الروضة من الكافي الجزء ٨

الروضة من الكافي0%

الروضة من الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 311

الروضة من الكافي

مؤلف: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي
تصنيف:

الصفحات: 311
المشاهدات: 48603
تحميل: 6704

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48603 / تحميل: 6704
الحجم الحجم الحجم
الروضة من الكافي

الروضة من الكافي الجزء 8

مؤلف:
العربية

من هذا ضغث ومن هذا ضغث(١) فيمزجان فيجللان(٢) معا فهنالك يستولى الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى، إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كيف أنتم إذا لبستم فتنة يربو فيها الصغير(٣) ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنة فإذا غير منها شئ قيل: قد غيرت السنة وقد أتى الناس منكرا ثم تشتد البلية وتسبى الذرية وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحا بثفالها(٤) ويتفقهون لغير الله ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة.

ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزوجل وسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم (ع)(٥) فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمةعليها‌السلام (٦) و رددت صاع رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان(٧) ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١) الضغث بالكسر: قبضة من حشيش مخالطة الرطب باليابس.

(٢) جللت الشئ: إذا غطيته. وفي بعض النسخ (فيجتمعان) وفي بعضها (فيجلبان).

(٣) اي يكبر وهو كناية عن امتدادها.

(٤) بالمثلثة والفاء في النهاية: في حديث علىعليه‌السلام : (وتدقهم الفتن دق الرحا بثفالها) الثفال بالكسر: جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق، ويسمى الحجر الاسفل: ثفالا بها والمعنى انها تدقهم دق الرحا للحب إذا كانت مثفلة ولا تثفل الا عند الطحن.

(٥) اشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى موضع كان فيه في الجاهلية رواه الخاصة والعامة. راجع كتاب النص والاجتهاد للعلامة الجليل سماحة السيد شرف الدين العاملى مد ظله.

(٦) قصة فدك مشهورة لا تحتاج إلى البيان.

(٧) الصاع في النهاية هو مكيال يسع اربعة امداد والمد عند الشافعي وفقهاء الحجاز رطل و ثلث بالعراقي وعند ابوحنيفة المد رطلان وبه اخذ فقهاء العراق فيكون الصاع خمسة ارطلان وثلثا او ثمانية ارطال وعند الشيعة على ما في كتاب الخلاف في حديث زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام يقال: كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة ارطال يعني رطل المدينة ا ه‍. وهو تسعة بالعراقي.

٦١

لاقوام لم تمض لهم ولم تنفذ(١) ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد(٢) ورددت قضايا من الجور قضي بها(٣) ، ونزعت نساء‌ا تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن(٤) واستقبلت بهن الحكم في الفروج والارحام، وسبيت ذراري بني تغلب(٥) ، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا(٦) وأعطيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٧)

____________________

(١) القطيعة: طائفة من ارض الخراج (اقطعها) اي عينها وعزلها؛ (في).

(٢) كانهم غصبوها وادخلوها في المسجد؛ (في).

(٣) ذلك كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الارث وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافا لما امر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ترك الكف والعقب وانفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة ومعنه من بيع امهات الاولاد وان مات الولد وقال: هذا راى رايته فامضاه على الناس إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الاخرين؛ (في).

(٤) كمن طلقت بغير شهود وعلى غير طهر كما ابدعوه ونفذوه وغير ذلك؛ (في).

(٥) لان عمر رفع عنهم الجزية فيهم ليسوا باهل ذمة فيحل سبى ذراريهم كما روى عن الرضاعليه‌السلام انه قال: ان بنى تغلب من نصارى العرب انفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر ان يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا فخشى ان يلحقوا بالروم فصالحهم على ان صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك وقال محيي السنة (البغوى) روى ان عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر: هذا فرض الله على المسلمين قالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فراضاهم على ان ضعف عليهم الصدقة؛ (آت).

(٦) أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر في عهده من وضعه الخراج على أرباب الزراعات و الصناعات والتجارات لاهل العلم واصحاب الولايات والرئاسات والجند وجعل ذلك عليهم بمنزلة الزكاة المفروضة ودون دواوين واثبت فيها اسماء هؤلاء واسماء هؤلاء واثبت لكل رجل من الاصناف الاربعة ما يعطى من الخراج الذي وضعه على الاصناف الثلاثة وفضل في الاعطاء بعضهم على بعض ووضع الدواوين على يد شخص سماه صاحب الديوان واثبت له أجرة من ذلك الخراج وعلى هذه البدعة جرت سلاطين الجور وحكامهم إلى الان ولم يكن شئ من ذلك على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا على عهد ابي بكر وانما الخراج للامام فيما يختص به من الاراضي خاصة يصنع به ما يشاء؛ (في).

(٧) اي لا اجعله لقوم دون قوم حتى يتداولوه بينهم ويحرموا الفقراء.

٦٢

يعطي بالسوية ولم أجعلها دولة بين الاغنياء وألقيت المساحة(١) ، وسويت بين المناكح(٢) وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عزوجل وفرضه(٣) ورددت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ماكان عليه(٤) ، وسددت مافتح فيه من الابواب، وفتحت ماسد منه، وحرمت المسح على الخفين، وحددت على النبيذ(٥) وأمرت باحلال المتعتين(٦) وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات(٧) وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(٨)

____________________

(١) اشارة إلى ما عده الخاصة والعامة من بدع عمر انه قال: ينبغي مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم ناخذها من ارباب الاملاك فبعث إلى البلدان من مسح على اهلها فالزمهم الخراج فاخذ من العراق يوما يليها ما كان اخذه منهم ملوك الفرس على كل جريب درهما واحدا وقفيزا من اصناف الحبوب واخذ من مصر ونواحيها دينارا وإردبا عن مساحة جريب كما كان ياخذ منهم ملوك الاسكندرية وقد روى محيى السنة وغيره عن علمائهم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: (منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودينارها) والاردب لاهل مصر اربعة وستون منا وفسره اكثرهم بانه قد محى ذلك شريعة الاسلام وكان اول بلد مسحه عمر بلد الكوفة وتفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى الكتب المبسوطة التي دونها اصحابنا لذلك كالشافي للسيد المرتضى؛ (آت).

(٢) بان يزوج الشريف والوضيع كما فعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وزوج بنت عمه مقدادا (آت)

او اشارة إلى ما ابتدعه عمر من منعه غير قريش ان يتزوج في قريش ومنعه العجم من التزويج في العرب؛ (في).

(٣) اشارة إلى منع عمر اهل البيت خمسهم كما ياتي بيانه في آخر هذه الخطبة؛ (في).

(٤) يعني اخرجت منع ما زادوه فيه. (وسددت ما فتح فيه من الابواب) اشارة إلى ما نزل به جبرئيلعليه‌السلام من الله سبحانه من امره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسد الابواب من مسجده الاباب على وكانهم قد عكسوا الامر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (في).

(٥) اشارة إلى ما ابتدعه عمر من اجازته لمسح على الخفين في الوضوء ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم وقد روت عائشة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: (اشد الناس حسرة يوم القيامة من راى وضوء‌ه على جلد غيره. (وحددت على النبيذ) وذلك انهم استحلوه؛ (في).

(٦) يعني متعة النساء ومتعة الحج، قال عمر: (متعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانا احرمهما واعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج)؛ (في).

(٧) وذلك ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكبر على الجنائز خمسا، لكن الخليفة الثاني راقه ان يكون التكبير في الصلاة عليها اربعا فجمع الناس على الاربع، نص على ذلك جماعة من اعلام الامة كالسيوطي (نقلا عن العسكري) حيث ذكر اوليات عمر من كتابه (تاريخ الخلفاء) وابن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر سنة ٣ ٢ من كتابه (روضة المناظر) المطبوع في هامش تاريخ ابن الاثير وغيرهما من اثبات المتتبعين. (نقل عن كتاب النص والاجتهاد ص ١٥٢).

(٨) وذلك انهم يتخافتون بها او يسقطونها في الصلاة؛ (في).

٦٣

وأخرجت من أدخل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخرجه، وأدخلت من اخرج بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أدخله(١) وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة(٢) ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها(٣) ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشائعها ومواضعها(٤) ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم(٥) ، ورددت سبايا فارس وسائر الامم إلى كتاب الله وسنة نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في

____________________

(١) لعل المراد اخراجهما حيث دفنا والمراد باخراج الرسول اياهما سد بابهما عن المسجد.

(وادخلت من اخرج) لعل المراد به نفسهعليه‌السلام وباخراجه سد بابه وبادخاله فتحه؛ (في).

(٢) وذلك انهم خالفوا القرآن في كثير من الاحكام منها وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وجوبه على النكاح فانهم عكسوا الامر في ذلك وابطلوا عدة من احكام الطلاق وابدعوا فيه بارائهم؛ (في).

(٣) اي اخذتها من اجناسها التسعة وهي الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والابل والغنم والبقر فانهم اوجبوها في غير ذلك وتفصيل الكلام توجد في كتب القوم. وقولهعليه‌السلام : (وحدودها) اي نصابها.

(٤) ذلك انهم خالفوا في كثير منها كابداعهم في الوضوء مسح الاذنين وغسل الرجلين والمسح على العمامة والخفين وانتقاضه بملامسة النساء ومس الذكر واكل مامسته النار وغير ذلك مما لا ينقضه وكابداعهم الوضوء مع غسل الجنابة واسقاط الغسل في التقاء الختانين من غير انزال واسقاطهم من الاذان (حي على خير العمل) وزيادتهم فيه (الصلاة خير من النوم) وتقديمهم التسليم على التشهد الاول في الصلاة مع ان الفرض من وضعه التحليل منها وابداعهم وضع اليمين على الشمال فيها وحملهم الناس على الجماعة في النافلة وعلى صلاة الضحى وغير ذلك؛(في).

اقول: راجع في اثبات كل ذلك كتاب الشافي للسيد المرتضىرحمه‌الله وكتاب النص والاجتهاد للعلامة العاملي.

(٥) نجران بالفتح ثم السكون وآخره نون وهو في عدة مواضع: منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها كان خبر الاخدود واليها تنسب كعبة نجران وكانت ربيعة بها اساقفة مقيمون منهم السيد والعاقب اللذين جاء ا إلى النبيعليه‌السلام في اصحابهما ودعاهم إلى المباهلة وبقوا بها حتى اجلاهم عمر ونجران ايضا موضع على يومين من الكوفة إلى آخر ما قاله الحموي في مراصد الاطلاع ج ٣ ص ١٣٥٩ وفي كيفية اجلاء عمر اياهم وسببه راجع فتوح البلدان للبلاذري ص ٧٠ إلى ص ٧٥.

٦٤

فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي: يا أهل الاسلام غيرت سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري(١) ما لقيت من هذه الامة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار.

وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عزوجل: "( إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) (٣) " فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) فقال تعالى: " فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (فينا خاصة) كيلا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتيكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله (في ظلم آل محمد) إن الله شديد العقاب(٥) " لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا، ما لقى أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام

٢٢ - أحمد بن محمد الكوفي، عن جعفر بن عبدالله المحمدي، عن أبي روح فرج بن قرة، عن جعفر بن عبدالله، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله (ع) قال: خطب أمير المؤمنين (ع) بالمدينة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى

____________________

(١) يثوروا اي يهيجوا: وقوله: (ما لقيت من هذه الامة) كلام مستأنف للتعجب.

(٢) رجوع إلى الكلام السابق ولعل التأخير من الرواة؛ (آت).

(٣) الانفال: ٤١.

وصدر الاية: (فاعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم.. الخ).

(٤) لان سهمهم دائم قادم لهم إلى يوم القبامة كما كان لله ولرسوله واما اليتيم إذا انقطع يتمه ليس له سهم وكذلك أخويه.

(٥) الحشر: ٧. وصدر الاية( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ... إلخ ) .

٦٥

لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء ولم يجبر كسر عظم من الامم إلا بعد أزل وبلاء(١) ، أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر(٢) وما كل ذي قلب بلبيب ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ذي ناظر عين ببصير، عباد الله ! أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه(٣) ، ثم انظرواإلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه(٤) ، كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات وعيون وزرع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والامر والنهي ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون ولله عاقبة الامور.

فيا عجبا وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون(٥) أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب، المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا وكل امرئ منهم إمام نفسه، آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ، لاينالون تقربا ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عزوجل، انس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث النبي الامىصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والارض أهل حسرات وكهوف شبهات(٦) وأهل عشوات وضلالة وريبة، من وكله الله إلى نفسه ورايه فهو مأمون عند من يجهله، غير المتهم عند من لا يعرفه، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها وواأسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا، المتشتة غدا عن الاصل النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ [منه] بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله - وله الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني امية كما يجمع

____________________

(١) الازل: الشدة والضيق.

(٢) الخطب: الشان والامر. وفي بعض النسخ (ما استقبلتم من خطب واستدبرتم من خطب).

(٣) اي فيما يهمكم. وفي بعض النسخ باعجام الغين وهو تصحيف؛ (في).

(٤) من القود فانهم قد اصابوا دماء‌ا بغير حق؛ (في).

(٥) في بعض النسخ (لا يقتفون) وهو بمعناه.

(٦) في بعض النسخ (اهل خسران وكفر وشبهات). والعشوة بالتثليث: ركوب الامر على غير بيان.

٦٦

قزع الخريف(١) يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب(٢) ، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم(٣) كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ولم يرد سننه رض طود يذعذعهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الارض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما قي ديار قوم تشريدا لبني امية(٤) ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا، يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملا منهم بطنان الزيتون(٥) فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك وكأني

____________________

(١) القزع بالقاف والزاي ثم العين المهملة: قطع السحاب المتفرقة وانما خص الخريف لانه اول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك (كذا في النهاية).

(٢) الركام: المتراكب بعضه فوق بعض ونسبة هذا التاليف اليه تعالى مع انه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك وتمكينهم من اسبابه وتركهم واختيارهم بتاليفهم وحثهم عليه ومثل هذا كثير في الايات والاخبار؛ (آت)

(٣) اي محل انبعاثهم وتهييجهم وكانه اشارعليه‌السلام بذلك إلى فتن ابي مسلم المروزى و استئصالهم لبني امية وانما شبههم بسيل العرم لتخريبهم البلاد واهلها الذين كانوا في خفض و دعة واريد بالجنتين جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدتهم وجماعة عن شمالها، روى انها كانت اخصب البلاد واطيبها، لم تكن فيها عاهة ولا هامة.

وفسر العرم تارة بالصعب واخرى بالمطر الشديد واخرى بالجرذ واخرى بالوادي واخرى بالاحباس التي تبنى في الاودية.

ومنه قيل: انه اصطرخ اهل سبأ، قيل: انما اضيف السيل إلى الجرذ لانه نقب عليهم سدا ضربته لهم بلقيس فحقنت به الماء وتركت فيه ثقبا على مقدار ما يحتاجون اليه او المسناة التي عقدت سدا على انه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وكان ذلك بين عيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ (في).

(٤) الاكمة: التل. والرض: الدق الجريش. والطود: الجبل. وفي بعض النسخ (رص طود) بالصاد المهملة فيكون بمعنى الالزاق والضم والشد ولعله الصواب والمجرور في (سننه) يرجع إلى السيل او إلى الله تعالى. والذعذعة بالذالين المعجمتين والعينين المهملتين: التفريق. والتشريد: التنفير؛ (في).

وفي بعض النسخ (يدغدغهم).

(٥) التضعضع: الهدم. والجنادل جمع جندل وهخو الصخر العظيم اي ينقض الله ويكسر بهم البنيان التي طويت وبنيت بالجنادل والاحجار من بلاد إرم وهي دمشق والشام إذ كان مستقر ملكهم في أكثر الازمان تلك البلاد لا سيما زمانهصلى‌الله‌عليه‌وآله (قاله المجلسيرحمه‌الله ) والمراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام أو بلد بالصين كما في القاموس.

٦٧

أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم(١) وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد كما تذوب الالية على النار(٢) من مات منهم مات ضالا وإلى الله عزوجل يفضي منهم من درج(٣) ويتوب الله عزوجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والامر جميعا.

أيها الناس إن المنتحلين للامامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع(٤) عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها(٥) لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [بن عمران] (ع) ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو اسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني امية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الادنى من أهل بدر ووصلتم الابعد من أبناء الحرب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح(٦) عن الاعناق ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ماليس له "( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) ".

____________________

(١) الصهيل كامير: صوت الفرس. والطمطمة في الكلام ان يكون فيه عجمة؛ (في).

(٢) الالية: الشحمة.

(٣) اي يرجع من مات و (في) وفي بعض النسخ (يقضى).

(٤) في بعض النسخ (يتجشع).

(٥) الازواء: الصرف.

(٦) اي طريق الديون المثقلة ومظالم العباد أو طاعة أهل الجور وظلمهم عليكم عن أعناقكم وقوله: (ولا يبعد الله) اي في ذلك الزمان أو مطلقا؛ (آت) والفادح: الصعب المثقل.

٦٨

خطبة لامير المؤمنينعليه‌السلام

٢٣ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، ويعقوب السراج، عن أبي عبدالله (ع) أن أمير المؤمنين (ع) لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى ودنا فتعالى وارتفع فوق كل منظر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وحجة الله على العالمين مصدقا للرسل الاولين وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله.

أما بعد أيها الناس فإن البغي يقود أصحابه إلى النار وإن أول من بغى على الله جل ذكره عناق بنت آدم وأول قتيل قتله الله عناق وكان مجلسها جريبا [من الارض] في جريب وكان لها عشرون إصبعا في كل إصبع ظفران مثل المنجلين(١) فسلط الله عزوجل عليها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان وأهلك فرعون وقد قتل عثمان، ألا وإن بليتكم قد عات كهيئتها يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوطة القدر(٢) حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وشمة(٣) ولا كذبت كذبه ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار، ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها واعطوا

____________________

(١) المنجل كمنبر: ما يحصد به.

(٢) لتبلبلن اي لتخلطن، تبلبلت الالسن اي اختلطت والبلبلة أيضا الهم والحزن ووسوسة الصدر.

ولتغربلن من الغربال الذي يغربل به الدقيق والغربلة ايضا: القتل. والسوط: التخليط والمسوط والمسواط: خشبة يحرك بها ما في القدر ليختلط.

(٣) الوشمة: المرة، يقال: ما عصيت فلانا وشمة اي طرفة عين وفي بعض النسخ بالمهملة وهي العلامة.

(٤) خيل الشمس بالضم جمع شموس وهي الدابة التي تمنع ظهرها ولا تطيع راكبها و هو مقابل الذلول

٦٩

أزمتها فأوردتهم الجنة وفتحت لهم أبوابها وجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم: " ادخلوها بسلام آمنين "، ألا وقد سبقني إلى هذا الامر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه نوبة(١) إلا بنبي يبعث، ألا ولا نبي بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.

حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمر الباطل لقديما فعل(٢) ولئن قل الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر شئ فأقبل ولئن رد عليكم أمركم أنكم سعداء وما علي إلا الجهد وإني لاخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولو أشاء لقلت: عفا الله عما سلف، سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة والنار أمامه، ثلاثة وإثنان خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير بجناحيه ونبي أخذ الله بضبعيه(٣) وساع مجتهد وطالب برجوا ومقصر في النار، اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة عليها يأتي(٧) الكتاب وآثار النبوة، هلك من ادعى وخاب من افترى إن الله أدب هذه الامة بالسيف والسوط وليس لاحد عند الامام فيهما هوادة(٤) فاستتروا في بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحق هلك(٥) .

حديث علي بن الحسينعليهما‌السلام

٢٤ - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هلال ابن عطية(٦) عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين (ع) قال: كان يقول: إن أحبكم إلى الله عزوجل أحسنكم عملا وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة

____________________

(١) في بعض النسخ (توبة).

(٢) امر كفرح امرا وامرة: كثر.

(٣) اي عضديه. يعني ان عباد الله المكلفين على خمسة اقسام: ملك يطير... الخ.

(٤) الهوادة: السكون والرخصة والمحاباة.

(٥) صفحة كل شئ وجهه، يعني من كاشف الحق مخاصما له هلك هلاكا اخرويا وهي كلمة جارية مجرى المثل؛ (في).

(٦) في الفقيه (مالك بن عطية) وهو الظاهر؛ (آت).

٧٠

وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله.

٢٥ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن عمر الصيقل، عن أبي شعيب المحاملي، عن عبدالله بن سليمان، عن أبي عبدالله (ع) [قال:] قال أمير المؤمنين (ع): ليأتين على الناس زمان يظرف فيه الفاجر ويقرب فيه الماجن(١) ويضعف فيه المنصف، قال: فقيل له: متى ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إذا اتخذت الامانة مغنما.

والزكاة مغرما. والعبادة استطالة. والصلة منا، قال: فقيل: متى ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: إذا تسلطن النساء وسلطن الاماء وأمر الصبيان.

٢٦ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن جعفر العقبى رفعه قال: خطب أمير المؤمنين (ع) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عزوجل ألا وقد حضر شئ ونحن مسوون فيه بين الاسود والاحمر، فقال مروان لطلحة والزبير: ما أراد بهذا غيركما، قال: فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من الانصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الانصاري: يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالامس تجعلني وإياه سواء ا؟ فقال: إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا.

حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين عرضت عليه الخيل

٢٧ - أبوعلي الاشعري، عن محمد بن سالم، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن أحمد بن النضر، ومحمد بن يحيى، عن محمد بن أبي القاسم، عن الحسين بن أبي قتاده جميعا، عن عمرو بن

____________________

(١) (يظرف) في بعض النسخ بالمهملة وكذا في بعض نسخ النهج والطريف ضد التالد وهو الامر المستطرف الذي يعده الناس حسنا لانهم يرغبون إلى الامور المحدثة والظريف من الظرافة بمعنى الفطنة والكياسة. والمجون ان لا يبالي الانسان ما صنع وقد مجن يمجن فهو ماجن. (مأخوذ من آت).

٧١

شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي احيحة(١) فقال أبوبكر: لعن الله صاحب هذا القبر فوالله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: خالد إبنه بل لعن الله أباقحافة فوالله ما كان يقري الضيف(٢) ولا يقاتل العدو، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا فألفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطام راحلته(٣) على غاربها ثم قال: إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا فيغضب ولده ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن: إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال: عيينة وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له: فأي الرجال أفضل؟ فقال: عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم(٤) ثم يضربون بها قدما قدما فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل، الايمان يماني والحكمة يمانية(٥) ولولا الهجرة لكنت امرء‌ا من أهل اليمن، الجفا والقسوة في الفدادين(٦) أصحاب الوبر، ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس(٧) ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة وحضرموت خير من عامر بن صعصعة - و

____________________

(١) بضم الهمزة والمهملتين بينهما مثناة تحتانية مصغر يسمى بها ويكنى (في)

(٢) اقراء الضيف: إكرامه.

(٣) بالخاء المعجمة المكسورة زمام البعير. والغارب ما بين السنام والعنق.

(٤) في النهاية: الكواثب جمع كاثبة وهي من الفرس مجتمع كتفيه فدام السرج.

(٥) في النهاية: الايمان يمان، الحكمة يمانية، انما قالعليه‌السلام ذلك لان الايمان بدا من مكة وهي من تهامة من ارض اليمن ولهذا يقال: الكعبة الثمانية.

(٦) في النهاية. ان الجفاء والقسوة في الفدادين، الفدادون بالتشديد: الذين تعلوا اصواتهم في حروثهم ومواشيهم واحدهم فداد، يقال: فد الرجل يفد فد يدا إذا اشتد صوته وقيل: هم المكثرون من الابل وقيل: هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان وقيل: انما هم الفدادين مخففا واحدها فدان مشددا وهي البقر التي يحرث بها واهلها اهل جفاء وقسوة. (انتهى) واصحاب الوبر هم الذين يتخذون بيوتهم منه.

(٧) قال الجوهري: قرن الشمس: اعلاها واول ما يبدو منها في الطلوع لعل المراد اهل البوادي من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس اي في شرقي المدينة؛ (آت). وربيعة ومضر ابوقبيلتين وكانا اخوين. ومذحج بالمعجمة ثم المهملة ثم الجيم على وزن مسجد ابوقبيلة باليمن. و حضر موت اسم قبيلة اسمان جعلا واحدا وقد جاء اسم بلد ايضا؛ (في).

٧٢

روى بعضهم خير من الحارث بن معاوية - وبجيلة خير من رعل وذكوان وإن يهلك لحيان(١) فلا أبالي ثم قال: لعن الله الملوك الاربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة واختهم العمردة لعن الله المحلل والمحلل له(٢) ومن يوالي غير مواليه ومن ادعي نسبا لا يعرف والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ومن أحدث حدثا في الاسلام أو آوى محدثا ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ومن لعن أبويه فقال رجل: يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه؟ فقال: نعم، يلعن آباء الرجال وامهاتهم فيلعنون أبويه لعن

____________________

(١) في القاموس بجيلة كسفينة: حي باليمن من معد. ورعل وذكوان قبيلتان من سليم ا ه‍. ولحيان ابوقبيلة وهو لحيان بن هذيل بن مدركة؛ (الصحاح)، وفي الوافي (ان يهلك الحيان) وقال الفيضرحمه‌الله في بيانه: الحيان تثنية الحي يعني القبيلتين المذكورتين وحيان ابوقبيلة ايضا.

(٢) في القاموس: مخوس كمنبر ومشرح وجمد وابضعة: بنو معد يكرب الملوك الاربعة الذين لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولعن اختهم العمردة وفدوا مع الاشعث فاسلموا ثم ارتدوا فقتلوا يوم النجير.

في النهاية: لعن الله المحلل والمحلل له وفي رواية المحل والمحل له وفي حديث بعض الصحابة لا اوتي بحال ولا محلل الا رحمتها، جعل الزمخشري هذا الاخير حديثا لا اثرا وفي هذه اللفظة ثلاث لغات: حللت بتششديد اللام واحللت وحللت مخففا فعلى الاولى جاء الحديث الاول يقال: حلل فهو محلل ومحلل له وعلى الثانية جاء الثاني تقول: احل فهو محل له وعلى الثالثة جاء الثالث تقول: حللت فانا حال وهو محلول له، وقيل: اراد بقوله: (لا اوتي بحال) اي بذي احلال مثل قولهم: ريح لاقح اي ذات القاح والمعنى في الجميع هو ان يطلق الرجل امراته ثلاثا فيتزوجها رجل اخر على شريطة ان يطلقها بعد وطئها لتحل لزوجها الاول، وقيل: سمى محللا بقصده إلى التحليل كما يسمى مشتريا إذا قصد الشراء انتهى.

وقال المجلسي ره: يمكن ان يكون المراد: النسئ في الاشهر الحرم قال الزمخشرى كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية وكان يقوم على جمل في الموسم فيقول باعلى صوته: ان آلهتكم قد احلت لكم المحرم فاحلوه ثم يقوم في القابل فيقول: ان آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه.

وقال علي بن ابراهيم: كان رجل من بني كنانة يقف في الموسم فيقول: قد احللت دماء المحللين طي وخثعم في شهر المحرم وانسأته وحرمت بدله صفر فاذا كان العام المقبل يقول: قد احللت صفر وانسأته وحرمت بدله شهر المحرم انتهى. ولعل هذا أوفق بروايات اصحابنا واصولهم.

ويحتمل ان يكون المراد مطلق تحليل ما حرم الله انتهى.

٧٣

الله رعلا وذكوان وعضلا ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان(١) وأبا سفيان بن حرب وشهبلا ذا الاسنان وابني مليكة بن جزيم(٢) ومروان وهوذة وهونة.

٢٨ - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (ع) قال: إن مولى لامير المؤمنين (ع) ساله مالا فقال: يخرج عطائى فاقاسمك هو، فقال: لا أكتفي وخرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين (ع) يخبره بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين (ع): أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى أهله بعدك وإنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على صلاح ولدك فإنما أنت جامع لاحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقى بما جمعت له وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ولا تبرد له على ظهرك، فارج لمن مضى رحمة الله وثق لم بقي برزق الله.

كلام علي بن الحسينعليها‌السلام

٢٩ - حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن غالب الاسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: كان علي بن الحسين (ع) يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظ عنه وكتب كان يقول: أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون فتجد كل نفس ماعملت في هذه الدنيا من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه، ويحك يا ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه.

____________________

(١) (عضلا) بالتحريك: ابوقبيلة. (والمجذمين) لعل المراد المنسوبين إلى الجذيمة ولعل اسدا وغطفان كلاهما منسوبتان اليها. قال الجوهرى: جذيمة: قبيلة من عبدالقيس ينسب اليهم جذمى بالتحريك وكذلك إلى جذيمة اسد. وقال الفيروزآبادى: غطفان محركة: حي من قيس.

وشهيلا بالشين المعجمة والباء‌ة الموحدة في بعض النسخ بالسين المهملة والياء المثناة ولعله اسم رجل وكذا ما ذكر بهده إلى آخر الخبر؛ (آت).

(٢) في بعض النسخ (جريم... الخ) وفي بعضها (وهودة).

(٣) اي لا تثبت له وزرا على ظهرك؛ (آت) وفي النهج (تحمل) وفي بعض نسخه (تحتمل).

٧٤

يا ابن آدم إن أجلك أسرع شئ إليك، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك(١) ويوشك أن يدركك وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيدا فرد إليك فيه روحك واقتحم عليك فيه ملكان ناكر ونكير لمسائلتك وشديد امتحانك، ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك فيما كنت أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيما أنت أنفقته، فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان والمسائلة والاختبار فإن تك مؤمنا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لاولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك(٢) بالصواب وأحسنت الجواب وبشرت بالرضوان والجنة من الله عزوجل واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب(٣) وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم.

واعلم يا ابن آدم إن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، يجمع الله عزوجل فيه الاولين والآخرين ذلك يوم ينفخ في الصور وتبعثر فيه القبور(٤) وذلك يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين وذلك يوم لا تقال فيه عثرة(٥) ولا يؤخذ من أحد فدية ولا تقبل من أحد معذرة ولا لاحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات، فمن كان من

____________________

(١) أي مسرعا، حريصا.

(٢) في بعض النسخ (انطلق لسانك).

(٣) التلجلج: التردد في الكلام. ودحضت حجته دحوضا اي بطلت. وعييت عن الجواب اي عجزت عنه.

(٤) بعثرت الشئ إذا استخرجته وكشفته وبعثرت حوضي اي هدمته وجعلت اسفله اعلاه وسمبت القيامة بالازفة لازوفتها اي لقربها إذا القلوب لدى الحناجر فانها ترتفع عن اماكنها فتلتصق بحلوقهم فلا تعود، فيتروحوا فلا تخرج فيستريحوا؛ (آت).

(٥) من الاقالة وهي نقض البيع. والعثرة: الزلة.

٧٥

المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.

فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في كتابه الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عندما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله عزوجل يقول: "( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ‌ ) (١) " وأشعروا قلوبكم خوف الله(٢) وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد العقاب فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئات فإن الله يقول في محكم كتابه: "( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الارض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف ) (٣) " فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنواأن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم فإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة " وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول: " وأنشأنا بعدها قوما آخرين " فقال عزوجل: "( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْکُضُونَ * (يعني يهربون قال:)لاَ تَرْکُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَسَاکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْأَلُونَ * (فلما أتاهم العذاب)قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا کُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَاَلَتْ تِلْکَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ ) (٤) " وأيم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عزوجل

____________________

(١) الاعراف: ٢٠١، اي لمم من الشيطان وطائف فاعل منه، يقال طاف يطيف طيفا فهو طائف.

(٢) اي اجعلوا خوف الله شعار قلوبكم ملازما لها غير مفارق عنها.

(٣) النحل: ٤٤ إلى ٤٧. و (تخوف) اي تنقص.

(٤) الانبياء: ١١ إلى ١٥. ومضى بيان ما فيه ص ٥١ من هذا المجلد.

٧٦

( وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّکَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا کُنَّا ظَالِمِينَ ) (١) " فإن قلتم: أيها الناس إن الله عزوجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول: "( وَ نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ کَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَ کَفَى بِنَا حَاسِبِينَ‌ ) (٢) ".

إعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين و إنما يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لاهل الاسلام.

قاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله عزوجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لاحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الامثال وصرف الآيات لقوم يعقلون ولا قوة إلا بالله.

فازهدوا فيما زهدكم الله عزوجل فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق: " إنما مثل الحيوة الدنيا كما أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما ياكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الارض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون(٣) " فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عزوجل قال لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : "( وَ لاَ تَرْکَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ ) (٤) " ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار بلغة ومنزل قلعة(٥) ودار عمل، فتزودوا الاعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها وقبل الاذن من الله في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لناولكم على تزود التقوى

____________________

(١) الانبياء: ٤٦. والنفحة: الدفعة من الشئ دون معظمه.

(٢) الانبياء: ٤٧.

(٣) يونس: ٢٤.( أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَتْ بالنبات ) .

(٤) هود: ١١٣.( اي تطمئنوا اليهم وتسكنوا إلى قولهم ) .

(٥) اي ليس بمستوطن.

٧٧

والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، الراغبين لآجل ثواب الآخرة فإنما نحن به وله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حديث الشيخ مع الباقرعليه‌السلام

٣٠ - محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار قال: حدثني رجل من أصحابنا، عن الحكم بن عتيبة قال: بينما أنا مع أبي جعفر (ع) والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكؤ على عنزة له(١) حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك با ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم سكت فقال أبوجعفر (ع): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردواعليه‌السلام ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر (ع) ثم قال: يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فوالله إني لاحبكم وأحب من يحبكم ووالله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا (والله) إني لابغض عدوكم وأبرأ منه ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لو تر كان(٢) بيني وبينه والله إني لاحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبوجعفر (ع): إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال: أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسين (ع) أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي (ع): إن تمت ترد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى علي والحسن و الحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين ولو قد بلغت نفسك ههنا وأهوى بيده إلى حلقه وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الاعلى، [ف‍] قال الشيخ: كيف قلت: يا

____________________

(١) العنزة عصا في رأسها حديد. وهي بالتحريك اطول من العصا واقصر من الرمح.

(٢) الوتر: الذحل وهو: الحقد والعداوة. وايضا: الجناية.

٧٨

أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين (عل) وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى ههنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الاعلى؟ ! ثم أقبل الشيخ ينتحب، ينشج(١) هاهاها حتى لصق بالارض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبوجعفر (ع) يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها(٢) ، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لابي جعفر (ع): يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عيينه وخده، ثم حسر عن بطنه(٣) وصدره فوضع يده على بطنه وصدره، ثم قام فقال: السلام عليكم وأقبل أبوجعفر (ع) ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا.

فقال: الحكم بن عتيبة لم أر ماتما قط يشبه ذلك المجلس.

قصة صاحب الزيت

٣١ - عنه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (ع) قال: كان رجل يبيع الزيت وكان يحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حبا شديدا كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه، حتى إذا كانت ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول

____________________

(١) النحب والنحيب والانتحاب: البكاء بصوت طويل. والنشج: صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبي بكاء‌ه في صدره. (النهاية).

(٢) حملاق العين بالكسر والضم وكعصور: باطن اجفانها الذي يسود بالكحلة او ما غطته الاجفان من بياض المقلة او باطن الجفن الاحمر الذي إذا قلب للكحل رايت حمرته او ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن جمع حماليق؛ (القاموس).

(٣) اي كشف.

٧٩

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نظر إليه ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده إجلس فجلس بين يديه فقال: مالك فعلت اليوم شيئا لم تكن تفعله قبل ذلك؟ فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لغشى قلبي شئ من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك، فدعاله وقال له خيرا ثم مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اياما لا يراه فلما فقده سأل عنه فقيل: يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام فانتعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته فقيل: يا رسول الله مات ولقد كان عندنا أمينا صدوقا إلا أنه قد كان فيه خصلة، قال: وما هي؟ قالوا: كان يرهق(١) يعنون يتبع النساء فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :رحمه‌الله والله لقد كان يحبني حبا لو كان نخاسا(٢) لغفر الله له.

٣٢ - علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عثمان بن عيسى، عن ميسرقال: دخلت على أبي عبدالله (ع) فقال: كيف أصحابك؟ فقلت: جعلت فداك لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا، قال: وكان متكئا فاستوى جالسا، ثم قال: كيف قلت؟ قلت والله لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا فقال: " أماوالله لاتدخل النارمنكم إثنان لاوالله ولاواحد، والله إنكم الذين قال الله عزوجل: "( وَ قَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً کُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذٰلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) " ثم قال: طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا.

____________________

(١) الرهق محركة: ركوب الشر والظلم وغشيان المحارم.

(٢) لعل المراد من يبيع الاحرار عمدا؛ (آت).

(٣) ص: ٦١ إلى ٦٤.

٨٠