الروضة من الكافي الجزء ٨

الروضة من الكافي0%

الروضة من الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 311

الروضة من الكافي

مؤلف: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي
تصنيف:

الصفحات: 311
المشاهدات: 48606
تحميل: 6704

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48606 / تحميل: 6704
الحجم الحجم الحجم
الروضة من الكافي

الروضة من الكافي الجزء 8

مؤلف:
العربية

الروضة من الكافي

الجزء الثامن

تقة الاسلام ابي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق

الكليني الرازيرحمه‌الله

المتوفى سنة ٣٢٨ / ٣٢٩هـ

مع تعليقات نافعة مأخوذة من عدة شروح

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

الروضة من الكافي

الجزء الثامن

تقة الاسلام ابي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازيرحمه‌الله

المتوفى سنة ٣٢٨ / ٣٢٩هـ

مع تعليقات نافعة مأخوذة من عدة شروح

٣

كتاب الروضة

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - محمد بن يعقوب الكليني(١) قال: حدثني على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال عن حفص المؤذن، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، وعن محمد بن اسماعيل بن بزيع(٢) ، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبى عبداللهعليه‌السلام أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

قال: وحدثني(٣) الحسن بن محمد، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن القاسم بن الربيع الصحاف، عن إسماعيل بن مخلد السراج، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: خرجت هذه الرسالة من أبي عبداللهعليه‌السلام إلى أصحابه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا ربكم العافية وعليكم بالدعة(٤) والوقار والسكينة وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم وإياكم ومماظتهم دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام، فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية(٥) التى أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم فإذا ابتليتم

____________________

(١) هذا قول احد رواة الكافي، النعماني او الصفواني او غيرهما.

(٢) معطوف على ابن فضال لان ابراهيم بن هاشم من رواته؛ (آت).

(٣) اي قال ابراهيم بن هاشم: وحدثني... الخ.

(٤) الدعة: الخفض والطمأنينة.

(٥) المجاملة: المعاملة بالجميل. والضيم: الظلم. والمماظة بالمعجمة: شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم. وقوله: (بالتقية) متعلق (بدينوا) وما بينهما معترض؛ (في).

٤

بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر ولو لا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم(١) وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف، لا تحبونهم أبدا ولا يحبونكم غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبصركموه ولم يجعلهم من أهله فتجاملونهم وتصبرون عليهم وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شئ(٢) وحيلهم وسواس بعضهم إلى بعض فإن أعداء الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق، فيعصمكم الله من ذلك فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم ألا من خير.

وإياكم أن تزلقوا ألسنتكم(٣) بقول الزور والبهتان والاثم والعدوان فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تزلقوا ألسنتكم به فإن زلق اللسان فيما يكره الله وما [ي‍] نهى عنه مرداة(٤) للعبد عند الله ومقت من الله وصم وعمي وبكم يورثه الله إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله: "( صُمٌّ بُکْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ‌ ) (٥) " يعني لا ينطقون "( وَ لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ‌ ) ".

____________________

(١) السطو: القهر اي وقبوا عليكم وقهروكم.

(٢) قال العلامة المجلسيرحمه‌الله : اعلم انه يظهر من بعض النسخ المصححة انه قد اختل نظم هذا الحديث وترتيبه بسبب تقديم بعض الورقات تاخير بعضها وفيها قوله: (ولا صبر لهم) متصل بقوله فيما بعد: (من اموركم) هكذا: (ولا صبر لهم على شئ من اموركم تدفعون انتم السيئة إلى آخر ما سيأتي) وهو الصواب وسيظهر لك مما سنشير اليه في كل موضع من مواضع الاختلاف صحة تلك النسخة واختلال النسخ المشهورة اه‍.

اقول: نقل هذه الرسالة صاحب الوافيرحمه‌الله عن الكافي في روضة الوافي عن مثل تلك النسخة التي اشار اليها العلامة المجلسي ولكن لم نعثر عليها مع كثرة ما لدينا من النسخ ولا يسعنا تغييرها عن هذه الصورة المشوشة فاثبتناها هكذا واوردناها بتمامها عن الوافي في آخر هذا المجلد مشفوعة بتفسير غريبها وتوضيح مشكلها.

(٣) (ان تزلقوا) بالزاي المعجمة بمعنى النصر والفرح. وفي بعض النسخ بالذال المعجمة اخت الدال والمعنى ظاهر.

(٤) في بعض النسخ [وفيما ينهى] والمرداة بغير الهمزة مفعلة من الردى بمعنى الهلاك.

(٥) في بعض النسخ [لا يعقلون] وكلاهما في سورة البقرة: ١٨ و ١٧١.

(٦) المرسلات: ٣٦.

٥

وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التى تعقب أهلها خلودا في النار من مات عليها ولم يتب إلى الله ولم ينزع عنها، وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة [له] فارغبوا فيما رغبكم الله فيه وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله وإياكم أن تشره أنفسكم(١) إلى شئ مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الآبدين.

واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها، ويل لاولئك ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم وأسوأ حالهم عندربهم يوم القيامة، استجيروا بالله أن يجيركم(٢) في مثالهم ابدا وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا ولكم إلا به.

فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم به(٣) فإنه لايتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم

____________________

(١) في بعض النسخ (لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله الخ).

وشره كفرح: غلبه حرصه.

(٢) اي استعيذوا بالله من ان يكون اجارته تعالى اياكم على مثال اجارته لهم فانه لا يجيرهم من عذابه في الاخرة وانما اجارهم في الدنيا. وفي بعض النسخ (ان يجريكم) وفي بعضها (من مثالهم) فالمراد استجيروا بالله لان يجيركم من مثالهم اي من ان تكونوا مثلهم؛ (آت).

(٣) لعل المراد: اتقوا الله ولا تتركوا التقوى عن الشرك والمعاصي عند ارادة الله اتمام ما اعطاكم من دين الحق، ثم بينعليه‌السلام الاتمام بانه انما يكون بالابتلاء والافتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم.

فالمراد الامر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن وذكر فائدة الابتلاء بانه سبب لتمام الايمان فلذا يبتليكم؛ (آت).

٦

وأموالكم وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا(١) بجنوبكم وحتى يستذلوكم ويبغضوكم وحتى يحملوا [عليكم] الضيم فتحملوا منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الاذى في الله عزوجل يجترمونه(٢) إليكم وحتى يكذبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيلعليه‌السلام على نبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله سمعتم قول الله عزوجل لنبيكمصلى‌الله‌عليه‌وآله : "( فَاصْبِرْ کَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) (٣) " ثم قال: "( وَ لَقَدْ کُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِکَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا کُذِّبُوا وَ أُوذُوا ) (٤) " فقد كذب نبي الله والرسل من قبله وأوذوا مع التكذيب بالحق فإن سركم أمر الله(٥) فيهم الذي خلقهم له في الاصل - أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الاصل ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله: " وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار " فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه فإنه من يجهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر الله به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه فاستوجب سخط الله فأكبه الله على وجهه في النار.

وقال: أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى لا رأي ولا مقائيس أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم

____________________

(١) يقال: عرك الاذى بجنبه اي احتمله.

(٢) في القاموس: اجترم عليهم واليهم جريمة: جنى جناية.

(٣) الاحقاف: ٣٥.

(٤) الانعام: ٣٤. وفيها( وَ لَقَدْ کُذِّبَتْ... الخ) .

(٥) في النسخة المصححة التي اومأنا اليها قوله: (أن سركم) متصل بما سيأتي في آخر الرسالة: (أن تكونوا مع نبي الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى آخر الرسالة وهو الاصوب؛ (آت).

(٦) القصص: ٤١. وفيها( وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ... الخ) .

٧

بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم وهم الذين من سألهم - وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم - أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه وإلى جميع سبل الحق وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذى أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة(١) فاولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لانهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الامر حراما وجعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم وقد عهد إليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله عزوجل رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه راى الناس بعد ما قبض الله عزوجل رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعدعهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفا لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه والله إن لله علي خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد موته هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بقوله ورأيه ومقائيسه؟ فإن قال: نعم، فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيدا وإن قال: لا، لم يكن لاحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقائيسه فقد آقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال الله وقوله الحق: "( وَ مَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِکُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاکِرِينَ‌ ) (٢) " وذلك لتعلموا أن الله يطاع ويتبع أمره في حياة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد قبض الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وكما لم يكن لاحد من الناس مع محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لامر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكذلك لم يكن لاحد من الناس بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه.

____________________

(١) اي عالم الارواح؛ (آت).

(٢) آل عمران: ١٤٤.

٨

وقال: دعوا رفع أيديكم في الصلاة(١) إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة فإن الناس قد شهروكم بذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال: أكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه وقد وعد الله عباده المؤمنين بالاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإن الله لا يدرك شئ من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله في ظاهر القرآن وباطنه فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحق: "( وَ ذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَ بَاطِنَهُ ) (٢) " واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه، واتبعوا آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا أهواء‌كم وآراء‌كم فتضلوا فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم فإن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا(٣) مع ذلك طاعة ربكم.

وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا بغير علم وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو؟ إنه من سب أولياء الله فقد انتهك سب

____________________

(١) اعلم ان رفع اليدين في تكبير الافتتاح لا خلاف في انه مطلوب للشارع بين العامة والخاصة والمشهور بين الاصحاب الاستحباب وذهب السيد ره من علمائنا إلى الوجوب واما الرفع في سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين ايضا استحبابه وقال الثوري وابوحنيفة وابراهيم النخعي: لا رفع الا عند الافتتاح وذهب السيد ره إلى الوجوب في جميع التكبيرات ولما كان في زمانهعليه‌السلام عدم استحباب الرفع اشهر بين العامة فلذا منع الشيعة عن ذلك يشهروا بذلك فيعرفونهم؛ (آت).

(٢) الانعام: ١٢٠.

(٣) جواب للامر اي انكم إذا جاملتم الناس عشتم مع الامن وعدم حمل الناس على رقابكم بالعمل بطاعة ربكم فيما امركم به من التقية. وفي بعض النسخ (تجمعون) فيكون حالا عن ضميري الخطاب اي ان اجمعوا طاعة الله مع المجاملة، لا بأن تتابعوهم في المعاصي وتشاركوهم في دينهم بل بالعمل بالتقية فيما أمركم الله فيه بالتقية؛ (آت).

٩

الله ومن أظلم عند الله ممن أستسب لله ولاولياء الله، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقال: أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنته واثار الائمه الهداة من اهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده وسنتهم، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل لانهم هم الذين امر الله بطاعتهم و ولايتهم وقد قال أبونا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الاهواء، ألا إن اتباع الاهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار ولن ينال شئ من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر والرضا لان الصبر والرضا من طاعة الله، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله وهو خير له مما أحب وكره، وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم(١) ، وعليكم بحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت وقد قال أبونا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمرني ربي بحب المساكين المسلمين [منهم]، وعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشد مقتا، قاتقوا الله في إخوانكم الملسمين المساكين فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإن الله أمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله بحبهم فمن لمن يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين.

وإياكم والعظمة والكبر فإن الكبر رداء الله عزوجل فمن نازع الله رداء ه قصمه الله وأذله يوم القيامة، وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله، وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد، و إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم فإن أبانا رسول الله

____________________

(١) (اياكم) عطف على المؤمنين.

١٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة، وليعن بعضكم بعضا فإن أبانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: إن معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم الملسمين أن تعسروه(١) بالشئ يكون لكم قبله وهو معسر فإن أبانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما ومن أنظر معسرا أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله.

وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة فإن من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل، وإنه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير رزقه ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب الله لكم بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الاضعاف الكثيرة التي لا يعلم عددها ولا كنه فضلها إلا الله رب العالمين.

وقال: اتقوا الله أيتها العصابة وإن استطعتم أن لا يكون منكم محرج الامام فإن محرج الامام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الامام، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين لحرمته، واعلموا أنه من نزل بذلك المنزل عند الامام فهو محرج الامام، فإذا فعل ذلك عند الامام أحرج الامام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته، فإذا لعنهم لاحراج أعداء الله الامام صارت لعنته رحمة من الله عليهم وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة ورسله على اولئك(٢) .

____________________

(١) عسر الغريم يعسره: طلب منهه على عسرته كاعسره؛ (القاموس).

(٢) (محرج الامام) في الصحاح: احرجه اليه الجأه. وفيه: سعى به إلى الوالي إذا وشى به يعني نمه وذمه عنده.

اقول: الظاهر ان المراد لا تكونوا محرج الامام اي بان تجعلوه مضطرا إلى شئ لا يرضى به، ثم بينعليه‌السلام بان المحرج هو الذي يذم اهل الصلاح عند الامام ويشهد عليهم بفساد وهو كاذب في ذلك فيثبت ذلك بظاهر حكم الشريعة عند الامام فيلزم الامام ان يلعنهم فاذا لعنهم وهم غير مستحقين لذلك تصير اللعنة عليهم رحمة وترجع اللعنة إلى الواشي الكاذب الذي الجأ الامام إلى ذلك.

او المراد انه ينسب الواشي إلى اهل الصلاح عند الامام شيئا بمحضر جماعة يتقى منهم الامام فيضطر الامام إلى ان يلعن من نسب اليه ذلك تقية. ويحتمل ان يكون المراد ان محرج الامام هو من يسعى باهل الصلاح إلى ائمة الجور ويجعلهم معروفين عند ائمة الجور بالتشيع فيلزم ائمة الحق لرفع الضرر عن انفسهم وعن اهل الصلاح ان يلعنوهم ويتبرؤوا منهم فيصير اللعنة إلى الساعين وائمة الجور معا وعلى هذا المراد باعداء الله ائمة الجور وقوله: (إذا فعل ذلك عند الامام) يؤيد المعنى الاول. هذه من الوجوه التي خطر بالبال والله اعلم ومن صدر عنه صلوات الله عليه؛ (آت).

١١

واعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل.

وقال: من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فليتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم لان فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ماذكر الله من فضل أتباع الائمة الهداة وهم المؤمنون قال:( أُولٰئِکَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِکَ رَفِيقاً ) (١) " فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الائمة فكيف بهم وفضلهم ومن سره ان يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا وإجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن فم يبق شئ مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله(٢) ، فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شئ من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا، وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن و بطنه وقد قال الله تعالى: "( وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) (٣) " (إلى ههنا رواية القاسم بن الربيع(٤) يعنى المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشئ فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول الله: "( وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) ".

____________________

(١) النساء: ٦٩.

(٢) اي في الفواحش، فقوله تعالى اجتناب الفواحش يشمل اجتناب جميع المحرمات.

وقوله: (فمن دان الله) اي عبدالله فيما بينه وبين ربه اي مختفيا ولا ينظر إلى غيره ولا يلتفت إلى من سواه.

(٣) آل عمران: ١٣٥.

(٤) اي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص واسماعيل.

١٢

وعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى عمانهى عنه فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شئ من الخير عنده ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار.

واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فاجتهدوا في طاعة الله(١) ، إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا ولا قوة إلا بالله.

وقال: وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم.

واعلموا أن الاسلام هو التسليم والتسليم هو الاسلام فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام له ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الاحسان فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الاحسان.

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الاساء‌ة إلى نفسه وليس بين الاحسان والاساء‌ة منزلة، فلاهل الاحسان عند ربهم الجنة ولاهل الاساء‌ة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئالا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه، واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضى الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد صلوات الله عليهم ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكرلهم فضلا عظم أو صغر.

واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله عزوجل قال للمنافقين وقوله الحق: "( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) (٢) " ولا يفرقن(٣) أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ممن أخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله من أهلها فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الانس والجن وإن لشياطين الانس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق

____________________

(١) في بعض النسخ (فجدوا) وفي بعضها (فخذوا).

(٢) النساء: ٥ ١٤.

(٣) الفرق: الخوف. اي ولا يخافن. وفي بعض النسخ (لا يعرفن).

١٣

في الشك والانكار والتكذيب فيكونون سواء‌ا كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله: "( وَدُّوا لَوْ تَکْفُرُونَ کَمَا کَفَرُوا فَتَکُونُونَ سَوَاءً ) (١) " ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الانس ومكرهم من اموركم تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم، تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم لا خير عندهم لا يحل لكم أن تظهروهم على اصول دين الله فإنهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ورفعوه عليكم وجهدوا على هلاككم واستقبلوكم بما تكرهون ولم يكن لكم النصفة منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل فإنه لا ينبغي لاهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزله أهل الباطل لان الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا وجه قوله الله في كتابه إذ يقول: "( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ کَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ کَالْفُجَّارِ ) (٢) " أكرموا أنفكسم عن أهل الباطل ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى وله المثل الاعلى وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لاهل الباطل(٣) فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا، فمهلا مهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله ما بكم من نعمة، أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم [لمن وصف صفتكم] ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغى [ل‍] كم الغوائل، هذا أدبنا أدب الله فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به وإياكم والتجبر على الله واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله، فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله ولا قوة لنا ولكم إلا بالله.

وقال (ع): إن العبد إذا كان خلقه الله في الاصل - أصل الخلق _ مؤمنا لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده عنه ومن كره الله اليه الشر وباعده عنه(٤) عافاه الله من الكبر

____________________

(١) النساء: ٨٨.

(٢) ص: ٨ ٢.

(٣) العرضة: الحيلة.

(٤) في بعض النسخ (منه) في الموضعين.

١٤

أن يدخله والجبرية، فلانت عريكته(١) وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شئ، وإن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل - أصل الخلق _ كافرا لم يمت حتى يحبب اليه الشر ويقربه منه فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلى بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر.

سلوا الله العافيه واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله، صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته فإن الله أمر بولاية الائمة الذين سماهم الله في كتابه في قوله: "( وَ جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) " وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الائمة من آل محمد يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم أن تكونوا مع نبي الله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به انبياء‌ه وأتباعهم المؤمنين، ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم، وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم.

واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للاسلام: فإذا أعطاه ذلك أنطق

____________________

(١) الجبرية بكسر الجيم والراء وسكون الباء وبكسر الباء ايضا وبفتح الجيم وسكون الباء: التكبر.

والعريكة الطبيعة.

(٢) الانبياء: ٧٣.

١٥

لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا، وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره ضيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذى لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه يوم القيامة، فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للاسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفيكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين.

ومن سره ان يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يسمع قول الله عزوجل لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله قل: "( إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ ) (١) "؟ والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار والحمد لله رب العالمين.

صحيفة علي بن الحسينعليهما‌السلام وكلامه في الزهد

٢ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبى حمزة قال: ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين (ع) إلا ما بلغنى من على بن أبي طالب (ع)، قال أبوحمزة: كان الامام علي بن الحسين (ع) إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته، قال أبوحمزة و قرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين (ع) وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين صلوات الله عليه فعرضت ما فيها عليه فعرفه وصححه وكان ما فيها:

____________________

(١) آل عمران: ٣١.

١٦

بسم الله الرحمن الرحيم كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش الجبارين، أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا المائلون إليها، المفتتنون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد(١) غدا واحذروا ما حذركم الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، والله إن لكم مما فيها عليها [ل‍] دليلا وتنبيها من تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها(٢) وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل(٣) وتضع الشريف وتورد أقواما إلى النار غدا ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه، إن الامور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن(٤) وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب(٥) عن تنبهها وتذهلها عن موجود الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله، فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ونهج سبيل الرشد و سلك طريق القصد ثم استعان على ذلك بالزهد فكرر الفكر واتعظ بالصبر فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة(٦) مع القوم الظالمين، نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة البصر(٧) وأبصر حوادث الفتن وضلال البدع وجور الملوك الظلمة، فلقد لعمري استدبرتم الامور الماضية في الايام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك(٨) فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الارض بغير الحق، فاستعينوا بالله و ارجعوا إلى طاعة الله وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فاطيع.

____________________

(١) الحطام: ما يكسر من اليبس والهامد: البالي المسود المتغير، واليابس من النبات والهشيم من النبات: اليابس المتكسر. والبائد: الذاهب المنقطع أو الهالك.

(٢) المثلات: العقوبات.

(٣) الخامل: الساقط الذي لا نباهة له.

(٤) في بعض النسخ (ملمات).

(٥) التثبيط: التعويق والشغل عن المراد.

(٦) الشناء‌ة: البغض وشنأه: أبغضه.

(٧) في بعض النسخ (حديدة النظر).

(٨) الانهماك: التمادي في الشئ واللجاج فيه.

١٧

فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان(١) فمن عرف الله خافه وحثه الخوف على العمل بطاعة الله وإن ارباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له و رغبوا إليه وقد قال الله: "( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (٢) " فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله فإن ذلك أقل للتبعة وأدنى من العذر وأرجا للنجاة فقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها ولا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الامر منكم.

واعلموا أنكم عبيد الله ونحن معكم يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم فأعدوا الجواب قبل الوقوف والمسائلة والعرض على رب العالمين يومئذ لا تكلم نفس إلا باذنه.

وأعلموا أن الله لا يصدق يومئذ كاذبا ولا يكذب صادقا ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور، له الحجة على خلقه بالرسل والاوصياء بعد الرسل فاتقوا الله عباد الله واستقبلوا في إصلاح أنفسكم وطاعة الله(٣) وطاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم فيما فرط بالامس في جنب الله وضيع من حقوق الله واستغفروا الله وتوبوا إليه فإنه يقبل التوبة ويعفوا عن السيئة ويعلم ما تفعلون وإياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين، احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم(٤) واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولى الله كان في نار تلتهب، تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها وغلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض(٥) حر النار

____________________

(١) الالف: الاليف.

(٢) فاطر: ٢٨.

(٣) في بعض النسخ (في اصلاح انفسكم في طاعة الله).

(٤) الساحة: الناحية.

(٥) (مضض) كفرح: الم. والمضض محركة وجع المصيبة.

١٨

واعتبروا يا أولي الابصار وأحمدوا الله على ما هداكم واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته وسيرى الله عملكم ورسوله ثم إليه تحشرون، فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين.

٣ أحمد بن محمد بن أحمد الكوفي وهو العاصمي، عن عبدالواحد بن الصواف، عن محمد ابن اسماعيل الهمداني، عن أبى الحسن موسى (ع) قال: كان أمير المؤمنين (ع) يوصي أصحابه ويقول: أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة الطالب الراجي وثقة الهارب اللاجي واستشعروا التقوى شعارا باطنا واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طريق النجاة، انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها فإنها تزيل الثاوي(١) الساكن وتفجع المترف الآمن من لا يرجى منها ما تولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر، وصل البلاء منها بالرخاء والبقاء منها إلى فناء، فسرورها مشوب بالحزن والبقاء فيها إلى الضعف والوهن، فهى كروضة اعتم مرعاها واعجبت من يراها، عذب شربها، طيب تربها، تمج عروقها الثرى وتنطف فروعها الندى، حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى بنانه(٤) هاجت ريح تحت الورق وتفرق ما اتسق فأصبحت كما قال الله: "( هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَ کَانَ اللَّهُ عَلَى کُلِّ شَيْ‌ءٍ مُقْتَدِراً ) (٥) "، انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم.

____________________

(١) الثاوي: القائم. والمترف الطاغى، اترفته النعمة: اطغته.

(٢) اعتم النبت اي اكتهل واكتهل النبات اي تم طوله وظهر نوره.

(٣) في المصباح: مج الرجل الماء من فيه من باب قتل: رمى به. وقال: الثرى وزان الحصا: ندى الارض انتهى. ونطف الماء ينطف بكسر وضم: إذا قطر قليل قليل.

(٤) العشب: الكلاء الرطب: وإبان الشئ حينه أو أوله.

(٥) الكهف: ٤٦.

١٩

خطبة لامير المؤمنينعليه‌السلام وهي خطبة الوسيلة

٤ محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الاوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: دخلت على أبى جعفر (ع) فقلت: يا ابن رسول الله قد أرمضني(١) اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال: يا جابر ألم أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله قال: فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيامه، يا جابر اسمع وع، قلت: إذا شئت(٢) ، قال: إسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك إن أمير المؤمنين (ع) خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك حين فرغ من جمع القرآن، وتأليفه فقال: الحمد لله الذي منع الاوهام أن تنال إلا وجوده وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبة والتشاكل بل هو الذى لا يتفاوت في ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الاشياء لا على اختلاف الاماكن ويكون فيها لا على وجه الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه، إن قيل: كان، فعلى تأويل أزلية الوجود وإن قيل: لم يزل، فعلى تأويل نفي العدم، فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها غيره علوا كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان

____________________

(١) ارمضني اي احرقني واوجعني.

(٢) اي إذا شئت يا ابن رسول الله سمعت منك ووعيت وما اخبرت احدا من الناس، فحسب جابر ان مراد الامامعليه‌السلام بقوله: (وع) يعني لا تخبر احدا من الناس فاجابهعليه‌السلام بان قال: اسمع وع إلى ان تبلغ بلادك فاذا انتهت بك راحلتك إلى بلادك فبلغ شيعتنا.

٢٠