مقاتل الطالبيين
0%
مؤلف: ابو الفرج الاصفهاني
تصنيف: متون تاريخية
الصفحات: 448
مؤلف: ابو الفرج الاصفهاني
تصنيف:
المشاهدات: 17247
تحميل: 7395
توضيحات:
مؤلف: ابو الفرج الاصفهاني
تصنيف: متون تاريخية
الصفحات: 448
مؤلف: ابو الفرج الاصفهاني
تصنيف:
الحسن بن اسحاق بن علي بن الحسين
والحسن بن إسحاق بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب(1) عليه السلام وأمه أم ولد.
قتل في وقعة السوس مع أبي السرايا لما خرج عن الكوفة.
____________________
(1) - في ط ون " وفي نسخة والحسين بن إسحاق بن الحسين بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب ".
وفي الخطية " الحسن بن إسحاق بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب "
محمد بن الحسين بن الحسن
ومحمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أمينة بنت حمزة بن المنذر بن الزبير.
قتل باليمن في أيام أبي السرايا.(1)
____________________
(1) - في الطبري 10 - 231 " لما قتل أبوالسرايا بعث علي بن أبي سعيد ممن كان معه من القواد: عيسى بن يزيد الجلودي، وورقاء بن جميل، وحمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان، وهارون بن المسيب إلى مكة، والمدينة، واليمن، وامرهم بمحاربة من بها من الطالبيين "
محمد بن محمد بن زيد
فمن قتل بها أوسقى السم فمات منهم: محمد بن محمد بن زيد(1) بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأمه فاطمة بنت علي بن جعفر بن إسحاق بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب.
وهو الخارج في ايام أبي السرايا.
(2) وإذا ذكرنا من قتل في أيامه، وأيام محمد بن إبراهيم الخارج قبله منهم - شرحنا من اخبارهم ما يحتاج اليه، لتنساق قصصهم، إذ كان إفرادهم مما تنقطع معه الاخبار.
____________________
(1) - في الطبري 10 / 228 " لما مات ابن طباطبا في يوم الخميس لليلة خلت من رجب سنة 199 هج أقام ابوالسرايا مكانه غلاما امرد حدثا يقال له: محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فكان ابوالسرايا هو الذي ينفذ الامور ويولي من رأى ويعزل من احب واليه الامور كلها.." راجع ابن الاثير 6 112.
(2) - في الطبري 10 / 244 " وفيها - أي في سنة 201 مات محمد بن محمد صاحب أبي السرايا.
ذكرالسبب في خروج أبي السرايا
كتب إلي علي بن أبي قربة العجلي، قال: حدثنا يحيى بن عبدالرحمن الكاتب، قال حدثني نصر بن مزاحم المنقري بما شاهدمن ذلك، قال وحدث بما غاب عنه عمن حضره فحدثني به، ويحيى بن عبدالرحمن أيضا بنتف من خبره عن غير نصر بن مزاحم، واخبرني أحمد بن عبيدالله بن عمار، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي بأخباره.
فربما ذكرت الشئ اليسير منها والمعنى الذي يحتاج اليه، لان علي بن محمد كان يقول: بالامامة فيحمله التعصب لمذهبه على الحيف فيما يرويه ونسبة من روى خبره من اهل هذا المذهب إلى قبيح الافعال، واكثر حكاياته في ذلك بل سائرها عن أبيه موقوفا عليه لا يتجاوزه، وابوه حينئذ مقيم بالبصرة لا يعلم بشئ من اخبار القوم.
إلا ما يسمعه من السنة العامة على سبيل الاراجيف والاباطيل، فيسطره في كتابه عن غير علم، طلبا منه لما شان القوم، وقدح فيهم.
فاعتمدت على رواية من كان بعيدا عن فعله في هذا، وهي رواية نصر بن مزاحم، إذا كان ثبتا في الحديث والنقل، ويظهر انه ممن سمع خبر ابي السرايا عنه.
قالوا: كان سبب خروج محمد بن إبراهيم * وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل، وهو ابن طباطبا، بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب * وابي السرايا أن نصر بن شبيب كان قدم حاجا وكان متشيعا حسن المذهب، وكان ينزل الجزيرة، فلما ورد المدينة سأل عن بقايا اهل البيت ومن له ذكر منهم، فذكر له: علي بن عبيدالله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، ومحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الحسن بن الحسن.
فأما علي بن عبيدالله فانه كان مشغولا بالعبادة لا يصل اليه احد ولا يأذن له،
واما عبدالله بن موسى فكان مطلوبا خائفا لا يلقاه احد.
وأما محمد بن إبراهيم فانه كان يقارب الناس ويكلمهم في هذا الشأن، فأتاه نصر بن شبيب فدخل اليه وذاكره مقتل اهل بيته وغصب الناس إياهم حقوقهم وقال حتى متى توطئون بالخسف وتهتضم شيعتكم وينزى على حقكم؟ واكثر من القول في هذا المعنى إلى ان اجابه محمد بن إبراهيم، وواعده لقاءه بالجزيرة.
وانصرف الحاج، ثم خرج محمد بن إبراهيم إلى الجزيرة، ومعه نفر من اصحابه وشيعته، حتى قدم على نصر بن شبيب للموعد، فجمع اليه نصر اهله وعشيرته وعرض ذلك عليهم، فأجابه بعضهم وامتنع عليه بعض، وكثر القول فيهم والاختلاف حتى تواثبوا وتضاربوا بالنعال والعصى، وانصرفوا عن ذلك.
ثم خلا بنصر بعض بني عمه واهله فقال له: ماذا صنعت بنفسك واهلك؟ افتراك إذا فعلت هذا الامر وتأبدت السلطان يدعك وما تريد؟ لا والله بل يصرف همه اليك وكيده، فان ظفر بك فلا بقاء بعدها وإن ظفر صاحبك وكان عدلا كنت عنده بمنزلة رجل من افناء اصحابه، وإن كان غير ذلك فما حاجتك إلى تعريض نفسك واهلك واهل بيتك لما لا قوام لهم به؟ واخرى إن جميع هذا البلد اعداء لآل أبي طالب، فان اجابوك الآن طائعين، فروا عنك غدا منهزمين إذا احتجت إلى نصرهم، على انك إلى خلافهم اقرب منك إلى إجابتهم، ثم تمثل بقوله: وابذل لابن العم نصحي ورأفتي * إذا كان لي بالخير في الناس مكرما فان راغ عن نصحي وخالف مذهبي * قلبت له ظهر المجن ليندما فثنى نصرا عن رأيه، وفتر نيته، فصار إلى محمد بن إبراهيم معتذرا اليه بما كان من خلاف الناس عليه، ورغبتهم عن اهل البيت، وانه لو ظن ذلك بهم لم يعده نصرهم، وأومأ إلى ان يحمل اليه مالا ويقويه بخمسة آلاف دينار، فانصرف محمد عنه مغضبا، وأنشأ يقول، والشعر له:
سنغنى بحمد الله عنك بعصبة |
يهشون للداعي إلى واضح الحق |
طلبت لك الحسنى فقصرت دونها |
فأصبحت مذموما وزلت عن الصدق |
|
جروا فلهم سبق وصرت مقصرا |
ذميما بما قصرت عن غاية السبق |
|
وما كل شئ سابق او مقصر |
يؤول به التقصير إلا إلى العرق |
ثم مضى محمد بن إبراهيم راجعا إلى الحجاز، فلقي في طريقه ابا السرايا السري بن منصور احد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان قد خالف السلطان ونابذه، وعاث في نواحي السواد، ثم صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفا على نفسه، ومعه غلمان له فيهم: ابوالشوك، وسيار، وابوالهرماس، غلمانه.
وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيع، فدعاه إلى نفسه فأجابه وسر بذلك وقال له: انحدر إلى الفرات حتى اوافي على ظهر الكوفة، وموعدك الكوفة.
ففعل ذلك ووافى محمد بن إبراهيم الكوفة يسأل عن اخبار الناس ويتحسسها ويتأهب لامره ويدعو من يثق به إلى ما يريد، حتى اجتمع له بشر كثير، وهم في ذلك ينتظرون أبا السرايا وموافاته، فبينا هو في بعض الايام يمشي في بعض طريق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع احمال الرطب، فتلقط ما يسقطمنها فتجمعه في كساء عليها رث، فسألها عما تصنع بذلك.
فقالت: إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي ولي بنات لا يعدن على انفسهن بشئ، فأنا اتتبع هذا من الطريق واتقوته أنا وولدي.
فبكى بكاء شديدا، وقال: انت والله واشباهك تخرجوني غدا حتى يسفك دمي.
ونفذت بصيرته في الخروج، واقبل ابوالسرايا لموعده على طريق البر حتى ورد عين التمر في فوارس معه، جريدة لا راجل فيهم واخذ على النهرين حتى ورد إلى نينوى فجاء إلى قبر الحسين.
قال نصر بن مزاحم ! فحدثني رجل من اهل المدائن، قال: إنى لعند قبر الحسين في تلك الليلة، وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر، إذا بفرسان قد اقبلوا
فترجلوا إلى القبر فسلموا، واطال رجل منهم الزيارة ثم جعل يتمثل ابيات منصور ابن الزبرقان النمري:
نفسي فداء الحسين يوم عدا |
إلى المنايا عدوا ولا قافل |
|
ذاك يوم أنحى بشفرته |
على سنام الاسلام والكاهل |
|
كأنما أنت تعجبين ألا |
ينزل بالقوم نقمة العاجل |
|
لا يعجل الله إن عجلت وما |
ربك عما ترين بالغافل |
|
مظلومة والنبي والدها |
تدير ارجاء مقلة جافل |
|
ألا مساعير يغضبون لها |
بسلة البيض والقنا الذابل |
قال: ثم اقبل علي فقال: ممن الرجل؟ فقلت: رجل من الدهاقين من أهل المدائن.
فقال سبحان الله، يحن الولي إلى وليه كما تحن الناقة إلى حوارها، ياشيخ إن هذا موقف يكثر لك عند الله شكره ويعظم اجره.
قال: ثم وثب فقال: من كان هاهنا من الزيدية فليقم إلي، فوثبت اليه جماعات من الناس، فدنوا منه فخطبهم خطبة طويلة ذكر فيها اهل البيت وفضلهم وما خصوا به، وذكر فعل الامة بهم وظلمهم لهم، وذكر الحسين بن علي فقال: أيها الناس، هبكم لم تحضروا الحسين فتنصروه، فما يقعدكم عمن أدركتموه ولحقتموه؟ وهو غدا خارج طالب بثأره وحقه، وتراث آبائه، وإقامة دين الله، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته؟ إنني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة للقيام بأمر الله، والذب عن دينه، والنصر لاهل بيته، فمن كان له نية في ذلك فليلحق بي ثم مضى من فوره عائدا إلى الكوفة ومعه اصحابه.
قال: وخرج محمد بن إبراهيم في اليوم الذي واعد فيه ابا السرايا للاجتماع بالكوفة، واظهر نفسه وبرز إلى ظهر الكوفة، ومعه علي بن عبيدالله بن الحسين ابن علي بن الحسين، واهل الكوفة منبثون مثل الجراد إلا انهم على غير نظام وغير قوة، ولا سلاح إلا العصى والسكاكين والآجر، فلم يزل محمد بن إبراهيم ومن
معه ينتظرون ابا السرايا ويتوقعونه فلا يرون له اثرا حتي أيسوا منه، وشتمه بعضهم ولاموا محمد بن إبراهيم على الاستعانة به، واغتنم محمد بن إبراهيم بتأخره، فبينماهم كذلك إذ طلع عليهم من نحو الجرف علمان اصفران وخيل، فتنادى الناس بالبشارة فكبروا ونظروا، فاذا هو ابوالسرايا ومن معه، فلما أبصر محمد بن إبراهيم ترجل واقبل اليه فانكب عليه واعتنقه محمد، ثم قال له: يابن رسول الله، ما يقيمك هاهنا؟ ادخل البلد فما يمنعك منه احد، فدخل هو وخطب الناس، ودعاهم إلى البيعة إلى الرضا من آل محمد والدعاء إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسيرة بحكم الكتاب.
فبايعه جميع الناس حتى تكابسوا وازدحموا عليه، وذلك في موضع بالكوفة يعرف بقصر الضرتين.
فحدثني احمد بن محمد بن سعيد الهمداني، قال: حدثنا محمد بن منصور بن يزيد أبوجعفر المرادي، قال: حدثنا الحسن بن عبدالواحد الكوفي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن سعيد بن خيثم بن معمر قال: سمعت زيد بن علي يقول: يبايع الناس لرجل منا عند قصر الضرتين، سنة تسع وتسعين ومائة، في عشر من جمادي الاولى، يباهي الله به الملائكة.
قال الحسن بن الحسين: فحدثت به محمد بن إبراهيم فبكى.
حدثني احمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا عمر بن شبة المكي، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: يخطب على اعوادكم يااهل الكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في جمادي الاولى رجل منا اهل البيت، يباهي الله به الملائكة.
حدثني محمد بن الحسين الاشناني، قال: حدثنا احمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن عمر بن شبة المكي بنحوه.
رجع الحديث إلى خبر أبي السرايا.
قال: ووجه محمد بن إبراهيم إلى الفضل بن العباس بن عيسى بن موسى رسولا
يدعوه إلى بيعته ويستعين به في سلاح وقوة، فوجد العباس قد خرج عن البلد وخندق حول داره، واقام مواليه في السلاح للحرب، فأخبر الرسول محمدا بذلك فأنفذ محمد ابا السرايا اليهم، وأمره أن يدعوهم ولا يبدأهم بقتال، فلما صار اليهم تبعه اهل الكوفة كالجراد المنتشر، فدعاهم فلم يصغوا إلى قوله ولم يجيبوا دعوته، ورموه بالنشاب من خلف السور، فقتل رجل من اصحابه او جرح، فوجه به إلى محمد بن إبراهيم، فأمره بقتالهم فقاتلهم.
وكان على السور خادم اسود واقف بين شرفتين يرمي لا يسقط له سهم، فأمر ابوالسرايا غلامه أن يرميه، فرماه بسهم فأثبته بين عينيه، وسقط الخادم على ام رأسه إلى اسفل فمات وفر موالي الفضل بن العباس فلم يبق منهم احد، وفتح الباب فدخل اصحاب أبي السرايا ينتهبونها ويخرجون حر المتاع منها، فلما راى ذلك أبوالسرايا حظره ومنع احدا من الخروج أو يأخذ ما معه ويفتشه، فأمسك الناس عن النهب.
قال: فسمعت أعرابيا يرتجز ومعه تخت فيه ثياب وهو يقول:
ما كان إلا ريث زجر الزاجره |
حتى انتضيناها سيوفا باتره |
|
حتى علونا في القصور القاهرة |
ثم انقلبنا بالثياب الفاخره |
قال: ومضى الفضل بن العباس فدخل على الحسن بن سهل فشكا اليه ما انتهك منه فوعده النصر والغرم والخلف، ثم دعا بزهير بن المسيب فضم اليه الرجال وامده بالاموال وندبه إلى المسير نحو أبي السرايا وان يودعه من وقته ويمضي لوجهه فيه ولا ينزل إلا بالكوفة، وكان محمد بن إبراهيم عليلا علته التي مات فيها.
وكان الحسن بن سهل.
لانتحاله النجوم ونظره فيما، ينظر في نجم محمد فيراه محترقا، فيبادر في طلبه ويحرص على ترويحه، ويشغله ذلك على النظر في امر عسكره.
فسار زهير بن المسيب حتى ورد قصر ابن هبيرة فأقام به، ووجه ابنه ازهر بن زهير على مقدمته، فنزل سوق اسد.
وسار ابوالسرايا من الكوفة وقت العصر فأغذ السير حتى اتى معسكر ازهر بن زهير بسوق اسد، وهم غارون فيه وبيته،
فطحن العسكر واكثر القتل فيه، وغنم دوابهم واسلحتهم، وانقطع الباقون في الليل منهزمين حتى وافت زهيرا بالقصر فتغيظ من ذلك.
ورجع ابوالسرايا إلى الكوفة، وزحف زهير حتى نزل ووافت خريطة من الحسن بن سهل، يأمره ألا ينزل إلا بالكوفة، فمضى حتى نزل عند القنطرة.
ونادى ابوالسرايا في الناس بالخروج، فخرجوا حتى صادفوا زهيرا على قنطرة الكوفة في عشية صردة باردة، فهم يوقدون النار يستدفئون بها، ويذكرون الله ويقرأون القرآن، وابوالسرايا يسكن منهم ويحثهم.
واقبل اهل بغداد يصيحون يااهل الكوفة: زينوا نساءكم واخواتكم وبناتكم للفجور، والله لنفعلن بهم كذا وكذا.
ولايكنون.
وابوالسرايا يقول لهم: اذكروا الله وتوبوا اليه، واستغفروه واستعينوه، فلم يزل الناس في تلك الليلة يتحارسون طول ليلتهم، حتى إذا اصبح نهد اليهم فوقف في عسكره، وقد عشيت ابصار الناس من الدروع والبيض والجواشن وهم على تعبئة حسنة، واصوات الطبول والبوقات مثل الرعد العاصف، وابوالسرايا يقول: ياأهل الكوفة صححوا نياتكم، واخلصوا لله ضمائركم، واستنصروه على عدوكم وابرأوا اليه من حولكم وقوتكم، واقرأوا القرآن، ومن كان يروي الشعر فلينشد شعر عنترة العبسي: قال: ومر بنا الحسن بن الهذيل يعترض الناس ناحية ناحية ويقول: يامعشر الزيدية، هذاموقف تستزل فيه الاقدام، وتزايل فيه الافعال.
والسعيد من حاط دينه، والرشيد من وفى الله بعهده، وحفظمحمدا في عترته.
ألا ان الآجال موقوته، والايام معدودة من هرب بنفسه من الموت كان الموت محيطا به، ثم قال:
من لم يمت عبطة يمت هرما |
الموت كأس والمرء ذائقها. |
قال أبوالفرج الاصبهاني: الحسن بن الهذيل هذا، صاحب الحسين المقتول بفخ، وقد روى عنه الحديث.
قال: فطلع رجل من اهل بغداد مستلئما شاكي السلاح فجعل يشتم اهل الكوفه ويقول: لنفجرن بنسائكم ولنفعلن بكم ولنصنعن، وانتدب اليه رجل من أهل الوازار - قرية بباب الكوفة - عليه إزار أحمر وفي يده سكين، فألقى نفسه في الفرات وسبح ساعة حتى صار اليه، فدنا منه فأدخل يده في جيب درعه وجذبه اليه فصرعه وضرب بالسكين حلقه فقتله، وجر برجله يطفو مرة ويغوص مرة اخرى حتى أخرجه إلى الكوفة فكبر الناس وارتفعت أصواتهم بحمد الله والثناء عليه والدعاء.
وخرج رجل من ولد الاشعث بن قيس فعبر إلى البغداديين ودعا للبراز فبرز اليه رجل فقتله، وبرز اليه آخر فقتله، وبرز اليه ثالث فقتله، حتى قتل نفرا.
وأقبل أبوالسرايا فلما رآه شتمه وقال: من امرك بهذا؟ ارجع فرجع فمسح سيفه بالتراب ورده في غمده وقنع فرسه ومضى نحو الكوفة، فلم يشهد حربا بعدها معهم ووقف أبوالسرايا على القنطرة طويلا، وخرج رجل من أهل بغداد فجعل يشتمه بالزنا لا يكنى.
وابوالسرايا واقف لا يتحرك، ثم تغافل ساعة حتى هم بأن ينصرف، ثم حمل عليه فقتله وحمل على عسكرهم حتى خرج من خلفهم، ثم حمل عليهم من خلف العسكر حتى رجع من حيث جاء.
ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم عن درعه.
ثم دعا غلاما له فوجهه في نفر من اصحابه وامره ان يمضي حتى يصير من وراء العسكر، ثم يحمل عليهم لا يكذب، فمضى الغلام لوجهه مع من معه قاصدا لما أمره به، ووقف أبوالسرايا على القنطرة على فرس له ادهم محذوف، وقد اتكأ على رمحه فنام على ظهر الفرس حتى غط، واهل الكوفة جزعون لما يرونه من عسكر زهير، ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم، وهم يضجون ويصيحون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبوالسرايا فينتبه من نومه، فلم ينتبه حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه: قتال، ثم قنعه حتى رضى بحفزه
ثم أومأ بيده نحوالكمين الذي بعثه، وصاح بأهل الكوفة: احملوا، وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلا التفت نحو الاشارة.
وخالط أبوالسرايا وغلامه سيار العسكر، وتبعه اهل الكوفة وصاح بغلامه.
ويلك ياسيار ألا تراني، فحمل سيار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم، وانهزمت المسودة.
وتبعهم أبوالسرايا واصحابه ونادى: من نزل عن فرسه فهو آمن فجعلوا يترجلون، واصحاب أبي السرايا يركبون، وتبعوهم حتى جاوزوا شاهي، ثم التفت زهير إلى أبي السرايا فقال: ويحك، أتريد هزيمة اكثر من هذه؟ إلى اين تتبعني؟ فرجع وتركه.
وغنم اهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها، وصاروا إلى عسكر زهير ابن المسيب ومطابخه قد اعدت واقيمت، وكان قد حلف ألا يتغدى إلا في مسجد الكوفة، فجعلوا يأكلون ذلك الطعام، وينتهبون الاسلحة والآلة، وكانوا قد أصابهم جوع وجهد شديد.
ومضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستترا، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر باحضاره، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده فشتر إحدى عينيه وقال لبعض من كان بحضرته: اخرجه فاضرب عنقه، فتشفعوا فيه، فلم يزل يكلم فيه حتى عفا عنه.
ودخل أبوالسرايا الكوفة، ومعه خلق كثير من الاسارى، ورؤوس كثيرة على الرماح مرفوعة، وفي صدور الخيل مشدودة، ومن معه من اهل الكوفة قد ركبوا الخيل ولبسوا السلاح، فهو في حالة واسعة، وانفسهم بما رزقوه من النصر قوية.
واشتد غم الحسن بن سهل ومن بحضرته من العباسيين، لما جرى على عسكر زهير، وطال اهتمامهم به، فدعا الحسن بن سهل بعبدوس بن عبدالصمد، وضم اليه الف فارس وثلاثة آلاف راجل وازاح علته في الاعطاء، وقال: إنما أريد ان أنوه باسمك فانظر كيف تكون، واوصاه بما احتاج اليه، وامره ألا يلبث.
فخرج من بين يديه وهو يحلف ان يبيح الكوفة، ويقتل مقاتلة اهلها ويسبي
ذراريهم، ثلاثا.
ومضى لوجهه لا يلوي على شئ حتى صار إلى الجامع، وقد كان الحسن بن سهل تقدم اليه بذلك وأمره ألا يأخذ على الطريق الذي انهزم فيه زهير، لئلا يرى أصحابه بقايا قتلى عسكره، فيجبنوا من ذلك.
فأخذ على الطريق الجامع، فلما وافاها وبلغ أبا السرايا خبره، صلى الظهر بالكوفة، ثم جرد فرسان اصحابه ومن يثق به منهم واغذ السير بهم، حتى إذا قرب من الجامع فرق اصحابه ثلاث فرق وقال: شعاركم: يافاطمي يامنصور "، واخذ هو في جانب السوق واخذ سيار في سيره الجامع وقال لابي الهرماس: خذ بأصحابك على القرية فلا يفتك أحد منهم، ثم احملوا دفعة واحدة من جوانب عسكر عبدوس، ففعلوا ذلك فأوقعوا به وقتلوا منه مقتلة عظيمة، وجعل الجند يتهافتون في الفرات طلبا للنجاة، حتى غرق منهم خلق كثير.
ولقى أبوالسرايا عبدوسا في رحبة الجامع(1) فكشف خوزته عن راسه وصاح: أنا أبوالسرايا، أنا أسد بني شيبان، ثم حمل عليه، وولى عبدوس من بين يديه، وتبعه أبوالسرايا فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته وخر صريعا عن فرسه.
وانتهب الناس من اصحاب أبي السرايا واهل الجامع عسكر عبدوس، وأصابوا منه غنيمة عظيمة، وانصرفوا إلى الكوفة بقوة واسلحة.
ودخل أبوالسرايا إلى محمد بن إبراهيم وهو عليل يجود بنفسه فلامه على تبييته العسكر، وقال: أنا أبرأ إلى الله مما فعلت، فما كان لك أن تبيتهم، ولا تقاتلهم حتى تدعوهم، وما كان لك ان تأخذ من عسكرهم إلا ما اجلبوا به علينا من السلاح.
____________________
(1) في الطبري 10 - 228 " فتوجه أبوالسرايا إلى عبدوس، فواقعه بالجامع يوم الاحد لثلاث عشرة بقيت من رجب، فقتله، وأسر هارون بن محمد بن أبي خالد، واستباح عسكره، وكان عبدوس فيما ذكر في أربعة آلاف فارس، فلم يفلت منهم أحد كانوا بين قتيل وأسير.وانتشر الطالبيون في البلاد.
وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة، ونقش عليها " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كانهم بنيان مرصوص".
فقال أبوالسرايا: يابن رسول الله، كان هذا تدابير الحرب، ولست اعاود مثله.
ثم رأى في وجه محمد الموت فقال له: يابن رسول الله، كل حي ميت، وكل جديد بال، فاعهد إلي عهدك.
فقال: أوصيك بتقوى الله، والمقام على الذب عن دينك، ونصرة أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله، فان أنفسهم موصولة بنفسك، وول الناس الخيرة فيمن يقوم مقامي من آل علي، فان اختلفوا فالامر إلى علي بن عبيدالله، فاني قد بلوت طريقته ورضيت دينه.
ثم اعتقل لسانه، وهدأت جوارحه، فغمضه أبوالسرايا وسجاه، وكتم موته، فلما كان الليل اخرجه في نفر من الزيدية إلى الغري فدفنه.
فلما كان من الغد جمع الناس فخطبهم، ونعى محمدا اليهم وعزاهم عنه فارتفعت الاصوات بالبكاء إعظاما لوفاته.
ثم قال: وقد اوصى أبوعبدالله رحمة الله عليه إلى شبيهه ومن اختاره، وهو ابوالحسن علي بن عبيدالله، فان رضيتم به فهو الرضا، وإلا فاحتاروا لانفسكم.
فتواكلوا ونظر بعضهم إلى بعض، فلم ينطق احدمنهم فوثب محمد بن محمد ابن زيد وهو غلام حدث السن، فقال: ياآل علي: فات الهالك النجا، وبقي الثاني بكرمه، إن دين الله لا ينصر بالفشل، وليست يدهذا الرجل عندنا بسيئة، وقد شفى الغليل، وادرك الثأر، ثم التفت إلى علي بن عبدالله فقال: ما تقول ياابا الحسن رضي الله عنك؟ فقد وصانا بك امدديدك نبايعك، فحمد الله واثنى عليه ثم قال: إن أبا عبيد الله رحمة الله عليه قد اختار فلم يعد الثقة في نفسه، ولم يأل جهدا في حق الله الذي قلده، وما ارد وصيته تهاونا بأمره، ولا ادع هذا نكولا عنه، ولكن اتخوف ان اشتغل به عن غيره مما هو احمد وافضل عاقبة، فامض رحمك الله لامرك واجمع شمل ابن عمك، فقد قلدناك الرياسة علينا، وأنت الرضا عندنا، الثقة في أنفسنا.
ثم قال لابي السرايا: ما ترى؟ أرضيت به؟ قال: رضائي في رضاك وقولي مع قولك، فجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وفرق عماله.
فولى إسماعيل بن اسماعيل بن جعفرخلافته على الكوفة.
وولى روح ابن الحجاج شرطته.
وولى احمد بن السرى الانصار سائله.
وولى عاصم بن عامر القضاء.
وولى نصر بن مزاحم السوق.
وعقد لابراهيم بن موسى بن جعفر على اليمن.
وولى زيد بن موسى بن جعفر الاهواز.
وولى العباس بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر ابن ابي طالب البصرة.
وولى الحسن بن الحسن الافطس مكة.
وعقد لجعفر بن محمد بن زيد بن علي، والحسين بن إبراهيم بن الحسن بن علي واسطا.
فخرجوا إلى اعمالهم.
فأما ابن الافطس فلم يمنعه احد مما وجه له، فأقام الحج تلك وهي سنة تسع وتسعين ومائة.
وأما إبراهيم بن موسى فأذعن له اهل اليمن بالطاعة، بعد وقعة كانت بينهم يسيرة المدة.
واما صاحبا واسط فان نصر البجلي صاحب واسط خرج اليهما فقاتلهما قتالا شديدا، فثبتا له ثم انهزم ودخلا واسطا وجبيا الخراج وتألفا الناس.
وأما الجعفري صاحب البصرة فانه خرج اليه علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فاجتمعا، ووافاهم زيد بن موسى بن جعفر ماضيا إلى الاهواز، فاجتمعوا، ولقيهم الحسن بن علي المعروف بالمأمون - رجل من اهل باذغيس وكان على البصرة - فقاتلوه وهزموه وحووا عسكره.
وحرق زيد بن موسى دور بني العباس بالبصرة، فلقب بذلك وسمى زيد النار.
وتتابعت الكتب وتواترت على محمد بن محمد بالفتوح من كل ناحية.
وكتب اليه اهل الشام والجزيرة انهم ينتظرون أن يوجه اليهم رسولا ليسمعوا له ويطيعوا.
وعظم امر أبي السرايا على الحسن بن سهل وبلغ منه، فكتب إلى
طاهر بن الحسين أن يصير اليه لينفذه لقتاله، فكتبت اليه رقعة لايدري من كتبها فيها ابيات وهي:
قناع الشك يكشفه اليقين |
وافضل كيدك الرأى الرصين |
|
تثبت قبل ينفذ فيك أمر |
يهيج لشره داء دفين |
|
اتندب طاهر القتال قوم |
بنصرتهم وطاعتهم يدين |
|
سيطلقها عليك معقلات |
تصر ودونها حرب زبون |
|
ويبعث كامنا في الصدر منه |
ولا يخفى إذا ظهر المصون |
|
فشأنك واليقين فقد أنارت |
معالمه واظلمت الظنون |
|
ودونك ما نريد بعزم رأى |
تدبره ودع ما لا يكون |
فرجع عن رأيه ذلك، وكتب إلى هرثمة بن اعين يأمره بالقدوم عليه، ودعا بالسندي بن شاهك فسأله التعجيل وترك التلوم، وكان ردءا له، وكانت بين الحسن ابن سهل وبين هرثمة شحناء(1) ، فخشى أن لا يجيبه إلى ما يريد، ففعل ذلك السندي ومضى إلى هرثمة فلحقه بحلوان، فأوصل اليه الكتاب، فلما قرأه تغيظ وقال:
____________________
(1) في الطبري 10 / 228 " فلما رأى الحسن بن سهل ان ابا السرايا ومن معه لا يلقون عسكرا إلا هزموه، ولا يتوجهون إلى بلدة إلا دخلوها، ولم يجد فيمن معه من القواد من يكفيه حربه، اضطر إلى هرثمة، وكان هرثمة حين قدم عليه الحسن بن سهل العراق واليا عليها من قبل المأمون سلم له ما كان بيده بها من الاعمال، وتوجه نحو خراسان مغاضبا للحسن، فسار حتى بلغ حلوان، فبعث اليه السندي وصالحا صاحب المصلى يسأله الانصراف إلى بغداد لحرب ابي السرايا فامتنع وأبى، وانصرف الرسول إلى الحسن بإبائه، فأعاد اليه السندي بكتب لطيفة فأجاب وأنصرف إلى بغداد.فقدمها في شعبان.."
نوطئ نحن الخلافة، ونمد لهم اكنافها، ثم يستبدون بالامور، ويستأثرون بالتدبير علينا، فاذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الامور أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين سوء آثارهم وقبيح افعالهم.
قال السندي: وباعدني مباعدة آيسني فيه من نفسه، فبينا انا كذلك إذ جاءه كتاب من منصور بن المهدي فقرأه فجعل يبكي بكاء طويلا، ثم قال: فعل الله بالحسن بن سهل وصنع، فانه عرض هذه الدولة للذهاب، وافسد ما صلح منها، ثم أمر فضرب بالطبل، وانكفأ راجعا إلى بغداد.
فلما صار بالنهروان تلقاه اهل بغداد، والقواد، وبنو هاشم، وجميع الاولياء مسرورين بقدومه داعين له، وترجلوا جميعا حين رأوه، فدخل بغداد في جمع عظيم حتى أتى منزله.
وأمرالحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت اليه ليختار الرجال منها وينتخبهم، واطلق له بيوت الاموال فانتخب من اراد، وازاح العلة في العطيات والنفقات، وخرج إلى الياسرية فعسكر بها.
قال الهيثم بن عدي: فدخلت اليه وسلمت عليه ومازحته، وهو في نحو ثلاثين الف فارس وراجل، فقلت له: أيها الامير، لو خضبت لكان للعدو أهيب وأحسن للمنظر، فضحك ثم قال: إن كان رأسي لي فسأخضبه، وإن انقلب به اهل الكوفة فما يصنع بالخضاب.
قال: ثم نادى بالرحيل إلى الكوفة، فرحل الناس وأبوالسرايا بالقصر، وقد عقد لمحمد بن إسماعيل بن محمدبن عبدالله الارقط بن عبدالله بن علي بن الحسين، على المدائن، ووجه معه العباس الطبطبي، والمسيب في جمع عظيم، فلقوا الحسين بن علي المعروف بأبي البط فالتقوا بساباط المدائن فاقتتلوا قتالا شديدا، وهزم أبوالبط واستولى محمدبن إسماعيل على البلد.
محمد بن جعفر بن محمد
خبر محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام قالوا: وظهر في هذه الايام محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة ودعا إلى نفسه.
وبايع له أهل المدينة بامرة المؤمنين، وما بايعوا عليها بعد الحسين بن علي أحدا سوى محمد بن جعفر بن محمد.
وأم محمد بن جعفر أم ولد.
ويكنى أبا جعفر.
وكان فاضلا مقدما في أهله.
وأمر المأمون آل أبي طالب بخراسان أن يركبوا مع غيره من آل أبي طالب فأبوا أن يركبوا إلا معه فأقرهم.
وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن أبيه، ونقل عنه المحدثون مثل: محمد بن أبي عمر العبدي، ومحمد بن سلمة، وإسحاق بن موسى الانصاري، وغيرهم من الوجوه.
قال أبوالفرج: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور قال: ذكر محمد بن جعفر بحضرة أبي الطاهر أحمد بن عيسى بن عبدالله، فسمعنا أبا الطاهر يحسن الثناء عليه، وقال: كان عابذا فاضلا، وكان يصوم يوما ويفطر يوما قال أبوالفرج: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال أخبرنا يحيى بن الحسن قال: سمعت مؤملا يقول: رأيت محمد بن جعفر يخرج إلى الصلاة بمكة في سنة بمائتي رجل من الجارودية وعليهم ثياب الصوف، وسيماء الخير ظاهر.
قال أبوالفرج: حدثني أحمد بن محمدبن سعيد، قال: حدثنا يحيى، قال: كانت خديجة بنت عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين تحت محمد بن جعفر بن محمد، وكانت تذكر أنه ما خرج من عندهم قط في ثوب فرجع حتى يهبه.
حدثني أحمد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا موسى بن سلمة، قال: كان رجل قد كتب كتابا في أيام أبي السرايا يسب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وجميع أهل البيت، وكان محمد بن جعفر معتزلا تلك الامور لم يدخل في شئ منها، فجاء الطالبيون فقرءوه عليه فلم يرد عليهم جوابا حتى دخل بيته، فخرج عليهم وقد لبس الدرع، وتقلد السيف، ودعا إلى نفسه، وتسمى بالخلافة وهو يتمثل: لم أكن من جناتها علم الله * وإنى بحرها اليوم صالي قال يحيى بن الحسن: فسمعت إبراهيم بن يوسف يقول: كان محمد بن جعفر قد أصاب أحد عينيه شئ فأثر فيها، فسر بذلك وقال: لارجوا أن أكون المهدي القائم، قد بلغني أن في إحدى عينيه شيئا، وأنه يدخل في هذا الامر وهو كاره له.
قال أبوالفرج: أخبرنا أحمد بن عبيدالله بن عمار، قال: حدثنامحمد بن علي المدائني، قال: حدثنا إسحاق بن موسى الانصاري، قال سمعت محمد بن جعفر يقول: شكوت إلى مالك بن أنس ما نحن فيه وما نلقى، فقال: اصبر حتى يجئ تأويل هذه الآية(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).
أخبرني أحمد بن عبيدالله، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه، وأخبرني علي بن الحسين بن علي بن حمزة العلوي، عن محمد، عن عمه.
أن جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر، فقاتلوا هارون بن المسيب بمكة قتالا شديدا، وفيهم الحسين بن الحسن الافطس، ومحمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن، ومحمد ابن الحسن المعروف بالسيلق، وعلي بن الحسين بن عيسى بن زيد، وعلي بن الحسين
ابن زيد، وعلي بن جعفر بن محمد، فقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وطعنه خصي كان مع محمد بن جعفر فصرعه.
وكرأصحابه فتخلصوه، ثم رجعوا فأقاموا بثبير في جبله مدة، وأرسل هارون إلى محمد بن جعفر وبعث إليه ابن أخيه علي بن موسى الرضا، فلم يصغ إلى رسالته.وأقام على الحرب.
ثم وجه اليه هارون خيلا فحاصرته في موضعه، لانه كان موضعا حصينا لا يوصل اليه، فلما بقوا في الموضع ثلاثا ونفذ زادهم وماؤهم، جعل أصحابه يتفرعون ويتسللون يمينا وشمالا، فلما رأى ذلك لبس بردا ونعلا، وصار إلى مضرب هارون فدخل اليه وسأله الامان لاصحابه، ففعل هارون ذلك.هكذا ذكره النوفلي.
وأمامحمد بن علي بن حمزة فإنه ذكر أن هذا كان من جهة عيسى الجلودي لا من جهة هارون، ثم وجه إلى أولئك الطالبيين فحملهم مقيدين في محامل بلا وطاء ليمضى بهم إلى خراسان، فخرجت عليهم بنو نبهان.
وقال علي بن محمد النوفلي: خرج عليهم الغاضريون بزبالة، فاستنقذوهم منه بعد حرب طويلة صعبة، فمضوا هم بأنفسهم إلى الحسن بن سهل، فأنفذهم إلى خراسان إلى المأمون.
فمات محمد بن جعفر هناك، فلما أخرجت جنازته دخل المأمون بين عمودي السرير فحمله حتى وضعه في لحده، وقال: هذه رحم مجفوة منذ مائتي سنة، وقضى دينه، وكان عليه نحوا من ثلاثين ألف دينار.