شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80172
تحميل: 4645

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80172 / تحميل: 4645
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللعن عنه ؟ فقال معاوية: لا والله حتى يهرم عليه الكبير و يشيب عليه الصغير. يقول المدائني: فمكثوا علي ذلك ( بنو أمية ) دهراً و علموه إلى صبيانهم في الكتاتيب و إلى نسائهم و خدمهم و مواليهم، و قد نجح معاوية في مخططه نجاحاً كبيراً، إذ أبعد الأمة الإسلامية ( إلا القليل منها ) عن وليها و قائدها الحقيقي، و جرهم إلى معاداته و البراءة منه، و ألبس لهم الباطل بالحق وجعلهم يعتقدون بأنهم هم " أهل السنة " و أن من والى علياً و اتبعه فهو خارجي و صاحب بدعة. و إذا كان الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام و ما أدراك، يلعن فوق المنابر و يتقرب إلى الله بسبه و لعنه، فما بالك بالشيعة الذين اتبعوا، فقد منعوا عطاءهم و حرقوا عليهم ديارهم و صلبوهم على جذوع النخل و دفنوهم أحياء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إن معاوية في نظري هو حلقة من سلسلة المؤامرة الكبرى و فصل من فصولها، و لكنه نجح أكثر من غيره في طمس الحقائق و تقليبها ظهراً على عقب، و أرجع الأمة إلى الجاهلية الأولي في لباس الإسلام. و تجدر الإشارة بأنه كان أدهى ممن سبقه من الخلفاء فكان ممثلاً بارعاً يجيد التمثيل، فيبكي في بعض الأحيان حتى يؤثر في الحاضرين فيعتقدون أنه من الزهاد العباد المخلصين، و يقسو و يتجبر أحياناً أخرى حتى يخيل إلى الحاضرين أنه من أكبر الملحدين و يظن البدوي بأنه رسول الله ! ولابد لإتمام البحث أن نعرف من خلال رسالة محمد بن أبي بكر التي وجهها إليه ورده عليها مدي مكره و دهائه كما سنعرف من خلال الرسالتين حقايق لا غنى للباحثين من الوقوف عليها.

٢٦١

كتاب محمد بن أبي بكر إلي معاوية

من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر:

سلام على أهل طاعة الله، ممن هو سلم لأهل ولاية الله ،

أما بعد ،

فإن الله بجلاله و عظمته و سلطانه و قدرته، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته، ولا حاجة به إلى خلقهم، لكنه خلقهم عبيداً و جعل منهم غوياً و رشيداً، و شقياً و سعيداً، ثم اختار على علم فاصطفى وانتخب منهم محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاختصه برسالته، واختاره لوحيه و ائتمنه على أمره، و بعثه رسولاً و مبشراً و نذيراً، مصدقاً لما بين يديه من الكتب، و دليلاً على الشرائع، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة و الموعظة الحسنة، فكان أول من أجاب و أناب و أمن و صدق و أسلم و سلم، أخوه و ابن عمه علي بن أبي طالبعليه‌السلام صدقه بالغيب المكتوم و آثره علي كل حميم، و وقاه بنفسه كل هول و واساه بنفسه في كل خوف، و حارب حربه و سالم سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل و مقامات الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله. و قد رأيتك تساميه، و أنت أنت، وهو هو السابق المبرز في كل خير، أول الناس إسلاماً، و أصدق الناس نية، و أفضل الناس ذرية و خير الناس زوجة، و أفضل الناس ابن عم، أخوه الشاري لنفسه يوم مؤتة، و عمه سيده الشهداء يوم أحد، و أبوه الذاب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و عن حوزته، و أنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت و أبوك تبغيان لدين الله الغوائل، و تجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، و تبذلان فيه المال و تؤلبان عليه القبائل. علي هذا مات أبوك و على ذلك خلفته، و الشاهد عليك بذلك من تدني

٢٦٢

و يلجأ إليك من بقية الأحزاب و رؤساء النفاق و الشقاق لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و الشاهد لعلي مع فضله المبين و سابقته القديمة أنصاره الذين معه الذين ذكرهم الله تعالي في القرآن ففضلهم، و أثني عليهم من المهاجرين و الأنصار فهم معه كتائب و عصائب يجالدون حوله بأسيافهم، و يهرقون دماءهم دونه، يرون الحق في اتباعه و الشقاء في خلافه. فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي و هو وارث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و وصيه و أبو ولده، و أول الناس له اتباعاً و أقربهم به عهداً، يخبره بسره و يطلعه علي أمره، و أنت عدوه و ابن عدوه ؟ ! فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، و ليمددك بن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضي، وكيدك قد وهي، و سوف يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا ! و اعلم أنك إنما تكايد ربك الذي قد أمنت كيده، و آيست من روحه و هو لك بالمرصاد، و أنت منه في غرور. والسلام علي من اتبع الهدي(١) . و هذه الرسالة التي كتبها محمد بن أبي بكر فيها حقائق دامغة لكل باحث عن الحقيقة، فهي تصف معاوية بأنه ضال مضل و أنه لعين ابن لعين، و أنه يعمل كل ما في وسعه لإطفاء نور الله و يبذل الأموال لتحريف الدين و يبغي لدين الله الغوائل، و أنه عدو الله و لرسوله و يعمل بالباطل بإعانة عمرو بن العاص. كما وأن الرسالة تكشف عن فضائل و مزايا علي بن أبي طالبعليه‌السلام التي لم يسبقه إليها سابق ولا يلحقه إليها لاحق، والحق أن لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام من الفضائل و المزايا أكثر مما عدده محمد بن أبي بكر بكثير، و لكن الذي يهمنا في هذا الباب هو رد معاوية بن أبي سفيان علي هذه الرسالة، لتعرف أيها الباحث عن الحقيقة خفايا و دسائس التاريخ، و تكتشف من خلالها خيوط المؤامرة التي أبعدت الخلافة عن صاحبها الشرعي و تسببت في انحراف الأمة، فإليك الرد.

____________________

(١) جمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٤٧٧ مروج الذهب للمسعوى ج ٢ ص ٦٠، شرح النهج البلاغه لابن أبي الحديد المعتزلى ج ١ ص ٢٧٤.

٢٦٣

رد معاوية علي محمد بن أبي بكر

من معاوية بن صخر إلي الرازي على أبيه محمى بن أبي بكر.

سلام علي أهل طاعة الله.

أما بعد.

فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته و قدرته و سلطانه، و ما أصفى به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كلام كثير الفته و وضعته لرأيك فيه تضعيف و لأبيك فيه تعنيف. ذكرك فيه فضل ابن أبي طالب و قديم سوابق و قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و نصرته له و مواساته إياه في كل هول و خوف، فكان احتجاجك علي، و فخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد رباً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك. فقد كنا و ألوك معنا في حياة نبينا نعرف حق أبي طالب لازماً لنا، و فضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه ( عليه الصلاة و السلام ) ما عنده، و أتم له ما وعده، و اظهر دعوته، و أفلج حجته، و قبضه الله إليه ( صلوات الله عليه )، كان أبوك و فاروقه أول من ابتزه حقه و خالفه علي أمره، علي ذلك اتفقا و اتسقا، ثم أنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما و تلكأ عليهما، فهما به الهموم وأرادا به العظيم، ثم إنه بايعهما و سلم لهما، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه علي سرهما، حتى قبضهما الله، و انقضى أمرهما، ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما و سار بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما.

٢٦٤

فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، فستري وبال أمرك، و قس شبرك بقترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمه، و لا تلين علي قسر قناته، ولا يدرك ذو مدي أناته. أبوك مهد له مهاده، و بنى ملكه و شاده، فإن بك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، و إن يكن جوراً فأبوك استبد به و نحن شركاؤه، فبهديه أخذنا و بفعله اقتدينا، و لولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، و لسلمنا أليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، و اقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدالك أودع، والسلام علي من أناب ورجع من غوايته و تاب(١) .

* * *

و نستنتج من هذا الرد، بان معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه، و لكنه تجرأ عليه و احتذاء بأبي بكر و عمر، و لولا هما لما استصغر شأن عليعليه‌السلام و لا تقدم عليه أحد من الناس. كما يعترف معاوية بأن أبا بكر هو الذي معد لبني أمية و هو الذي بني ملكهم و شاده. و نفهم من هذه الرسالة بأن معاوية لم يقتد برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و لم يهتد بهديه، عندما اعترف بأن عثمان هدي بهدي أبي بكر و عمر و سار بسيرتهما.

و بذلك يتبين لنا بوضوح بأنهم جميعاً تركوا سنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقتدى بعضهم ببدعة بعض. كما أن معاوية لم ينكر بأنه من الضالين الذين يعلمون بالباطل و أنه لعين ابن لعين علي لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولتعميم الفائدة لا بأس بذكر الرسالة التي رد بها يزيد بن معاوية على ابن عمر وهي على اختصارها ترمي نفس المرمى. فقد أخرج البلاذري في تاريخه قال: لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام كتب عبدالله بن عمر رسالة الى يزيد بن معاوية جاء فيها:

____________________

(١) لأن أبابكر و عمر و عثمان توفوا في حياة الإمام علي.

٢٦٥

أما بعد، فقد عظمت الرزية و جلت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.

فكتب إليه يزيد:

و في رد معاوية علي ابن أبي بكر كما في رد يزيد علي ابن عمر نجد نفس المنطق و نفس الاحتجاج. و هو لعمري أمر ضروري يقره الوجدان، و يدركه كل عاقل و لا يحتاج في الحقيقة إلى شهادة معاوية وابنه يزيد. فلولا استبداد أبي بكر و عمر على علي، لما وقع ما وقع في الأمة الإسلامية، و لو تمكن علي من الخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و حكم المسلمين لتواصلت خلافته إلى سنة أربعين للهجرة أعني ثلاثون عاماً بعد النبي(١) . و هي مدة كافية لإرساء قواعد الإسلام بكل أصوله و فروعه، و لتمكنعليه‌السلام من تطبيق كتاب الله و سنته رسوله بدون تحريف ولا تأويل. و لما وليها بعد وفاته غير سيدي شباب أهل الجنة الإمام الحسن و الإمام الحسين و أولاده المعصومين بقية الأئمةعليهم‌السلام و لتواصلت خلافة الراشدين ثلاثة قرون، لم يكن بعدها للكافرين و المنافقين و الملحدين تأثير ولا وجود، ولكانت الأرض غير الأرض والعباد غير العباد، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

يبقي هناك دائماً اعتراض من بعض " أهل السنة و الجماعة " على هذا الاحتمال و ذلك من وجهين:

____________________

(١) جمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٤٧٥، مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٥٩، شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ ص ٢٨٣.

٢٦٦

* الأول: أنهم يقولون بأن ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده، ولو أراد الله أن يقود المسلمين علي و الأئمة من ولد ( عليم السلام ) لكان ذلك، و هم يرددون دائماً " الخير في ما اختاره الله"

* الثاني: أنهم يقولون: لو تولى علي الخلافة مباشرة بعد النبي و أعقبه الحسن و الحسين لأصبحت الخلافة و راثية يرثها الأبناء على الأباء، و هذا لا يقره الإسلام الذي ترك الأمر شوري بين الناس.

و إجابة علي ذلك و لرفع الالتباس نقول:

أولاً: ليس هناك دليل واحد على أن ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده، بل الأدلة على عكسه ثابتة في الكتاب و السنة، فمن الكتاب مثلاً قوله تعالى:( وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَکَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ لٰکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا کَانُوا يَکْسِبُونَ‌ ) ( الأعراف: ٩٦ )، و كذلك قوله تعالى:( وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَکَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَ کَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ‌ ) ( المائده: ٦٦ ). و كذلك قوله تعالى:( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِکُمْ إِنْ شَکَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ وَ کَانَ اللَّهُ شَاکِراً عَلِيماً ) ( النساء: ١٤٧ ). و قوله:( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) ( الرعد: ١١ ). و كل هذه الآيات البينات تفيد بأن الانحراف سواء كان على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الأمم هو من عند أنفسهم و ليس من عند الله.

و من السنة النبوية مثلاُ: قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( تركت فيكم كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً ) و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ) و قوله: ( ستفترق أمتي إلى ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ). و كل هذه الأحاديث الشريفة تفيد بأن ضلالة الأمة كانت بسبب انحراف الأمة و عدم قبولها لما اختاره الله لها.

* ثانياً: هب أن الخلاقة الإسلامية كانت بالوارثة فليست هي الوارثة التي يفهمونها بأن يستبد الحاكم علي رعيته، فيولي عليهم ابنه قبل وفاته و يسميه ولي العهد، ولو كان الوالد والوالد فاسقين بل هي وراثة إلهية من اختيار رب العامين

٢٦٧

الذي لا يعزب عن علمه مثقال حبة من خردل، والتي تخص نخبة صالحة اصطفاها الله وأورثها الكتاب و الحكمة لتكون للناس أئمة، فقال:( وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَ إِقَامَ الصَّلاَةِ وَ إِيتَاءَ الزَّکَاةِ وَ کَانُوا لَنَا عَابِدِينَ‌ ) ( الأنبياء: ٧٣ ). مع أن قولهم بأن الإسلام لا يقر الوراثة و إنما ترك الأمر شورى، هو مغالطة لا يقرها الواقع و التاريخ فقد وقعوا بالضبط في النظام الوارثي الممقوت، و لم يتول على الأمة بعد عليعليه‌السلام إلا الظالمين الغاصبين الذين أورثوها لأبنائهم الفسقة رغم أنف الأمة. فأيهما الأفضل أن يتوارثها الفساق الذين يحكمون بأهوائهم و لا يخضعون إلا لشهواتهم ؟ أو يتوارثها الأئمة الطاهرين الذين اصطفاهم الله و أذهب عنهم الرجس، و أورثهم علم الكتاب ليحكموا بين الناس بالحق ويهدوهم سواء السبيل و يدخلوهم جنات النعيم، من باب قول الله:( وَ وَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) ( النمل: ١٦ )؟ و ما أظن العاقل يختار إلا الثاني إن كان من المسلمين ! و ما دمنا الآن نقول بالأمر الواقع ولا يفيدنا التحسر على ما فات فلنعد إلى الموضوع فنقول:

و لما دفع أبو بكر و عمر أمير المؤمنين عن منصبه في الخلافة و تقمصاها، و صغرا بذلك شأن علي و فاطمة و أهل البيتعليهم‌السلام و أهانوهم، عند ذلك سهل الأمر على معاوية و يزيد و عبدالملك بن مروان و أضرابهم أن يفعلوا ما فعلوه، و لولا أنهما مهدا لمعاوية و مكنا له في البلاد حتى بقي والياً في الشام وحدها أكثر من عشرين عاما ُ، ولم يعزل أبداً و نال معاوية هيبة و أوطأ رقاب الناس حتى دانوا له بكل ما يريد، ثم جعل الخلافة لابنه من بعده الذي وجد كما صرح بنفسه بيوتاً مجددة و فرشاً ممهدة و وسائد منضدة، فمن الطبيعي أن يقاتل من أجلها و أن يقتل ريحانة النبي ولا يبالي، فقد رضع بغض أهل البيت في حليب أمه ميسون و ترعرع في حجر أبيه علي سبهم و لعنهم، فلا غرابة أن يصدر منه الذي صدر أو أكثر من ذلك.

و قد اعترف بعض الشعراء بهذه الحقيقة إذ يقول:

٢٦٨

لولا حدود صوارم

أمضي مضاربها الخليفة

لنشرت من أسرار أل

محمد جملاً ظريفة

و أريتكم أن الحسين

أصيب يوم السقيفة

و يفهم الباحث المتتبع بأن دولة بني أمية كلها قامت بفضل أبي بكر و عمر. و كذلك دولة بني العباس و غيرها من الدول، و كذلك نجد هؤلاء قد بذلوا كل ما في وسعهم للتنويه بأبي بكر و عمر و خلق الفضائل لهم و إثبات أحقيتهم في الخلافة ؛ لأنهم أدركوا بأن شرعيتهم في الخلافة لا تتم إلا بتصحيح خلافتهما و القول بعد التهما. و في المقابل نراهم جميعاً فعلوا بأهل البيت الأفاعيل لا لشيء إلا ؛ لأنهم أصحاب الخلافة الشرعية و هم وحدهم الذين يهددون كيانهم و دولتهم.

و هذا بديهي عند العقلاء الذين عرفوا الحق، و أنت ترى إلى يومنا هذا أن بعض الدول الإسلامية يحكمها ملوك ليس لهم من الفضل أو الفضيلة شيء، سوى أنهم أولاد ملوك وسلاطين و أمراء كما كان يزيد أميراً والده معاوية كان ملكاً و ملك الأمة بالقوة والقهر. فلا يعقل أن يحب ملوك السعودية و أمراؤها أهل البيت و من تشيع لهم. كمالا يعقل يبغض ملوك السعودية و أمراؤهم معاوية و يزيد، و ما سن لهم دستور ولاية العهد المعاصرون و بدستور معاوية و يزيد و كل أمراء بني أمية و بني العباس، يستمد الملوك المعاصرون شرعيتهم و بقاءهم. و من هنا أيضاً جاء تقديس الخلفاء الثلاثة و تفضيلهم و القول بعدالتهم و الدفاع عنهم، وعدم السماح بنقدهم أو التكلم فيهم ؛ لأنهم أساس كل الحكومات التي وجدت وستوجد من يوم السقيفة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. و يفهم على هذا الأساس أيضاً لماذا اختاروا لأنفسهم اسم " أهل السنة و الجماعة " و لغيرهم اسم الروافض أو الزنادقة ؛ لأن عليناً و أهل بيتهعليهم‌السلام

٢٦٩

و شيعته رفضوا خلافتهم ولم يبايعوهم و احتجوا عليهم في كل مناسبة، فعمل الحكام على انتقاصهم و تصغير شأنهم و تحقيرهم و سبهم و لعنهم و قتلهم و تشريدهم. و إذا لقي أهل البيت الذين تعلق أجر الرسالة في القرآن بمودتهم هذه الإهانة و هذا التقتيل، فلا غرابة أن يلاقي شيعتهم و من والاهم و اهتدي بهديهم كل تنكيل و توهين و تحقير و تفكير. و يصبح المحق هو المنبوذ المعادي المتروك و يصبح المطل هو القدوة و السيى المحترم الذي تجب طاعته.

فالذي والى علياً و شايعه هو صاحب بدعة و فتنة، والذي والي معاوية و شايعه هو صاحب سنة و جماعة. والحمى لله الذي وهبنا من العقل ما نميز به الحق من الباطل و النور من الظلمات و الأبيض من الأسود، إن ربي على صراط مستقيم( وَ مَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَ الْبَصِيرُ * وَ لاَ الظُّلُمَاتُ وَ لاَ النُّور وَ لاَ الظِّلُّ وَ لاَ الْحَرُورُ * وَ مَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَ لاَ الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَ مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) ( فاطر: ٢٢ - ١٩ )

صدق الله العلي العظيم

٢٧٠

الصحابة عند شيعة أهل البيت

و إذا بحثنا موضوع الصحابة بتجرد و بدون عواطف نجد أن الشيعة أنزلوهم بمنازل القرآن و السنة النبوية و ما أوجبه العقل، فلم يكفروهم بمجموعهم كما فعل الغلاة، و لم يقولوا بعد التهم جميعاً كما فعل " أهل السنة و الجماعة ". يقول الإمام شرف الدين الموسوي في هذا الموضوع: " إن من وقف علي رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء، إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم جميعاً، فإن الكاملية و من كان في الغلو على شاكلتهم قالوا بكفر الصحابة كافة، و قال " أهل السنة " بعدالة كل فرد ممن سمع النبي أو رآه من المسلمين مطلقاً واحتجوا بحديث ( كل من دب أو درج منهم أجمعين أكتعين ). أما نحن و إن كانت الصحبة بمجردها عندنا فضيلة جليلة لكنها بما هي من حيث هي غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول و هم عظماؤهم و علماؤهم، و فيهم البغاة و فيهم أهل الجرائم من المنافقين، و فيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعد ولهم و نتولاهم في الدنيا و الآخرة. أما البغاة على الوصي و أخي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و سائر أهل الجرائم كابن هند و ابن النابغة و ابن الزرقاء و ابن عقبة و ابن أرطأة ز أمثالهم، فلا كرامة لهم ولا وزن لحديثهم، و مجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره. هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة، و الكتاب و السنة هما بينتنا على هذا الرأي كما هو مفصل في مظانه من أصول الفقه، لكن الجمهور بالغوا في تقديس

٢٧١

كل من يسمونه صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين، واقتدوا بكل مسلم سمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو رآه اقتداء أعمى، و أنكروا على من يخالفهم في هذا الغلو، و خرجوا في الإنكار على كل الحدود.، و ما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية و البحث عن الصحيح من الآثار النبوية.

و بهذا ظنوا الظنون فاتهمونا بما اتهمونا رجماً بالغيب و تهافتاً علي الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم و رجعوا إلي قواعد العلم لعلموا أن أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليها، ولو تدبروا القرآن الحكيم بوجوده مشحوناً بذكر المنافقين منهم، و حسبك منه سورة التوبة و الأحزاب … " ( إنتهى كلام شرف الدين ).

و يقول الدكتور حامد حفني داود أستاذ كرسي الأدب العربي و رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس بالقاهرة: " أما الشيعة فيرون أن الصحابة كغيرهم تماماً لا فرق بينهم و بين من جاء بعدهم من المسلمين إلى يوم القيامة. و ذلك من حيث خضوعهم لميزان واحد هو ميزان العدالة الذي توزن به أفعال الصحابة كما توزن به أفعال من جاء بعدهم من الأجيال و أن الصحبة لا تعطي بصاحبها منقبة إلا إذا كان أهلاً لهذه المنقبة و كان لديه الاستعداد نعموا برسالة صاحب الشريعةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و أن منهم المعصومين كالأئمة الذين نعموا بصحبة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كعلي وابنيهعليهم‌السلام و منهم العدول و هم الذين أحسنوا الصحبة لعلي بعد انتقال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرفيق الأعلي. و منهم المجتهد المصيب، و منهم المجتهى المخطئ و منهم الفاسق، و منهم الزنديق، و هو أقبح من الفاسق و أشد نكالاً ويدخل في دائرة الزنديق المنافقون و الذين يعبدون الله علي حرف، كما أن منهم الكفار و هم الذين لم يتوبوا من نفاقهم و الذين ارتدوا بعد الإسلام.

٢٧٢

و معنى هذا أن الشيعة - و هم شطر عظيم من أهل القبلة - يضعون جميع المسلمين في ميزان واحد ولا يفرقون بين صحابي و تابعي و متأخر، و أن الصحبة في ذاتها ليست حصانة يتحسن بها من درجة الاعتقاد. و على هذا الأساس المتين أبا حوا لأنفسهم - اجتهاداً - نقد الصحابة و البحث في درجة عدالتهم، كما أبا حوا لأنفسهم الطعن في نفر من الصحابة أخلوا بشروط الصحبة و حادوا عن محبة أن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كيف لا، وقد قال الرسول الأعظم: ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله و عترتي آل بيتي، و إنهما يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ). و علي أساس من هذا الحديث و نحوه يرون أن كثيراً من الصحابة حالفوا هذا الحديث باضطهادهم لآل محمد، و لعنهم لبعض أفراد هذه العترة، و من ثم فكيف يستقيم لهؤلاء المخالفين شرف الصحبة، و كيف يوسموا بسمة العدالة ؟ !

ذلك هو خلاصة رأي الشيعة في نفي صفة العدالة عن بعض الصحابة و تلك هي الأسباب العلمية الواقعية بنوا عليها حججهم ".

هذا و يعترف الدكتور حامد حنفي داود في موضع آخر بأن نقد الصحابة و تجريحهم ليس هو بدعاً من مسائل العقيدة، و لم يكتفوا فيما تعرضوا له بعامة الصحابة بل تعرضوا للخلفاء أنفسهم، و كان لهم في ذلك خصوم و مؤيدون. و قد كان موضوع نقد الصحابة قرصراً - في القرون الأولى - علي الراسخين قي العلم و لخاصة علماء المعتزلة، و و سبقهم في هذا الاتجاه رؤوس الشيعة و زعماء المتعصبين لآل محمد. و سبق أن أشرت في غير هذا الموضع أن علماء الكلام و شيوخ المعتزلة كانوا عالة على زعماء الشيعة منذ القرن الهجري الأول، و عليه فقضية نقد الصحابة إنما هي وليدة التشيع لآل محمد، و لكنها كانت وليدة التشيع، لا لذات التشيع ،

٢٧٣

بل لأن المنشيعين لأل محمد عرفوا بتبحرهم في علوم العقائد بسبب ما نهلوا من موارد أئمة أل البيت و هم المصدر الأصيل و المعين الفياض الذي نهلت منه الثقافات الإسلامية منذ صدر الإسلام إلى اليوم "(١) . إنتهى كلام الدكتور حامد داود. و أنا أعتقد بأن الباحث عن الحقيقة لا بد له من فتح باب النقد و التجريح و إلا سيبقى محجوباً عنها، بالضبط " كأهل السنة و الجماعة " الذين بالغوا في القول بعدالة الصحابة و عدم البحث في أحوالهم فيقوا بعيدين عن الحق إلى يومنا هذا.

____________________

(١) كتاب الصحابة في نظر الشيعة الإمامية صفحة ٨ و ما بعدها.

٢٧٤

الصحابة عند " أهل السنة و الجماعة "

أما " أهل السنة و الجماعة " فقد بالغوا قي تنزيه الصحابة، و القول بعدالتهم جميعاً بدون استثناء و خرجوا بذلك على حدود العقل و النقل عندما أنكروا على من ينتقد أحداً منهم أو يقول بعدم عدالته فضلاً عن تفسيقهم، و إليك طرفاً من أقوالهم لتعرف بعدهم عن مفاهيم القرآن و ما ثبت في السنة النبوية الصحيحة، و ما أثبته، و ما أثبته العقل والوجدان. هذا الإمام النووي يقول في شرح صحيح مسلم: " إن الصحابة ( رضي الله عنهم ) كلهم هم صفوة الناس و سادات الأمة، و أفضل ممن بعدهم، و كلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، و إنما جاء التخليط ممن بعدهم، و فيمن بعدهم كانت النخالة(١) .

و هذا يحيى بن معين يقول: كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دجال يكتب عنه و لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين.(٢) و هذا يحيى بن معين يقول: كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دجال لا يكتب عنه و عليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين(٣) .

و هذا الذهبي يقول: من الكبائر سب أحد من الصحابة فمن طعن فيهم أو سبهم، فقد خرج من الدين و مرق من ملة المسلمين(٤) .

و سئل القاضي أبو يعلي عمن شتم أبا بكر ؟ فقال: كافر، قيل فيصلى عليه ؟

____________________

(١) صحيح مسلم ج ٨ ص ٢٢.

(٢) تهذيب التهذيب ج ١ ص ٥٠٩.

(٣) تهذيب التهذيب ج ١ ص ٥٠٩.

(٤) كتاب الكبائر للذهبي ص ٢٣٣ و ٢٣٥.

٢٧٥

قال: لا فقيل كيف يصنع به و هو يشهد أن لا إله ألا الله ؟ لا تسموه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته(١) . و يقول الإمام أحمد بن حنبل: " خير الأمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر، و عمر بعد أبي بكر، و عثمان بعد عمر، و علي بعد عثمان، و هم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه و عقوبته ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه و يستتيبه، فإن تاب قبل منه، و إن ثبت أعاد عليه العقوبة و خلده في الحبس حتى يموت أو يراجع ". و قال الشيخ علاء الدين الطرابلسي الحنفي - من شتم أحداً من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علياً أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلال و كفر، قتل، و إن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالاً شديداُ.(٢)

و ينقل الدكتور حامد حفني داود أقوال " أهل السنة و الجماعة " باختصار، فيقول: " يرى أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول، و أنهم جميعاً مشتركون في العدالة و إن اختلفوا في درجاتها، و أن من كفر صحابياً فهو كافر، و من فسقه فهو فاسق، و أن من طعن في صحابي فكأنما طعن علي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويرى جهابذة أهل السنة أيضاً أنه يجوز الخوض فيما جرى بين عليرضي‌الله‌عنه و معاوية من أحداث التاريخ. و أن من الصحابة من اجتهد و أصاب و هو علي و من نحا نحوه، و أن منهم من اجتهد و أخطأ مثل معاوية و عائشة ( رضي الله عنها ) و من نحا نحوهما، و أنه ينبغي - في نظر أهل السنة - الوقوف و الإمساك عند هذا الحكم دون التعرض لذكر المثالب. و نهوا عن سب معاوية باعتباره صحابياً، و شددوا النكير على من سب عائشة، باعتبارها أم المؤمنين الثانية بعد خديجة و باعتبارها جب رسول الله.

____________________

(١) كتاب الصارم المسلول ص ٢٧٥.

(٢) كتاب معين الحكام فيها يتردد بين الخصمين من الأحكام ص ١٨٧.

٢٧٦

و ما زاد على ذلك فينبغي ترك الخوض فيه و أرجاء أمره إلى الله سبحانه، و في ذلك يقول الحسن البصري و سعيد بن المسيب: " تلك أمور طهر الله منها أيدينا و سيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا ". "هذه خلاصة آراء أهل السنة في عدالة الصحابة و فيما ينبغي أن تقف منهم "(١) . أنتهى كلامه. و إذا أراد الباحث أن يتوسع في معرفة الصحابة و من المقصودون بهذا المصطلح على رأي " أهل السنة و الجماعة " فسيدرك بأنهم يعطون هذا الوسام الشرقي لكل من رأى النبي!

يقول البخاري في صحيحه: من صحب رسول الله ًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.

و يقول أحمد بن حنبل: أفضل الناس بعد صحابة الرسول من البدريين كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً، أو رآه، وله من الصحبة على قدر ما صحبه(٢) .

و قال ابن حجر في كتاب " الإصابة قي تمييز الصحابة ": طل من روي عن النبي حديثاً أو كلمة، أو رآه و هو مؤمن به فهو من الصحابة، و من لقي النبي مؤمناً به و مات علي الإسلام، طالت مجالسته معه أو صرت، روي عنه أولم يرو، غزا أولم يغز، من رآه و لم يجالسه و من لم يره لعارض "(٣) .

و الأغلبية الساحقة من " أهل السنة و الجماعة " يرون هذا الرأي و يعدون من الصحابة كل من رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو ولد في حياته، و إن لم يدرك و لم يعفل، و ليس أدل علي ذلك من عدهم محمد بن أبي بكر من الصحابة و قد توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و لمحمد بن أبي بكر من العمر ثلاثة أشهر فقط. و لذلك نري ابن سعد يقسم الصحابة إلى خمس طبقات في كتابه المشهور بطبقات ابن سعد.

____________________

(١) كتاب الصحابة في نظر الشيعة الإمامية ص ٨ و ٩.

(٢) الكفاية ص ٥١ و كتاب تلقيح فهوم أهل الآثار ص ٢.

(٣) كتاب الإصابة لابن حجر ج ١ ص ١٠.

٢٧٧

و هذا الحاكم النبسابوري صاحب كتاب " المستدرك " يجعلهم اثنتي عشره طبقة كالآتي:

الطبقة الأولي: هم الذين أسلموا بمكة قبل الهجرة كالخلفاء الراشدين.

الطبقة الثانية: هم الذين حضروا دار الندوة.

الطبقة الثالثة: هم الذين هاجروا إلي الحبشة.

الطبقة الرابعة: هم الذين حضروا العقبة الأولي.

الطبقة الخامسة: هم الذين حضروا العقبة الثانية.

الطبقة السادسة: هم الذين هاجروا للمدينة بعد هجرة الرسول إليها.

الطبقة السابعة: هم الذين شهدوا بدراً.

الطبقة الثامنة: هم الذين هاجروا بعد بدر و قبل الحديبية.

الطبقة التاسعة: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان.

الطبقة العاشرة: هم الذين هاجروا بعد الحديبية و قبل فتح مكه، أمثال خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و غيرهم.

الطبقة الحادية عشرة: هم الذين سماهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطلقاء.

الطلقة الثانية عشرة: هم صبيان و أطفال الصحابة الذين ولدوا في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمثال محمد بن أبي بكر.

" فأهل السنة و الجماعة " متفقون على عدالة الصحابة أجمعين و المذاهب و الأربعة يقبلون رواياتهم بدون تردد، و لا يسمحون بنقدها ولا الطن فيها.

و ناهيك أن رجال الجرح و التعديل الذين أخذوا على أنفسهم نقد المحدثين والرواة لفرز الأحاديث و تنقيتها، و لكنهم إذا وصلوا إلى الصحابي مهما كانت طبقته و مهما كان عمره عند وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهم يتوقفون عند ذلك ولا يطعنون بروايته مهما أثير حولها من شبهات و مهما تعارضت مع العقل و النقل، و يقولون بأن الصحابة لا يخضعون للنقد و التجريح و كلهم عدول!

٢٧٨

و هذا لعمري تكلف ظاهر ينفر منه العقل و يشمئز منه الطبع ولا يقره العلم، ولا أعتقد بأن المثقفين من شباب يقبلون هذه البدع المضحكة. و لست أدري ولا أحد يدري من أين استمد " أهل السنة و الجماعة " هذه الأفكار الغربية عن روح الإسلام الذي قال على الدليل العلمي و الحجة البالغة، و ليتني أعلم، و ليت واحداً منهم يقنعني بدليل واحد من كتاب أو سنة أو منطق على عدالة الصحابة المزعومة ! و لكننا بحمد الله عرفنا اللغز من تلك الآراء المزيفة و سنشرحها في الفصل القادم، فعلي الباحثين أن يكتشفوا بدورهم بعض الأسرار التي مازالت تنتظر الجرأة و الشجاعة.

٢٧٩

فصل الخطاب في تقييم الأصحاب

لا شك أن الصحابة بشر غير معصومين عن الخطأ، و هم كسائر الناس العاديين يجب عليهم ما يجب على كل الناس و يحق لهم ما يحق لكل الناس، و إنما لهم فضل الصحبة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا احترموها و رعوها حق رعايتها، و إلا فإن العذاب يكون مضافاً ؛ لأن عدل الله سبحانه اقتضى أن لا يعذب البعيد القاضي كالقريب الداني، فليس الذي سمع من النبي مباشرة و رأى نور النبوة و شهد المعجزات و تيقن منها و حظي بتعاليم النبي نفسه، كمن عاش في زمن ما بعد النبي و لم يسمع منه مباشرة. والعقل والوجدان يفضلان رجلاً يعيش في زماننا و يقيم علي احترام الكتاب و السنة و تنفيذ تعاليمهما، على صحابي عاش مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و صاحبه و لما يدخل الإيمان في قبله و أسلم استسلاماً أو صاحبه على البر والتقوى طيلة حياته ولكنه ارتد وانقلب بعد وفاته. و هذا ما يقرره كتاب الله و سنة رسوله إضافة للعقل والوجدان و كل من له دراية بالقرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة، لا يرتاب في هذه الحقيقة و لا يجد عنها محيصاً. و مثال ذلك قوله تعالى:( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْکُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَ کَانَ ذٰلِکَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ) ( الأحزاب: ٣٠ )

فالصحابة فيهم المؤمن الذي استكمل إيمانه، و فيهم ضعيف الإيمان، و فيهم الذي لم يدخل الإيمان قبله، و فيهم التقي الزاهد، و فيهم المتهور الذي لا يعرف

٢٨٠