شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 80179
تحميل: 4645

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80179 / تحميل: 4645
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كتابة الحديث بعدما عرفنا بأن أكثر الصحابة كانت عندهم كتب للأحاديث وخصوصاً الصحيفة التي كانت تلازم الإمام علي وطولها سبعون ذراعاً ويسميها الجامعة لأنها جمعت كل شيء.

وبما أن السلطة الحاكمة والسياسة السائدة، اقتضت مصالحها محو السنة وحرقها وعدم التحدث بها، فإن الصحابة المؤيدين لتلك الخلافة امتثلوا الأوامر ونفذوها، فلم يبق لهم ولا لأتباعهم من التابعين سوى الاجتهاد بالرأي، أو الاقتداء بسنة أبي بكر وسنة عمر وسنة عثمان وسنة معاوية وسنة يزيد وسنة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وسنة سليمان بن عبد الملك إلى أن جاء عمر بن عبد العزيز فطلب من أبي بكر الحزمي أن يكتب له ما كان من حديث رسول الله أو سنته أو حديث عمر بن الخطاب(١) .

وهكذا يتبين لنا أنه حتى في الظروف التي سمحت بتدوين السنة وبعد مرور مائة سنة على طمسها ومنعها، نرى الحاكم الأموي المعتدل والذي ألحقه «أهل السنة » بالخلفاء الراشدين، يأمر بجمع سنة رسول الله وسنة عمر بن الخطاب، وكأن عمر بن الخطاب شريك محمد في رسالته ونبوته. ولماذا لم يطلب عمر بن عبد العزيز من أئمة أهل البيت الذين عاصرهم أن يعطوه نسخة من الصحيفة الجامعة، ولماذا لم يكلفهم هم بجمع الأحاديث النبوية فهم أعلم بحديث جدهم من غيرهم ؟ ؟

فالمحققون والباحثون يعرفون سر ذلك. وهل يحصل الاطمئنان إلى تلك الأحاديث التي جمعها « أهل السنة والجماعة» من بني أمية وأعوانهم الذين يمثلون خلافة قريش وقد عرفنا حقيقة قريش وعقيدتها في رسول الله وسنته المطهرة ؟

ويبقى واضحاً بعد هذا بأن السلطة الحاكمة وعلى مر عصور الخلافة، عملت بالاجتهاد والقياس ومشاورة بعضهم.

وبما أن السلطة قد أقصت الإمام علياً عن مسرح الحياة وأهملته فلم يكن لها عليه من سلطان لحرق ما كتبه في عهد الرسالة بإملاء النبي نفسه.

____________________

(١) موطأ الإمام مالك ج١ ص٥.

٦١

وبقي علي بن أبي طالب يحتفظ بتلك الصحيفة التي جمع فيها كل ما يحتاجه الناس حتى أرش الخدش، ولما تولى الخلافة كان يعلقها على سيفه ويصعد على المنبر ليخطب في الناس ويعرفهم بأهميتها.

وقد تواترت الأخبار عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بأنهم توارثوا تلك الصحيفة أبا عن جد وكابرا عن كابر، وكانوا يفتون بها في المسائل التي يحتاجها معاصروهم ممن اقتدوا بهديهم.

ولذلك كان الإمام جعفر الصادق والإمام الرضا وغيرهم من الأئمة يرددون دائماً نفس الكلام بخصوصها ويقولون: « إننا لا نفتي الناس بآرائنا، إنا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنها آثار من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أهل علم نتوارثها كابراً عن كابر، نكتنزها كما يكتنز الناس ذهبهم وفضتهم »(١) .

وقال جعفر الصادق مرة أخرى.

حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله هو قول الله ( عز وجل )(٢) .

وبكل هذا يصبح حديث الثقلين المتواتر: تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً(٣) ، هو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، وتصبح السنة النبوية، الصحيحة ليس لها من حافظ وراع وقيم غير الأئمة الأطهار من آل بيت المصطفى المختار.

كما يستنتج من هذا أن شيعة أهل البيت الذين تمسكوا بالعترة هم أهل السنة النبوية، وأن « أهل السنة والجماعة » مدعون ما ليس لهم، ولا تقوم دعواهم على حجة ولا دليل.

- والحمد لله الذي هدانا لهذا -.

____________________

(١) معالم المدرستين للعلامة العسكري ج ٢ ص ٣٠٢.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٥٣.

(٣) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٢٢. صحيح الترمذي ج ٥ ص ٦٣٧.

٦٢

الشيعة في نظر « أهل السنة »

إذا استثنينا بعض العلماء المعاصرين الذين أنصفوا في كتاباتهم عن الشيعة بما تفرضه عليهم الأخلاق الإسلامية، فإن الأغلبية الساحقة منهم قديماً وحديثاً لا زالوا يكتبون عن الشيعة بعقلية الأمويين الحاقدين، فتراهم في كل واحد يهيمون ويقولون ما لا يفقهون، ويسبون ويشتمون ويتقولون افتراء وبهتاناً على شيعة آل البيت ما هم منه براء، ويكفرونهم ينبذونهم بالألقاب اقتداء بسلفهم الصالح معاوية وأضرابه، الذين استولوا على الخلافة الإسلامية بالقوة والقهر والمكر والدهاء والخيانة والنفاق.

فمرة يكتبون بأن الشيعة هي فرقة من تأسيس عبد الله بن سبأ اليهودي، ومرة يكتبون بأنهم من أصل المجوس، وأنهم روافض قبحهم الله، وأنهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، ومرة يكتبون بأنهم منافقون لأنهم يعملون بالتقية وأنهم إباحيون يبيحون نكاح المحارم ويحللون المتعة وهي زنا، والبعض يكتب بأن لهم قرآناً غير قرآننا، وأنهم يبعدون علياً والأئمة من بنيه ويبغضون محمداً وجبريل وأنهم وأنهم ….

ولا يمر عام إلا ويطلع علينا كتاب أو مجموعة كتب من أولئك العلماء الذين يتزعمون « أهل السنة والجماعة » بزعمهم وكله تكفير واستهانة بالشيعة.

وليس لهم في ذلك مبرر ولا دافع إلا إرضاء أسيادهم الذين لهم مصلحة في تمزيق الأمة وتفريقها والعمل على إبادتها. كما ليس لهم فيما يكتبون من حجة ولا دليل سوى التعصب الأعمى والحقد الدفين والجهل المقيت، وتقليد السلف

٦٣

بدون تمحيص ولا بحث ولا بينة، فهم كالببغاء يعيدون ما يسمعون ويستنسخون ما كتبه النواصب من أذناب الأمويين، والذين لا يزالون يعيشون على مدح وتمحيد يزيد بن معاوية(١) .

فلا نستغرب من أولئك الممجدين ليزيد بن معاوية، أن يسبوا ويكفروا أعداء يزيد هذا. وإذا كان سلفهم الصالح، يزيد وأبوه معاوية يغدقون على أتباعهم ومن تشيع لهم الذهب والفضة ويشترون بها ضمائرهم في الماضي، فإن ملايين الدولارات، والقصور الفخمة في لندن وباريس والتي ملئت بزرق العين، من الشقراوات، والخمر المصفى، لقادر على شراء ضمائرهم ودينهم وأوطانهم في الحاضر.

ولو كان هؤلاء يتبعون السنة النبوية كما يزعمون لتعلموا من أخلاقه العاليةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احترام الغير ولو خالفهم في العقيدة.

ألم تقل السنة النبوية: « المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا »، و « المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ».

ألم يصرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » فلو كان هؤلاء الكتاب المدعون أنهم من « أهل السنة والجماعة » يعرفون السنة النبوية، لما سمحت لهم نفوسهم بتكفير من يشهد أن لا إله إلا لله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

وبما أنهم أتباع السنة الأموية والقرشية فهم يتكلمون ويكتبون بالعقلية الجاهلية والأفكار القبلية والنعرات العنصرية. فالشيء من مأتاه لايستغرب، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

____________________

(١) فقد نشرت وزارة المعارف للمملكة العربية السعودية كتاباً بعنوان: « حقائق عن أمير المؤمنين يرزيد بن معاوية » وهذا الكتاب انتخبته وزارة المعارف للتدريس في مدارسها الرسمية.

٦٤

ألم يقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما جاء في الذكر الحكيم:( قُلْ يَا أَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى کَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَ بَيْنَکُمْ ) ( آل عمران: ٦٤ ) ؟

فإن كانوا من أهل السنة حقاً، فلينادوا أخوانهم من الشيعة إلى كلمة سواء بينهم. وإذا كان الإسلام ينادي أعداءه من اليهود والنصارى إلى كلمة سواء للتفاهم والتآخي، فكيف بمن يعبدون إلهاً واحداً، ونبيهم واحد وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة ومصيرهم واحد !

فلماذا لا ينادي علماء « أهل السنة » إخوانهم من علماء الشيعة ويجلسون معهم حول طاولة البحث، ويجادلونهم بالتي هي أحسن ويصلحون عقائدهم إن كانت فاسدة كما يزعمون ؟

لماذا لا يعقدون مؤتمراً إسلامياً يجمع علماء الفريقين وتطرح فيه كل المسائل الخلافية على مسمع ومرأى من كل المسلمين حتى يعرفوا وجه الصواب من الكذب والبهتان ؟

وخصوصاً وأن « أهل السنة والجماعة » يمثلون ثلاثة أرباع المسلمين في العالم، ولهم من الإمكانات المادية والنفوذ لدى الحكومات ما يجعل ذلك عندهم سهلاً ميسوراً إذ يملكون الأقمار الصناعية. ولأن « أهل السنة والجماعة » لا يعملون لمثل هذا أبداً، ولا يريدون المواجهة العلمية التي ينادي بها كتاب الله المجيد بقوله:

( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِينَ‌ ) ( البقرة: ١١١ ).

( قُلْ هَلْ عِنْدَکُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ‌ ) (الأنعام: ١٤٨ )

ولذلك تراهم دائماً يلجأون إلى السب والشتم والتكفير والبهت والافتراء وهم يعرفون بأن الحجة والدليل مع خصومهم الشيعة.

وأعتقد بأنهم يخافون أن يتشيع أكثر المسلمين إذا كان كشفت الحقائق كما وقع

٦٥

بالفعل لبعض العلماء الأزهريين في مصر الذين سمحوا لأنفسهم بالبحث عن الحق فأدركوه واستبصروا ونبذوا ما كانوا عليه من عقيدة « السلف الصالح ». فالعلماء من « أهل السنة والجماعة » يدركون هذا الخطر الذي يهدد كيانهم بالذوبان، فإذا أعيتهم الحيلة وصل الأمر بالبعض منهم أن حرم على أتباعه ومقلديه أن يجلسوا مع الشيعة أو يجادلوهم أو يتزوجوا منهم أو يزوجوهم أو يأكلوا من ذبائحهم.

ويفهم من موقفهم هذا بأنهم أبعد ما يكونون عن السنة النبوية، وهم أقرب ما يكونون من سنة بني أمية الذين عملوا بكل جهودهم على إضلال الأمة المحمدية بأي ثمن ؛ لأن قلوبهم لم تخشع لذكر الله وما نزل من الحق ودخلوا في الإسلام وهم كارهون.

وهذا ما عبر عنه إمامهم معاوية بن أبي سفيان الذي قتل خيار الصحابة من أجل الوصول إلى الحكم فقط، فقد قال في أول خطبة له:

« إني لم أقاتلكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون ».

وصدق الله إذ يقول:( إِنَّ الْمُلُوکَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَ کَذٰلِکَ يَفْعَلُونَ‌ ) ( النمل: ٣٤ ).

٦٦

« أهل السنة والجماعة » في نظر الشيعة

إذا استثنينا بعض المتعصبين من عوام الشيعة الذين ينظرون إلى « أهل السنة والجماعة » بأنهم كلهم من النواصب(١) ، فإن الأغلبية الساحقة من علمائهم قديماً وحديثاً، لا زالوا يعتقدون بأن إخوانهم من « أهل السنة والجماعة » هم ضحايا الدس والمكر الأموي لأنهم أحسنوا الظن « بالسلف الصالح » واقتدوا بهم بدون بحث ولا تمحيص، فأضلوهم عن الصراط المستقيم وأبعدوهم عن الثقلين - كتاب الله والعترة الطاهرة - الذين يعصمان المتمسك بهما من الضلالة ويضمنان له الهداية.

فترهم كثيراً ما يكتبون للدفاع عن أنفسهم وللتعريف بمعتقداتهم داعين للإنصاف ولتوحيد الكلمة مع إخوانهم من « أهل السنة والجماعة ».

وقد جاب بعض علماء الشيعة في الأقطار والأمصار باحثين عن الأساليب الكفيلة لتأسيس دور وجمعيات إسلامية للتقريب بين المذاهب ومحاولة جمع الشمل. ويمم آخرون منهم وجهتهم صوب الأزهر الشريف منارة العلم والمعرفة عند « أهل السنة »، وتقابلوا مع علمائه وجادلوهم بالتي هي أحسن، وعملوا على إزالة الأحقاد، كما فعل الإمام شرف الدين الموسوي عند لقائه بالإمام سليم الدين البشري، وكان من نتيجة ذلك اللقاء والمراسلات ولادة الكتاب القيم

____________________

(١) النواصب جمع ناصبي: وهم الذين ناصبوا العداء لأهل البيت النبوي وحاربوهم وقتلوهم وتتبعوهم أمواتاً فنبشوا قبورهم.

٦٧

المسمى ب- « المراجعات » والذي كان له الدور الكبير في تقريب وجهات النظر عند المسلمين. كما أن جهود أولئك العلماء من الشيعة كللت بالنجاح في مصر فأصدر الإمام محمود شلتوت مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت فتواه الجريئة في جواز التعبد بالمذهب الشيعي الجعفري، وأصبح الفقه الشيعي الجعفري من المواد التي تدرس بالأزهر الشريف.

هذا ودأب الشيعة وعلماؤهم بالخصوص على التعريف بأئمة أهل البيت الطاهرين وبالمذهب الجعفري الذي يمثل الإسلام بكل معانيه وكتبوا في ذلك المجلدات والمقالات وعقدوا لذلك الندوات وخصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عقدت مؤتمرات عديدة في طهران باسم الوحدة الإسلامية وباسم التقريب بين المذاهب، وكلها دعوات صادقة لنبذ العداء والأحقاد، ولبث روح الأخوة الإسلامية واحترام المسلمين بعضهم لبعض.

وفي كل عام يدعو مؤتمر الوحدة الإسلامية علماء ومفكرين من الشيعة والسنة فيعيشون أسبوعاً كاملاً تحت ظل الأخوة الصادقة فيأكلون ويشربون ويصلون ويدعون ويتبادلون الآراء والأفكار ويعطون ويأخذون. ولو لم يكن لتلك المؤتمرات دور إلا تأليف القلوب وتقريب المسلمين بعضهم من بعض ليتعارفوا وتزول الأحقاد لكان فيها الخير الكثير والفضل العميم، ولسوف تؤتى أكلها بعد حين إن شاء الله رب العالمين.

وأنت إذا دخلت إلى أي بيت من بيوت الشيعة العاديين فضلاً عن بيوت العلماء والمثقفين، فسوف تجد فيه مكتبة تضم إلى جانب مؤلفات الشيعة جانباً كبيراً من مؤلفات « أهل السنة والجماعة » على عكس « أهل السنة والجماعة » فقد لا تجد عن علمائهم كتاباً شيعياً واحداً إلا نادراً. ولذلك هم يجهلون حقائق الشيعة ولا يعرفون إلا الأكاذيب التي يكتبها أعداؤهم. كما أن الشيعي العادي تجده في أغلب الأحيان يعرف التاريخ الإسلامي بكل أدواره وقد يحتفل بإحياء بعض ذكرياته.

٦٨

أما العالم السني تجده قليلاً ما يهتم بالتاريخ فهو يعتبره من المآسي التي لا يريد نبشها والاطلاع عليها، بل يجب إهمالها وعدم النظر فيها لأنها تسيء الظن ب- « السلف الصالح ». وبما أنه أقنع نفسه أو أوهمها بعدالة الصحابة أجمعين ونزاهتهم، فلم يعد يتقبل ما سجله التاريخ عليهم.

لكل ذلك تراه لا يصمد للنقاش البناء الذي يقوم على الدليل والبرهان، فتراه إما يتهرب من البحث لعلمه مسبقاً بأنه مغلوب وإما أن يتغلب على عواطفه وميوله ويقحم نفسه في البحث فيصبح ثائراً على كل معتقداته ويتشيع لأهل بيت المصطفى.

فالشيعة هم أهل السنة النبوية لأن إمامهم الأول بعد النبي هو علي بن أبي طالب الذي يعيش ويتنفس بالسنة النبوية. أنظر إليه وقد جاؤوه ليبايعون بالخلافة على أن يحكم بسيرة الشيخين فقال: « لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله » فلا حاجة لعلي في الخلافة إن كانت على حساب السنة النبوية، فهو القائل: « إن خلافتكم عندي كعفطة عنز إلا أن أقيم حدا من حدود الله ».

وقال ابنه الإمام الحسين: قولته المشهورة التي بقيت ترن في مسمع الدهر: « إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني ».

ولهذا فإن الشيعة ينظرون إلى اخوانهم من « أهل السنة والجماعة » بنظر العطف والحنان وكأنهم يريدون لهم الهداية والنجاة ؛ لأن ثمن الهداية عندهم حسب ما جاءت به الروايات الصحيحة خير من الدنيا وما فيها، فقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام علي عندما بعثه لفتح خيبر: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن قالوها فقد عصم منك دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو خير لك من أن يكون لك حمر النعم(١) .

____________________

(١) صحيح مسلم ج ٧ ص ١٢٢ كتاب الفضائل باب فصائل علي بن أبي طالب.

٦٩

وكما كان هم علي بن أبي طالب الوحيد هو هداية الناس والرجوع بهم إلى كتاب الله وسنة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكذلك شيعته اليوم هممهم أن يدفعوا عن أنفسهم كل التهم والأكاذيب وأن يعرفوا إخوانهم من « أهل السنة » بحقائق أهل البيتعليهم‌السلام وبالتالي يهدوهم إلى سواء السبيل.

( لَقَدْ کَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا کَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَ لٰکِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ کُلِّ شَيْ‌ءٍ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‌ ) (يوسف: ١١١).

٧٠

التعريف بأئمة الشيعة

لقد انقطع الشيعة للأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام ، أولهم علي بن أبي طالب ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الحسين، ثم التسعة المعصومون من ذرية الحسن ومن نسله.

وقد نص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هؤلاء الأئمة في العديد من المرات تصريحاً وتلميحاً وقد ذكرهم بأسمائهم في بعض الروايات التي أخرجها الشيعة والبعض من علماء « السنة ».

وقد يعترض البعض من « أهل السنة » على هذه الروايات مستغرباً كيف يتكلم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أمور غيبية ما زالت في طي العدم ؟ وقد جاء في القرآن قوله:( لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ مَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) ( الأعراف: ١٨٨ ).

وإجابة على ذلك نقول بأن هذه الآية الكريمة لا تنفي عن الرسول علمه بالغيب مطلقاً، إنما جاءت رداً على المشركين الذين طلبوا منه أن يعلمهم عن قيام الساعة، وموعد الساعة قد اختص الله سبحانه بعلمه.

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ …. ) ( الجن: ٢٦ - ٢٧ ).

وفي هذا دلالة على أنه سبحانه يطلع على غيبه رسله الذين اصطفاهم، ومن ذلك مثلاً قول يوسفعليه‌السلام لأصحابه في السجن:( لاَ يَأْتِيکُمَا طَعَامٌ

٧١

تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُکُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَکُمَا ذٰلِکُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي … ) ( يوسف: ٣٧ ).

وكقوله تعالى:( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ) (الكهف: ٦٥ ). حكاية عن الخضر الذي التقى بموسى وعلمه من علم الغيب ما لم يستطع عليه صبراً. والمسلمون شيعة وسنة لم يختلفوا في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم الغيب وقد سجلت سيرته الكثير من الأخبار بالغيب كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) وقوله لعلي: ( أشقى الآخرين الذي يضربك على رأسك فيخضب لحيتك ) وقوله: « إن ابني الحسن يصلح الله به فئتين عظيمتين » وكقوله لأبي ذر بأنه سيموت وحيداً طريداً إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، ومنها حديثه المشهور الذي أخرجه البخاري ومسلم وكل المحدثين والذي جاء فيه: « الأئمة من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش » وفي بعض الروايات « كلهم من بني هاشم ».

وقد أثبتنا في الأبحاث السابقة من كتاب « مع الصادقين » وكتاب « فاسألوا أهل الذكر » بأن علماء السنة أنفسهم أشاروا في صحاحهم ومسانيدهم إلى تلك الأحاديث الدالة على إمامة الأئمة الاثني عشر وصححوها.

وإذا سأل سائل: لماذا تركوهم واقتدوا بغيرهم من ائمة المذاهب الأربعة، إذا كانوا يعترفون بتلك الأحاديث ويصححونها ؟ ؟

والجواب هو: إن « السلف الصالح » كلهم من أنصار الخلفاء الثلاثة الذين أولدتهم السقيفة أبو بكر وعمر وعثمان، فكان نفورهم من أهل البيت وعداؤهم للإمام علي وأولاده لابد منه، فعملوا كما قدمنا على محق السنة النبوية وإبدالها باجتهاداتهم.

وسبب ذلك انقسام الأمة إلى فرقتين بعد وفاة الرسول مباشرة فكان « السلف الصالح » ومن تبعهم ورأى رأيهم يمثلون « أهل السنة والجماعة» وهم الأغلبية الساحقة في الأمة، وكان الأقلية القليلة علي وشيعته الذين تخلفوا عن البيعة ولم

٧٢

يقبلوا بها فأصبحوا من المنبوذين والمغضوب عليهم وأطلقوا عليهم اسم الروافض.

وبما أن « أهل السنة والجماعة » هم الذين تحكموا بمصير الأمة عبر القرون فحكام بني أمية كلهم وحكام بني العباس كلهم هم أنصار وأتباع مدرسة الخلافة التي أسسها أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية(١) ويزيد.

ولما فشل أمر الخلافة وذهبت هيبتها وأصبحت في أيدي المماليك والأعاجم وسمع بتدوين السنة النبوية، عند ذلك ظهرت تلكم الأحاديث التي عمل الأولون على طمسها وكتمانها ولم يقدروا فيما بعد على محوها وتكذيبها، وبقيت تلك الأحاديث من الألغاز المحيرة عندهم لأنها تخالف الأمر الواقع الذي آمنوا به.

وحاول بعضهم التوفيق بين تلك الأحاديث وما هم عليه من العقيدة فتظاهروا بمحبة أهل البيت ومودتهم فتراهم كلما ذكروا الإمام علياً يقولون رضي الله عنه وكرم الله وجهه، حتى يتبين للناس بأنهم ليسوا بأعداء لأهل البيت النبوي.

فلا يمكن لأي واحد من المسلمين حتى المنافقين منهم أن يظهر عداءه لأهل البيت النبوي ؛ لأن أعداء أهل البيت هم أعداء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك يخرجهم من الإسلام كما لا يخفى.

والمفهوم من كل هذا بأنهم في الحقيقة أعداء أهل البيت النبوي ونقصد بهؤلاء « السلف الصالح » الذين تسموا أو سماهم أنصارهم ب- « أهل السنة والجماعة » والدليل أنك تجدهم كلهم يقلدون المذاهب الأربعة الذين أوجدتم السلطة الحاكمة ( كما سنبينه عما قريب )، وليس عندهم في أحكام الدين شيء يرجعون فيه لفقه أهل البيت أو لأحد الأئمة الاثني عشر.

____________________

(١) لقد أغفلنا ذكر خلافة علي بن أبي طالب قصداً ؛ لأن « أهل السنة والجماعة » لم يكونوا يعترفون بها كما قدمنا إلا في زمن أحمد بن حنبل. راجع فصل ( أهل السنة لا يعرفون السنة النبوية » ص ٤٤ من هذا الكتاب.

٧٣

والحقيقة تفرض بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة المحمدية ؛ لأنهم تقيدوا في كل أحكامهم الفقهية بأئمة أهل البيت الذين توارثوا السنة الصحيحة عن جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يدخلوا فيها الآراء والاجتهادات وأقوال العلماء.

وبقي الشيعة على مر العصور يتعبدون بالنصوص ويرفضون الاجتهاد في مقابل النص، كما يؤمنون بخلافة علي وبنيه ؛ لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على ذلك، فهم يسمونهم خلفاء الرسول ولو لم يصل منهم إلى الخلافة الفعلية إلا علي، ويرفضون ولا يعترفون بالحكام الذين تداولوا الخلافة من أولها إلى آخرها ؛ لأن أساسها كان فلتة وقى الله شرها ولأنها قامت رفضاً ورداً على الله ورسوله وكل الذين جاؤوا بعدها هم عيال عليها فلم يقم خليفة إلا بتعيين السابق له، أو بالقتال والتغلب والقهر(١) .

ولذلك اضطر « أهل السنة والجماعة » للقول بإمامة البر والفاجر لأنهم قببلوا بخلافة كل الحكام حتى الفاسقين منهم. وامتاز الشيعة الإمامية بالقول بوجوب عصمة الإمام فلا تصح الإمامة الكبرى وقيادة الأمة إلا للإمام المعصوم وليس في هذه الأمة بشر معصوم إلا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

____________________

(١) يستثنى من ذلك فقط خلافة علي بن أبي طالب، فهو الوحيد الذي لم يتعين من قبل الذي سبقه، ولم يسلط عليها بالقهر والقوة، بل بايعه المسلمون بكل حرية وطواعية بل ودعوهم إليها بإصرار.

٧٤

التعريف بأئمة « أهل السنة والجماعة »

وقد انقطع « أهل السنة والجماعة » إلى الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المعروفة، وهم: أبو حنيفة ومالك، والشافعي وأحمد بن حنبل.

وهؤلاء الأئمة الأربعة لم يكونوا من صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا من التابعين فلا يعرفهم رسول الله ولا يعرفونه، ولم يرهم ولم يرونه، فأكبرهم سنا أبو حنيفة بينه وبين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من مائة عام لأن مولده كان في سنة ثمانين للهجرة ووفاتة سنة خمسين ومائة، أما أصغرهم أحمد بن حنبل فكان مولده سنة خمس وستين ومائة وكانت وفاته سنة إحدى وأربعين ومائتين، هذا بالنسبة لفروع الدين.

أما بالنسبة لأصول الدين ف- « أهل السنة والجماعة » يرجعون للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي ولد سنة سبعين ومائتين وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة.

فهؤلاء هم أئمة « أهل السنة والجماعة » والذين ينقطعون إليهم في أصول الدين وفروعه. فهل ترى فيهم واحداً من أئمة أهل البيت، أو من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تكلم رسول الله عن واحد منهم وأرشد الأمة إليه ؟ ؟ كلا لا يوجد شيء من ذلك ودونه خرط القتاد.

وإذا كان « أهل السنة والجماعة » يدعون التمسك بالسنة النبوية، فلماذا

٧٥

تأخرت تلك المذاهب إلى ذلك العهد ؟ وأين كان « أهل السنة والجماعة » قبل وجود تلك المذاهب ؟ وبماذا كانوا يتعبدون، وإلى من كانوا يرجعون ؟ ثم كيف ينقطعون إلى رجال لم يعاصروا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عرفوه، وإنما ولدوا بعدما وقعت الفتنة وبعدما تحارب الصحابة وقتل بعضهم بعضا وكفر بعضهم بعضاً، وبعد ما تصرف الخلفاء في القرآن والسنة واجتهدوا فيهما بآرائهم.

وبعدما استولى يزيد بن معاوية على الخلافة فاستباح مدينة الرسول المنورة لجيشه يفعل فيها ما يشاء، فعاث جيشه فيها فساداً وقتل خيار الصحابة الذين لم يبايعوه واستبيحت الفروج وانتهكت المحارم وحبلت النساء من سفاح. فكيف يركن العاقل إلى أولئك الأئمة الذين هم من تلك الطبقة البشرية التي تدنست بأوحال الفتنة وتغذت بألبانها المتلونة، وشبت وترعرت على أساليبها الماكرة الخداعة، وقلدتها أوسمة العلم المزيفة. فلم يبرز للوجود منهم إلا الذين رضيت عليهم الدولة ورضوا عنها(١) .

كيف يترك - من يدعي التمسك بالسنة - الإمام علي باب مدينة العلم والإمام الحسن والإمام الحسين سيدا شباب أهل الجنة والأئمة الطاهرين من عترة النبي الذين ورثوا علوم جدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتبع أئمة لا علم لهم بالسنة النبوية بل هم صنيعة السياسة الأموية ؟

كيف يدعي « أهل السنة والجماعة » بأنهم أتباع السنة النبوية وهم يهملون القيمين عليها ؟ بل كيف يتركون وصايا النبي وأوامره بالتمسك بالعترة الطاهرة، ثم يدعون أنهم أهل السنة ؟ !

وهل يشك مسلم عرف التاريخ الإسلامي وعرف القرآن والسنة بأن «أهل السنة والجماعة » هم أتباع الأمويين والعباسيين ؟ وهل يشك مسلم عرف القرآن والسنة وعرف التاريخ الإسلامي بأن الشيعة الذين يقلدون عترة النبي ويوالونهم هم اتباع السنة النبوية، وليس لأحد غيرهم أن يدعيها ؟

____________________

(١) سيأتي في الأبحاث القادمة بأن الحكام الأمويين والعباسيين هم الذين أوجدوا تلك المذاهب وفرضوها.

٧٦

أرأيت أيها القارئ العزيز كيف تقلب السياسة الأمور وتجعل من الباطل حقاً ومن الحق باطلاً ! فإذا بالموالين للنبي وعترته تسميهم بالروافض وبأهل البدع، وإذا بأهل البدع الذين نبذوا سنة النبي وعترته واتبعوا اجتهاد الحكام الجائرين تسميهم « أهل السنة والجماعة » إنه حقاً أمر عجيب. أما أنا فأعتقد جرماً بأن قريش هي وراء هذه التسمية وهو سر من أسرارها ولغز من ألغازها.

وقد عرفنا في ما سبق بأن قريشاً هي التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابه السنة النبوية بدعوى أن النبي غير معصوم. فقريش هي في الحقيقة أشخاص معينون لهم نفوذ وعصبية وقوة معنوية في أوساط القبائل العربية، وقد يسميهم بعض المؤرخين ب- « دهاة العرب » لما اشتهروا به من المكر والدهاء والتفوق في إدارة الأمور، ويسميهم البعض ب- « أهل الحل والعقد ».

ومن هؤلاء أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية ابنه وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، وطلحة بن عبد الله، وعبد الرحمان بن عوف، وأبو عبيدة عامر بن الجراح وغيرهم(١) .

وقد يجتمع هؤلاء للتشاور وتقرير أمر يتفقون عليه فيبرمون أمرهم ويفشونه في الناس ليصبح فيما بعد أمراً واقعاً وحقيقة متبعة دون أن يعرف سائر الناس سر ذلك.

ومن هذا المكر الذي مكروه قولهم بأن محمداً غير معصوم وهو كسائر البشر يجوز عليه الخطأ فينتقصونه ويجادلونه في الحق وهم يعلمون.

ومنها شتمهم لعلي بن أبي طالب ولعنهم إياه باسم أبي تراب وتصويره للناس بأنه عدو لله ولرسوله.

____________________

(١) لقد استثنينا من هؤلاء الإمام علياًعليه‌السلام لأنه يفرق بين دهاء الحكمة وحسن التدبير وبين دهاء الخداع والغش والنفاق، وقد قال غير مرة: « لولا الغش والنفاق لكننت أدهى العرب » كما جاء في القرآن قوله: ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) فمكر الله هو الحكمة وحسن التدبير، أما مكر المشركين فهو غش ونفاق وخداع وزور وبهتان.

٧٧

ومنها شتمهم ولعنهم للصحابي الجليل عمار بن ياسر تحت اسم مستعار فسموه عبد الله بن سبأ أو ابن السوداء ؛ لأن عماراً كان ضد الخلفاء وكان يدعو الناس لإمامة علي بن أبي طالب(١) .

ومنها تسمية الشيعة الذين والوا علياً - بالروافض - كي يموهوا على الناس بأن هؤلاء رفضوا محمداً واتبعوا علياً. ومنها تسمية أنفسهم ب- « أهل السنة والجماعة » حتى يموهوا على المؤمنين المخلصين بأنهم يتمسكون بسنة النبي مقابل الروافض الذين يرفضونها.

وفي الحقيقة هم يقصدون ب- « السنة » البدعة المشؤومة التي ابتدعوها في سب ولعن أمير المؤمنين وأهل بيت النبي على المنابر في كل مسجد من مساجد المسلمين وفي كل البلدان والمدن والقرى، فدامت تلك البدعة ثمانين عاماً، حتى كان خطيبهم إذا نزل للصلاة قبل أن يلعن علي بن أبي طالب، صاح به من في المسجد « تركت السنة، تركت السنة ».

ولما أراد الخليفة عمر بن عبد العزيز إبدال هذه السنة بقوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ وَ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى … ) ( النحل: ٩٠ ) تآمروا عليه وقتلوه ؛ لأنه أمات سنتهم وسفه بذلك أقوال أسلافه الذين أوصلوه للخلافة فقتلوه بالسم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة ولم تطل خلافته غير سنتين وذهب ضحية الإصلاح لأن بني عمومته الأمويين لم يقبلوا أن يميت سنتهم ويرفع بذلك شأن أبي تراب والأئمة من ولده.

وبعد سقوط الدولة الأموية جاء العباسيون فنكلوا بدورهم بأئمة أهل البيت وشيعتهم إلى أن جاء دور الخليفة جعفر بن المعتصم الملقب « بالمتوكل » فكان من أشد الناس عداوة لعلي وأولاده ووصل به البغض والحقد إلى نبش قبر الحسين في كربلاء

____________________

(١) يراجع في ذلك كتاب « الصلة بين التصوف والتشيع » للدكتور مصطفى كامل الشبيبي المصري، والذي بين فيه بعشرة أدلة قوية بأن عبد الله بن سبأ اليهودي أو ابن السوداء ليس إلا سيدنا عمار بن ياسر (رضوان الله تعالى عليه).

٧٨

ومنع الناس من زيارته(١) وكان لايعطي عطاء ولا يبذل مالا إلا لمن شتم علياً وولده. وقصة المتوكل مع ابن السكيت العالم النحوي المشهور معروفة وقد قتله شر قتلة، فاستخرج لسانه من قفاه عندما اكتشف بأنه يتشيع لعلي وأهل بيته في حين أنه كان أستاذاً لولديه. وبلغ حقد المتوكل ونصبه أن أمر بقتل كل مولود يسميه أبواه باسم علي لأنه أبغض الأسماء إليه. حتى أن علي بن الجهم الشاعر لما تقابل مع المتوكل قال له: يا أمير المؤمنين إن أهلي عقوني، قال المتوكل: لماذا ؟ قال: لأنهم سموني علياً وأنا أكره هذا الاسم وأكره من يتسمى به، فضحك المتوكل وأمر له بجائزة.

وكان يقيم في مجلسه رجلاً يتشبه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فيضحك الناس عليه ويقولون: قد أقبل الأصلع البطين فيسخر منه أهل المجلس ويتسلى بذلك الخليفة.

ولا يفوتنا هنا أن نلاحظ بأن المتوكل هذا، والذي دل بغضه لعلي على نفاقه وفسقه يحبه أهل الحديث وقد لقبه ب- « محيي السنة ».

وبما أن أهل الحديث هم أنفسهم « أهل السنة والجماعة » فثبت بالدليل الذي لا ريب فهي أن « السنة » المقصودة عندهم هي بغض علي بن أبي طالب ولعنه والبراءة منه فهي النصب.

ومما يزيدنا وضوحاً على ذلك أن الخوارزمي يقول في كتابه: « حتى أن هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمان، كانا لا يعطيان مالاً ولا يبذلان نوالاً، إلا لمن شتم آل أبي طالب ونصر مذهب النواصب »(٢) .

____________________

(١) وإذا كان الخليفة يصل إلى هذه الدرجة من الخسة والانحطاط فينبش قبور الأئمة من أهل البيت وبالخصوص قبر سيد شباب أهل الجنة، فلا تسأل بعدها عما فعلوه في الشيعة الذين كانوا بتبركون بزيارة قبره. فقد وصل شيعة أهل البيت إلى أقصى المعاناة والمحن حتى يتمنى المسلم أن يتهموه بأنه يهودي ولا يتهموه بالتشيع فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(٢) كتاب الخوارزمي ص ١٣٥.

٧٩

كما ذكر ابن حجر عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حدث نصر بن علي بن صهبان بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وقال: ( من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان في درجتي يوم القيامة )، أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فأشرف على الهلاك، فكلمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: يا أمير المؤمنين، هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتى تركه(١) .

والعاقل يفهم من قول جعفر بن عبد الواحد للمتوكل بأن نصراً هو من أهل السنة لينفذه من القتل دليل آخر بأن « أهل السنة » هم أعداء أهل البيت الذين يبغضهم المتوكل ويقتل كل من يذكر هلم فضيلة واحدة وإن لم يكن يتشيع لهم. وهذا ابن حجر يذكر أيضاً في كتابه بأن عبد الله بن إدريس الأزدي كان صاحب « سنة وجماعة » وكان صلباً في السنة مرضياً وكان عثمانياً(٢) .

كما قال في عبد الله بن عون البصري: إنه موثق وله عبادة وصلابة في السنة وشدة على أهل البدع، قال ابن سعد: كان عثمانياً(٣) .

وذكر أيضاً أن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني كان حريزي المذهب، ( أي على مذهب حريز بن عثمان الدمشقي ) المعروف بالنصب وقال ابن حيان: إنه كان صلباً في السنة(٤) .

وبهذا عرفنا بأن النصب والبغض لعلي وأولاده وشتم آل أبي طالب ولعن أهل البيت يعد عندهم من الصلابة في « السنة »، وعرفنا بأن العثمانيين هم أهل النصب والعداء لأهل البيت، وهم أهل الشدة على من يتولى علياً وذريته.

____________________

(١) تهذيب التهذيب لابن حجر ترجمة نصر بن علي بن صهبان.

(٢) ابن حجر في تهذيب التهذيب ج ٥ ص ١٤٥ والمعروف أن العثمانيين كانوا يلعنون علياً ويتهمونه بقتل عثمان بن عفان.

(٣) إبن حجر في تهذيب التهذيب ج ٥ ص ٣٤٨.

(٤) إبن حجر في تهذيب التهذيب ج ١ ص ٨٢.

٨٠