إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج14%

إيضاح مناسك الحج مؤلف:
المحقق: الشيخ أحمد الماحوزي
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 415

إيضاح مناسك الحج
  • البداية
  • السابق
  • 415 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108892 / تحميل: 9669
الحجم الحجم الحجم
إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم وعمد(١) على ماتقدم في الطواف.

نعم، إذا كان جاهلا بالحكم فالاظهر عدم بطلان السعي بالزيادة(٢) وإن كان الإعادة أحوط(٣) .

مسألة ٢٤٣: إذا زاد في سعيه خطأ صح سعيه، ولكن الزائد إذا كان شوطا أو أزيد يستحب له أن يكمله سبعة أشواط ليكون سعيا كاملا غير سعيه الاول(٤) ، فيكون انتهاؤه الى الصفا.

* مسألة ٢٤٤: مرشد الحجاج إذا تقدم وتأخر أثناء سعيه وهو غافل عن كونه زيادة في السعي فإن كان جاهلا قاصراً لم يضر بصحة سعيه(٥) .

____________________

(١) كما تدل عليه بعض النصوص.

(٢) تشهد له صيححة جميل قال: حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا، فسألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن ذلك فقال: لابأس سبعة لك وسبعة تطرح.

(٣) لاطلاق بعض الروايات.

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم: وإذا استيقن انه سعي ثمانية أضاف اليها ستاً.

(٥) والظاهر كذلك حتى لو كان جاهلا مقصراً، ففي صحيحة هشام بن

=

٢٢١

ويشكل سعي من شاهد الناس يهرولون في المسعى فظن أن ذلك شيء واجب فرجع القهقري وواصل سعيه مهرولا، إلا اذا كان جاهلا قاصراً.

مسألة ٢٤٥: إذا نقص من اشواط السعي عامد - عالما بالحكم أو جاهلا به - فحكمه حكم من ترك السعي كذلك(١) وقد تقدم.

وأما إذا كان النقص نسيانا فيجب عليه تدارك المنسي متى ماذكر سواء كان شوطاً واحدا أم أزيد على الاظهر(٢) .

____________________

=

سالم قال: سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد فقلت له: تحفظ علي، فجعل يعد ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً، فبلغ مثل ذلك، فقلت له: كيف تعد ؟ قال: ذاهباً وجائيا شوطاً واحداً، فأتممنا أربعة عشر شوطاً، فذكرنا لابي عبداللهعليه‌السلام فقال: قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء » فإذا كان الزيادة في الشوط بأكمله جهلا ليست مخلة بالسعي فكذلك جزء الشوط، مضافا الى اتحاد حكم الناسي والجاهل في كثير من الاحكام في الحج، والله العالم.

(١) اذ ترك الجزء ترك للكل كما لايخفي.

(٢) لعله لصحيحة سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام رجل متمتع سعي بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع الى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظافره وأحل، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط، فقال لي

=

٢٢٢

ولو كان تذكره بعد مضي وقته - بأن تذكر وقوع النقص في سعي عمرة التمتع وهو بعرفات، أو التفت إلى وقوع النقص في سعي الحج بعد مضي شهر ذي الحجة - فالاحوط أن يعيد السعي بعد التدارك(١) ، وإذا لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج عليه استناب غيره، والاحوط أن يجمع النائب بين تدارك الأشواط وإعادة السعي.

____________________

=

يحفظ أنه قد سعي ستة أشواط، فان كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة » ولاخصوصية للشوط الواحد، وصحيحة معاوية وفيها « فإن سعى الرجل اقل من سبعة اشواط ثم رجع إلى اهله فعليه أن يرجع ليسعى تمامه، وليس عليه شيء » ومثلهما مصححة ابن مسكان الاتية.

وأما مرسل الكافي عن احمد الحلال عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت، قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله » ومثله حسنة ابي بصير، فيمكن أن يكون الحكم في الذيل مختص بالطواف إذ لاتشترط الطهارة في السعي فتأمل.

(١) مقتضي اطلاق صحيحة سعيد كفاية الإتمام مطلقا.

٢٢٣

مسألة ٢٤٦: إذا نقص شيئا من السعي في عمرة التمتع نسيانا فأحل لاعتقاد الفراغ من السعى فالاحوط لزوم التكفير عن ذلك ببقرة(١) ، ويلزمه اتمام السعي على النحو الذي ذكرناه.

* وأما اذا وقع النقصان جهلا بعدد أشواط السعي مثلا(٢) ، او كان ذلك في العمرة المفردة(٣) ،

____________________

(١) واستظهره السيد الخوئي وجزم به بعض أعاظم تلامذته، وتشهد له صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، فتكون مخصصة للعمومات الدالة على ان الناسي لاشيء عليه في غير الصيد.

ولا تنافيها مصححة ابن مسكان قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنه سبعة، فذكر بعد ما أحل وواقع النساء أنه انما طاف ستة أشواط ؟ قال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر » اذ الفرض من سؤال الراوي نعم لو كان من الامامعليه‌السلام لامكن القول بإعتبار الامرين معا فتقيد إطلاق الصحيحة المتقدمة بما اذا احلّ وجامع.

(٢) لكون مورد الروايتين المتقدمتين النسيان، فينفي عن الجاهل الكفارة بالعمومات الدالة على ان كل من ارتكب امرا بجهالة في الحج فلا كفارة عليه.

(٣) اقتصاراً على مورد النصين بعد كونه خلافا للعمومات، ومورده عمرة التمتع كما لايخفي على من تدبر في كليهما.

=

٢٢٤

أو الحج(١) فلا تلزمه الكفارة بل يتم سعيه ويعيد التقصير ولا شيء عليه.

* مسألة ٢٤٧: إذا قصر المعتمر قبل أن يسعى عالما عامدا، فعليه كفارة التقليم(٢) إذا كان تقصيره به بناءً على الاكتفاء به في التقصير، وإما اذا كان التقصير بقص شيء من شعره فالاظهر عدم ثبوت الكفارة عليه(٣) وإن كان آثما.

____________________

=

ولايبعد لزوم الاقتصار على ستة أشواط لكونه مورداً للخبرين، الا مع القول بعدم الخصوصية، والقطع به مشكل في المقام المخالف للقواعد والعمومات.

(١) كذا في ملحق المناسك والظاهر أنها من زيادات الكتّاب، إذ لاتقصير بعد السعي في الحج مطلقا، إلا اذا قدمه على الطوافين فيمكن تصوره.

(٢) وقد مر ذكرها مفصلا فراجع.

(٣) وقد تقدم منه دام ظله أن من نتف شعر لحيته او غيرها فعليه أن يطعم مسكينا بكف من الطعام، وإذا امر المحرم يده على رأسه او لحيته عبثا فسقطت شعرة او اكثر فليتصدق بكف من طعام، فالكفارة المنفية هنا هي الدم.

إلا ان يقال: ان الكفارة مترتبة على النتف أما قص شيء من الشعر فلا لعدم الدليل، نعم إزالة الشعر مطلقا سواء بالنتف او القطع لاتجوز للمحرم لعموم قولهعليه‌السلام في الصحيح « لابأس أن يحتجم المحرم مالم يحلق او

٢٢٥

أما إذا كان جاهلاً فلا شيء عليه وعليه الاتيان بالسعي ثم التقصير، وقد مر حكم الناسي لبعض الاشواط في المسألة السابقة.

* مسألة ٢٤٨: إذا تخلى الساعي عما أتى به من الاشواط واستأنف السعي، فإن كان بعد فوات الموالاة العرفيه صح سعيه، وإلا اشكل صحته، نعم لو فعل ذلك عن جهل قصوري فالاظهر الصحة.

* مسألة ٢٤٩: لو استدبر المروة أو الصفا - بسبب الزحام أو رؤية شخص - وهو متجه الى أحدهما، لم يجزئه، فعليه الرجوع وتدارك المقدار الذي وقع الاخلال به.

* مسألة ٢٥٠: يجوز قطع السعي اختياراً على الاظهر(١) ، وليستأنف بعد فوات الموالاة العرفية.

* مسألة ٢٥١: اذا علم ببطلان سعيه في العمرة بعد التقصير فهو باق على إحرامه، وعليه أن يجتنب عن محرمات الاحرام، إلى أن

____________________

=

يقطع الشعر »، وقوله «لايأخذ المحرم من شعر الحلال ».

(١) يدل عليه صحيح الازرق قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق له فيدعوه الى الحاجة او الى الطعام قال: ان أجابه فلا بأس، ولكن يقضي حق الله عز وجل أحب اليّ من أن يقضي حق صاحبه.

٢٢٦

يحل من احرامه باكمال نسكه.

الشك في السعي

لا اعتبار بالشك في عدد أشواط السعي أو في صحتها بعد التجاوز عن محله(١) ، كما لو كان الشك فيه في عمرة التمتع بعد التقصير أو في الحج بعد الشروع في طواف النساء.

ولو شك في عدد الأشواط بعد الانصراف من السعي، فإن كان شكه في الزيادة بنى على الصحة(٢) ، وإن كان شكه في النقيصة وكان ذلك قبل فوات الموالاة بطل سعيه(٣) ، وكذا إذا كان بعده على الاحوط(٤) .

مسألة ٢٥٢: إذا شك في الزيادة في نهاية الشوط، كما لو شك وهو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو هو التاسع فلا

____________________

(١) لقاعدة الفراغ.

(٢) لليقين بالسبعة والشك في الزائد فيجري استصحاب عدمه.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن يسار: وإن لم يكن حفظ انه قد سعى ستة فليعد فليبتدىء السعي حتى يكمل سبعة اشواط.

(٤) لاطلاق الصحيحة المتقدمة.

٢٢٧

اعتبار بشكّه ويصحّ سعيه(١) ، وإذا كان هذا الشك في اثناء الشوط بطل سعيه ووجب عليه الاستئناف(٢) .

مسألة ٢٥٣: حكم الشك في عدد الأشواط في أثناء السعي حكم الشك في عدد أشواط الطواف في أثنائه، فيبطل السعي به مطلقا.

التقصير

وهو الواجب الخامس في عمرة التمتع.

ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص، ويتحقق بقص شعر الرأس أو اللحية أو الشارب، ولايكفي فيه النتف بدلا عن القص على الاظهر(٣) ، والمشهور تحققه بأخذ شيء من ظفر اليد والرجل أيضا، ولكن الاحوط عدم الاكتفاء به وتأخير الإتيان به عن الأخذ من الشعر(٤) .

____________________

(١) لصحيحة الحلبي المتقدمة في الطواف فراجع.

(٢) كما هو مقتضى صحيحة ابن يسار المتقدمة.

(٣) لعدم النص عليه في النصوص، فراجع.

(٤) لعدم وروده في النصوص بمفرده، بخلاف قص الشعر، وذهب السيد الخوئي وأعاظم تلامذته الى كفايته تبعا للمشهور.

٢٢٨

* مسألة ٢٥٤: إذا نتف شعر لحيته أو شاربه باعتقاد كفاية ذلك في التقصير ثم أحرم لحج التمتع، فالظاهر انقلاب حجه الى الافراد فيأتي بعمرة مفردة بعده إن تمكن، والاحوط الاولى اعادة الحج في سنة اخرى أيضا.

مسألة ٢٥٥: يتعين التقصير في احلال عمرة التمتع ولايجزىء عنه حلق الرأس، بل يحرم الحلق عليه(١) ، وإذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالما عامداً(٢) ، بل مطلقا علىالاحوط الاولى(٣) .

مسألة ٢٥٦: إذا جامع بعد السعي وقبل التقصير فإن كان عالما عامداً فعليه كفارة بدنة - كما تقدم في تروك الاحرام - وإن كان جاهلا فلا شيء عليه على الاظهر(٤) .

____________________

(١) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: وليس في المتعة إلا التقصير.

(٢) لصحيحة جميل عنهعليه‌السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شيء وإن تعمد ذلك في اول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء وإن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه.

(٣) خروجا عن خلاف المحققرحمه‌الله .

(٤) كما هو مقتضى صحيحة معاوية الدهني قال: سألت ابا عبدالله عليه

٢٢٩

= السلام عن متمتع وقع على أهله ولم يقصر، قال: ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه.

ودعوى: سيد الفقهاء والمجتهدين ان هناك اختلاف في النسخ بزعم ان الكليني رواها في موردين مورد بلفظ «لم يزر» ومورد آخر بلفظ «لم يقصر» وكذلك رواها الشيخ عن الكليني بكلا اللفظين، وحيث انا لانعلم ايهما الصادر عن الامام فلا يمكن الاستدلال بها.

ليست بصحيحة: اذ كتاب معاوية هو مجموعة من الاسئلة طرحها على الامامعليه‌السلام ، فتارة سأله فيمن لم يقصر في العمرة وجامع واخرى فيمن لم يزر وجامع، ولذا ذكر الشيخ والكليني الرواية في بابين ولو كان ثّمة اختلاف في النسخ لاشارا إليه، مضافا الى أن الصدوق رواها من كتاب معاوية بلفظ «ولم يقصر» قال: وسأله معاوية عن رجل متمتع وقع على امرأته ولم يقصر: قال ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا شي عليه، قال: وقلت له: متمتع قرض من أظفاره بأسنانه وأخذ من شعره بمشقص فقال: لابأس به ليس كل أحد يجد الجلم » - الفقيه رقم ٢٧٤٥ - ورواها الشيخ أيضا من كتاب صفوان عن معاوية مع حذف الذيل بنفس اللفظة، فلا بد من المصير الى القول بتعدد الرواية، أو سقوط رواية الكليني فقط عن الحجة لانها منشأ الاختلاف.

أما صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك انّه لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اُقصّر ؟ قال: عليك بدنة، قال: قلت: انّي لمّا آتيتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت أفقه

=

٢٣٠

مسألة ٢٥٧: محلّ التقصير بعد السعي، فلا يجوز الإتيان به قبل الفراغ منه.

مسألة ٢٥٨: لاتجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي، ويجوز فعله في أي محلّ شاء(١) ، سواء كان في المسعى أم في منزله أم في غيرهما * ويجوز أن يكون خارج مكة أيضا، وإن كان الاولى رعاية الاحتياط(٢) .

مسألة ٢٥٩: إذا ترك التقصير عمداً فأحرم للحج، فالظاهر بطلان عمرته وانقلاب حجه الى الإفراد، فيأتي بعمرة مفردة بعده إن تمكن(٣) ،

____________________

=

منك، عليك بدنة وليس عليها شيء » فقولهعليه‌السلام «رحمها الله كانت أفقه منك» ليس بالضرورة ان الحلبي كان جاهلا بالمسألة، ومع التسليم فهي ظاهر في الكفارة وصحيحة معاوية ناصة بعدمها فيقدم النصف على الظاهر، مضافا الى إعراض المشهور عنها فيما اذا كانت تستوجب الكفارة فتدبر.

(١) لعدم الدليل على كلا الشّقين.

(٢) تأسياً بالائمةعليهم‌السلام ، ولاحتمال التعيّن في مكة كتعينه يوم النحر في منى.

(٣) تشهد له موثقة ابي بصير عنهعليه‌السلام قال: المتمتع إذا طاف

=

٢٣١

والاحوط إعادة الحج في سنة أخرى أيضا(١) .

مسألة ٢٦٠: إذا ترك التقصير نسياناً فأحرم للحج صحت عمرته وصح إحرامه(٢) ، والاحوط الاولى التكفير عن ذلك بشاة(٣) .

مسألة ٢٦١: إذا قصر المحرم في عمرة التمتع حلّ له جميع ماكان يحرم عليه من جهة إحرامه حتى الحلق على الاظهر(٤) ، وإن كان

____________________

=

وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر، فليس له أن يقصر وليس له متعة » ومصححة العلاء بن الفضيل قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر ؟ قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة » وفي اسنادها محمد بن سنان وهو ثقة وعدل على الاصح.

(١) لانقلاب حجه وفرضه الى الافراد كما هو صريح مصححة العلا، نعم الاحتياط الاستحبابي حسن خروجا عن مخالفة الروضة والمسالك.

(٢) تبعا لجملة من النصوص، ففي صحيحة الدهني عنهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج، قال: يستغفر ولاشي عليه وقد تمت عمرته » ومثلها دلالة صحيحة ابن سنان وغيرها.

(٣) خروجا عن خلاف من أوجب، ولموثقة اسحاق قال: قلت لابي ابراهيمعليه‌السلام : الرجل يتمتع فينسي أن يقصر حتى يهل بالحج، فقال: عليه دم يهريقه.

(٤) لاطلاق جملة من الروايات.

٢٣٢

الأحوط تركه بعد مضي ثلاثين يوما من يوم عيد الفطر(١) ، ولو فعله عن علم وعمد فالاحوط الاولى التكفير عنه بدم(٢) .

____________________

(١) وذهب المشهور الى جوازه بعد التقصير واستحباب التوفير، والظاهر من صحيحة جميل حرمته قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شيء، وإن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمد ذلك بعد ثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه » وقد أعرض المشهور عن العمل بها ممّا يشعر بعدم حجّيتها، ولعل الحلق كان قبل التقصير، إلا ان التفصيل بين كون الحلق أول شهور الحج أو في وسطه له دلالته واضحة على الشمول لما قبل ومابعد التقصير فتدبر.

قال بعض مشايخنا المحققين: الاحوط لزوما اجتناب الحلق في ذي القعدة وان كان غير محرم لمن يريد الحج، ولاسيما ذي الحجة إن لم يكن اقوى، لاسيما في الحج الواجب فضلا عن المتمتع، ولو كان محلاً من عمرته فروايات النهي عن الأخذ دالة بالاولية او التشكيك على الحلق، وصحيح ابن جعفر مرخص في خصوص الاخذ وهو مقدار مايرافع اليد عنه، وكذا المفروغية في صحيح جميل وغيرها من حرمة الحلق، وكذا نظائرها مما لوحظ فيه تفويت الحلق في الحج هذا فضلا عن ثبوت كفارة دم في المتمتع.

(٢) للصحيحة المتقدمة، وخروجا عن موضع الخلاف.

٢٣٣

مسألة ٢٦٢: لايجب طواف النساء في عمرة التمتع(١) ، ولابأس بالاتيان به رجاءا(٢) .

إحرام الحج

تقدم في الصحفة(١١) أن واجبات الحج ثلاثة عشرة، ذكرناها مجملة، إليك تفصيلها:

الاول: الإحرام، وأفضل أوقاته يوم التروية عند الزوال، ويجوز التقديم عليه للشيخ الكبير والمريض إذا خافا من الزحام فيحرمان ويخرجان قبل خروج الناس، كما يجوز التقديم لمن له تقديم طواف الحج على الوقوفين كالمرأة التي تخاف الحيض.

وقد تقّدم جواز الخروج من مكة محرما بالحج لحاجة بعد الفراغ من عمرة التمتع في أي وقت كان.

____________________

(١) لقولهعليه‌السلام في صحيحة صفوان: انما طواف النساء بعد الرجوع من منى.

(٢) لوجوبها عند بعض العلماء كما ذكر ذلك الشهيد الاول.

٢٣٤

ويجوز التقديم في غير ماذكر أيضا بثلاثة أيام(١) ، بل بأكثر على الاظهر(٢) .

مسألة ٢٦٣: كما لايجوز للمعتمر عمرة التمتع أن يحرم للحج قبل التقصير، كذلك لايجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل أن يحل من احرامه(٣) وإن لم يبق عليه سوى طواف النساء على الاحوط(٤) .

____________________

(١) ففي موثقة اسحاق عن ابي الحسن قال: سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم، يحرم بالحج ويخرج الى منى قبل يوم التروية، قال: نعم، يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك المكان، قال: لا، قلت: يعجل بيوم، قال: نعم، قلت: بيومين، قال: نعم، قلت: ثلاثة قال: نعم، قلت: أكثر من ذلك، قال: لا.

(٢) للنصوص المتعددة الناصة على ان الحج أشهر معلومات لايجوز لاحد أن يحرم في غيرها، المستفاد منها جواز الاحرام في أي وقت فيها.

(٣) لانه ادخال نسك في نسك، فيختل بذلك وحدة العمل المركب، مضافا الى توقيفية العبادة فصحة الاحرام الثاني متوقفة على الاذن الشرعي، واشعارات النصوص واطلاقها تقتضي وجوب اتمام النسك للدخول في نسك آخر.

(٤) للخلاف الموجود في كون طواف النساء من نسك الحج او واجب مستقل متفرع على الاحرام - وسياتي - وقد جزم السيد الخوئي وأعاظم تلامذته بجواز الدخول في العمرة المفردة قبل طواف النساء.

٢٣٥

مسألة ٢٦٤: من يتمكّن من إدراك الوقوف بعرفات يوم عرفة في تمام الوقت الاختياري لايجوز له تأخير الاحرام الى زمان يفوت منه ذلك(١) .

مسألة ٢٦٥: يتحد إحرام الحج وإحرام العمرة في كيفيته وواجباته ومحرماته، والاختلاف بينهما إنما هو في النية فقط.

مسألة ٢٦٦: يجب الإحرام من مكة المكرمة - كما تقدم في بحث المواقيت - وأفضل مواضعها المسجد الحرام، ويستحب الإتيان به بعد صلاة ركعتين في مقام ابراهيم أو في حجر إسماعيلعليهما‌السلام .

مسألة ٢٦٧: من ترك الاحرام نسيانا أوجهلاً منه بالحكم الى أن خرج من مكة، ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى مكة - ولو من عرفات - والاحرام منها(٢) ، فإن لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه، وكذلك لو تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات وإن تمكن من العود الى مكة والاحرام منها(٣) .

____________________

(١) لانه تفويت للواجب.

(٢) لقدرته على الاتيان بالمأمور به على وجهه.

(٣) تشهد له صحيحة ابن جعفر عن أخيهعليه‌السلام قال: سألته عن

=

٢٣٦

ولو لم يتذكر أو يعلم بالحكم إلى أن فرغ من الحج صح حجه(١) .

مسألة ٢٦٨: من ترك الاحرام عالماً عامداً حتى فاته الوقوف الاختياري بعرفات بسبب ذلك فسد حجه(٢) ، ولو تداركه قبل أن يفوته الوقوف الركني لم يفسد وإن كان آثما(٣) .

مسألة ٢٦٩: الاحوط أن لايطوف المتمتع بعد إحرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافا مندوبا(٤) ، فلو طاف جدد التلبية بعد الطواف على الاحوط الاولى(٥) .

____________________

=

رجل نسي الاحرام في الحج فذكر وهو بعرفات، ماحاله ؟ قال: يقول: اللهم على كتابك وسنة نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد تم احرامه، فان جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلهافقد تم حجه.

(١) للصحيحة السابقة، وذيلها شاهد على أن الجهل والنسيان حكمهما واحد.

(٢) لفوات الركن وهو مسمى الوقوف

(٣) لفوات الواجب.

(٤) تقدم في المسألة ١٦، فراجع.

(٥) للأمر به في حج الافراد والقران، وقد تقدم.

٢٣٧

الوقوف بعرفات

الثاني: من وجبات حج التمتع: الوقوف بعرفات بقصد القربة والخلوص، والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلاً ساكناً أو متحركاً.

مسألة ٢٧٠: حد عرفات من بطن عُرنة وثويّة ونمرة الى ذي المجاز، ومن المأزمين إلى أقصى الموقف، وهذه حدود عرفات وهي خارجة عن الموقف.

مسألة ٢٧١: الظاهر أن جبل الرحمة موقف، ولكنّ الأفضل الوقوف على الأرض في السفح من ميسرة الجبل(١) .

مسألة ٢٧٢: يعتبر في الوقوف أن يكون عن قصد(٢) ، ولو قصد الوقوف في أول الوقت - مثلا - ثم نام أو غشي عليه إلى آخره كفى، ولو نام أو غشي عليه في جميع الوقت غير مسبوق بالقصد لم يتحقق منه

____________________

(١) ففي موثقة اسحاق قال: سألت أبا ابراهيم عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب اليك أم على الارض، فقال: على الارض.

(٢) لكونه عبادة لا تأتي الا به.

٢٣٨

الوقوف وإن كان مسبوقاً به ففيه إشكال(١) .

مسألة ٢٧٣: يجب الوقوف بعرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة مستوعبا من أول الزوال على الاحوط إلى الغروب، والاظهر جواز تأخيره عن الزوال بمقدار الاتيان بالغسل وأداء صلاتي الظهر والعصر جمعا(٢) .

والوقوف في تمام هذا الوقت وإن كان واجبا يأثم المكلف بتركه اختياراً، الا انه ليس من الاركان، بمعنى أن من ترك الوقوف في مقدار من هذا الوقت لايفسد حجه.

نعم لو ترك الوقوف رأسا باختياره فسد حجه، فما هو الركن من

____________________

(١) لاعتبار مقارنة النية لاول وقت الوجوب.

(٢) بل الاظهر جواز تأخيره بأكثر من ذلك قليلا للنصوص الحاكية عن فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام : ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم انزل الله عليه ( واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا... فلبى بالحج مفردا... فلما زالت الشمس خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وامرهم ونهاهم ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد واقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به.

٢٣٩

الوقوف هو الوقوف في الجملة.

مسألة ٢٧٤: من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات - الوقوف بالنهار - لنسيان أو لجهل يعذر فيه او لغيرهما من الاعذار، لزمه الوقوف الاضطراري فيه - الوقوف برهة من ليلة العيد - وصح حجه، فإن تركه متعمداً فسد حجه.

هذا إذا أمكنه إدراك الوقوف الاضطراري على وجه لايفوت معه الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس، وأما مع خوف فوته في الوقت المذكور بسبب ذلك فيجب الاقتصار على الوقوف بالمشعر ويصح حجه(١) .

مسألة ٢٧٥: تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامداً، لكنها لاتفسد الحج، فإذا رجع الى عرفات فلا شيء عليه(٢) ، وإلا كانت عليه كفارة بدنة ينحرها يوم النحر(٣) ، والاحوط أن يكون

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في رجل أدرك الامام وهو بجمع، فقال: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها وإن ظن انه لايأتيها حتى يفيضوا فلا يأتيها وليقم بجمع فقد تم حجه » ومثلها دلالة صحيحة الحلبي.

(٢) لعدم صدق الافاضة حينئذ.

(٣) ففي صحيحة ضريس عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢

السلطة التنفيذيّة

المراد بالسلطة التنفيذيّة في مصطلح اليوم هو هيئة الوزراء، وما يتبعها من دوائر ومديريّات منتشرة في أنحاء البلاد، ويكون مهمّتها تنفيذ ما يقرّره مجلس الشورى من تصميمات، وقرارات، ومخطّطات في شتّى حقول الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وبالتالي يقع على عاتقها مهمّة إدارة البلاد بصورة مباشرة، وهذه السطة لا تتحدّد ـ في عصرنا ـ بتشكيلات محدّدة كمّاً أو كيفاً بحيث لا تتعدّاها بل تختلف من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى زمن فهي تزيد أو تنقص، وتضاف مديريّة أو تحذف، أو يدمج بعض في بعض تبعاً للحاجة.

وهيئة الوزراء التي تتصدّر هذه السلطة إمّا أن :

أ ـ ينتخبها الحاكم الأعلى المنتخب للبلاد رأساً.

ب ـ أو ينتخبها مجلس الشورى.

ج ـ أو تنتخبها الاُمّة مباشرةً، وإن كان هذا نادراً.

وعلى أي تقدير فإنّ الذي لا بدّ منه هو أن تكون السلطة التنفيذيّة ـ وفي مقدمتها الوزراء موضع رضا الاُمّة، وذلك يحصل بإحدى الطرق المذكورة، وإن كان الدارج الآن

٢٨١

هو انتخابها عن طريق الحاكم الأعلى، مع موافقة مجلس الشورى.

وإنّما يجب أن تكون هذه السلطة موضع رضا الاُمّة لأنّها تتسلّم زمام السلطة المباشرة على نفوس الناس وأموالهم وأرواحهم، وهذا التسلّط والتصرّف يؤول إلى الاستبداد إذا لم يكن منوطاً برضا الناس، وموافقتهم وإرادتهم.

وهذا هو ما أكّد عليه الدين الإسلاميّ في نظامه السياسيّ، فقد أشار الإمام عليّ ابن أبي طالبعليه‌السلام إلى ذلك ـ في عهده المعروف للأشتر النخعيّ لـمّا ولاّه على مصر حيث وصّاه بأن يتحرّى رضا الرعيّة إذ قال: « وليكن أحبّ الاُمور أليك أوسطها في الحقِّ، وأعمَّها في العدل، وأجمعها لرضا الرَّعيَّة، فإنَّ سخط الخاصَّة ـ يُجحفُ برضا العامّة، وإنَّ سخط الخاصَّة يُغتفرُ مع رضا العامّة »(١) .

هذا والحديث عن السلطة التنفيذيّة يستدعي البحث في ثلاثة اُمور :

أوّلاً: إثبات ضرورة وجود هذه السلطة في الحياة الاجتماعيّة جنباً إلى جنب مع السلطة التشريعيّة، والحاكم الأعلى للبلاد.

ثانياً: استعراض ما كانت عليه هذه السلطة في ( العهد النبوي ) خاصّةً وما آلت إليه فيما بعد.

ثالثاً: بيان الكيفيّة التي يجب أن تكون عليه الآن.

وإليك بيان هذه الاُمور تدريجياً.

ضرورة السلطة التنفيذيّة :

لا ريب أنّ القوانين الإسلاميّة التي شرّعها الله سبحانه للبشريّة وأنزلها عليهم، وكذا ما يستنبطه الفقهاء والمجتهدون أو تقرّره السلطة التشريعيّة من برامج على ضوء التعاليم الإسلاميّة لم تكن إلّا لإدارة المجتمع. فلم يكن تشريع كلّ تلك الشرائع، ولا

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة (٥٣).

٢٨٢

وضع جميع تلك البرامج عملاً اعتباطيّاً، بل كانت لأجل التنفيذ والتطبيق، وتنظيم الحياة الاجتماعيّة وفقها، فالقانون مهما كان راقياً وصالحاً ليس بكاف وحده في إصلاح المجتمع وإصلاح شؤونه، بل لا بدّ من إجرائه، وتنفيذه في الصعيد العمليّ.

إنّ الكتاب والسنّة زاخران بأحكام حقوقيّة ومدنيّة وجزائيّة وسياسيّة كثيرة وواسعة الأطراف والأبعاد وهي غير خافية على كلّ من له أدنى إلمام بهذين المصدرين الإسلاميّين العظيمين.

ففيهما الأمر الصريح والأكيد بقطع يد السارق:( فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) ( المائدة: ٣٨ ) وجلد الزاني والزانية:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) ( النور: ٢ ).

إلى غير ذلك من القوانين والحدود. ولقد حثّ الشارع الكريم على إجراء هذه الحدود وتنفيذ هذه القوانين، والتعاليم حثّاً أكيداً لا يترك لمتعلّل عذراً فقد ورد عن الإمام عليّعليه‌السلام أنّه قال: « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لن تقدس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقَّه من القوي غير متعتع »(١) .

وروى ابن أبي الحديد المعتزليّ أنَّه خرج رجل من أهل الشام في وقعة صفين فنادى بين الصفّين: يا عليّ ابرز أليّ، فخرج إليه عليّعليه‌السلام فقال: إنّ لك يا عليّ لقدماً في الإسلام والهجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن دماء المسلمين وتأخّر هذه الحروب حتّى ترى رأيك ؟ فقالعليه‌السلام : « وما هو ؟ » قال: ترجع إلى عراقك فنخلّي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلّي بيننا وبين الشام ؟ فقال عليّعليه‌السلام : « قد عرفت ما عرضت إنّ هذه لنصيحة وشفقة، ولقد أهمَّني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينه، فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إنّ الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون عليَّ من معالجة في الأغلال في جهنَّم »(٢) .

__________________

(١) نهج البلاغة: الرسالة (٥٣).

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢٨٣

ولـمـّا سرقت المرأة المخزوميّة ما سرقت ـ في عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وأراد اُسامة بن زيد الشفاعة في حقّها، فكلّم النبيّ في أمرها، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتشفع في حدّ من حدود الله » ؟!

ثمّ قام فخطب وقال: « أيّها الناسُ إنَّما هلك الَّذين من قبلكُم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضَّعيف أقاموا عليه الحدَّ »(١) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة وحدّ يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحاً »(٢) .

وفي حديث مفصّل وقضية مطوّلة قال الإمام عليّعليه‌السلام : « أللّهم إنّك قلت لنبيّك فيما أخبرته من دينك: يا محمّد من عطَّل حدَّاً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادَّتي »(٣) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً: « لابدَّ للنَّاس من إمام يقوم بأمرهم وينهاهم ويقيم فيهم الحدود ويجاهد فيهم العدوَّ، ويقسّم الغنائم ويفرض الفرائض أبواب ما فيه صلاحهم ويحذّرهم ما فيه مضارّهم، إذا كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع ويفسد التدبير وكان ذلك سبباً لهلاك العباد فتمام أمر البقاء والحياة في الطَّعام والشَّراب والمساكن والنكاح من النّساء والحلال الأمر والنَّهي »(٤) .

وعن الإمام الباقر محمد بن عليّعليه‌السلام : « إنّ الله تعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الاُمّةُ ـ إلى يوم القيامة ـ إلّا أنزله في كتابه، وبيَّنه لرسوله. وجعل لمن تعدَّى الحدَّ حدَّاً »(٥) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنّه قال: « حدّ يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين

__________________

(١) صحيح مسلم ٥: ١١٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨، والخراج: ١٦٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨.

(٤) رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى نقلاً عن تفسير النعمانيّ: ٥٠.

(٥) وسائل الشيعة ١٨: ٣١١.

٢٨٤

ليلة وأيّامها »(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً أنه قال: « لا تبطل حدود الله في خلقه ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم »(٢) .

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إقامة حدّ خير من مطر أربعين صباحاً »(٣) .

وقال الإمام الكاظم موسى بن جعفرعليه‌السلام في تفسير قول الله عز وجل:( يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) ( الروم: ١٩ ): « ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل فتحيا الأرض لأحياء العدل، لإقامة الحدّ فيه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً »(٤) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الصريحة التي تحث على إجراء الحدود، مضافاً إلى الآيات القرآنيّة الكريمة التي تحثّ بدورها على العمل بأحكام الله سبحانه، دون فرق بين ما تعلّق منها بالفرد أو المجتمع وتندّد بالذين يعلمون الكتاب، ويعرفون ما فيه من التعاليم والأحكام ولا يعملون بها.

بيد أنّ تنفيذ الأحكام والقوانين المتعلّقة بالمجتمع، وإجراء الحدود لا يمكن أن يفوّض إلى عامّة الناس وسوادهم فلا يعني ذلك إلّا شيوع الفوضى، وضياع الحقوق، واضطراب الحدود بين الافراط والتفريط، ولهذا لابدّ من جهاز تنفيذيّ خاصّ يتولّى هذه المهمّة الاجتماعيّة الحساسّة ويقوم بهذا الدور الخطير.

ومن العجيب أنّ موضوع الهيئة التنفيذيّة رغم كونه من أبرز ما أشار إليه الإسلام بل وصرّح به في نظام الحكومة الإسلاميّة ؛ قد تعرّض لتجاهل بعض الباحثين حول الإسلام بل وإنكارهم ؛ فقد أخذ بعض المستشرقين ـ فيما أخذ ـ على الإسلام فقدانه لجهاز تنفيذيّ ونظام حكوميّ يضمن تنفيذ القوانين، ويضفي على الإسلام طابع المنهج

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١٨: ٣٠٨، ٣١٥.

(٣ و ٤) نفس المصدر: ٣٠٨.

٢٨٥

الصالح لقيادة البشريّة حتّى في الصعيد السياسيّ فقال ما ملخّصه: « إنّ الإسلام مشتمل على قوانين وسنن رفيعة تتكفّل سعادة المجتمع فرديّاً واجتماعيّاً بيد أنّ ما جاء به الإسلام لا يتجاوز حدود التوصية الاخلاقيّة والإرشاد المعنويّ دون أن يكون لديه ما يضمن تنفيذها من سلطات وأجهزة، فإنّنا لم نلمس في التعاليم الإسلاميّة الموجودة أي إشارة إلى هيئة تنفيذيّة تقوم بإجراء الأحكام، وتنفيذ القوانيين ولذلك تعتبر الشريعة الإسلاميّة غير كافية من هذه الناحية، وعاجزةً عن التطبيق ».

هذا هو خلاصة ماقاله بعض المستشرقين، ولكن لو رجع صاحب هذه المقالة إلى الكتاب والسنّة، ولاحظ ما طفحت به الكتب الفقهيّة الإسلاميّة من سياسات اجتماعيّة، وحقوق مدنيّة، وتدابير جزائيّة عهد إجراؤها إلى الحاكم الإسلامي ؛ للمس وجود الهيئة التنفيذيّة في النظام الإسلاميّ بجوهره وحقيقته وإن لم يكن بتفصيله المتعارف الآن.

فأيّ تصريح بوجود الجهاز التنفيذيّ أكثر صراحةً من إيكال قسم كبير من القضايا الاجتماعيّة، والاُمور الجزائيّة إلى ( الحاكم الشرعي ) حيث نجد الكتب الفقهيّة زاخرةً بعبارات: عزّره الحاكم، أدّبه الحاكم، نفاه الحاكم، طلّق عنه الحاكم، حبسه الحاكم، خيّره الحاكم(١) . وما شابه من الاُمور المخوّلة إلى الحاكم الإسلاميّ، وهو يوحي بوجود جهاز تنفيذيّ في النظام الإسلاميّ، لأنّ أكثر تلك المهام هي من صلاحيات السلطة التنفيذيّة المتعارفة الآن.

هذا مضافاً إلى أنّ موضوع ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) الذي يؤكّد عليهما الدين الإسلاميّ أشدّ تأكيد يعتبر من أوضح الأدلّة على لزوم مثل هذا الجهاز التنفيذيّ حتّى يمكن القول ـ بدون مبالغة ـ أنّ المقصود بالقائمين بهذه الفريضة الكبرى، والوظيفة العظمى هو ( الهيئة التنفيذيّة ).

__________________

(١) راجع هذا الجزء: ٢٣ ـ ٣٠.

٢٨٦

الآمرون بالمعروف هم السلطة التنفيذيّة :

إنّ النظر العميق في فريضة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وأحكامهما ومسائلهما، وشروطهما يقضي بأنّ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم ( السلطة التنفيذيّة ) التي تقع على عاتقها مهمّة إجراء الأحكام، وتنفيذها وصيانتها في المجتمع الإسلاميّ. ولابدّ ـ قبل إثبات هذا الأمر ـ من تقديم مقدّمة حول هذه الفريضة الإسلاميّة العظمى فنقول: تعتبر وظيفة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) أصلاً مبتكراً، وفريضةً بديعةً جاء بها الإسلام وهي ممّا لم يعهد لها نظير في الأنظمة الوضعيّة البشريّة فقد فرض الدين الإسلاميّ ـ بموجب هذه الفريضة ـ على أتباعه أن ينشروا الخير والمعروف بين الناس، ويزجروا عن الشرّ والمنكر، ولا يكونوا متفرّجين أو ساكتين اتّجاه ما يجري في المجتمع ويقع من إظهار المنكر أو تضييع للمعروف.

ولقد انطلق الإسلام ـ في إيجابه لهذه الفريضة العظيمة ـ من حقيقة اجتماعيّة مسلّمة وهي: أنّ أعضاء المجتمع الواحد الذين يعيشون في بيئة واحدة، مشتركون في المصير فلو كان هناك خير لعمّ الجميع ولم يقتصر على فاعله، ولو كان هناك شرّ لشمل الجميع أيضاً ولم يختصّ بمرتكبه. ومن هناك يجب أن تتحدّد تصرّفات الأفراد في هذا المجتمع، وتتحدّد حريّاتهم بمصالح الاُمّة، ولا تتخطّاها.

ولقد شبّه الرسول الأكرم وحدة المصير للمجتمع الواحد بأحسن تشبيه حيث مثّل أفراد المجتمع بركاب سفينة في عرض البحر، إذا تهددها خطر تهدّد الجميع ولم يختصّ بأحد دون أحد ولذلك لا يجوز لأحد ركّابها أن يثقب موضع قدمه بحجّة أنّه مكان يختصّ به. ولا يرتبط بالآخرين، لأنّ ضرر هذا العمل يعود إلى الجميع ولا يعود إليه خاصّةً. وهذا هو أفضل تشبيه لاشتراك المجتمع الواحد في المصير، والمسير(١) .

كما أنّه لو أصيب أحد أفراد المجتمع بالوباء لم يجز له أن يتجوّل في البلاد بحجّة

__________________

(١) راجع روض الجنان للشيخ أبي الفتوح الرازيّ.

٢٨٧

أنّه حرّ ؛ لأنّ ذلك يعرّض سلامة الآخرين للخطر، فلا بدّ أن يتحدّد تجوّله، تجنيباً للمجتمع من كوارث ذلك المرض.

إنّ هذه الأمثلة وأشباهها توضّح أهميّة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ومكانتهما ومدى أثرهما في سلامة المجتمع واستقامته وصلاحه، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظارة عموميّة، ورقابة صارمة تمنع من تفشّي المنكر وتساعد على نمو الخير، وازدهاره. وهما إلى جانب ذلك سبب قويّ في بقاء الدين، واستمرار الرسالة الإلهيّة.

ولقد وردت في التأكيد على هذه المهمّة الخطيرة آيات قرآنيّة كثيرة، وأحاديث، تأمر الجميع بالقيام بالدعوة إلى الخير، وإنكار المنكر، وهي معلومة وواضحة لكلّ من له أدنى إلمام بالشريعة الإسلاميّة.

نعم، ربّما يُتوهّم من بعض الآيات خلاف ذلك، وهي تلك الآيات التي يتمسّك بها بعض طلاب الراحة والعافية واتّباع الهوس لسدّ باب التبليغ والدعوة، أو للتخلّص من تحمّل مشكلاتها، وصعوبتها، ومن تلك الآيات قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( المائدة: ١٠٥ ).

وقد رفع المفسّرون النقاب عن وجه هذه الآية وفسّرها الأمين الطبرسيّ في تفسيره مجمع البيان بقوله: « إنّ الآية لا تدل على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل توجب أنّ المطيع لربّه لا يؤخذ بذنوب العاصي »(١) .

بيد أنّ لنا توضيحاً آخر لمفاد هذه الآية وهو: أنّ الآية تشير إلى سيرة عقلائيّة وقضيّة عقليّة وهي أنّ على من يريد إصلاح المجتمع أن يبدأ بنفسه ثمّ يتعرّض لإصلاح الآخرين فما لم يصلح المرء نفسه ليس له أن يؤدّب غيره، وإلى ذلك يشير الإمام عليّعليه‌السلام قائلاً: « من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبهُ بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلمُ نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٣: ٢٥٤.

٢٨٨

ومؤدّبهم »(١) .

وبالجملة أنّ الآية ناظرة إلى الاجتماعات الفاسدة الغارقة في الفساد والانحراف فإنّ الطريق الوحيد لإصلاحها هو الابتداء بإصلاح الذات وعدم توقّع أي إصلاح للغير قبل ذلك ؛ وأن لا يترك إصلاح نفسه بحجّة أنّ المجتمع فاسد وإليه يشير قوله سبحانه:( لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ويؤيد ذلك قول النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ».

فقيل: يا رسول، من الغرباء ؟ فقال: « الَّذين يصلحون إذا أفسد الناس من سنَّتي »(٢) .

وهذا الحديث يرفع التوهّم حول الآية خصوصاً إذا قرئ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يصلحون » بصيغة اللازم، فإلى هذا المعنى تشير الآية المذكورة. وعلى أي تقدير فالآية لا ترتبط بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تمتّ بهما بصلة.

ولقد كفى في أهميّة هذه الوظيفة أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد بلغا من الأهميّة والأثر حتّى صارا أفضل من الجهاد إذ قال الإمام عليّعليه‌السلام : « وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحر لجّيّ »(٣) .

ووجه هذه الأفضليّة على الجهاد وسائر أعمال البرّ هو أنّ ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) بكلا قسميه ( الفرديّ والاجتماعيّ ) كما سيوافيك بيانهما مكافحة داخليّة، والجهاد كفاح خارجيّ. والاُولى متقدّمة على الثانية، فلو لم يصلح الداخل لم يصلح الخارج، وما دام الداخل غير مستعدّ للإصلاح لا يمكن للمسلمين أن يخطوا أيّة خطوة لإصلاح الخارج.

كما ويؤكّد ضرورة إنكار المنكر وحرمة تركه قوله تعالى:( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي

__________________

(١) نهج البلاغة: ـ الحكم ـ الرقم (٧٣).

(٢) جامع الاُصول ١٠: ٢١٢، أخرجه الترمذي.

(٣) نهج البلاغة: قصار الحكم الرقم (٣٧٤).

٢٨٩

الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) ( النساء: ١٤٠ ).

فهذه الآية تدلّ على أنّ السكوت على المنكر يوجب أن يكون الساكت على الذنب كالمرتكب له، ولأجل ذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام : « إنَّما يجمع الناسُ الرِّضى والسَّخطُ وإنَّما عقر ناقة ثمود رجُل واحد فعمَّهُم الله بالعذاب لـمّا عمّوهُ بالرِّضى »(١) .

ثمّ إنّ الغور في هذه الوظيفة الإسلاميّة ومعرفة شروطها وفروعها وآثارها الحيويّة يستدعي إفراد رسالة مفصّلة خاصّة بذلك.

غير أنّنا نقتصر هنا على ذكر ما يرتبط ببحثنا وهو إثبات وجود ( السلطة التنفيذيّة ) في نظام الحكم الإسلاميّ فنقول: إنّ النظر في مهمّة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) يقضي بأنّ الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر يتمثّلون ـ في الحكومة الإسلاميّة ـ في ( الهيئة التنفيذيّة ) فليست هذه السلطة في حقيقة الأمر إلّا القائمين بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيدهما الاجتماعيّ العموميّ. والوقوف على هذا المطلب يحتاج إلى التنبيه على أنّ فريضة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) تنقسم إلى وظيفتين :

١. وظيفة فرديّة.

٢. وظيفة اجتماعيّة عموميّة.

وهما يختلفان ماهيّةً وشروطاً حسبما نعرف ذلك من الكتاب والسنّة كما سيوافيك بيانه.

أمّا الكتاب فنجده يوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارةً على المجتمع، أي على كلّ فرد فرد من أعضاء الاُمّة الإسلاميّة، وتارةً على جماعة خاصّة من المجتمع الإسلاميّ وإلى القسم الأوّل ( الفردي ) يشير قوله تعالى:( وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة (٢٠١).

٢٩٠

أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة: ٧١ ).

وقوله تعالى:( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ) ( التوبة: ١١٢ ).

وقوله سبحانه:( كُنتُمْ خَيْرَ أمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) ( آل عمران: ١١٠ ).

إلى غير ذلك من الآيات، والخطابات الموجّهة إلى المجتمع بصورة عامّة.

وإلى القسم الثاني تشير الآيات التي تضع هذه الوظيفة على عاتق جماعة خاصّة وتعبّر عنها ب‍ ( أمّة ) وفي ذلك قوله سبحانه:( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمّة يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) ( العمران: ١٠٤ ).

ومن المعلوم أنّ الاُمّة عبارة عن جماعة خاصّة تجمعهم رابطة العقيدة ووحدة الفكر، وهي وإن كانت تطلق أحياناً على الفرد الواحد كقوله سبحانه:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمّة قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( النحل: ١٢٠ ) لكنه إطلاق واستعمال غير شائع فلا تحمل الآية عليه. وقد فسّر الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام هذه الآية بقوله: « وسُئل عن الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أواجب هو على الاُمّة جميعاً ؟ فقال: لا، فقيل لهُ: ولم ؟ قال: إنَّما هُو على القوي الـمـُطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضَّعيف والدَّليلُ على ذلك كتاب الله عزَّ وجلَّ قوله:( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمّة يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ) فهذا خاص غير عام كما قال الله عزَّ وجلَّ:( وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أمّة يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) ( الأعراف: ١٥٩ ) ولم يقل: على أمّة موسى ولا على كُلِّ قومه، وهم يومئذ اُمم مختلفة والاُمّة واحد فصاعداً كما قال الله عزَّ وجلَّ:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أمّة قَانِتًا للهِ ) »(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٠.

٢٩١

وقوله تعالى:( إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) ( الحج: ٤١ ).

فهذه الآية تشير ـ بوضوح ـ إلى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكورين في الآية هو من النوع الذي يحتاج إلى المكنة والقدرة والسلطة، فالوصف فيه وصف للمؤمنين الذين تمكّنوا من السلطة وبالتالي فهو وصف للجهاز الحاكم والسلطة التنفيذيّة، ولا يمكن إرجاعه إلى عامّة المسلمين لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتوجّبين على الكافة لا يختصّ بظرف المكنة في الأرض، ولا يتقيد بقيد السلطة، بل تجب مراتبه قلباً ولساناً في جميع الأحوال بل يمكن أن يقال أيضاً إنّ الدعوة والتبليغ حتى باللسان على قسمين :

قسم يمكن أن يقوم به كلّ مسلم عارف بضروريات الإسلام من واجبها وحرامها.

وقسم لا يمكن أن يقوم به إلّا فرقة من كلّ طائفة ممّن صرفوا أوقاتهم وأعمارهم في تعلّم الدين بعمقه وتفاصيله وجزئيّاته، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:( وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ( التوبة: ١٢٢ ).

وقد سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن قول رسول الله: « اختلافُ أُمّتي رحمة » فقال: « صدقوا في هذا النَّقل » فقلت: إن كان أختلافهم رحمةً فاجتماعهم عذاب قال: « ليس حيثُ تذهب وذهبوا، إنَّما أراد قولُ الله تعالى:( فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فأمرهُم الله أن ينفروا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويختلفوا إليه فيتعلّموا ثمَّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم، إنّما أرادهم من البلدان لا اختلافهم في الدين إنّما الدّينُ واحد »(١) .

__________________

(١) تفسير البرهان ٢: ١٧٢ ومعاني الاخبار: ١٥٧ وعلل الشرائع ١: ٦٠ وقد نقلها صاحب الوسائل في ٨: ١٠١ ـ ١٠٢.

٢٩٢

وأمّا الأحاديث والأخبارُ الواردة في شأن وظيفة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فهي أيضاً تُقسِّم هذه الفريضة إلى قسمين :

قسم لا يحتاج القيام به الى جهاز خاص وقدرة وتمكّن، لأنّه لا يتجاوز القلب واللسان والوجه. وقسم يتوقّف القيام به على الجهاز والقوَّة والسّلطة.

وإلى القسم الأوّل يشير ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إذ قال: « من ترك إنكار المنكر بقلبه ولسانه فهو ميّت بين الأحياء »(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً قال: « أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرَّة »(٢) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة »(٣) .

وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام إذ قال: « حسبُ المؤمن غيراً ( أي غيرة ) إذا رأى منكر أن يعلم الله عزَّ وجلَّ من قلبهُ إنكاره »(٤) .

وهذا القسم من الأحاديث الحاثَّة على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر يشملُ كلّ فرد من أفراد المسلمين ولا يتجاوز القلب والوجه واللسان ويمكن لأيِّ فرد من الأفراد القيام به ؛ إذ لا يحتاج إلى تكلّف مؤنة، ولا توفّر قوَّة وسلطة وهو بالتالي يعمُّ كلّ مسلم آمراً ومأموراً حاكماً ومحكوماً.

وأمّا القسم الثاني ؛ وهي الأحاديث التي تجعل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر دعامةً لأقامة الفرائض، وسبيلاً إلى أمن الطرق والمسالك، وردِّ المظالم، وردع الظَّالم، ووسيلةً إلى عمارة الأرض والانتصاف من الأعداء وهي اُمور لا تتحقّق إلّا بجهاز قادر متمكِّن فهي كالتالي :

قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : « إنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض والنَّهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء بها

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٤، ٤١٣.

(٣ و ٤) وسائل الشيعة ١١: ٤١٣، ٤٠٩.

٢٩٣

تأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم وتعمّر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر »(١) .

ومن المعلوم أنّ الأمر والنّهي المؤدّيين إلى أمان الطّرق والمسالك وعمارة الأرض والانتصاف من الأعداء للمظلومين لا يتيسّر إلّا بجهاز تنفيذيّ قويّ، وسلطة إجرائيّة قادرة تتحمّل عبء الأمر والنّهي على المستوى العموميّ وبواسطة الأجهزة والتشكيلات، هذا مضافاً إلى أنّ ذكر الأنبياء في الحديث لعلّه يوحي بأنّ الأمر والنهي المذكورين هنا هو ما كان مقروناً بالحاكميّة والسلطة على غرار ما كان للأنبياء: حيث كانوا يمارسون مهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ غالباً ـ من موقع السلطة والحاكميّة والولاية لا من موقع الفرد ومن موضع التبليغ ومجرد الوعظ والإرشاد الفرديّ.

وعن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « لا تزال اُمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرِّ فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردِّ المظالم، ومخالفة الظالم وقسمه الفيء وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها »(٣) .

ومن البين أنّ مخالفة الظالم وردعه وإيقافه عند حدّه، وتقسيم المال بين المسلمين بصورة عادلة وأخذ الصدقات والموارد الماليّة، الذي يعني التنظيم الاقتصاديّ على المستوى العام للمجتمع، لا يتأتّى عن طريق الأمر والنهي الفرديين والمنحصرين في إطار الموعظة بل يحصل ويتحقّق بوجود جهاز تنفيذيّ حاكم وسلطة إجرائيّة تتولّى إدارة دفّة البلاد وفق تعاليم الإسلام، فإنّ مثل هذا الأمر والنهي يحتاج إلى استعمال القوّة

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ١١: ٣٩٥، ٣٩٨.

(٣) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٣، وقد ورد مثلها عن الإمام الحسين بن عليّ في تحف العقول: ١٧١ ( طبعة بيروت ).

٢٩٤

لإجراء الحدود والعقوبات وتنفيذ الأحكام الجزائيّة، وهي اُمور لا يمكن أن تتحقّق إلّا في ظلّ سلطة وجهاز تنفيذيّ.

من هنا ؛ تكون الوظيفة العموميّة وما يترتّب عليها من الحبس والتأديب والقصاص وما شابه ؛ مقتضية لوجود سلطة تنفيذيّة يعهد إليها الأمر والنهي الاجتماعيين العموميين، الذين فيهما صلاح عامّة الناس، واستقامة اُمورهم عامّة ويمكن إستفادة هذا المطلب من كلام للسيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام إذ قالت: « والأمرُ بالمعروف مصلحة للعامَّة »(١) .

إذ أي أمر بالمعروف يمكن أن يكون مصلحة للعامّة إذا لم يكن القائم به جهاز ذو قدرة وسلطان يقوم بذلك عن طريق التشكيلات والتنفيذ العام.

كما ويمكن استفادة ذلك أيضاً من كلام الإمام عليّعليه‌السلام إذ قال: « أخذ الله على العُلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم وسغب مظلوم »(٢) .

فكيف يمكن منع الظالم من ظلمه، ومنع المستغلّ من الاستئثار بلقمة الفقير، إلّا بجهاز وسلطة خاصّة، فليس العلماء المذكورون في هذا الحديث إلّا ذلك الجهاز التنفيذيّ القادر على الإجراء.

وكذا يستفاد هذا الأمر من كلام آخر للإمامعليه‌السلام وهو يتحدّث عن الوالي وماله وما عليه: « أللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسةً في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنردَّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطَّلة من حدودك »(٣) .

__________________

(١) بلاغات النساء لابن طيفور ـ المتوفّى عام ( ٣٨٠ ه‍ ) ـ ص ١٢، ومعاني الأخبار: ٣٣٦.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة (٣).

(٣) نهج البلاغة: الخطبة (١٢٧) شرح عبده، وقد ورد نظيره عن الإمام الحسين بن عليّ إذ قال: « أللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنرى المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك » راجع تحف العقول: ١٧٢ ( طبعة بيروت ).

٢٩٥

فكيف يمكن أمان المظلومين، وإقامة الحدود المعطّلة وإظهار الإصلاح العام في البلاد وتطبيق سنن الله وأحكامه بلا استثناء إلّا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المعتمدين على السلطة والناشئين عن جهاز تنفيذيّ ؟

إذ كيف يمكن قيام الفرد أو الأفراد بكلّ ذلك وهو بحاجة إلى قدرة وتمكّن ونفوذ أمر وسلطان ؟

ويمكن تأييد ضرورة وجود هذه السلطة واختصاص هذا النوع من ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) الذي يتجاوز القلب والوجه واللسان ويتعدّاه إلى ( اليد ) وإستعمال القوة والسلطة ؛ بتنديد الله بالربانيّين والأحبار الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم المسؤولون عن ذلك لأنّهم كانوا في مقام الإمرة وفي موقع السلطة فقال الله تعالى:( وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ( المائدة: ٦٢ ـ ٦٣ ).

وقد أشار الإمام عليّعليه‌السلام إلى تفسير هذه بقوله: « أمّا بعد فإنّه إنّما هلك من كان قبلكم حينما عملوا من المعاصي ولم ينههم الرَّبانيون والأحبار عن ذلك وأنَّهم لـمّا تمادوا في المعاصي ولم ينههم الرَّبانيون والأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات »(١) .

وهكذا تفيد نصوص الكتاب والسنّة وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ أحدهما وظيفة جميع الأفراد والآخر وظيفة سلطة قادرة

وبذلك يجمع بين الطائفتين من الآيات والروايات اللتين يضع قسم منها هذه الوظيفة على عاتق الجميع، وقسم منها على عاتق جماعة خاصّة ؛ فالأوّل راجع إلى الوظيفة الفرديّة منهما، فهو الذي يجب على الجميع، والثاني راجع إلى الوظيفة الاجتماعيّة التي تختصّ باُمّة متمكّنة من السلطة.

وممّا يدلّ على هذا إلى جانب تلك النصوص فتاوى الفقهاء ـ في باب الحدود ـ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٣٩٥.

٢٩٦

والتي تضافرت على أنّه لو وجب قتل مسلم قصاصاً لم يجز لأحد أن يقتص منه غير ولي الدم بإذن الحاكم أو الحاكم نفسه، فلو قتله غيره كان عليه القود، ولا يتوهّم أنّ من وجب عليه إجراء الحدّ، يكون مهدور الدم بالنسبة إلى كلّ واحد فإنّه توهّم باطل فإنّ من وجب عليه الحد والقصاص على أقسام :

١. إمّا أن يكون مهدور الدم لكلّ أحد كساب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الكافر الحربيّ، فإنّه إذا قتله المسلم أو الذمي لا قود عليهما. ولكنّهما يعزّران لتدخلهما في أمر الحاكم.

٢. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى المسلمين كالمرتد الفطريّ، فإذا قتله المسلم لا قود عليه، ولو قتله الذميّ فعليه قود، ومع ذلك فيعزّر المسلم لو قتله للتدخّل المذكور.

٣. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى من له القصاص ( أي وليّ الدم ) ومن إليه القصاص ( أي الحاكم ) كالقاتل المسلم ظلماً فلا يجوز لغير ولي الدم أو الحاكم قتله(١) .

٤. أن يكون مهدور الدم بالنسبة إلى من إليه الحكم، كاللائط والزاني المحصن.

كما أنّ ممّا يدلّ على وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أنّ الفقهاء ذكروا للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شروطاً أربعة هي :

١. أن يكون عارفاً بالمعروف من المنكر.

٢. أن يحتمل تأثير إنكاره فلو غلب على ظنّه أو علم أنّه لا يؤثّر لم يجب عليه شيء.

٣. أن يكون الفاعل للمنكر مصرّاً على الاستمرار فلو لاحت منه إمارة الامتناع أو قلع عنه، سقط الإنكار.

٤. أن لا يكون في الإنكار مفسدة، فلو ظنّ توجّه الضرر إليه، أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط(٢) .

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ونظائر هذه المسألة من ص ١٥٩ ـ ١٩٨ الجزء ٤١.

(٢) شرائع الإسلام: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٩٧

ومن المعلوم ؛ أنّ الشرط الثاني ( احتمال التأثير ) والثالث ( الإصرار على المنكر ) من شروط القسم الفرديّ من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا الاجتماعيّ منهما إذ لا يعتبر في الاجتماعيّ من هذه الفريضة احتمال التأثير، بل للحاكم أن يجري الحدود والعقوبات المقرّرة فيقتصّ من القاتل أو الجارح، ويقطع يد السارق سواء أكان هناك تأثير أم لا.

كما أنّ للحاكم أن يجري الحدود والعقوبات المقرّرة سواء كرّر المجرم أم لم يكرّر جريمته ومعصيته، ولأجل هذا يجب التمييز والفصل بين الأمر والنهي الفردي، والأمر والنهي الاجتماعيّ العموميّ لاختلافهما في الشروط والغايات. ولا شكّ أنّ هذه المغايرة والتمايز يكشف ـ وبمعونة ما سبق وما يأتي من الأدّلة ـ عن أنّ القسم الثاني من هذه الفريضة هو من شأن سلطة تنفيذيّة وجهاز حكم وليس من شأن الأفراد.

دفع إشكال حول الأمر والنهي :

ربما يتوهّم أحد أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينطويان على مجرّد طلب فعل المعروف وطلب ترك المنكر وهذا ممّا لا يتحقّق في إجراء حدّ القتل أو الرجم على المحكوم بهما، فكيف يمكن أن نعتبرهما من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟

ولكن هذا الإشكال مدفوع بأنّ الطلب الإنشائي الذي هو من قبيل المفهوم، وإن لم يكن موجوداً في إجراء حدّ القتل والرجم لكنّه فيه واقعيّة الطلب وحقيقته وأثره، إذ باجراء هذين الحدّين تنعدم المنكرات واقعاً، ولو بالنسبة للآخرين، وهذا نظير قوله سبحانه:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ) فإن قتل القاتل وإن كان سلباً لحياته لكنّه إحياء للنفوس الاُخرى. وهو هدف القصاص، ولأجل ذلك كانت العرب تقول في مورد القصاص « القتل أنفى للقتل ».

وخلاصة القول أنّ الأثر المطلوب من إجراء الحدود وإن كان منفيّاً بالنسبة إلى الجاني نفسه ولكنّه موجود بالنسبة إلى المجتمع.

٢٩٨

هذا وممّا يؤكد وجود نوعين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنّ علماء الإسلام ذكروا للمحتسب وهو من يقوم بالأمر والنهي الاجتماعيّين شروطاً لا تعتبر في القسم الفرديّ من هذه الفريضة.

فقد قال ابن الاخوة القرشيّ في كتابه معالم القربة في أحكام الحسبة :

الحسبة من قواعد الاُمور الدينيّة، وقد كان أئمّة الصدر الأوّل يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها وجزيل ثوابها وهي: أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله وإصلاح بين الناس، قال الله تعالى:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) ( النساء: ١١٤ ).

والمحتسب من نصبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعيّة والكشف عن اُمورهم ومصالحهم ( وفي نسخة اُخرى: وبياعاتهم ومأكولهم ومشروبهم ومساكنهم وطرقاتهم ) وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

ومن شروط المحتسب أن يكون: ( مسلماً ) ( حرّاً ) ( بالغاً ) ( عاقلاً ) ( عدلاً ) ( قادراً )(١) .

ومن المعلوم أنّ ( الحريّة ) و ( البلوغ ) و ( العدالة ) ليست شروطاً في القسم الفرديّ من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فهذا التباين في الشرائط والصلاحيّات يكشف ـ بوضوح ـ عن تنوّع وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى نوعين مختلفين: فرديّ، وعموميّ، والأوّل هو وظيفة كلّ فرد من أفراد المسلمين، بينما يختصّ الثاني بجهاز وسلطة ويتطلّب وجودها في الحياة الإسلاميّة.

وظيفة المحتسب والسلطة التنفيذيّة :

وممّا يدلّ على اختصاص القسم الاجتماعيّ من وظيفة ( الأمر بالمعروف والنهي

__________________

(١) معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الاخوة: ٧.

٢٩٩

عن المنكر ) والمسمّى بالحسبة، بالسلطة التنفيذيّة ؛ مطالبة الإمام عليّعليه‌السلام أحد ولاته على بعض الأمصار بأن يقوم بها ـ وهو في موقع الحكم ـ باعتبار أنّ ذلك أحد مسؤوليّاته ووظائفه وهو يتولّى اُمور المسلمين إذ قال: « من الحقّ عليك حفظُ نفسك والاحتسابُ على الرَّعيّة بجهدك فإنّ الّذي يصلُ إليك من ذلك ( أي من جانب الله ) أفضلُ من الّذي يصلُ بك ( أي من جانب الناس ) ».

وقد أشار صاحب كتاب معالم القربة في أحكام الحسبة فروقاً بين المحتسب والمتطوّع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ قال: ( وأمّا ما بين المحتسب المتولّي من السلطان وبين المنكر المتطوّع من عدّة أوجه :

أحدها: أنّ فرضه متعيّن على المحتسب ـ بحكم الولاية ـ وفرضه على غيره داخل تحت فرض الكفاية.

الثاني: أنّ قيام المحتسب به من حقوق تصرّفه الذي لا يجوز أن يتشاغل عنه بغيره، وقيام المتطوّع به من نوافل عمله الذي يجوز أن يتشاغل عنه بغيره.

الثالث: أنّه منصوب للاستعداء إليه في ما يجب إنكاره، وليس المتطوّع منصوباً للاستعداء.

الرابع: على المحتسب إجابة من استعداه وليس على المتطوّع إجابته.

الخامس: أنّ له أن يتّخذ على الإنكار أعواناً لأنّه عمل هو له منصوب، وإليه مندوب وليكون له أقهر، وعليه أقدر، وليس للمتطوّع أن يتّخذ لذلك أعواناً.

السادس: أنّ له أن يعزّر في المنكرات الظاهرة ولا يتجاوز بها الحدود، وليس للمتطوّع أن يعزّر.

السابع: أن يرتزق على حسبته من بيت المال وليس للمتطوّع أن يرتزق على إنكار منكر إلى غير ذلك.

فهذه وجوه الفرق بين من يحتسب بولاية السلطان ( أي يقوم بالقسم الاجتماعيّ

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415