حياة أمير المؤمنين عن لسانه الجزء ٢

حياة أمير المؤمنين عن لسانه0%

حياة أمير المؤمنين عن لسانه مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 491

حياة أمير المؤمنين عن لسانه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة النشر الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 491
المشاهدات: 323529
تحميل: 5239


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 491 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 323529 / تحميل: 5239
الحجم الحجم الحجم
حياة أمير المؤمنين عن لسانه

حياة أمير المؤمنين عن لسانه الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١- لا أبايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي.

قال ابن قتيبة في الامامة و السياسة:ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر و هو يقول:

«أنا عبد الله و أخو رسوله».

فقيل له:بايع أبا بكر،فقال:

«أنا أحق بهذا الأمر منكم،لا أبايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي،أخذتم هذا الأمر من الأنصار،و احتججتم عليهم بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،و سلم،و تأخذونه منا أهل البيت غصبا؟ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم،فأعطوكم المقادة،و سلموا إليكم الإمارة،و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار،نحن أولى برسول الله حيا و ميتا،فأنصفونا(١) إن كنتم تؤمنون و إلا فبوؤا بالظلم و أنتم تعلمون».

فقال له عمر:إنك لست متروكا حتى تبايع،فقال له علي:«إحلب حلبا لك شطره،و اشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا».

ثم قال:

«و الله يا عمر لا أقبل قولك و لا أبايعه».

فقال له أبو بكر:فإن لم تبايع فلا أكرهك.فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي كرم الله وجهه :يا بن عم إنك حديث السن و هؤلاء مشيخة قومك،ليس لك مثل تجربتهم،و معرفتهم بالامور،و لا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك،و أشد احتمالا و اضطلاعا به،فسلم لأبي بكر هذا الامر،فإنك إن تعش و يطل بك بقاء،فأنت لهذا الأمر خليق و به حقيق،في فضلك و دينك،و علمك و فهمك،و سابقتك و نسبك و صهرك.فقال علي كرم الله وجهه:

«الله الله يا معشر المهاجرين،لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره و قعر بيته،إلى دوركم و قعور بيوتكم،و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه،فو الله يا معشر المهاجرين،لنحن أحق الناس به،لأنا أهل البيت،و نحن أحق بهذا الأمر منكم،ما كان فينا القارى‏ء لكتاب الله،الفقيه في دين الله،العالم بسنن رسول الله،المضطلع(٢) بأمر الرعية،المدافع عنهم الامور السيئة،القاسم بينهم بالسوية،و الله إنه لفينا،فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله،فتزدادوا من الحق بعدا».

فقال بشير بن سعيد الانصاري:لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر،ما اختلف عليك اثنان.

*الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري ص ٢٨- ٢٩،الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٨٢،الفتوح لابن اعثم الكوفي ج ١ ص ١٣،شرح نهج البلاغة لابن ابن الحديد ج ٦ ص ١١،الغدير ج ٧ ص .٨٠

____________________

(١)العبارة في شرح النهج:فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم،و اعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم،و إلا فبوؤا بالظلم و أنتم تعلمون.

(٢)اضطلع من الضلاعة و هي القوة،يقال:إضطلع بحمله،أي:قوي عليه و نهض به.

٢٠١

٢- الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري.

بعد بيعة الناس أبا بكر قالوا لأمير المؤمنينعليه‌السلام :بايع أبا بكر،فقال عليعليه‌السلام :«أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي،أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول،و تأخذونه منا أهل البيت غصبا،ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم،لمكانكم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فأعطوكم المقادة و سلموا لكم الإمارة،و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار،أنا أولى برسول الله حيا و ميتا،و أنا وصيه و وزيره و مستودع سره و علمه،و أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم و أول من آمن به و صدقه،و أحسنكم بلاء في جهاد المشركين،و أعرفكم بالكتاب و السنة و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور،و أذر بكم لسانا(١) و أثبتكم جنانا،فعلام تنازعونا هذا الأمر؟أنصفونا إن كنتم تخافون الله على أنفسكم،ثم اعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم،و إلا فبؤوا بالظلم و العدوان و أنتم تعلمون».

فقال عمر:إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها فقال له عليعليه‌السلام :

«إحلب حلبا لك شطره،اشدد له اليوم ليرد عليك غدا،إذا و الله لا أقبل قولك و لا أحفل بمقامك و لا ابايع».

فقال له أبو بكر:مهلا يا أبا الحسن،ما نشدد عليك و لا نكرهك.

فقام أبو عبيدة بن الجراح إلى عليعليه‌السلام فقال له:يابن عم لسنا ندفع قرابتك و لا سابقتك و لا علمك و لا نصرتك،و لكنك حدث السن- و كان لعليعليه‌السلام يومئذ ثلاث و ثلاثون سنة- و أبو بكر شيخ من مشايخ قومك،و هو أحمل لثقل هذا الأمر،و قدمضى الأمر بما فيه فسلم له،فإن عمرك الله يسلموا هذا الأمر اليك،و لا يختلف فيك اثنان بعد هذا،إلا و أنت به خليق و له حقيق،و لا تبعث الفتنة في غير أوانها فقد عرفت ما في قلوب العرب و غيرهم عليك .فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

«يا معاشر المهاجرين و الأنصار،الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري،و لا تخرجوا سلطان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله من داره و قعر بيته إلى دوركم و قعر بيوتكم،و لا تدفعوا أهله عن حقه و مقامه في الناس.

فو الله يا معاشر الجمع،إن الله قضى و حكم،و نبيه أعلم و أنتم تعلمون،أنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم،أما كان القارى‏ء منكم لكتاب الله(٢) ،الفقيه في دين الله،المضطلع بأمر الرعية؟و الله إنه لفينا لا فيكم،فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا،و تفسدوا قديمكم بشر من حديثكم».

*الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٨٢،شرح ابن أبي الحديد ج ٦ ص ١١،الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ١ ص ١٣- ١٤،بحار الأنوار ج ٢٨ ص .١٨٦

____________________

(١)يقال:لسان ذرب،أي:فصيح.

(٢)و في بعض النسخ:أما كنت القارئ،لكتاب الله...

٢٠٢

٣- لا علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة.

بعد احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام في المسجد و دعوته المهاجرين و الانصار لقبول عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأمر لأبي بكر و قالت جماعة من الانصار:يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعته منك الانصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك إثنان.

فقال عليعليه‌السلام :

«يا هؤلاء!أكنت أدع رسول الله مسجى لا أواريه و أخرج أنازع في سلطانه؟و الله ما خفت أحدا يسموا له و ينازعنا أهل البيت فيه و يستحل‏ما استحللتموه و لا علمت أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك يوم غدير خم لأحد حجة و لا لقائل مقالا،فأنشد الله رجلا سمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم يقول:«من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله أن يشهد الان بما سمع».

قال زيد بن ارقم:فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك و كنت ممن سمع القول من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكتمت الشهادة يومئذ فدعا عليعليه‌السلام فذهب بصري.

*الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٨٤،الإمامة و السياسة لإبن قتيبة الدينوري ص ٢٩- ٣٠،بحار الانوار ج ٢٨ ص ١٨٦- .١٨٧

٢٠٣

٤- يابن ام إن القوم استضعفوني.

قال ابن قتيبة في الامامة و السياسة:و إن أبا بكررضي‌الله‌عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه،فبعث إليهم عمر،فجاء فناداهم و هم في دار علي،فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال:و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها،فقيل له:يا أبا حفص إن فيها فاطمة؟فقال:و إن.فخرجوا فبايعوا إلا عليا فانه زعم أنه قال:

«حلفت أن لا أخرج و لا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن».

فوقفت فاطمة رضي ‌الله ‌عنها على بابها،فقالت:لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم،تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا،و قطعتم أمركم بينكم،لم تستأمرونا،و لم تردوا لنا حقا.

فأتى عمر أبا بكر،فقال له:ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟فقال أبو بكر لقنفذ و هو مولى له:اذهب فادع لي عليا.قال:فذهب إلى علي فقال له:«ما حاجتك؟»فقال:يدعوك خليفة رسول الله،فقال علي:«لسريع ما كذبتم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

فرجع فأبلغ الرسالة،قال:فبكى أبو بكر طويلا.فقال عمر ثانية:لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة،فقال أبو بكررضي‌الله‌عنه لقنفذ:عد إليه فقل له:خليفة رسول الله يدعوك لتبايع،فجاءه قنفذ،فادى ما أمر به،فرفع علي صوته فقال:

«سبحان الله؟لقد ادعى ما ليس له».

فرجع قنفذ،فأبلغ الرسالة،فبكى أبو بكر طويلا،ثم قام عمر،فمشى معه جماعة،حتى أتوا باب فاطمة،فدقوا الباب،فلما سمعت اصواتهم نادت بأعلى صوتها:«يا ابت يا رسول الله،ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة»فلما سمع القوم صوتها و بكائها انصرفوا باكين و كادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تنفطر،و بقي عمر و معه قوم،فأخرجوا عليا،فمضوا به إلى أبي بكر،فقالوا له:بايع،فقال:

«إن أنا لم أفعل فمه؟».

قالوا:إذا و الله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك.فقال:

«إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله».

قال عمر:أما عبد الله فنعم،و أما أخو رسوله فلا.و أبو بكر ساكت لا يتكلم،فقال له عمر :ألا تأمر فيه بأمرك؟فقال:لا أكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه،فلحق علي بقبر رسول الله يصيح و يبكي و ينادي:

( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ کَادُوا يَقْتُلُونَنِي ) (١) .

*الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري ص ٣٠،الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ٢٠٢ و ٢٠٨،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١١ ص ١١١،اعلام النساء ج ٤ ص ١١٤،بحار الانوار ج ٢٨ ص .٣٥٦

____________________

(١)الاعراف: .١٥٠

٢٠٤

٥-كنت أترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ميتا في بيته؟

روى الجوهري باسناده عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام :

أن عليا حمل فاطمة على حمار،و سار بها ليلا إلى بيوت الأنصار،يسألهم النصرة،و تسألهم فاطمة الانتصار له،فكانوا يقولون:يا بنت رسول الله،قد مضت بيعتنا لهذا الرجل،لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به،فقال علي:

«أكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا اجهزه،و أخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟!»و قالت فاطمة:ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له،و صنعوا هم ما الله حسبهم عليه.

*شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٦ ص ١٣ شرح خطبة ٦٦،الامامة و السياسة لابن قتيبة الدينوري ص ٢٩،الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٨٤،الفتوح لابن أعثم الكوفي ج ١ ص ١٣،أعلام النساء ج ٤ ص ١١٤،بحار الانوار ج ٢٨ ص ١٨٦،و ص ٣٥٢،الغدير ج ٧ ص .٨١

٢٠٥

٦-ارادوا أن يحرقوا علي بيتي.

لما بايع الناس أبا بكر دخل عليعليه‌السلام و الزبير و المقداد بيت فاطمةعليها‌السلام ،و أبوا أن يخرجوا،فقال عمر بن الخطاب:اضرموا عليهم البيت نارا،فخرج الزبير و معه سيفه،فقال أبو بكر:عليكم بالكلب،فقصدوا نحوه،فزلت قدمه و سقط إلى الأرض و وقع السيف من يده،فقال أبو بكر:اضربوا به الحجر،فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر.و خرج علي بن أبي طالبعليه‌السلام نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس بن شماس(١) ،فقال:ما شأنك يا أبا الحسن؟فقال:«أرادوا أن يحرقوا علي بيتي و أبو بكر على المنبر يبايع له و لا يدفع عن ذلك و لا ينكره».

فقال له ثابت:و لا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك،فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة و إذا فاطمةعليها‌السلام واقفة على بابها و قد خلت دارها من أحد من القوم و هي تقول :«لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم،تركتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا،و صنعتم بنا ما صنعتم و لم تروا لنا حقا».

*الأمالي للمفيد المجلس ٦ الحديث ٩،أعلام النساء ج ٤ ص ١١٤،بحار الانوار ج ٢٨ ص .٢٣١

____________________

(١)كان خطيب الأنصار،و ذكر اليعقوبي عند مقتل عثمان و بيعة الناس لأمير المؤمنينعليه‌السلام أنه كان أول من تكلم من الأنصار،فقال:و الله يا أمير المؤمنين لئن كانوا تقدموك في الولاية فما تقدموك في الدين...(تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٧٩).

٢٠٦

٧- إن فلانا و فلانا أتياني و طالباني بالبيعة.

عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال:لما أتى أبو بكر و عمر إلى منزل أمير المؤمنينعليه‌السلام و خاطباه في البيعة و خرجا من عنده،خرج أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى المسجد،فحمد الله و أثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت،إذ بعث فيهم رسولا منهم،و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.ثم قال:

«إن فلانا و فلانا أتياني و طالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني،أنا ابن عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أبو إبنيه،و الصديق الأكبر،و أخو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقولها أحد غيري إلا كاذب،و أسلمت و صليت،و أنا وصيه،و زوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمدعليهما‌السلام ،و أبو حسن و حسين سبطي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،و نحن أهل بيت الرحمة،بنا هداكم الله،و بنا استنقذكم من الضلالة،و أنا صاحب يوم الدوح(١) ،و في نزلت سورة من القرآن،و أناالوصي علي الأموات من أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنا بقيته على الأحياء من امته،فاتقوا الله يثبت أقدامكم و يتم نعمته عليكم».

ثم رجععليه‌السلام إلى بيته.

*الامالي للطوسي المجلس ٢٢ الحديث ١ ص ٥٦٨،بحار الانوار ج ٢٨ ص ٢٤٨ الرقم .٢٩

____________________

(١)يريدعليه‌السلام يوم الغدير،حيث أمر رسول الله بدوحات فقممن.

٢٠٧

٨- يا معشر قريش أنا أحق بهذا الأمر منكم.

من كتاب أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى شيعته

«...و لم يكونوا لولاية أحد منهم أكره منهم لولايتي،كانوا يسمعون و أنا أحاج أبا بكر و أقول:يا معشر قريش أنا أحق بهذا الأمر منكم،ما كان منكم من يقرأ القرآن و يعرف السنة و يدين بدين الله الحق؟

و إنما حجتي أني ولي هذا الأمر من دون قريش،إن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال:«الولاء لمن أعتق»فجاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعتق الرقاب من النار و أعتقها من الرق،فكان للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاء هذه الامة،و كان لي بعده ما كان له،فما جاز لقريش من فضلها عليها بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جاز لبني هاشم على قريش،و جاز لي على بني هاشم بقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم:«من كنت مولاه فعلي مولاه»،إلا أن تدعي قريش فضلها على العرب بغير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فإن شاءوا فليقولوا ذلك...».

*كشف المحجة للسيد ابن طاووس الفصل ١٥٥ ص ٢٤٥،معادن الحكمة لعلم الهدى ج ١ ص ٣٣،بحار الانوار ج ٣٠ ص .٧

٢٠٨

٩-اتمام الحجة على الناس.

خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام و هي خطبة الوسيلة.قال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام :إن أمير المؤمنينعليه‌السلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،و ذلك حين فرغ من جمع القرآن و تأليفه فقال:

«الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده(١) و حجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبه و التشاكل بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته و لا يتبعض بتجزئة العدد في كماله،فارق الأشياء لا على اختلاف الأماكن و يكون فيها لا على وجه الممازجة،و علمها لا بأداة- لا يكون العلم إلا بها(٢) - و ليس بينه و بين معلومه علم غيره به،كان عالما بمعلومه،إن قيل:كان،فعلى تأويل أزلية الوجود و إن قيل:لم يزل،فعلى تأويل نفي العدم(٣) ،فسبحانه و تعالى عن قول من عبد سواه و اتخذ إلها غيره علوا كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه و أوجب قبوله على نفسه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله،شهادتان ترفعان القول و تضاعفان العمل،خف ميزان ترفعان منه و ثقل ميزان توضعان فيه و بهما الفوز بالجنة و النجاة من النار و الجواز على الصراط و بالشهادة تدخلون الجنة و بالصلاة تنالون الرحمة،أكثروا من الصلاة على نبيكم( إن الله و ملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما ) (٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما. أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام و لا كرم أعز من التقوى

____________________

(١)أي:لا يدرك منه إلا أنه تعالى موجود و أما ذاته فلا.

(٢)هذه الجملة صفة لأداة،و الضمير المجرور بالياء يرجع إليها،أي:علم الاشياء لا بأداة لا يكون علم المخلوق إلا بها.

(٣)أي:ليس كونه و بقاءه مقرونين بالزمان على ما يفهم من كلمة كان و لم يزل.

(٤)الاحزاب: .٥٦

٢٠٩

‏و لا معقل أحرز من الورع و لا شفيع أنجح من التوبة و لا لباس أجمل من العافية و لا وقاية أمنع من السلامة و لا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة،و لا كنز أغنى من القنوع،و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوء خفض الدعة،و الرغبة مفتاح التعب،و الإحتكار مطية النصب،و الحسد آفة الدين،و الحرص داع إلى التقحم في الذنوب و هو داعي الحرمان،و البغي سائق الى الحين(١) ،و الشرة(٢) جامع لمساوى‏ء العيوب،رب طمع خائب و أمل كاذب و رجاء يؤدي إلى الحرمان،و تجارة تؤول إلى الخسران،ألا و من تورط في الامور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب،و بئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم،و لا عز أرفع من الحلم،و لا حسب أبلغ من الأدب،و لا نصب(٣) أوضع من الغضب،و لا جمال أزين من العقل،و لا سوأة(٤) أسوء من الكذب،و لا حافظ أحفظ من الصمت،و لا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره،و من رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره،و من سلم سيف البغي قتل به،و من حفر لأخيه بئرا وقع فيها،و من هتك حجاب غيره انكشف عورات بيته،و من نسي زلله استعظم زلل غيره،و من أعجب برأيه ضل،و من استغنى بعقله زل،و من تكبر على الناس ذل،و من سفه على الناس‏

____________________

(١)الحين:الهلاك و المحنة.

(٢)الشره:غلبة الحرص و الغضب و الطيش و الحدة و النشاط.

(٣)النصب:التعب و المشقة الذي يتفرع على الغضب.

(٤)السوأة:الخصلة القبيحة.

٢١٠

شتم،و من خالط الأنذال(١) حقر،و من حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس إنه لا مال هو أعود(٢) من العقل،و لا فقر هو أشد من الجهل،و لا واعظ هو أبلغ من النصح،و لا عقل كالتدبير،و لا عبادة كالتفكر،و لا مظاهرة(٣) أوثق من المشاورة،و لا وحشة أشد من العجب(٤) ،و لا ورع كالكف عن المحارم،و لا حلم كالصبر و الصمت.

أيها الناس في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه:شاهد يخبر عن الضمير،حاكم يفصل بين الخطاب،و ناطق يرد به الجواب،و شافع يدرك به الحاجة،و واصف يعرف به الأشياء،و أمير يأمر بالحسن،و واعظ ينهى عن القبيح،و معز(٥) تسكن به الأحزان،و حاضر تجلى به الضغائن(٦) ،و مونق(٧) تلتذ به الأسماع.

أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل.

و اعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم،و من لا يعلم يجهل،و من لا يتحلم لا يحلم(٨) ، و من لا يرتدع(٩) لا يعقل،و من لا يعقل يهن،و من يهن لا يوقر،و من لا يوقر يتوبخ،و من يكتسب مالا من غير حقه

____________________

(١)الأنذال:السفهاء و الاخساء.

(٢)الأعود:الأنفع.

(٣)المضاهرة:المعاونة.

(٤)العجب:الكبر و إعجاب المرء بنفسه و فضائله و أعماله.

(٥)معز من التعزية بمعنى التسلية.

(٦)الضغائن:جمع الضغينة بمعنى الحقد.

(٧)المونق:المعجب.

(٨)أي:لا يحصل ملكة الحلم إلا بالتحلم و هو تكلف الحلم.

(٩)الردع:الرد و الكف:«و من لا يرتدع»أي:من لا ينزجر عن القبائح بنصح الناصحين لا يكون عاقلا و لا يكمل عقله.

٢١١

‏يصرفه في غير أجره(١) ،و من لا يدع و هو محمود يدع و هم مذموم(٢) ،و من لم يعط قاعدا منع قائما(٣) ،و من يطلب العز بغير حق يذل،و من يغلب بالجور يغلب،و من عاند الحق لزمه الوهن،و من تفقه وقر،و من تكبر حقر،و من لا يحسن لا يحمد.

أيها الناس إن المنية قبل الدنية(٤) ،و التجلد قبل التبلد(٥) ،و الحساب قبل العقاب(٦) ،و القبر خير من الفقر،و غض البصر خير من كثير من النظر،و الدهر يوم لك و يوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر(٧) و إذا كان عليك فاصبر فبكليهما تمتحن(٨) .

أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه،و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها،فإن سنح له(٩) الرجاء أذله الطمع،و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص،و إن ملكه اليأس قتله الأسف،و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ،و إن أسعد بالرضا نسي التحفظ(١٠) ،و إن ناله الخوف شغله الحذر،و إن اتسع له الأمن من استلبته العزة(١١) ،و إن جددت له نعمة أخذته العزة،و إن أفاد مالا أطغاه الغنى،و إن عضته(١٢) فاقة شغله البلاء(١٣) ،و إن أصابته

____________________

(١)أي:فيما لا يوجر عليه في الدنيا و الآخرة.

(٢)أي:من لا يترك الشر و ما لا ينبغي على اختيار يدعه على اضطرار و لا يحمد بهذا الترك.

(٣)أي:من لم يعط المحتاجين حال كونه قاعدا يقوم عنده الناس و يسألونه،يبتلى بأن يفتقر إلى سؤال غيره فيقوم بين يديه و يسأله و لا يعطيه.

(٤)المنية:الموت،و الدنية:الذلة،يعني أن الموت خير من الذلة،فالمراد بالقبلية القبلية بالشرف.

(٥)التجلد:تكلف الشدة و القوة،و التبلد:ضده.

(٦)أي:محاسبة النفس في الدنيا خير من التعرض للعقاب في الاخرى.

(٧)البطر:شدة الفرح.

(٨)و في نسخة:و كلاهما سيختبر.

(٩)سنح له:بدا و ظهر.

(١٠)التحفظ:التوقي و التحرز من المضرات.

(١١)و في نسخة:أخذته العزة.

(١٢)عضه:أمسكه بأسنانه.

(١٣)و في نسخة:جهده الكباء.

٢١٢

‏مصيبة فضحه الجزع،و إن أجهده الجوع قعد به الضعف،و إن أفرط في الشبع كظته البطنة(١) ،فكل تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد.

أيها الناس إنه من فل(٢) ذل،و من جاد ساد،و من كثر ماله رأس(٣) ،و من كثر حمله نبل(٤) ،و من أفكر في ذات الله تزندق،و من أكثر من شي‏ء عرف به،و من كثر مزاحه استخف به،و من كثر ضحكه ذهبت هيبته،فسد حسب من ليس له أدب،إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال،ليس من جالس الجاهل بذي معقول،من جالس الجاهل فليستعد لقيل و قال،لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله.

أيها الناس لو أن الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج و اللئيم الملهوج(٥) .

أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة(٦) أهل التفريط و فطنة(٧) الفهم للمواعظ ما يدعوا النفس إلى الحذر من الخطر،و للقلوب خواطر(٨) للهوى،و العقول تزجر و تنهى،و في التجارب علم مستأنف،و الإعتبار يقود إلى الرشاد،و كفاك أدبا لنفسك ما تكرهه لغيرك،و عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه،لقد خاطر(٩) من استغنى

____________________

(١)أي:ملأته حتى لا يطيق النفس.يقال:كظ الطعام فلانا،أي:ملأه حتى لا يطيق التنفس.

(٢)فل- بالفاء-ي كسر.و في بعض النسخ بالقاف،أي:من قل في الاحسان و الجود فهو ذليل.

(٣)رأس بفتح الهمزة أي هو رئيس للقوم،و يحتمل أن يكون من رأس يرأس أي مشى متبخترا أو أكل كثيرا.

(٤)النبل:الفضل و الشرف و النجابة.

(٥)الملهوج:الحريص- مفعول بمعنى الفاعل- كسعود.

(٦)المدرجة:المذهب و المسلك.

(٧)الفطنة:الحذق و الفهم.

(٨)الخواطر:جمع خاطر:ما يخطر بالقلب و النفس من أمر أو تدبير.

(٩)يقال:خاطر بنفسه،عرضها للخطر أي:أشرف نفسه للهلاك.

٢١٣

برأيه،و التدبر قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم،و من استقبل وجوه الآراء(١) عرف مواقع الخطأ،و من أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول(٢) ،و من حصن شهوته فقد صان قدره،و من أمسك لسانه أمنه قومه و نال حاجته،و في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال،و الأيام توضح لك السرائر الكامنة،و ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة(٣) ،و من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار و الهيبة،و أشرف الغنى ترك المنى،و الصبر جنة من الفاقة،و الحرص علامة الفقر،و البخل جلباب المسكنة،و المودة قرابة مستفادة،و وصول معدم(٤) خير من جاف مكثر،و الموعظة كهف لمن وعاها،و من أطلق طرفه كثر أسفه(٥) ،و قد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله،و قل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان(٦) ،و من ضاق خلقه مله أهله،و من نال استطال،و قل ما تصدقك الامنية،و التواضع يكسوك المهابة،و في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق،كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره(٧) و من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه،وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤمن(٨) ،و في‏

____________________

(١)استقبال وجوه الاراء ملاحظتها واحدا واحدا.

(٢)أي:حكم العقول بعدالة رأيه و صوابه.

(٣)لعل المراد أنه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم النادرة كالبرق الخاطف بل ينبغي أن تواظب على سماع المواعظ و تستضي‏ء دائما بأنوار الحكم لتخرجك من الظلمات،و يحتمل أن يكون المراد:لا ينفع سماع العلم مع الانغماس في ظلمات المعاصي و الذنوب.

(٤)وصول- بفتح الواو-ي:البار و المعدم:الفقير لأنه أعدم المال.

(٥)الطرف- بسكون الراء- :العين،أي:و من أطلق عينه كثر أسفه.

(٦)يعني يحملك في الأكثر على المبالغة و الزيادة في القول.

(٧)يعني و هو في آخر عمره و لا يدري.

(٨)أي:اقصد الوسط العدل من القول و جانب التعدي و الافراط و التفريط ليخف عليك المؤون.

٢١٤

خلاف النفس رشدك،من عرف الأيام لم يغفل عن الإستعداد،ألا و إن مع كل جرعة شرقا و إن في كل أكلة غصصا،لا تنال نعمة إلا بزوال اخرى،و لكل ذي رمق قوت،و لكل حبة آكل،و أنت قوت الموت.

إعلموا أيها الناس أنه من مشي على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها،و الليل و النهار يتنازعان(١) في هدم الأعمار.

يا أيها الناس كفر النعمة لؤم،و صحبة الجاهل شؤم،إن من الكرم لين الكلام،و من العبادة إظهار اللسان و إفشاء السلام،إياك و الخديعة فإنها من خلق اللئيم،ليس كل طالب يصيب و لا كل غائب يؤوب،لا ترغب فيمن زهد فيك،رب بعيد هو أقرب من قريب،سل عن الرفيق قبل الطريق و عن الجار قبل الدار،ألا و من أسرع في المسير أدركه المقيل(٢) ،استر عورة أخيك كما تعلمها فيك،اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك،من غضب على من لا يقدر على ضره طال حزنه و عذب نفسه،من خاف ربه كف ظلمه(٣) ،و من لم يزغ(٤) في كلامه أظهر فخره،و من لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة،إن من الفساد إضاعة الزاد،ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا،هيهات هيهات و ما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي و الذنوب فما أقرب الراحة من التعب و البؤس من النعيم،و ما شر بشر بعده الجنة،و ما خير بخير بعده النار،و كل نعيم دون الجنة محقور،و كل بلاء دون النار عافية،و عند تصحيح الضمائر تبدوا الكبائر،تصفية العمل أشد من العمل و تخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد،هيهات لو لا التقى لكنت أدهى العرب(٥)

____________________

(١)و في نسخة اخرى:يتسارعان.

(٢)المقيل من القيلولة.

(٣)و في نسخة:من خاف ربه كفى عذابه.

(٤)أي:من لم يمل في كلامه عن الحق.

(٥)الدهاء:جودة الرأي و الحذق،و بمعنى المكر و الاحتيال و هو المراد ههنا.

٢١٥

أيها الناس إن الله تعالى وعد نبيه محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة و وعده الحق و لن يخلف الله وعده،ألا و إن الوسيلة على درج الجنة و ذروة ذوائب الزلفة(١) و نهاية غاية الامنية،لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس(٢) الجواد مائة عام،و هو ما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة،إلى مرقاة زبرجدة،إلى مرقاة لؤلؤة،إلى مرقاة ياقوتة،إلى مرقاة زمردة،إلى مرقاة مرجانة،إلى مرقاة كافور،إلى مرقاة عنبر،إلى مرقاة يلنجوج(٣) ،إلى مرقاة ذهب،إلى مرقاة غمام،إلى مرقاة هواء،إلى مرقاة نور(٤) ،قد أنافت كل جنان،و رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ قاعد عليها،مرتد بريطتين(٥) .ريطة من رحمة الله و ريطة من نور الله،عليه تاج النبوة و إكليل(٦) الرسالة قد أشرق بنوره الموقف،و أنا يومئذ على الدرجة الرفيعة و هي دون درجته،و علي ريطتان ريطة من أرجوان النور و ريطة من كافور،و الرسل و الأنبياء قد وقفوا على المراقي،و أعلام الأزمنة و حجج الدهور عن أيماننا و قد تجللهم حلل النور و الكرامة،لا يرانا ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا و عجب من ضيائنا و جلالتنا،و عن يمين الوسيلة عن يمين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله غمامة بسطة البصر(٧) يأتي منها النداء:يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي و آمن بالنبي الامي العربي و من كفر فالنار موعده،و عن يسار الوسيلة عن يسار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ظلة يأتي منها النداء :يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي و آمن بالنبي الامي و الذي

____________________

(١)أي:أعلاها و الزلفة:القرب.

(٢)حضر الفرس- بالضم- عدوه.

(٣)يلنجوج:عود البخور.

(٤)تشبيه المراقي بالجواهر اشارة إلى اختلاف الدرجات في الشرف و الفضل.

(٥)الريطة:كل ثوب رقيق لين.

(٦)الإكليل:التاج.

(٧)أي:قدر مد البصر.

٢١٦

‏له الملك الأعلى،لا فاز أحد و لا نال الروح و الجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما و الإقتداء بنجومهما،فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم و شرف مقعدكم و كرم مآبكم و بفوزكم اليوم على سرر متقابلين،و يا أهل الإنحراف و الصدود عن الله عز ذكره و رسوله و صراطه و أعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم و غضب ربكم جزاءا بما كنتم تعملون.

و ما من رسول سلف و لا نبي مضى إلا و قد كان مخبرا امته بالمرسل الوارد من بعده و مبشرا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و موصيا قومه باتباعه و محليه عند قومه ليعرفوه بصفته و ليتبعوه على شريعته و لئلا يضلوا فيه من بعده فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الإعذار و الإنذار عن بينة و تعيين حجة،فكانت الامم في رجاء من الرسل و ورود من الأنبياء و لئن اصيبت بفقد نبي بعد نبي على عظم مصائبهم و فجائعها بهم فقد كانت على سعة من الأمل،و لا مصيبة عظمت و لا رزية جلت كالمصيبة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأن الله ختم به الإنذار و الإعذار و قطع به الإحتجاج و العذر بينه و بين خلقه،و جعله بابه الذي بينه و بين عباده و مهيمنه(١) الذي لا يقبل إلا به و لا قربة إليه إلا بطاعته،و قال في محكم كتابه:(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاکَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )(٢) فقرن طاعته بطاعته و معصيته بمعصيته،فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه و شاهدا له على من اتبعه و عصاه،و بين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم،فقال تبارك و تعالى في التحريض على اتباعه و الترغيب في تصديقه و القبول لدعوته:( قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْکُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ ) (٣) فاتباعهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

(١)المهيمن:القائم الحافظ و المشاهد و المؤتمن.

(٢)النساء: .٨٠

(٣)آل عمران: .٣١

٢١٧

محبة الله و رضاه غفران الذنوب و كمال الفوز و وجوب الجنة و في التولي عنه و الإعراض محادة الله و غضبه و سخطه،و البعد منه مسكن النار و ذلك قوله :( وَ مَنْ يَکْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ) (١) يعني الجحود به و العصيان له.

فإن الله تبارك اسمه إمتحن بي عباده و قتل بيدي أضداده و أفنى بسيفي جحاده و جعلني زلفة للمؤمنين و حياض موت على الجبارين و سيفه على المجرمين و شد بي أزر رسوله و أكرمني بنصره و شرفني بعلمه و حباني بأحكامه و اختصني بوصيته و اصطفاني بخلافته في امته،فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد حشده(٢) المهاجرون و الأنصار و انغصت(٣) بهم المحافل:«أيها الناس إن عليا مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي».فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه و امه كما كان هارون أخا موسى لأبيه و امه و لا كنت نبيا فاقتضي نبوة و لكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون حيث يقول:( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ‌ ) (٤) .

و قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين تكلمت طائفة فقالت:نحن موالي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حجة الوداع ثم صار إلى غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر ثم علاه و أخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله:«من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه»،فكانت على ولايتي ولاية الله و على عداوتي عداوة الله،و أنزل الله عز و جل في ذلك اليوم( الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ‏

____________________

(١)هود: .١٧

(٢)حشد القوم،أي:اجتمعوا.

(٣)أي:تضيقت بهم المحافل.

(٤)الاعراف: .١٤٢

٢١٨

عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً ) (١) فكانت ولايتي كمال الدين و رضا الرب جل ذكره و أنزل الله تبارك و تعالى اختصاصا لي و تكرما نحلنيه و إعظاما و تفضيلا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منحنيه و هو قوله تعالى:( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُکْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ‌ ) (٢) .

في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الإرتفاع فطال لها الإستماع و لئن تقمصها دوني الأشقيان و نازعاني فيما ليس لهما بحق و ركباها ضلالة و اعتقداها جهالة فلبئس ما عليه وردا و لبئس ما لأنفسهما مهدا،يتلاعنان في دورهما و يتبرأ كل واحد منهما من صاحبه يقول لقرينة إذا التقيا:( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَکَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ‌ ) (٣) فيجيبه الأشقى على رثوثة(٤) :يا ليتني لم أتخذك خليلا لقد اضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني و كان الشيطان للإنسان خذولا.

فأنا الذكر الذي عنه ضل،و السبيل الذي عنه مال،و الإيمان الذي به كفر،و القرآن الذي إياه هجر،و الدين الذي به كذب،و الصراط الذي عنه نكب،و لئن رتعا في الحطام المنصرم(٥) و الغرور المنقطع و كانا منه على شفا حفرة من النار لهما على شر ورود،في أخيب وفود و ألعن مورود،يتصارخان باللعنة و يتناعقان(٦) بالحسرة،ما لهما من راحة و لا عن عذابهما من مندوحة.

إن القوم لم يزالوا عباد أصنام و سدنة أوثان،يقيمون لها المناسك

____________________

(١)المائدة: .٣

(٢)الانعام: .٦٢

(٣)الزخرف: .٣٨

(٤)الرثاثة:البذاذة،و من اللباس:البالي.

(٥)الرتع:التنعم،و الحطام:الهشيم و من الدنيا كل ما فيها يفنى و يبقى،و المنصرم:المنقطع.

(٦)نعق بغنمه:صاح.

٢١٩

‏و ينصبون لها العتائر(١) ،و يتخذون لها القربان،و يجعلون لها البحيرة و الوصيلة و السائبة و الحام(٢) ،و يستقسمون بالأزلام(٣) عامهين(٤) عن الله عز ذكره،حائرين عن الرشاد،مهطعين إلى العباد،و قد استحوذ عليهم الشيطان،و غمرتهم سوداء الجاهلية و رضعوها جهالة و انفطموها ضلالة،فأخرجنا الله إليهم رحمة و أطلعنا عليهم رأفة و أسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه و فضلا لمن اتبعه و تأييدا لمن صدقه،فتبوؤا العز بعد الذلة و الكثرة بعد القلة و هابتهم القلوب و الأبصار و أذعنت لهم الجبابرة و طوائفها و صاروا أهل نعمة مذكورة و كرامة ميسورة و أمن بعد خوف و جمع بعد كوف(٥) ،و أضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان و أولجناهم(٦) باب الهدى و أدخلناهم دار السلام و أشملناهم ثوب الإيمان و فلجوا بنا في العالمين،و أبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد و مصلى قانت و معتكف زاهد،يظهرون الأمانة و يأتون المثابة،حتى إذا دعا الله عز و جل نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله و رفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة(٧) أو و ميض(٨) من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب و انتكصوا(٩) على الأدبار و طلبوا بالأوتار و أظهروا الكتائب و ردموا الباب و فلوا(١٠) الديار و غيروا آثار

____________________

(١)العتائر:جمع العتيرة و هي شاة كانوا يذبحونها في رجب لالهتهم.

(٢)البحيرة و السائبة:ناقتان مخصوصتان كانوا يحرمون الانتفاع بهما.و الوصيلة:شاة مخصوصة يذبحونها على بعض الوجوه و يحرمونها على بعض و الحام:الفحل من الابل الذي طال مكثه عندهم فلا يركب و لا يمنع من كلاء و ماء.

(٣)الاستسقام بالازلام:طلب معرفة ما قسم لهم مما لم يقسم بالأقداح.

(٤)العمه:التحير و التردد.

(٥)أي:تفرق و تقطع.

(٦)أي:أدخلناهم.

(٧)الخفقة:النعاس.

(٨)الوميض:اللمع الخفي.

(٩)الانتكاص:الرجوع.

(١٠)فلوا:كسروا.

٢٢٠