٥٧ ـ ثلاث فضائل للإمامعليهالسلام لا تضاهى :
(المنتخب للطريحي ، ص ٢٥٨ ط ٢)
ذكر مسلم أن معاوية أمر سعدا بالسبّ فأبى. فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟. فقال : ثلاث قالهن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فلن أسبّه ، ولئن تكن لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النّعم (أي الحمر الوحشية يضرب بها المثل لقيمتها وندرتها).(١) سمعته يقول لعليعليهالسلام وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليعليهالسلام :خلّفتني مع النساء والصبيان!. فقال له رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. (٢) وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله. قال : فتطاولنا إليها.فقال : ادعوا إليّ عليا ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه. (٣) ولما نزلت( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) [آل عمران : ٦١] دعا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة وعليا والحسن والحسينعليهمالسلام ، فقال : الله م هؤلاء أهلي.
وقال عبد الله بن عمر : كان لعلي بن أبي طالب ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية ، وآية النجوى (إذ لم يعمل بها أحد غيره).
٥٨ ـ أربع مناقب للإمام عليعليهالسلام :
(النص والاجتهاد)
سئل الحسن البصري فيما يقوله عن فضل عليعليهالسلام ؟
فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع :
ـ ائتمانه على (براءة).
ـ وقول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم له في غزوة تبوك وقد خلّفه على المدينة : يا علي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.
ـ وقول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : الثقلان كتاب الله وعترتي.
ـ وأنه لم يؤمّر عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره.
٥٩ ـ محبة علي بن أبي طالبعليهالسلام دليل الإيمان وطهارة المولد :
قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٧ :
ونقل هذه الأحاديث سيد حكماء الإسلام المير داماد في كتابه (تصحيح الإيمان وتقويم الأديان) :
في صحيح البخاري وأبي داود ومسند أحمد بن حنبل وفضائل السمعاني وحلية الحافظ أبي نعيم وغيرها من كتب العامة ، من طرائق مختلفات وطرق شتى ، أن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعليعليهالسلام : «لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق».
وقالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لا أنت لم يعرف حزب الله».
وقالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن».
وعن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ببغضهم عليا.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : بوروا
(أي اختبروا) أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشده ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغيّه».
وروى البيهقي أن الأنصار كانت تقول : إنا كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ، لبغضه علي بن أبي طالبعليهالسلام .
جملة من فضائل فاطمة الزهراءعليهاالسلام
٦٠ ـ فضائل فاطمةعليهاالسلام الخاصة :
(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي)
من حديث رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال لفاطمةعليهاالسلام وهو في مرضه الأخير على مسمع من كل زوجاته : «يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة؟!.».
(أورده البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)
وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة أن فاطمةعليهاالسلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من غيرها ، وأنها سيدة نساء أهل الجنّة.
٦١ ـ ابن الحنفية يعترف بفضل الحسينعليهالسلام وفضل أمه الزهراءعليهاالسلام :
(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٦٦)
حدّث الصولي عن الإمام الصادقعليهالسلام في خبر ، أنه جرى بين الحسينعليهالسلام
وأخيه محمّد بن الحنفية كلام (أي خصومة). فكتب ابن الحنفية إلى الحسينعليهالسلام : أما بعد يا أخي ، فإن أبي وأباك عليعليهالسلام ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفّت بأمّك. فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضّاني ، فإنك أحقّ بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسينعليهالسلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء.
٦٢ ـ حبّ فاطمةعليهاالسلام وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها :
(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)
عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال لسلمان : يا سلمان ، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان حبّ فاطمة ينفع مائة موطن من المواطن ، أيسر تلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.
يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها ، وويل لمن يظلم ذريتها.
فضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهمالسلام
٦٣ ـ ثواب محبة الخمسة أصحاب الكساءعليهمالسلام :
أخرج الإمام أحمد والترمذي عن عليعليهالسلام أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم أخذ بيد الحسن والحسينعليهالسلام وقال : «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في الجنّة».
٦٤ ـ النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو لفاطمة وعليعليهماالسلام بالبركة في نسلهما :
روى أبو حاتم عن أنس أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم دخل على فاطمة وعليعليهماالسلام بعد زواجهما ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم أفرغه على علي وفاطمةعليهماالسلام وقال : الله م بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما. (وفي رواية) : وبارك لهما في شبليهما (الشبل : ولد الأسد). وهو من الإخبار بالمغيبات ، كما قال جلال الدين السيوطي في (ديوان الحيوان) لأن المراد بالشبلين الحسن والحسينعليهماالسلام .
٦٥ ـ آدم يسأل الله بالخمسة أن يتوب عليه :
(المنتخب للطريحي ، ص ٧٧ ط ٢)
روى الفقيه المغازلي الشافعي ، بإسناده عن ابن عباس قال : سئل النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ فقالصلىاللهعليهوآلهوسلم : سأله بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهمالسلام إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.
٦٦ ـ فضيلة الخمسةعليهمالسلام على هذه الأمة :
(المصدر السابق ص ١١٠)
روي عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧]. وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنما الحسين باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة.
٦٧ ـ اقتدوا بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين :
(شجرة طوبى للمازندراني ، ج ٢ ص ٤٢٦)
قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : اقتدوا بالشمس ، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزّهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين ، فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة.
فقالوا : يا رسول الله فما الشمس وما القمر ، وما الزّهرة وما الفرقدان؟ ...فقالصلىاللهعليهوآلهوسلم : أنا الشمس ، وعليّ القمر ، وفاطمة الزّهرة ، والفرقدان : الحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديّهم.
يقول الشيخ محمّد مهدي الحائري المازندراني معقبا على هذا الحديث :
أما الشمس التي هي (النبوة) فغابت بقلب مكمد محزون ، مما قاسىصلىاللهعليهوآلهوسلم من أمته. وأما الزّهرة التي هي (فاطمة الزهراء) فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر وهو (فلك الإمامة) فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وأما الفرقدان وهما (الحسن والحسين) فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقيّأ كبده ، وغاب الآخر بعد الظهر من يوم عاشوراء ، وانكسفت الشمس ، وأمطرت السماء دما.
٦٨ ـ المكتوب على باب الجنّة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤ ط نجف)
عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على مبغضهم لعنة الله.
فضائل الأئمة الاثني عشر
مدخل :
يقصد بأهل البيتعليهمالسلام أينما ذكروا مقرونين بأنهم الأمان من الضلال ، وأنهم سفينة نوح ، وأنهم باب حطّة من دخله كان آمنا الخ ، يقصد بهم الأئمة الاثنا عشر حصرا مع النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وفاطمةعليهاالسلام ، أو ما نعبّر عنه
(بالمعصومين الأربعة عشر) ، لأنهم لولا العصمة لا تنطبق عليهم تلك الأوصاف وتلك المنزلة.
٦٩ ـ أهل البيتعليهمالسلام أمان لأهل الأرض :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٣٠)
أخرج أبو عمرو الغفاري عن إياس بن سلمة عن أبيه ، قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي».
وأخرج أحمد بن حنبل عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».
وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين ، قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف».
وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الأنفال:٣٣] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان ، لأنهم منه وهو منهم ، كما ورد في بعض الطرق.
٧٠ ـ أهل البيتعليهمالسلام كسفينة نوح وباب حطّة :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٩)
أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري ، سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم
يقول : «إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلفّ عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطةّ في بني إسرائيل ، من دخله غفر له».
٧١ ـ أئمة أهل البيتعليهمالسلام هم رجال الأعراف :
(المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٧ ط ٢)
عن الإمام محمّد الباقر قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنينعليهالسلام فقال : ما معنى قوله تعالى :( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) [الأعراف : ٤٦]؟.
فقالعليهالسلام : نحن أصحاب الأعراف ، نعرف أصحابنا بسيماهم. نقف بين الجنّة والنار فلا يدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.
٧٢ ـ أئمة أهل البيتعليهمالسلام يحفظون الشريعة :
وأخرج المللا في سيرته عن عمر بن الخطاب (كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٩٠) أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللهعزوجل ، فانظروا من توفدون». صدق رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
٥ ـ محبة أهل البيتعليهالسلام
٧٣ ـ محبة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم فرض :
(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥)
إن محبة النبي محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم واجبة على كل مسلم ، مصداقا لقول النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».
(رواه البخاري عن أنس بن مالك).
وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم . وقد جمع فيه كل أنواع المحبة ، وهي ثلاثة : محبة الإجلال والإعظام كمحبة الولد للوالد ، ومحبة الشفقة والرحمة كمحبة الوالد لولده ، ومحبة المشاكلة والاستحسان كمحبة سائر الناس.فجمعصلىاللهعليهوآلهوسلم أصناف المحبة في محبته.
وروى الديلمي والطبراني وأبو الشيخ ابن حبّان والبيهقي مرفوعا ، أن
النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته».
وروى ابن مسعود : «حب آل محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم يوما ، خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة».
٧٤ ـ أحبّوا أهل بيتي لحبّي :
(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٢)
أخرج الترمذي وحسّنه ، والطبراني عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم :«أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي».
٧٥ ـ محبة أهل النبي جزء من محبة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم :
(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٩)
وكان الصحابة الكرام يتمنّون لأقرباء النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر مما يتمنّونه لأقربائهم ، محبة منهم له وإيثارا له على أنفسهم.
منها قول أبي بكر حين أسلم والده أبو قحافة ، قال للنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك.
٧٦ ـ فضل محبة آل محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم :(المصدر السابق)
ومن توقير النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم وبرّه ، توقير آله وذريته وأمهات المؤمنين. وقد قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحب آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب».
قال بعضهم :
(معرفتهم) تعني معرفة منزلتهم منهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيعرف وجوب إكرامهم وحرمتهم بسببهصلىاللهعليهوآلهوسلم .
وقال أبو بكر : راقبوا محمدا في آل بيته.
وأتى عبد الله بن حسن بن الحسينعليهالسلام إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة.فقال : يا أبا محمّد ، إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ أحضر إليك ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.
ودخلت بنت أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم على عمر بن عبد العزيز ، فجعل يدها بين يديه ، ومشى بها حتّى أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها.
يقول الشبراوي في (الإتحاف) ص ١٧ : هذا مع بنت مولاهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما بالك بابن بضعته وذريته والمنتمين إلى الزهراء ابنته؟!.
وهذا كله لما وجب لآل بيتهصلىاللهعليهوآلهوسلم من الشرف والمجد لنسبتهم إليه ، وسريان لحمه ودمه الكريمين فيهم. فهم بعضه ، وبعضه في وجوب الإجلال والتعظيم كجميعه ، وحرمة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ميتا كحرمته حيّا.
٧٧ ـ تفسير آية المودة :
(المصدر السابق ، ص ١٧)
قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال ابن عباس : المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم ، لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبينهصلىاللهعليهوآلهوسلم قرابة. لكن الأنسب ما قاله غيره في تفسير الآية ، أن المعنى : قل يا محمّد لأمتك ، لا أطلب منكم على ما جئتكم به من الهدى ، والنجاة من الردى ، عوضا ولا أجرة ولا جزاء ، إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحبوهم ، وتعاملوهم بالمعروف والاحسان ، ويكون بينكم وبينهم غاية الودّ والمحبة والصلة.
روايات أخرى :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٠٤)
قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال في (المواهب) : إن المراد بالقربى من ينتسب إلى جده الأقرب عبد المطلب.
وقال في (الصواعق) : المراد بأهل البيت والآل وذوي القربىعليهمالسلام في كل ما جاء في فضلهم ، مؤمنو بني هاشم والمطلب.
وينافي هذا ما روى الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟.قال : علي وفاطمة وابناهماعليهمالسلام .
٧٨ ـ محبة أهل البيتعليهمالسلام هي أجر الرسالة المحمدية :
(الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٠)
أخرج الحاكم (كما في تفسير آية المودة في القربى من مجمع البيان للطبرسي) بالإسناد إلى أبي ثمامة الباهلي ، (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. فأنا أصلها ، وعليّ فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها. فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى. ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتّى يصير كالشن (أي الجلد اليابس) البالي ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلاصلىاللهعليهوآلهوسلم قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢٣) [الشورى : ٢٣].
٧٩ ـ اقتراف الحسنة هو مودّة آل محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٣٩)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) [الشورى : ٢٣] قال : المودة لآل محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم .
٨٠ ـ أربع يسأل عنها المؤمن يوم القيامة :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤٢ ط نجف)
أنبأني أبو المظفر عبد الملك بن علي الهمداني حدّثني أبو برزة الأسلمي ، (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ونحن جلوس ذات يوم : والذي نفسي بيده ،
لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت.
فقال عمر : فما آية حبّكم من بعدكم؟. قال : فوضع يده على رأس عليعليهالسلام وهو إلى جانبه ، وقال : إن آية حبّي من بعدي حبّ هذا.
ومثل ذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس.
٨١ ـ من أحبّ أهل البيتعليهمالسلام فله الشفاعة :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥٩)
أخرج الخطيب في تاريخه عن عليعليهالسلام (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي».
٨٢ ـ من أحبّ أهل البيتعليهمالسلام يثبّته الله على الصراط :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦٣)
أخرج الديلمي عن عليعليهالسلام ، (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيّكم ، وحب أهل بيته ، وعلى قراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، مع أنبيائه وأصفيائه.
٨٣ ـ النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦١)
أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله عن أبيه ، قال : خطبنا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم بالجحفة [غدير خم] فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : عن القرآن وعترتي.
٨٤ ـ لا يدخل الجنة من لم يعرف حق أهل البيتعليهمالسلام :
(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٥)
وأخرج الطبراني في الأوسط ، ونقله السيوطي في (إحياء الميت) والنبهاني في أربعينه وابن حجر في صواعقه ، أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودّنا ، دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفة حقنا».
٨٥ ـ مودة أهل البيتعليهمالسلام تطيل العمر :
(قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦)
وروي بإسناده عن عبد الله بن بدر ، عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «من أحبّ أن يبارك في أجله ، وأن يمتّع بما خوّله الله تعالى ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. ومن لم يخلفني فيهم بتّك عمره (أي قطع) ، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه».
ـ وفي حديث مشابه : (المنتخب للطريحي ، ص ١٢ ط ٢)
قال النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أحبّ أن ينسّأ في أجله (أي يطول عمره) ، وأن يمتّعه الله بما خوّله الله ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّا وجهه».
ومضامين هذه الأحاديث الشريفة أن أهل البيتعليهمالسلام
(الذين هم الأئمة الأطهار) هم حجج الله البالغة ، ومناهل شريعته السائغة ، والقائمون مقام رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من بعده في أمره ونهيه ، والممثّلون له بأجلى مظاهر هديه. فالمحب لهم بسبب ذلك محبّ لله ولرسوله ، والمدافع عنهم كالمدافع عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمبغض لهم مبغض لهما.
٨٦ ـ ماذا كان جواب الأمة على طلب نبيّهم :
لقد طلب النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم من المسلمين أن يكون أجره على تبليغ الرسالة الإسلامية مودّة قرباه وذريته المختارة ، فماذا كان جوابهم على هذا الطلب ، وما ذا كان ردّهم على هذا الإحسان؟.
فمنذ أن أغمض النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم عينيه بعد جهاده الكبير ، قام الناس يجرّدون أهل البيتعليهمالسلام من مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية ، ويحرمونهم حقوقهم الدينية والدنيوية ، حتّى بكت فاطمةعليهاالسلام حزنا على فراق أبيها ، وصبر عليعليهالسلام على طول المدة وشدة المحنة.
ولقد كان في علم الله وعلم رسوله ما ستفعل الأمة بأهله وذريته ، فكان يؤكد الوصيّة بهم ، ولزوم التمسك بحبلهم ، وأنهم الأمان من الضلال ، والنجاة من الغرق وكأن هذه الوصية بهم كانت وصية عليهم. لأن المسلمين عملوا على نقيضها ، فكانت الحجة على الظالمين منهم حجة من أبلغ الحجج. ولا سيما ما فعلوه مع الإمام أبي عبد الله الحسينعليهالسلام ورهطه في كربلاء يوم العاشر من المحرّم.
عقاب من يبغض أهل البيتعليهمالسلام
٨٧ ـ مبغض أهل البيتعليهمالسلام في النار :
(إحياء الميت ، ص ٢٤٢)
أخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم :
«يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثّبت قلوبكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، ويهدي ضالّكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء ونجداء ورحماء. فلو أن رجلا صفن (أي صفّ قدميه) بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، دخل النار».
٨٨ ـ مبغض أهل البيتعليهمالسلام منافق :(إحياء الميت ، ص ٢٤٣)
أخرج ابن عدي في (الإكليل) عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من أبغضنا أهل البيت ، فهو منافق».
٨٩ ـ مبغض العترة أحد ثلاث :(إحياء الميت ، ص ٢٤٤)
أخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عليعليهالسلام (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار ، فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لدينه ، وإما لغير طهور». يعني حملته أمه على غير طهر.
٩٠ ـ مبغض أهل البيتعليهمالسلام يحشر يهوديا :(إحياء الميت ، ص ٢٤٥)
أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فسمعته يقول : «أيها الناس ، من أبغضنا أهل البيت ، حشره الله تعالى يوم القيامة يهوديا».
٩١ ـ غضب الله شديد على من آذى العترة :(إحياء الميت ص ٢٦٥)
أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».
٩٢ ـ عقوبة من يظلم أهل البيتعليهمالسلام أو يسبّهم :
(عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ، ج ٢ ص ٣٤ حديث ٦٥)
عن الإمام علي الرضاعليهالسلام عن آبائه عن عليعليهالسلام قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم :«حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم ، والمعين عليهم ، ومن سبّهم( لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٧٧) [آل عمران : ٧٧].
موالاة أهل البيتعليهمالسلام
(حديث الثّقلين وحديث الغدير)
٩٣ ـ معنى الموالاة :
ليست الموالاة لأهل البيتعليهمالسلام مجرد محبتهم والتعاطف معهم ، إنما تعني إضافة لذلك التقيد بأقوالهم والسير على منهاجهم. وهذه الموالاة واجبة على كل مسلم حسب منطوق حديث الثقلين ، الّذي ينص على أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ترك بعد وفاته للأمة شيئين مهمّين غاليين ، إن تمسكوا بهما نجوا ، وإن تركوهما ضلوّا وغووا ، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل البيت (وهم كتاب الله الناطق).
وإذا كانت الموالاة لأهل البيتعليهمالسلام تعني متابعتهم والتمسك بهم ، فيجب على كل مسلم أن يتعلم فقه الإمام جعفر الصادقعليهالسلام ويسير عليه ، حتّى يكون مواليا لأهل البيتعليهمالسلام . أما محبة أهل البيتعليهمالسلام باللسان بدون السير على نهجهم ، فهذه لا تنفع شيئا ، عدا عن أنها نفاق ظاهري. فأهل الكوفة كلهم كانت قلوبهم مع الحسينعليهالسلام ، ولكن أسيافهم كانت عليه. فالمحكّ الحقيقي للولاية هو نصرة أهل البيتعليهمالسلام بالقول والعمل ، والدفاع عنهم ، والبراءة من أعدائهم.
ومن العجب العجاب أن بعض المسلمين كانوا يدّعون محبة أهل البيتعليهمالسلام ، ثم كانوا يسبّونهم على المنابر ، لا بل إنهم كانوا يرضون عن أعمال الذين حاربوا الإمام علياعليهالسلام والإمام الحسنعليهالسلام والإمام الحسينعليهالسلام ، أمثال معاوية ويزيد وأعوانهم. فما هذا التناقض الغريب ، وكيف يقبله ذو منطق وعقيدة؟.
وإليك بعض الأحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم موالاة أهل البيتعليهمالسلام والتمسك بهم ومتابعتهم والسير على مذهبهم دون سواهم.
٩٤ ـ ثواب نصرة أهل البيتعليهمالسلام ، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلىاللهعليهوآلهوسلم :
(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)
روى الناصر للحق عن آبائه رضوان الله عليهم ، عن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض : الضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في حوائجهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».
جعلنا الله من محبيهم والموالين لهم ، ورزقنا شفاعة جدهم بمنّه وسعة رحمته.
٩٥ ـ ولاية عليعليهالسلام نسوها :
(تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفر ، ص ٩)
قال أبو سعيد الخدري : أمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. قيل له : وما الأربع؟. قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. قيل : فما الواحدة التي تركوها؟. قال : ولاية علي بن أبي طالبعليهالسلام . قيل له : وإنها لمفروضة معهن؟. قال : نعم هي مفروضة معهن.
٩٦ ـ تمسّكوا بالأئمة من بعدي :
(المنتخب للطريحي ، ص ٢٤٤ ط ٢)
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطب فينا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الجمعة خطبة بليغة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني راحل عن قريب ، ومنطلق للمغيب. وإني أوصيكم في عترتي خيرا ، فلا تخالفوهم ولا تخاصموهم ولا تنابذوهم. وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها بالنار.
معاشر الناس ، من افتقد منكم الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، وإن افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة (يقصد الأئمة الاثني عشر). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين.
إلى أن قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : إنهم هم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي ، أئمة أبرار وأوصياء أطهار ، وهم بعدد أسباط يعقوبعليهالسلام ، وعدد حواريي عيسىعليهالسلام ، وعدد نقباء بني إسرائيل.
[وقد مرت رواية مشابهة ، في الفقرة رقم ٤٢ مروية عن سلمان أيضا فراجع]
٩٧ ـ منزلة أهل البيتعليهمالسلام :
(إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ص ١١١)
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين».
٩٨ ـ موالاة العترة :
وأخرج الطبراني في الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي». وهذا الحديث بعين لفظه هو الحديث ٣٨١٩ من (كنز العمال) ج ٦ ص ٢١٧.
٩٩ ـ حديث الثقلين وحديث الغدير :
(المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٥١ ط ٥)
الصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثّقلين (وهما القرآن وأهل البيت) متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة. وقد صدع بها رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في مواقف له شتى ؛ مرة على منبره في المدينة ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة يوم غدير خم وهو راجع من حجة الوداع ، وأخرى في حجرته المباركة وهو في مرضه الأخير ، إذ قال : «إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».
[أخرج هذا الحديث الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين :أحدهما في آخر ص ١٧ ، والثاني في آخر ص ٢٦ من الجزء الثالث من مسنده.وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد ، وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث (كنز العمال) ج ١ ص ٤٧].
وأخرج جلال الدين السيوطي في (الدر المنثور) ج ٢ ص ٦٠ أحاديث عديدة ، منها ما خرّجه عن الطبراني عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : «إني لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين». قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :
«الأكبر كتاب اللهعزوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن
تزلوّا ولا تضلوا. والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربي. فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم».[وذكره في (التعقبات) ج ١ ص ١٨٣ من حديث الثقلين].
وذكر الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في (المناقب) حديث الغدير بسنده المتصل عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمّمن (أي نظّف ما تحت الشجرات من القمامة). ثم قالصلىاللهعليهوآلهوسلم : «كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثم قال : «إن اللهعزوجل مولاي ، وأنا وليّ كل مؤمن ومؤمنة». ثم أخذ بيد عليعليهالسلام فقال : «من كنت وليّه فهذا وليّه. الله م وال من والاه ، وعاد من عاداه».
تعليق : أحاديث الثقلين وحديث الغدير ، تقرّ بالإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالبعليهالسلام نصا لا لبس فيه ، حيث نقل النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ولايته العامة على المسلمين إلى الإمام عليعليهالسلام حيث قال لهم وهم مجتمعون في غدير خم :«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا : بلى ، الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال : «من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ..." إلى آخر الحديث.
هذا وإن في قولهصلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث الثقلين عن القرآن والعترة : «وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». حقيقتين هما :
الأولى : أن أهل البيتعليهمالسلام والقرآن متلازمان ، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل ، فهم منزّهون من الباطل ، ومعصومون من الخطأ والدنس.
والثانية : أنهم مستمرون في ولايتهم إلى يوم القيامة ، وأنهم موجودون دائما ، إما بشكل إمام ظاهر كالإمام عليعليهالسلام والأئمة من أولاده ، أو بشكل إمام مستتر كالإمام المهديعليهالسلام ، وهو الإمام الثاني عشر ، الّذي ولد سنة ٢٥٥ ه ، ثم تولى الإمامة سنة ٢٦٠ ه حين توفي والدهعليهالسلام وغاب الغيبة الصغرى. ثم غاب الغيبة الكبرى وعمره ٧٥ عاما. وهو الآن باعتقادنا حي يرزق ، غائب عن الأنظار ، يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، بعد ما ملئت ظلما وجورا. ومن مهماته أن يقيم دولة القرآن ، وأن يأخذ بثأر جده الحسينعليهالسلام من أعدائه.
١٠٠ ـ روايات أخرى لحديث الثقلين :
(إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان ص ١١٠)
عن زيد بن أرقم (قال) قام رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم ، يوشك أن يأتيني رسول ربيعزوجل فأجيبه. وإني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسّكوا بكتاب اللهعزوجل وخذوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي «(أي أحذّركم الله في شأن أهل بيتي). ورواه مسلم.
وأخرج الترمذي وحسّنه ، والحاكم عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم :«إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».
١٠١ ـ تواتر حديث الثقلين من طرق السنّة :
(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٠)
وقد ورد حديث الثقلين بصيغة [كتاب الله وعترتي] أيضا فيما أخرجه عيد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت ، وبصيغة [الثقلين : كتاب الله وعترتي] فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، وبنفس الصيغة ما أخرجه الترمذي عن جابر. وبصيغة : [الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، فيما أخرجه البزاز عن عليعليهالسلام . وبصيغة [كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، وبصيغة [خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ما أخرجه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، وما أخرجه البارودي عن أبي سعيد الخدري.
١٠٢ ـ ما معنى الثّقلين؟ :
قال ابن حجر في (الصواعق) بعد ذكره لحديث الثقلين : سمّى النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم القرآن والعترة : ثقلين ، لأن الثّقل كل شيء نفيس خطير ، وهذان كذلك ، إذ كل واحد منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية ، ولهذا حثّ على الاقتداء والتمسك بهما. وقيل : سمّيا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية حقوقهما.
١٠٣ ـ أحاديث في ولاية أهل البيتعليهمالسلام :
جاء في (الصواعق المحرقة) لابن حجر في ولاية الإمام عليعليهالسلام وأهل البيتعليهمالسلام ووجوب الاقتداء بهم :
ـ في الصفحة ١٤ تفسير الآية :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. قال ثابت البناني :( ثُمَّ اهْتَدى ) [طه : ٨٢] يعني إلى ولاية أهل البيتعليهمالسلام .
ـ وفي الصفحة ٩١ تفسير الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤]. عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم قال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤] عن ولاية علي وأهل بيتهعليهمالسلام .
ـ وفي الصفحة ٩٩ تفسير الآية :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٧) [البينة : ٧]. أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالصلىاللهعليهوآلهوسلم لعليعليهالسلام : «هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين».
١٠٤ ـ تفسير سورة العصر :
(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي ، ج ٣ ص ٢٥٥)
وفي عليعليهالسلام نزلت سورة (العصر) وتفسيرها :( وَالْعَصْرِ ) (١) [العصر : ١] أي أقسم برب عصر القيامة( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) [العصر : ٢] يقصد أعداء آل محمّد( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) [الشعراء : ٢٢٧] بولايتهم ،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) [الشعراء : ٢٢٧] بمواساة إخوانهم ،
( وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) [العصر : ٣] في فترة غيبة قائمهم (عج).
أشعار في موالاة أهل البيتعليهمالسلام
(هامش الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٩)
١٠٥ ـ أشعار في الموالاة :
قال الإمام الشافعي :
قالوا : ترفّضت ، قلت : كلا |
ما الرفض ديني ولا اعتقادي |
|
لكن تولّيت غير شكّ |
خير إمام وخير هاد |
|
إن كان حبّ الوليّ رفضا |
فإنني أرفض العباد |
وقالرحمهالله :
يا راكبا قف بالمحصّب من منى |
واهتف بساكن خيفها والناهض |
|
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى |
فيضا كملتطم الفرات الفائض |
|
إني أحبّ بني النبيّ المصطفى |
وأعدّه من واجبات فرائضي |
|
إن كان رفضا حبّ آل محمّد |
فليشهد الثقلان أني رافضي |
وقال عن محبة أهل البيتعليهمالسلام والصلاة عليهم :
يا آل بيت رسول الله حبّكم |
فرض من الله في القرآن أنزله |
|
كفاكم من عظيم الفضل أنّكم |
من لا يصلي عليكم لا صلاة له |
ومما ينسب إلى الشافعي هذه الأبيات تعليقا على حديث النّبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم : «تفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة». قال :
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم |
مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل |
|
ركبت على اسم الله في سفن النّجا |
وهم آل بيت المصطفى خاتم الرّسل |
|
إذا افترقت في الدين سبعون فرقة |
ونيف كما قد جاء في محكم النقل |
|
ولم يك ناج منهم غير فرقة |
فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل |
|
أفي الفرق الهلّاك آل محمّد |
أم الفرقة اللائي نجت منهم قل لي |
|
فإن قلت في الناجين فالقول واحد |
وإن قلت في الهلّاك حفت عن العدل |
|
إذا كان مولى القوم منهم ، فإنني |
رضيت بهم ، لا زال في ظلّهم ظلّي |
|
فخلّ عليّا لي إماما ونسله |
وأنت من الباقين في أوسع الحلّ |
وله في الولاية مدائح كثيرة ، منها قوله :
إذا في مجلس ذكروا عليّا |
وشبليه وفاطمة الزّكيّة |
|
يقال تجاوزوا يا قوم هذا |
فهذا من حديث الرافضيّه |
|
هربت من المهيمن من أناس |
يرون الرّفض حبّ الفاطميّه |
|
على آل الرسول صلاة ربي |
ولعنته لتلك الجاهليه |
وقال يرثي الحسينعليهالسلام من قصيدة :
تأوّب همّي والفؤاد كئيب |
وأرّق نومي والرقاد غريب |
|
ومما نفى همّي وشيّب لمّتي |
تصاريف أيام ، لهنّ خطوب |
|
فمن مبلغ عني الحسين رسالة |
وإن كرهتها أنفس وقلوب |
|
يصلىّ على المبعوث من آل هاشم |
ويغزى بنوه ، إنّ ذا لعجيب |
|
لئن كان ذنبي حبّ آل محمّد |
فذلك ذنب لست عنه أتوب |
|
هم شفعائي يوم حشري وموقفي |
إذا ما بدت للناظرين خطوب |
وقالرحمهالله :
لقد كتموا آثار آل محمّد |
محبّيهم خوفا ، وأعداؤهم بغضا |
|
فأبرز من بين الفريقين نبذة |
بها ملأ الله السموات والأرضا |
وقال الشيخ أبو بكر بن عربي :
رأيت ولائي آل طه فريضة |
على رغم أهل البعد يورثني القربا |
|
فما طلب المبعوث أجرا على الهدى |
بتبليغه ، إلا المودة في القربى |
وقال أحدهم في موالاة أهل البيتعليهمالسلام ومعاداة أعدائهم :
يا بني الزهراء والنور الّذي |
ظنّ موسى أنه نار قبس |
|
لا أوالي الدهر من عاداكم |
إنه آخر آي من (عبس) |
يشير بذلك إلى قوله تعالى :( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) (٤٢) [عبس : ٤٢].
تحريم الخمر والمسكر وعدم معقوليّة المنّة على خلقه ولا يجمع بين المنّة والعتاب في مثل هذه الآية، فلا بدّ من تأويل بحيث يخرج عن ذلك وهو يحصل بأحد الوجوه المذكورة وغيره فتأمّل.
وقيل «من» في «ممّا» للتبعيض لأنّ اللبن الّذي يسقى بعض ما في البطن، وفي( مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ ) ابتدائيّة لأنّ ما بين الفرث والدم مكان السقي فيبدأ منه وقد احتجّ بعض من رأى أنّ المنيّ طاهر على من جعله نجسا بجريه في مسلك البول بهذه الآية وأنّه ليس بمستنكر أن يسلك مسلك البول وهو طاهر كما خرج اللبن من بين فرث ودم طاهرا، كأنّه يريد ببعض من احتجّ الشافعيّ والمحتجّ عليه الّذي جعله نجسا بجريه في مسلك البول أبا حنيفة والاحتجاج صحيح، والسرّ في ذلك أنّ الجري في المسلك ليس بمنجّس من حيث إنّه من البواطن، ولا حكم لها من حيث النجاسة، وإلّا لم يصحّ صلاة أحد وهو ظاهر، وصرّح به الأصحاب ويدلّ عليه العقل والنقل، وليس نجاسة المنيّ عندهم لذلك، بل بالإجماع والنصوص عن الأئمّةعليهمالسلام .
( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) ألهمها وقذف في قلوبها( أَنِ اتَّخِذِي ) بأن اتّخذي لأنّ حذف حرف الجرّ قياس، أو يكون مفسّرة لأنّ الإيحاء متضمّن لمعنى القول كأنّه: قائلا إن اتّخذي، والتأنيث باعتبار المعنى أي الجماعة الكثيرة وإلّا فلفظة مذكّر( مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ) من للتبعيض لأنّها لا تبنى في كلّ ما ذكر بل في بعض الجبال، وبعض الأشجار، وبعض ما سقّف به مثل الطين وقد يكتفى به من الكرم وسعف النخل، وغير ذلك، وفي ذلك البيوت إشارة إلى أنّ ما بنته مثل البيوت الّتي بناها الإنسان العاقل الكامل، بل من تأمّل بيوتهم وما فيها يجد من حسن الصنعة وصحّة القسمة ما لا يقدر عليه حذّاق المهندسين إلّا بآلات وإنظار دقيقة، ويحكم بأنّ فاعل هذا لا بدّ له من العلم، وأنّه ليس الفاعل إلّا الله أو بإلهامه وهو ظاهر.
( ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) الّتي تشتهيها مرّها وحلوها( فَاسْلُكِي ) ما
أكلت( سُبُلَ رَبِّكِ ) في مسالكه الّتي يحيل فيها بقدرته النّور المرّ عسلا من أجوافك أو فاسلكي الطرق الّتي ألهمك في عمل العسل، أو فاسلكي راجعة إلى بيتك سبل ربّك لا يلتبس عليك( ذُلُلاً ) جمع ذلول، وهي حال من السبل أي مذلّلة ذلّلها الله وسهّل لك أو من الضمير في( فَاسْلُكِي ) أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها ) عدل من خطاب النحل إلى خطاب الناس لأنّه محلّ الانعام والامتنان والمقصود من خلق النحل وإلهامه،( شَرابٌ ) يعني العسل لأنّه قد يشرب( مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ) بعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه أصفر، وبعضه أسود( فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ) إمّا بنفسه كما في الأمراض البلغميّة أو مع غيره كما في سائر الأمراض إذ قلّ ما يكون معجونا والعسل لم يكن جزء منه مع أنّ التنوين فيه قد يكون مشعرا بالتبعيض، ويحتمل التعظيم وقيل الضمير للقرآن وفيه بعد( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) فانّ من تأمّل في فعله ووجود العسل، وكيفيّة حصوله، علم قطعا أنّ الله معلّم قادر حكيم عالم متّصف بجميع صفات الكمال، فليس فيه نقص بوجه.
ففيها دلالة على حلّيّة العسل لكلّ من يجد وأخذ النحل لذلك، ما لم يمنع مانع شرعيّ والاستشفاء بالأدوية وخصوص العسل وأنّ الله يشفي بالدواء وإن كان قادرا على ذلك بغيره لحكمة، وطلب علم الطبّ بل علم الكلام والتفكّر في الأفعال والاستدلال بها على وجود الواجب وصفاته، والحسن والقبح العقليّين فتأمّل.
( وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) (١) أي جعلكم متفاوتين في الرزق بأن جعل للموالي رزقهم ورزق مماليكهم، وأمرهم بإعطائهم لهم، فرزقكم أفضل من رزق مماليككم وهم بشر مثلكم وإخوانكم( فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ ) ليس الّذين فضّلوا بمعطي رزق المفضّل عليهم، بحيث يتساوون فيه أي كان ينبغي أن يردّوا ممّا رزقوا على مماليكهم حتّى يتساووا في الملبس والمطعم
__________________
(١) النحل: ٧٤.
كما يحكى عن أبي ذرّ أنّه سمع رسول اللهصلىاللهعليهوآله يقول إنّما هم إخوانكم فاكسوهم ممّا تلبسون، وأطعموهم ممّا تطعمون، فمارئي بعد ذلك إلّا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت( أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) فجعل عدم التسوية من جملة جحود النعمة على سبيل المبالغة، ففيها دلالة على استحباب التسوية بين نفسه ومماليكه، ويدلّ عليه أيضا الأخبار مثل ما تقدّم، ويدلّ على أبلغ من ذلك ما روي عن أمير المؤمنينعليهالسلام أنّه كان يشتري ثوبين يعطي أفضلهما القنبر ويأخذ الأردى لنفسه صلوات الله عليه.
قال في الكشاف: وقيل هو مثل ضربه الله للّذين جعلوا له شركاء فقال لهم أنتم لا تسؤون بينكم وبين عبيدكم، فيما أنعمت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء، وقيل المعنى إنّ الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا، فهم في رزقي سواء فلا تحسبنّ الموالي أنّهم يردّون على مماليكهم من عندهم شيئا، فإنّما ذلك رزقي إليهم على أيديهم، ويمكن الاستدلال بها على تملّكهم فتأمّل.
(كتاب)
(المواريث)
وفيه آيات:
الاولى: ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ) الاية(١) .
إشارة إلى توريث الورثة إجمالا فكأنّه يريد بالموالي الورثة، وبالّذين: ضامن الجريرة على الاحتمال، وقيل غير ذلك الله يعلم.
الثانية: ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً ) (٢) .
يجوز أن يكون من المؤمنين والمهاجرين بيانا لأولي الأرحام، أي الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى بأن يرث بعضا من الأجانب بل من بعض الأقارب أيضا ويجوز أن يكون «من» لابتداء الغاية أي أولوا الأرحام بحقّ القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحقّ الولاية في الدّين، ومن المهاجرين بحقّ الهجرة كذا قيل، والظاهر أنّها صلة «أولى» ومعنى الاستثناء أنّ اولي الأرحام أولى إلّا أن يفعلوا وصيّة فالموصى له أولى.
ففيها دلالة على كون الوصيّة أولى من الإرث، وتقديمها على الإرث، وليس فيها دلالة على عدم الوصيّة للوارث وهو ظاهر، ويحتمل أن يكون( إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا ) يشمل المنجّزات أيضا، فيدلّ على كونها مقدّمة على الإرث، وكونها من الأصل
__________________
(١) النساء: ٣٣.
(٢) الأحزاب: ٦.
وخرجت الوصيّة بالإجماع والخبر، وصارت من الثلث، وبقي المنجّزات فتأمّل.
الثالثة: ( لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ) (١) .
أي سهم، ولعلّ «الوالدان» أعمّ من أن يكونا بواسطة أو بغيرها والمراد بالأقربون الأقارب الّذين يورثون( مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ) أي قليلا كان المتروك أو كثيرا وهو بدل عن( مِمَّا تَرَكَ ) بإعادة العامل ونصيبا يحتمل أن يكون مفعولا مطلقا للتأكيد مثل قوله( فَرِيضَةً ) أو حال أي فرض للرجال نصيب حال كونه نصيبا، أو منصوبا باعني ومفروضا صفة له أي مقطوعا.
والمعنى أنّ الإرث بالنسب ثابت من الله فرضا ولازما من غير اختيار أحد من الورّاث سواء كان ذكرا أو أنثى نزلت لنفي ما كان في الجاهليّة من عدم الإرث للنساء والأطفال، فدلّت على ثبوت الإرث في الجملة، وأنّه فرض يدخل في ملك الوارث بغير اختياره، سواء أراد أو لم يرد، فلا يخرج عن ملكه إلّا بدليل مخرج شرعا.
الرابعة( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) (٢) أي يأمركم ويفرض عليكم في شأن ميراث أولادكم [بما هو العدل والمصلحة] والخطاب للأحياء بأنّه إذا مات منهم أحد يعلم الباقون أنّ لولده وغيره الإرث كذا وكذا، وهذا مجمل وتفصيله يعلم من قوله( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) يعني إذا اجتمع الأولاد ذكورا وإناثا فللابن نصيبان، وللبنت نصيب نصفه( فَإِنْ كُنَّ ) الأولاد( نِساءً ) ثنتين( فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) خبر بعد خبر( فَلَهُنَّ ) أي الأولاد الّتي هما ثنتان أو ما فوقهما( ثُلُثا ما تَرَكَ ) الميّت من الأموال بالفرض وفي الباقي تفصيل يعلم من غير القرآن، فقوله( نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ )
__________________
(١) النساء: ٧.
(٢) النساء: ٢.
بمنزلة اثنتين فصاعدا، وإطلاق ضمير كنّ والنساء على البنتين غير بعيد.
( وَإِنْ كانَتْ ) المولودة بنتا( واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) مثل ما تقدّم، ويؤيّد أنّ حكم البنتين حكم الثلاثة أنّه لا يمكن إدخالهما في حكم الواحدة بوجه في العبارة فإنّه لو كان حكمهما حكمها لما حسن القيد المخرج لهما بحيث لا يمكن إدخالهما في حكمها، مع أنّه لا خلاف بين أهل العلم في أنّ حكمهما إمّا حكم الواحدة وهو مذهب ابن عبّاس فقط، وإمّا حكم فوق اثنتين وهو مذهب غيره، وأيضا لا خلاف في أنّ للأختين وحدهما هو الثلثان كما دلّ عليه القرآن العزيز صريحا، فلا معنى لكون حصّة البنتين أقلّ من حصّتهما مع أنّهما أمسّ رحما فلا يكون نصفا ولا قائل بغير الثلثين والنصف، فيكون الثلثين، وأيضا إنّ للبنت مع أخيها الّذي نصيبه ضعف نصيبها الثلث فلا بدّ أن لا يكون مع أختها الّتي نصيبها مثل نصيبها أقلّ من تلك الحصّة، فلا يكون لهما النصف فيكون الثلثين، وأيضا يمكن أن يكون مثل قولهصلىاللهعليهوآله لا تسافر المرأة سفرا فوق ثلاثة أيّام إلّا ومعها زوجها أو ذو محرم لها، فإنّ المراد ثلاثة وما فوقها على ما قيل، كأنّه بالتأويل الّذي قلناه فتأمّل.
وقيل إنّه لما قال الله( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) علم حكم البنتين لأنّه قد علم أنّ للذكر مع الواحدة ثلثين اللّذين هما للبنتين فعلم أنّ لهما ثلثين وبقي ما فوقهما، فكأنّه قيل فما لما فوقهما؟ قيل كذا، ذكره في الكشّاف والقاضي وغيرهما ونقله في مجمع البيان عن أبي العبّاس المبرّد، وفيه تأمّل لأنّ العلم بأنّ للواحد ثلثين مع اجتماعه مع الواحدة لا يستلزم كون الثلثين لهما إذا انفردتا، لأنّ المعنى أنّ لكلّ ذكر ضعف الأنثى مطلقة، ويؤيّده أيضا كثرة العلماء فإنّ القول بعدم الثلثين لهما بل النصف ما نقل إلّا عن ابن عبّاس بل نقل في مجمع البيان الإجماع على أنّ لهما الثلثين، قال: ظاهر الكلام يقتضي أنّ البنتين لا يستحقان الثلثين لكنّ الأمّة أجمعت على أنّ حكم البنتين حكم من زاد عليهما من البنات.
وقال أيضا يدلّ عليه الإجماع إلّا ما روي عن ابن عبّاس أنّ للبنتين النصف فكأنّه أراد الإجماع بعده أو ما اعتبر خلافه أو ما ثبت عنده أنّ ذلك قول ابن عبّاس
حيث قال إلّا ما روي أو أراد التأييد بالشهرة والكثرة كما قلناه، وبالجملة وإن كان ظاهر الآية أن ليس حكمهما حكم ما فوقهما، لا شكّ أنّ ظاهرها أن ليس حكمها حكم البنتين أيضا وهو ظاهر وقد اتّفق العلماء على أن لا حكم لهما إلّا حكم أحدهما فلا بدّ من ارتكاب خلاف ظاهر، وإدخاله في أحدهما، ولا شكّ أنّ إدخاله فيما فوقهما أرجح لما تقدّم.
( وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) السدس مبتدأ وخبره( وَلِأَبَوَيْهِ ) أي الميّت وهو مذكور معنى و( لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا ) بدل بتكرير العامل، وفائدته فائدة التأكيد ودفع وهم أن يكون المراد كون السدس للمجموع، ولو اقتصر على البدل فات فائدة التأكيد المراد من الإجمال والتفصيل ولو قال ولأبويه السدسان يتوهّم كونهما مختلفين، والمراد بالميّت الولد الأوّل ذكرا كان أو أنثى، وبالسدس سدس جميع ما ترك، وإن ترك و( لَمْ يَكُنْ لَهُ ) أي للميّت( وَلَدٌ ) أصلا( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) ممّا ترك حذف بقرينة ما تقدّم فلها ثلث جميع ما ترك دائما لا ثلث ما بقي بعد حصّة الزوجة كما هو رأي الجمهور، وكأنّ ما ذكرناه لا خلاف فيه عند أصحابنا.
وقال في مجمع البيان: هو مذهب ابن عبّاس وأئمّتناعليهمالسلام وهو الظاهر من الآية، وقيد الجمهور وورثه أبواه بفحسب، فقالوا حينئذ يكون لها الثلث من جميع ما ترك وأمّا إذا كان معهما وارث آخر مثل الزوج فحينئذ لها ثلث ما بقي بعد حصّته كما فعل في الكشّاف والقاضي، وذلك بعيد أمّا أوّلا فلأنّ التقدير خلاف الظاهر وأمّا ثانيا فلأنّه ما كان يحتاج حينئذ إلى قوله( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ) وأمّا ثالثا فلأنّه لم يفهم حينئذ ثبوت فريضة للأمّ مع وجود وارث غير الولد فكيف يكون لها ثلث ما بقي، مع كون سدس الأصل وثلثه لها، بل لا يوجد مثل الثلث والنصف إلّا بالنسبة إلى الأصل كما هو المتبادر.
فالحقّ مذهب الأصحاب مع قطع النظر عن إجماعهم ونقلهم عن أئمّتهمعليهمالسلام
ولعلّ فائدة قوله( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) الإشارة إجمالا إلى أنّ مع عدم الأب الكل لها إن لم يكن غيرها، وإلّا فالباقي بعد حصّة الغير مثل الزوج، أو أنّ الحجب إنّما يكون معه أو إلى أنّهما وسائر الورثة قد لا يرثون مع ثبوت النسب، بأن يكونوا أرقّاء أو قاتلين أو كفّارا أو غير ذلك، مثل أن يكون هناك دين مستغرق على أنّه ما فهم صريحا وجود الأب من قبل حتّى يحتاج إلى النكتة لذكر( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) فتأمّل.
وقيل: إنّما ذكر( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) بعد أن علم لأنّ معناه وورثه أبواه فحسب وفيه ما مرّ على أنّه ينبغي حينئذ التصريح بنفي الغير إلّا ذكر ما هو المفروض، وحذف ما لا بدّ منه مثل فحسب أو لا وارث غيرهما ونحو ذلك فتأمّل(١) وترك ذكر ما للأب لأنّه ليس بصاحب الفريضة حينئذ لا لأنّ الباقي له فتأمّل.
هذا إن لم يكن للامّ حاجب عن الثلث من الاخوة بقرينة قوله( فَإِنْ كانَ لَهُ ) أي للميّت( إِخْوَةٌ ) يحجبها عن الثلث إلى السدس( فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ) فالإخوة تحجبها مع عدم كونهم ورثة بشروط الأوّل وجود الأب يدلّ عليه( وَوَرِثَهُ أَبَواهُ ) الآية إذ التقدير إن لم يكن له ولد وورثه الأب والامّ فللأمّ الثلث إن لم يكن له إخوة فان كان له إخوة فلأمّه السدس، والثاني كون الإخوة متعدّدة ولو كانا اثنين خلافا لابن عباس، فإنّه ذهب إلى اشتراط الثلاث للفظ الجمع، وقال أيضا إنّهم يأخذون السدس المحجوب عن الامّ فيشترط عنده كونهم وارثين وهما غير شرط عند غيره والأخير ظاهر، ودليل الأوّل كأنّه الرواية والإجماع.
وقال في الكشّاف: الاخوة تفيد معنى الجمعيّة المطلقة بغير كميّة والتثنية
__________________
(١) فإن المضمون أن السدس لكل واحد واحد من أبوي الميت إن كان له ولد، والثلث لامه إن لم يكن له ولد، فذكر الأب لا بد منه، فان كون الثلث لها مشروط بوجوده. وذكر الام بالتبع، على أنه لا شك في ان المقصود من كل هذه العبارة وجود ذوي الفرض فلو ذكر وقيل لها الثلث مع وجودها مثلا فلا قصور نعم يمكن تركه لانه يفهم فذكره حسن كتركه فافهم منهرحمهالله .
والجمع كالتثليث والتربيع، في إفادة الجمعيّة، وهذا موضع الدلالة على الجمع المطلق، فدلّ بالإخوة عليه، تأمّل في هذه الإفادة، فإنّها غير واضحة فالظاهر أنّها أطلقت على ما فوق الواحد لقرينة ثبتت بالخبر والإجماع، ثمّ إنّ ظاهرها أعمّ من كونها إخوة الأب أو الأمّ، وقد خصّ الأصحاب بإخوة الأب وهو الشرط الثالث ولعلّ دليلهم الرواية والإجماع، وأنّ النفع لأبيهم فكما أنّ الأب ينفع أولاده فهم أيضا ينفعونه بزيادة الإرث له، وهذا المعنى غير موجود في الإخوة من الامّ وأيضا الظاهر منها الذكورة، وقد عمّم، وجعل أختين بمنزلة أخ واحد فهما مع أخ آخر يحجبان وكذا الأربع، ولعلّ لهم دليلا غيرها.
والرابع كونهم وارثين في الجملة فلا يحجب القاتل والرقّ ونحوهما، ولعلّ لهم دليلا عليه، والخامس الفصل فلا يحجب الحمل، وفهم ذلك غير بعيد وتفصيلها في الفروع، وقوله( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) قالوا إنّه متعلّق بجميع ما تقدّم من أوّل قسمة الميراث أي ثبوت الحصّة للورثة إنّما هو بعد إخراج ما أوصى به الميّت وبعد الدين وقوله( يُوصِي بِها ) بعد الوصيّة للتأكيد وظاهرها التساوي بين الدين والوصيّة في تقديمهما على الإرث، وأنّ كلّ واحد مستقل في التقديم، فإيراد «أو» لذلك لا لأنّ أحدهما مقدّم لا المجموع وهو ظاهر، وتقديم الوصيّة مع كونها مؤخّرة عن الدين في حكم الشرع للاهتمام بشأنها لاحتياجها إلى التأكيد والمبالغة لأنّه محلّ أن لا يسمعها الوارث فسوّاها مع الدين في التقديم حتّى قدّمها، لا ليفهم أنّ الاهتمام بها أكثر، ولأنّها مشابهة بالإرث بحيث توقّف ثبوتهما على الموت فذكرت بعده.
فدلّت الآية على أنّ الوصيّة مطلقا والدين كذلك مقدّمان على الإرث فيخرج أوّلا مؤنة تجهيزه الواجبة. ثمّ الدين ثمّ الوصيّة ثمّ يقسم ما بقي بين الورثة على حكم الله، والترتيب مفهوم من الإجماع والسنّة لا الكتاب وفي الآية دلالة مّا على عدم تملّك الوارث قبلهما الإرث، بل عدم جواز تصرّفه إلّا بعد إخراجهما، فالمال إمّا باق على حكم مال الميّت أو ينتقل إلى الدّيّان والموصى إليه بقدرهما، فلا
يجوز للورثة التصرّف فيه إلّا بعد إخراج الدين والوصيّة، سواء كانا مستغرقين أم لا.
ويحتمل أن يكون معنى الثلث للامّ مثلا بعد الوصيّة والدين، أنّه إنّما يصير ذلك بعد أن يكون في التركة ما يفضل عنهما وحينئذ لا يفهم ما قلناه، فيمكن جواز التصرّف للوارث فيما يفضل عنهما قبل إخراجهما ولكن يجب عليه إخراج ذلك وعزله وإيصاله إلى صاحبه، أو يجب على الوصيّ إن كان، ويجب على الوارث التمكين.
ويحتمل جواز التصرّف في الكلّ أيضا ما لم يعيّن الدّين والموصى به بعد أن قرّر المتصرّف على نفسه ذلك فيثبت في ذمّته الدّين والوصيّة ويجب أداؤهما ويتصرّف في التركة مهما شاء، فالاحتمالات ثلاثة - بعد وصولهما إلى أهلهما فلا يجوز التصرّف قبله بوجه وبعد العزل والتعيين، فلا يجوز قبله وبعد سعة المال ووجودهما فيه، فيجوز التصرّف فيما يفضل أو في الكلّ، ويكون ضامنا والأوّل أحوط وأسلم.
ويدلّ عليه رواية عبّاد بن صهيب في باب قضاء الزكاة عن الميّت عن أبي عبد اللهعليهالسلام في رجل فرّط في إخراج زكاته في حياته فلمّا حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرّط فيه ممّا لزمه من الزكاة ثمّ أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له. قال جائز يخرج ذلك من جميع المال، إنّما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شيء حتّى يؤدّوا ما أوصى به من الزكاة(١) ودلالتها ظاهرة في الدين والوصيّة بالزكاة، ويحتمل أن لا قائل بالفرق الله يعلم، وسندها جيّد لا شيء في رجاله إلّا في عبّاد بن صهيب، وقد يقال ظاهر الآية يقتضي الأخير إذ ثبت ملكيّة الثلث مثلا بقوله( فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ) فلها التصرّف به كيف شاءت، وقوله بعد الوصيّة والدين، يحتمل معنا لا ينافي ذلك، وهو الأخير، إذ ليس بظاهرة في غيره بحيث يكون حجّة، فيجوز تصرّفها في الفاضل أو مطلقا إلّا أنّها تكون ضامنة بمعنى أنّه
__________________
(١) الكافي ج ٣ ص ٥٤٧.
لو لم يصل الدين والوصيّة إلى أهلهما يكون لهما الرجوع عليها، وعلى سائر الورثة الّذين تصرّفوا في المال، أو يبطل التصرّفات فتكون موقوفة، وفيه تأمّل، ويمكن دعوى ظهور إخراجهما مقدّمة [من الآية] ويؤيّده الرواية.
وبالجملة المسئلة مشكلة وقد فصّل الأصحاب القول واختلفوا فيها حتّى أنّه وقع الفتوى في القواعد في ثلاث مواضع كلّ واحد على خلاف الآخر، ولكن ذكروها في الدين فقط، وما توجّهوا إلى الوصيّة، والظاهر أنّ الحكم واحد لظاهر الآية، فينبغي الرجوع إلى كلامهم، والبحث عنها هناك، ثمّ كون الوصيّة والدين من الثلث أو من الأصل وباقي مسائلهما يعلم من محلّهما من كتب الأصحاب ورواياتهم، وظاهر الآية كونهما من الأصل، فتخصّص الوصيّة بالإجماع والسنّة فتأمّل.
واعلم أنّهم قد اختلفوا في معنى( آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ) وليس من مقصود هذا التعليق بيانه، ويمكن أن يكون المعنى أنّ الّذي فعله تعالى في أمر الإرث هو مقتضى علمه وحكمته، فقرّر للآباء كذا، وللأبناء كذا، وما فوّض الأمر إليكم وإلى علمكم، بأنّ من كان أقرب نفعا يعطى أكثر والأقلّ أقلّ فإنّكم ما تعرفون أيّهما أقرب نفعا، والله هو العالم بالأقرب نفعا أو أنّ مجرّد كونهم آباءكم وأبناءكم كاف للإرث، وأمّا أنّ الأقرب نفعا يكون له أكثر فأنتم ما تعرفون ذلك، أو أنتم ما تعرفون من هم؟ قال القاضي: لا تعلمون من أنفع لكم ممّن يرثكم من أصولكم وفروعكم، وعاجلكم وآجلكم، فتحرّوا فيهم ما وصّاكم الله فيه ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمان بعض.
وقال في الكشاف: أي لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الّذين يموتون أمن أوصى منهم أم من لم يوص؟ يعنى أنّ من أوصى ببعض ماله فعرّضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيّته فهو أقرب لكم نفعا ممّن ترك الوصيّة، فوفّر عليكم عرض الدنيا، وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا، ذهابا إلى حقيقة الأمر، ثمّ نقل أقاويل اخرى وقال: وليس شيء من هذه الأقاويل بملائم
للمعنى، لأنّ هذه الجملة اعتراضيّة ومن حقّ الاعتراض أن يؤكّد ما اعترض بينه وبين مناسبة، والقول ما تقدّم فتأمّل.
و «فريضة» مصدر فعل محذوف للتأكيد، أي يفرض الله عليكم ذلك المذكور فريضة من عند الله، وقيل أو مصدر يوصيكم الله، فإنّه بمعنى فرض الله عليكم، فيه مسامحة فإنّه مفعول مطلق من غير لفظ فعله.
الخامسة والسادسة: ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ) (١) .
الظاهر أنّه يريد بالزوجة المعقود عليها بالعقد الدائم كما هو مذهب أكثر الأصحاب وإن كان ظاهرها أعمّ للرّوايات وظاهرها ثبوت الربع والثمن للزوجة من كلّ شيء تركه زوجها كالنصف والربع له ممّا تركت زوجته، لكن خصّصت ببعض ما ترك بإجماع الأصحاب ونصّهم إلّا أنّ لهم في تعيين ذلك خلافا لاختلاف رواياتهم وتحقيق المسئلة في الفروع تطلب هناك.
ومعلوم أنّ المراد أعمّ من كونها مدخولا بها أم لا، ومن الصغيرة والكبيرة وكذا في جانب الزوج أيضا، وأنّ المراد بالولد أيضا هو الأعمّ من أن يكون من
__________________
(١) النساء: ١٢.
الزوج الوارث أم لا، صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا كان أو أنثى، بواسطة من الابن أو الابنة، أو بلا واسطة، وأعمّ من الوارث وغيره أيضا ومعلوم أنّ المراد أيضا بالنصف ونحوه هو نصف جميع ما ترك الميّت فهو مؤيّد لكون المراد ذلك في ثلث الامّ كما تقدّم، و «رجل» اسم «كان» وهو الميّت و «يورث» أي منه صفة رجل و «كلالة» خبرها أو يورث خبر، أو كان تامّة، وكلالة حال عن ضمير يورث وقيل، يجوز أن يكون المراد بالرجل الوارث ويكون يورث من أورث وهو بعيد(١) والمراد بالكلالة من ليس بوالد ولا ولد، وقيل أصلهما مصدر بمعنى الكلال فاستعيرت لقرابة ليست بعصبة لأنّها كلالة بالإضافة إليها، ثمّ وصف الموروث أو الوارث بها بمعنى ذي كلالة كقولك فلان من قرابتي.
وقال في مجمع البيان: والمرويّ عن أئمّتناعليهمالسلام أنّ الكلالة الاخوة والأخوات، والمذكورة في هذه الآية من قبل الامّ وفي آخر السورة من كان منهم من قبل الأب والامّ أو من قبل الأب.
«أو امرأة» عطف على رجل، وله راجع إلى رجل، وحذف حكم الامرأة لأنّه يعلم من الرجل، ويحتمل إرجاعه إلى أحد المذكورين أو الكلالة باعتبار أنّه الميت أو المورّث وهو يدلّ على كون المراد بالرجل الميّت كمنهما فافهم.
فلكلّ واحد من الأخ والأخت سدس ما ترك، فان كانوا أي من يرث بالأخوّة والكلالة أكثر من أخ واحد أو أخت واحدة بأن يكونوا اثنين فصاعدا فلهم ثلث ما ترك يتساوون فيه، ولا فضل بين المذكّر والمؤنّث.
قال في مجمع البيان: ولا خلاف بين الأمّة أنّ الاخوة والأخوات من قبل
__________________
(١) لبعد إرجاع ضمير «له» إلى الرجل الوارث، فان المتعارف أن يقال للميت كذا وكذا وأيضا ينبغي أن يقال بدل رجل وله أخ إلخ، وإن كان أخوان أو أخ وأخت وللتكلف في إرجاع ضمير منهما إلى الرجل وأخيه وأخته ولأنه حينئذ يصير داخلا في حكم وان كانوا أكثر من ذلك، ولانه لم يفهم حينئذ حكم الواحد ولم يفهم تساويهم بل يتبادر تساوى الأخ والأخت في نصف السدس واستقلال الرجل بنصفه تأمل، منه طاب ثراه.
الامّ يتساوون في الميراث وقد مرّ معنى( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ ) و( غَيْرَ مُضَارٍّ ) كأنّه حال من فاعل يوصي أو الوصيّة لأنّه مصدر ويحتمل عن الوصيّة والدين أيضا يعني أنّ الوصيّة والدين اللّذين هما مقدّمان على الإرث هما اللّذان لا يكون فيهما ضرر على الورّاث مثل القصد بالوصيّة مجرّد حرمان الوارث، فما قصد وصيّة حقيقة والدين كذلك بأن يستدين دينا غير محتاج إليه فيضيعه للإضرار، أو يقرّ بدين مع عدمه للإضرار فكلّ ذلك ليس بمقدّم على الإرث إذا علم فيجوز عدم سماع مثل هذه الوصيّة والدين.
قال في مجمع البيان: جاء في الحديث أنّ الضرار في الوصيّة من الكبائر فلعلّ المراد الوصيّة بدين لا حقيقة له فيضيّع أمواله، لئلّا يصل إلى الوارث شيء وكذا الوصيّة بما يضرّ وليس له حقيقة، وكذا الإقرار بأنّ عليه كذا أو ليس له على أحد شيء مع وجوده إضرارا بالورثة، فتأمّل، ويحتمل أن يراد تغيير الوصيّة وعدم العمل بها «وصيّة» مصدر كفريضة( وَاللهُ عَلِيمٌ ) بمصالح عباده ولا يفعل بهم إلّا ما هو خير لهم من قسمة الميراث وتقديم الدين والوصيّة عليه، وعدم سماع الدين والوصيّة المضرّين( حَلِيمٌ ) لا يعاجل العصاة بالعقوبة، بل يمنّ عليهم بالإنظار والإمهال.
السابعة: ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١) .
لمّا بيّن في فاتحة السورة بعض السهام وبقي البعض أراد بيانه في خاتمتها فقال( يَسْتَفْتُونَكَ ) يا محمّد أي يريدون منك بيان حكم الله في ميراث الكلالة وقد عرفت
__________________
(١) النساء: ١٧٦.
معناها( قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ) أي يبيّن لكم حكم ميراثها، قال في مجمع البيان وهو اسم للإخوة والأخوات، وهو المرويّ عن أئمّتناعليهمالسلام فان مات امرء أي رجل وليس له ولد مطلقا بواسطة أو بغيرها ذكرا كان أو أنثى كما هو الظاهر، لأنّ الولد يطلق عليها لغة وعرفا كما مرّ في بيان السهام في أوائل السورة، والظاهر أنّه مقيّد بعدم الوالد أيضا للإجماع ولأنّ الكلام في الكلالة وهي من لا يكون والدا ولا ولدا( وَلَهُ أُخْتٌ ) أي الأخت من الأب والامّ أو للأب فقط لأنّ حكم الأخت من الامّ فقط قد مضى في أوّل السورة فللأخت الواحدة منهما أو من الأب نصف ما ترك كالبنت، والأخ أيضا يرثها إن لم يكن لها ولد مطلقا وإن كانتا أختين فصاعدا كذلك فلهما الثلثان كالبنتين فصاعدا وإن كانت الورثة إخوة بعضها رجال وبعضها نساء منهما أو من الأب فالمال بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين وظاهر الآية أنّ إرث الإخوة مشروط بعدم الولد أصلا ويؤيّده ما تقدّم في أوّلها كما هو المقرّر عند الأصحاب وهو مذهب ابن عباس وأهل البيتعليهمالسلام فلا ينظر إلى ما روي أنّ الاخوة مع البنات عصبة فلا يحجب البنت الأخ لأنّه خبر واحد مخالف لظاهر القرآن وإجماع علماء أهل البيت ورواياتهم صلوات الله عليهم، فلا معنى للقول بالعصبة فيضعّف قول القاضي في تفسير( إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) ذكرا كان أو أنثى إن أريد بيرثها جميع مالها، وإلّا فالمراد به الذكر إذ البنت لا تحجب الأخ، وقريب منه كلام الكشّاف فانّ ظاهر الآية عدم إرث الأخ مع البنت، فإنّه شرط في الإرث مطلقا نفي الولد مطلقا، وللزوم الإجمال وعدم فهم شيء وهو ظاهر، ويؤيّده أنّ مفهوم الكلالة إن كان المراد بها الميّت كما هو الظاهر يدلّ على عدم إرث الإخوة مطلقا مع الولد والوالد، وهو مقرّر عندهم أيضا في الوالد، ويجب أن يخرج الأحكام من الآية لا أن يطابق الآية بالأحكام الّتي قرّروها بآرائهم فتأمّل.
( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ ) أحكام مواريثكم كراهة( أَنْ تَضِلُّوا ) بأن تخطؤوا في الحكم وقيل يبين الله لكم ضلالكم الّذي من شأنكم إذا خلّيتم وطباعكم لتحترزوا عنه وتتحرّوا
واعلم أنّه مع البيان ثمّ التأكيد بأنّه يبيّن لعدم الضلال قد وقع الضلال والله يهدي إلى الصواب.
و( امْرُؤٌ ) مرفوع بفعل مقدّر يفسّره( هَلَكَ ) لأنّ «أن» لا تدخل إلّا على الفعل، وهلك امرؤ فعل شرط، و( لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ) صفة لأمره ويحتمل الحال( وَلَهُ أُخْتٌ ) حال ويحتمل العطف فيكون صفة أيضا أو حالا( فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ) جزاء( وَهُوَ ) أي الامرئ( يَرِثُها ) أي الأخت مبتدأ وخبر جزاء مقدّم، إذ يفهم منه الجزاء لقوله( إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ) وهو اسم «لم يكن» وخبره «لها» ومرجع ضمير «كانوا» الظاهر أنّه الورثة و «رجالا» صفة أو حال وكذا «نساء» والجملة شرطيّة و «مثل» مبتدأ مضاف و «فللذكر» خبره، والجملة جزاء( وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) فهو عالم بمصالح العباد في الحياة والممات، وتقسيم المواريث، فلا يفعل إلّا ما هو أصلح بحالهم دينا ودنيا فتأمّل.
الثامنة( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) (١) أي خشيت عصبتي الّتي باقية بعدي بأخذ أرثي و «كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً » لم تلد( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ) أي من عندك( وَلِيًّا ) وارثا( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) أيضا( وَاجْعَلْهُ ) أي ذلك الوارث «يا( رَبِّ رَضِيًّا ) » راضيا مرضيّا، ولم يكن مثل مواليّ الّذين خفت منهم فإنّهم كانوا شرار بني إسرائيل كذا في الكشاف وفيه دلالة على توريث الأموال كسائر الناس لأنّ المتبادر من الإرث هو ذلك فيكون حقيقة فيه فلا يصار إلى غيره إلّا مع الضرورة وليست، ولأنّ الموالي الّتي يخاف منهم لذنوبهم ما كانوا يرثون النبوّة لعدم صلاحيتهم لها، فإنّهم كانوا شرارا فلم يجعلهم أنبياء ولأنّهم لو كانوا قابلين لها لما كان معنى للخشية منهم وطلب غيرهم لأنّ نبيّ الله عالم بأنّ الله تعالى لم يعط النبوّة إلّا لمن يكون أهلا لهم ولأنّهم لم يكونوا رضيّا.
ويؤيّده آيات الإرث، فلا يصار إلى غيره ولم يثبت «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» فلا يمكن التخصيص به، على أنّه لو سلّم صحّته ففي تخصيص القرآن المتواتر بخبر واحد سيّما إذا أنكره كثير ولم يرو إلّا عن واحد، مع التهمة
__________________
(١) مريم: ٥.
نظر واضح، والمجوّزون للتخصيص إنّما يجوّزونه بالخبر الصحيح المخلص الناصّ لأنّهم قالوا القرآن متواتر متنا وظنّيّ دلالة، والخبر ظنّيّ متنا يقينيّ دلالة وأنت تعلم انتفاء ذلك كلّه هنا فتأمّل فقول الكشّاف والقاضي: والمراد بالإرث إرث الشّرع والعلم لأنّ الأنبياء لا يورّثون المال باطل لما مرّ وهو ظاهر، وكيف يتحقّق إرث العلم والشرع وهو الانتقال من محلّ إلى آخر.
تذنيب
( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (١) .
ظاهرها أنّه خطاب للورثة الّتي قابلون له أي البلّغ الرّشّد حال قسمة الميراث وأمر لهم بإعطاء شيء من الإرث لأقاربهم الّتي لا إرث لهم إذا شهدوا وحضروا القسمة وكذا لمطلق اليتامى والمساكين المستحقّين للإعطاء فيعطيهم كلّ ذي قسمة شيئا من قسمه، والظاهر نقص الجميع عن حصّته ليبقي له شيء، وقد قيّد اليتامى والمساكين في مجمع البيان بالأقارب أيضا ووجهه غير ظاهر وظاهرها وجوب ذلك لكنّ الظاهر أنّه لا قائل الآن بوجوبه، ولهذا قيل إنّها منسوخة بآيات قسمة الإرث، ويحتمل كونه للندب، فتكون غير منسوخة ويؤيّده قوله( وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) بأن تدعوا لهم بالرزق من الله مثل «الله يرزقكم» فيخيّر بين الإعطاء والردّ، والأوّل أولى.
ويحتمل أن يقال معناه يعطون ويدعون ولا يستقلّون ما يعطون، وهو أظهر والحمل على الندب أولى من النسخ، ويمكن حملها على استحباب الطعمة عند الأصحاب، وهو مشهور، ولكن قيّدوه بشرائط لم يفهم منها، وقيل هذا الخطاب للمريض بالوصيّة لهؤلاء بشيء، ولا يخفى بعده، وبالجملة الفتوى بظاهرها مشكل لعدم القائل، وكذا حذفها وحملها على الطعمة لا يخلو عن بعد، والاحتياط يقتضي العمل بظاهرها فتأمّل.
__________________
(١) النساء: ١٠.
(كتاب الحدود)
وهو أقسام:
(الأول)
(حد الزنا)
وفيه آيات:
الاولى( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) (١) .
قيل: المراد بالفاحشة الزنا، وبالنساء الثيّبات بقرينة إضافتهنّ إلى الرجال وبالإمساك منعهنّ عن الفاحشة، وقيل كان الإمساك في البيوت حدّهن ونسخ بآية الجلد ويحتمل أن يكون المراد بها المساحقة والإمساك المنع ويؤيّده عدم ذكر الرجل وتخصيص الحكم بالنساء وعدم لزوم النسخ وأنّه سيذكر قولا في أنّ المراد بالآية الّتي بعدها اللواط وذكر حكم الزانية والزاني في الثالثة، ليكون الأولى مخصوصة بالساحقات والثانية باللواط، والثالثة تكون مشتركة كما قيل، ولعلّ المضاف محذوف في قوله الموت أي ملك الموت، والمراد بجعل الله لهنّ سبيلا بيان الحكم أو التوبة أو النكاح المغني عن السفاح، ولعلّ في الآية إشارة إلى عدم الشهادة حتّى يستشهدوا فيمكن استنباط عدم القبول حينئذ ولهذا قال الفقهاء تردّ شهادة المتبرّع، وإلى كون عدد الشاهد في الفاحشة أربعة رجال مسلمين، وفهم العدالة من موضع آخر.
__________________
(١) النساء: ١٥.
الثانية: ( وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً ) (١) .
قيل المراد بهما الزّانية والزاني، فالكناية الفاحشة والمراد الزنا، وبالأذى التوبيخ والاستخفاف، ويمكن الأعمّ على الوجه المعتبر في باب النهي عن المنكر أو الحدّ المقرّر فلا يكون منسوخا، وقيل المراد به القتل الّذي أقوى أفراده فحمل عليه بقرائن، ويؤيّده تثنية المذكّر وما تقدّم وهي تدلّ على وجوب أذى فاعل الفاحشة ووجوب تركه بعد التوبة، وقبولها على الناس بل وعلى الله، وكأنّ المراد بإصلاح العمل الإصرار على التوبة، بحيث يفهم أنّه صلح حاله، وعلى أنّه ما لم يتب لم يسقط عنها الأذى والظاهر أنّه لا يحتاج إلى أكثر من التوبة الّتي يفهم استقرارها فإنّه لا يجب شيء آخر لإسقاط الأذى بالإجماع، بل بالآيات والأخبار، فهو مؤيّد لكون العمل الصالح في الآيات الأخر بعد التوبة بهذا المعنى فتأمّل.
الثالثة: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) .
تركيبها ظاهر ومشهور، ومعناها وجوب الحدّ مائة جلدة على الحكّام الشرعيّ النبيّ والامامعليهمالسلام ، وولاتهم بالإجماع المنقول، كلّ امرأة زنت وكلّ رجل زنا والعموم مستفاد من الزاني والزانية، ومن قوله «كلّ واحد» عرفا فافهم، ولكن مخصوص بالإجماع والأخبار بالحرّ والحرّة غير المحصنين، فانّ العبد والأمة عليهما نصف الحدّ والمحصن والمحصنة يرجمان لا غيرهما، وفي الأمة آية أيضا، وللإحصان شرائط مذكورة في الفروع.
__________________
(١) النساء: ١٦.
(٢) النور: ٢.
فقول الكشّاف: هما يدلّان على الجنسين المتنافيين لجنسي العفيف والعفيفة دلالة مطلقة، والجنسيّة قائمة في الكلّ والبعض جميعا، فأيّهما قصد المتكلّم فلا عليه، كما يفعل بالاسم المشترك، غير جيّد، وإن كان صحيحا في نفسه فتأمّل.
والزنا معلوم وهو وطي المرأة قبلا أو دبرا بغير عقد ولا شبهة بل عمدا عالما بالتحريم، وهي تدلّ على تحريم ترك الحدّ أو البعض منه كمّا أو كيفا رحمة لهما بل مطلق الرحمة بأن يقال: مسكين عذّبوه، وحصل له عذاب كثير، ونحو ذلك، وبالجملة الرحمة في دين الله أي طاعته وحكمه بخلاف مقتضاه حرام بل يفهم أنّها تسلب الايمان بالله واليوم الآخر، يعني المؤمن بهما لا يفعل ذلك.
وتدلّ أيضا على وجوب إحضار طائفة ليشهد عذابهما ظاهره أنّها غير المجلّد بل غير الحاكم أيضا قيل أقلّ الطائفة ثلاثة، وقيل اثنان، وقيل أربعة، وقيل واحد، وهو منقول عن أبي جعفرعليهالسلام وابن عباس ومجاهد وإبراهيم، كذا في مجمع البيان وفي الكشّاف: وعن ابن عبّاس أربعة، ثمّ قال: فضّل قول ابن عبّاس لأنّ الأربعة هي الجماعة الّتي بها ثبت هذا الحدّ وفي التفضيل تأمّل.
(الثاني)
(حد القذف)
وفيه آية( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) (١) أي يقذفون العفيفات من الزنا غير مشهورات به، وإن كان القذف هو السبّ مطلقا، وذلك قد يكون بغيره مثل يا آكل الربا يا شارب الخمر، والّذي يدلّ على ذلك لفظة المحصنات، وكون الشهود أربعة وسوق الكلام، والقذف بالزنا مثل أن يقال يا زانية وظاهر «الّذين» شامل للحرّ والعبد، والعاقل والمجنون، والبالغ والصبيّ، والمسلم وغيره، ولكن قيّد بالعقل والبلوغ كأنّه للإجماع ولعدم التكليف، وبعضهم قيّد بالحرّ أيضا وليس بواضح
__________________
(١) النور: ٤.