إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج14%

إيضاح مناسك الحج مؤلف:
المحقق: الشيخ أحمد الماحوزي
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 415

إيضاح مناسك الحج
  • البداية
  • السابق
  • 415 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108934 / تحميل: 9673
الحجم الحجم الحجم
إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

مسألة ١٤٢: ماتقدم من حرمة التظليل يختصّ بالرجال بحال السير وطيّ المسافة، وأما إذا نزل المحرم في مكان سواء اتخذه منزلاً أم لا، كما لو جلس في أثناء الطريق للاستراحة أو ملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك فلا إشكال في جواز الاستظلال له(١) .

وهل يجوز الاستظلال بالأجسام السائرة حال تردده في حوائجه في المكان الذي ينزل فيه أو لا ؟ مثلاً إذا نزل مكّة وأراد الذهاب الى المسجد الحرام لأداء الطواف والسعي، أو نزل مِنى وأراد الذهاب إلى المذبح أو مرمى الجمار، فهل يجوز له ركوب السيارة المسقفة أو رفع المظلة فوق رأسه أو لا ؟ الحكم بالجواز مشكل جداً، فالاحتياط لايترك(٢) .

____________________

(١) بلا خلاف أصلا، والنصوص فيه مستفيضة.

(٢) واستظهر الجواز السيد الخوئي وجزم به بعض اعاظم تلامذته.

ووجهه: أن المحرَّم من التظليل هو المتزامِن مع السير السفري كما هو ظاهر جملة من الروايات، وهو الذي كان موضع استنكار العامة على الخاصة ومحاجة الائمةعليهم‌السلام لهم بان السنّة اذا قيست محق الدين، ولا يقتصر على الجواز في خصوص الظل الثابت - كالخباء والخيمة - كما هو صريح الروايات، اذ لاخصوصية له، إذ محور محاجة الائمةعليهم‌السلام هو المقابل بين حرمة التظليل في السير السفري وجوازه عند انقطاع السفر، لاالتفريق بين مصاديق التظليل، فتأمل.

* يجوز إستعمال المصاعد الكهربائية المستعملة في العمارات السكنية.

١٤١

مسألة ١٤٣: لابأس بالتظليل للنساء والأطفال، وكذلك للرجال عند الضرورة(١) .

مسألة ١٤٤: إذا ظلّل المحرم على نفسه من المطر(٢) أو الشمس لزمته الكفارة، والظاهر أنه لافرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار(٣) ، وإذا تكرر التظليل فالأحوط التكفير عن كل يوم، وإن كان الاظهر(٤) كفاية كفارة واحدة في كل إحرام، ويجزىء في

____________________

مصاديق التظليل، فتأمل ·

(١) نصاً واجماعاً.

(٢) نهاراً، لكونه في الليل احتياطاً وجوبياً، فما يتفرع عليه ينبغي أن يكون كذلك، فلاحظ.

(٣) لدلالة جملة من النصوص عليه، ففي صحيحة ابن ابي محمود قال: قلت للرضاعليه‌السلام : المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يظران به، قال: نعم، قلت: كم الفداء ؟ قال: شاة » وغيرها من الصحاح.

(٤) لصحيحة ابي علي بن راشد قال: قلت لهعليه‌السلام : جعلت فداك أنه يشتد علي كشف الظلال في الاحرام لاني محرور يشتد علي حر الشمس، فقال: ظلل وأرق دما، فقلت له: دما أو دمين، قال: للعمرة، قلت: إنا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج، قال: فأرق دمين » فهي

١٤٢

الكفارة دم شاة.

* مسألة ١٤٥: إذا قام الغير بالتظليل على المحرم حال السير فإن تمكن من التخلص ولم يفعل - ولو لخوف الضرر على نفسه - فعليه الكفارة(١) ولاشيء على الغير مطلقا.

* مسألة ١٤٦: الرجال المحرمون المرافقون للنساء اذا ركبوا السيارات المسقفة نهارا تجب عليهم الكفارة(٢) .

____________________

صريحة في أن لكل احرام كفارة واحدة، وتعبير بعض الاعلام عنها بالموثقة في غير محله اذ ان ابا علي من العظماء الذي تجاوزوا القنطرة ويكفيه فخرا قول المعصوم فيه «عاش سعيداً ومات شهيداً» ولم ينسب له الوقف، والرواي عنه هو ابن عبيد وهو محمد بن عيسى الجليل، وتضعيف الشيخ له مبني على استثنائه من نوادر الحكمة، وهو غير تام، وقد وثقه النجاشي بقوله: جليل في اصحابنا ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف وكان الفضل يثني عليه ويمدحه ويميل اليه ويقول: ليس في أقرانه مثله انتهى، وقد اعتمد الصدوق عليه وارتضاه ولم يسمع كلام استاذه ابن الوليد فيه، بل صرح النجاشي بان الاصحاب ينكرون قول ابن الوليد فيه ويقولون من مثل ابي جعفر محمد بن عيسى.

(١) لوجوب الاضحاء مطلقا.

(٢) اذ موجبها الاختيار ولو اضطرارا كما مر.

١٤٣

* مسألة ١٤٧: لو اضطر المحرم إلى التظليل بعض الوقت لايجوز له الاستمرار في التظليل مع ارتفاع موجبه(١) ، ولكن لو استمر فيه لم تثبت عليه كفارة اخرى(٢) .

٢٢ - إخراج الدم من البدن

لايجوز للمحرم إخراج الدم من جسده على الأحوط(٣) - إلا

____________________

(١) ووجهه واضح.

(٢) لعله لإطلاق صحيحة ابي علي.

(٣) وهو المشهور بين الاصحاب واختاره بعض الاعاظم من تلامذة السيد، وتشهد له جملة من الروايات، كالتي تنهي عن الحجامة والحك اذا كان مؤديا الى الادماء، ولاخصوصية للعناوين المأخوذة فيها سيما بعد قولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية قال: سألته عن المحرم كيف يحك رأسه ؟ قال: باظافيره مالم يدم أو يقطع الشعر » ومثلها صحيحة عمر بن يزيد.

وقد حملها الشيخ في الخلاف والمحقق على الكراهة - وقواها بعض الاعاظم من المعاصرين - بقرينة صحيحة حريز وفيها « لابأس ان يحتجم المحرم مالم يحلق أو يقطع الشعر » وحملها على الضرورة خلاف الظاهر اذ قولهعليه‌السلام «لابأس» بيان للحكم الاولي، نعم يمكن أن يقال بكراهة

١٤٤

لضرورة - وإن كان ذلك بفصد أو حجامة أو قلع ضرس أو حك أو غيرها.

نعم، الاظهر جواز الاستياك وإن لزم منه الإدماء(١) ، وكفارة اخراج الدم - لغير الضرورة - شاة على الأحوط الأولى(٢) .

* مسألة ١٤٨: يجوز للمحرم تزريق غيره بالابرة إذا كان يستلزم خروج الدم منه(٣) ، والاحوط تركه فيما إذا كان الغير محرما(٤) .

____________________

الحجامة خاصة توفيقاً بين النصوص، ولقولهعليه‌السلام في الصحيحة الاتية في السواك «هو من السنة» وهي لاتقل فائدة وحثا من الشارع عنه.

(١) تدل عليه صحيحة معاوية قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام في المحرم يستاك، قال: نعم، قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: نعم، هو من السنة»، وفي قبالها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن المحرم يستاك ؟ قال: نعم، ولايدمي » المحمولة على الكراهة لكون الاولى نصا في الجواز والثانية ظاهرة في الحرمة.

(٢) لعدم الدليل على الكفارة من النصوص، وحكى الشهيد عن بعض اصحاب المناسك أن كفارته شاة، ولعله لحسنة ابن جعفر بناء على نسخة «جرحت»، ونقل عن الحلبي أن كفارة حك الجسم حتى يدمي اطعام مسكين.

(٣) اذ مورد النصوص - كما هو ظاهر - اخراج المحرم الدم من بدنه، أو التسبيب في ذلك إذ هو بمثابة الاخراج المباشري.

(٤) لاحتمال شمول ادلة النهي له سيّما روايات الحجامة، بل الاحوط

١٤٥

٢٣ - التقليم

لايجوز للمحرم تقليم ظفره ولو بعضه، إلا أن تدعو ضرورة إلى ذلك أو يتأذى ببقائه، كما إذا انكسر بعض ظفره وتألم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذ قطعه(١) .

مسألة ١٤٩: كفارة تقليم كل ظفر من اليد أو الرجل مُد من الطعام مالم يبلغ في كل منهما العشرة، فإذا بلغها - ولو في مجالس متعددة - كانت كفارته شاة لكل من أظافير اليدين وأظافير الرجلين، نعم إذا كان تقليم أظافير اليدين والرجلين جميعا في مجلس واحد فالكفارة شاة واحدة(٢) .

____________________

تركه مطلقا حتى لو كان الغير حيوانا، وذلك لموثقة عبدالله بن سعيد قال: سأل ابو عبدالرحمن أبا عبداللهعليه‌السلام عن المحرم يعالج دبر الجمل، قال: يلقي عنه الدواب ولايدميه » وليس الجمل من الحيوانات الوحشية حتى يحرم صيده وجرحه كما لايخفى.

(١) ففي صحيحة معاوية قال: سألته عن الرجل المحرم تطول أظافره، قال: لايقص شيئا منها إن استطاع، فإن كانت تؤذيه فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام.

(٢) تشهد له صحيحة ابي بصير قال: سالت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل قص ظفراً من أظافيره وهو محرم، قال: عليه في كل ظفر قيمة مد من

١٤٦

مسألة ١٥٠: إذا قلم المحرم ظفره فأدمى إصبعه اعتمادا على فتوى من جوزه خطأ، وجبت الكفارة على المفتي على الاحوط(١) .

* مسألة ١٥١: لايبعد جواز تقليم المحرم أظافر غيره محلاً كان أم محرماً(٢) ، إلا أن الاحوط في الثاني الترك(٣) .

٢٤ - قلع الضرس

مسألة ١٥٢: ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة قلع الضرس على

____________________

طعام حتى يبلغ عشرة، فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة، فإن قلم اظافير يديه ورجليه جميعا، فقال: إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، وإن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان.

(١) كما هو المشهور، استنادا لرواية اسحاق الصيرفي قال: قلت لابي ابراهيمعليه‌السلام إن رجلا أحرم فقلم اظفاره، فكانت له اصبع عليله، فترك ظفرها لم يقصه، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه، فقال: على الذي افتى شاة » وهي ضعيفة سندا مع عمل المشهور بها فإحتياط الماتن دام ظله في محله والله العالم.

(٢) إذ مورد النهي في النصوص تقليم المحرم أظافر نفسه.

(٣) لاحتمال شمول النصوص له.

١٤٧

المحرم وإن لم يخرج به الدم، وأوجبوا له كفارة شاة، ولكن في دليله تأملا، بل لايبعد جوازه(١) .

٢٥ - حمل السلاح

مسألة ١٥٣: لايجوز للمحرم لبس السلاح(٢) ، بل ولا حمله على وجه يعدّ مسلحا على الاحوط، والمراد بالسلاح كل مايصدق عليه لفظه عرفا، كالسيف والبندقية والرمح دون آلات التحفّظ كالدرع والمغفرة ونحوهما.

مسألة ١٥٤: لابأس بوجود السلاح عند المحرم(٣) ، ولايحمله إذا

____________________

(١) نقل عن الشيخ الطوسي ان في قلع الضرس شاة، استنادا الى مارواه في التهذيب عن محمد بن عيسى عن عدة من اصحابنا عن رجل من اهل خراسان: ان مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شيء: محرم قلع ضرسه، فكتب: يهريق دما »، قال في الحدائق انه مع ارساله ان المكتوب اليه غير معلوم والاستناد الى ماهذا شأنه واثبات حكم شرعي به مشكل.

(٢) كما هو المشهور، وتشهد له النصوص ففي صحيحة الحلبي عنهعليه‌السلام قال: المحرم إذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفارة عليه.

(٣) لكون المنهي عنه في الروايات خصوص الحمل.

١٤٨

لم يعد مسلحا عرفا، ومع ذلك فالترك أحوط(١) .

مسألة ١٥٥: تختص حرمة التسلح بحال الاختيار، ولابأس به عند الاضطرار كالخوف من العدو أو السرقة(٢) .

مسألة ١٥٦: كفارة التسلح - لغير الضرورة - شاة على الأحوط(٣) .

إلى هنا انتهت الأمور التي تحرم على المحرم

محرمات الحرم

الأول: صيد البر، كما تقدم في المسألة ٦٤.

الثاني: قلع كلَّ شيء نبت في الحرم أو قطعه من شجر وغيره(٤) ،

____________________

(١) خروجا عن خلاف من احتمل حرمته.

(٢) تشهد له الصحيحة السابقة.

(٣) ظاهر صحيحة الحلبي وجوب الكفارة على المختار لكنها لم تبين جنسها، فإن صدق على التسلح اللبس شمله صحيحة زرارة في أن من لبس ثوبا لاينبغي له عليه شاة، مضافا الى ان اطلاق الكفارة ينصرف إليه، وبما انه لاقائل بوجوبها فالاحتياط في محله.

(٤) نصاً واجماعاً.

١٤٩

ولابأس بما يقطع عند المشي على النحو المتعارف(١) كما لابأس بأن تترك الدواب في الحرم لتأكل من حشيشه(٢) ، ولكن لاينزع لها حتى علوفة الإبل على الاصح(٣) .

ويستثني من حرمة القطع موارد(٤) :

____________________

(١) لعدم الردع بالتوقي منه مع كثرة الابتلاء به، ممايوجب انصراف النصوص عنه.

(٢) ففي صحيحة الحلبي عنهعليه‌السلام قال: يخلّى عن البعير في الحرم يأكل ماشاء.

(٣) تشهد له معتبرة ابن سنان قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته ؟ قال: نعم، قلت: له أن يحتش لدابته وبعيره؟ قال: نعم ويقطع ماشاء من الشجر حتى يدخل الحرم، فإذا دخل الحرم فلا » ووجود عبدالله بن القاسم في سندها لايسقط اعتبارها لكون تهمته هي الغلو وهي اوهي من بيت العنكبوت، مضافا الى النصوص الكثيرة المستفيضة الناهية عن قلع الشجر والحشيش النابتين في الحرم، وتخصيصها بصحيحة ابن حمران قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع ؟ فقال: أما شيء تأكله الابل فليس به بأس ان تنزعه » ليس بصحيح لظهور رجوع الضمير الى الابل في قولهعليه‌السلام «تنزعه» ومع عدم التسليم لايمكن القطع برجوعه الى الراوي فتكون الرواية مجملة، فتأمل.

(٤) كما هو صريح جملة من الروايات.

١٥٠

١ - الإذخِر، وهو نبت معروف.

٢ - النخل وشجر الفاكهة.

٣ - ماغرسه الشخص من الشجر أو زرعه من العشب بنفسه، سواء في ملكه أم في ملك غيره.

٤ - الاشجار أو الأعشاب التي تنمو في دار الشخص، ومنزله بعد ماصارت داره ومنزله(١) ، وأما ماكان موجودا منهما قبل ذلك فحكمه حكم سائر الأشجار والأعشاب.

مسألة ١٥٧: الشجرة التي يكون أصلها في الحرم وفرعها في خارجه أو بالعكس، حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم(٢)

____________________

(١) ففي صحيحة حريز عنهعليه‌السلام قال: كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا مانبته أنت وغرسته » وفي صحيحة حماد قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم، فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب، فليس له ان يقلعها وإن كان طرية عليه فله قلعها.

(٢) كما هو صريح صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن شجرة اصلها في الحرم وفرعها في الحل، فقال: حرم فرعها لمكان اصلها، قال: قلت: فإن اصلها في الحل وفرعها في الحرم، قال: حرم أصلها لمكان

١٥١

مسألة ١٥٨: كفارة قلع الشجرة قيمته تلك الشجرة، وفي القطع منها قيمة المقطوع على الأحوط فيهما(١) ، ولاكفارة في قلع

____________________

فرعها.

(١) وجزم به السيد الخوئي وبعض الاعاظم من المعاصرين، خلافا للمشهور حيث اوجب بقرة للشجرة الكبيرة وشاة للصغيرة وفي ابعاضها قيمتها، وذهب ابن ادريس الى عدم الكفارة وهو ظاهر الشرائع والنافع واستوجهه في المدارك، ومستند المشهور في التفصيل مرسلة موسى بن القاسم قال: روى اصحابنا عن احدهماعليهما‌السلام أنه قال: إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع، فإن نزعها كفر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين » المحمولة على الشجرة الكبيرة، وكون الشجرة في ملكه لايعني جواز قلعها اذا لم يكن هو الغارس لها كما هو ظاهر صحيحة حريز المتقدمة، ودعوى بعض الاساطين من عدم دلالتها على الوجوب، يدفعه ظاهر قولهعليه‌السلام «كفّر»، وارسالها لايضر اذ ليس المرسل عنه واحد كما هو ظاهر لفظ «اصحابنا» فما ذهب اليه المشهور لايخلو من قوة.

أما وجوب قيمته في الابعاض فالتوقف فيه إشكال، وذلك لصحيحة ابن سليمان عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سالته عن الرجل يقطع من الاراك بمكة قال: عليه ثمنه يتصدق به ولاينزع من شجر مكة إلا النخل وشجر الفواكه» فهي ظاهر في ثبوت الثمن للابعاض كما لايخفي.

١٥٢

الاعشاب وقطعها(١) .

الثالث: إقامة الحدّ أو القصاص أو التعزير على من جنى في غير الحرم ثم لجأ إليه، فإنها غير جائزة، ولكن لايطعم الجاني ولايسقى ولايكلم ولايبايع ولايؤوى حتى يضطر الى الخروج منه فيؤخذ ويعاقب على جنايته(٢) .

الرابع: أخذ لقطة الحرم على قول(٣) ، والاظهر كراهته كراهة شديدة(٤) ، فإن اخذها ولم تكن ذات علامة يمكن الوصول بها الى مالكها جاز له تملّكها وإن بلغت قيمتها درهما أو زادت عليه(٥) ،

____________________

(١) لعدم الدليل عليها.

(٢) نصاً واجماعاً، ففي صحيحة الحلبي قال: سألته عن قول الله عز وجل ( ومن دخله كان آمنا ) قال: إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فرّ إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ولكن يمنع من السوق ولايبايع ولايطعم ولايسقى ولايكلم فإنه اذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لانه لم يرع للحرم حرمة.

(٣) كما نسب للمشهور.

(٤) اذ هي غاية مايستفاد من الادلة فراجع.

(٥) لعله لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن مهزيار عن الجواد عليه

١٥٣

وأما إذا كانت ذات علامة كذلك، فإن لم تبلغ درهما لم يجب تعريفها(١) ، والاحوط أن يتصدق بها عن مالكها(٢) ، وإن كانت قيمتها درهما فما زاد عرّفها سنة كاملة، فإن لم يظهر مالكها تصدق بها عنه على الاحوط(٣)

حدود الحرم

للحرم المكي حدود مضروبة المنار قديمة، ولها نصب معلومة

____________________

السلام قال: فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها... ومثل مال يؤخذ ولايعرف له صاحب » فبإطلاقها تشمل الحرم وغيره ومادون الدرهم وما فوقه.

(١) بلا خلاف فيه على الظاهر.

(٢) لاحتمال اختصاص التملك بالدرهم المنسحق كتابته كما هو مفاد بعض النصوص.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابراهيم بن عمر عنهعليه‌السلام قال: اللقطة لقطتان: لقطة الحرم وتعرف سنة فان وجدت صاحبها وإلا تصدقت بها ولقطة غيرها تعرف سنة فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك » وهي صريحة في اختلاف حكم اللقطتين فتقيّد الروايات المطلقة، فالتوقف في غير محله على الظاهر.

١٥٤

مأخوذة يدا بيد، ويحدّه من الشمال (التنعيم) ومن الشمال الغربي (الحديبية «الشميسي») ومن الشمال الشرقي (ثنية جبل المقطع) ومن الشرق (طرف عرفة من بطن نمرة) ومن الجنوب الشرقي (الجعرانة) ومن الجنوب الغربي (إضاءة لبن).

تذييل: للمدينة المنوّرة أيضا حرم، ومن حدوده جبلا (عائر) و (عير) وحرّتا (واقم) و (ليلى) وهو وإن كان لايجب الإحرام له إلا أنه لايجوز قطع شجره ولاسيما الرطب منه(١) - إلا ماتقدم استثناؤه في الحرم المكي - كما يحرم صيده مطلقا على الاحوط(٢) .

محل التكفير

مسألة ١٥٩: إذا وجبت على المحرم كفارة دم لأجل الصيد في العمرة المفردة فمحل ذبحها مكة المكرّمة، وإذا كان الصيد في إحرام عمرة التمتع أو الحج فمحل ذبح الكفارة منى(٣) ، وهكذا لوجبت

____________________

(١) للنصوص الكثيرة الدالة على حرمة القطع.

(٢) وجه الاحتياط اختلاف النصوص وبتبعها اختلفت الفتاوى والاقوال.

(٣) تشهد له صحيحة ابن سنان عنهعليه‌السلام قال: من وجب عليه

١٥٥

الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد على الاحوط(١) .

____________________

فداء صيد أصابه وهو محرم فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى وإن كان معتمرا نحره بمكة قبال الكعبة ».

(١) واستظهر السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته جواز ذبحها حيث شاء، والمستند هو موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل يخرج من حجته شيئا يلزمه من دم، يجزيه ان يذبحه اذا رجع الى أهله، فقال: نعم، وقال - فيما اعلم - يتصدق به» وحسنة علي بن جعفر عنهعليه‌السلام : لكل شيء خرجت (جرحت) من حجك فعليك دم تهريقه حيث شئت » المقيَّدتات بروايات لزوم ذبح كفارة الصيد في مكة او منى.

أما صحيحة ابن بزيع عن الرضاعليه‌السلام قال: سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر او شمس، وانا أسمع، فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى » وكذا صحيحته الاخرى، فمحمولة على الافضلية أو أنها مخصصة لموثقة اسحاق وحسنة علي، لاأنه يقع التعارض بين إطلاقهما وإطلاقها، بتقريب ان موثقة وحسنة اسحاق وابن جعفر أعم من كون الكفارة للتظليل وغيره، وصحيحة ابن بزيع أعم من كون الاحرام للعمرة المفردة ام الحج، إذ من الواضح - كما صرح بذلك سيد الفقهاء الخوئي - ان المقصود من الحج في الموثقة والحسنة ليس هو مايقابل العمرة بل هو الخروج من المناسك والاعمال مطلقا ويؤيده كون اسحاق وابن جعفر ليسا من سكنة مكّة المكرمة، فليس النسبة عموم وخصوص من وجه بل عموم وخصوص مطلقا فلا

١٥٦

مسألة ١٦٠: إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب الصيد أو غيره فلم يذبحها في مكة أو منى - لعذر أو بدونه - حتى رجع، جاز له ذبحها أين شاء على الاظهر(١) .

مصرف الكفارة

الكفّارات التي تلزم المحرم يجب أن يتصدق بها على الفقراء والمساكين(٢) ، والاحوط أن لايأكل منها المكفر نفسه(٣) ، ولو فعل

____________________

تعارض والله العالم·

(١) كما هو مقتضي موثقة اسحاق الآتية ·

(٢) كما هو صريح جملة من النصوص.

(٣) وجزم السيد الخوئي وأعاظم تلامذته بجواز الاكل قليلا، استنادا لجملة من الروايات منها موثقة اسحاق قال: قلت لابي ابراهيم الرجل يخرج من حجته مايجب عليه الدم ولايهريقه حتى يرجع الى أهله، قال يهريقه في أهله ويأكل منه الشيء » وفي قبالها صحيحة أبي بصير وفيها: أيأكل منه ؟ فقالعليه‌السلام : لا، إنما هي للمساكين » وصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن فداء الصيد يأكل من لحمه، فقال: يأكل من اضحيته ويتصدق بالفداء » المحمولتان على الكراهة جمعا، إذ هما ظاهرتان في الحرمة بخلاف

=

١٥٧

ذلك فالاحوط أن يتصدق بثمن المأكول على الفقراء(١) .

الطواف

الطواف هو الواجب الثاني في عمرة التمتع.

ويفسد الحج بتركه عمداً سواء أكان عالماً بالحكم أم كان جاهلاً

____________________

=

موثقة وصحيحة اسحاق وابي بصير فإنهما ناصتان على الجواز.

(١) وبه جزم السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، لانه حق للفقراء ولحسنة السكوني عن جعفر عن ابيه قال: « اذا اكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شيء عليه وإن كان واجبا فعليه قيمة ماأكل ».

والدغدغة في سندها لوجود بنان وهو عبدالله بن محمد بن عيسى الاشعري، واهية جدا لرواية جماعة من الاجلاء عنه منهم محمد بن احمد بن يحيى وابن محبوب ومحمد بن يحيى وصفوان وموسى بن القاسم والصفار والحميري واحمد بن ادريس وعلي بن ابراهيم وغيرهم من العظماء، ولم يستثن من نوادر الحكمة، وأخبار اخيه احمد بن محمد مع جماعة من الرواة - بعضهم من عيون الطائفة - مشهورة ومعروفة، مضافا الى انه من الاشاعرة الذين قل ان نجد فيهم ضعفا، كيف !! وهو ابن شيخ القميين وزعيمهم وأخوه وجه الاصحاب ومعتمدهم.

١٥٨

ويفسد الحج بتركه عمداً سواء به، وعلى الجاهل كفارة بدنه على الاحوط، ويتحقق الترك بالتأخير إلى زمان لايمكنه إتمام أعمال العمرة قبل زوال الشمس من يوم عرفة(١) .

ثم إنه إذا بطلت العمرة بطل إحرامه أيضاً على الاظهر، ولايجزىء العدول بها إلى حج الإفراد وإن كان ذلك أحوط، بأن يأتي بأعمال حج الإفراد رجاءاً، بل الأحوط أن يأتي بالطواف وصلاته والسعي والحلق أو التقصير منها بقصدالأعم من حجّ الإفراد والعمرة المفردة.

يشترط في الطواف أمور:

الأول: النية، بأن يقصد الطواف متعبداً به بإضافته إلى الله تعالى إضافة تذلّلية مع تعيين المنوي كما مر في نية الإحرام.

الثاني: الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، فلو طاف المحدث عمداً أو جهلاً أو نسياناً لم يصحّ طوافه(٢) .

مسألة ١٦١: إذا أحدث المحرم أثناء طوافه فللمسألة صور:

الاُولى: أن يكون ذلك قبل إتمام الشوط الرابع، ففي هذه الصورة

____________________

(١) راجع مسألة ١٤.

(٢) للنص والاجماع.

١٥٩

يبطل طوافه وتلزمه إعادته بعد الطهارة، حتى فيما إذا كان صدور الحدث بعد بلوغ النصف على الاظهر(١) .

الثانية: أن يكون الحدث بعد إتمامه الشوط الرابع ومن دون

____________________

(١) المشهور والمقطوع به من كلام الاصحاب كما في المدارك بل وعن ظاهر المنتهى الاجماع عليه أن من أحدث قبل تجاوز النصف فعليه الاستئناف وإن كان بعده تطهّر وأتم الباقي، لعدة من النصوص منها صحيحة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهماعليهما‌السلام في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه، قال: يخرج ويتوضأ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف » وإرسالها لايضر لكون المرسل جميل والارسال بلفظ بعض اصحابنا واعتماد المشهور عليها فإهمالها مطلقا فيه مجازفة، ومثلها في الدلالة صحيحة حمران في الجماع بعد النصف، وحسنة ابي بصير ورواية الحلال في الحائض بعده.

والخلاف وقع في تفسير «النصف» فهل المقصود الصحيح وهو الاربعة او الكسري، يظهر من بعض النصوص الاول، ففي رواية اسحاق عمن سأل ابا عبداللهعليه‌السلام عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال: ثم طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لانها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج » فقد جعل الثلاثة مقابل الاربعة لا الثلاثة والنصف فيعلم ان النصف لوحظ باعتبار العدد الصحيح، فتأمل.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

المخالفين لأنّه منصب الهيّ وكمال نفسانيّ ودرجة وهيبة

وما قيل من أنّ الولاية بمنزلة الحليلة للأئمّة واغتصبها المغتصبون منهم فتزوّجها فالنواصب أبناء هذه البغيّة ونزّلوا أخبار خبث مولد النواصب هذا التنزيل وقالوا : إنّ الزوج الشرعي للولاية هم الأئمّةعليهم‌السلام وقد عقد الله هذا الزواج في السماء

وهذا حديث باطل ومردود وهو أدنى من كلام المبرسمين أصحاب الماليخوليا ، والأولى أن ندعوه هذيان القلم ، وأكثر من هذا لا يستحقّ من عناية العلماء لردّه ولا يتّسق مع سابقة العلماء وشئوناتهم العلميّة ورتب أهل الفضل كما قال الحكماء :

از سخن پُر در من هم چون صدف هر گوش را

قفل گوهر ساز ياقوت زمر پوش را

در جواب هر سؤالى حاجت گفتار نيست

چشم بينا عذر مى خواهد لب خاموش را

لا تجعلنّ كلّ قول مثل جوهرة

تقرط الأُذن فيها كي تحلّيها

أبعد عن العين بالأقفال جوهرة

فإنّ حقّ يتيم الدرّ تخفيها

ولا تجيبنّ يوماً كلّ مسألة

إطباق كلّ شفاه عذرها فيها

ومن الأشعار التي أنشدها الإمام الرضاعليه‌السلام في حضرة المأمون ونسبه إلى بعض فتيان آل عبد المطّلب كما ورد في العيون هذان البيتان :

وإذا ابتليت بجاهل متكلّف

يجد المحال من الأُمور صوابا

أوليته منّي السكوت وربّما

كان السكوت عن الجواب جوابا(١)

وجملة القول : إنّ هذه الفقرة من الزيارة مساوقة لفقرة الصحيفة السجاديّة

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٥٧ وفيه بدل « ابتليت » « بليت » وبدل « متكلّف » « متحكّم » ( هامش الأصل ) وفي المجلّد الأوّل منه ص ١٨٧ أربعة أبيات بدل البيتين ( المترجم )

٣٠١

وفيها يشير الإمام السجّاد إلى عيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة ويقول : « اللهمّ هذا المقام لخلفائك وأصفياءك ومواضع اُمناءك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها »(١) وهذا الابتزاز والإزالة والدفع كلّ ذلك ناشئ عن الصدر السالف والقرن الأوّل من عدول الصحابة ، ولا تتنافى عدالتهم مع ظلم أهل البيت وإيذاء فاطمةعليها‌السلام وإحراق بيتها والخلاف مع عليّعليه‌السلام وبغض الحسنينعليهما‌السلام ، كما مرّ عليك جانب من ذلك وعسى أن نشير فيما يأتي إلى جملة اُخرى منه

بل لا يتنافى ذلك عندهم مع تغيير جميع الفروع والاُصول والأحكام وهدم أساس الشريعة المقدّسة ـ على الصادع بها ألف سلام ـ كما يظهر ذلك من الأخبار المبثوثة في مطاوي كتبهم المعتمدة واُصولهم الصحيحة

نقل السيّد المحقّق الأمين شارح الصحيفة المقدّسة من الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأوّل من أخبار البخاري : قالت اُمّ الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمّد شيئاً إلّا أنّهم يصلّون جميعاً(٢)

وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك نقل عن الزهري قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرض شيئاً ممّا أدركت إلّا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت(٣)

وفي حديث آخر إنّه قال : ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________

(١) الصحيفة السجاديّة ، دعاء ٤٩ ( هامش الأصل ) الكاملة : ٢٨١ نشر جامعة المدرّسين ( المترجم )

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ باب فضل صلاة الفجر في جماعة ، ط دار مطابع الشعب بمصر ( هامش الأصل )

(٣) نفسه ، باب تضييع الصلاة عن وقتها ، ص ١٤١ ( هامش الأصل )

٣٠٢

قيل : فالصلاة ؟ قال : أليس صنعتم ما صنعتم فيها(١)

وهذه شهادة صريحة من أبي الدرداء وأنس بن مالك ـ وهما من أكابر الصحابة عند أهل السنّة والجماعة ـ بأنّ أحكام الشريعة بأجمعها غيّرت ، وبدّلت أحكام الشرع الشريف عامّة ، حتّى الصلاة وهي أظهر الواجبات وأعرف الفرايض ، وجميع ما مرّ جرى على أيدي الصحابة والتابعين الذين رووا في حقّهم « خير القرون قرني ثمّ القرن الذي يليه »(٢)

وإذا كان حال القرن الأوّل والثاني بهذه المثابة فما بالك بالقرون اللاحقة والأعصار التابعة التي تتبدّل في كلّ يوم أحوالها ، وتتنزّل شئونها باعترافهم

وطبقاً للحديث سابق الذكر يمكن أن نقول :

õ خُذ جملة البلوى ودع تفصيلها õ

_________________

(١) نفسه

(٢) عمران بن حصين ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خيركم قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم قال عمران : فما أدري قال النبيّ بعد قوله مرّتين أو ثالثاً ، ثمّ يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن

وفي خبر آخر : خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم إيمانهم ، وإيمانهم شهادتهم [ صحيح البخاري ، ٨ : ١١٣ باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ط دار ومطابع الشعب بمصر ] ( هامش الأصل )

٣٠٣

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ

الشرح : التمهيد مأخوذ من المهاد بمعنى البساط والفراش أو من العهد بمعنى سرير الطفل ، وكلاهما عائد إلى أصل واحد ونصّ في أساس البلاغة على أنّ التمهيد معناه التوطئة وتسهيل الأمر والإصلاح ، والمراد في أمثال هذه الوقائع وتمهيد العذر من المعاني المجازيّة ، ومعناه بسطه وتهيئة قبوله

والباء في « بالتمكين » للسببيّة على الظاهر والتمكين بمعنى الإقدار ، والظاهر أنّ اشتقاق المكان منه بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب المعنى فاشتقاقه من الكون

القتال : بمعنى القتل والذبح والحرب

والمقصود من الممهّدين هم الأوائل الذين سهّلوا السبيل ووطّئوا الاُمور ، وهيّئوا أسباب الظلم ، لأنّه لولاهم وما ارتكبوه من السلوك الوحشي الخشن مع أهل البيت لما جرأ الأواخر على ظلمهم بتلك القسوة المعهودة

وهذا أصحّ الوجوه في تفسير الفقرة المعروفة « المقتول في يوم الجمعة أو الاثنين »(١)

_________________

(١) كما في البحار ٤٤ : ١٩٩ و ٢٠١

وعن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : يوم الاثنين يوم نحس قبض الله عزّ وجلّ نبيّه ، وما اُصيب آل محمّد إلّا يوم الاثنين [ الكافي ، باب صوم عرفة وعاشوراء ؛ بحار الأنوار ٤٥ : ٩٤ ] وتأتي هذه الرواية بتفصيلها ذيل « اللهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو اُميّة »

مروج الذهب : وسُمعت في جنازته ( الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ) سوداء وهي تقول : ماذا لقينا من يوم الاثنين [ بحار الأنوار ٥٠ : ٢٠٧ ]

ولنعم ما قيل : « ما قُتل الحسين إلّا في يوم السقيفة » فلعنة الله على من أسّس أساس الظلم والجور على أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين [ بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٨ ]

٣٠٤

لأنّ يوم السقيفة حدث في يوم الاثنين ، وقد أجاد الشاعر المفلّق الحاج هاشم الكعبي حيث قال :

تا الله ما سيف شمر نال منك ولا

يدا سنان وإن جلّ الذي ارتكبوا

لولا الذي أغضبوا ربّ العُلى وأبوا

نصّ الولا ولحقّ المصطفى غصبوا

أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا

وما المسبّب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنة

حتّى إذا أبصروها فرصة وثبوا

فادرك الكلّ ما قد كان يطلبه

والقصد يدرك لمّا يمكن الطلب

كفُّ بها اُمّك الزهراء قد ضربوا

هي التي اُختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغىً صاليت جمرتها

كانت لها كفّ ذاك البغي تحتطب

وليبك يومك من يبكيك يوم غدوا

بالصنوا قوداً وبنت المصطفى ضربوا

والله ما كربلا لو لا السقيفة والإحياء

تدري(١) ولا لا النار ما الحطب

وورد في كثير من الأخبار لعن قاتلي سيّد الشهداء ومقاتليه ، ولعلّنا نشير إلى جانب منه فيما يأتي ونكتفي هنا بذكر حديث واحد ليقوم بأداء حقّ هذا العنوان ،

_________________

ولنعم ما نقله عليّ بن عيسى عن بعض الأصحاب عن القاضي أبي بكر بن أبي قريعة في ضمن أبياتٍ له :

وأريتكم أنّ الحسين

اُصيب في يوم السقيفه

ولأيّ حالٍ اُلحدت

بالليل فاطمة الشريفه

ولما حمت شيخيكم

عن وطي حجرتها المنيفه

أوّه لبنت محمّد

ماتت بغصّتها أسيفه

فوالله لا أنسى زينب بنت عليّعليهما‌السلام وهي تندب وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمّداه ! صلّى عليك مليك السماء وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فساط مقطّع العُرى . [ بحار الأنوار ٤٥ : ٥٩ ]

(١) جاء في الكتاب « تعلم » ولا يستقيم بها الوزن فاستبدلنا بها « تدري » لأنّي أحفظها هكذا

٣٠٥

ولئلّا تخلو هذه المقولة من هذه الأخبار من رأس

وفي تفسير الإمام الحسن العسكري :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (١) نزلت في اليهود ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزلت هذه الآية في هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله وكذّبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله : أفلا اُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الاُمّة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : قومٌ من اُمّتي ينتحلون بأنّهم أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب اُرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريّا ويحيى

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين بن عليّعليهما‌السلام رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً

ألا وإنّ الراضين بقتل الحسينعليه‌السلام شركاء قتله

ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم ، والمتقدّمين بهم برآء من دين الله

ألا إنّ الله ليأمر الملائكة المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسينعليه‌السلام إلى الخزّان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإنّ الملائكة ليتلقّون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسينعليه‌السلام ويلقونها في ألهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغسّاقها وغسلينها فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدّد بها على

_________________

(١) البقرة : ٨٤

٣٠٦

المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم(١)

اللهمّ اجر دموعنا في مصاب الحسين ، ووفّقنا للعن قتلته من الأوّلين والآخرين ، اللهمّ العنهم لعناً وبيلاً ، وعذّبهم عذاباً أليماً لا تعذّب به أحداً من خلقك ، وصلّ على محمّد وآله الطاهرين من اليوم إلى يوم الدين

_________________

(١) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٣٦٧ ط اُولى ١٤٠٩ مهر ـ قم المقدّسة ( المترجم ) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ١٤٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٣٠٤ رقم ١٧ ( هامش الأصل )

٣٠٧

بَرِئْتُ إِلَىٰ اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ(١)

برء : من باب سمع أي فارق ، والتبرّي بمعنى المفارقة ، وهذا المعنى مأخوذ من كتب الأدب من قبيل منتهى الإرب وتاج المصادر ، وترجمة القزويني على القاموس ، ولم تبيّن الكتب العربيّة حقيقة معنى البرائة ، وبرأ من مرضه أي تنق وعوفي ، وبرأ من دينه أي سقط عنه طلبه ، وكلا المعنيين مأخوذ من المعنى المتقدّم

وفي تفسير مجمع البيان ومفاتيح الغيب لابن الخطيب الرازي فسّر البرائة بانقطاع العصمة ، وهذا تفسير باللازم

وبعض المنتسبين إلى العلم فسّروا البرائة بالامتناع ، وبعد التتبّع والفحص الكامل لم نجد وجهاً لهذا التفسير

وسبب تعدّيته بـ « إلى » كان لإشرابه معنى توجّه أو تعطّف ، لأنّ المتبرّء من واحد متقرّب إلى الآخر ، إذ المتبرّء حين يدبر عنه يقبل على غيره فيثير حنقه بمحبّة غيره ورعاية قربه ، ولعلّ هذا المعنى هو الذي صحّح دخول « إلى » على هذا الطرف

والضمير في « منهم » راجع إلى جميع الطوائف المذكورة المراد من هذه الصفات أولئك الذين لهم المدخليّة التامّة في ذلك الأمر حيث استندت إليهم الأفعال ممّا جرى على الحسينعليه‌السلام بنحو من الأنحاء لينفى عنهم عنوان الأشياع والأتباع وينطبق عليهم عنوان مستقلّ آخر

تبع تباعاً وتِباعاً : اقتفى أثر فلان ، وتبع وزان فرس بمعنى تابع ، ويطلق على

_________________

(١) الصحيح من أشياعهم وأتباعهم وغفلةً من المؤلّف أو الناسخ حدث التقديم والتأخير ( هامش الأصل )

٣٠٨

المفرد والجمع مثل :( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ) (١) وجمع أتباع ، وتباعة ، وإن كان يطلق على المشي الظاهر ولكنّه من جهة التوسّع في الإطلاق يتناول المعنوي أيضاً وفي هذا السياق يوجد حديث مبنى على ذوق أهل المعرفة وليس هذا المقام موضع بيانه

الشيعة : عبارة عن الأنصار والأتباع ، صرّح بذلك في المصباح وغيره ، واشتقاقه من المشايعة ومعناها المتابعة والنصرة ، وهو مأخوذ من التشييع والمشايعة بمعنى المصاحبة للتعظيم ، كما يستعمل في معنى مشايعة الموتى وتشييعهم ، وكلا الحقيقتين مأخوذ من الشيوع بمعنى الظهور لأنّ في لفظ : مشيّع ومشايع يتبادر الميّت والضيف إلى الذهن وبه يتعالى اسمه ويشيع شرفه

ومجمل القول : جمع الشيعة شيعٍ ، وجمع الشيع أشياع ، وقد ارتكب الفيروزآبادي في القاموس خطأً حين اعتبر الأشياع والشيع كلاهما جمع التشيّع ، لأنّ قياس العربيّة لا يسمع بجمع « فعله » على « أفعال » وصرّح بما قلناه الفيّومي في المصباح

الولي : مأخوذ من ولي ومعناه الحقيقي القرب ، ويستعمل في القرابة النسبيّة والقرب الروحاني وهو المحبّة ، ويستعمل أيضاً في قرب الإحاطة وهو الرئاسة

واعلم أنّ رعاية الصحّة تتمّ في أمرين :

الأمر الأوّل : التنقية وهي دفع الفضلات والأخلاط الفاسدة

والأمر الثاني : التقوية وهي حفظ البنية وبقاء المزاج الذي هو الصورة الخامسة الحاصلة من تفاعل الكيفيّات الأربع ، المتداعية بالانفكاك والانفصال

كما أنّ حصول الكمال الإنساني والترقّي النفساني في السلوك الأخلاقي بأمرين :

_________________

(١) إبراهيم : ٢١

٣٠٩

أحدهما : دفع الرذائل من قبيل الحسد واللؤم والقساوة وحبّ الجاه

وثانيهما : كسب الفضائل من جنس العفو والسماح ورقّة القلب والإعراض عن الخلق

ومثله الإيمان وهو مصحّح جميع الأعمال وميزان كلّ كمال مركّب كذلك من جزئين :

الأوّل : البرائة من أعداء الله

والثاني : محبّة الله وأوليائه

وهذا المعنى مضافاً إلى ما جاء في سرده وتوضيحه من الكتاب والسنّة فإنّه وارد في خصوص جماعة معيّنة من طريق أهل بيت النبيّ ؛ أهل العصمة والطهارة أرواحنا لهم الفداء ، وذلك معترف به ومشهود به من جميع القلوب الصافية والنفوس الزاكية

حيث ما من عاقل نبيه يستولي عليه الوهم بالقدرة على الجمع بين محبّة إنسان ومحبّة عدوّه ، كما قال الشاعر في الحكمة الشعريّة :

تحبّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي منك لعازبُ

وللعقلاء أصحاب البصائر والقلوب الواعية تكفي هذه الآية المباركة التي يقول الحقّ تعالى فيها :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) وفي هذه الآية المباركة وردت وجوه من تأكيد المنع عن موادّة أعداء الله

_________________

(١) المجادلة : ٢٢

٣١٠

وفي الحديث المنقول عن العيون بطرق عدّة أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام كتب إلى المأمون في حديث طويل : حبّ أولياء الله واجب وكذلك بغض أعداء الله والبرائة منهم ومن أئمّتهم ولعلّنا نشير في أثناء البحث إلى جانب منه في مقام آخر(١)

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٢٢ رقم ٣٥ ما كتبه الرضاعليه‌السلام إلى المأمون في محض الإسلام وشرايع الدين ( هامش الأصل ) وفي نسختي ص ١٢٤ ( المترجم )

٣١١

يَا أَبا عبد الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ

الشرح : السلم : بمعنى المسالمة والصلح والموادعة لأنّه جاء بمعنى المسالمة والصلح كما في القاموس وغيره ، والظاهر عدم الاشتراك بل من باب استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل ، فإمّا أن يكون محمولاً على المبالغة أو بتقدير ذو ( اي ذو سلم ) كما صرّح بذلك الأُدباء ، وهذا المعنى وإن لم يكن قياسيّاً بل متوقّفاً على مقتضى الحال الخاصّة التي يعرفها الأديب بالممارسة ، كما صرّح بذلك الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وإن كانت الأمثلة التي استشهد بها لا تخلو من نقاش ، ولكنّ الميزان في هذا الموضع ثابت ومحقّق

ومثله الحديث في كلمة « حرب » والأظهر في رأي هذا العبد لله أنّها المعنى المصدري نفسه

ويجب أن نقول ذلك من أجل إظهار كمال المطاوعة والتوغّل في العبوديّة والمتابعة أنّا وصلنا في هذا المقام إلى درجة أصبحنا حقيقة السلم مع من سالمكم ومصداقاً واقعيّاً للحرب لمن حاربكم

اليوم : بحسب أصل اللغة من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها ـ كما هو المشهور بين اللغويّين ـ ويطابق اصطلاح حكماء الفرس وعلماء الهيئة والحساب أو أنّه من أوّل طلوع الفجر حتّى غروب الشمس كما صرّح بذلك ابن هشام في « شرح الكعبيّة » والظاهر أنّ المعنى الثاني لليوم هو تحديد الزمن الشرعي من اليوم وليس المعنى اللغوي ، وهذا القليل البضاعة أشار تلويحاً في « منظومة ميزان الفلك » إلى هذا المعنى :

واليوم من طلوع جرم الشمس

إلى غروبها بزعم الفُرْس

كذاك في النجوم والحساب

وذاك في السنّة والكتاب

يؤخذ من طلوع فجر صادق

إلى ذهاب حمرة المشارق

٣١٢

وتفصيل هذه الجملة أنّ غاية النهار زوال الحمرة(١) كما هو المعروف من مذهب الإماميّة ، أو غروب القرص كما هو مذهب أهل السنّة ، وقال بهذا شرذمة من علماء الشيعة نظراً إلى الأخبار المحمولة على التقيّة أو أنّهم جعلوا الأخبار في القول السابقة حاكمة على الأخبار التي قال بها الشيعة لا الأقلّيّة منهم فمالوا إليها وقالوا بها ، والإفاضة بها خارجة عن منهج هذا الشرح

وأحياناً يطلق اليوم على مطلق الزمان كما صرّح به ابن هشام في شرح الكعبيّة وحكى القول به عن سيبويه واستشهد بما أثر عن القوم من قولهم : أنا اليوم أفعل كذا ، ويريدون الوقت الحاضر ، ومن هذا القبيل قولهم : تلك أيّام الهرج ، كما قال بعض شرّاح القاموس(٢)

وأكثر اللغويّين والاُدباء نصّوا على هذا المعنى واستعماله في يوم القيامة أظهر ، لأنّه مبنى على هذا المعنى غير ملحوظٍ به طلوعاً أو غروباً ، ولابدّ من أخذهما في المعنى عند الوقوف على ظواهر العبارات

وفي الحقيقة إنّنا وإن أمكننا القول عن حقيقة اليوم بأنّه مدّة ظهور الشمس في نصف الفلك المرئي ، وأخذ الطلوع والغروب في معناه للدلالة على مصاديق أفراده في الخارج ، وبناءاً على هذا يكون يوم القيامة من مصاديق المعنى الأوّل ، والله أعلم بالصواب

القيامة : مصدر قيام ظاهراً ، يقال : قام قياماً وقيامة كما نقل بعض العلماء المتبحّرين اللغويّين ، وإن لم يذكر في كثير من الكتب

_________________

(١) يجب تحديدها بالمشرقيّة وبها يعرف دخول الليل ، أمّا الحمرة المغربيّة التي تمتدّ بعد اختطاط الظلام فلا عبرة بها ( المترجم )

(٢) قال الزبيدي : وقد يراد باليوم الوقت ، ومنه الحديث : تلك أيّام الهرج أي وقته ، ولا يختصّ بالنهار دون الليل [ تاج العروس ٩ : ١١٥ ]

٣١٣

وإطلاق يوم القيامة على يوم الحشر إمّا بسبب قيام البشريّة كافّة من مضاجعها للعرض على الله تعالى ، وإمّا بسبب قيام الخلق كافّة في ساحة العدل الربّاني جلّت عظمة الله ، كما في قوله تعالى عزّ من قائل :( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١)

وزعم بعضهم أنّ الكلمة مولّدة من السريانيّة بمعنى « قيماً » أي يوم الحشر ، وهذا غاية في البعد ، والأصحّ الأوّل

والظاهر أنّ التعبير عن يوم الجمعة بيوم القيامة نظراً لهذا المعنى ، لقيام الخطيب فيها بالخطبة أو لقيام الناس فيه كافّة بالصلوات ، أو لقيام أمر النبيّ فيه ، أو لتذكاره بأمر يوم القيامة ، والله أعلم

فائدة

في الأخبار الكثيرة المرويّة عن الفريقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة وأمير المؤمنينعليهما‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي(٢) وكذلك قال لأهل العباعليهم‌السلام : « أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم » أو قريباً من هذا اللفظ ، كما أوصل الترمذي في الجامع السند إلى زيد بن أرقم : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم(٣)

يتبيّن من هذا الحديث على اُصول أهل السنّة والجماعة كفر معاوية وأصحاب الجمل وأصحاب واقعة كربلاء جميعاً ، لأنّ من حارب رسول الله باتفاق الاُمّة ونصّ الكتاب والسنّة كافر ، فإذا كان محارب هذه الجماعة محارباً لرسول الله فهو كافر البتّة

_________________

(١) المطفّفين : ٦

(٢) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٦١ وتجد ذلك أيضاً في الأجزاء التالية ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٦٥ ( المترجم )

(٣) اُنظر : سنن ابن ماجة القزويني ١ : ٥٢ ( المترجم ) صحيح الترمذي ، ج ٥ باب ٦١ فضل فاطمة رقم ٣٨٧٠ ( هامش الأصل )

٣١٤

وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ

الشرح : يمكن أن يكون الواو في مطلع الجملة للعطف ، وتكون هذه الجملة الدعائيّة معطوفة على ما سبقها من اللعائن ، وعلى هذا الوجه تكون الجملة المتضمّنة للبرائة والاستسلام والمتابعة معترضة بين العاطف والمعطوف عليه ، والنكتة المتصوّرة في وجه إقحام هذه الجملة بينهما أنّ الزائر وهو يمارس لعن الأعداء يتذكّر أعمالهم الشنيعة وآثارهم الفظيعة ، فتقلّبهم الأيّام الخوالي فيهيج وجده الكامن وشوقه الساكن فيفقد السيطرة على نفسه وهو يستعرض جرائم القوم ومنكراتهم فيظهر البرائة منهم دونما اختيار منه ، وتدركه النفرة منهم ومن أتباعهم وأشياعهم ، من هنا يخاطب الإمام المظلوم لفرط حبّه وخلوص إرادته فيحمله ذلك على عرض مسالمته الكاملة ومتابعته الشاملة مع صفاء الباطن وخلوص النيّة بين يدي ساحة الإمام المقدّسة وسدّته الرفيعة

وينعتق من هذا الكلام الذي اندفع فجئة على لسانه مرّة اُخرى ويعدل عنه إلى الحديث الأوّل من لعن الأعداء ويعطف عليهم أولئك الذين هم أعيان الظالمين المسبّبين لهذا الخطب الفادح والرزء الجليل ، والذين لهم أثر يذكر في جريان هذه الخطوب وإعانة على حدوثها فيأخذ بلعنهم واحداً واحداً ، ويعطفهم على الأوائل لكي يشفي غيظه ويريح حنقه ويبرأ من لواعج صدره من ذكرهم بالتفصيل ، كما يمكن أن تكون الواو استئنافيّة

وعلى كلّ حال فإنّ النكتة تعود إلى ما ذكرناه تفصيلاً

وسوف نذكر معنى الآل بعد هذا الحديث إن شاء الله(١)

_________________

(١) ذيل « صلّی الله عليه وآله » ( هامش الأصل )

٣١٥

وزياد المنصوص عليه باللعن هو والد عبيد الله لعنهما الله المعروف بزياد بن أبيه وزياد بن اُمّه وزياد بن عبيد وزياد بن سميّة ، واشتهر بعد استلحق معاوية إيّاه بابن أبي سفيان ، وعبيد وسميّة كلاهما من موالي كسرىٰ فأهداهما كسرى إلى أبي الخير بن عمر الكندي أحد أقيال اليمن ، وأشار إلى ذلك أبو بكر بن دريد في مقصورته المعروفة ، فقال :

فخامرت نفس أبي الخير جوىٰ

حتّى حواه الحتف فيمن قد حوىٰ

وشرح حاله في الشروح الدريديّة وغيرها ، وفي شرح الدريديّة(١) : وكان من حديثه مسيره إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة فلمّا صاروا بكاظمة ونظروا إلى وحشة بلاد العرب ، فقالوا : أين نمضي مع هذا ، فعمدوا إلى سمّ فدفعوه إلى طبّاخه ووعدوه بالإحسان إليه(٢) إن ألقى السمّ في طعام الملك ، ففعل ذلك ، فما استقرّ الطعام في جوفه حتّى اشتدّ وجعه ، فلمّا علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنّك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنّك قد أذنت لنا في الرجوع ، فكتب لهم بذلك

ثمّ إنّ أبا الجبر خفّ ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بالقرب من مكّة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب العرب الثقفي ، فعالجه فأبرأه فأعطاه سميّة ـ بضمّ العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثنّاة من تحتها وفي آخره هاء ـ وعبيداً ـ بضمّ العين المهملة تصغير عبد ـ وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه(٣) وهذا يوافق ما نقله ابن عبد ربّه وابن خلّكان

_________________

(١) فيها : إنّه أبو الجبر ولم يذكر سميّة ولا عبيداً [ الخطيب التبريزي ، شرح مقصورة ابن دريد ، ص ٥٩ ] ( المترجم )

(٢) إلى هنا أخذناه من هامش الخطيب : ٥٩

(٣) ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ٦ : ٣٥٦

٣١٦

ويقول ابن الأثير في الكامل وابن خلدون في العبر : أنّ سميّة جارية لدهقان من أهل زنده رود ، أهداها للحارث بن كلدة لمّا عالجه ، والطريق الأوّل أتقن وأمتن

وخلاصة القول : إنّ سميّة ولدت نافعاً على فراش الحارث ولكنّه نفاه ، ثمّ ولدت أبابكرة الصحابي المعروف على فراشه ، فنفاه أيضاً ولم يعترف به ، وأعطى سميّة لعبيد ، وهؤلاء الثلاثة : زياد ونافع وأبوبكرة أولاد سميّة ومعهم شبل بن معبد الذين شهدوا على المغيرة لعنه الله بالزنا عند عمر بن الخطّاب ، وتلكّأ زياد بشهادته بتلويح من عمر ، فدرأ عن المغيرة الحدّ وأقامه على الشهود ، وهي من أشدّ المطاعن على عمر ، كما هو مذكور بالتفصيل في الأسفار الكلاميّة

وقال في العقد الفريد : كان الزانيات من النساء في الجاهليّة ينصبن على بيوتهنّ رايات ليعرفن بذلك ويقصدهنّ الشباب ، وكان بغاة النفع من الناس يرسلون جواريهم في هذا السبيل كرهاً ليجمعن لهم الحطام الفاني والعرض الزائل وينالوا بذلك الحياة الدنيا ، وقد أشار الله تعالى في محكم كتابه المجيد بقوله :( وَلَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ
) (١) يريد في الجاهليّة( فَإِنَّ اللَّـهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يريد في الإسلام

وفي مروج الذهب : وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّي الضريبة إلى الحارث بن كلدة وكانت تنزل بالموضع الذي نزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلّة يقال لها : حارّة البغايا .

وجاء أبو سفيان يوماً إلى أبي مريم السلولي وهو خمّار في الطائف في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة فقال : ائتني بها على ذفرها وقذرها ( يظهر من قول أبي سفيان هذا أنّه

_________________

(١) النور : ٣٣

٣١٧

وطأها قبل هذا اليوم ) ( الى أن قال ) والله لقد أخذ بدرعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(١)

وولدت سميّة زياداً عام أوّل من الهجرة على فراش عبيد الله ، فكان يعرف بزياد بن عُبيد وابن اُمّه وابن أبيه وابن سميّة ، ولمّا بلغ أشدّه استكتبه أبو موسى الأشعري فأرسله عمر في حاجة فأحسن القيام بها فقدم على عمر وهو في المسجد ، فخطب بين يديه خطبة أعجب بها الحاضرون ، فقال عمرو بن العاص : لو كان قرشيّاً لساق العرب بعصاه ،

فقال أبو سفيان : اُقسم بالله أنّي أعرف الذي وضعه في رحم اُمّه

فقيل له : من يا تُرى ؟

فقال : أنا هو !

ولمّا استخلف أمير المؤمنين ، كان زياد معروفاً بالنزاهة ولم يظهر منه خلاف وكان إدرايّاً سياسيّاً حازماً ذا فطنة وكياسة ، من ثمّ عهد إليه أمير المؤمنين بإدارة حدود فارس(٢) ، وأراد معاوية خديعته فما تأتّىٰ ذلك له ، وكتب إليه يوماً يتهدّده ، فقال عقيب ذلك : « أتعجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إيّاي » ، وأثنى على أمير المؤمنينعليه‌السلام ثناءاً بليغاً فأرسل إليه أمير المؤمنين رسالة يحذّره من مكر معاوية ويأمره بالثبات على عهده إلى أن استشهد أمير المؤمنين وانقضت أيّامه عند ذلك فتح معاوية أحابيله عليه ، واستعان عليه بخبث فطرته

_________________

(١) مروج الذهب ٢ : ١٥ و ١٦ بتصرّف من المؤلّف ( المترجم ) و ٣ : ٦ ط دار الهجرة ( هامش الأصل )

(٢) لم يعهد إليه الإمام بذلك إنّما كان بفعل ابن عبّاس لأنّه والي البصرة يومئذٍ وفارس من توابعها ( المترجم )

٣١٨

ودنائة مولده وأوكل أمر جذبه نحوه إلى المغيرة بن شعبة وهو يومئذٍ رأس النفاق ومعدن النصب فانطلّت الحيلة على زياد واستلحقه معاوية وصيّره أخاه واعترف زياد حبّاً في الدنيا وميلاً إلى جاهها بخباثة مولده ورضي باُخوّة معاوية وأبوة أبي سفيان وعند ذلك أقسم أبوبكرة أن لا يكلّمه لأنّه زنىّ سميّة وقدح في نسبه(١)

ولمّا استقرّ رأيهما على ذلك أرسلت إليه جويريّة بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية ، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه وقالت : أنت أخي ، أخبرني بذلك أبو مريم ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع الناس ، فقام أبو مريم السلولي ، فقال : أشهد أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة ، فقال : إأتني بها على ذفرها(٢) وقذرها

فقال له زياد : مهلاً يا أبا مريم ، إنّما بعثت شاهداً ولم تبعث شائماً ، فقال أبو مريم : لو كنتم كفيتموني لكان أحبّ إليّ وإنّما شهدت بما عاينت ورأيت ، والله لقد أخذ بكُمِّ درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه ، يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم ، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(٣)

وفي رواية الكامل : فخرجت من عنده وإنّ اسكتيها لتقطر منيّاً(٤)

_________________

(١) كان صرم أبي بكرة له قبل هذا التاريخ أي عندما تلجلج في الشهادة وكان أحد الشهود على المغيرة فأقسم أبوبكرة لا يكلّمه مادام حيّاً ( المترجم )

(٢) الذفر : الرائحة الخبيثة

(٣) المسعودي ٣ : ١٦ ط دار الكتب العلميّة لبنان ـ ١٤١١ ( المترجم )

(٤) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٠١ ( المترجم )

٣١٩

ولولا أنّ ذلك في فضائح أعداء أهل البيت لما ذكرت هذه الجملة ، ولكنّها في فضائهم وأنا مترجمها أيضاً

ويقال : إنّ المتنبّي قال في حقّها :

أقم المسالح حول شفر سميّة

إنّ المنيّ بحلقتيها خضرم

وخلاصة الحديث : إنّ معاوية بهذه الشهادة صيّر زياداً أخاه ، وقام يونس بن عبيد فقال : يا معاوية ، قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحجر للفراش مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافاً عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان(١)

والحقّ أنّ هذا العار لا يمحوه الماء وهو طعن لا تجد له جواباً بأيّ كتاب ، وكان الفضل بن روزبهان التزم بالجواب على مطاعن معاوية في ردّه على نهج الحقّ وحين يبلغ الحديث إلى هذا الحدّ يقول : لم يكن معاوية بالخليفة الشرعي فلا يلزمنا الجواب عن كلّ مطاعنه وهذه الحكاية مذكورة في جميع كتب أهل السنّة والجماعة ، ولم يردّها أحد منهم ، وذكرها الشعراء في تلك الفترة وطعنوا بها على معاوية وزياد منهم عبدالرحمن بن الحكم أخو مروان لعنه الله :

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ

مغلغلة من الرجل اليماني(٢)

أتغضب أن يقال أبوك عفّ

وترضى أن يقال أبوك زاني

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد أنّها حملت زياداً

وصخر من سميّة غير دان

_________________

(١) مروج الذهب ٣ : ١٧ ( المترجم ) والكامل لابن الأثير ٣ : ٤٤٢ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٢) كذا في مروج الذهب وفي شرح النهج والوفيات فقد ضاقت بما تأتي اليدان وهو أثبت على هذه الرواية وقيل أنّها ليزيد بن المفرغ فيصحّ ما ذكرناه في المتن ( منهرحمه‌الله )

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415