زبدة البيان في براهين أحكام القرآن

زبدة البيان في براهين أحكام القرآن5%

زبدة البيان في براهين أحكام القرآن مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 702

  • البداية
  • السابق
  • 702 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27518 / تحميل: 6643
الحجم الحجم الحجم
زبدة البيان في براهين أحكام القرآن

زبدة البيان في براهين أحكام القرآن

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الفصل السابع عشر

فيما نذكره من نوافل الزوال وبعض اسرار تلك الحال

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس شرف الله قدره وقدس في الملاء الاعلى ذكره.

اعلم ان هذا الفصل يشتمل على عدة معان منها ما نذكره من اسرار الصلوات ومن المراقبة فيها بالنيات ولزوم الاداب وحفظ الحركات والسكنات ومنها ما نذكره من كون صلوة نوافل الزوال تسمى صلوة الاوابين وان الدعاء فيها مقبول عند ارحم الراحمين ومنها ما نذكره من ان الاستخارة عند نوافل الزوال كما ستأتي الرواية به في تلك الحال.

ذكر ما نذكره من اسرار الصلوة.

اعلم ان الصلوة تشتمل على نية الصلوة ولفظ تكبير ولفظ وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض وعلى تحميد وتمجيد ودعوى العبادة والاستعانة بالله جل جلاله ودعوات وقرائة القرآن وخضوع وركوع وسجود وخشوع وشهادة لله جل جلاله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وآله رسوله بالرسالة الربانية وصلوات عليه وعلى آله وتسليم.

ذكر نية الصلوة اما نية الصلوة فانك ان كنت عبدا معاملا لله جل جلاله في جميع الحركات والسكنات عارفا بمعنى قوله جل جلاله في محكم الايات وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فانت إذا كنت كذلك لازلت متهيئا لاوامره فتمتثل امره بالصلوة وتعبده لانه يستحق العبادة لذاته كما لو كنت متهيئا لدخول شخص عزيز عليك فانك حيث

١٠١

تراه تقوم لاكرامه وتقبل عليه بمقتضى مشاهدة ذاته أو لو كنت متهيئا لقدوم رسول اليك ممن يعز عليك فانه إذا وقع نظرك عليه ونظره عليك وسمعت رسالة الرسول فانك تبادر إلى قبوله من غير تردد فكر ولا روية ولا تحتاج إلى تجديد زيادة نية واما ان كنت عن ربك غافلا ولدنياك وهواك معاملا فتحتاج عند الحضور للصلوات ان تحضر شارد قلبك بزمام عقلك ولبك وتقفه بين يدى مولاك وتذكره انه دعاك وانه يراك وتقصد بعقلك وقلبك انك تعبده لانه اهل للعبادة وتدخل حضرة مناجاته دخول اهل السعادة وهذه الصلوة ان كانت واجبة اداء فتقصد العبادة لوجه وجوبها اداء وان كانت قضاء فتقصد ذلك وان كانت اداء أو قضاء فتقصد بذلك العبادة لله جل جلاله.

ذكر تكبيرة الاحرام ينبغى إذا قلت الله اكبر ان يكون هذا القول منك معاملة لله جل جلاله وعبادة ولا يكون تلفظا بالغفلة على العادة وتكون صادقا فيه فاما قولك الله اكبر فقد روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام في كتاب التوحيد باسناده ان رجلا قال عنده يعنى عند الصادق عليه السلام الله اكبر فقال الله اكبر من أي شئ فقال من كل شئ فقال أبو عبد الله عليه السلام حددته فقال الرجل كيف اقول فقال قل الله اكبر من ان يوصف.

يقول السيد الامام العالم العامل الفقيه العلامة رضى الدين ركن الاسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسينى بلغه الله مناه وكبت اعداه قوله عليه السلام حددته لانه إذا كان الله جل جلاله اكبر من كل شئ فكل الاشياء غيره فهى محدثات وكل محدث محدود فكان المعتقد لذلك قد جعل الله جل جلاله محدودا

١٠٢

وقوله عليه السلام اكبر من ان يوصف لانه جل جلاله لا تحيط الصفات به على التحقيق وانما لما ضاقت العبادات على اهل التوفيق والتصديق علمهم الله جل جلاله ورسوله عليه السلام الفاظا في وصف جلال الله على قدر قصور علوم العباد.

اقول ومعنى قولى ان يكون هذا قولك عبادة ومعاملة أي ان يكون الله جل جلاله في قلبك وعند عقلك عظيما على قدر ما وهبك من معرفة ذاته وصفاته الكاملة فتقصد بهذا الاعتقاد في عظمته وبهذا اللفظ في قولك الله اكبر مجرد عبادته لانه اهل للعبادة.

اقول واما قولى ان يكون صادقا فاريد بذلك ان يكون فعلك لقولك موافقا بحيث إذا قلت الله اكبر تكون سريرتك موافقة لعلانيتك في انه لا شئ من اعظم منه جل جلاله في قلبك وعقلك ونفسك ونيتك ولا يكون شئ اعز عليك منه ولا يشغلك في تلك الحال شئ عنه كما قال جل جلاله في تهديده لمن يؤثر عليه بصريح القرآن المبين قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بامره والله لا يهدى القوم الفاسقين.

اقول فإذا وجدت عقلك وقلبك ونفسك تؤثر على الله جل جلاله غيره فاعلم انك داخل تحت تهديد سلطان العالمين ولعلك تكون من قد غضب الله جل جلاله عليك فلا يهديك لفسقك وسماك من الفاسقين. اقول وقد روى نحو ذلك في النقل بزيادة كشف لما في القرآن والعقل كما روى الحسين بن سيف صاحب الصادق عليه السلام في كتاب اصله

١٠٣

الذى اسنده إليه قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول لا يمحض رجل الايمان بالله حتى يكون الله احب الله من نفسه وابيه وامه وولده واهله وماله من الناس كلهم.

اقول وقد روى ابلغ من ذلك في ان الناس لا يحصل لهم الايمان حتى لا يؤثروا على رسوله صلوات الله عليه ما تضمنه الحديث الذى نرويه باسنادنا إلى ابي جعفر محمد بن بابويه فيما رواه باسناده في كتاب اماليه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لا يؤمن عبد حتى اكون احب إليه من نفسه واهلى إليه احب من اهله وعترتي احب إليه من عترته وذاتي احب إليه من ذاته.

اقول فإذا كان رسوله صلوات الله عليه لا يصح الايمان مع هذا الايثار عليه فكيف يحصل الايمان مع الايثار على الله جل جلاله وترجيح غيره عليه.

ذكر التوجه اما التوجه فقد روى أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب زهد مولينا على ابن ابى طالب عليه السلام باسناده إلى ابي عبد الله عليه السلام كان على إذا قام إلى الصلوة فقال وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه.

اقول وروى صاحب كتاب زهرة المهج وتواريخ الحجج باسناده عن الحسن بن محبوب عن عبد العزيز العبدى عن عبد الله بن ابى يعفور قال قال مولينا الصادق عليه السلام كان على بن الحسين عليه السلام إذا حضرت الصلوة اقشعر جلده واصفر لونه وارتعد كالسعفة.

وروى عنه عليه السلام عند قوله في الصلوة وجهت وجهى مثل الذى رويناه عن مولينا على صلوات الله عليهما وكانا إذا دخلا في التوجه

١٠٤

اصفر لونهما وظهر الخوف من الله جل جلاله عليهما لانهما عليهما السلام عرفا وعلما هيبة الملك الذى يقومان بين يديه.

وسيأتى في هذا الكتاب من خوف النبي صلى الله عليه وآله في الصلوات وخوف عترته المعصومين ما تعلم يقينا انك لست تابعا لهم وانك على خلاف ما كانوا عليه من معاملة سلطان العالمين.

اقول وقد كان فرضنا جميعا ان نخاف الله جل جلاله للهيبة والحرمة التى يستحقها لذاته فبلغت الغفلة بنا إلى اننا لا نخاف لذلك ولا نخاف لاجل خوف المعصومين الذين نقتدى بهم في عباداته ولا نخاف لاجل ما تجدد منا من مخالفاته في اراداته وتهويننا بجلالة امره ونهيه وبمقدس حبه وقربه ومناجاته وهذا جهل عظيم منا بالمعبود كاد ان يقرب من جهل اهل الجحود فإذا قال العبد وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض ينبغى ان يتحقق انه في مقام العرض وانه ما مراد الله جل جلاله منه ومراد رسوله عليه السلام بقوله وجهت وجهى أي وجهت صورة وجهى إلى القبلة فحسب للذى فطر السموات والارض ولكن المراد منه ان يكون قد وجه قلبه وعقله عن الالتفات إلى سواه جل جلاله من ساير المرادات والمكروهات.

ولقد قيل لبعض العارفين ما احسن ما تقبل بوجهك على الصلوات فقال ان كان وجهى لا يلتفت فان وجه قلبى كثير الالتفات.

اقول فإذا كان وجه القلب مقبلا ومتوجها إلى الله جل جلاله بالكلية كانت الجوارح مقبلة على الله جل جلاله فيما خلقت له لانها مع القلب كالرعية وعند هذه الحال يكون دخوله في هذه الصلوة دخول اهل الاقبال فان استمر على ذلك إلى حين الفراغ من الصلوة

١٠٥

فقد ظفر ببلوغ الامال وان تعثر في اذيال الالتفات عن موليه وهو يراه فحاله حال اهل التعثير الذين يقع احدهم تارة ويقوم تارة في خطاه وربما افسد تعثيره عليه دنياه واخراه وفاته اقبال ربه جل جلاله ورضاه وان قال وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض وهى في تلك الحال غافل أو متغافل عن هيبة العرض وحرمة الفرض فيكون في قوله وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض كاذبا قد افتتح صلوته بالجنايات بالكذب والبهتان وكيف حال من اول صلوته تصريح بالكذب والزور والعدوان اما يكون مستحقا للهوان وان كان في حال قيامه إلى الصلوة ودخوله فيها على صفة المتكاسل والمتثاقل فلينظر حال الذين يقومون إلى الصلوة كسالى في صريح القرآن ويفكر انه لو دخل عليه قبل ان يدخل في تلك الصلوة صديق أو بعض من يحبه من اعوان السلطان كيف كان يقوم إليه ويقبل عليه بغير تكاسل ولا تثاقل وليتحقق من نفسه ان الله جل جلاله اهون عنده من عبد من عبيده ويا له من خطر هايل.

ذكر ادبه في التحميد والتمجيد قد مضى في خطبة كتابنا ان التحميد والتمجيد من وظايف من خلص فيما بينه وبين الله جل جلاله من الجنايات فاما من كان عليه فرض مضيق من المهمات فالبدأة لازمة له بالاهم فالاهم والاهم عليه التوبة واداء الفروض المتعينة قبل الدخول في الصلوة والتحميدات والتمجيدات سواء كانت الفروض على قبله أو بدنه أو ماله أو في شئ من اعماله.

اقول ومن ادب الانسان عند تحميده وتمجيده ان يكون تلذذه وتعلق خواطره بحمده لله جل جلاله وتمجيده ومدح الله جل جلاله على ذلك وشكره له سبحانه الذّ عنده واجب اليه من مدحه لكل من

١٠٦

يعز عليه من العباد ومن مدح اهل الدنيا وثنائهم عليه في الاصدار والايراد ويكون ترجيح حبه لمدحه الله جل جلاله وشكر الله جل جلاله بقدر ما بين الله جل جلاله وبين عباده من تفاوت جلالته وحق انعامه وارفاده فان عجز العبد عن هذا المقام فلا اقل من ان يكون حبه لمدحة الله جل جلاله ولشكر الله جل جلاله ارحج في قلبه من مدحه لاهل الانعام من الانام أو لشكر من يشكره من ملوك الاسلام.

فاما ان نقص حال العبد عن هذا المقام وكان في مدح الله جل جلاله وشكره سبحانه اهون من مماليكه وعبيده فقد استخف استخفافا عظيما بتحميده وتمجيده وكان مستحقا لما تضمنه هوله ووعيده وتهديده.

ذكر ادبه عند قوله مالك يوم الدين.

اعلم ان يوم الدين يوم الحساب والعرض على سلطان العالمين واظهار السراير بمحضر من كان يسترها من الخلائق اجمعين فينبغي ان يكون عند هذه الحال خائفا لما يخافه على نفسه يوم الحساب والسؤال.

فقد روى محمد بن يعقوب الكليني ما معناه ان مولينا زين العابدين وهو صاحب المقام المكين كان إذا قال مالك يوم الدين يكررها في قرائته حتى يظن من يراه انه قد اشرف على مماته وما لخوف منه يحذرون ولا الخنا عليهم ولكن هيبة هي ماهيا.

وقد عرفت ان مولينا زين العابدين قدوة لك في امور الدنيا والدين فسر في اثاره بهداية الله جل جلاله وبانواره على مطايا اليقين فان الله جل جلاله قادر ان يبلغك ما هو سبحانه اهله من مقامات العارفين.

١٠٧

ذكر ادب العبد في قوله اياك نعبد واياك نستعين.

اعلم ان ينبغى ان يكون العبد صادقا في قوله اياك نعبد ومعنى قولى ان يكون صادقا لانه إذا قال اياك نعبد وكان انما يعبد الله جل جلاله لما يرجوه منه سبحانه من نفع عاجل أو ثواب آجل أو دفع محذور في الدنيا أو في يوم النشور فانما يكون على الحقيقة كانك تعبد نفسك وتكون عبادتك لاجلها ولاجل شهواتك ولذاتك ولا تكون عابد الله جل جلاله لانه اهل للعبادة فيكون قولك اياك نعبد كذبا وبهتانا ومانعا لك من الظفر بالسلامة والسعادة ويثبت اسمك في ديوان الكذابين ويكون قد جعلت نفسك في من الهالكين اما تسمع كلام المقدس الميمون انما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون.

اقول وكذا ينبغى ان تكون صادقا في قولك واياك نستعين فلا يكون في قلبك عند ذلك القول مستعان لك سواه جل جلاله على التحقيق واليقين فانك ان كنت مستعينا عند تلك الحال بحولك وقوتك ودنياك أو مالك أو رجالك أو غيره من امالك واحوالك فانت في قولك اياك نستعين إذا قصدت به انه لامستعان لك سواه كاذب مخاطر مستخف مباهت مستحق لما يستحقه العبد المستخف بموليه.

ذكر ادبه في الدعوات في الصلوة عند قوله اهدنا الصراط المستقيم وفى كل موضع يراد منه ان يدعو فيه في الصلوة بقلب سليم.

قد قدمنا طرفا مما يحتاج إليه اهل الضراعات مما شرحناه بالمعقول والمنقول من الروايات فاياك ان تهمل تهذيب نفسك وقلبك خاصة عند مخاطبة مولاك وربك فانك إذا دعوت الله جل جلاله وقلبك في تلك الحال فارع منه أو مشغول بالغفلة عنه أو بقصور احترام وتهوين

١٠٨

منك بجلالة ذلك المقام كنت كانك تخاطب ملكا من ملوك الدنيا في حاجة إليه وظهرك إليه.

اما تعلم انك إذا خاطبت الملوك وظهرك إليهم أو انت مشغول عنهم بالغفلة والتهوين بهم عن الاقبال عليهم فانك تعلم انك تستحق ان يكون جوابك منهم ان يخرجوك من حضرتهم مطرودا عن رحمتهم مصدودا وربما لو حملوك إلى الحبوس وزيادة البؤس اعتقدت ان الذنب لك فيما يجرى عليك منهم من النكال.

ورأيت مع ان الذنب منك انك مستحق للمؤاخذة على ما وقع منك من الاهمال فلا يكون عندك حرمة مالك الدنيا والاخرة اقل من حرمة الملوك الذين هم مماليكه في هذه الدنيا الحقيرة الداثرة وإذا تأخرت عنك اجابة الدعوات وانت على ما ذكرناه من الغفلات فالذنب لك وقد احسن الله جل جلاله اليك كيف عفى لك عن عقاب تلك الجنايات.

واياك ان يخطر بقلبك أو تقول بلسانك كما تسمع من بعض الغافلين الذين ما دخل في قلبهم حقيقة الايمان والدين فيقولون قد دعونا الله وما نرى الاجابة كما ذكر في القرآن.

ويقولون هذا على سبيل الاستزادة وكان الله جل جلاله عندهم قد اخلف وعده باجابة الدعاء وهذا كالكفر عند اهل الايمان فانهم لو كانوا عارفين بالله جل جلاله على اليقين ما اقدموا على ان يقولوا بحضرته المذهلة للالباب انك وعدتنا باجابة الدعاء واخلفتنا في الجواب وانما هذا قولهم بذلك على انهم ما كانوا عند الدعاء عارفين أو ما كانوا ذاكرين عند المواقفة منهم لله جل جلاله انهم بحضرة مالك الدنيا والدين وهؤلاء اهل

١٠٩

ان يعرض الله جل جلاله عن دعواتهم واجاباتهم وحسبهم عفو الله جل جلاله عن مؤاخذتهم على غفلاتهم وجهلاتهم.

وقد روى عن مولانا الصادق صلوات الله عليه انه قيل له ما بالنا ندعوا الله جل جلاله فلا يستجاب لنا فقال لانكم تدعون من لا تعرفون.

ذكر ادب العبد في قرائة القرآن في الصلوة على سبيل الجملة في ساير الايات.

اعلم ان من ادب العبد في تلاوته كلام موليه الذى يعلم انه يراه ان يكون ذاكرا لجلالته وانه في حضرته ويكون متشرفا ومتلذذا باستماع محادثته ومتأدبا مع عظمته فيتلو كلامه المقدس بنية انه نائب عن الله جل جلاله في قرائة كلامه وان الله جل جلاله مقبل عليه يستمع كلامه المقدس منه فلا يكن حالك عند تلك التلاوات دون حالك لو قرئت بعض الكتب المصنفات على من صنفها ممن تريد التقرب إليه في قرائة تصنيفه عليه وانت محتاج في كل امورك إليه فانك تعلم انك كنت تبذل جهدك في احضار قلبك بغاية امكانك وتبالغ في تهذيب لسانك وتقبل عليه وعلى قرائة تصنيفه بجميع جنانك وبحفظ نفسك في الحركات والسكنات فلا يكن الله جل جلاله عندك في قرائة كلامه دون صاحب المصنفات فانك ان جعلت الله جل جلاله دون هذه الحال كنت اقرب إلى الهلاك واستحقاق النكال واقتد بمن تذكر انت وتدعى انك مهتد بانواره ومقتد باثاره.

فقد روى ان مولينا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كان يتلو القرآن في صلوته فغشى عليه فلما افاق سئل ما الذى اوجب ما انتهت حالك إليه فقال ما معناه ما زلت اكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال

١١٠

كأنني سمعت مشافهة ممن انزلها على المكاشفة والعيان فلم تقم القوة البشرية بمكاشفة الجلالة الالهية واياك يامن لا تعرف حقيقة ذلك ان تستبعده أو يجعل الشيطان في تجويز الذى رويناه عندك شكا بل كن به مصدقا اما سمعت الله جل جلاله يقول فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا.

وقد ذكر محمد بن يعقوب الكليني ان الصادق عليه السلام سئل كيف كان النبي صلى الله عليه وآله يصلى بهم ويقرء القرآن ولا تخشع له قلوب اهل الايمان فقال عليه السلام ان النبي صلوات الله عليه كان يقرء القرآن عليهم بقدر ما يحتمله حالهم والحديث مختصر وسيأتى من صفات حال الابرار في التلاوات في مواضع من هذا الكتاب ما فيه تعريف كاف لذوى الالباب ذكر ادبه في الركوع والخضوع ينبغى للعبد إذا كبر تكبيرة الركوع ان يركع بذل واستكانة وخضوع ويكون مستحضرا بقلبه ونيته انه معامل في عبادته وركوعه لله مالك دنياه وآخرته فيقابل في حال ركوعه كمال تلك الجلالة الالهية بذل العبودية ولله در القائل.

إذا كان من تهوى عزيزا ولم تكن

ذليلا له قاقر السلام على الوصل

افلا ترى ان من ادب العبد مع المملوك في دار الزوال انهم إذا تلقوهم واقبلوا عليهم يركعون لهم على سبيل التعظيم والاجلال ويكونون في تلك الحال مستحضرين انهم بين ايديهم وانهم يقصدونهم بذلك التعظيم فكيف تركع انت وتخضع للعالم بالاسرار وهو اعظم من كل عظيم وقلبك خال من حضورك بين يديه ومن ذلك له ومن اقبالك عليه.

اقول ومن ادب الراكع في الصلوة إذا كان ممن يقول في ركوعه

١١١

لك خشعت وبك امنت ولك اسلمت وعليك توكلت وانت ربى خشع لك سمعي وبصرى ومخى وعصبي وعظامي وما اقلته قدماى لله رب العالمين ان يكون العبد ذاكرا انه قد ادعى في هذا القول صفات المقبلين على مالك يوم الدين بجميع جوارحه على الحقيقة واليقين وصفة المستسلمين والمتوكلين فاياك ان يكون شئ منك غير خاضع ولا خاشع أو غير مستسلم لله جل جلاله أو غير متوكل على الله في شئ من امور الدنيا والدين فتكون في قولك من الكاذبين فاى صلوة تبقى لك إذ صليتها بالكذب والبهت لمالك الاولين والاخرين.

اقول ومن ادب الراكع في الصلوة انه لا يستعجل برفع رأسه من الركوع قبل استيفاء اقسام ذل العبودية لمولاه كما رويناه عمن يقتدى به وكما رويناه باسنادنا إلى ابي جعفر بن بابويه فيما رويناه من كتاب زهد مولينا على بن ابي طالب صلوات الله عليه عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن سعيد عن الفضل بن صالح عن ابى الصباح عن ابي عبد الله قال كان على عليه السلام يركع فيسيل عرقه حتى يطاء في عرقه من طول قيامه.

اقول انا لك فيا ايها المشفق على روحه وقلبه وجسده وكبده اولئك الذين هدى الله فبهديم اقتده.

ومن ادب الراكع انه إذا رفع رأسه بعد ما ذكرناه فليكن رفع رأسه بوقار وسكينة فان موليه يراه فإذا قال سمع الله لمن حمده اهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت انه يمد يديه عند ذكر الكبرياء والعظمة والجبروت بالذل للمعبود ويبسطهما بالرجاء عند ذكر الجود.

ذكر ادبه في السجود اعلم انه من ادب العبد في سجوده ان يكون

١١٢

على زيادة عما ذكرناه في الركوع من الذل لمعبوده فاياه ان يكون قلبه خاليا من اذكار نفسه انه حاضر بين يدى الله جل جلاله وانه جل جلاله على ما هو عليه من العظمة والجلالة التى لا يحيط بها مقال كل ذى مقالة وان هذا العبد على صفة من الضعف والفقر والمسكنة والذنوب التى قد اوقعته في الرذالة فيهوى إلى السجود على ابلغ ما ذكرناه في الركوع من الذل والخضوع والخشوع فانه ان سجد وقلبه خال من الذكر لهذه الحال وانما يسجد على العادة ومراعاة صورة السجود من غير استحضار لمعاملة موليه بالاقبال عليه وبين يديه فهو كالذى يلعب في سجوده أو كالمعرض أو كالمستهزئ بمالكه ومعبوده وقد عرف اهل العلم ان ذلك الركوع وهذا السجود من اركان الصلوات وانهما متى تركهما العبد في صلوته عامدا أو ناسيا بطلت صلوته بمقتضى الفتوى والروايات وصاحب الشريعة صلوات الله عليه وآله ما بعث إلى العباد بمعاملة وعبودية لغير معبود فإذا خلا خاطرك من المقصود بهذه الذلة والعبودية عند الركوع والسجود فما الفرق بينك وبين اهل الجحود وما الفرق بينك وبين الساهي واللاهى وانما جاء محمد صلوات الله عليه وآله يدعو إلى المعبود قبل العادة فاياك ان تكون ممن خلا قلبه من ذل العبودية له وصار يقوم ويركع ويسجد فارغ القلب منه جل جلاله بحسب العرف والعادة.

اقول وان كنت ممن يقول في سجوده اللهم لك سجدت وبك امنت ولك اسلمت وعليك توكلت وانت ربى سجد لك سمعي وبصرى وشعرى وعصبي ومخى وعظامي وسجد وجهى البالى الفاني للذى خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله احسن الخالقين.

١١٣

فانك ان قلت هذا واعضاؤك غير ساجدة جميعا على معنى الذل والاستسلام والتوكل والخضوع والخشوع للمعبود فكانك غايب عن معنى السجود ويكون قولك ودعواك كذبا وبهتا لموليك فكيف تصح صلوتك يا مسكين إذا كان عبادتك بالكذب والبهت والتهوين.

ثم اقول لك ان كنت تجد في سجودك ما يجده المحب من الروح والسرور إذا قرب من اهل الحب والا فسجودك ذميم مدخول وقلبك سقيم معلول لانك قد عرفت صريح القرآن تضمن واسجد واقترب فجعل السجود من علامات القرب إلى علام الغيوب فطالب نفسك بانها تجد عند السجود ما يجد المحب بقرب المحبوب فان حبك لله جل جلاله من ثمرة قوة معرفتك بجلاله وعظيم نواله وافضاله قال الله جل جلاله في قوم يثنى عليهم ممن كانوا يعرفونه يحبهم ويحبونه وقال جل جلاله في وصفه لاهل النجاة والذين آمنوا اشد حبا لله ولا يغرنك قول من يقول ان حبك لله جل جلاله طاعته فان ذلك ان كان قاله من قول قدوة فلعله لتقية أو لضعف السامع عن معرفة الاسرار الربانية لان حبك لله جل جلاله ان كنت عارفا به كان قبل طاعتك له لانك عرفته منعما فاحببته ثم وجدته يستحق الطاعة فاطعته والا فكيف عقلت معنى الرواية المتفق عليها جبلت القلوب على حب من احسن إليها افتكون القلوب على حب (1)

__________________

(1) ولقد وجدت مكتوبا في ظهر بعض الكتب عن الرضا (ع) جبلت القلوب على حب من احسن إليها وبغض من اساء إليها والظاهر انه اشارة إلى ذلك ثم قال فكيف تكون القلوب على حب العبد المحسن مجبولة وتكون عند احسان الله جل جلاله عن حبه معزولة محمد حسين عفى عنه.

١١٤

العبد المحسن مجبولة وتكون عند احسان الله جل جلاله عن حبه معزولة هذا لا تقبله الا عقول سقيمة معلولة.

وقد عرفت ان حبك لله جل جلاله من عمل القلوب وطاعتك له تكون من عمل القلب فحسب ومن عمل القلب ومن عمل الجوارح الظاهرة وكيف صارت الطاعة التى تكون تارة بالقلب وتارة بالقلب والجوارح الظاهرة وهما قسمان قسما واحدا هذا كالمكابرة للعيان وكيف صار العمل بالجوارح الظاهرة هو العمل بالقلوب هذا مستحيل عند من عقله غير محجوب.

فصل ثم وقد يعمل الانسان الطاعات وهى تشق عليه ويكون قلبه كارها لها أو للتكليف بها فلو كان حب العبد جل جلاله طاعته كان في هذه الحال كارها لحب الله بل كارها لله جل جلاله بل باغضا لله جل جلاله لان ضد الحب البغض فإذا بغض العبد طاعة الله جل جلاله فقد بغض حب الله جل جلاله وصار باغضا لله جل جلاله فيكون على هذا كل من كره طاعة الله جل جلاله باغضا لله جل جلاله ويكون كافرا فهل تجد لك على هذا القول من المسلمين العارفين عاذرا أو ناصرا وهل يقبل عقلك ان معنى قوله جل جلاله الذى قدمناه قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها احب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بامره والله لا يهدى القوم الفاسقين أو عقل عاقل ان قوله احب اليكم من هذه الاشياء التى عددها سبحانه ان المراد به الطاعة وهبك (ن ل هب) جوزت هذا في آبائهم وابنائهم

١١٥

واخوانهم وازواجهم وعشيرتهم فهل تجوز في قوله جل جلاله واموال اقترفتموها وتجارة وتخشون كسادها ومساكن ترضونها ان الحب لهذه الاشياء بمعنى الطاعة فاياك ان تحمل على المعقول ما لايدخل تحت الاستطاعة ودع عنك تقليد من قال ان حب العبد لله جل جلاله طاعته واقبل الحق ممن قاله فقد انكشف لك براهينه وحجته فهذا بيان ان حب العبد لله جل جلاله بالقلوب وهو مما يثمره قوة معرفة بالله جل جلاله وقوة المعرفة باحسانه الذين يسوقان عقل العبد وقلبه إلى حب مولاه قبل ان يعرف العبد هل هو مكلف بحب الله جل جلاله ام لا فكيف إذا عرف انه مأمور ايضا بحبه عقلا ونقلا لان الكامل في ذاته محبوب لكماله والمحسن محبوب لاحسانه وافضاله قبل معرفة التكليف بهذا الحب المذكور والله جل جلاله اعظم شأنا واعم احسانا من ان يحيط بجلاله وصفنا لكماله ووصفنا لاحسانه ولافضاله بل هو جل جلاله اعظم كمالا وابلغ احسانا وافضالا فوجب ان يكون محبوبا بالقلوب إلى من عرفه على اليقين وعرف احسانه في امور الدنيا والدين.

فصل واما حب الله جل جلاله لعبده إذا طاعه وغضبه عليه إذا عصاه فلعلك تجد في الروايات والمقالات ان حب الله جل جلاله للعبد أو رضاه عنه هو ثوابه له وان غضب الله جل جلاله على عبده العاصى هو عذابه له فاما المقالات لذلك فلا يجوز تقليدهم في المعقول واما حديث الرواية والمنقول فان سلمت من الطعن عليها وكانت عن معصوم فلعل ذلك قالوه على سبيل التقية فانهم عليهم السلام كانوا في تقية هايلة وقد كشفنا تقيتهم فيما ذكرنا في الاعتذار لمضمون كتاب الكشى فان هذا القول كثير في مذهب المخالفين لهم أو لعل ذلك قالوه للتقريب على السائلين

١١٦

والسامعين فان كثيرا من المستمعين تقصر افهامهم عن اسرار صفات سلطان العالمين فلعلهم خافوا عليهم انهم إذا قالوا لهم ان الله جل جلاله يحب ويرضى ويغضب ويسخط ان يسبق إلى خواطر من يسمع ذلك انه جل جلاله يحب ويرضى مثل الحب والرضا من الطباع البشرية أو يغضب ويسخط مثل الغضب والسخط من القلوب الترابية فحدثوا عليهم السلام بما تبلغ إليه عقول السائلين والسامعين وإذا اعتبرت بعض الروايات في ذلك وجدتها شاهدة بانهم نفوا عن الله جل جلاله الحب والرضا والغضب والسخط الذين تتغير الامزجة بهما ولا يصحان الا على الاجسام القابلة لهما حتى قربوا على بعض السائلين وقالوا لهم ما معناه ان غضب الله جل جلاله ورضاه اشارة إلى غضب اوليائه وخاصته ورضاهم وهذا صحيح عند العارفين وان خواصه جل جلاله ما يغضبون وما يرضون الا بعد غضبه سبحانه ورضاه لانهم عليهم السلام له جل جلاله تابعون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون.

فصل والا فالعقول الصحيحة شاهدة وجدانا وعيانا ان معنى لفظ الحب والرضا غير معنى لفظ الثواب وكذلك معنى الغضب غير معنى العقاب سواء كان ذلك في العباد أو رب الارباب.

وقد عرفنا ذلك قوله جل جلاله ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وقوله جل جلاله ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص وقوله جل جلاله يحبهم ويحبونه عن قوم كانوا حقا ويقينا يعرفونه وقال جل جلاله في الغضب فلما اسفونا انتقمنا منهم.

وذكر جماعة من اهل اللغة ومن المفسرين ان معنى قوله جل جلاله

١١٧

أي اغضبونا فقال الجوهرى في كتاب الصحاح ما هذا لفظه واسف عليه اسفا أي غضب واسفه اغضبه.

وقال الطبرسي في تفسير القرآن فلما اسفونا أي اغضبونا وغضبه سبحانه ارادة عقابهم وما قال الطبرسي ان غضبه عقابهم فجعل الله جل جلاله في ههذه الاية الاسف الذى هو الغضب منه جل جلاله عليهم قبل عقابه لهم الذى هو الانتقام.

وهذا واضح كيف يخفى مثله على ذوى الافهام وقال جل جلاله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما افلا ترى انه جل جلاله قدم الغضب على العذاب بل قبل اعداد عذابه بجهنم في صريح الكتاب على مقتضى مفهوم الالباب.

فصل ويزيدك بيانا انك ترى الاحاديث والادعية متظاهرة بما معناه أو لفظه اللهم ان لم ترض عنى فاعف عنى فقد يعفو المولى عن عبده وهو غير راض عنه.

ثم أو ما تعلم ان الكفار الذين علم الله جل جلاله منهم انهم يموتون على كفرهم كانوا يستحقون في حكم العقل عقوبتهم في حال حيوتهم.

ثم تعلم ان الله جل جلاله غضبان عليهم في حال كفرهم قطعا ان كنت مسلما فعفى الله جل جلاله عن تعجيل عقوبتهم واخر عقابهم إلى بعد وفاتهم مع كونهم مذ كفروا وعلم استمرارهم على كفرهم كان قد غضب عليهم.

فهذا يكشف لك ان الغضب من الله جل جلاله قبل العقاب لانه

١١٨

إذا كان الله جل جلاله يعفو عن عقاب العبد وهو غير راض عن العبد كما تضمنته الادعية في عفوه عن المؤمن وهو غير راض عنه وحال الكفار الذين يموتون على كفرهم وتأخير عقوبتهم وهو غضبان عليهم كما قلناه لانه إذا كان غير راض كان غضبانا ولا يخلو عن مقام الرضا والغضب في وقت واحد على وجه واحد فلو كان الغضب هو العقاب استحال ان يعفو عن عبد ويكون في حال عفوه عنه غضبانا عليه وكان متى عفى عن العبد المسلم أو الكافر قبل وفاته زال غضبه عنهم وهذا خلاف المعلوم من دين اهل الحق والصدق.

فصل ولكن حبه جل جلاله أو رضاه حيث قد نطق القرآن الصريح والنقل الصحيح بهما وبغضبه وسخطه جل جلاله وثبوت هاتين الصفتين له جل جلاله فانه يكون لحبه سبحانه أو رضاه وغضبه أو سخطه وجه معلوم غير ما نعرفه من رضا الاجسام وحبها وغضبها وسخطها وغير ما فسروه بان حبه ورضاه ثوابه وغضبه عقابه كما كان تفسير ساير صفاته جل جلاله غير صفات الاجسام فان كون احدنا قادرا يقتضى قوة زائدة وحالا متجددة غير كونه عاجزا وكذا كون احدنا عالما وحيا وساير صفاتنا يقتضى تجدد حالات وتغيرات علينا وهذه المعاني مستحيلة على الله جل جلاله ولكن هذه الصفات في الله كما يليق بذاته المقدسة التى لامثل لها وكما يليق بصفاته المنزهة التى لاشبه لها وكذا يكون تفسير الحب منه جل جلاله والرضا والغضب والسخط وهذا يكشف ما قلناه لاهل الريب ويزيل العجب.

(اقول ووجدت بعد تصنيف هذا الكتاب بسنتين في الجزء الاول من تفسير القرآن للطبري عن قوم من المفسرين انهم ذكروا في غضب

١١٩

الله كما ذكرناه واخترناه).

فصل اقول ومن ادب العبد في السجود انه لا يستعجل في رفع رأسه من ذلك الخضوع والخشوع للمعبود فقد قلنا لك معنى ما ذكره الله جل جلاله في كتابه ان السجود من مقامات القرب إلى مولاك فعلى أي شئ تستعجل أو تكره قربه وهو يريك وكما انك لا تكره قربك من محبوبك في دنياك ولا تستعجل بالتباعد عنه فكذا كان مع ربك جل جلاله الذى لابد لك منه كما رويناه باسنادنا إلى محمد بن يعقوب الكليني فيما رواه باسناده إلى الفضيل بن يسار وهو من اعيان الاخيار وخواص الاطهار عن ابي عبد الله عليه السلام قال كان على بن الحسين عليهما السلام إذا قام إلى الصلوة تغير لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا.

ذكر الشهادة لله جل جلاله بالوحدانية في الصلوة.

اقول المهم ان يكون تلفظك بالشهادة معاملة لله جل جلاله وعبادة ولا يكون قصدك انه جل جلاله في نفس الامر واحد فحسب وانما يراد منك انك تعتقد انه جل جلاله واحد في نفس الامر وانه لا اله لك تعبده سواه ولا لك شئ تؤثره على رضاه فانك ان اثرت شيئا عليه جل جلاله كان ذلك الذى تؤثره ارجح منه جل جلاله عندك ومعبودا لك من دونه فيما تؤثره فيه عليه وما تكون كامل الصدق في الشهادة بانك لا اله لك سواه افلا ترى قوله جل جلاله فيمن رجح عليه هواه فقال سبحانه اتخذ الهه هواه.

وروى في تفسير قوله جل جلاله اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله انهم ما صاموا ولا صلوا لهم ولكن اطاعوهم في معصية الله فصار حكمهم بذلك حكم من اتخذهم الهة فاياك ان تشرك به

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

حبّة أخرجت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة يعني أنّ النفقة في سبيل الله أي الجهاد أو مطلق القرب بسبع مائة ضعف( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) أي يفعل هذه الزيادة لمن يشاء، أو أنّه يزيد على هذه لمن يشاء( وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) أي يوسّع ولا يضيق عليه ما يتفضّل من الزيادة عليهم بسبب إخلاص المنفق وقدر إنفاقه وتعبه في تحصيله فيثيبه على ما يعلم من حاله، ويمكن أن يكون هذه باعتبار التفضّل والمشيئة، وباعتبار التفاوت في حال المنفق [مثل] حال الإخلاص والاحتياج، وحال المنفق عليه مثل اضطراره وصلاحه، وقرابته وشرافته، وطريق الإنفاق من كونه سرّا حتّى لا يعرف صاحبه فلا ينافيه( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (١) .

واعلم أنّ هذه وما قبلها وما بعدها من الآيات الكثيرة تدلّ على الترغيب والتحريص في الإنفاق، وأنّه لا بدّ من كونه خالصا لله، وخاليا من الرياء والمنّ والأذى وأنّها تبطله.

السابعة: ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٢) .

المنّ أن يعتدّ بإحسانه على من أحسن إليه، مثل أن يقول أحسنت إليك أو إلى فلان، والأذى أن يتطاول عليه ويترفّع سبب ما أنعم عليه، وبالجملة هما معلومان وما ذكرناه بعض أفرادهما وهي تدلّ على عدم الأجر مع المنّ والأذى، كما هو صريح في أخرى سيجيء وفيه تأمّل سيجيء، ولا يبعد أنّهما كما يبطلان الإنفاق يبطلان غيره أيضا من الإحسان بأيّ طريق كان، مثل قضاء حاجة شخص وتعليمه وتخليصه من محنة وتعظيمه وردّ الغيبة عنه، وتعريفه واستعمال الخلق الحسن معه بأن يسامحه فيما فعل بالنسبة إليه ولم يكاف مع قدرته عليه، وبالجملة جميع ما يمكن أن يعدّ إحسانا وموجبا للأجر.

والحاصل أنّ مضيعات الأمور الحسنة الموجبة للتقرّب الإلهي كثيرة حتّى أنّ

__________________

(١) الأنعام: ١٦٠.

(٢) البقرة: ٢٦٢.

٢٠١

السرور بذكر غيره إحسانه ومدحه مضيّع ومهلك على ما فهم من بعض الروايات بل يمكن فهمه من عموم بعض الآيات مثل قوله تعالى( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١) والعاقل كلّ العاقل، والحاذق كلّ الحاذق ينبغي أن لا يفعل ما يضيع سعيه وماله، ولا يصرفهما بحيث لا أجر له، بل يكون وبالا عليه، ويصير سفيها فإنّه ادّعى في التذكرة الإجماع على أنّ صرف المال في الحرام موجب للسفه المانع من سائر تصرّفاته الماليّة، وهو يحسب أنّه يحسن صنعا، والخلوص من هذه الأمور سيّما الرياء والسمعة الّتي هي الشرك في غاية الصعوبة كما هو المبيّن في محلّه، والله الموفّق.

ومثلها قوله تعالى( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ) (٢) أي ردّ جميل بكلام حسن لا قبح فيه والتجاوز عن إلحاح السائل ونيل مغفرة له من الله، والعفو عن السائل بأن يعذره ويغفر مساويه، خير من الصدقة الّتي يتبعها أذى، والظاهر أنّ الخير بمعنى أصل الفعل إذ لا خير في الصدقة الّتي يتبعها أذى كما علم ممّا سبق، وسيأتي أنّ المنّ والأذى يبطلانها، بل بهما يحصل العقاب أيضا إلّا أن يقال: إنّ في ذلك مسامحة وأنّ الصدقة تحصل بها أجر، ولكن بالأذى يحصل العقاب( وَاللهُ غَنِيٌّ ) عن إنفاقكم وليس نفعه إلّا لكم( حَلِيمٌ ) عن معاجلة من يمنّ ويؤذي بالعقوبة فيؤخّر العقاب لحلمه، ونعوذ بالله من غضب الحليم، ويحتمل أن يكون المراد الوصيّة بالحلم فإنّ الله مع غناه يحلم عن عقوبة العصاة، فكيف المحتاج لا يحلم عن الّذي لا يعصي، وهو في غاية الاحتياج إلى تحصيل الثواب وسقوط العقاب فافهم، وأشار إلى إبطالهما بـ.

الثامنة:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ

__________________

(١) آل عمران: ١٨٨.

(٢) البقرة: ٢٦٣.

٢٠٢

تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) (١) .

أي لا تحبطوا أجر الصدقة بكلّ واحد من المنّ والأذى كابطال المرائي إنفاقه الّذي لا يريد به رضى الله ولا ثواب الآخرة، فالكاف في محلّ النصب بالمصدر، أي لا تبطلوا إبطالا مثل إبطال الّذي، ويحتمل الحال فيكون المعنى لا تكونوا مبطليها بهما حال كونكم مثل الّذي يبطل بالرياء، والرياء منصوب بأنّه مفعول له أو على الحال بمعنى مرائيا، أو المصدر أي إنفاقا رئاء، يعني صفة المصدر أو المضاف إليه له وحذف ووضع مقامه( وَلا يُؤْمِنُ ) عطف على( يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ ) أي وكالّذي لا يؤمن بمعنى كابطاله أعماله أو صدقته فقطّ إذ الكلام فيها أو يكون المعنى كما مرّ بأن يكون من تتمّة التشبيه الأوّل وتفسيرا للمرائي يعني لا يؤمن المرائي بالله ولا باليوم الآخر فلا يؤمن بحصول الثواب بالإنفاق أو الأعمّ أي لا يريد رضى الله وثواب الله يوم الآخرة ولا يصدّق حصولهما بالإنفاق والعمل الصالح، ويحتمل عطفه على رئاء بجعله حالا بتأويل المفرد.

( فَمَثَلُهُ ) مثل المرائي أو مثل المبطل إنفاقه بالمنّ والأذى والرياء في إنفاقه وعدم الإيمان مثل حجر أملس يكون عليه تراب خالص فوقع عليه مطر عظيم القطر فجعل ذلك المطر ذلك الحجر الأملس نقيّا من التراب فليس لهم أجر ولا هم ينتفعون بشيء ممّا كسبوا بطريق الرياء بل وجدوا نقيضه لحرمة الرياء بل كونه شركا كما يشعر به( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) فإنّه تعريض وإشارة بأنّ ذلك كفر فكأنّه عبّر عنهم بالكافرين كما في ترك الزكاة والحجّ، ففيها تحريم المنّ والأذى والرئاء ووجوب الإخلاص في الإنفاق بل سائر الأعمال.

التاسعة: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (٢) .

__________________

(١) البقرة: ٢٦٤.

(٢) البقرة: ٢٦٥، وما بعدها ذيلها.

٢٠٣

أي تثبيتا بعض أنفسهم على الإيمان، فإنّ المال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله ثبّت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه ثبّتها كلّها، أو تصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء مبتدئا من أصل أنفسهم، وفيه تنبيه على أنّ حكمة الإنفاق للمنفق بتزكية نفسه عن البخل والمنّ وحبّ المال( كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ) أي ومثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل بستان في موضع مرتفع فإنّ الشجرة حينئذ يكون أحسن منظرا وأزكى ثمرة، والربوة مثلّث الراء( أَصابَها وابِلٌ ) أي مطر عظيم القطر كما مرّ( فَآتَتْ أُكُلَها ) أي جاءت بثمرتها( ضِعْفَيْنِ ) أي مثلي ما كانت تثمر بسبب المطر العظيم، فالمراد بالضعف المثل كما أريد بالزوج الواحد في قوله تعالى( مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) وقيل أربعة أمثاله ونصبه على الحال أي مضاعفا( فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ ) أي فيصيبها طلّ أو فالّذي يصيبها طلّ أو فطلّ يكفيها لحسن منبتها وبرودة هوائها وارتفاع مكانها، والطلّ هو المطر الصغير القطر، والمعنى أنّ نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا نضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضمّ إليها من الأحوال ويجوز أن يكون التمثيل لحالهم عند الله تعالى بالجنّة على الربوة، ونفقاتهم الكثيرة والقليلة الزائدتين في قراباتهم بالوابل والطلّ( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) تحذير عن الرياء والمنّ والأذى وترغيب في الإخلاص.

( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ ) الهمزة فيه للإنكار( أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) جعل الجنّة من النخيل والأعناب مع أنّ فيها من سائر الأشجار أيضا تغليبا لهما لشرفهما وكثرة منافعهما، ثمّ ذكر أنّ فيها من كلّ الثمرات ليدلّ على احتوائها على سائر أنواع الأشجار، ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع( وَأَصابَهُ الْكِبَرُ ) أي كبر السنّ فإنّ الفاقة والفقر في الشيخوخة أصعب والواو للحال( وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ ) صغار لا قدرة لهم على الكسب( فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) عطف على أصابها، والأعصار ريح عاصفة منعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كعمود، والمعنى تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة، ويضمّ إليها ما يحبطها كرياء وإيذاء ومنّ، في الحسرة والندامة

٢٠٤

والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدّت حاجته إليها، ووجدها محبطة، بحال من هذا شأنه وأشبه بهم من جال بسيرة في عالم الملكوت وترقّى بفكره إلى جناب الجبروت ثمّ نكص على عقبيه إلى عالم الزّور، والتفت إلى ما سوى الحقّ وجعل سعيه هباء منثورا( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) أي تتفكّرون فيها فتعتبرون بها.

ولنتبع الكتاب بآية( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ (١) ) فاعل «تحسبنّ» النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو كلّ من يصلح للتخاطب و «الّذين» مفعوله الأوّل بحذف المضاف ليربط به المفعول الثاني، وهو خيرا، و «هو» فصل أي لا تظننّ بخل الّذين يبخلون خيرا لهم، وعلى قراءة «يحسبنّ» بالغيبة يحتمل كون الفاعل محسب وعاقل ونحو ذلك، وهو ظاهر من السوق أو «الّذين» ومفعوله الأوّل حينئذ محذوف أي لا يظننّ الّذين يبخلون بخلهم خيرا لهم، هكذا قالوا، وهذا خلاف ما في الكافية من عدم جواز حذف أحد مفعولي باب حسبت، فكأنّه محمول على الغالب. أو على الحذف الّذي يكون نسيا منسيّا.

قيل في معنى( سَيُطَوَّقُونَ ) يجعل ما يبخل به من المال طوقا في عنقه، والآية نزلت في مانع الزكاة، وهو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام وروي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: ما من رجل لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة ثمّ تلاعليه‌السلام هذه الآية، وقيل: ومعناه ويجعل في عنقه طوق من نار، وغير ذلك، وقيل: يؤتى بما بخل من المال فيجعل ذلك طوقا ويعذّب به مثل( يَوْمَ يُحْمى ) (٢) وقيل: معناه: يعود وباله إلى عنقه، وقد يعبّر عن الإنسان بالرقبة كقوله:( فَكُّ رَقَبَةٍ ) (٣) .

قال في مجمع البيان: قد تضمّنت الآية الحثّ على الإنفاق، والمنع عن

__________________

(١) تمام الآية: بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير، الاية ١٨٠ من آل عمران.

(٢) براءة: ٣٥.

(٣) البلد: ١٣.

٢٠٥

الإمساك، من جهة أنّ الأموال إذا كانت تعرض للزّوال إمّا بالموت أو بغيره من الآفات، فأجدر بالعاقل أن لا يبخل بإنفاقه، ولا يحرص على إمساكه، فيكون عليه وزره، ولغيره نفعه، ومعنى( وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ ) الاية أنّه يموت من في السموات والأرض، ويبقى هو جلّ جلاله لم يزل ولا يزال، فيبطل ملك كلّ مالك إلّا ملكه.

وقوله( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) تأكيد للوعد والوعيد في الإنفاق والبخل وغيرهما ولا يبعد جعلها دليلا على وجوب بذل نحو العلم إلى كلّ من يستحقّه ويطلبه ويحتاج إليه، مع عدم المانع من تقيّة ونحوها، لعمومها وعدم منافاة ما روي في تفسيرها، وكذا ورودها في زكاة المال لو سلّم، لعدم كون خصوص السّبب مخصّصا لأنّ المدار على ظاهر اللفظ ومقتضاه على حسب القوانين، كما ثبت في الأصول ولا ينافيه سيطوّق ون خصوصا بالمعنى الأخير، ويؤيّده ما ورد في الأخبار من عدم المنع [والكتمان وعدم القبول] عن تعليم العلوم مثل ما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من كتم علما عن أهله الجم بلجام من نار، وما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا(١) ولا يخفى ما فيها من التأكيد.

( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٢) الخطاب والغيبة كما تقدّم في نظيره و( فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ ) تأكيد للأولى، قال في مجمع البيان: ويجوز أن يجعل بدلا والفاء زائدة(٣) ومفعولا الاولى محذوفان لدلالة مفعولي الثانية عليهما، أي هم، وبمفازة: أي لا يظنّنّ الّذين يفرحون بما فعلوا ويريدون أن يحمدوا على ذلك، وكذا بما لم يفعلوا وهو أشدّ، أنّهم بمنجاة من النار ومن تعذيبها، بل هم قريبون بل واقعون فيها، ولهم عذاب مؤلم.

قال أيضا في مجمع البيان: ثمّ بيّن سبحانه خصلة اخرى ذميمة من خصال اليهود

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٤١.

(٢) آل عمران: ١٨٨.

(٣) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٥٣.

٢٠٦

نزلت فيهم حيث كانوا يفرحون بإجلال الناس ونسبتهم لهم إلى العلم، عن ابن عبّاس وقيل: نزلت في أهل النفاق لأنّهم كانوا يجتمعون على التحلّف عن الجهاد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا رجعوا اعتذروا وأحبّوا أن يقبل منهم العذر، ويحمدوا بما ليسوا عليه من الايمان، عن أبي سعيد الخدريّ وزيد بن ثابت، وقال أبو القاسم البلخي: إنّ اليهود قالوا نحن أبناء الله وأحبّاؤه وليسوا كذلك وهو المرويّ عن أبي جعفرعليه‌السلام ، ثمّ قال: والأقوى أن يكون المعنيّ بالآية من أخبر الله عنهم أنّه أخذ ميثاقهم أن يبيّنوا أمر محمّد ولا يكتمونه وعليه أكثر أهل التأويل، وهو مؤيّد لما قلناه وكذا في باقي التفاسير.

ولا يبعد الاستدلال بها على تحريم إرادة المحمدة من الغير بما فعل وبما لم يفعل، بل الفرح بهما أيضا، ولكن بمعنى الإعجاب بما فعل لعموم الآية، وعدم التخصيص بالسبب، وخروج غيره بدليله، ويؤيّده النهي الموجود في الأخبار عن الفرح المعجب مثل احثوا على وجه المدّاحين التراب، قال في العدّة العجب من المهلكات قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث مهلكات: شحّ مطاع وهوى متّبع وإعجاب المرء بنفسه، وهو محبط للعمل، والعجب إنّما هو الابتهاج بالعمل الصالح واستعظامه وأن يرى نفسه خارجا عن حدّ التقصير، وهذا مهلك، وأمّا السرور بفعل الحسن مع التواضع لأجل جلاله والشكر على التوفيق لذلك وطلب الاستزادة، فحسن محمود، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن إلخ قال في إحياء العلوم: نقل خبر لو صحّ لهلكنا، روي أنّه ذكر أحد في حضرة النبيّ بمدح فقال: لو رضي بما قلتم فيه لدخل النار، قلت: يكفي هذه الآية فافهم.

٢٠٧

(كتاب الخمس)

وفيه آيات:

الاولى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١) .

قال في مجمع البيان: اللغة: الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفّار [بقتال(٢) ] وقال القاضي(٣) : الّذي أخذتموها من الكفّار قهرا(٤) وفيهما قصور والمقصود أنّ المراد بها هنا غنائم دار الحرب الّتي هي أحد الأمور السبعة الّتي يجب فيها الخمس عند أكثر أصحابنا وهي غنيمة دار الحرب وأرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد مؤنة السنة لأهله على الوجه المتعارف اللائق من غير إسراف وتقتير، والمعادن والكنوز وما يخرج بالغوص والحلال المختلط بالحرام مع جهل القدر والمالك، وأرض الذّمي إذا اشتراها من مسلم. وضمّ الحلبيّ(٥) إليها الميراث والهبة والهديّة والصدقة، وأضاف الشيخ العسل الجبليّ والمنّ وأضاف الفاضلان(٦) الصمغ وشبهة.

__________________

(١) الأنفال: ٤١.

(٢) مجمع البيان ج ٤ ص ٥٤٣.

(٣) في النسخ: أي الذي أخذتموها، واستظهرنا أن الصحيح: «وى: الذي أخذتموها» أى وقال ى الذي أخذتموها كما أثتبناه.

(٤) تفسير البيضاوي: ١٦٤.

(٥) هو أبو الصلاح الشيخ تقى بن النجم الحلبي، الشيخ الأقدم من كبار علمائنا الإمامية كان معاصرا للشيخ أبى جعفر الطوسي، وقرأ عليه وعلى السيد المرتضى.

(٦) هما آية الله العلامة الحلي، مع المحقق الحلي.

٢٠٨

ومستحقّه على المشهور أيضا المذكورون فيقسم ستّة أقسام: سهم الله، وسهم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا سهم ذي القربى يضعه حيث يشاء من المصالح، وحال عدمهعليه‌السلام للإمام القائم مقامه، والنصف الآخر للمذكورين من بني هاشم وذلك للروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام وذكر في الكشّاف وتفسير البيضاويّ أيضا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: المراد أيتامنا ومساكيننا وأبناء سبيلنا، وتفسيرهم مضى في الزكاة وللخمس أحكام يعلم من الكتب الفرعيّة والّذي ينبغي أن يذكر هنا مضمون الآية فهي تدلّ على وجوبه في غنائم دار الحرب ممّا يصدق عليه شيء، وأيّ شيء كان منقولا وغير منقول، قال في الكشّاف: حتّى الخيط والمخيط، فانّ المتبادر من الغنيمة هنا هي ذلك ويؤيّده تفسير المفسّرين به، وهو كون ما قبل الآية وما بعدها في الحرب مثل( يَوْمَ الْفُرْقانِ ) أي يوم حصل الفرق بين الحقّ والباطل فيه، بأن غلب الحقّ عليه، و( يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) المسلمون والكفّار، والدلالة على الوجوب يفهم من وجوه التآكيد المذكورة فيها: التصدير بالعلم، وليس المراد العلم فقطّ بل العلم المقارن للعمل، فانّ مجرّد العلم لا ينفع بل يصير وبالا عليه، ومعلوم أن ليس المطلوب في مثل هذه الأمور العلم بها، وهو ظاهر. وتقييده بالايمان أي إن كنتم آمنتم بالله واليوم الآخر، وبما انزل من الفتح والنصرة يوم الفرقان فاعلموا أنّما غنمتم، فجزاؤه محذوف من جنس ما قبله بقرينته، ولكن لا مجرّد العلم بل المقارن للعمل كما مرّ فتأمل.

وذكر الجملة الخبريّة وتكرار أنّ المؤكّدة، وحذف الخبر لإفادة العموم ذكره في الكشّاف حيث قال: فانّ لله خمسه مبتدأ خبره محذوف تقديره فحقّ أو فواجب أنّ لله خمسه، وروى الجعفيّ عن أبي عمرو: فانّ لله بالكسر إلى قوله: والمشهورة أي قراءة فتح أنّ آكد، من حيث إنّه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدّرات كقولك ثابت، واجب، حقّ، لازم، وما أشبه ذلك كان أقوى لإيجابه من النصّ على واحد، وفيه تأمّل فإنّه لا يفيد التأكيد أكثر من واجب وهو ظاهر فتأمّل.

٢٠٩

ويحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره فالحكم أنّ لله إلخ على ما قيل، بل هذا أولى، والمجموع خبر أنّ الاولى! وصحّ دخول الفاء في الخبر لكون الاسم موصولا، وأيضا ما عرفت وجه احتياج تقدير الخبر، لم لا يجوز كون «فأنّ» من غير تقدير خبر أنّ الاولى، ويكون حاصله اعلموا أنّ الّذي غنمتم فواجب فيه الخمس، وقال في مجمع البيان: قيل في فتح أنّ قولان: أحدهما أنّ التقدير: فعلى أنّ لله خمسه، ثمّ حذف حرف الجرّ، والآخر أنّه عطف على أنّ الاولى وحذف خبر الاولى لدلالة الكلام عليه، وتقديره اعلموا أنّما غنمتم من شيء فاعلموا أنّ لله خمسه، والاحتياج إلى هذا أيضا غير ظاهر مع عدم ظهور معنى فاء العطف على التقدير الثاني.

ثمّ إنّه يفهم من ظاهر الآية وجوب الخمس في كلّ الغنيمة، وهي في اللّغة بل العرف أيضا الفائدة، ويشعر به بعض الأخبار مثل ما روى في التهذيب بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) قال هي والله الفائدة يوما فيوما إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكو(١) .

إلّا أنّ الظاهر أن لا قائل به، فانّ بعض العلماء يجعلونه مخصوصا بغنائم دار الحرب كما عرفت، وبعضهم ضمّوا إليه المعادن والكنوز وأكثر أصحابنا يحصره في السبعة المذكورة، وقليل منهم أضاف إليها بعض الأمور الأخر كما أشرنا إليه وأيضا الإجمال في القرآن العزيز كثير ألا ترى كيف ذكر الزكاة بقوله( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ ) إلخ والمراد بعض الكنوز مع النصاب وسائر الشرائط الّتي ذكرها الفقهاء وكذا آيات الصلاة والصوم والحجّ.

وأنّه تكليف شاقّ، وإلزام شخص بإخراج خمس جميع ما يملكه بمثله مشكل، والأصل والشريعة السهلة السمحة ينفيانه، والرواية غير صحيحة وفي صراحتها أيضا

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٨٨، وتراه في الكافي ج ١ ض ٥٤٤.

٢١٠

تأمّل إذ قد يكون المراد الفائدة يوما فيوما في مثل الصناعات الّتي هي محلّ الخمس فالقول بأنّها تدلّ على وجوب الخمس في كلّ فائدة ويخرج ما لا يجب فيه بالإجماع ويبقى الباقي، فيكون الخمس واجبا في كلّ فائدة إلّا ما علم من الدليل عدمه فيه فتخصّص الآية به، لا يخلو عن بعد، وإن كان صحيحا على قوانين الاستدلال، لعدم ظهور الآية ووجود الإجمال والعموم، وإرادة الخاصّ في القرآن كثير كما عرفت ولعدم تفسير أحد إيّاها بها، وعدم ظهور القائل، والأصل الدالّ على العدم، مع ظواهر بعض الآيات والأخبار، وعدم مثل هذا التكليف الشاقّ وكأنّه لذلك ما ذهب إلى هذا الحمل والاستدلال أحد على الظاهر، نعم قال في مجمع البيان بعد ما نقلنا عنه في الغنيمة موافقا لجمهور المفسّرين أنّ معناه في اللغة ذلك: قال أصحابنا: إنّ الخمس واجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات، وفي الكنوز والمعادن والغوص، وغير ذلك ممّا هو مذكور في الكتب ويمكن أن يستدلّ على ذلك بهذه الآية فانّ في عرف اللّغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة، والظاهر أنّ مراده ما ذهب إليه أكثر الأصحاب من الأمور السبعة، فإنّه نسبه إلى أصحابنا، والظاهر منه الجميع أو الأكثر، وليس وجوبه في كلّ فائدة قولا لأحد منهم على الظاهر، وأيضا قال: مذكور في الكتب، وليس ذلك مذكورا في الكتب فكأنّه أشار إلى إمكان الاستدلال لمذهب الأصحاب بالآية الشريفة، إلزاما للعامّة فإنّهم يخصّونه بغنائم دار الحرب، وذلك غير جيّد، الله يعلم.

الثانية: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ) (١) .

وقد أشرنا إليه في الزكاة وكذا قوله تعالى( وَآتِ ذَا الْقُرْبى ) الآية(٢) .

الثالثة: ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) .

__________________

(١) البقرة: ٢٦٧.

(٢) أسرى: ٢٦، الروم: ٣٨.

(٣) الأنفال: ١.

٢١١

قيل: المراد بالأنفال الغنائم، فالسؤال عن أحكام الغنيمة وكيفيّة قسمتها وإنها نزلت حين اختلف الناس في قسمتها وأنّ القاسم يكون [من] الأنصار أو المهاجر أي قل إنّ أمره إلى الله والرسول بأمر الله فيفعل ما يريد ممّا أمره الله تعالى به، وهو الأحكام المذكورة مفصّلا في قسمة الغنائم في كتب الفروع، ويحتمل أن تكون ما هو المتعارف عند الفقهاء، وهو الأمر الزائد الّذي هو خاصّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام بعده كما ورد به الرواية عن الباقر والصادقعليهما‌السلام (١) أو الذي يعيّنهعليه‌السلام للناس يقول: من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا، ثمّ أمر الله تعالى بالتقوى بقوله( فَاتَّقُوا اللهَ ) أي اتّقوا الله في الاختلاف والتشاجر والمنازعة في قسمة الغنيمة بل مطلقا في جميع أوامر الله ونواهيه( وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ ) أي أصلحوا الحال الّتي بينكم بالمواساة، ومساعدة بعضكم بعضا فيما رزقكم، وبترك الخصومة والمنازعة بالصّلح والمحبّة والسداد وتسليم أمركم إلى الله والرسول( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ولا تخرجوا عمّا أمرتم به فإنّ الايمان يقتضي ذلك.

وفيه مبالغة حيث يشعر بأنّ الخارج عن طاعة الله ورسوله ليس بمؤمن، بل تارك التقوى وإصلاح ذات البين أيضا كذلك ولا شكّ في ذلك مع الإنكار والاستحلال بعد ثبوته، فدلّت على قسمة الغنيمة الّتي منها الخمس على الأوّل، وتخصيص الأنفال بهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الثاني كما يقول به الأصحاب، وتعيين الأجر إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمن يساعده في الحرب على الثالث، وعلى وجوب التقوى وإصلاح ذات البين مطلقا، وهذا قد يكون واجبا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كان في خلافه ترك واجب، بأن ارتكب أحد الخصمين ذلك، وقد يكون مستحبّا وهو مع عدم ذلك وخوف حصوله، ففيه ترغيب عظيم وحثّ بليغ في إصلاح الخلق، والمواساة والمساعدة كما دلّ عليه غير هذه الآية، والأخبار مشحونة بذلك بحيث لا يمكن الخروج عن عهدة ذلك إلّا لمن وفّقه الله تعالى من أوليائه وأحبّائه.

ثمّ بالغ في التضرّع والخشوع والخوف حتّى أنّه يفهم منه أنّ الايمان لم

__________________

(١) راجع الكافي ج ١ ص ٥٤١.

٢١٢

يتحقّق بدون الوجل عند ذكر الله بقوله تعالى( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) أي فزعت قلوبهم لذكر الله ويحتمل أن يكون المعنى الخوف والطمع عند ذكر أمر الله وثوابه، ونهيه وعقابه، والائتمار والانتهاء والانزجار، فيحتمل أن يكون ذلك شرطا لكمال الإيمان، فيكون المراد إنّما المؤمنون الكاملون في الايمان قال في الكشّاف والدليل عليه( أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) وفي الدليل تأمّل فإنّ حقّا يجوز أن يكون مفعولا مطلقا لمحذوف تأكيدا لمضمون الجملة كما ذكره أيضا فتأمّل.

ويحتمل كونه شرطا لمطلق الأيمان فإنّ شرطه قبول الأمر والنهي، بمعنى عدم الإنكار، والطمع في الثواب، والخوف من العقاب، وتحقّق ذلك عنده.

( وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ) يعني إذا قرئت عندهم آية من آيات الله الدالّة على الله وصفاته زادتهم الإيمان وفي هذا دليل على قبول الإيمان الزيادة والنقصان، ويدلّ على أنّه لا بدّ من التوكّل في الإيمان قوله تعالى( وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) عطف على( إِذا ذُكِرَ اللهُ ) كما قبله، وعلى ربّهم متعلّق بيتوكّلون أي لا يفوّضون أمرهم إلّا إلى الله تعالى، ولا يخشون ولا يرجون إلّا الله.

ولنختم هذا البحث بآية( وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ) (١) أي المال الّذي أفاء الله أعاده وأرجعه وأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الكفّار، وجعله فيئا له خاصّة( فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ) أي فما أجريتم على تحصيله ومغنمه، وهو من الوجيف هو سرعة السير( مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) ولاتعبتم في القتال عليه، وإنّما مشيتم على أرجلكم والمعنى أنّ ما خوّل الله رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصّلوه بالقتال والغلبة( وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ولكن سلّط الله رسوله عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلّط رسله على أعدائه، فالأمر فيه مفوّض إليه يضعه حيث يشاء، يعني أنّه لا يقسم قسمة الغنائم الّتي قوتل عليها، وأخذت عنوة وقهرا، وذلك أنّهم طلبوا القسمة فنزلت كذا في الكشّاف ولكن فيه تأمّل إذ سيجيء

__________________

(١) الحشر: ٦ و ٧.

٢١٣

قسمته فليس الأمر مفوّضا إليه مع أنّ القصّة واحدة كما سيجيء إلّا أن يكون ذلك تفضّلا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله أو يكون المراد نفي قسمة ما أخذت عنوة فتأمّل.

( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) في الكشّاف لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنّها بيان للأولى فهي منها غير أجنبيّة بيّن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يصنع بما أفاء الله عليه، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوما على الأقسام الخمسة، جعل الخمس خمسة أقسام بجعله لله للتبرّك، وجعله البعض ستّة: سهم الله، وسهم رسوله، وذي القربى، لرسول الله، ثمّ للإمام القائم مقامه، وبعض يجعل سهم الله في المساجد وعمارة الكعبة، وبالجملة المشهور بين الفقهاء أنّ الفيء لهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده للقائم مقامه، يفعل به ما يشاء كما هو ظاهر الآية الاولى والآية الثانية تدلّ على أنّه يقسم كالخمس، فإمّا أن يجعل هذا غير مطلق الفيء بل فيئا خاصّا كان حكمه هكذا، أو منسوخا أو يكون تفضّلا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكلام المفسّرين أيضا هنا لا يخلو عن شيء كما فهمت عبارة الكشّاف فإنّها متناقضة( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) هذه الأقسام الخمسة أو الستّة( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ) لكيلا يكون الفيء الّذي حقّه أن يعطى الفقراء [ليكون لهم] بلغة يعيشون بها، ما يتداوله الأغنياء ويدور بينهم، كما كان في الجاهليّة، ومعنى الدّولة الجاهليّة أنّ الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة لأنّهم أهل الرئاسة والدولة والغلبة والمعنى لئلّا يكون أخذه غلبة وأثره جاهليّة.

( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) للفقراء بدل من قوله: لذي القربى والمعطوف عليه، والّذي منع الأبدال من: لله وللرسول والمعطوف عليهما، وإن كان المعنى لرسول الله أنّ اللهعزوجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله( وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) وأنّه يترفّع برسوله عن التسمية بالفقير، وأنّ الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم اللهعزوجل ( أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) في أيمانهم وجهادهم

٢١٤

( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ) عطف على المهاجرين، والمراد بهؤلاء الأنصار الّذين تبوّؤا دار الهجرة ودار الايمان بحذف المضاف إليه من الأوّل والمضاف من الثاني أو المراد أخلصوا الايمان كقوله «علّفته تبنا وماء باردا(١) » أو سمّى المدينة إيمانا لأنّه مستقرّه. إلى قوله( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ) أي ومن غلب ما أمرته به نفسه وخالف هواه عن استعمال البخل بمعونة الله وتوفيقه( فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الظافرون بما أرادوا.

__________________

(١) كذا في النسخ، وهكذا تفسير البيضاوي ص ٤٢٧ والصحيح من البيت هكذا:

علفتها تبنا وماء باردا

حتى شتت همالة عيناها

٢١٥

(كتاب الحج)

(والبحث فيه على أنواع)

(الأول)

(في وجوبه)

وفيه آيتان:

الاولى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) (١) .

الواو في( وَمَنْ دَخَلَهُ ) للعطف و «من» مبتدأ و «كان» خبره وحجّ البيت مبتدأ «ولله» خبره، والواو كأنّه للاستيناف، و «من» عطف بيان للناس أو خبر مبتدأ محذوف أي هو من، وكأنّ المراد بالحجّ الطواف مع باقي الأفعال، أو قصد البيت للأفعال المخصوصة عنده كما هو اصطلاح بعض الفقهاء، أو الأفعال المخصوصة عنده كما هو عند البعض، والاستطاعة عند أكثر الأصحاب مفسّرة بالقدرة على الزاد والراحلة ذاهبا وآئبا، زائدا على نفقة عياله الواجب نفقتهم عليه حتّى يرجع، مع عدم المانع في نفسه من مرض وعدم القدرة على السفر وتخلية السرب من الموانع، وكلّ ذلك مأخوذ من الأدلّة العقليّة والنقليّة.

وأمّا الرجوع إلى كفاية على ما هو مذهب البعض لرواية أبي الربيع الشاميّ(٢)

__________________

(١) آل عمران: ٩٦.

(٢) الوسائل ب ٩ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

٢١٦

فالأصل وظاهر الآية ينفيانه فإنّ الأصل عدم اشتراط الزيادة، وأنّ معنى الآية على الظاهر: لله على من وجد طريقا إلى حجّ البيت حجّه، ومجهوليّة أبي الربيع تردّ العمل بروايته مع الاختلاف في المتن، بحيث لا دلالة فيها على ما في بعض النسخ، مع معارضتها ظاهر الآية والأخبار الكثيرة المعتبرة مثل صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله تعالى( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال يكون له ما يحجّ به قلت: فان عرض عليه الحجّ فاستحيى، قال: هو ممّن يستطيع، ولم يستحيي؟ ولو على حمار أجذع أبتر، ومثله في حسنة الحلبيّ، وما في الصحيح عن محمّد بن يحيى الخثعميّ - إلّا أنّه قال في رجال ابن داود ورجال الشيخ مهمل، وقال في الاستبصار في باب من يفوته المشعر أنّه عاميّ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : فقال له حفص الكناسيّ: وإذا كان صحيحا في بدنه مخلا سربه، له زاد وراحلة، فهو ممّن يستطيع الحجّ؟ قال: نعم(١) .

وهذه الأخبار كظاهر الآية دالّة على وجوبه ببذل الزاد والراحلة مطلقا سواء كان الباذل نذره أم لا، وسواء كان عدلا أم لا، وسواء كان المبذول له مديونا أم لا، نعم يمكن إخراج من لم يكن لعياله الواجبة نفقتهم عليه قوت، ولم يبذل ذلك، بدليل آخر من عقل أو نقل، وسواء كان المبذول نفس الزاد والراحلة، أو ثمنهما، أو ما يمكن تحصيلهما به، فالتخصيصات الّتي ذكرها بعض الأصحاب غير واضح، نعم لا بدّ أن يكون ممّن يوثق به(٢) لو لم يعطه ذلك بالفعل، بل يقبله ويشاركه معه في الزاد ونحوه، ويؤيّد الوجوب عموم بعض الأخبار الأخر الّتي تدلّ على أنّ وجوبه معلّقة بالإمكان كما هو مذهب بعض العامّة، والمبالغة المستفادة منها ومن تتمّة الآية حتّى عبّر عن الترك بالكفر، والاعراض عن التارك بالغناء عن عبادته وعبادة غيره المشعر باحتياج غيره إليه يوم الحاجة بقوله( وَمَنْ كَفَرَ

__________________

(١) الوسائل الباب: ١٠ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

(٢) اى يظن أنه يفي به ولا يرجع، بمعنى أن لا يكون هناك ما يفهم منه عدم الاعتماد وعدم الوفاء، منهرحمه‌الله .

٢١٧

فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) وهي محمولة على المبالغة كالأخبار، مثل ما روي في المجمع عن أمامة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: من لم تحبسه حاجة ظاهرة من مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديّا وإن شاء نصرانيّا ونحوه نقل عن ابن عبّاس والحسن، وفيه(١) معناه من جحد فرض الحجّ ولم يره واجبا.

وأمّا سائر أفعال الحجّ وأحكامه فلتطلب من محالّها، ويمكن كون قوله تعالى( وَمَنْ دَخَلَهُ ) إشارة إلى وجوب عدم التعرّض لمن جنى في غير الحرم فالتجأ إليه كما قيل إنّه كان في الجاهليّة كذلك وذكره الأصحاب أيضا مع إيجاب عدم معاملته ومؤاكلته، حتّى يضطرّ إلى الخروج فيفعل به ما اقتضى جنايته من الحدّ وغيره، للأخبار مثل حسنة الحلبيّ لإبراهيم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول اللهعزوجل ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) قال إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرّ إلى الحرم لم يسغ لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم لأنّه لم يرع للحرم حرمة ورواية عليّ ابن أبي حمزة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) قال إن سرق سارق بغير مكّة أو جنى جناية على نفسه، ففرّ إلى مكّة، لم يؤخذ ما دام بالحرم، حتّى يخرج عنه، ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا يجالس حتّى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه(٢) .

والظاهر من الحرم هو الحرم المقرّر الّذي هو اثنا عشر ميلا في مثله ولكن ظاهر الآية هو كون المأمن البيت أو بكّة، لرجوع الضمير إلى أحدهما مع تأويل في الثاني بالبلد، للتذكير إذ لا مرجع غيرهما في قوله( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ ) وكذا

__________________

(١) أى قال في مجمع البيان ج ٢ ص ٤٧٩ في قوله( وَمَنْ كَفَرَ ) معناه: ومن جحد فرض الحج ولم يره واجبا، عن ابن عباس والحسن، فتأمل.

(٢) راجع الكافي ج ٤ ص ٢٢٦ و ٢٢٧.

٢١٨

يحتاج إلى التأويل في ضمير «فيه» إذ الظاهر إرجاعه إلى بكّة لأنّ المقام ليس في البيت، والظاهر أنّه بيان للآيات الواقعة في بكّة كما قيل، فالظاهر رجوعهما إليهما وإرادة معناهما وإرادة الحرم منهما بعيدة لا يفهم، والعمدة هي الأخبار في هذه المسئلة مع فتوى الأصحاب، وإلّا فالآية ليست بصريحة بل ولا ظاهرة فانّ ظاهرها أنّها خبر بكونه مأمنا، وجعله بمعنى الأمر يعني وليكن مأمونا من دخله أي لا تتعرّضوا له بعيد، مع أنّه قيل معناها أنّ من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله تعالى عليه كان آمنا يوم القيمة من العقاب الدائم، ويؤيّده ما روي في الكافي في الحسن لإبراهيم عن عبد الله بن سنان [عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ] قال سألته عن قول اللهعزوجل ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) البيت عنى أو الحرم؟ قال: من دخل الحرم من الناس مستجيرا فهو آمن من سخط الله تعالى، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى، حتّى يخرج من الحرم(١) وهذه تشعر بكون الحكم في الحرم، وفيها إيماء إلى عدم رجوعه إليه، بل إلى البيت حيثما صرّح بالمعنى في الآية بل ذكر الحكم، فتأمّل.

وقيل أيضا إنّه إشارة إلى استجابة دعاء إبراهيمعليه‌السلام ( رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ) (٢) ويحتمل أن يكون المراد أمنه من التخريب وغيره من الآفات، ونقل في مجمع البيان أنّه روي عن ابن عبّاس أنّ الحرم كلّه مقام إبراهيم ومن دخل مقام إبراهيم يعني الحرم كان آمنا، فالضمير حينئذ راجع إلى مقام إبراهيم، وذلك قريب، ولكن إرادة الحرم هنا من مقام إبراهيم بعيد. أو راجع إلى بكّة، وأريد منه الحرم. والإرادة لا يخلو عن بعد بأن يراد من بكّة الحرم بإطلاق اسم الجزء على الكلّ، أو لوجود معنى البكّ في الحرم أيضا في الجملة فتأمّل.

واعلم أنّ في هذا الحكم ودليله دلالة مّا على وجوب الاجتناب عن الفاسق فافهم وأنّ الظاهر عدم تعديته إلى من استدان خارج الحرم مع الوجدان والقدرة

__________________

(١) المصدر ج ٤ ص ٢٢٦.

(٢) البقرة: ١٢٦.

٢١٩

على الأداء فالتجأ إلى الحرم وكذا من غصب أموال الناس، لأدلّة وجوب الردّ ولكون حقوق الناس أشدّ والمساهلة في حدود الله، ولهذا تسقط بأيّ شبهة كانت وعدم شمول هذه الأدلّة له للاحتمال في الآية بأن لا يكون في هذا الحكم أصلا، والأخبار غير صحيحة ولا صريحة في الكلّ، بل ظاهرة في الجناية الموجبة للحدّ والتعزير، إذ لا يقال للاستدانة ونحوها أنّها جناية، نعم السرقة موجودة في الأخيرة الضعيفة، ومع ذلك يمكن حملها على عدم القطع لا أخذ المال فتأمّل، وأنّ الظاهر أنّه ينبغي للحاكم إعلام الناس بحاله حتّى لا يعطوه شيئا ليخرج، وأنّ الحكم بعدم الإعطاء بالكليّة، فالتضيق الّذي لا يفهم منه عدمه بالكليّة، وتصريح البعض بأنّه يعطى ولكن ما لا يموت ولا يصبر على مثله بعيد، وإن أمكن حمل التضييق على ما مرّ فتأمّل.

الثانية: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) .

في مجمع البيان: يصدّون بمعنى صدّوا، ويؤيّده قوله( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا ) ويجوز أن يكون المعنى: إنّ الّذين كفروا ويصدّون الآن وفي الكشّاف بمعنى الاستمرار والثبوت، ونقل عليه شعرا، أي منعوا الناس عن طاعة الله مطلقا وعن هذه الطاعة الخاصّة وهي دخول المسجد الحرام مطلقا أو للطواف والعبادة فيه، وخبر إنّ محذوف لدلالة ما سيأتي عليه، أي نذيقهم من عذاب أليم.

( الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ ) المقيم الملازم للمكان( فِيهِ ) أي في المسجد الحرام( وَالْبادِ ) الطاري الوارد على المكان دون المقيم فيه و «الّذي» اسم موصول وما بعده صلته، وهو صفة المسجد الحرام، وفي الكشّاف: «سواء» بالنصب مفعول ثان لجعلنا، أي جعلناه مستويا العاكف فيه والبادي، وبالرفع الجملة مفعول ثان له وفيه إجمال إذ ما بيّن للنّاس ولا إعراب العاكف على الأوّل، وأيضا يلزم كون المبتدأ نكرة صرفة، والخبر معرفة على الثاني، إن كان سواء مبتدأ وكأنّه جعل

__________________

(١) الحج: ٢٥.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683

684

685

686

687

688

689

690

691

692

693

694

695

696

697

698

699

700

701

702