• البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20389 / تحميل: 4150
الحجم الحجم الحجم
العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت

العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت

مؤلف:
العربية

العقيدة الإسلامية

على ضوء

مدرسة أهل البيت عليهم السلام

تأليف

العلّامة المحقّق الأُستاذ

جعفر السبحاني

نقله إلى العربية

جعفر الهادي

١

٢

العقيدة الإسلامية

على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام

٣

عن ابن عباس :

سأل رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال:

ما رأس العلم يا رسول الله؟

قال صلى الله عليه وآله وسم: «معرفة الله حق معرفته ».

التوحيد للصدوق: ٢٨٥

قال الإمام الصادق عليه السلام:

«إنّ أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة ربّه والإقرار له بالعبوديّة ».

بحار الأنوار: ٤/٥٥

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المؤلّف

الحمدُ للهِ ربّ العالَمين والصَّلاةُ والسَّلام على محمد رسول الله، الخاتمِ لما سَبَق، والفاتِحِ لما انغَلَق، والمعْلِن الحقَ بالحقّ، والدافعِ جَيْشاتِ الأباطيلِ، والدامغ صولاتِ الأضالِيل، وعلى أهل بيته المطهَّرين، موضعِ سرِّه، ولَجأ أمرِه، وعيبة علمِهِ، وموئِلِ حكمِهِ، وكهوفِ كتُبهِ، وجبالِ دينهِ، الذين بهم أقام انحناء ظهره، وأذهب ارتعاد فرائضه، دعائم الإسلام وولائجِ الاعتصام.

إنّ التَدَيُّن، والتوجُّهَ إلى الدّين لهوَ - بحقٍّ - من أقدم التوَجُّهات البشريّة التي سَجّلها التاريخُ الإنسانيُ، وأكثرها

٥

أصالة، وتجذّراً في الحياة والتاريخ.

فالحياةُ البشريّة - بشهادةِ الوثائق التاريخيّة القطعيّة - لم تخلُ قطّ في أيّ فترة من فتراتها، من التوجُّه إلى الدّين، ومن الإحساس الديني.

والعصرُ الحاضرُ (عَصر التكنولوجيا والتقدّم الماديّ) وبخاصّةٍ الإنسان الغربيّ الذي كان مرتبطاً أكثرَ من الآخرين بهذا التقدّم ومعطياته وإن شهد نوعاً من النكوص، والابتعاد عن الدين، وعن القضايا المعنويّة ظَنّاً بأنّ المنهجَ الماديَّ كفيلٌ بحلِّ جميع المشكلات البشرية، إلّا أنّه سرعان ما رجَعَ عن ذلك التصوّر، وأدرَكَ أنّ العلمَ الماديّ الّذي تصوّرَ أنّه قادرٌ على تحقيق أمانيّ البَشريّة في العَدل والحريّة والسّلام، ليس بمفردِهِ قادراً على مَنح السعادة للبشريّة بل لابدّ أن يكون في جنبه الإحساسُ الدينيّ والقضايا المعنوية، وإلّا انهار تماسُكُ المجتمعِ البشريِّ، وتفتَّتَتِ الروابطُ والعلاقاتُ الاجتماعيةُ وتفسّختِ العائلةُ.

وهكذا أصبحت البشريةُ تعودُ مرةً أُخرى إلى فطرتها، وتُقبلُ على الدين ومفاهيمه ومعارفه، حُلولِه.

٦

وفي الحقيقة فإنَّ النكسةَ الماديّة في مجالِ منح السعادة للبشرية، وتحقيق أمانيّها في الحريّة والعدل والسَلام صارت سبباً للبحث مجدَّداً عن معينِ الدين الصافي، ونبعه العذب بعد فترة من حرمان نفسها من مزايا الدين وفضائله، فإذا هي في عودتها القويّة إلى ضالّتها هذه كالظمآن الذي حُرِمَ من الماء رَدْحاً طويلاً مِن الزمن.

إنّ هذه الظاهرة الآن من الوُضوح والجَلاء بحيث لا يحتاج المرءُ إلى إقامة دليلٍ أو شاهدٍ عليها.

فهي ظاهرةٌ يعرفُها جيّداً كلُّ من له اطّلاعٌ على مجريات السّاحةِ العالميّة في العَصر الحاضر، وإلمامٌ بوقائِعهِا، وحوادِثِها.

ولقد بَلَغَ التوجُّهُ الجديدُ إلى الدين من القوّة بمكان حتى أصبَحَ محطَّ اهتمام المراكز العلميّة العليا في شتّى نقاط العالم، وراحَ المفكِّرون يتحدّثون عنه، حتى أنّه لا يمرُّ يومٌ أو أُسبوعٌ، أو شهرٌ إلّا وتطلُع علينا عشراتُ الدّراسات والمقالات بل الأبحاث المفصَّلّة والمعمَّقة حول قضيّة الدّين، وظاهرةِ التدينِ، والقضايا الروحيةِ والدينيةِ.

٧

وهذه الظاهرةُ وإن كانت تُخيفُ بعضَ الزعماء الماديّين، حيث يتصوّرون أنّ عودة البشرية إلى الدين والتديُّن، يُعَدُّ تهدِيداً للكيانِ السياسيّ والماديّ ولكنّنا نتفاءَلُ بها، وبالتالي فنحن جدُّ مسرورين بعودة البشرية إلى أحضانِ الدين الدافِئة، وشواطِئِه الآمنةِ، غير أَنّنا إلى جانب ذلك التفاؤلِ والاستبشار، وهذا الابتهاج والسُّرور، لا يمكن أن نتجاهلَ نقطةً مهمّةً تدعو للقلق وهي أنّ هذا التعطُّشَ المتزايد والمتصاعِدَ، إنْ لم يُروَ بصورةٍ صحيحةٍ وسليمة، وسُمِحَ للأفكار غير الصحيحة بأن تُعرَضَ تحت عنوان الدين، لم يجد الإنسانُ المعاصرُ (والإنسانُ الغربي منه بالذات) ضالَّتَه المنشودة بل يكون مثله مثل المستجير من الرمضاءِ بالنّار، وربّما آلَ به الأمرُ - لو حدثَ هذا - إلى أن يُعرِضَ عنِ الدّينِ، وينأى عن التديّنِ.

ولهذا فإنَّ على الكُتّابِ الملتزِمين الواعين، وعلماءِ الدّينِ المخلصين الّذين لَمَسُوا الداءَ، وعَرِفوا الدواءَ، وأدرَكوا الحاجة، وعَلموا بالعِلاج، أنْ يُبادِروا إلى تقديمِ الأجابة الصحيحة للجموعِ البشَرية المقبِلة على الدّين، والعائدةِ إلى فطرتِها، ويقُوموا بِعَرض المفاهيم والحُلُول الدِينيّة بالشَكل اللائِقِ، والصُّورةِ السَليمة، وَيُسَهِّلُوا - بذلك - لِطُلّاب الحقيقة،

٨

وبُغاة الحقّ طريقَ الوصول إلى الفيض الإلهيّ الجاري زُلالاً، نَقيّاً لاشوب فيه، صافياً لا غَبَش عليه، ساطعاً لا يعلُوه غُبار.

إنّ على علماءِ الأُمّةِ الحريصين على الدّين، والمهتمّين بشؤون المسلمين ممّن يحملون همَّ الأُمة، ويشعرون بالمسؤوليّة، ويدركون أهميّتها، وعِبئها كوظيفة شرعيّةٍ، وواجبٍ إلهيّ، أن لا يسمَحوا لأشخاص غيرِ صالحين، ولا لأصحاب المطامع والأغراضِ المريضةِ، بعَرضِ عقائِدِهم السقيمة، وآرائهم الباطلة على الناس بِاسم الدين وتحت يافِطَتِهِ.

نحن إذ نعتبرُ «الإسلامَ» آخر وأكمل الشرائع الإلهيّة، ونعتقد بأنّ هذا الدّين يُلبّي كلَّ الإحتياجاتِ البشريّة إلى يومِ القيامة سواء منها الفرديّة أو الإجتماعيّة، نرى أنّ من الواجب علينا في هذا العصر «عصر الإتصالات» أن نستفيد من جميع الوسائل والأدواتِ المتقدِّمة، لِعرض المفاهيم الدينيّة، ونشر العقائِدِ، والتعاليم الإسلامية بشكلِها الصحيح.

هذا من جانب، ومن جانب آخر نعتقد أنّ طريقة أهل البيت والعترةِ النبويّةِ الطاهرةِ هي الحقيقة، وهي المعْبَر الآمن إلى

٩

معينٍ «الإسلام» الصافي النقيّ، بعيداً عن تدخّل الأيدي الغريبة والمريبة.

فقد كان للأُسس والمبادئ المتينة التي انطوت عليها هذه الطريقةُ، وهذه المدرسَة، وكذا لاستنادها إلى أهل البيت النبويّ، طيلة التاريخ الإسلامي، جاذبيّة كبرى دَفَعت بِعُشّاق الحقّ، وبالباحثين عن الحقيقة إلى اعتناقها، والدفاع عنها.

وهنا نطوي صَفحةَ هذه المقدّمة التوضيحيَّة، ونبدأ بعرض، وبيان الأُصول الإسلامية في مجالِ العقيدة والشريعة، مزيجةً مقرونةً بالأدِلَّة القاطِعة، والبراهينِ الساطِعة.

ومن البديهيّ انَّ أُطروحةَ بيانِ العقائد الإسلاميّة الكاملة تتوقّف على بيان كلياتٍ في مجال نظريّة المعرفة ونظرة الإسلام إلى الكونِ والحياةِ والإنسانِ.

فإنّ بيان هذا القسم في أيّة مدرسة عقائديّة، كفيلٌ بإيقافِنا على رُؤْيتها، ونظرتها العامّة، إلى مجموعة النّظام الكونيّ، والعالَمِ الإمكانيّ.

ونحن هنا - تجنُّباً من التطويل في الكلام - نَعْمَدُ إلى عَرضِ

١٠

أُسس هذا القِسم على نحو الإيجاز، والإختصار، ومِن المعلوم أنَّ المزيدَ من التفصيل في كلّ أصلٍ من هذهِ الأُصول موكولٌ إلى الكتب الكلامِيّة المؤلّفة بيد علماء أهل البيت.

والله نسألُ - في الخاتمة - أنْ يجعلَ هذه الخطوةَ عَمَلاً من شأنه توضيح صورة الإسلام الحنيف إنّه الموفق والمعين.

جعفر السبحاني

قم المشرَّفة

١١

١٢

الفصل الاَوّل

أُصولُ النظرة الاِسلامية

إلى الكون والاِنسان والحياة

١٣

١٤

طرقُ المعرفة وأدواتُها في الاِسلام

الاَصلُ الاَوّل: طرق المعرفة

يستعين الاِسلامُ لمعرفة الكون، وللوصول إلى الحقائق الدينيَّة بثلاثة أنواع من الاَدَوات مع أنّه يعتبر لكلّ واحدٍ منها مجالاً مختصّاً به.

وهذه الاَدَوات هي:

١. الحِسّ، وأهّم الحواسّ هما حاسّتا السمع والبصر.

٢. العقل الّذي يكتشف الحقيقة في مجالٍ محدودٍ وخاصّ، منطلِقاً في ذلك من أُصول ومبادىَ خاصّةٍ.

٣. الوحي الّذي هو وسيلة لارتباط ثُلّةٍ ممتازة ومميّزة من البشر بعالم الغيب.

وفي إمكان البشريّة جميعاً أن يستفيدوا من الطّريقين الاَوَّلين في معرفة الكون وفي فهمِ الشّريعة كذلك، بينما الطريق الثالث خاصّ بمن شملتهُ العنايةُ الاِلهيّة، وأبرز نموذج لهذا النمط من النّاس هم رسُلُ الله

١٥

وأنبياؤه الكرام(١)

هذا مضافاً إلى أنّ أدَوات الحسّ وما يسمّى بالحواسّ الخمس، لا يستفاد منها إلاّ في مجال المحسوسات، كما لا يستفاد من أداة العقل إلاّ في مجال محدودٍ يملك العقلُ مبادئه.

على حين يكون مجال الوحي أوسع نطاقاً وأكثر شموليّة، كما انّه نافذٌ في جميع الاَصعدة سواء في مجال العقيدة أو في إطار الوظائف والتَّكاليف.

ولقد تحدّث القرآنُ الكريمُ حولَ هذه الاَدَوات الثلاث في آياتٍ متعددة نأتي هنا بنموذجَين منها:

طرقُ المعرفة وأدواتها في الاِسلام…

فقد قال تعالى عنِ الحسّ والعقل:

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢)

والمراد من الاَفئدةَ في الآية - وهي جمع فؤاد - بقرينة لفظتَي: «السَّمع» و«البصر» هو العقل البشريّ.

على أنّ ذَيلَ الآية المذكورة الذي يتضّمن أَمراً بالشُكر يفيد أنّ على الاِنسان أن يستفيد من هذه الاَدَوات الثلاث لاَنّ الشّكر يعني صَرف كل

____________________

١. جاءت الاِشارة في الاَحاديث الاِسلاميّة إلى مَن وُصِف بالمحدَّث وسيأتي الكلامُ عنه مستقبلاً.

٢. النَحل | ٧٨.

١٦

نعمةٍ في موضِعِها المناسِب.

وحول «الوحي» قال سبحانه:

( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ فَاسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(١)

إنَّ الاِنسان المتديّن يستفيد - في معرفة الكون والحياة، والعقيدة والدين - مِن الحسّ، ولكن غالباً ما تكون المدرَكات الحسيّة أَساساً ومنطلقاً لاَحكامِ العقل أي أن تلك المدرَكات تصنع الاَرضيّة للفكر وحُكمه، كما انّه قد يُستفاد من العقل والفكر في معرفة الله وصفاته وأفعاله وتكون حصيلةُ كلّ واحدة من هذه الطرق والاَدَوات مقبولةً، ونافذةً ومعتبرة في اكتشاف الحقيقة ومعرفتها.

الاَصلُ الثاني: دعوة الاَنبياء والرسل

تتلخّص دعوةُ الاَنبياء والرسُل في أمرين:

١ - العقيدة.

٢ - العمل.

وتتمثل مهمتُهم في مجال «العقيدة» في الدعوة إلى الاِيمان بالله، وصفاته الجماليّة والجلاليّة، وأفعاله.

____________________

١. النحل | ٤٣.

١٧

بينما المقصود من «العمل» هو التّكاليف والاَحكام التي يجب أن تَقوم الحياةُ الفرديّة والاِجتماعيّة على أساسِها.

والمطلوبُ في مجال العقيدة إنّما هو العلم واليقين، ومن المسلَّم أنَّه لا يكون شيءٌ ما حجةً، (وبعبارة أُخرى: لا يَتّسِمْ بالحجيّة) إلاّ ما يؤدي إلى هذا الاَمر المطلوب.

ولهذا يجب على كل مُسلمٍ أنْ يصلَ في عقائده إلى اليقين، فليس له أن يكتفيَ في هذا المجال بمجرد التقليد، فيأخذَ عقائدَه تقليداً، ويعتنِقها من غير تحقيقٍ.

وأمّا في مجال الوظائف والتّكاليف (العمل) فإِنّ ما هو المطلوب فيها هو تطبيق الحياة على أساسِها، والاَخذُ بموازينها في جميع المَجالات الفرديّة والاِجتماعيّة والسّياسيّة والاِقتصاديّة.

وفي هذا الصَعيد ثَمَّت - بالاِضافة إلى اليقين - طُرق أُخرى أيضاً قد أيَّدَتْها الشّريعةُ وفرض علينا الاعتماد عليها للوصول إلى هذه التّكاليف والوظائف، والرجوع إلى المجتهد الجامع للشّرائط هو أَحدُ الطرق التي أيّدها وأقرّها صاحبُ الشريعة.

الاَصلُ الثالث: حجّية العقل والوحي

نحن نعتمد في أَخذ العقائد والاَحكام الدّينيّة على حُجّتين إلَهيّتين هما: العقل والوحي.

١٨

وعمدة الفرق بين هذين هو أنّنا نستفيد مِن «الوحي» في جميع المجالات، بينما نستفيد مِن «العقل» في مجالات خاصّة.

والمقصود مِن «الوحي» هو كتابُنا السَّماوي «القرآن الكريم» والاَحاديث التي تنتهي أسنادها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأمّا أحاديث أئمة أهل البيت: فبما أنّها تنتهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتنبع منه، تسمّى جميعُها بالاِضافة إلى أحاديث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالسُّنة، وتُعتَبر من الحجج الاِلَهيّة.

إنّ العقل والوحي يؤيّد كلٌ منهما حجيّةَ الآخر وإذا أثبتنا بحكم العقل القطعي حجيّة الوحي فإنّ الوحي بدوره يؤيّد كذلك حجيّة العقل في مجاله الخاصّ به.

إنّ القرآن الكريم يَقُودُ - في كثير من المواضع - إلى حكم العقل وقضائه، ويدعو النّاس إلى التّفكر والتّدبر العقلي في عجائب الخلق، ويستعينُ هو كذلك بالعقل لاِثبات مضامين دعوتهِ، وليس ثمَّتَ كتابٌ سماويٌ كالقرآن الكريم يحترِم المعرفةَالعقليَّة (والقضاياَ المدلَّلُ عليها بالعقل السليم). فَالقرآن زاخرٌ بالبراهين العقلية في صعيدِ العقائد، حتّى أنّها تفوقُ الحصرَ.

ولقد أكّد أئمةُ أهل البيت: على حجيّة العقلِ وأحكامهِ في

١٩

المجالات التي يحقُّ للعقل الحكمُ فيها، حتّى أنّ الاِمام السّابع موسى بنَ جعفرٍ (عليه السلام) عدّه إحدى الحجج إذ يقول: «إنّ لله على الناس حجّتين: حجّةً ظاهرةً وحجّةً باطنةً، فأمّا الظّاهرةُ فالرُّسل والاَنبياءُ والاَئمة، وأمّا الباطنةُ فالعُقول»(١) .

الاَصلُ الرّابع: العقل والوحي لا يتعارضان

لمّا كانَ الوحيُ دليلاً قطعيّاً، وكان العقلُ مِصباحاً منيراً جعلهُ الله في كيان كل فردٍ من أفراد النَّوع الاِنسانيّ، - لذلك - لَزِمَ أنْ لا يقع أَيُّ تعارُضٍ بين هاتين الحجّتينِ الاِلَهيَّتين.

ولو بدا تعارضٌ بدائيٌ أحياناً بينَ هاتينِ الحجَّتينِ، فيجب أنْ يُعْلَم بأَنّه ناشىٌ من أحد أمرين: إمّا أنّ اسْتنباطنا مِن الدِّينِ في ذلك المورد غيرُ صحيحٍ، وإمّا أنّ هناك خطأً وقع في مقدّمات البرهانِ العقليّ، لاَنّ الله الحكيم تعالى لايدعُو النّاس إِلى طريقينِ متعارضينِ مُطلقاً.

وكما أنّه لا يُتصَوَّر أي تعارض حقيقي بين العقل والوحي، كذلك لا يحدثُ أَيُّ تعارضٍ بين «العلم» و «الوحي» مطلقاً، وإذا لُوحظَ نوعٌ مِن التعارض بين هذين في بعضِ الاَحايين فإنّه أيضاً ناشىَ من أحد أمرين: إمّا أَنْ يكونَ استنباطُنا من الدّين في هذا الموضع استنباطاً خاطئاً، وإمّا أنَّ

____________________

١. الكافي الأُصول: ج ١، ص ١٦، الحديث ١٢.

٢٠