمع الأموال ويكنز الذهب والفضة على حساب المسلمين، كان علي بن أبي طالب يسقي نخيل اليهود كي يحصل على قوته بكد يمينه وعرق جبينه.

وهكذا بقي باب العلم، حبر الأمة وحامل السنة حبيس داره ولا يعرف قدره إلا بعض المستضعفين الذين كانوا يعدون على الأصابع فكانوا يتشيعون له ويهتدون بهديه ويتمسكون بحبله.

وقد حاول الإمام علي زمن خلافته إرجاع الناس إلى القرآن والسنة النبوية بدون جدوى إذ أنهم تعصبوا لاجتهاد عمر بن الخطاب وصاح أكثرهم في المسجد: واسنه عمراه. ونستنتج من كل هذا بأن عليا وشيعته تمسكوا بالسنة النبوية وعملوا على إحيائها ولم يحيدوا عنها أبداً بينما اتبعت بقية الأمة بدع أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وسموها ب- « البدع الحسنة »(١) . وهذا ليس من الادعاء بل هي الحقيقة التي أجمع عليها المسلمون وسجلوها في صحاحهم وعرفها كل باحث ومنصف. فقد كان الإمام علي يحفظ القرآن ويعرف كل أحكامه وهو أول من جمعه

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٢، ص ٢٥٢ باب صلاة التراويح وكذلك ج ٧ ص ٩٨.

٣٥

بشهادة البخاري نفسه. في حين لم يكن أبو بكر ولا عمر ولا عثمان يحفظونه ولا يعرفون أحكامه(١) . وقد أحصى المؤرخون على عمر قوله سبعين مرة: لولا علي لهلك عمر، وقول أبي بكر: لا عشت في زمن لست فيه يا أبا الحسن … أما عثمان فحدث ولا حرج.

____________________

(١) جهل عمر بحكم الكلالة مشهور في كتب السنة، وكذلك جهله بأحكام التيمم معلوم لدى الجميع، ذكره البخاري في صحيحه ج ١ ص ٩٠.

٣٦

السنة النبوية بين الحقائق والأوهام

إذا كان عمر بن الخطاب المعدود عند « أهل السنة والجماعة » من الملهمين ومن أعلم الصحابة، إذا لم يكن أعلمهم على الإطلاق للرواية التي أخرجوها في صحاحهم أن النبي أعطاه فضل شرابه وتأول ذلك بالعلم، يشهد على نفسه بأنه يجهل الكثير من السنة النبوية وقد شغل عنها بالتجارة في الأسواق.

فهذا البخاري يروي في صحيحه في باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي كانت ظاهرة وما كان بعضهم يغيب عن مشاهدة النبي وأمور الإسلام، قال: استأذن أبو موسى على عمر فكأنه وجده مشغولاً فرجع، فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له فدعي له فقال: ما حملك على ما صنعت ؟

فقال: إنا كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: فائتني على هذا ببينة أو لأفعلن بك، فانطلق إلى مجلس الأنصار فقالوا: لا يشهد إلا أصاغرنا، فقام أبو سعيد الخدري فقال: قد كنا نؤمر بهذا فقال عمر: خفي علي هذا من أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألهاني الصفق بالأسواق.

____________________

(١) صحيح البخاري ج٨ ص١٥٧ من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة صحيح مسلم ج٦ ص١٧٩ في باب الاستئذان من كتاب الآداب.

٣٧

تعليق: في هذه القصة طرائف لابد من ذكرها

* أولاً: إن قضية الاستئذان معروفة في الإسلام وهي سنة نبوية يعرفها الخاص والعام وقد كان الناس يستأذنون للدخول على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذه من آداب الإسلام ومفاخره.

وتفيد هذه الرواية بأن عمر بن الخطاب كان له حراس وشرطة تمنع الناس من الدخول عليه إلا بالإستئذان، فقد استأن عليه أبو موسى ثلاث مرات ولم يأذن له فرجع ولكن أنصاره وأتباعه من بني أمية وكأنهم أرادوا تفضيله وتقديمه على النبي فقالوا بأنه كان ينام على حافة الطريق بدون حرس حتى قيل فيه: عدلت فنمت.

وكأنهم يقولون بأنه اعدل من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن النبي كان عنده حراسة، وإلا لماذا يقال: مات العدل مع عمر ؟ !

* ثانياً: تفيدنا هذه الرواية على مدى الغلظة والشدة التي كان يعرف بها عمر بن الخطاب وكيف كان يعامل المسلمين بدون مبرر لذلك. فهذا أبو موسى الأشعري وهو من أكابر الصحابة يستدل بحديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخصوص الاستئذان، فيقول له عمر: والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا(١) .

فهناك مبرر لإهانة أبي موسى وتكذيبه أمام الناس وتهديده بالضرب الموجع لمجرد رواية رواها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى قال أبي بن كعب - بعد ما شهد بصحة الحديث -: يا أبن الخطاب، لا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله(٢) .

أما أنا فلا أرى من مبرر غير استبداد عمر برأيه في أكثر الأمور، وإذا ما عارضوه بكتاب الله أو بسنة النبي فتراه يغضب ويهدد، الشيء الذي جعل كثيراً من الصحابة يكتمون الحق وهم يعلمون كما وقع ذلك لعمار بن ياسر عندما

____________________

(١) صحيح مسلم ج ٦ ص ١٧٩ كتاب الآداب، باب الاستئذان.

(٢) المصدر نفسه.

٣٨

جابه عمر بالسنة النبوية في قضية التيمم، ولما هدده عمر قال عمار: إن شئت لم أحدث به(١) . والشواهد كثيرة على منع عمر الصحابة من نقل الأحاديث النبوية وذلك من عهد أبي بكر وبالأخص في أيام خلافته التي امتدت أكثر من عشر سنوات أحرق خلالها كل ما جمع من الأحاديث النبوية ومنع الصحابة من نقلها وحبس بعضهم من أجلها(١) . وقد فعل ذلك من قبله أبو بكر كما فعل ذلك عثمان من بعده.

فكيف يقال لنا بأن الخلفاء كانوا يعملون كلهم بالسنة النبوية في حين أن السنة النبوية لم تلق منهم إلا الحرق والمنع والتعتيم ؟ !

* ثالثا: تفيدنا هذه الرواية بأن عمر بن الخطاب كان كثيراً ما يتغيب عن مجالسة النبي والاستماع لأحاديثه ويشتغل عنه بالتجارة في الأسواق.

ولذلك غابت عنه أكثر الأحاديث النبوية التي عرفها الخاص والعام من الصحابة حتى صبيانهم، يشهد على ذلك قول الأنصار عندما فزع إليهم أبو موسى من تهديد عمر، قالوا: فو الله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا، فقام أبو سعيد الخدري، وكان أصغر القوم، فشهد أنه سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدث بذلك.

وهذا في حد ذاته توهين لشأن عمر الذي اعتلى منصة الخلافة وهو لا يعرف من السنة النبوية أبسط الأمور التي عرفها أصغر القوم سنا، واين هو من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يقول: ( إذا تولى وال أمر رعية وهو يعلم أن فيهم من هو أعلم منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ).

وأنى لعمر بن الخطاب أن يصغي قلبه لمثل هذه الأحاديث النبوية التي رفضها في حياة النبي ولم يقنع بها وجعل لنفسه حق الاجتهاد في مقابلها.

____________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ١٩٣ باب التيمم وكذلك صحيح البخاري.

٣٩

بقي أن نعترف لأبي حفص باعترافه بالجهل عندما يواجه من قبل بعض الصحابة بالحجة والدليل، فيقول مرة: كل الناس أفقه منك يا عمر حتى ربات الحجال، ومرة يقول: لولا علي لهلك عمر، وأخرى يقول: لقد أهالني عن أحاديث النبي الصفق بالأسواق.

وإذا كان عمر يتلهى عن السنة النبوية بالصفق في الأسواق فإنه عن القرآن أكثر لهواً، فقد اختلف مرة مع أبي بن كعب وهو من أشهر الحفاظ وأنكر عليه قراءته وقال بأنه لم يسمع بها من قبل، فقال له أبي: يا عمر، إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق(١) .

فشغله بالتجارة ولهوه بالصفق في الأسواق يعرفه الخاص والعام وليس هو بالأمر الخفي عن الصحابة وخصوصاً منهم العارفين بكاب الله وسنة رسوله. لذلك اعتقد بأنه كان يعيش عقدة نفسية كبيرة، وهي عقدة الجهل المركب، إذ يرى أصغر المسلمين يعرف ما لا يعرف هو ويحفظ ما لا يحفظ هو، ويرى إلى جانبه عليا وهو شاب لم يبلغ الثلاثين يصوب رأيه بما حفظه من الكتاب والسنة وبمحضر من الصحابة، حتى يضطر للقول: « لولا علي لهلك عمر ».

ويرى أمرأة تقوم في آخر المسجد فتعترض عليه وهو فوق المنبر وتحاججه بكتاب الله في قضية مهور النساء على مشهد ومسمع من كل المصلين، فيقول عند ذلك: كل الناس أفقه منك يا عمر، حتى ربات الحجال. وفي الحقيقة لم يكن ذلك قناعة منه بقدر ما هو تغطية على جهله وكسب الموقف لصالحه ليقول الناس عنه بأنه متواضع كما نسمع اليوم الكثير من الناس يرددون ذلك.

ومن أجل هذه العقدة عمل عمر على محق السنة النبوية ما استطاع لذلك سبيلاً، واجتهد برأيه معارضاً للكتاب والسنة، والشواهد على ذلك كثيرة جداً(٢) .

____________________

(١) تاريخ ابن عساكر ج ٢ ص ٢٢٨ وروى مثل هذا الحاكم في مستدركه وأبو داود في سننه وابن الأثير في جامع الأصول.

(٢) ذكرت بعضها في كتاب ( مع الصادقين ) وكتاب ( فاسألوا أهل الذكر ).

٤٠