الروضة من الكافي الجزء ٨

الروضة من الكافي0%

الروضة من الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 311

الروضة من الكافي

مؤلف: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي
تصنيف:

الصفحات: 311
المشاهدات: 48587
تحميل: 6704

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48587 / تحميل: 6704
الحجم الحجم الحجم
الروضة من الكافي

الروضة من الكافي الجزء 8

مؤلف:
العربية

سكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس و مجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من اهلها في شئ، و ان العبد إذا كان الله خلقه في الاصل اصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب اليه الشر ويقربه منه، فاذا حبب اليه الشر وقربه منه ابتلى بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء حلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وابغض طاعته واهلها، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر، سلوا الله العافية واطلبوها اليه ولا حول ولا قوة الا بالله.

صبروا النفس على البلاء في الدنيا فان تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من امر بولايته خير عاقبة عند الله في الاخرة من ملك الدنيا وان طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة(١) عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته و طاعته فان الله امر بولاية الائمة الذين سماهم في كتابه في قوله: (وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا) وهم الذين امر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم و طاعتهم وهم ائمة الضلال الذين قضى الله ان يكون لهم دول الدنيا على اولياء الله الائمة من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم امر الله فيهم الذي خلقهم له في الاصل اصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله ان يخلقهم له في الاصل ومن الذين سماهم الله في كتاله في قوله: (وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار) فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه فان من جهل هذا واشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه فاستوجب سخط الله فاكبه الله على وجهه في النار.

وقال: ايتها العصابة المرحومة المفلحة ان الله تعالى اتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا انه ليس من علم الله ولا من امره ان يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، قد انزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ وجعل للقران وتعلم القران اهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه ان ياخذوا فيه بهوى ولا

____________________

(١) زهرة الدنيا: حسنها وبهجتها. وغضارة العيش طيبها ولذتها.

٣٠١

رأي ولا مقائيس اغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم و كرامة من الله تعالى اكرمهم بها وهم اهل الذكر الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم وهم الذين من سألهم وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم، أرشدوه واعطوه من علم القرآن مايهتدي به إلى الله بإذنه والى جميع سبل الحق وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم الا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة(١) فاولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله تعالى علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، فأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لانهم جعلوا اهل الايمان في علم القران عند الله كافرين وجعلوا اهل الضلالة في علم القران عند الله مؤمنين وحتى جعلوا ما احل الله في كثير من الامر حراما وجعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالا فذلك اصل ثمرة اهوائهم وقد عهد اليهم رسول اللهعليه‌السلام (٢) قبل موئته فقالوا: نحن بعدما قبض الله رسوله يسعنا ان ناخذ بما اجتمع عليه راي الناس بعد قبض الله تعالى رسوله وبعد عهد الذي عهده الينا وأمرنا به، مخالفة لله تعالى ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فما أحد أجرء على الله ولا ابين ضلالة ممن اخذ بذلك وزعم ان ذلك يسعه والله ان لله على خلقه ان يطيعوه ويتبعوا امره في حياة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد موته، هل يستطيع اولئك اعداء الله(٣) ان يزعموا ان احدا ممن أسلم مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اخذ بقوله ورأيه ومقائيسه فان قال: نعم فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيدا وان قال: لا، لم يكن لاحد ان ياخذ برأيه وهواه ومقائيسه فقد اقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم ان الله يطاع ويتبع امره بعد قبض الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال الله تعالى وقوله الحق: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) وذلك ليعلموا ان الله تعالى يطاع ويتبع امره في حياة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد قبض الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكما لم يكن لاحد من الناس

____________________

(١) اي أظلة العرش يوم الميثاق ولعله اشير به إلى عالم القدر.

(٢) يعني بالنص على الوصي صلوات الله عليهما.

(٣) الغرض من هذا الكلام إلى آخره أن يبين انه لا فرق بين زمان حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وموته في عدم جواز العمل بالرأي كما أنه لا فرق بينهما في وجوب طاعة الله واتباع امره.

٣٠٢

مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ياخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لامر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكذلك لم مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ياخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لامر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكذلك لم يكن لاحد من الناس من بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ان ياخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه.

وقال: دعوا رفع ايديكم في الصلاة(١) الا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة فان الناس قد شهروكم بذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة الا بالله.

وقال: اكثروا من ان تدعوا الله فان الله يحب من عباده المؤمنين ان يدعوه و قد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة فاكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فان الله تعالى أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا ان الله لم يذكره احد من عباده المؤمنين الا ذكره بخير فاعطوا الله من انفسكم الاجتهاد في طاعته فان الله لا يدرك شئ من الخير عنده الا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله تعالى في ظاهر القران وباطنه(٢) فان الله تعالى قال في كتابه وقوله الحق: (وذروا ظاهر الاثم وباطنه) واعلموا ان ما امر الله ان تجتنبوه فقد حرمه الله واتبعوا آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا اهواء‌كم وآراء‌كم فتضلوا فان أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله واحسنوا إلى انفسكم ما استطعتم فان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم واياكم وسب اعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا(٣) بغير علم وقد ينبغي لكم ان تعلموا حد سبهم لله كيف هو، انه من سب اولياء

____________________

(١) انما امرعليه‌السلام اصحابه بالتقية في رفع الايدي في الصلاة لانه كان يومئد من علامات التشيع.

(٢) لعل المراد مما حرم الله تعالى في باطن القرآن مخالفة ولي الامر ومتابعة اهل الضلال و اتباع آرائهم واعتقاد الولاية فيهم وذلك لان ثلث القرآن ورد فيهم كما ورد عنهمعليهم‌السلام وهو المراد بباطن الاثم أو هو أحد أفراده.

(٣) عدوا اي تجاوزا عن الحق إلى الباطل. (بغير علم) اي على جهالة بالله، أشار بذلك إلى قوله سبحانه: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم).

٣٠٣

الله فقد انتهك سب الله ومن اظلم عند الله من استسب لله ولاوليائه، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا قوة الا بالله.

وقال: ايتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم(١) عليكم بآثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنته واثار الائمة الهداة من اهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده وسنتهم فانه من اخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل لاهم هم الذين امر الله بطاعتهم وولايتهم وقد قال ابونا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (المداومة على العمل في اتباع الاثار والسنن وانت قل ارضى الله وانفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الاهواء) الا ان اتباع الاهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلال بدعة و كل بدعة في النار ولن ينال شئ من الخير عند الله الا بطاعته والصبر والرضا لان الصبر والرضا من طاعة الله.

واعلموا انه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله اليه وصنع به على ما احب وكره ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله الا ما هو اهله وهو خير له مما احب وكره وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما امر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم واياكم وعليكم بحب المساكين المسلمين فانه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر وماقت وقد قال ابونا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم) واعلموا انه من حقر احدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له اشد مقتا فاتقوا الله في اخوانكم المسلمين المساكين منهم فان لهم عليكم حقا انت تحبوههم فان الله أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين.

واياكم والعظمة والكبر فان الكبر رداء الله تعالى فمن نازع الله رداء ه قصمه الله وأذله يوم القيامة.

____________________

(١) لعل المراد به حفظ امر دينهم باقامة امم لهم بعد امام ومع غيبة امامهم بتبليغ كلام ائمتهم إليهم وابقاء آثارهم لديهم لئلا يحتاجوا إلى الاراء والاهواء والمقائيس.

٣٠٤

وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فانها ليست من خصال الصالحين فانه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ومن نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله.

واياكم ان يحسد بعضكم بعضا فان الكفر اصله الحسد.

واياكم ان تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم فيستجاب له فيكم فان ابانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: (ان دعوة المسلم المظلوم مستجابة) وليعن بعضكم بعضا فان ابانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: (ان معونة المسلم خير واعظم اجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام). وإياكم واعسار احد من اخوانكم المؤمنين(١) ان تعسروه بالشئ يكون لكم قبله وهو معسر فإن أبانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: (ليس لمسلم أن يعسر مسلما ومن أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله).

وإياكم ايتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة فانه من عجل حقوق الله قبله كان الله اقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والاجل وانه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير زرقه ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الاضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها ولا بكنه فضلها اللا الله رب العالمين.

وقال:(٢) اتقوا الله ايتها العصابة وان استطعتم(٣) ان لا يكون منكم محرجا للامام وان محرج الامام هو الذي يسعى باهل الصلاح(٤) من اتباع الامام، المسلمين لفضله الصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته.

____________________

(١) اعسار الغريم ان يطلب منه الدين على عسرته.

(٢) كذا.

(٣) جواب (ان) مجروفف يدل عليه مابعده. واحراج الامام: الجاؤه إلى مايريد من الحرج بمعنى الضيق.

(٤) يعني إلى الامام من السعاية يقال: سعى به إلى الوالى إذا وشى به إليه.

٣٠٥

واعلموا أن من نزل بذلك المنزل عند الامام فهو محرج للامام فاذا فعل ذلك عند الامام احرج الامام إلى ان يلعن اهل الصلاح من اتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته، فاذا لعنهم لاحراج اعداء الله الامام صارت لعنته رحمة من الله عليهم وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة ورسوله على أولئك.

واعلموا ايتها العصابة ان السنة من الله قد جرت في الصالحين(١) قبل وقال: من سره ان يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فيتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم وليسلم لما انتهى اليه من فضلهم لان فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، الم تسمعوا ما ذكر الله من فضل اتباع الائمة الهداة وهم المؤمنون قال: (اولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين و حسن اولئك رفيقا) فهذا وجه من وجوه فضل اتباع الائمة فكيف بهم وفضلهم ومن سره ان يتم الله له ايمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فانه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنينعليهم‌السلام إقام الصلاة وايتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن فلم يبق شئ مما فسر مما حرم الله الا وقد دخل في جملة قوله، فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شئ من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا.

وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال الله: (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (إلى ههنا رواية القاسم بن الربيع(٢) يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا انهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشئ فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول الله تعالى: (ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون).

____________________

(١) يعني ان هذه السنة قد جرت فيهم قبل ذلك فيمن سلف من الامم بان يسعى بهم إلى الامام فيلعنوا فاذا لعنوا صارت اللعنة عليهم رحمة.

(٢) (إلى هنا رواية قاسم بن الربيع) قال المجلسيرحمه‌الله : اي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص واسماعيل.

٣٠٦

واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهي عما نهى عنه، فمن اتبع امره فقد اطاعه وقد ادرك كل شئ من الخير عنده ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه فان مات على معصيته أكبه الله على وجه في النار.

واعلموا انه ليس بين الله وبين احد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم الا طاعتهم له، فجدوا في طاعة الله ان سركم ان تكونوا مؤمنين حقا حقا ولا قوة الا بالله.

وقال:(١) عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فان الله ربكم واعلموا ان الاسلام هو التسليم والتسليم هو الاسلام فمن سلم فقد اسلم ومن لم يسلم فلا اسلام له ومن سره ان يبلغ إلى نفسه في الاحسان فليطع الله فانه من اطاع الله فقد ابلغ إلى نفسه في الاحسان.

واياكم ومعاصي الله ان تركبوها فانه من انتهك معاصي الله فركبها فقد ابلغ في الاساء‌ة إلى نفسه وليس بين الاحسان والاساء‌ة منزلة فلاهل الاحسان عند ربهم الجنة ولاهل الاساء‌ة عند ربهم النار، فاعلموا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه واعلموا انه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره ان تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله ان يرضى عنه.

واعلموا ان احدا من خلق الله لم يصب رضا الله الا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة امره من آل محمد صلى الله عليهم ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلا عظم ولا صغر.

واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وان المكذبين هم المنافقون وان الله تعالى قال للمنافقين وقوله الحق: (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) ولا يفرقن أحد منكم(٢) الزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس أخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله من اهلها، فإن من لم يجعله الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الانس والجن(٣) فان لشياطين الانس حيلا ومكرا وخدائع

____________________

(١) كذا.

(٢) (يفرقن) من الفرق بالتحريك بمعنى الخوف.

(٣) يعني شياطين الانس ان كانوا من الانس، وشياطين الجن إن كانوا من الجن.

٣٠٧

ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون ان استطاعوا ان يردوا اهل الحق عما اكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من اهله ارادة ان يستوي اعداء الله واهل الحق في الشك والانكار والتكذيب فيكونون سواء ا كما وصف الله في كتابه من قوله سبحانه: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) ثم نهى الله اهل النصر بالحق ان يتخذوا من اعداء الله وليا ولا نصيرا فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله له من حيلة شياطين الانس ومكرهم وحيلهم و وساوس بعضهم إلى بعض فان اعداء الله ان استطاعوا صدوكم عن الحق فيعصمكم الله من ذلك فاتقوا الله وكفوا السنتكم الا من خير واياكم ان تذلقوا السنتكم(١) بقول الزور والبهتان والاثم والعدوان فانكم ان كففتم السنتكم عما يكره الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من ان تذلقوا السنتكم به فان ذلق اللسان فيما يكره الله وفيما ينهى عنه لدناء‌ة(٢) للعبد عند الله ومقت من الله وصمم وعمى وبكم يورثه الله اياه يوم القيامة فيصيروا كما قال الله:( صُمٌّ بُکْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ‌ ) (يعني لا ينطقون) ولا يؤذن لهم فيعتذرون(٣) .

واياكم وما نهاكم الله عنه ان تركبوه وعليكم بالصمت الا فيما ينفعكم الله به في أمر آخرتكم ويؤجركم عليه.

واكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع اليه و الرغبة فما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه احد فاشغلوا السنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها ولم يتب إلى الله منها ولم ينزع عليها، وعليكم بالدعاء فان المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة

____________________

(١) ذلق اللسان: حدته.

(٢) في بعض النسخ (لذراء‌ة) بالذال المعجمة والراء بمعنى الغضب.

(٣) (فيعتذرون) عطف على يؤذن ليدل على نفي الاذن والاعتذار عقيبه مطلقا ولو جعل جوابا لدل على ان عدم اعتذارهم لعدم الاذن فأوهم ذلك أن لهم عذرا لكن لا يؤذن لهم فيه.

٣٠٨

له فارغبوا فيما رغبكم الله فيه واجيبوا اله إلى ما دعاكم اليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله.

واياكم ان تشره انفسكم(١) إلى شئ مما حرم الله عليكم فانه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة ابدالا بدين.

واعلموا انه بئس الحظ(٢) الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله وركوب معصيته فاختار ان ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن اهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة اهلها ويل لاولئك ما اخيب حظهم واخسر كرتهم(٣) واسوء حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا الله ان يجريكم في مثالهم ابدا وان يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا ولكم الا به.

فاتقوا الله ايتها العصابة الناجية ان اتم الله لكم ما اعطاكم فانه لا يتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في انفسكم واموالكم وحتى تسمعوا من اعداء الله اذى كثيرا فتصبوا وتعركوا بجنوبكم وحتى تستذلوكم او يبغضوكم وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الاخرة وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الاذى في الله يجترمونه اليكم وحتى يكذبوكم بالحق وبعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي انزله حبرئيل على نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله سمعتم قول الله تعالى لنبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله : (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) ثم قال: (وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا) فقد كذب نبي الله والرسل من قبله وأوذوا مع التكذيب بالحق، فان سركم ان تكونوا مع نبي الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه

____________________

(١) الشره: غلبة الحرص.

(٢) في بعض النسخ (بئس الخطر الخطر) ولعله اصوب.

(٣) يعني رجوعهم إلى الله تعالى.

٣٠٩

مما ابتلى انبياء ه واتباعهم المؤمنين ثم سلوا الله ان يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي اعطاهم.

واياكم ومماظة اهل الباطل وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته فانكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم، واعلموا ان الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للاسلام، فاذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به فاذا جمع الله له ذلك تم اسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره ضيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعط الله العمل به، فاذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه.

فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للاسلام وان يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك وان يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلا بالاه والحمد لله رب العالمين.

ومن سره ان يعلم ان الله عزوجل يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ألم يسمع قول الله تعالى لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله والا والله لا يدع اتباعنا أحد أبدا إلا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين.

أقول: توضيح لغات الحديث كلها من الوافي عدا واحد منها.

٣١٠

الفهرس

الروضة من الكافي الجزء الثامن تقة الاسلام ابي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي رحمه‌الله المتوفى سنة ٣٢٨ / ٣٢٩هـ مع تعليقات نافعة مأخوذة من عدة شروح ٣

كتاب الروضة ٤

خطبة لامير المؤمنين عليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة ٢٠

حديث أبي عبدالله عليه‌السلام مع المنصور في موكبه ٣٨

رسالة أبي جعفر عليه‌السلام إلى سعد الخير(٢) ٥٤

خطبة لامير المؤمنين عليه‌السلام ٦٠

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام ٦٥

قصة صاحب الزيت ٧٩

حديث الحوت على أي شئ هو ٩١

حديث الجنان والنوق ٩٧

حديث الصيحة ١١١

حديث يأجوج ومأجوج ١٢٢

حديث القباب ١٣٣

حديث نوح عليه‌السلام يوم القيامة ١٦٩

حديث الفقهاء والعلماء ٢٠٩

حديث الذي أحياه عيسى عليه‌السلام ٢٣٩

خطبة لامير المؤمنين عليه‌السلام ٢٥٤

خطبة لامير المؤمنين عليه‌السلام ٢٦٢

حديث العابد ٢٨٦

الحاق ٢٩٩

الفهرس ٣١١

٣١١