إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج14%

إيضاح مناسك الحج مؤلف:
المحقق: الشيخ أحمد الماحوزي
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 415

إيضاح مناسك الحج
  • البداية
  • السابق
  • 415 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108896 / تحميل: 9671
الحجم الحجم الحجم
إيضاح مناسك الحج

إيضاح مناسك الحج

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم وعمد(١) على ماتقدم في الطواف.

نعم، إذا كان جاهلا بالحكم فالاظهر عدم بطلان السعي بالزيادة(٢) وإن كان الإعادة أحوط(٣) .

مسألة ٢٤٣: إذا زاد في سعيه خطأ صح سعيه، ولكن الزائد إذا كان شوطا أو أزيد يستحب له أن يكمله سبعة أشواط ليكون سعيا كاملا غير سعيه الاول(٤) ، فيكون انتهاؤه الى الصفا.

* مسألة ٢٤٤: مرشد الحجاج إذا تقدم وتأخر أثناء سعيه وهو غافل عن كونه زيادة في السعي فإن كان جاهلا قاصراً لم يضر بصحة سعيه(٥) .

____________________

(١) كما تدل عليه بعض النصوص.

(٢) تشهد له صيححة جميل قال: حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا، فسألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن ذلك فقال: لابأس سبعة لك وسبعة تطرح.

(٣) لاطلاق بعض الروايات.

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم: وإذا استيقن انه سعي ثمانية أضاف اليها ستاً.

(٥) والظاهر كذلك حتى لو كان جاهلا مقصراً، ففي صحيحة هشام بن

=

٢٢١

ويشكل سعي من شاهد الناس يهرولون في المسعى فظن أن ذلك شيء واجب فرجع القهقري وواصل سعيه مهرولا، إلا اذا كان جاهلا قاصراً.

مسألة ٢٤٥: إذا نقص من اشواط السعي عامد - عالما بالحكم أو جاهلا به - فحكمه حكم من ترك السعي كذلك(١) وقد تقدم.

وأما إذا كان النقص نسيانا فيجب عليه تدارك المنسي متى ماذكر سواء كان شوطاً واحدا أم أزيد على الاظهر(٢) .

____________________

=

سالم قال: سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد فقلت له: تحفظ علي، فجعل يعد ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً، فبلغ مثل ذلك، فقلت له: كيف تعد ؟ قال: ذاهباً وجائيا شوطاً واحداً، فأتممنا أربعة عشر شوطاً، فذكرنا لابي عبداللهعليه‌السلام فقال: قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء » فإذا كان الزيادة في الشوط بأكمله جهلا ليست مخلة بالسعي فكذلك جزء الشوط، مضافا الى اتحاد حكم الناسي والجاهل في كثير من الاحكام في الحج، والله العالم.

(١) اذ ترك الجزء ترك للكل كما لايخفي.

(٢) لعله لصحيحة سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام رجل متمتع سعي بين الصفا والمروة ستة أشواط، ثم رجع الى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظافره وأحل، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط، فقال لي

=

٢٢٢

ولو كان تذكره بعد مضي وقته - بأن تذكر وقوع النقص في سعي عمرة التمتع وهو بعرفات، أو التفت إلى وقوع النقص في سعي الحج بعد مضي شهر ذي الحجة - فالاحوط أن يعيد السعي بعد التدارك(١) ، وإذا لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج عليه استناب غيره، والاحوط أن يجمع النائب بين تدارك الأشواط وإعادة السعي.

____________________

=

يحفظ أنه قد سعي ستة أشواط، فان كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة » ولاخصوصية للشوط الواحد، وصحيحة معاوية وفيها « فإن سعى الرجل اقل من سبعة اشواط ثم رجع إلى اهله فعليه أن يرجع ليسعى تمامه، وليس عليه شيء » ومثلهما مصححة ابن مسكان الاتية.

وأما مرسل الكافي عن احمد الحلال عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت، قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله » ومثله حسنة ابي بصير، فيمكن أن يكون الحكم في الذيل مختص بالطواف إذ لاتشترط الطهارة في السعي فتأمل.

(١) مقتضي اطلاق صحيحة سعيد كفاية الإتمام مطلقا.

٢٢٣

مسألة ٢٤٦: إذا نقص شيئا من السعي في عمرة التمتع نسيانا فأحل لاعتقاد الفراغ من السعى فالاحوط لزوم التكفير عن ذلك ببقرة(١) ، ويلزمه اتمام السعي على النحو الذي ذكرناه.

* وأما اذا وقع النقصان جهلا بعدد أشواط السعي مثلا(٢) ، او كان ذلك في العمرة المفردة(٣) ،

____________________

(١) واستظهره السيد الخوئي وجزم به بعض أعاظم تلامذته، وتشهد له صحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، فتكون مخصصة للعمومات الدالة على ان الناسي لاشيء عليه في غير الصيد.

ولا تنافيها مصححة ابن مسكان قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنه سبعة، فذكر بعد ما أحل وواقع النساء أنه انما طاف ستة أشواط ؟ قال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر » اذ الفرض من سؤال الراوي نعم لو كان من الامامعليه‌السلام لامكن القول بإعتبار الامرين معا فتقيد إطلاق الصحيحة المتقدمة بما اذا احلّ وجامع.

(٢) لكون مورد الروايتين المتقدمتين النسيان، فينفي عن الجاهل الكفارة بالعمومات الدالة على ان كل من ارتكب امرا بجهالة في الحج فلا كفارة عليه.

(٣) اقتصاراً على مورد النصين بعد كونه خلافا للعمومات، ومورده عمرة التمتع كما لايخفي على من تدبر في كليهما.

=

٢٢٤

أو الحج(١) فلا تلزمه الكفارة بل يتم سعيه ويعيد التقصير ولا شيء عليه.

* مسألة ٢٤٧: إذا قصر المعتمر قبل أن يسعى عالما عامدا، فعليه كفارة التقليم(٢) إذا كان تقصيره به بناءً على الاكتفاء به في التقصير، وإما اذا كان التقصير بقص شيء من شعره فالاظهر عدم ثبوت الكفارة عليه(٣) وإن كان آثما.

____________________

=

ولايبعد لزوم الاقتصار على ستة أشواط لكونه مورداً للخبرين، الا مع القول بعدم الخصوصية، والقطع به مشكل في المقام المخالف للقواعد والعمومات.

(١) كذا في ملحق المناسك والظاهر أنها من زيادات الكتّاب، إذ لاتقصير بعد السعي في الحج مطلقا، إلا اذا قدمه على الطوافين فيمكن تصوره.

(٢) وقد مر ذكرها مفصلا فراجع.

(٣) وقد تقدم منه دام ظله أن من نتف شعر لحيته او غيرها فعليه أن يطعم مسكينا بكف من الطعام، وإذا امر المحرم يده على رأسه او لحيته عبثا فسقطت شعرة او اكثر فليتصدق بكف من طعام، فالكفارة المنفية هنا هي الدم.

إلا ان يقال: ان الكفارة مترتبة على النتف أما قص شيء من الشعر فلا لعدم الدليل، نعم إزالة الشعر مطلقا سواء بالنتف او القطع لاتجوز للمحرم لعموم قولهعليه‌السلام في الصحيح « لابأس أن يحتجم المحرم مالم يحلق او

٢٢٥

أما إذا كان جاهلاً فلا شيء عليه وعليه الاتيان بالسعي ثم التقصير، وقد مر حكم الناسي لبعض الاشواط في المسألة السابقة.

* مسألة ٢٤٨: إذا تخلى الساعي عما أتى به من الاشواط واستأنف السعي، فإن كان بعد فوات الموالاة العرفيه صح سعيه، وإلا اشكل صحته، نعم لو فعل ذلك عن جهل قصوري فالاظهر الصحة.

* مسألة ٢٤٩: لو استدبر المروة أو الصفا - بسبب الزحام أو رؤية شخص - وهو متجه الى أحدهما، لم يجزئه، فعليه الرجوع وتدارك المقدار الذي وقع الاخلال به.

* مسألة ٢٥٠: يجوز قطع السعي اختياراً على الاظهر(١) ، وليستأنف بعد فوات الموالاة العرفية.

* مسألة ٢٥١: اذا علم ببطلان سعيه في العمرة بعد التقصير فهو باق على إحرامه، وعليه أن يجتنب عن محرمات الاحرام، إلى أن

____________________

=

يقطع الشعر »، وقوله «لايأخذ المحرم من شعر الحلال ».

(١) يدل عليه صحيح الازرق قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق له فيدعوه الى الحاجة او الى الطعام قال: ان أجابه فلا بأس، ولكن يقضي حق الله عز وجل أحب اليّ من أن يقضي حق صاحبه.

٢٢٦

يحل من احرامه باكمال نسكه.

الشك في السعي

لا اعتبار بالشك في عدد أشواط السعي أو في صحتها بعد التجاوز عن محله(١) ، كما لو كان الشك فيه في عمرة التمتع بعد التقصير أو في الحج بعد الشروع في طواف النساء.

ولو شك في عدد الأشواط بعد الانصراف من السعي، فإن كان شكه في الزيادة بنى على الصحة(٢) ، وإن كان شكه في النقيصة وكان ذلك قبل فوات الموالاة بطل سعيه(٣) ، وكذا إذا كان بعده على الاحوط(٤) .

مسألة ٢٥٢: إذا شك في الزيادة في نهاية الشوط، كما لو شك وهو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو هو التاسع فلا

____________________

(١) لقاعدة الفراغ.

(٢) لليقين بالسبعة والشك في الزائد فيجري استصحاب عدمه.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن يسار: وإن لم يكن حفظ انه قد سعى ستة فليعد فليبتدىء السعي حتى يكمل سبعة اشواط.

(٤) لاطلاق الصحيحة المتقدمة.

٢٢٧

اعتبار بشكّه ويصحّ سعيه(١) ، وإذا كان هذا الشك في اثناء الشوط بطل سعيه ووجب عليه الاستئناف(٢) .

مسألة ٢٥٣: حكم الشك في عدد الأشواط في أثناء السعي حكم الشك في عدد أشواط الطواف في أثنائه، فيبطل السعي به مطلقا.

التقصير

وهو الواجب الخامس في عمرة التمتع.

ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص، ويتحقق بقص شعر الرأس أو اللحية أو الشارب، ولايكفي فيه النتف بدلا عن القص على الاظهر(٣) ، والمشهور تحققه بأخذ شيء من ظفر اليد والرجل أيضا، ولكن الاحوط عدم الاكتفاء به وتأخير الإتيان به عن الأخذ من الشعر(٤) .

____________________

(١) لصحيحة الحلبي المتقدمة في الطواف فراجع.

(٢) كما هو مقتضى صحيحة ابن يسار المتقدمة.

(٣) لعدم النص عليه في النصوص، فراجع.

(٤) لعدم وروده في النصوص بمفرده، بخلاف قص الشعر، وذهب السيد الخوئي وأعاظم تلامذته الى كفايته تبعا للمشهور.

٢٢٨

* مسألة ٢٥٤: إذا نتف شعر لحيته أو شاربه باعتقاد كفاية ذلك في التقصير ثم أحرم لحج التمتع، فالظاهر انقلاب حجه الى الافراد فيأتي بعمرة مفردة بعده إن تمكن، والاحوط الاولى اعادة الحج في سنة اخرى أيضا.

مسألة ٢٥٥: يتعين التقصير في احلال عمرة التمتع ولايجزىء عنه حلق الرأس، بل يحرم الحلق عليه(١) ، وإذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالما عامداً(٢) ، بل مطلقا علىالاحوط الاولى(٣) .

مسألة ٢٥٦: إذا جامع بعد السعي وقبل التقصير فإن كان عالما عامداً فعليه كفارة بدنة - كما تقدم في تروك الاحرام - وإن كان جاهلا فلا شيء عليه على الاظهر(٤) .

____________________

(١) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: وليس في المتعة إلا التقصير.

(٢) لصحيحة جميل عنهعليه‌السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شيء وإن تعمد ذلك في اول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء وإن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه.

(٣) خروجا عن خلاف المحققرحمه‌الله .

(٤) كما هو مقتضى صحيحة معاوية الدهني قال: سألت ابا عبدالله عليه

٢٢٩

= السلام عن متمتع وقع على أهله ولم يقصر، قال: ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه.

ودعوى: سيد الفقهاء والمجتهدين ان هناك اختلاف في النسخ بزعم ان الكليني رواها في موردين مورد بلفظ «لم يزر» ومورد آخر بلفظ «لم يقصر» وكذلك رواها الشيخ عن الكليني بكلا اللفظين، وحيث انا لانعلم ايهما الصادر عن الامام فلا يمكن الاستدلال بها.

ليست بصحيحة: اذ كتاب معاوية هو مجموعة من الاسئلة طرحها على الامامعليه‌السلام ، فتارة سأله فيمن لم يقصر في العمرة وجامع واخرى فيمن لم يزر وجامع، ولذا ذكر الشيخ والكليني الرواية في بابين ولو كان ثّمة اختلاف في النسخ لاشارا إليه، مضافا الى أن الصدوق رواها من كتاب معاوية بلفظ «ولم يقصر» قال: وسأله معاوية عن رجل متمتع وقع على امرأته ولم يقصر: قال ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا شي عليه، قال: وقلت له: متمتع قرض من أظفاره بأسنانه وأخذ من شعره بمشقص فقال: لابأس به ليس كل أحد يجد الجلم » - الفقيه رقم ٢٧٤٥ - ورواها الشيخ أيضا من كتاب صفوان عن معاوية مع حذف الذيل بنفس اللفظة، فلا بد من المصير الى القول بتعدد الرواية، أو سقوط رواية الكليني فقط عن الحجة لانها منشأ الاختلاف.

أما صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك انّه لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اُقصّر ؟ قال: عليك بدنة، قال: قلت: انّي لمّا آتيتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت أفقه

=

٢٣٠

مسألة ٢٥٧: محلّ التقصير بعد السعي، فلا يجوز الإتيان به قبل الفراغ منه.

مسألة ٢٥٨: لاتجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي، ويجوز فعله في أي محلّ شاء(١) ، سواء كان في المسعى أم في منزله أم في غيرهما * ويجوز أن يكون خارج مكة أيضا، وإن كان الاولى رعاية الاحتياط(٢) .

مسألة ٢٥٩: إذا ترك التقصير عمداً فأحرم للحج، فالظاهر بطلان عمرته وانقلاب حجه الى الإفراد، فيأتي بعمرة مفردة بعده إن تمكن(٣) ،

____________________

=

منك، عليك بدنة وليس عليها شيء » فقولهعليه‌السلام «رحمها الله كانت أفقه منك» ليس بالضرورة ان الحلبي كان جاهلا بالمسألة، ومع التسليم فهي ظاهر في الكفارة وصحيحة معاوية ناصة بعدمها فيقدم النصف على الظاهر، مضافا الى إعراض المشهور عنها فيما اذا كانت تستوجب الكفارة فتدبر.

(١) لعدم الدليل على كلا الشّقين.

(٢) تأسياً بالائمةعليهم‌السلام ، ولاحتمال التعيّن في مكة كتعينه يوم النحر في منى.

(٣) تشهد له موثقة ابي بصير عنهعليه‌السلام قال: المتمتع إذا طاف

=

٢٣١

والاحوط إعادة الحج في سنة أخرى أيضا(١) .

مسألة ٢٦٠: إذا ترك التقصير نسياناً فأحرم للحج صحت عمرته وصح إحرامه(٢) ، والاحوط الاولى التكفير عن ذلك بشاة(٣) .

مسألة ٢٦١: إذا قصر المحرم في عمرة التمتع حلّ له جميع ماكان يحرم عليه من جهة إحرامه حتى الحلق على الاظهر(٤) ، وإن كان

____________________

=

وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر، فليس له أن يقصر وليس له متعة » ومصححة العلاء بن الفضيل قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر ؟ قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة » وفي اسنادها محمد بن سنان وهو ثقة وعدل على الاصح.

(١) لانقلاب حجه وفرضه الى الافراد كما هو صريح مصححة العلا، نعم الاحتياط الاستحبابي حسن خروجا عن مخالفة الروضة والمسالك.

(٢) تبعا لجملة من النصوص، ففي صحيحة الدهني عنهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج، قال: يستغفر ولاشي عليه وقد تمت عمرته » ومثلها دلالة صحيحة ابن سنان وغيرها.

(٣) خروجا عن خلاف من أوجب، ولموثقة اسحاق قال: قلت لابي ابراهيمعليه‌السلام : الرجل يتمتع فينسي أن يقصر حتى يهل بالحج، فقال: عليه دم يهريقه.

(٤) لاطلاق جملة من الروايات.

٢٣٢

الأحوط تركه بعد مضي ثلاثين يوما من يوم عيد الفطر(١) ، ولو فعله عن علم وعمد فالاحوط الاولى التكفير عنه بدم(٢) .

____________________

(١) وذهب المشهور الى جوازه بعد التقصير واستحباب التوفير، والظاهر من صحيحة جميل حرمته قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شيء، وإن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء، وإن تعمد ذلك بعد ثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه » وقد أعرض المشهور عن العمل بها ممّا يشعر بعدم حجّيتها، ولعل الحلق كان قبل التقصير، إلا ان التفصيل بين كون الحلق أول شهور الحج أو في وسطه له دلالته واضحة على الشمول لما قبل ومابعد التقصير فتدبر.

قال بعض مشايخنا المحققين: الاحوط لزوما اجتناب الحلق في ذي القعدة وان كان غير محرم لمن يريد الحج، ولاسيما ذي الحجة إن لم يكن اقوى، لاسيما في الحج الواجب فضلا عن المتمتع، ولو كان محلاً من عمرته فروايات النهي عن الأخذ دالة بالاولية او التشكيك على الحلق، وصحيح ابن جعفر مرخص في خصوص الاخذ وهو مقدار مايرافع اليد عنه، وكذا المفروغية في صحيح جميل وغيرها من حرمة الحلق، وكذا نظائرها مما لوحظ فيه تفويت الحلق في الحج هذا فضلا عن ثبوت كفارة دم في المتمتع.

(٢) للصحيحة المتقدمة، وخروجا عن موضع الخلاف.

٢٣٣

مسألة ٢٦٢: لايجب طواف النساء في عمرة التمتع(١) ، ولابأس بالاتيان به رجاءا(٢) .

إحرام الحج

تقدم في الصحفة(١١) أن واجبات الحج ثلاثة عشرة، ذكرناها مجملة، إليك تفصيلها:

الاول: الإحرام، وأفضل أوقاته يوم التروية عند الزوال، ويجوز التقديم عليه للشيخ الكبير والمريض إذا خافا من الزحام فيحرمان ويخرجان قبل خروج الناس، كما يجوز التقديم لمن له تقديم طواف الحج على الوقوفين كالمرأة التي تخاف الحيض.

وقد تقّدم جواز الخروج من مكة محرما بالحج لحاجة بعد الفراغ من عمرة التمتع في أي وقت كان.

____________________

(١) لقولهعليه‌السلام في صحيحة صفوان: انما طواف النساء بعد الرجوع من منى.

(٢) لوجوبها عند بعض العلماء كما ذكر ذلك الشهيد الاول.

٢٣٤

ويجوز التقديم في غير ماذكر أيضا بثلاثة أيام(١) ، بل بأكثر على الاظهر(٢) .

مسألة ٢٦٣: كما لايجوز للمعتمر عمرة التمتع أن يحرم للحج قبل التقصير، كذلك لايجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل أن يحل من احرامه(٣) وإن لم يبق عليه سوى طواف النساء على الاحوط(٤) .

____________________

(١) ففي موثقة اسحاق عن ابي الحسن قال: سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم، يحرم بالحج ويخرج الى منى قبل يوم التروية، قال: نعم، يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك المكان، قال: لا، قلت: يعجل بيوم، قال: نعم، قلت: بيومين، قال: نعم، قلت: ثلاثة قال: نعم، قلت: أكثر من ذلك، قال: لا.

(٢) للنصوص المتعددة الناصة على ان الحج أشهر معلومات لايجوز لاحد أن يحرم في غيرها، المستفاد منها جواز الاحرام في أي وقت فيها.

(٣) لانه ادخال نسك في نسك، فيختل بذلك وحدة العمل المركب، مضافا الى توقيفية العبادة فصحة الاحرام الثاني متوقفة على الاذن الشرعي، واشعارات النصوص واطلاقها تقتضي وجوب اتمام النسك للدخول في نسك آخر.

(٤) للخلاف الموجود في كون طواف النساء من نسك الحج او واجب مستقل متفرع على الاحرام - وسياتي - وقد جزم السيد الخوئي وأعاظم تلامذته بجواز الدخول في العمرة المفردة قبل طواف النساء.

٢٣٥

مسألة ٢٦٤: من يتمكّن من إدراك الوقوف بعرفات يوم عرفة في تمام الوقت الاختياري لايجوز له تأخير الاحرام الى زمان يفوت منه ذلك(١) .

مسألة ٢٦٥: يتحد إحرام الحج وإحرام العمرة في كيفيته وواجباته ومحرماته، والاختلاف بينهما إنما هو في النية فقط.

مسألة ٢٦٦: يجب الإحرام من مكة المكرمة - كما تقدم في بحث المواقيت - وأفضل مواضعها المسجد الحرام، ويستحب الإتيان به بعد صلاة ركعتين في مقام ابراهيم أو في حجر إسماعيلعليهما‌السلام .

مسألة ٢٦٧: من ترك الاحرام نسيانا أوجهلاً منه بالحكم الى أن خرج من مكة، ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى مكة - ولو من عرفات - والاحرام منها(٢) ، فإن لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه، وكذلك لو تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات وإن تمكن من العود الى مكة والاحرام منها(٣) .

____________________

(١) لانه تفويت للواجب.

(٢) لقدرته على الاتيان بالمأمور به على وجهه.

(٣) تشهد له صحيحة ابن جعفر عن أخيهعليه‌السلام قال: سألته عن

=

٢٣٦

ولو لم يتذكر أو يعلم بالحكم إلى أن فرغ من الحج صح حجه(١) .

مسألة ٢٦٨: من ترك الاحرام عالماً عامداً حتى فاته الوقوف الاختياري بعرفات بسبب ذلك فسد حجه(٢) ، ولو تداركه قبل أن يفوته الوقوف الركني لم يفسد وإن كان آثما(٣) .

مسألة ٢٦٩: الاحوط أن لايطوف المتمتع بعد إحرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافا مندوبا(٤) ، فلو طاف جدد التلبية بعد الطواف على الاحوط الاولى(٥) .

____________________

=

رجل نسي الاحرام في الحج فذكر وهو بعرفات، ماحاله ؟ قال: يقول: اللهم على كتابك وسنة نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد تم احرامه، فان جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلهافقد تم حجه.

(١) للصحيحة السابقة، وذيلها شاهد على أن الجهل والنسيان حكمهما واحد.

(٢) لفوات الركن وهو مسمى الوقوف

(٣) لفوات الواجب.

(٤) تقدم في المسألة ١٦، فراجع.

(٥) للأمر به في حج الافراد والقران، وقد تقدم.

٢٣٧

الوقوف بعرفات

الثاني: من وجبات حج التمتع: الوقوف بعرفات بقصد القربة والخلوص، والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلاً ساكناً أو متحركاً.

مسألة ٢٧٠: حد عرفات من بطن عُرنة وثويّة ونمرة الى ذي المجاز، ومن المأزمين إلى أقصى الموقف، وهذه حدود عرفات وهي خارجة عن الموقف.

مسألة ٢٧١: الظاهر أن جبل الرحمة موقف، ولكنّ الأفضل الوقوف على الأرض في السفح من ميسرة الجبل(١) .

مسألة ٢٧٢: يعتبر في الوقوف أن يكون عن قصد(٢) ، ولو قصد الوقوف في أول الوقت - مثلا - ثم نام أو غشي عليه إلى آخره كفى، ولو نام أو غشي عليه في جميع الوقت غير مسبوق بالقصد لم يتحقق منه

____________________

(١) ففي موثقة اسحاق قال: سألت أبا ابراهيم عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب اليك أم على الارض، فقال: على الارض.

(٢) لكونه عبادة لا تأتي الا به.

٢٣٨

الوقوف وإن كان مسبوقاً به ففيه إشكال(١) .

مسألة ٢٧٣: يجب الوقوف بعرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة مستوعبا من أول الزوال على الاحوط إلى الغروب، والاظهر جواز تأخيره عن الزوال بمقدار الاتيان بالغسل وأداء صلاتي الظهر والعصر جمعا(٢) .

والوقوف في تمام هذا الوقت وإن كان واجبا يأثم المكلف بتركه اختياراً، الا انه ليس من الاركان، بمعنى أن من ترك الوقوف في مقدار من هذا الوقت لايفسد حجه.

نعم لو ترك الوقوف رأسا باختياره فسد حجه، فما هو الركن من

____________________

(١) لاعتبار مقارنة النية لاول وقت الوجوب.

(٢) بل الاظهر جواز تأخيره بأكثر من ذلك قليلا للنصوص الحاكية عن فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام : ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم انزل الله عليه ( واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا... فلبى بالحج مفردا... فلما زالت الشمس خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وامرهم ونهاهم ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد واقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به.

٢٣٩

الوقوف هو الوقوف في الجملة.

مسألة ٢٧٤: من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات - الوقوف بالنهار - لنسيان أو لجهل يعذر فيه او لغيرهما من الاعذار، لزمه الوقوف الاضطراري فيه - الوقوف برهة من ليلة العيد - وصح حجه، فإن تركه متعمداً فسد حجه.

هذا إذا أمكنه إدراك الوقوف الاضطراري على وجه لايفوت معه الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس، وأما مع خوف فوته في الوقت المذكور بسبب ذلك فيجب الاقتصار على الوقوف بالمشعر ويصح حجه(١) .

مسألة ٢٧٥: تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامداً، لكنها لاتفسد الحج، فإذا رجع الى عرفات فلا شيء عليه(٢) ، وإلا كانت عليه كفارة بدنة ينحرها يوم النحر(٣) ، والاحوط أن يكون

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في رجل أدرك الامام وهو بجمع، فقال: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها وإن ظن انه لايأتيها حتى يفيضوا فلا يأتيها وليقم بجمع فقد تم حجه » ومثلها دلالة صحيحة الحلبي.

(٢) لعدم صدق الافاضة حينئذ.

(٣) ففي صحيحة ضريس عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

يكون من العسير تشخيصها ، إلّا المؤمنين المتوكّلين على الله والمشمولين برحمته وحمايته :( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (1) .

ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ كلمة الشيطان تستبطن التمرّد والعناد والبعد عن كلّ خير وبركة. إلّا أنّ ذكر كلمة «مريد» (الفاقد لكلّ خير وسعادة) بعد كلمة الشيطان مباشرة ، هو تأكيد لتوضيح مصير من يتّبعه.

4 ـ تفسير عبارة( كُتِبَ عَلَيْهِ ) (2) .

واضح أنّ هذه العبارة تعني «الإلزام» ، سواء كانت في عالم الخلق أم في عالم التشريع. إلّا أنّه يجب أن لا نتصوّر أنّها تعني «الجبر» وأنّ الشياطين مجبورون على إضلال أتباعهم ليرسلوهم إلى دار البوار. بل إنّها نتيجة مؤكّدة لبرنامج اختاروه بمحض إرادتهم. فإبليس قائد الشياطين وكبيرهم خالف أمر الله وعنده بملء إرادته ، حتّى بلغت به الجرأة أن يعترض على ذات الله. فهو ضالّ ومضلّ وكذلك سائر الشياطين من الجنّ والإنس. وذلك كما نقول للمدمن على المخدرات : كتب على جبينه سوء الطالع والتعاسة ، فهل يعني ذلك جبرا؟!

* * *

__________________

(1) سورة الحجر ، 40.

(2) قال البعض : إنّ ضمير «عليه» يعود إلى الشيطان ، وقال آخرون : إنّه يعود إلى اتّباع الشيطان. كما يستنتج ذلك من عبارة «ومن الناس» أيضا ، إلّا أنّ ظاهره يؤكّد أنّه يعود إلى الشيطان ، لا سيّما وأنّ الضمير المتّصل بـ «من تولّاه» يعود إلى الشيطان أيضا.

٢٨١

الآيات

( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) )

التّفسير

دليل المعاد في عالم الأجنّة والنّبات :

بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك المخالفين للمبدأ والمعاد ، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات المعاد

٢٨٢

الجسماني : أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين ، والآخر هو التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات.

والقرآن شرح صورا للمعاد ممّا يلمسه الناس في هذه الدنيا ، ويرونه بامّ أعينهم ، إلّا أنّهم لم ينتبهوا لذلك ، ليعلموا أنّ الحياة بعد الموت ليست ضربا من الخيال ، بل هي حادثة فعلا مشهودة للعيان ، والخطاب القرآني يعمّ جميع الناس بنوره( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) (1) كلّ ذلك من أجل أن نوضّح لكم حقيقة قدرتنا على القيام بأي عمل( لِنُبَيِّنَلَكُمْ ) .

فتبقى الأجنّة في الأرحام إلى مدّة معلومة نحن نحدّدها لتمرّ بمراحل تكاملها. ونسقط ما نريد منها فنخرجها من الأرحام في وسط الطريق قبل أن تكمل( وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ثمّ تبدأ الأجنّة مرحلة تطوّر جديدة. لنخرجكم أطفالا من أرحام أمّهاتكم.

( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) وبهذا تنتهي مرحلة حياتكم المحدّدة في بطون أمّهاتكم.

فتضعون أقدامكم في محيط أوسع مملوء بالنور والصفاء ، وإمكانات واسعة جدّا ، إلّا أنّ تكاملكم يستمرّ في قطع المسافات بسرعة لتبلغوا الهدف ، ألا وهو الرّشد والكمال الجسمي والعقلي.( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) .

وهنا يتبدّل الجهل إلى علم ، والضعف إلى قوّة ، والتبعيّة إلى الاستقلال ، لكن مسيرة حياتكم تطوى وتستمر فبعضكم يودّع الحياة بينما يستمرّ آخرون حتّى المرحلة الأخيرة من الحياة ، أي مرحلة الشيخوخة بعد تكاملهم :( وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) .

أجل ، فالمرء يصل إلى مرحلة لا يتذكّر فيها شيئا ، حيث يسيطر عليه النسيان ،

__________________

(1) «المضغة» مشتقة من «المضغ» وتعني مقدارا من اللحم يمكن للإنسان مضغه في لقمة واحدة. وهذا تشبيه رائع للجنين في المرحلة التي تعقب مرحلة العلقة.

٢٨٣

ويصبح في وضع وكأنّه طفل( لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) وهذا الضعف والخمول دليل على بلوغ المرء مرحلة انتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الانفصال.

وهذه التغيّرات المدهشة المتلاحقة التي تتحدّث عن قدرة الله تعالى غير المحدودة ، توضّح أنّ إحياء الموتى يسير على الله جلّت عظمته. وهناك بحوث تعرض لمراحل الحياة المختلفة هذه ، سنذكرها في الملاحظات القادمة.

ثمّ تتناول الآية بيان الدليل الثّاني أي حياة النباتات ، فتبيّن ما يلي : تنظر إلى الأرض في فصل الشتاء فتجدها جافّة وميتة ، فإذا سقط المطر وحلّ الربيع ، دبّت الحياة والحركة فيها ونبتت أنواع النباتات فيها ونمت( وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) (1) .

الآيتان اللاحقتان تشرحان ما توصّلنا إليه ، وذلك باستعراض خمس

* * *

ملاحظات

1 ـ إنّ ما استعرضته الآيات الخاصّة بالمراحل التي تسبق مراحل الحياة للإنسان وعالم النبات ، من أجل أن تعلموا أنّ الله تعالى حقّ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ ) وبما أنّه هو الحقّ ، فالنظام الذي خلقه حقّ أيضا ، لهذا لا يمكن أن يكون

__________________

«الهامدة» تعني في الأصل النّار التي أطفئت ، ويطلق على الأرض التي جفّت نباتاتها وأصبحت دون حركة «مفردات الراغب الاصفهاني» والبعض الآخر قال : إنّ كلمة «هامدة» تطلق على الحدّ الفاصل بين الموت والحياة (تفسير في ظلال القرآن).

«اهتزّت» مشقّة من «الهزّ» وتعني تحرّكت بشدّة.

«ربت» مشقّة من «الربو». وتعني الزيادة والنمو ، كما أنّ كلمة «ربا» مشتقّة أيضا من «الربو».

«بهيج» تعني الجميل السّاحر السارّ.

٢٨٤

هذا الخلق دون هدف ، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (1) .

وبما أنّ هذه الحياة ليست عبثا ، وأنّ لها هدفا ، وأنّنا لا نصل إلى تحقيق ذلك الهدف في حياتنا ، إذن نعلم من ذلك وجود المعاد والبعث حتما.

2 ـ إنّ هذا النظام الذي يسيطر على عالم الحياة يقول لنا( وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) .

إنّ الذي يلبس الأرض لباس الحياة ، ويغيّر النطفة التافهة إلى إنسان كامل ، ويمنح الحياة للأرض الميتة ، لقادر على أن يمنح الحياة للموتى ، فهل يمكن التردّد في قبول فكرة المعاد مع وجود كلّ هذه التشكيلات الحيّة الدائمة للخالق جلّ وعلا في هذا العالم(2) ؟

3 ـ الهدف الآخر هو أن نعلم( وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ولا يستحيل على قدرته شيء.

هل يمكن لأحد تحويل الأرض الميتة إلى نطفة؟ ويطوّر هذه النطفة التافهة في مراحل الحياة؟ ويلبسها كلّ يوم لباسا جديدا من الحياة! ويجعل الأرض الجافّة العديمة الروح خضراء زاهية تعلوها بهجة الحياة؟! أليس القادر على القيام بهذه الأعمال بقادر على أن يحيي الإنسان بعد موته؟!

4 ـ إنّ كلّ هذا لتعلموا أنّ ساعة نهاية هذا العالم وبداية عالم آخر ، ستحلّ بلا شكّ فيها( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ) .

5 ـ ثمّ إنّ كلّ هذا مقدّمة لنتيجة أخيرة هي( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

__________________

(1) سورة ص ، 27.

(2) يرى بعض المفسّرين في عبارة( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى حياة الناس في القيامة. مع أنّ هذا المعنى تضمّنته عبارة( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) أيضا ، مع فارق هو أنّ العبارة الأولى إشارة إلى أصل الحياة ، والثّانية إشارة إلى كيفية إحياء الموتى.

إلّا أنّ التّفسير الآخر الذي استندنا إليه بصورة أكثر ، هو أنّ عبارة ( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى منح الله الحياة بشكل مستمر في هذه الدنيا ، ليكون دليلا على إمكان تحقّق ذلك يوم البعث.

٢٨٥

وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة ، وبعضها ذو المقدّمة ، البعض منها إشارة إلى الإمكان ، والآخر إشارة إلى الوقوع ، ومترتّبة بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه ، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة ، هي أنّ البعث ليس ممكن فحسب ، بل إنّه سيقع حتما.

فالذين يشكّون في إمكان الحياة بعد الموت يشاهدون الصور المشابهة لها في حياة البشر والنباتات بامّ أعينهم. وهي تتكرّر كلّ يوم وكلّ عام.

وإذا شكّوا في قدرة الله فإنّ قدرة الله جعلتهم يشاهدون أمثلة بارزة لها بأعينهم. ألم يخلق الإنسان من تراب؟ ألا نشاهد كلّ عام احياء الأرض الميتة؟

فهل عجيب أمر حياة الأموات ثانية ونهوضهم من تراب؟

وإن شكّوا في وقوع مثل هذه الأمور ، فعليهم أن يعلموا أنّ النظام المسيطر على الخلق في العالم يدلّ على وجود هدف له ، وإلّا فإنّه باطل تافه ، والحياة القصيرة المملوءة بالآلام وخيبة الآمال غير جديرة بأن تكون هي الهدف الأخير لعالم الخلق.

وعلى هذا يجب أن يكون هناك عالم آخر ، وسيع ، خالد ، جدير بأن يعدّ هدفها للخلق.

* * *

بحوث

1 ـ مراحل حياة الإنسان السبع

الآيات السابقة شرحت حركة الإنسان في مسيرة ذات مراحل سبع ، لتبيّن البعث وتثبت إمكانه :

المرحلة الأولى : عند ما كان الإنسان ترابا ، وقد يراد به التراب الذي خلق منه آدمعليه‌السلام . كما قد يكون إشارة إلى أنّ جميع البشر ـ من تراب ، لأنّ جميع المواد

٢٨٦

الغذائية التي تكوّن النطفة وغذاءها ـ من بعد ـ من تراب. ولا شكّ في أنّ الماء يشكّل جزءا ملحوظا من جسم الإنسان ، والجزء الآخر من الأوكسجين والكاربون ، وليس من التراب ، إلّا أنّ العنصر الأساس الذي تتشكّل منه أعضاء الجسم مصدره التراب. إذن عبارة خلق الإنسان من تراب صحيحة حتما.

المرحلة الثّانية : (النطفة) : يتحوّل التراب ، هذا الموجود البسيط المهمل العديم الحسّ والحركة ، يتحوّل إلى نطفة تتألّف من أحياء مجهولة مثيرة تسمّى عند الرجل «أسپر» أو الحيمن وعند المرأة «أوول» أو البويضة وهي غاية في الصغر حتّى أنّها تبلغ الملايين في نطفة الرجل!

والمثير أنّ الإنسان يواصل عقب ولادته حركة تدريجيّة هادئة ، تأخذ في الغالب شكل «التكامل الكمّي» في الوقت الذي كانت حركته في الرحم «كيفيّة» ترافقها طفرات سريعة مغيّرة. والتغيّرات المتعاقبة للجنين في الرحم مدهشة إلى درجة يمكن تشبيهها بحشرة صغيرة بسيطة تتطوّر بعد أشهر قليلة إلى طائرة نفّاثة!

وقد تطوّرت وتوسّعت الدراسات عن «علم الأجنة» اليوم بحيث تمكّن علماؤه من دراسة الجنين في مراحله المختلفة ، وكشفوا عن أسرار هذه الظاهرة العجيبة في عالم الوجود. وعرضوا النتائج الباهرة التي توصّلوا إليها في دراساتهم عن الجنين.

وفي المرحلة الثّالثة يصبح الجنين علقة ، وتكون خلاياه كحبّات التوت ، بشكل قطعة دم خاثر متلاصقة ، يطلق عليها علميّا «مورولا». وبعد مضي مدّة قصيرة تظهر أخاديد التقسيم الصغيرة كبداية لتقسيم أجزاء الجنين ، ويطلق على الجنين في هذه المرحلة اسم «لاستولا».

وفي المرحلة الرّابعة يتّخذ الجنين شكل قطعة لحم ممضوغ ، دون أن تتّضح معالم الأعضاء فيه ، وفجأة تحدث تغييرات في قشرة «الجنين» وتتّخذ شكلا يلائم العمل المطلوب منه القيام به ، فتظهر أعضاء الجسم تدريجيّا ، ويسقط كلّ جنين

٢٨٧

لا يمكنه المرور بهذه المرحلة ، ويمكن أن تكون عبارة( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) إشارة إلى هذه المرحلة ، أي أنّ الجنين يكون «كامل الخلقة» أو «ناقص الخلقة».

ومن المثير أنّ القرآن المجيد ذكر عبارة( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) بعد ذكر هذه المراحل الأربع ، مؤكّدا أنّ هذه التغييرات السريعة المدهشة التي تغيّر قطرة ماء صغيرة إلى إنسان كامل ، لدليل واضح على أنّ الله قادر على كلّ شيء.

ثمّ أشار القرآن الكريم إلى مرحلة الجنين الخامسة والسّادسة والسّابعة ، التي تلي الولادة أي «الطفولة» و «البلوغ» و «الشّيخوخة»(1) .

والجدير بالذكر أنّ ولادة الإنسان ـ من التراب ـ كائنا حيّا ، قفزة كبيرة ، ومراحل الجنين المختلفة قفزات متعاقبة ، وولادة الإنسان من بطن أمّه قفزة مهمّة جدّا ، وهكذا البلوغ والشيخوخة.

وتعبير القرآن عن يوم القيامة بالبعث ، قد يكون إشارة إلى مفهوم القفزة ذاتها التي تحدث يوم البعث أيضا. وما أجدرنا بالانتباه إلى أنّ القرآن تحدّث عن مراحل تكوّن الجنين قبل أن يظهر علم الأجنّة ، وحديثه عنها في ذلك الزمن دليل حيّ على أنّ هذا الكتاب العظيم إنّما هو وحي يوحى من قدرة قادرة هي التي أبدعت الطبيعة وما وراءها.

2 ـ المعاد الجسماني

ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم أينما تحدث عن البعث قصد بعث الإنسان جسما وروحا في العالم الأخروي ، والذين حصروا البعث في الروح وقالوا ببقائها هي وحدها لم يفقهوا آيات القرآن قطّ.

__________________

(1) الذي يثير الانتباه أنّ تعبير القرآن( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) عن ولادة الإنسان لم يرد بصيغة الجمع (أطفال) وفقا للقاعدة ، إلّا أنّ هذا التعبير (طفلا) يمكن أن يكون مصدرا يتساوى فيه المفرد والجمع ، أو أن يكون الهدف بيان النوع. وليس خصائص الأطفال ، فالفروق بين البشر في هذه المرحلة مخفية تبرز في المراحل اللاحقة.

٢٨٨

فهذه الآيات المباركة كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. وإلّا فما هو وجه التشابه بين المعاد الروحي ، ومراحل الجنين وإحياء الأرض الموات بنمو النباتات؟ ويؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن بصددها إذ تقول :( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) والقبر موضع جسم الإنسان وليس روحه.

وأساسا فانّ تعجّب المشركين إنّما هو من البعث الجسماني ، فهم يقولون : كيف يمكن للإنسان أن يعود للحياة ثانية بعد ما صار ترابا؟ وبقاء الروح لم يكن شيئا عجبا ، لأنّه كان موضع قبول ورضى الأقوام الجاهلية.

3 ـ ما هو «أرذل العمر»؟

«الأرذل» مشتقّة من «رذل» أي المنحطّ وغير المرغوب فيه. ويقصد بـ «أرذل العمر» تلك المرحلة من عمر الإنسان التي هي أكثر انحطاطا وغير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة والذاكرة ، ولما يغلبه فيها من الضعف والانفعال ، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء ، ويرضى ويفرح لا يسر شيء ، ويفقد سعة صدره وصبره ، وربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه وبين الطفل وهو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك ، لأنّه ليس طفلا ، مضافا إلى أنّ الطفل يؤمل في أن يكبر وينضج جسديّا ونفسيّا وتزول عنه هذه الحركات الصبيانية ، لهذا يتركوا أحرارا في ممارستها ، وليس كذلك في الفرد المسنّ ، أي أنّ الطفل ليس لديه شيء ليفقده ، ولكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. وعلى هذا فإنّ وضع الشيوخ المعمّرين يثير الشفقة والأسى عند مقارنته بوضع الأطفال.

وجاء في بعض الأحاديث أنّ أرذل العمر هو الذي يبلغ مائة عام وأكثر(1) وقد تعني هذه العبارة نوع الأشخاص ، وإلّا فهناك من يبلغ هذه الحالة وسنّهم أقل من

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، الصفحة 472.

٢٨٩

مائة عام. كما أنّ هناك أشخاصا تجاوزت أعمارهم مائة عام وهم بكامل وعيهم وذكائهم. وتندر مشاهدة من يصابون بهذه الحالة بين العلماء الذين شغلتهم المعارف والبحوث.

وما أولانا بدعاء الله تعالى أن يحفظنا من هذه الحالة! وما أجدرنا أن ننهي غرورنا وغفلتنا بمجرد الفكر بهذه العاقبة! علينا أن نفكّر ماذا كنّا وعلى ماذا أصبحنا وماذا سنكون؟

* * *

٢٩٠

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) )

التّفسير

الجدال بالباطل مرّة أخرى :

تتحدّث هذه الآيات أيضا عمّن يجادلون في المبدأ والمعاد جدالا خاويا لا أساس له ، في البداية يقول القرآن المجيد :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ) .

وعبارة( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) هي ذاتها التي ذكرت في آية سابقة ، وإعادتها تبيّن لنا أنّ العبارة الأولى إشارة إلى مجموعة من الناس ، والثّانية إلى مجموعة أخرى. وبعض المفسّرين يرى أنّ الفرق بين هاتين المجموعتين من الناس هو أنّ الآية السابقة الذكر دالّة على وضع الأتباع الضالّين الغافلين ، في

٢٩١

وقت تكون فيه هذه الآية دالّة على قادة هذه المجموعة الضالّة(1) .

وعبارة( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) تبيّن هدف هذه المجموعة ، ألّا وهو تضليل الآخرين ، وهذا دليل واضح على الفرق بينهما ، مثلما توضّح هذا المعنى عبارة( يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) في الآيات السابقة التي تتحدّث عن اتّباع الشياطين.

ولكن ما الفرق بين «العلم» و «الهدى» و «الكتاب المنير»؟

للمفسّرين آراء في هذا المجال أقربها إلى العقل هو أنّ «العلم» إشارة إلى الاستدلال العقلي. و «الهدى» إشارة إلى إرشاد القادة الرّبانيين. و «الكتاب المنير» إشارة إلى الكتب السماويّة ، أي أنّها تعني الأدلّة الثلاثة المعروفة «الكتاب» و «السنّة» و «الدليل العقلي». وأمّا الإجماع فإنّه يعود إلى السنّة طبقا لدراسات العلماء ، وقد جمعت هذه الأدلّة الأربعة في هذه العبارة أيضا.

ويحتمل بعض المفسّرين أنّ «الهدى» إشارة إلى الإرشادات المعنوية التي يكتسبها الإنسان في ظلّ بناء الذات وتهذيب النفس وتقواه. «وبالطبع يمكن ضمّ هذا المعنى إلى ما تقدّم آنفا».

ويمكن أن يكون الجدال العلمي مثمرا إذا استند إلى أحد الأدلّة : العقل ، أو الكتاب ، أو السنّة.

ثمّ يتطرّق القرآن المجيد في جملة قصيرة عميقة المعنى إلى أحد أسباب ضلال هؤلاء القادة ، فيقول :( ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) إنّهم يريدون أن يضلّوا الناس عن سبيل الله بغرورهم وعدم اهتمامهم بكلام الله وبالأدلّة العقليّة الواضحة.

«ثاني» مشتقّة من «ثني» بمعنى التواء و «عطف» تعني «جانب» فالجملة تعني ثني الجانب ، أي الإعراض عن الشيء وعدم الاهتمام به.

__________________

(1) تفسير الميزان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ، في تفسير الآيات موضع البحث.

٢٩٢

ويمكن أن تكون عبارة «ليضلّ» هدف هذا الإعراض ، أي إنّهم (قادة الضلال) يستخفّون بآيات الله والهداية الإلهيّة لتضليل الناس. ويمكن أن تكون نتيجة لذلك. أي أنّ محصّلة الإعراض وعدم الاهتمام هو صدّ الناس عن سبيل الحقّ. ويعقب القرآن ذلك ببيان عقابهم الشديد في الدنيا والآخرة بهذه الصورة :( لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ) .

ونقول له :( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ ) و( أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) لا يعاقب الله أحدا بلا ذنب ، ولا يضاعف عقاب أحد دون سبب ، فهو العدل المطلق سبحانه(1) .

وهذه الآية من الآيات التي تنفي مذهب الجبريّة ، وتثبت مبدأ العدالة في أفعال الله تعالى. (للمزيد من التفصيل راجع تفسير الآية (182) من سورة آل عمران).

* * *

__________________

(1) «ظلّام» صيغة مبالغة تعني كثير الظلم. وطبيعي أنّ الله لا يظلم أبدا لا كثيرا ولا قليلا ، ويمكن أن يكون استخدام هذا التعبير هنا إشارة إلى أنّ العقاب دون مبرّر من قبل الله تعالى ـ جلّ عن ذلك وعلا علوّا كبيرا ـ مصداق ظلم كبير.

٢٩٣

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) )

التّفسير

الواقف على حافّة وادي الكفر

تحدّثت الآيات السابقة عن مجموعتين : الأتباع الضالّين ، والقادة المضلّين.

أمّا هذه الآيات ، فتتحدّث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإيمان. قال القرآن المجيد عن هذه المجموعة :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) أي إنّ بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان ، وإنّ إيمانه ضعيف جدّا. ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.

٢٩٤

وعبارة «على حرف» ربّما تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم باللسان فقط ، وأنّ قلوبهم لم تر بصيصا من نوره إلّا قليلا ، وقد تكون إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تحيا على هامش الإيمان والإسلام وليس في عمقه ، فأحد معاني «الحرف» هو حافّة الجبل والأشياء الاخرى. والذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ. فهو قلق في موقفه هذا ، يمكن أن يقع بهزّة خفيفة ، وهكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون إيمانهم بأدنى سبب.

ثمّ تناول القرآن الكريم عدم ثبات الإيمان لدى هؤلاء الأشخاص( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ) (1) إنّهم يطمئنون إذا ضحكت لهم الدنيا وغمرتهم بخيراتها! ويعتبرون ذلك دليلا على أحقّية الإسلام.

إلّا أنّهم يتغيّرون ويتّجهون إلى الكفر إن امتحنوا بالمشاكل والقلق والفقر ، فالدين والإيمان لديهم وسيلة للحصول على ما يبتغون في هذه الدنيا ، فإن تمّ ما يبغونه كان الدين حقّا ، وإلّا فلا.

وذكر «ابن عبّاس» ومفسّرون قدماء سبب نزول هذه الآية : «أنّها نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة مهاجرين من باديتهم ، فكان أحدهم إذا صحّ بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا. وولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته ، رضي به واطمأنّ إليه ، وإن أصابه وجع وولدت امرأته أنثى أو أجهضت فرسه أو ذهب ماله أو تأخّرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشور إلّا بسبب هذا الدين. فينقلب عن دينه»(2) .

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم يعبّر عن إقبال الدنيا على هؤلاء الأشخاص بالخير. وعن إدبارها بالفتنة (وسيلة الامتحان) ولم يطلق عليها كلمة

__________________

(1) كلمة «انقلب» في جملة «انقلب على وجهه» تعني التراجع. ويمكن أن تكون إشارة إلى ترك الإيمان تماما ، حتّى إنّه لا يعود إليه. فهو غريب عن الإيمان دوما.

(2) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد الثّالث والعشرون ، ص 13 ، وتفسير القرطبي ، المجلّد السادس ، ص 4409.

٢٩٥

الشّر ، إشارة إلى أنّ هذه الأحداث غير المرتقبة ليست شرّا ولا سوءا وإنّما هي وسيلة للامتحان.

ويضيف القرآن المجيد في الختام ـ( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ) و( ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) مؤكّدا أنّ أفدح الضرر وأفظع الخسران ، هو أن يفقد الإنسان دينه ودنياه. وهؤلاء الأشخاص الذين يقيسون الحقّ بإقبال الدنيا عليهم ينظرون إلى الدين وفق مصالحهم الخاصّة ، وهذه الفئة موجودة بكثرة في كلّ مجتمع ، وإيمانها مزيج بالشرك وعبادة الأصنام ، إلّا أنّ أصنامهم هي وأزواجهم وأبناؤهم وأموالهم ومواشيهم ، ومثل هذا الإيمان أضعف من بيت العنكبوت!

وهناك مفسّرون يرون أنّ هذه الآية تشير إلى المنافقين ، لكن إذا اعتبرنا أنّ المنافق هو من لا يملك ذرّة من الإيمان ، فإنّ ذلك يخالف ظاهر هذه الآية ، فعبارة «يعبد الله» و «اطمأنّ به» و «انقلب على وجهه» تبيّن أنّه ذو إيمان ضعيف قبل هذا.

أمّا إذا قصد بالمنافق من يملك قليلا من الإيمان ، فلا يعارض ما قلناه ، ويمكن قبوله.

وتشير الآية التالية إلى إعتقاد هذه الفئة الخليط بالشرك ، خاصة بعد الانحراف عن صراط التوحيد والإيمان بالله ، فتقول :( يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ) أي إذا كان هذا الإنسان يسعى إلى تحقيق مصالحه الماديّة والابتعاد عن الخسائر ويرى صحّة الدين في إقبال الدنيا عليه ، وبطلانه في إدبارها عنه. فلما ذا يتوجّه إلى أصنام لا يؤمّل منها خير ، ولا يخاف منها ضرر.

فهي أشياء لا فائدة فيها ، ولا أثر لها في مصير البشر؟! أجل( ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) . إنّ هؤلاء ليبتعدون عن الصراط المستقيم بعدا حتّى لا ترجى عودتهم إلى الحقّ إلّا رجاء ضعيفا جدّا.

ويوسّع القرآن الكريم هذا المعنى فيقول :( يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ) .

لأنّ هذا المعبود المختلق ينزل بفكرهم إلى الحضيض في هذه الدنيا ، ويدفعهم

٢٩٦

نحو الخرافات والجهل ، ويدعهم في الآخرة في نار جهنّم ، بل هم كما تقول الآية 98 من سورة الأنبياء :( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) .

وتضيف الآية في الختام( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) فما أسوأه ناصرا ومعينا ، وما أسوأه مؤنسا ومعاشرا.

وهنا يثار سؤال ، فالآية السابقة تنفي كلّ فائدة ونفع من هذه الأصنام وكلّ ضرر ، وهذه الآية تقول إنّ ضررها أقرب من نفعها! فكيف ينسجم الحكمان؟

في الجواب عن ذلك نقول : إنّ ذلك أمر اعتيادي في المخاطبة ، ففي مرحلة لا يعتبرون لشيء فائدة وتأثير يذكر ثمّ يترقّى إلى الحال في مرحلة أخرى فيعدّونه مصدر الضرر. كأن نقول : لا تصادق فلانا ، فلا نفع فيه لدينك ولا لدنياك.

وبعدها نتقدّم فنقول إنّما هو : (أي هذا الصديق) سبب لتعاستك وافتضاحك. وهنا تجد إضافة إلى كون الأصنام لا ضرر فيها لأعداء المشركين ، لأنّها غير قادرة على الإضرار بأعدائهم كما يتوقّعون منها ، ولكنّها تتضمّن ضررا حتميّا لأتباعها.

كما أنّ صيغة «أفعل التفضيل» في كلمة «أقرب» كما قلنا سابقا : تعني عدم اتّصاف طرفي المقارنة بصفة معينّة. وقد يكون الطرف الأضعف فاقدا لأيّة صفة ، كأن نقول : ساعة صبر عن الذنب خير من نار جهنّم (وليس معنى ذلك أنّ نار جهنّم فيها خير ، إلّا أنّ الصبر أفضل منها ،).

وقد اختار هذا الرأي عدد من كبار المفسّرين كالشيخ الطوسي في «التبيان» والطبرسي في «مجمع البيان».

واحتمل البعض كالفخر الرازي في تفسير الآية بأنّ كلّ واحدة من هاتين الآيتين إشارة إلى مجموعة من الأصنام ، فالآية الأولى تخصّ الأصنام الحجرية والخشبية ، وأمّا الآية الثّانية فتخصّ الطواغيت والبشر المتعالين أشباه الأصنام.

فالمجموعة الأولى لا تضرّ ولا تنفع ، بل هي بالتأكيد خالية من أيّة صفة. أمّا المجموعة الثّانية «أئمّة الضلال» فإنّهم يضرّون ولا ينفعون. وإذا كان فيهم خير

٢٩٧

قليل فضرّهم كبير جدّا ، وعبارة( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) تؤكّد ذلك ، وعليه فلا تناقض بين الآيتين(1) .

وختام الآية المباركة نلحظ مقارنة بين الخير والشرّ كما هو دأب القرآن الكريم لتتّضح النتائج بشكل أكبر ، فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) . فعاقبتهم معلومة ومنهج تفكير هم وسلوكهم واضح فمولاهم هو الله تعالى ، ورفاقهم وجلساؤهم في الآخرة هم الأنبياء والصالحون والملائكة ، وأنّ الله سبحانه يثيب المؤمنين العاملين للصالحات ، جنّات تجري من تحتها الأنهار ، لينعموا بالسعادة والسرور جزاء استقامتهم على الحقّ واستجابتهم له في الحياة الدنيا( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) .

وثوابهم يسير عليه ـ جلّ وعلا ـ يسر عقاب الذين ظلموا أنفسهم بإيثار الباطل على الحقّ ، وبعبادتهم الأصنام من دون الله سبحانه.

وفي هذه المقارنة نلاحظ طائفة من الناس لم يؤمنوا إلّا بلسانهم ، فهم على جانب من الدين وينحرفون بأدنى وسوسة ، وليس لهم عمل صالح ، أمّا المؤمنون الحقيقيّون فإيمانهم راسخ ولا تزعزعه العواطف ومثمر هذا من جهة ومن جهة أخرى فلئن كان مولى الخاسرين لا ينفع ولا يضرّ ، فإنّ مولى الصالحين على كلّ شيء قدير. ولئن خسر الظالمون كلّ شيء ، فقد ربح المهتدون خير الدنيا وسعادة الآخرة.

* * *

__________________

(1) بعض المفسّرين الأفاضل كمفسّر الميزان فسّر عبارة «يدعو» بمعنى «يقول» إلّا أنّ ذلك لا يطابق ظاهر الآية.

٢٩٨

الآيات

( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) )

سبب النّزول

روى بعض المفسّرين حول سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات ، أنّها نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا : نخاف أنّ الله لا ينصر محمّدا ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا. فحذّرتهم هذه الآية ووبّختهم بشدّة.

وقال آخرون : إنّها نزلت في قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين ، يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر ، فنزلت هذه الآية(1) تلومهم

__________________

(1) أبو الفتوح الرازي ، وكذلك الفخر الرازي في تفسير هما الآيات موضع البحث.

٢٩٩

على عدم صبرهم.

التّفسير

البعث نهاية جميع الخلافات :

بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث عن ضعفاء الإيمان ، فإنّ الآيات مورد البحث ترسم لنا صورة أخرى عن هؤلاء فتقول :( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ ) .

أي من يظنّ أنّ الله لا ينصر نبيّه في الدنيا والآخرة ، وهو غارق في غضبه ، فليعمل ما يشاء ، وليشدّ هذا الشخص حبلا من سقف منزله ويعلّق نفسه حتّى ينقطع نفسه ويبلغ حافّة الموت ، فهل ينتهي غضبه؟!

لقد اختار هذا التّفسير عدد كبير من المفسّرين ، أو ذكروه كاحتمال يستحقّ الاهتمام به(1) .

الضمير في قوله سبحانه :( لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ ) بحسب هذا التّفسير يعود إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و «السّماء» تعني سقف المنزل (لأنّ كلّ شيء فوقنا يطلق عليه سماء). أمّا عبارة «ليقطع» فتعني قطع النفس والوصول إلى حافّة الموت.

واحتمل البعض احتمالات أخرى في تفسير هذه الآية لا حاجة لذكرها ، ما عدا تفسيرين منها يستحقّان الاهتمام ، وهما :

1 ـ إنّ السّماء يقصد بها السّماء الحقيقيّة ، وبناء على هذا الرأي : فإنّ الأشخاص الذين يظنّون أنّ الله لا ينصر نبيّه ، ليذهبوا إلى السّماء وليشدّوا بها حبلا ويعلّقوا أنفسهم بينها وبين الأرض حتّى تنقطع أنفسهم. (أو يقطعوا الحبل الذي تعلّقوا به كي يسقطوا) ولينظروا إلى أنفسهم هل انتهى غضبهم؟!

__________________

(1) تراجع تفاسير «مجمع البيان» و «التبيان» و «الميزان» و «الفخر الرازي» و «أبو الفتوح الرازي» و «تفسير الصافي» و «القرطبي» في تفسير الآية التي يدور حولها البحث.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415