شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80194
تحميل: 4645

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80194 / تحميل: 4645
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

غير مصلحته، و فيهم العادل الكريم، و فيهم الظالم اللئليم، و فيهم أهل الحق المؤمنين، و فيهم البغاة الفاسقون، و فيهم العلماء العاملون، و فيهم الجهلة المبتدعون، و فيهم المخلصون و فيهم المنافقون و الناكثون و المارقون و المرتدون. و إذا كان القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة و التاريخ أقروا هذه الأمور و أوضحوها بأجلى بيان، فيصبح قول " السنة و الجماعة " بأن الصحابة كلهم عدول قولاً هراء لا عبرة به ولا قيمة ؛ لأنه يعارض القرآن و السنة و يعارض التاريخ و العقل والوجدان، فهو محض التعصب، و هو قول بلا دليل و كلام بلا منطق. و قد يتعجب الباحث في هذه الأمور من عقيلة " أهل السنة و الجماعة " الذين يخالفون العقل و النقل و التاريخ. ولكن عندما يقرأ الباحث الأدوار التي لعبها الأمويون و كذلك الأساليب التي اتبعها العباسيون لتركيز هذه العقيدة - أعني احترام الصحابة و عدم انتقادهم و القول بعدالتهم - يزول عجبه ولا يساوره أدني شك في أنهم إنما منعوا الحديث في الصحابة لكيلا يصل إليهم النقد و التجريح لأفعالهم الشنيعة التي ارتكبوها تجاه الإسلام و نبي الإسلام و الأمة الإسلامية. و إذا كان أبو سفيان و معاوية و يزيد و عمرو بن العاص و مروان بن الحكم و المغيرة بن شيعة و بسر بن أرطأة، كلهم من الصحابة و قد تولوا أمارة المؤمنين و حكموهم، فكيف لا يمنعون الخوض في نقد الصحابة، و كيف لا يختلقون لهم روايات مكذوبة تقول بعدالتهم جميعاً لكي تشملهم تلك الفضائل، ولا يتجرأ أحد على نقدهم أو ذكر أفعالهم.

و من يفعل ذلك من المسلمين يسموه كافراً و زنديقاً و يفتوا بقتله و عدم تغسيله و تكفينه، و إنما يدفع بخشبة حتى يواري في حفرته - كما تقدم ذكره - و كانوا إذا أرادوا قتل الشيعة، اتهموهم بست الصحابة، و معني سب الصحابة عندهم، هو نقدهم و تجريحهم فيما فعلوه، و هذه وحده يكفي للقتل و التنكيل. بل وصل الحد إلى أبعد من ذلك، و يكفي أن يتساءل أحد عن مفهوم الحديث حتى يلاقي حتفه، فإليك الدليل:

٢٨١

أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه قال: ذكر عند هارون الرشيد حديث أبي هريرة: إن موسى لقي آدم فقال له: أنت آدم الذي أخرجتنا من الجنة ؟ فقال رجل قرشي كان في المجلس: أين لقي آدم موسى ؟ ! فغضب الرشيد و قال: النطع والسيف، زنديق يطعن في حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .(١) و إذا كان هذا الرجل بلا شك من الأعيان ؛ لأنه يحضر مجلس الرشيد يلاقي الموت بقطع رأسه بالسيف لمجرد تساؤله عن المكان الذي لقي فيه آدم موسى. فلا تسأل عن الشيعي الذي يقول بأن أبا هريرة كذاب، استناداً لتكذيب الصحابة له و على رأسهم عمر بن الخطاب. و من هنا يفهم الباحث كل التناقضات التي جاءت في الأحاديث و المنكرات و المستحيلات و الكفر الصريح. و مع ذلك سجلت بأنها صحيحة و ألبست ثوب القداسة و التنزيه. كل ذلك ؛ لأن النقد و التجريح كانا ممنوعين و يجران إلي الموت و الهلاك. بل إن الذي يتساءل عن بعض المعاني ليصل إلي الحقيقة و يشتم منه رائحة التفتيش و التنقيب فهو مقتول لا محالة ليكون مثالاً لغيره، فلا يجرؤ أحد بعده أن يتكلم.

و قد موهوا على الناس بأن الذي يطعن في حديث أبي هريرة أو أحد الصحابة حتى العاديين منهم، بأنه طعن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و بذلك وضعوا هالة على الأحاديث الموضوعة التي اختلقها بعض الصحابة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأصبحت من المسلمات. و كنت كثيراً ما أحتج على بعض علمائنا بأن الصحابة لم يكن عندهم هذا التقديس بل كانوا أنفسهم يشككون في حديث بعضهم إذا تعارض حديثه بما يخالف القرآن، و بأن عمر بن الخطاب ضرب أبا هريرة بالدرة و نهاه عن الحديث و اتهمه بالكذب إلي غير ذلك، فكانوا يردون علي دائماً بأن الصحابة من حقهم أن يقولوا في بعضهم ما شاؤوا، أما نحن فلسنا في مستواهم حتى نرد عليهم أو ننتقدهم. أقول: يا عباد الله، إنهم تقاتلوا و كفر بعضهم بعضاً و قتل بعضهم بعضاً ؟ !

____________________

(١) تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٧

٢٨٢

يقولون: كلهم مجتهدون للمصيب منهم أجران و للمخطئ أجر واحد، و ليس لنا نحن أن نخوض في شؤونهم. و من المؤكد أن هؤلاء ورثوا هذه العقيدة من آبائهم و أجدادهم سلفاً عن خلف فهم يرددونها ترديد الببغاء بدون تدبر ولا تمحيص. و إذا كان إمامهم الغزالي نفسه قد اتخذ هذا الرأي وبثه في الناس فأصبح بذلك حجة الإسلام و المسلمين، فقد قال في كتابه " المستصفي ": " والذي عليه السلف و جماهير الخلف أن عدالة الصحابة معلومة بتعديل الله عز و جل إياهم و ثنائه عليهم في كتابه، و هو معتقدنا فيهم ". و أنا أتعجب من الغزالي و من " أهل السنة و الجماعة " عموماً على استدلالهم بالقرآن على عدالة الصحابة، و ليس في القرآن أية واحدة تدل على ذلك، بل في القرآن آيات كثيرة تنفي عدالتهم و تفضح سرائرهم و تكشف نفاقهم. و قد أفردنا فصلاً كاملاً لهذا الموضوع في كتابنا " فاسألوا أهل الذكر " من صفحة ١١٣ إلي ١٢٧ فمن أراد مزيد البحث و الوقوف على تلك الحقائق، فليرجع للكتاب المذكور ليعرف قول الله و قول الرسول فيهم. ولكي يعرف الباحث بأن الصحابة لم يكونوا يحلمون يوماً بالمنزلة التي اخترعها لهم " أهل السنة و الجماعة " فما عليه إلا قراءة كتب الحديث و كتب التاريخ التي طفحت بأفعالهم الشنيعة و تفكير بعضهم، و كيف أن الكثير منهم كان يشك في نفسه إن كان من المنافقين. فها هو البخاري يخرج في صحيح بأن ابن مليكة أدرك ثلاثين من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه و ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبرئل.(١)

وها هو الغزالي نفسه يخرج في كتابه بأن عمر بن الخطاب كان يسأل حذيفة بن اليمان إن كان رسول الله سماه في جملة المنافقين الذين أعلمه بأسمائهم(٢)

____________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ١٧

(٢) إحياء علوم الدين للغزالي ج ١ ص ١٢٩ و كنز العمال، ج ٧ ص ٢٤.

٢٨٣

ولا عبرة لقول من يقول بأن المنافقين ليسوا من الصحابة إذا عرفنا أن المصطلح الذي اتفقوا عليه هو ما سمعناه آنفاً أن كل من رأى رسول الله مؤمناً به فهو صحابي حتى لو لم يجالسه. و قولهم: مؤمناً به، فيه أيضاً تكلف ؛ لأن كل الذين صاحبوا النبي نطقوا بالشهادتين، و قبل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم ذلك الإسلام الظاهري و قال: " أمرت أن أحكم بالظاهر و الله يتولى السرائر " و لم يقل في حياته لواحد منهم: أنت منافق فلا أقبل منك إسلامك ! و لذلك أيضاً نجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمي المنافقين - ب- "أصحابي" - و هو يعلم نفاقهم، و إليك الدليل: أخرج البخاري بأن عمر بن الخطاب طلب من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يضرب عنق عبدالله بن أبي المنافق فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق ! فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعه لا يتحدث الناس بأن محمداً يقتل أصحابه.(١)

و قد يحاول بعض العلماء من " أهل السنة و الجماعة " إقناعنا بأن المنافقين كانوا معروفين فلا نخلطهم بالصحابة، و هذا أمر مستحيل لا سبيل إليه، بل منافقون هم من جملة الصحابة الذين لا يعلم خفاياهم إلا الله سبحانه، و قد كانوا يصلون و يصومون و يعبدون الله و يتقربون إلي النبي بكل الوسائل. و إليك الدليل:

أخرج البخاري في صحيحه بأن عمر بن الخطاب طلب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة أخري أن يأذن به بضرب عنق ذي الخويصرة عندما قال النبي: أعدل ! ولكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمر: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.(٢) و لست مبالغاً إذا قلت بأن أكثرية الصحابة لم يكونوا بعيدين عن النفاق بما

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٦ ص ٦٥، كتاب فضائل القرآن سورة المنافقين، و تاريخ ابن عساكر ج ٤ ص ٩٧.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٧٩.

٢٨٤

قرره كتاب الله في العديد من الآيات و بما قرره رسول الله في العديد من الأحاديث. فمن كتاب الله قوله تعالى:( بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَکْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ کَارِهُونَ‌ ) ( المؤمنون: ٧٠ )، و قوله( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفَاقاً ) ( التوبة: ٩٧ )، و قوله:( وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ ) ( التوبة: ١٠١ )، و قوله:( وَ مِمَّنْ حَوْلَکُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ) (التوبة: ١٠١ ) و تجدر الإشارة بأن بعض العلماء من " أهل السنة و الجماعة " يحاولون جهدهم تغطية الحقائق، فيفسرون " الأعراب " بأنهم ليسوا من الصحابة، و إنما هم سكان البادية من أطراف الجزيرة العربية. و لكننا وجدنا عمر بن الخطاب عندما أشرف على الموت أوصى إلى الخليفة من بعده قائلاً: و أوصيه بالأعراب خيراً فإنهم أصل العرب و مادة الإسلام(١) فإذا كان أهل العرب و مادة الإسلام هم أشد كفراً و نفاقاً و أجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله و الله عليهم حكيم، فلا قيمة لقول " أهل السنة و الجماعة " بأن الصحابة كلهم عدول. و لمزيد البيان، و حتى يتحدث الباحث بأن الأعراب هم أنفسهم عامة الصحابة، فقد جاء في القرآن الكريم بعد ذكر الأعراب أشد كفراً و نفاقاً، قال سبحانه:( وَ مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( التوبة: ٩٩ )

أما ما قرره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة النبوبة الشريفة فقوله: يؤخذ بأصحابي إلى النار، فأقول: يا رب، هؤلاء أصحابي ! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقاً من بدل بعدي ولا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم(٢) . إلى أحاديث أخري كثيرة ضربنا عنها صفحاً من أجل الاختصار، و ليس هدفنا

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٠٦

(٢) صحيح البخاري ج ٧ ص ٢٠٩ باب الحوض.

٢٨٥

البحث في حياة الصحابة لكي نطعن بعدالتهم فالتاريخ كفانا مؤونة ذلك و شهد على البعض منهم بالزنا، و شرب الخمر و شهادة الزور والارتداد و ارتكاب الجرائم بحق الأبرياء و خيانة الأمة، و لكن نريد فقط أن نبرز بأن مقولة عدالة الصحابة كلهم هي خرافة وهمية جاء بها " أهل السنة و الجماعة " لبستروا على سادتهم و كبرائهم من الصحابة الذين أحدثوا في دين الله و غيروا أحكامه ببدع ابتدعوها، و لنكشف ثانية بأن " أهل السنة الجماعة " باعتناقهم عقيدة " عدالة الصحابة أجمعين " قد أظهروا هو يتهم الحقيقة ألا و هي مودة المنافقين والاقتداء ببدعهم التي أحدثوها ليرجعوا بالناس إلى الجاهلية.

و بما أن " أهل السنة و الجماعة " قد حرموا على أتباعهم نقد الصحابة و تجريحهم و أغلقوا في وجوههم باب الاجتهاد و ذلك من عهد الخلفاء الأمويين، و عهد اختلاق المذاهب، وورث الأتباع هذه العقيدة و أورثوها إلى أبنائهم جيلاً بعد جيل و بقي " أهل السنة و الجماعة " حتى يوم الناس هذا يمنعون من الخوض في الصحابة و يترضون عليهم جميعاً و يكفرون من ينتقد واحداً منهم. و خلاصة القول أن الشيعة أتباع أهل البيت ينزلون الصحابة منازلهم التي يستحقونها، فيترضون على المتقين منهم و يتبرأون من المنافقين و الفاسقين أعداء الله و رسوله. و بذلك فهم وحدهم أهل السنة الحقيقة ؛ لأنهم أحبوا حبيب الله في ضلال الأغلبية الساحقة من المسلمين.

٢٨٦

مخالفة أهل السنة و الجماعة لسنن النبوية

في هذا الفصل لابد لنا أن نكشف للباحث بصفة إجمالية عن مخالفة " أهل السنة و الجماعة " لمعظم السنن النبوية، كما نوضح في المقابل بأن الشيعة هم الذين تمسكوا بالسنن، و لذلك حق لنا أن نسمي هذا الكتاب بعنوان " الشيعة هم أهل السنة ". و نريد في هذا الفصل طرح أمهات المسائل التي تبين للباحثين بمزيد اليقين بأن " أهل السنة و الجماعة " قد خالفوا تعاليم الإسلام في كل ما قرره القرآن و الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنته الشريفة، و تسببوا في ضلال من ضل من الأمة، و انتكاس المسلمين و بالتالي في تخلفهم و معاناتهم. و حسب اعتقادي أن سبب الضلالة يرجع إلى عامل رئيسي ألا و هو حب الدنيا، ألم يعقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) و حب الدنيا يتمثل في حب السلطة و الوصول إلى الحكم، و من أجل الحكم دمرت الشعوب و خرجت الأوطان و البلدان و أصبح الإنسان أخطر من الوحوش الضارية. و هو ما أشار إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما قال لأصحابه: ( إني لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ). لكل ذلك لابد من دراسة موضوع الخلافة و الإمامة أو ما نسميه اليوم نظام الحكم الإسلامي، فهو الطامة الكبرى و البائقة العظمي التي جرت على الإسلام و أهله المصائب و المتاعب و الضلالة و الهلاك.

٢٨٧

١ - نظام حكم في الإسلام

يرى " أهل السنة و الجماعة " بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينص على أحد و ترك الأمر شورى بيم الناس ليختاروا من شاؤوا، فهذه هي عقيدتهم في الخلافة، و قد أطبقوا على ذلك من يوم وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و إلي اليوم. و المفروض أن يعمل " أهب السنة و الجماعة " بهذا المبدأ الذي يؤمنون به و يدافعون عنه بكل جهودهم. غير أن البحث يوقفنا على أنهم عملوا عكس ما يعتقدون و بقطع النظر عن بيعة أبي بكر التي سموها هم أنفسهم، بأنها فلتة و قي الله المسلمين شرها، فإن أبا بكر هو الذي اخترع فكرة ولاية العهد في الإسلام فعهد قبل وفاته بالخلافة لصاحبه عمر بن الخطاب. كما عهد عمر بن الخطاب عند موته إلى عبد الرحمان بن عوف ليختار واحداً من الخمسة الذين رشحهم، و يأمره بضرب أعناق المخالفين الذين يشقون عصا الطاعة. و لما وصل معاوية للخلافة طبق هذا المبدأ ( ولاية العهد ) خير تطبيق إذ عين ولياً لعهده ابنه يزيد و عين يزيد ولياً لعهده انبه معاوية، و بقيت الخلاقة من ذلك الوقت يتداولها الطلقاء و أبناؤهم جيلاً بعد جيل فكل خليفة يعهد لولده أو أخيه أو أحد أقاربه، كذلك فعل الخلفاء في الدولة العباسية منذ قيامها إلى أن تلاشت و كذلك فعل خلفاء الدولة العثمانية من قيامها إلى أن ولي عصر الخلافة و اضمحل في عهد كمال أتاتورك في القرآن الحالي.

٢٨٨

و بما أن " أهل السنة و الجماعة " يمثلون تلك الخلاقة أو أن تلك الحكومات المتعاقبة تمثل " أهل السنة و الجماعة " في كل بقاع الدنيا، و على مر التاريخ الإسلامي، فإنك تري اليوم في السعودية و في المغرب و الأردن، و في كل دول الخليج كلهم يعملون بنظرية ولاية العهد التي ورثوها عن " سلفهم الصالح " و كلهم يمثلون " أهل السنة و الجماعة "، و على فرض صحة النظرية التي يعتقدونها و هي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الأمر شوري و القرآن يقر الشورى، فإنهم خالفوا القرآن و السنة و قلبوا نظام الشورى " الديمقراطي " إلي نظام ولاية العهد الملكي الاستبدادي. أما على فرض أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على علي بن أبي طالب كما يقول بذلك الشيعة، فإن " أهل السنة و الجماعة " خالفوا صريح السنة النبوية و خالفوا القرآن ؛ لأن رسول الله لا يفعل شيئاً إلا بإذن ربه. و لذلك تراهم يشعرون بفساد هذه النظرية " الشورى " ؛ لأن الخلفاء الأولين لم يطبقوها و لم يعملوا بها، كما يشعرون بفساد نظرية " ولاية العهد " أيضاً فتراهم يبررون ذلك بأحاديث " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملك عضوض "، و كأنهم يريدون إقناع غيرهم بما اقتنعوا به من أن الملك لله يعضه حيث يشاء، و أن الملوك و السلاطين ولاهم الله سبحانه على رقاب الناس فتجب بذلك طاعتهم وعدم الخروج عليهم. و هذا بحث طويل يجرنا إلى القضاء والقدر الذي بحثناه في كتاب " مع الصادقين " ولا نريد الرجوع إليه، و نكتفي بأن نعرف بأن " أهل السنة و الجماعة " يسمون أيضاً ب- " القدرية " لقوهم بذلك. و النتيجة هي أن " أهل السنة و الجماعة " يؤمنون بولاية العهد و يعتبرونها خلافة شرعية، لا لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بها، أو أنه عين ولياً لعهده، فهم ينكرون ذلك أشد الإنكار، ولكن ؛ لأن أبا بكر عهد إلي عمر و عمر عهد إلى الستة، و معاوية عهد إلي يزيد و هكذا، و لم يقل أحد من العلماء عندهم ولا أحد من أئمة المذاهب الأربعة، بأن الحكم الأموي أو الحكم العباسي أو

٢٨٩

الخلافة العثمانية هي غير شرعية. بل نراهم يسارعون إلى البيعة و التأييد و تصحيح خلافتهم، بل ذهب أكثرهم للقول بشرعية الخلاقة لكل من تغلب عليها بالقوة والقهر، ولا يهمهم إن كان براً أم فاجراً تقياً أم فاسقاً عربياً قرشياً أم تركياً و كردياً. يقول الدكتور أحمد محمود صبحي في هذا الصدد: " موقف أهل السنة في مسألة الخلاقة، هو التسليم بالأمر الواقع، دون تأييد أو خروج عليه "(١) ولكن الواقع أن " أهل السنة " يؤيدون أيضاً، فقد ذكر أبو يعلي الفراء عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: " إن الخلافة تثبيت بالغلبة والقهر ولا تفتقر إلى العقد ". و قال في رواية عبدوس بن مالك العطار: " من غلب بالسيف حتى صار خليفة و سمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أم فراجاً ". واحتج بقول عبد الله بن عمر: " نحن مع من غلب "، و بذلك أصبح " أهل السنة و الجماعة " رهينة هذه البدعة - بدعة ولاية العهد - فهم يبايعون الغالب و المتغلب بقطع النظر عن ورعه وتقواه و علمه ( براً كان أم فاجراً ) والدليل على أن أغلب الصحابة الذين قاتلوا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاوية بن أبي سفيان في عدة غزوات، بايعوه فيما بعد على أنه أمير للمؤمنين، كما قلبوا لخلافة مروان بن الحكم الذي سماه رسول الله " الوزع " و طرده من المدينة و قال: ( لا يساكنني حياً ولا ميتاً ). بل قبلوا بخلافة يزيد بن معاوية و بايعوه بإمارة المؤمنين و لما خرج عليه الحسين سبط النبي قتلوه و أهل بيته، لتثبيت ملك ليزيد و تصحيح خلافته، و ذهب علماؤهم إلي القول بأن الحسين قتل بسيف جده و منهم من يكتب حتى اليوم كتب على حقائق " أمير المؤمنين يزيد بن معاوية " كل ذلك تأييداً منهم لخلافة اليزيد و إدانة الحسين ؛ لأنه خرج عليه. و إذا عرفنا كل هذا، فليس أمامنا إلا الاعتراف بأن " أهل السنة و الجماعة "

____________________

(١) نظرية الإمامة لمحمود صبحي ص ٢٣.

٢٩٠

قد خالفوا السنة نسبوها إلي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هي قولهم بأنه ترك الأمر شوري بين المسلمين. أما الشيعة فقد تمسكوا في مبدأ الإمامة بقول واحد و هو " النص من الله و رسوله علي الخليفة "، فالإمامة عندهم لا تصح إلا بالنص ولا تكون إلا للمعصوم والأعلم والأتقى و الأفضل، فلا يجوز عندهم تقديم المفضول على الفاضل، و لذلك نراهم رفضوا خلافة الصحابة أولاً كما رفضوا خلافة " أهل السنة و الجماعة " ثانياً. و بما أن النصوص التي يدعيها الشيعة في شأن الخلافة لها وجود فعلي و مصداق حقيقي في صحاح " أهل السنة و الجماعة " فليس أمامنا إلا الاعتراف بأن الشيعة هم الذين تمسكوا بالسنة النبوية الصحيحة. وسواء أقلنا بأن الأمر شورى، أو هو بالنص في شأن الخلافة، فإن الشيعة وحدهم على حق ؛ لأن الشخص الوحيد الذي تعين بالنص و بالشورى معاً هو علي بن أبي طالب. ولا قائل من المسلمين شيعياً كان أم سنياً يقول بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشار إلى ولاية العهد من قريب أو بعيد. ولا قائل من المسلمين سيناً كان أم شيعياً يقول بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه: ( تركت أمركم شوري فاختاروا من شئتم لخلافتي ).

و نحن نتحدى العالمين أن يأتونا بحديث واحد من هذا القبيل، فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا، فليرجعوا إلى السنة النبوية الثابتة و التاريخ الإسلامي الصحيح لعلهم يرشدون، أم أنهم يقولون بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهمل هذا الأمر الخطير و لم يتبين معالمه ليدخل أمته في صراع دائم و فتنة عمياء تمزق وحدتهم و تفرق شملهم وتنحرف بهم عن صراط الله المستقيم، و نحن نري اليوم بأن الفاسقين من الحكام الجائرين يكفرون في مصير شعوبهم من بعد خلافتهم فيعمدون إلي تعيين خلف لهم في حالة الشغور، فكيف بمن أرسله الله رحمة للعالمين ! ؟

٢٩١

٢ - القول بعدالة الصحابة يخالف صريح السنة

إذا نظرنا إلي أفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و أقواله تجاه الصحابة نجده قد أعطى كل ذي حق حقه، فهو يغضب لله و يرضي لرضاه و كل صحابي خالف أمر الله سبحانه تبرأ منه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تبرأ مما صنع خالد بن الوليد في قتله بني جذيمة، و كما غضب علي أسامة عندما جاءه ليشفع للمرأة الشريفة التي سرقت، فقال قولته المشهورة: " و يلك أتشفع في حد من حدود الله ؟ و الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها، إنما أهلك من كان قبلكم ؛ لأنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه و إذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد. "

و نجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحياناً يبارك و يترضى على بعض أصحابه المخلصين، و يدعو لهم و يستغفر لهم، كما نجده يلعن البعض منهم الذين يعصون أوامره و لا يقيمون لها و زناً أحياناً أخرى، مثل قوله: ( لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) و ذلك عندما طعنوا في تأميره و رفضوا الالتحاق بجيشه بحجة أنه صغير السن.

كما نجدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوضح للناس ولا يتركهم يغتروا ببعض الصحابة المزيفين، فيقول في أحد المنافقين: " إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من المرمية ". و قد يتوقف فلا يصلي علي أحد الصحابة الذين استشهدوا في غزوة خيبر ضمن جيش المسلمين، و يكشف على حقيقته و يقول. " إنه غل في سبيل الله " و لما فتشوا متاعه وجدوا فيه خرزاً من خرز اليهود.

٢٩٢

و يحدثنا الماوردي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عطش في غزوة تبوك فقال المنافقون: إن محمداً يخبر بأخبار السماء، و لا يعلم الطريق إلى الماء، فنزل جبريل و أخبره بأسمائهم، و أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم سعد بن عبادة، فقال له سعد: ( إن شئت ضربت أعناقهم فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، و لكن نحسن صحبتهم ما أقاموا معنا )(١) و قد سار فيهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما أشار به القرآن الكريم في حقهم، فقد رضي الله عن الصادقين منهم و غضب على المنافقين و المرتدين و الناكثين منهم، و لعنهم في العديد من الآيات المحكمات، و قد وافينا البحث لهذا الموضوع في كتاب " فاسألوا أهل الذكر " في فصل " القرآن الكريم يكشف حقائق بعض الصحابة " فمن أراد التحقيق فعليه بالرجوع إلى الكتاب المذكور. و يكفينا مثل واحد من أعمال بعض الصحابة المنافقين التي كشفها الله سبحانه و فضح أصحابها و كانوا أثني عشر رجلاً من الصحابة تذرعوا ببعد المسافة و أن الوقت لا يسعهم للحضور مع النبي، فبنوا مسجداً لأداء الصلاة في وقتها، فهل ترى إخلاصاً و رفاء أكبر من هذا ؟ أن يصرف العبد أموالاً طائلة لبناء مسجد حرصاً منه على أداء فريضة الصلاة في وقتها و في جماعة يجمعهم مسجد واحد ؟ ولكن الله سبحانه الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، والذي يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، علم سرائرهم و ما تخفي صدورهم، فأوحي إلى رسوله بأمرهم و أطلعه على نفاقهم بقوله:( وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَ کُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَکَاذِبُونَ ) ( التوبة: ١٠٧ ) و كما أن الله لا يستحي من الحق فكذلك رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول لأصحابه صراحة بأنهم سيتقاتلون على الدنيا و أنهم سيتبعون قي الضلالة سنن اليهود

____________________

(١) قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : " لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، و لكن نحسن صحبتهم... " فيه دليل واضح علي أن المنافقين هم من الصحابة، فقول " أهل السنة و الجماعة " بأن المنافقين ليسوا من الصحابة مردود عليهم ؛ لأنه رد على رسول الله الذي يسميهم أصحابه.

٢٩٣

و النصارى شبراً بشبر و ذراعا بذراع، و أنهم سينقلبون بعده علي أدبارهم و يرتدون، و أنهم يوم القيامة سيدخلون إلي النار ولا ينجو منهم إلا القليل الذي عبر عنه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهمل النعم، و أنهم و أنهم … فكيف يحاول " أهل السنة و الجماعة " إقناعنا بعد كب هذا بأن الصحابة كلهم عدول و أنهم في الجنة جميعاً، و أن أحكامهم ملزمة لنا، و أن أراءهم و بدعهم واجبة الاتباع، و أن الطعن على أي واحد منهم مروق عن الدين يوجب القتل ؟ ؟ !

إنه قول لا يقبله المجانين فضلاً عن العقلاء، إنه قول زور و بهتان لفقه الأمراء و السلاطين و الذين ساروا في ركابهم من علماء السوء المتطفلين على العلم، و نحن لا يمكن لنا قبول هذا القول أبداً مادامت لنا عقول ؛ لأنه رد علي الله و رسوله و من رد قول الله و قول الرسول فقد كفر، و لأنه يصادم العقل والوجدان.

و نحن لا نلزم " أهل السنة و الجماعة " بالعدول همه أو برفضه، فهم أحرار فيما يعتقدونه و هم وحدهم المسؤولون عن نتائجه و عواقبه الوخيمة. ولكن عليهم أن لا يكفروا من يتبع القرآن و السنة في عدالة الصحابة فيقول للمحسن منهم: أحسنت و يقول للمسيء منهم: أخطأت و أسأت، و يتولى أولياء الله و رسوله منهم و يتبرأ من أعداء الله و رسوله منهم أيضاً. و بهذا يتبين لنا أيضاً بأن " أهل السنة و الجماعة " خالفوا صريح القرآن، و صريح من سب صحابياً، إذا قلت له: كيف لا تكفر معاوية و كل الصحابة الذين اتبعوه على سب و لعن علي من فوق المنابر ؟ فسيجيبك حتماً كما هو معروف:( تِلْکَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا کَسَبَتْ وَ لَکُمْ مَا کَسَبْتُمْ وَ لاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا کَانُوا يَعْمَلُونَ‌ ) ( البقرة: ١٣٤ ).

٢٩٤

٣ - النبي يأمر المسلمين بالاقتداء بعترته و أهل السنة يخالقونه

لقد أئبتنا فينا سبق من أبحاث بأن حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي عرف بحديث الثقلين، و هو قوله: " تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و إن اللطيف الخبير أنباني أنهكا لن يفترقا حتى يرد علي الحوض " و أثبتنا بأن هذا الحديث هو حديث صحيح متواتر أخرجه الشيعة كما أخرجه " أهل السنة و الجماعة " في صحاحهم و مسانيدهم. و المعروف بأن " أهل السنة و الجماعة " نبذوا أهل البيت وراء ظهورهم(١) ، وولوا وجوههم شطر أئمة المذاهب الأربعة الذين فرضتهم السلطات الجائرة والتي حظيت بدورها بتأييد و بيعة " أهل السنة و الجماعة ". و إذا شئنا التوسع في البحث لقنا بأن " أهل السنة و الجماعة " هم الذين حاربوا أهل البيت النبوي بقيادة الحكام الأمويين و العباسيين. ولذلك لو فتشت في عقائدهم و كتب الحديث عندهم فسوف لا تجد لفقه أهل البيت شيئاَ عندهم يذكر. و سوف تجد كل فقههم و أحاديثهم منسوبة لأعداء أهل البيت من النواصب و المحاربين لهم كعبد الله بن عمر و عائشة، و أبي هريرة و غيرهم. فنصف الدين عندهم يؤخذ عن عائشة الحميراء و فقيه أهل السنة هو

____________________

(١) ولنا نقول بأن أهل السنة و الجماعة قد لعنوهم و حاربوهم و قتلوهم، هذا إذا فهمنا بأن زعيم أهل السنة هو معاوية و ما جرأ معاوية عليهم إلا أبو بكر و عمر و عثمان، كما اعترف معاوية نفسه بذلك.

٢٩٥

عبد الله بن عمر، و رواية الإسلام عندهم هو أبو هريرة شيخ المضيرة، والطلقاء و أبناء الطلقاء هم القضاة و المشرعون في دين الله عندهم.

والدليل أن " أهل السنة و الجماعة " لم يكن لهم وجود معروف بهذا الاسم، ولكنهم كانوا قي مجموعهم المعارضين لأهل البيت من يوم السقيفة، و هم الذين تآمروا على انتزاع الخلافة من أهل البيت والعمل على إقصائهم عن المسرخ السياسي للأمة. و تكونت فرقة " أهل السنة و الجماعة " كرد فعل على الشيعة الذين تكتلوا وراء أهل البيت و انقطعوا إليهم، و قالوا بإمامتهم اتباعاً للقرآن والسنة. و من الطبيعي أن يكون المعارضون للحق هم الأكثرية الساحقة من الأمة خصوصاً بعد الفتن و الحروب، أضف إلي ذلك أن أهل البيت لم يتمكنوا من الحكم إلا أربعة أعوام و هي خلافة الإمام علي و قد أشغلوه قيها بالحروف الدامية. أما " أهل السنة و الجماعة " المعارضون لأهل البيت فقد حكموا مئات السنين و امتد ملكهم و سلطانهم شرقاً و غرباً، و كان لهم الحول و الطول و الذهب و الفضة، فكان " أهل السنة و الجماعة " هم الغالبون ؛ لأنهم الحاكمون، و كان الشيعة بقيادة أهل البيت هم المغلوبون ؛ لأنهم محكومون و مضطهدون بل مشردون و مقتولون. و نحن لا نريد الإطالة في هذا الموضوع بقدر ما نريد الكشف عن خفايا " أهل السنة و الجماعة " الذين خالفوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته و في تركته التي تضمن الهداية و تمنع من الضلالة، أما الشيعة فقد تمسكوا بوصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و اقتدوا بعترته الطاهرة و تحملوا من أجل ذلك العناء والأتعاب. و الحقيقة أن هذا الخلاف والعصيان من " أهل السنة و الجماعة " و هذا القبول و الرضا من الشيعة بخصوص الثقلين و التمسك بهما معاً ظهرت معالمه من يوم الخميس الذي سمي يوم الرزية، عندما طلب إليهم الرسول إحضار الكتف والدواة ليكتب لهم ذلك الكتاب الذي يعصمهم من الضلالة، فوقف عمر ذلك الموقف الخطير و رفض أمر النبي مدعياً بأن كتاب الله يكفيهم و لا حاجة

٢٩٦

للعترة، فكأن النبي يقول تمسكوا بالثقلين القرآن والعترة، وعمر يرد عليه حسبنا ثقلاً واحداً و هو القرآن و لا حاجة لنا بالثفل الثاني، و حذا قوله بالضبط " حسبنا كتاب الله يكفينا " و قول عمر يمثل موقف " أهل السنة و الجماعة " ؛ لأن قريش المتمثلة قي أبي بكر و عثمان و عبد الرحمان بن عوف و أبي عبيدة، و خالد بن الواليد و طلحة بن عبيد الله كل هؤلاء وقفوا يؤيدون عمر في موقفه. قال ابن عباس: فنهم من يقول ما قال عمر، و منهم من يقول قربوا للرسول ليكتب الكتاب. و من البديهي أن علياً و شيعته من ذلك اليوم تمسكوا بوصية النبي ولو لم تكتب و عملوا بالقرآن و السنة معاً. ولم بعمل أعداؤهم حتى بالقرآن الذي قبلوه في بداية الأمر، ولكنهم عطلوا أحكامه عندما وصلوا إلى الحكم فاجتهدوا بآرائهم و نبذوا كتاب الله و سنة رسوله وراء ظهورهم.

٢٩٧

٤ - " أهل السنة و الجماعة " و مودة أهل البيت

لا يشك أحد من المسلمين في أن الله سبحانه و تعالي جعل مودة أهل البيتعليهم‌السلام ضريبة علي المسلمين مقابل منحهم الرسالة المحمدية و ما فيها من فضائل النعم، فقال عز و جل:( قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ( الشورى: ٢٣ ) و قد نزلت هذه الآية الكريمة تفرض علي المسلمين مودة العترة الطاهرة، و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين، بشهادة أكثر من ثلاثين مصدراً من مصادر " أهل السنة و الجماعة "(١) ، حتى قال الإمام الشافعي في ذلك:

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

فإذا كانت محبتهم نزل بها القرآن و جعلنا فرض على أهل القبلة كافة كما اعترف بذلك الإمام الشافعي! و إذا كانت مودتهم هي أجر الرسالة المحمدية كما نطق صريح البيان، و إذا كانت مودتهم عبادة يتقرب بها إليه سبحانه، فما بال " أهل السنة و الجماعة " لا يقيمون لأهل البيت و زناً ولا ينزلونهم إلا دون منزلة الصحابة(٢) ؟ و لنا أن نسأل " أهل السنة و الجماعة " بل لنا أن نتحداهم أن يأتونا بآية قرآنية

____________________

(١) راجع في ذلك كتاب " مع الصادقين " للمؤلف

(٢) ف- " أهل السنة و الجماعة " كلهم يقولون بتفضيل أبي بكر و عمر و عثمان على علي بن أبي طالب، و إذا كان علي هو سيد العترة و أفضل أهل البيت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن أهل البيت عند " أهل السنة و الجماعة " يأتون بعد الصحابة الثلاثة المعروفين عندهم بالخلفاء الراشدين.

٢٩٨

واحدة أو بحديث نبوي واحد يفرض على المسلمين مودة أبي بكر أو عمر أو عثمان أو أي واحد من الصحابة ؟ ! كلا وأنى لهم مثل ذلك، فلا يوجد في كتاب الله ولا في سنة رسوله شيء من ذلك، بل يوجد في القرآن آيات عديدة تشير إلي منزلة أهل البيت الرفيعة و تفضلهم علي سائر العباد.

و في السنة النبوية أحاديث كثيرة تفضل أهل البيت و تقدمهم على سائر المسلمين تقديم الإمام علي المأموم و العالم على الجاهل. و يكفينا من القرآن آية المودة التي نحن بصدد ذكرها، و أية المباهلة و آية الصلاة علي النبي و آله، و آية إذهاب الرجس و التطهير، و أية الولاية، و أية الاصطفاء و وراثه الكتاب. و يكفينا من السنة النبوية حديث الثقلين و حديث السفينة، و حديث المنزلة، و حديث الصلاة الكاملة، و حديث النجوم، و حديث مدينة العلم، و حديث الأئمة بعدي اثنا عشر. ولا نريد القول بأن ثلث القرآن نزل في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، و ذكر فضائلهم كما يقول بعض الصحابة كابن عباس، ولا أن ندعي بأن ثلث السنة النبوية كله تنويه و تمجيد في أهل البيت و توجيه الناس إلى فضلهم و فضائلهم كما ألمح لذلك الأمام أحمد بن حنبل.

و يكفينا من القرآن و السنة ما أوردناه من صحاح " أهل السنة و الجماعة " للدلالة على تفضيل أهل البيت على من سواهم من البشر. و بعد نظرة و جيزة إلى عقائد " أهل السنة و الجماعة " و إلى كتبهم و إلى سلوكهم التاريخي تجاه أهل البيت، ندرك بدون غموض بأنهم اختاروا الجانب المعاكس و المعادي لأهل البيتعليهم‌السلام ، و بأنهم أشهروا سيوفهم لقتالهم و سخروا أقلامهم لانتقاصهم و النيل منهم و لرفع شأن أعدائهم و من حاربهم. و يكفينا على ذلك دليل واحد يعطينا الحجة البالغة، و كما قدمنا بأن " أهل السنة و الجماعة " لم يعرفوا إلا في القرن الثاني للهجرة كرد فعل على الشيعة الذين

٢٩٩

والوا أهل البيت وانقطعوا إليهم فإننا لا نجد شيئاً في فقههم و عباداتهم و كل معتقداتهم يرجعون فيه إلى السنة النبوية المروية عن أهل البيت.(١)

و رغم أن أهل البيت أدري بما فيه فهم ذرية المصطفي وعترته، و رغم أنهم لم يسبقهم أحد في علم ولا في عمل، و أنهم واكبوا مسيرة الأمة طوال ثلاثة قرون و تداولوا الإمامة الروحية و الدينية عبر الأئمة الاثني عشر، الذين لم يخالف منهم واحد رأي الثاني، فإننا نجد " أهل السنة و الجماعة " يتعبدون بالمذاهب الأربعة التي لم تخلق إلا في القرن الثالث للهجرة و التي يخالف فيها بعضهم رأي البعض الآخر، و مع ذلك نبذوا أهل البيت وراء ظهورهم و وقفوا منهم موقف العداء بل و حاربوا كل من تشيع لهم ولا زالوا يحاربونهم حتى يوم الناس هذا. و إذا أردنا دليلاً آخر، فما علينا إلا أن نحلل موقف " أهل السنة و الجماعة " من ذكرى يوم عاشوراء ذلك اليوم المشؤوم الذي هدم فيه ركن الإسلام بقتل سيد شباب أهل الجنة والعترة الطاهرة من ذرية المصطفى، و النخبة الصالحة من أصحابه المؤمنين.

أولاً: نلاحظ أنهم يقفون من قتلة الحسين موقف الراضي الشامت المعين، ولا يستغرب منهم ذلك فقتلة الحسين كلهم من " أهل السنة و الجماعة " و يكفي أن نعرف بأن قائد الجيش الذي ولاه ابن زياد لقتل الحسين، و هم عمر بن سعد بن أبي وقاص. و لذلك ف- " أهل السنة و الجماعة " يترضون على الصحابة أجمعين بما فيهم قتلة الحسين و الذين شاركوهم، و يوثقون أحاديثهم، بل وفيهم من يعتبر الإمام الحسين " خارجياً " ؛ لأنه خرج على أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ! و قد قدمنا فيما سبق بأن فقيه " أهل السنة و الجماعة " عبد الله بن عمر قد بايع يزيد بن معاوية و حرم أن يخرج أحد من أتباعه على يزيد، و قال: " نحن مع من غلب ".

____________________

(١) وهب أنهم كما يزعمون اليوم و يقولون: نحن أولى بعلي و أهل البيت من الشيعة، فلماذا ترك علماؤهم و أئمة المذاهب عندهم فقه أهل البيت و كان عندهم نسياً منسياً ؟ واتبعوا مذاهب ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، قال تعالي: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه "، أما الذين لم يتبعوه فليسوا أولي به كما لا يخفي

٣٠٠