الروضة من الكافي الجزء ٨

الروضة من الكافي0%

الروضة من الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 311

الروضة من الكافي

مؤلف: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي
تصنيف:

الصفحات: 311
المشاهدات: 48589
تحميل: 6704

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48589 / تحميل: 6704
الحجم الحجم الحجم
الروضة من الكافي

الروضة من الكافي الجزء 8

مؤلف:
العربية

العمل، خف ميزان ترفعان منه وثقل ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة، أكثروا من الصلاة على نبيكم " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "صلى‌الله‌عليه‌وآله تسليما.

أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الاسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجع من التوبة ولا لباس أجمل من العافية ولا وقاية أمنع من السلامة ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقناعة ولا كنز أغنى من القنوع ومن أقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوء خفض الدعة(١) والرغبة مفتاح التعب والاحتكار مطية النصب والحسد آفة الدين والحرص داع إلى التقحم(٢) في الذنوب وهو داعي للحرمان و البغي سائق إلى الحين والشره(٣) جامع لمساوي العيوب، رب طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة تؤول إلى الخسران، ألا ومن تورط في الامور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب(٤) وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الادب ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوء‌ة أسوأ من الكذب، ولا حافظ أحفظ من الصمت ولاغائب أقرب من الموت.

أيها الناس [إنه] من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لاخيه بئرا وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشف عورات بيته ومن نسي زلله استعظم زلل غيره، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل

____________________

(١) اي تمكن واستقر في متسع الراحة. والاحتكار: الجمع والامساك؛ (في).

(٢) التقحم: الدخول في الامر من غير روية.

(٣) الحين بالفتح: الهلاك والشره: الحرص.

(٤) في بعض النسخ (مفظعات).

(٥) السوء‌ة: الخصلة القبيحة.

(٦) في بعض النسخ (انهتك حجاب بيته).

٢١

ومن سفه على الناس شتم، ومن خالط الانذال حقر(١) ، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس إنه لا مال [هو] أعود من العقل(٢) ، ولا فقر [هو] أشد من الجهل، ولا واعظ [هو] أبلغ من النصح، ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا وحشة أشد من العجب، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس في الانسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهد يخبر عن الضمير، حاكم يفصل بين الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع يدرك به الحاجة، وواصف يعرف به الاشياء، وأمير يأمر بالحسن، وواعظ ينهى عن القبيح، ومعز تسكن به الاحزان(٣) وحاضر تجلى به الضغائن(٤) ، ومونق تلتذ به الاسماع.

أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم(٥) كما أنه لا خير في القول بالجهل.

واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم، ومن لا يعلم يجهل، ومن لا يتحلم لا يحلم ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر، ومن لايوقر يتوبخ(٦) ، ومن يكتسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم(٧) ومن لم يعط قاعدا منع قائما(٨) ، ومن يطلب العز بغير حق يذل، ومن يغلب بالجور يغلب، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه وقر، ومن تكبر حقر، ومن لا يحسن لا يحمد.

____________________

(١) الانذال: السفهاء والاخساء.

(٢) الاعود: الانفع.

(٣) (معز) من التعزية بمعنى التسلية.

(٤) في تحف العقول (وحامد تجلى به الضغائن) والضغينة: الحقد والمونق: المعجب وفي بعض النسخ (تلهى به الاسماع) وفي بعضها (يلهى الاسماع).

(٥) الحكم بالضم: الحكمة.

(٦) في بعض النسخ (ومن يتق ينج) موضع (ومن لا يوقر يتوبخ).

(٧) يعني من لا يدع الشر ومالا ينبغي على اختيار يدعه على اضطرار؛ (في).

(٨) يعني ان الرزق قد قسمه الله فمن لم يرزق قاعدا لم يجد له القيام والحركة؛ (في).

٢٢

أيها الناس إن المنية قبل الدينة والتجلد قبل التبلد(١) ، والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر، وغض البصر(٢) خير من كثير من النظر، والدهر يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر(٣) وإذا كان عليك فاصبر فبكليهما تمتحن(٤) .

- وفي نسخة وكلاهما سيختبر.

أيها الناس أعجب ما في الانسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الاسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن اسعد بالرضى نسي التحفظ(٥) ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الامن استلبته العزة(٦) وفي نسخة أخذته العزة، وإن جددت له نعمة أخذته العزة، وإن أفاد ما لا أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة شغله البلاء(٧) وفي نسخة جهده البكاء وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة(٨) ، فكل تقصير به مضر وكل إفراط له مفسد.

أيها الناس إنه من فل ذل(٩) ، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله رأس ومن كثر حلمه

____________________

(١) يعني ان الموت خير من الذلة فالمراد بالقبلية القبلية بالشرف وفي نهج البلاغة: (المنية ولا الدنية والتقلل ولا التوسل وهو اوضح وعلى هذا يكون معنى (والحساب قبل العقاب) أن محاسبة النفس في الدنيا خير من التعرض للعقاب في الاخرى والتجلد: تكلف الشدة والقوة والتبلد ضده؛ (في).

(٢) في بعض النسخ (عمى البصر) ولعله اظهر؛ (آت).

(٣) البطر: شدة الفرح.

(٤) في بعض النسخ (سيخسر) وفي بعضها (سيحسر) بالمهملات بمعنى الكشف.

(٥) لعل المراد انه إذا اعين بالرضا وسر لم يتحفظ عما يوجب شينه من قول وفعل؛ (في).

(٦) كانها بالاهمال والزاى ويحتمل الاعجام والراء وكذا في اختها الا انه ينبغي ان تكون الثالثة على خلاف الاوليين او احداهما؛ (في).

(٧) عضه: امسكه باسنانه.

(٨) اي ملاء‌ته حتى لا يطيق النفس.

(٩) فل بالفاء اي كسر (في). وفى بعض النسخ بالقاف اي من قل في الاحسان والجود في كل ما هو كمال إما في الاخرة أو في الدنيا فهو ذليل أو من أعوانه ذل. (ماخوذ من آت).

٢٣

نبل، ومن أفكر في ذات الله تزندق(١) ، ومن أكثر من شئ عرف به ومن كثر مزاحه استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لاقلاله.

أيها الناس لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الابلج واللئيم الملهوج(٢) .

أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الانفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم(٣) للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر، وللقلوب خواطر للهوى، والعقول تزجر وتنهى، وفي التجارب علم مستأنف، والاعتبار يقود إلى الرشاد، وكفاك أدبا لنفسك (اجتناب) ما تكرهه لغيرك، وعليك لاخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبر(٤) قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ(٥) ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول(٦) ، ومن حصن

____________________

(١) النبالة: الفضل والشرف والفعل بضم الباء. وقوله: (افكر) افكر في الشئ وفكر وتفكر بمعنى واحد. وتزندق اي صار زنديقا؛ (آت).

(٢) الملهوج هو الحريص مفعول بمعنى الفاعل كسعود ووجه اشترائهما الموت رضائهما به لان الكريم إذا اشتهر توجه الناس اليه بما عجز عن قدر اشتهاره وعلو همته وخجل مما نسب اليه فرضى بالموت. واما الحريص فلانه لم يبلغ ما حرص عليه فلا يزال يتعب نفسه ويزيد حرصه فيتمنى بذلك الموت؛ (في). وقال العلامة مجلسى (ره): الكريم يتمنى الموت لشدة حرصه في الكرم وقلة بضاعته واللئيم يشتراه لانه لا يحصل له ماهو مقتضى حرصه وينقص من ماله شئ بالضرورة وهو مخالف لسجيته ويرى الناس في نعمة فيحسدهم عليها فهو في شدة لازمة لا ينفك عنها بدون الموت فيتمناه.

(٣) في الوافى (وتفطنه الفهم) وقال الفيضرحمه‌الله تذكير البارز باعتبار المرء وما يدعو بدل من المواعظ.

(٤) في بعض النسخ (والتدبير).

(٥) استقبال وجوه الاراء ملاحظتها واحدا واحدا؛ (في).

(٦) عدلت من التعديل ويحتمل ان يكون بالتخفيف بمعنى المعادلة أي بمفرده يعدله ساير العقول؛ (في). وفي بعض النسخ (ومن حصر شهوته).

٢٤

شهوته فقد صان قدره، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجه، وفي تقلب الاحوال علم جواهر الرجال، والايام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة(١) ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغنى ترك المنى، والصبر جنة من الفاقة، والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم(٢) خير من جاف مكثر، والموعظة كهف لمن وعاها، ومن أطلق طرفه كثر أسفه(٣) ، وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان(٤) ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن نال استطال، وقل ما تصدقك الامنية، والتواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الاخلاق كنوز الارزاق، كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره(٥) ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه، وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن(٦) وفي خلاف النفس رشدك، من عرف الايام لم يغفل عن الاستعداد، ألا وإن مع كل جرعة شرقا وإن في كل اكلة غصصا، لا تنال نعمة إلا بزوال اخرى، ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل وأنت قوت الموت.

أعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الارض فإنه يصير إلى بطنها، والليل والنهار يتنازعان وفي نسخة اخرى يتسارعان(٧) في هدم الاعمار.

____________________

(١) لعل المراد انه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم النادرة كالبرق الخاطف بل ينبغي أن تواظب على سماع المواعظ وتستضئ دائما بانوار الحكم لتخرجك من ظلم الجهالات ويحتمل ان يكون المراد لا ينفع سماع العلم مع الانغماس في ظلمات المعاصي والذنوب؛ (آت).

(٢) بفتح الواو أي البار والمعدم: الفقير لانه اعدم المال كما أن المكثر أكثره؛ (في).

(٣) اي متى اطلق عينه ونظره كثر اسفه لانه ربما يتعلق بقلبه مما نظر إليه ما يلهيه عن المهمات أو يوقعه في الافات؛ (في).

(٤) يعني يحملك في الاكثر على المبالغة والزيادة في القول؛ (في).

(٥) يعني وهو في آخر عمره ولا يدرى به والغرض منه الترغيب في الانتهاء عن الذنب و المبادرة إلى التوبة منه؛ (في).

(٦) اي اقصد الوسط العدل من القول وجانب التعدي والافراط والتفريط ليخف عليك المؤون فان من قال جورا او ادعى امرا باطلا يشتد عليه الامر لعدم امكانه اثباته؛ (آت).

(٧) في بعض النسخ (والليل والنهار يتسارعان وفي نسخة اخرى يتنازعان في هدم الاعمار).

٢٥

يا أيها الناس كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، إن من الكرم لين الكلام ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام، إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم، ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب، لا ترغب فيمن زهد فيك، رب بعيد هو أقرب من قريب سل عن الرفيق قبل الطريق وعن الجار قبل الدار، ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل، استر عورة أخيك كما تعلمها فيك(١) ، اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك من غضب على من لا يقدر على ضره طال حزنه وعذب نفسه، من خاف ربه كف ظلمه وفي نسخة من خاف ربه كفي عذابه ومن لم يزغ(٢) في كلامه أظهر فخره، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة، إن من الفساد إضاعة الزاد، ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا، هيهات هيهات وما تناكرتم إلا لمافيكم من المعاصي والذنوب فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم وما شر بشر بعده الجنة وما خير بخير بعده النار، كل نعيم دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر، تصفية العمل أشد من العمل وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد، هيهات لو لا التقى لكنت أدهى العرب.

أيها الناس إن الله تعالى وعد نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة ووعده الحق ولن يخلف الله وعده، ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروة ذوائب الزلفة(٤) ونهاية غاية الامنية، لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام(٥) وهو مابين مرقاة درة

____________________

(١) في بعض النسخ (لما تعلمها). والمقيل من القيلولة.

(٢) اي من لم يمل في كلامه عن الحق.

وفي بعض النسخ بالمهملة من رعى يرعى اي عدم الرعاية في الكلام يوجب اظهار الفخر ويمكن ان يكون بضم الراء من الروع بمعنى الخوف وفي بعض النسخ بالمعجمة يقال: كلام مرغ إذا لم يفصح عن المعنى فالمراد ان انتظام الكلام والفصاحة فيه اظهار للفخر والكمال فيكون مدحا لازما وفي امالى الصدوق (والفقيه) ومن لم يرع في كلامه اظهر هجره والهجر: الفحش وكثرة الكلام في ما لا ينبغي ولعله اظهر. (ماخوذ من آت).

(٣) الدهاء: جودة الرأي والفطنة.

(٤) اي اعلاها والزلفة: القرب ولا يخفى لطف الاستعارة؛ (في).

(٥) حضر الفرس بالضم عدوه.

وزاد في بعض النسخ (وفي نسخة الف عام).

٢٦

إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة زبرجدة إلى مرقاة لؤلؤة، إلى مرقاة ياقوته، إلى مرقاة زمردة، إلى مرقاة مرجانة، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة عنبر، إلى مرقاة يلنجوج(١) ، إلى مرقاة ذهب، إلى مرقاة غمام، إلى مرقاة هواء، إلى مرقاة نور(٢) قد أنافت على كل الجنان ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ قاعد عليها، مرتد بريطتين(٣) ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله، عليه تاج النبوة وإكليل الرسالة(٤) قد أشرق بنوره الموقف وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهى دون درجته وعلي ريطتان ريطة من أرجوان النور(٥) وريطة من كافور والرسل والانبياء قد وقفوا على المراقي، وأعلام الازمنة وحجج الدهور(٦) عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة، لا يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله غمامة بسطة(٧) البصر يأتى منها النداء: يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصى وآمن بالنبي الامي العربي ومن كفر فالنار موعده وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ظلة(٨) يأتي منها النداء: يا أهل الموفق طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الامي والذي له الملك الاعلى، لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقى خالقه بالاخلاص لهما والاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الازمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء‌ا بما كنتم تعملون وما من رسول سلف ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبرا امته بالمرسل الوارد من بعده ومبشرا برسول الله

____________________

(١) يلنجوج: عود البخور.

(٢) تشبيه المراقي بالجواهر إشارة إلى اختلاف الدرجات في الشرف والفضل؛ (في). وقوله: (قد انافت) اي ارتفعت واشرفت.

(٣) الريطة: كل ثوب رقيق لين.

(٤) الاكليل: التاج.

(٥) اي ثياب حمر وشجر له ورد.

(٦) اي الاوصياء وسائر الائمةعليهم‌السلام .

(٧) اي قدر مد البصر.

(٨) في بعض النسخ (ظلمة).

٢٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله وموصيا قومه باتباعه ومحليه عند قومه ليعرفوه بصفته وليتبعوه على شريعته ولئلا يضلوا فيه من بعده فيكون من هلك [أ] وضل بعد وقوع الاعذار والانذار عن بينة وتعيين حجة، فكانت الامم في رجاء من الرسل وورود من الانبياء ولئن اصيبت بفقد نبي بعد نبى على عظم مصائبهم وفجائعها بهم(١) فقد كانت على سعة من الامل ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لان الله ختم به الانذار(٢) و الاعذار وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ومهيمنه(٣) الذي لا يقبل إلا به ولا قربة إليه إلا بطاعته، وقال: في محكم كتابه: "( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاکَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (٤) " فقرن طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه وشاهدا له على من اتبعه وعصاه وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: "( قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ ) (٥) " فاتباعهصلى‌الله‌عليه‌وآله محبة الله ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة وفى التولي عنه والاعراض محادة الله وغضبه وسخطه والبعد منه مسكن النار و ذلك قوله: "( وَ مَنْ يَکْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ) (٦) " يعني الجحود به والعصيان له فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده وقتل بيدي أضداده وأفنى بسيفي جحاده و جعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين وسيفه على المجرمين وشد بي أزر رسوله وأكرمنى بنصره وشرفني بعلمه وحباني بأحكامه واختصني بوصيته واصطفاني بخلافته في امته فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حشده(٧) المهاجرون والانصار وانغصت(٨) بهم المحافل: أيها الناس إن عليا مني كهارون(٩) من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون

____________________

(١) في بعض النسخ (وفجايعهم).

(٢) في بعض النسخ (حسم) اي قطع.

(٣) المهيمن: القائم الحافظ والمشاهد والمؤتمن.

(٤) النساء: ٨٠.

(٥) آل عمران: ٣١.

(٦) هود: ١٧.

(٧) حشد القوم اي اجتمعوا.

(٨) اي تضيقت بهم المحافل.

(٩) في بعض النسخ (بمنزلة هارون).

٢٨

عن الله نطق الرسول إذ عرفوني أني لست بأخيه لابيه وامه كما كان هارون أخا موسى لابيه وامه ولا كنت نبيا فاقتضى نبوة ولكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون (ع) حيث يقول: " اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين(١) " وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين تكلمت طائفة فقالت: " نحن موالي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حجة الوادع ثم صار إلى غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه و عاد من عاداه " فكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتي عداوة الله.

وأنزل الله عزوجل في ذلك اليوم "( الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً ) (٢) " فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصا لي وتكرما نحلنيه وإعظاما وتفضيلا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منحنيه(٣) وهو قوله تعالى منحنيه وهو قوله تعالى: "( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُکْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ) (٤) " في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني الاشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهاله فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لانفسهما مهدا، يتلاعنان(٥) في دورهما ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا إلتقيا: ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين، فيحيبة الاشقى على رثوثة(٦) : يا ليتني لم أتخذك خليلا، لقد

____________________

(١) الاعراف: ٢ ١٤.

(٢) المائدة: ٣.

(٣) قولهعليه‌السلام : (انزل الله تعالى اختصاصا لي وتكريما نحلنيه) لعل مرادهعليه‌السلام ان الله سبحانه سمى نفسه بمولى الناس وكذلك سمى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه به، ثم نحلاني ومنحاني واختصاني من بين الامة بهذه التسمية تكريما منهما لي وتفضيلا وإعظاما.

أو أرادعليه‌السلام ان رد الامة اليه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رد إلى الله عزوجل وان هذه الاية انما نزلت بهذا المعنى كما نبه عليه بقوله: (وكانت على ولايتي ولاية الله) وذلك لانه به كمل الدين وتمت النعمة ودام من رجع اليه من الامة واحدا بعد واحد إلى يوم القيامة.

او ارادعليه‌السلام ان المراد بالمولى في هذه الاية نفسهعليه‌السلام وانه مولاهم الحق لان ردهم اليه رد إلى الله تعالى؛ (في).

(٤) الانعام: ٦٢.

(٥) ظاهر الفقرات ان هذه الخطبة كانت بعد انقضاء دولتهما وهو ينافي مامر في اول الخبر من انها كانت بعد سبعة ايام من وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعله اخبار عما سيكون.

(٦) الرثاثة: البذاذة ومن اللباس: البالي. وفي الوافي (على وثوبه).

٢٩

اضللتني عن الذكر بعد إذ جاء ني وكان الشيطان للانسان خذولا، فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والايمان الذي به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب، ولئن رتعا في الحطام المنصرم(١) والغرور المنقطع وكانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود، في أخيب وفود وألعن مورود، يتصارخان باللعنة ويتناعقان بالحسرة(٢) ، مالهما من راحة ولا عن عذابهما من مندوحة، إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان، يقيمون لها المناسك و ينصبون لها العتائر ويتخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام ويستقسمون بالازلام(٣) عامهين عن الله عز ذكره حائرين عن الرشاد، مهطعين إلى البعاد(٤) ، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة(٥) فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة واسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدقه، فتبوؤوا العز بعد الذلة والكثرة بعد القلة وهابتهم القلوب والابصار وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة وأمن بعد خوف وجمع بعد كوف(٦) وأضاء‌ت بنا مفاخر معد بن عدنان وأولجناهم(٧) باب الهدى وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الايمان وفلجوا بنا في العالمين وابدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد ومصل

____________________

(١) الرتع: التنعم. والحطام: الهشيم ومن الدنيا كل ما فيها يفنى ويبقى. والمنصرم: المنقطع.

(٢) نعق بغنمه: صاح.

(٣) العتائر: جمع العتيرة وهي شاة كانوا يذبحونها في رجب لالهتهم. والبحيرة والسائبة: ناقتان مخصوصتان كانوا يحرمون الانتفاع بهما. والوصيلة: شاة مخصوصة يذبحونها على بعض الوجوه ويحرمونها على بعض. والحام: الفحل من الامل الذي طال مكثه عندهم فلا يركب ولا يمنع من كلاة وماء. والاستقسام بالازلام: طلب معرفة ما قسم لهم مما لم يقسم بالاقداح. والعمه: التحير والتردد؛ (في).

(٤) المندوحة: السعة. والاهطاع: الاسراع. وفي بعض النسخ (جائزين عن الرشاد). و الاستحواذ: الاستيلاء.

(٥) في بعض النسخ (رضعوا جهالة وانفطموا ضلالة).

والانفطام: الفصل عن الرضاع اي كانوا في صغرهم وكبرهم في الجهالة والضلالة وفي بعض النسخ (وانتظموها ضلالة) فالضمير راجع إلى الجهالة اي انتظموها مع الجهالة في سلك ولعله تصحيف؛ (آت).

(٦) اي تفرق وتقطع. وفي بعض النسخ (حوب). وهو الوحشة والحزن.

(٧) أي ادخلناهم.

٣٠

قانت ومعتكف زاهد، يظهرون الامانة ويأتون المثابة حتى إذا دعا الله عزوجل نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة(١) أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الاعقاب وانتكصوا على الادبار وطلبوا بالاوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا(٢) الديار وغيروا آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورغبوا عن أحكامه وبعدوامن أنواره واستبدلوا بسمتخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممن اختار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمقامه وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الانصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف، ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الاسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مضى ولم يستخلف فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الاسلام وعن قليل يجدون غب ما أسسه الاولون(٣) ولئن كانوا في مندوحة من المهل(٤) وشفاء من الاجل وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور وسكون من الحال وإدراك من الامل فقد أمهل الله عز و جل شداد بن عاد وثمود بن عبود(٥) وبلعم بن باعور وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة وأمدهم بالاموال والاعمار وأتتهم الارض ببركاتها ليذكروا آلاء الله وليعرفوا الاهابة له(٦) والانابة إليه ولينتهوا عن الاستكبار فما بلغوا المدة واستتموا الاكلة أخذهم

____________________

(١) الفلج: الفوز والظفر. والمثابة: موضع الثواب ومجتمع الناس بعد تفرقهم. والخفقة: النعاس. والوميض: اللمع الخفي.

(٢) والانتكاس: الرجوع. والردم: السد. و (فلوا) بالفاء واللام الشاذة اي كسروا ولعله كناية عن السعي في تزلزل بنيانهم وبذل الجهد في خذلانهم وفي بعض النسخ (وقلوا) بالقاف اي ابعضوا داره واظهروا عداوة البيت؛ (آت).

(٣) الغب بتشديد الباء: العاقبة.

(٤) اي كانوا في سعة من المهلة. والشفا مقصورا: الطرف. ارادعليه‌السلام به طول العمر فكانهم في طرف والاجل في طرف آخر؛ (في)..

(٥) ثمود بن عبود كتنور وثمود: اسم قوم صالح النبيعليه‌السلام ؛ (آت).

(٦) في بعض النسخ (ليعترفوا الاهابة له) وفي بعضها (ليقترفوا) والاهابة بمعنى الزجر يقال: اهاب اهابة الراعي بغنمه: صاح لتقف او لترجع بالابل وايضا زجرها بقوله: (هاب).

٣١

الله عزوجل(١) واصطلمهم فمنهم من حصب(٢) ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من أحرقته الظلة(٣) ومنهم من أودته الرجفة(٤) ومنهم من أردته الخسفة(٥) " وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " ألا وإن لكل كتابا فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون وآل إليه الاخسرون لهربت إلى الله عزوجل مما هم عليه مقيمون وإليه صائرون، ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون وكباب حطة في بني إسرائيل وكسفينة نوح في قوم نوح، إني النبأ العظيم والصديق والاكبر وعن قليل ستعلمون ما توعدون وهل هي إلا كلعقة الآكل ومذقة الشارب(٦) وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات(٧) خزيا في الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون فما جزاء من تنكب محجته؟ وأنكر حجته، وخالف هداته وحاد عن نوره واقتحم في ظلمه واستبدل بالماء السراب وبالنعيم العذاب وبالفوز الشقاء وبالسراء الضراء وبالسعة الضنك، إلا جزاء اقترفه(٨) وسوء خلافه فليوقنوا بالوعد على حقيقته وليستيقنوا بما يوعدون، " يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج. إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير. يوم تشقق الارض عنهم سراعا إلى آخر السورة(٩) .

____________________

(١) الاصطلام: الاستيصال.

(٢) على بناء المفعول اي رمى بالحصباء وهي الحصا من السماء.

(٣) الظلة: السحاب. وفي بعض النسخ (الظلمة).

(٤) اي اهلكته الزلزلة.

(٥) اي اهلكته الخسف والسوخ في الارض كقارون؛ (آت).

(٦) اللعقة بضم اللام مصدر: ما تاخذ باصبعك او في الملعقة وايضا: القليل مما يلعق. وبالفتح: المرة. والوسنان: من اخذته السنة وهو النائم الذي لم يستغرق في النوم.

(٧) المعرة: الاثم والغرم والاذى. ومكان (خزيا) في بعض النسخ (جزاء‌ا).

(٨) استثناء من النفي المفهوم من قوله: (فما جزاء)؛ (آت).

(٩) سورة ق وفيها:( يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ) وتمام السورة( يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذٰلِکَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَکِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ) .

٣٢

خطبة الطالوتية

٥ - محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي قال: حدثنا عبدالله بن أيوب الاشعري عن عمر والاوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الهيثم بن التيهان أن أمير المؤمنين (ع) خطب الناس بالمدينة فقال: الحمد لله الذي لا إله إلا هو، كان حيا بلا كيف(١) ولم يكن له كان، ولا كان لكانه كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شئ ولا كان على شئ ولا ابتدع لكانه مكانا، ولا قوي بعدما كون شيئا، ولاضعيفا قبل أن يكون شيئا، ولا كان مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا، ولا يشبه شيئا، ولا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه، ولا يكون خلوا منه بعد ذهابه، كان إلها حيا بلا حياة، ومالكا قبل أن ينشئ شيئا، ومالكا بعد إنشائه للكون، وليس يكون لله كيف ولا أين ولا حد يعرف، ولا شئ يشبهه، وليهرم لطول بقائه، ولا يضعف لذعرة(٢) ، ولا يخاف كما تخاف خليقته من شئ ولكن سميع بغير سمع، وبصير بغير بصر، وقوي بغير قوة من خلقه، لا تدركه حدق الناظرين ولا يحيط بسمعه سمع السامعين، إذا أراد شيئا كان بلا مشورة ولا مظاهرة ولا مخابرة ولا يسأل أحدا عن شئ من خلقه أراده، لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فبلغ الرسالة وأنهج الدلالةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________________

(١) أي بلا حياة زائدة يتكيف بها ولا كيفية من الكيفيات التي تتبع الحياة في المخلوقين، بل حياته علمه وقدرته وهما غير زائدتين على ذاته.

وقوله: (ولم يكن له كان) الظاهر ان (كان) اسم (لم يكن) لانه لما قالعليه‌السلام : (كان) او هم العبارة زمانا، فنفىعليه‌السلام ذلك بانه كان بلا زمان. او لان الكون يتبادر منه الحدوث عرفا ويخترع الوهم للكون مبدء ا فنفىعليه‌السلام ذلك بان وجوده تعالى ازلي لا يمكن ان يقال: حدث في ذلك الزمان فالمراد: ب‍ (كان) على التقديرين ما يفهم ويتبادر او يتوهم منه.

(٢) في بعض النسخ (لا يصعق). والذعرة بالضم: الخوف وبالتحريك: الدهش.

٣٣

ايها الامة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواء‌ها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه(١) والطريق الواضح فتنكبته، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت(٢) بكم السبل وبدت لكم الاعلام وأضاء لكم الاسلام فأكلتم رغدا(٣) وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها(٤) وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الائمه فتركوكم، فأصبحتم تحكمون باهوائكم إذا ذكر الامر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف وقد تركتموه ونبذتموم وخالفتموه؟(٥) رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم(٦) وما اجتلبتم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالامم قبلكم وسيسألكم الله عزوجل عن أئمتكم، معهم تحشرون وإلى الله عزوجل غدا تصيرون، أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتى تؤولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق و آخذ بالرفق، اللهم فاحكم بيننا بالحق وانت خير الحاكمين.

____________________

(١) في بعض النسخ (صدعت).

(٢) في بعض النسخ (لتنهجت) وفي بعضها (لابتهجت). والابتهاج: السرور ونهج اي وضح وتنهج قريب منه.

(٣) اي واسعة طيبة.

(٤) الرحب بالضم: السعة، اي مع سعتها.

(٥) اي كيف ينفعكم هذا الاقرار والاذعان وقد تركتم متابعة قائله او كيف تقولون هذا مع انه مخالف لافعالكم؛ (آت).

(٦) الاجترام: الاكتساب. والاجتلاب: جلب الشئ إلى النفس. وفي بعض النسخ (اجتنيتم) من اجتناء الثمرة او بمعنى كسب الجرم.

٣٤

قال ثم خرج من المسجد فمر بصيرة(١) فيها نحو من ثلاثين شاة، فقال: والله لو أن لي رجالا ينصحون لله عزوجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لازلت أبن أكلة الذبان(٢) عن ملكه.

قال: فلما أمسى بايعه ثلاثمائة وستون رجلا على الموت فقال لهم أمير المؤمنين (ع): اغدوا بنا إلى أحجار الزيت(٣) محلقين، وحلق أمير المؤمنين (ع) فما وافى من القوم محلقا إلا أبوذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وجاء سلمان في القوم، فرفع يده إلى السماء فقال: اللهم إن القوم استضعفوني كما استضعفت بنو إسرائيل هارون، اللهم فإنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى عليك شئ في الارض ولا في السماء، توفني مسلما وألحقنى بالصالحين، أما والبيت والمفضي(٤) إلى البيت وفي نسخة والمزدلفة والخفاف إلى التجمير لو لا عهد عهده إلي النبي الاميصلى‌الله‌عليه‌وآله لاوردت المخالفين خليج المنية ولارسلت عليهم شآبيب صواعق الموت وعن قليل سيعملون.

٦ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبدالله (ع) إذ دخل عليه أبوبصير وقد خفره النفس(٦) فلما أخذ مجلسه قاله له أبوعبدالله (ع): يا أبا محمد ما هذا النفس العالي؟ فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أنني لست أدري ماأرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبوعبدالله (ع): يا أبا محمد وإنك لتقول هذا؟ ! قال: جعلت فداك وكيف لا أقول هذا؟ ! فقال، يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم

____________________

(١) الصيرة: حظيرة تتخذ من الحجارة واغصان الشجرة للغنم والبقر.

(٢) الذبان بالكسر والتشديد: جمع ذباب وكنى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فانهم كانوا في الجاهلية ياكلون من كل خبيث نالوه؛ (في).

(٣) احجار الزيت: موضع داخل المدينة.

(٤) المفضى إلى البيت: ماسه بيده. والخفاف: سرعة الحركة. ولعل المراد بالتجمير رمى الجمار. والخليج: النهر؛ (في).

(٥) شآبيب: جمع شؤبوب بالضم مهموزا وهو الدفعة من المطر؛ (آت).

(٦) الخفر: الحث والاعجال.

٣٥

ويستحيي من الكهول؟ قال: قلت: جعلت فداك فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم الله الشباب أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم، قال: قلت: جعلت فداك هذا لنا خاصة أم لاهل التوحيد؟ قال فقال: لا والله إلا لكم خاصة دون العالم، قال: قلت: جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزا(١) انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له الولاة دماء‌نا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، قال: فقال أبوعبدالله (ع): الرافضة؟ قال: قال: قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به(٢) أما علمت يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم ضلالهم فلحقوا بموسى (ع) لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لانهم رفضوا فرعون وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما (ع) فأوحى الله عزوجل إلى موسى (ع) أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به ونحلتهم إياه، فأثبت موسى (ع) الاسم لهم ثم ذخر الله عزوجل لكم هذا الاسم حتى نحلكمون، يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر، افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة فانشعبتم مع أهل بيت نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله وذهبتم حيث ذهبوا و اخترتم من اختار الله لكم وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم ابشروا، فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم والمتجاوز عن مسيئكم، من لم يأت الله عزوجل بما انتم عليه يوم القيامة لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد إن لله عزوجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله عزوجل: " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم. ويستغفرون للذين آمنوا(٣) " استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: "( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا

____________________

(١) النبز بالتحريك: اللقب.

(٢) في بعض النسخ (بل الله سماكم به).

(٣) المؤمن: ٧.

٣٦

اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (١) " إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره: "( وَ مَا وَجَدْنَا لِأَکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَ إِنْ وَجَدْنَا أَکْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) (٢) " يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: "( إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ‌ ) (٣) " والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد "( الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ ) (٤) " والله ما أراد بهذا غيركم، يا أبا محمد فهل سررتك قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عزوجل وشيعتنا و عدونا في آية من كتابه فقال عزوجل: "( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَکَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) (٥) " فنحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون و شيعتنا هم أولوا الالباب، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدنى، فقال: يا أبا محمد والله ما استثنى الله عزوجل بأحد من أوصياء الانبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين (ع) وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق: "( يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ‌* إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ ) (٦) " يعني بذلك عليا (ع) وشيعته، يا ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول: "( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‌ ) (٧) " والله ما أراد بهذا غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال: "( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَکَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) (٨) " والله ما أراد بهذا إلا الائمة (عل) وشيعتهم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( فَأُولٰئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ

____________________

(١) الاحزاب: ٢٣.

(٢) الاعراف: ١٠٢.

(٣) الحجر: ٤٧.

(٤) الزخرف: ٦٧.

(٥) الزمر: ٩.

(٦) الدخان ٤٢ و ٤٣.

(٧) الزمر: ٥٣.

(٨) الحجر: ٤٢.

٣٧

أُولٰئِکَ رَفِيقاً ) (١) " فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عزوجل، يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله: "( وَ قَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ) (٢) " والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم، صرتم عند أهل هذا العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون(٣) وفى النار تطلبون با ابا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك، زدني، فقال: يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك براء(٤) يا أبا محمد فهل سررتك؟ وفي رواية اخرى فقال: حسبي.

حديث أبي عبداللهعليه‌السلام مع المنصور في موكبه

٧ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير جميعا، عن محمد بن ابي حمزة، عن حمران قال: قال أبوعبدالله (ع) و ذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال: إني سرت مع أبي جعفر المنصور(٥) وهو في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي: يا أبا عبدالله قد كان فينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز

____________________

(١) النساء: ٦٩.

(٢) ص: ٦٢ و ٦٣.

(٣) اي تكرمون وتنعمون وتسرون.

(٤) براء ككرام وفي بعض النسخ (براء) كفقهاء وكلاهما جمع بريئ.

(٥) يعني الدوانيقي.

٣٨

ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الامر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم(١) ، قال: فقلت: ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال: لي أتحلف على ما تقول؟ فقلت: إن الناس سحرة(٢) يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا فقال لي: تذكر يوم سألتك هل لنا ملك؟ فقلت: نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام، فعرفت أنه قد حفظ الحديث، فقلت: لعل الله عزوجل أن يكفيك(٣) فإني لم أخصك بهذا وإنما هوحديث رويته ثم لعل غيرك من أهل بيتك يتولى ذلك فسكت عني، فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال: جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر وأنت على حمار وهو على فرس وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته، فقلت بيني وبين نفسي: هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الامر الذي يقتدي به وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الانبياء ويسفك الدماء في الارض بما لا يحب الله وهو في موكبه وأنت على حمار فدخلني من ذلك شك حتى خفت على دينى ونفسي، قال: فقلت: لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكه لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه فقال: الآن سكن قلبي، ثم قال: إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أليس تعلم أن لكل شئ مدة؟ قال: بلى فقلت: هل ينفعك علمك أن هذا الامر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين؟ إنك لو تعلم حالهم عند الله عزوجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضا ولو جهدت أو جهد أهل الارض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيه من الاثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان(٤) فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ألا تعلم أن من أنتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الاذى والخوف هو غدا في زمرتنا فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله، ورأيت الجور قد شمل البلاد، ورايت القرآن قد خلق واحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الاهواء، ورأيت الدين قد انكفى كما ينكفي

____________________

(١) (تغرينا) في بعض النسخ (تعزينا) والاغراء: التحريص على الشر.

(٢) في بعض النسخ (شجرة) ولعله تصحيف. والسحر في كلامهم صرف الشئ عن وجهه.

(٣) اي يصونك من ان يقع منك هذا الامر.

(٤) اي لا يستخفنك الشيطان.

٣٩

الماء(١) ، ورايت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله، ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته(٢) ، ورأيت الصغير يستحقر بالكبير، ورأيت الارحام قد تقطعت، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله، ورأيت الغلام يعطى ما تعطى المرأة، ورأيت النساء يتزوجن النساء، ورأيت الثناء قد كثر(٣) ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه، ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد، ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع، ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن، مرحا لما يرى في االارض من الفساد(٤) ، ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزوجل، ورأيت الامر بالمعروف ذليلا، ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويا محمودا، ورأيت اصحاب الايات يحتقرون ويحتقر من يحبهم(٥) ، ورأيت سبيل الخير منقطعا وسبيل الشر مسلوكا، ورأيت بيت الله قدعطل ويؤمربتركه، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله، ورأيت الرجال يتسمنون(٦) للرجال والنساء للنساء، ورأيت الرجال معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها، ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال، ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر وأظهروا الخضاب وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها واعطوا

____________________

(١) اي انقلب، كفأت الاناء اي قلبته.

(٢) الفرية: الكذب والبهتان.

(٣) في بعض النسخ (رايت البناء قد كثر).

(٤) المرح بالتحريك: شدة الفرح والنشاط.

(٥) اصحاب الايات اي اصحاب العلامات والمعجزات او الذين نزلت فيهم الايات وهم الائمة أو المفسرون. وفى بعض النسخ (اصحاب الاثار) وهم المحدثون؛ (آت).

(٦) اي يستعملون الاغذية والادوية للسمن ليعمل معهم القبيح، قال في النهاية: فيه: (يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون) اي يتكثرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرف، وقيل: اراد جمعهم الاموال، وقيل: يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي اسباب السمن، ومنه الحديث الاخر (ويظهر فيهم السمن) وفيه: (ويل للمسمنات يوم القيامة من فترة في العظام) اي اللاتي يستعملن السمنة وهو دواء يتسمن به النساء انتهى؛ (آت).

٤٠