شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة0%

شرح حكم نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 313

  • البداية
  • السابق
  • 313 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 64112 / تحميل: 5224
الحجم الحجم الحجم
شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

حرف الدال

١٢١ الدّهر يخلق الأبدان، و يجدّد الآمال، و يقرّب المنيّة، و يبعّد(١) الأمنيّة، من ظفر به نصب، و من فاته تعب.(٢) إخلاق الدهر للأبدان إعداده لضعفها و فسادها بمروره، و ما يلحق أجزاءه و فصوله من الحرّ و البرد و المتاعب المنسوبة إليه،

و تجديده للآمال بحسب الغرور الحاصل بالبقاء، و الصّحة فيه، و أكثر ما يعرض ذلك للمشايخ، فإنّ طول أعمارهم و تجاربهم لما يعرض فيه من الحاجة و الفقر، يغريهم بالحرص على الجمع، و مدّ الأمل فيه لتحصيل الدّنيا، و تقريبه للمنيّة بحسب إخلاقه للأبدان، و تبعيده للأمنيّة بحسب بالفم، و هو شبيه بالنفخ، و هو أقلّ من التفل.

و قال في المصباح المنير ١: ١٣٦ مادّة جمل: أجملت في الطلب: رفقت.

____________________

(١) في النهج: يباعد.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٧٢.

١٠١

تقريبه للمنيّة.

و من ظفر بالدهر، شقي بضبطها و حفظها، و من فاته، تعب في تحصيلها.

و لا يخفى ما في كلّ من القرينتين من السجع.(١) قال بعض الحكماء: الدّنيا تسرّ لتغرّ، و تفيد لتكيد، كم راقد في ظلّها قد أيقظته، و واثق بها قد خذلته، بهذا الخلق عرفت، و على هذا الشرط صوحبت.

و قال شاعر فأحسن:

كأنّك لم تسمع بأخبار من مضى

و لم تر بالباقين ما صنع الدهر

فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم

عفاها فحال الريح بعدك و القطر

و هل أبصرت عيناك حيّا بمنزل

على الدهر إلاّ بالعراء له قبر

____________________

(١) في القرينتين الأوليين السجع المتوازن، و في المتوسطتين السجع المطرّف، و في الأخيرتين السجع المتوازي.

(٢) شرح ابن الحديد ١٨ ٢١٨.

١٠٢

فلا تحسبنّ الوفر مالا جمعته

و لكنّ ما قدمت من صالح وفر

مضى جامعو الأموال لم يتزوّدوا

سوى الفقر يا بؤسى لمن زاده الفقر

فحتّام لا تصحو و قد قرب المدى

و حتّام لا ينجاب عن قلبك السكر

بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا

و تذكر قولي حين لا ينفع الذكر

و ما بين ميلاد الفتى و وفاته

إذا انتصح الأقوام أنفسهم عمر

لأنّ الذي يأتيه شبه الذي مضى

و ما هو إلاّ وقتك الضيق النّزر

فصبرا على الأيّام حتّى تجوزها

فعمّا قليل بعدها يحمد الصبر

١٢٢ الدّنيا دار ممرّ لا در مقرّ، و النّاس فيها رجلان:

رجل باع نفسه‏فأوبقها، و رجل ابتاع نفسه

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٢١٨ ٢١٩.

(٢) في النهج: باع فيها نفسه.

١٠٣

فأعتقها.(١) أو بقها، أي أهلكها، و كون الدّنيا دار ممرّ باعتبار أنّها طريق إلى الآخرة الّتي هي دار المقرّ.

١٢٣ الدّاعي بلا عمل كالرّامي بلا وتر.(٢) من خلا من العمل فقد أخلّ بالواجبات، و من أخلّ بالواجبات فقد فسق، و اللّه تعالى لا يقبل دعاء الفاسق.

و شبّهه بالرامي بلا وتر، فإنّ سهمه لا ينفذ.(٣) و نحوه قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله: أحمق الناس من ترك العمل و تمنّى على اللّه.(٤) ١٢٤ الدّهر يومان: يوم لك، و يوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، و إذا كان عليك فاصبر.(٥) قد ذكر هذا المعنى في كلمات الفصحاء و أشعار الشعراء كثيرا، فمن كلامهم: الدهر يومان: يوم بلاء، و يوم رخاء. و الدهر ضربان:

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ١٣٣.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٣٣٧.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٥٢.

(٤) شرح ابن ميثم ٥ ٤٠٨.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٣٩٦.

١٠٤

حبرة(١) و عبرة. و الدّهر وقتان: وقت سرور، و وقت ثبور.(٢) ٣ و من أشعارهم:(٤)

فيوم علينا و يوم لنا

فيوم نساء و يوم نسرّ

و قال آخر:

هي طورا هجر و طورا وصال

ما أمرّ الدّنيا و ما أحلاها

إلى غير ذلك.

١٢٥ الدّنيا خلقت لغيرها، و لم تخلق لنفسها.(٥) أي خلقت للاستعداد فيها و بها لدرك ثواب اللّه في الآخرة، لا ليلتذّ بها الجاهلون.

قال أبو العلاء المعرّيّ مع ما كان يرمى به:

خلق الناس للبقاء فضلّت

أمّة يحسبونهم للنّفاد

إنّما ينقلون من دار أعما

ل إلى دار شقوة أو رشاد

٦

____________________

(١) الحبرة: السرور و النعمة.

(٢) الثبور: الهلاك.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٦٤.

(٤) العقد الفريد ٣ ٥٩.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٤٦٣.

(٦) شرح التنوير على سقط الزند ١ ٣٠٦.

١٠٥

١٠٦

حرف الراء

١٢٦ رأي الشّيخ أحبّ إليّ من جلد الغلام. و يروى: من مشهد الغلام.(١) جلد الغلام: قوّته. و خصّ الرأي بالشيخ، و الجلد بالغلام لأنّ كلاّ منهما مظنّة ما خصّه به، و إنّما قال: « رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الغلام » لأنّ الشيخ كثير التجربة، فيبلغ من العدوّ برأيه ما لا يبلغ بشجاعته الغلام الحدث غير المجرّب، لأنّه قد يغرّر بنفسه فيهلك و يهلك أصحابه، و لا ريب أنّ الرأي مقدّم على الشجاعة، و لذلك قال أبو الطيّب:(٢)

الرأي قبل شجاعة الشّجعان

هو أوّل و هي المحلّ الثاني

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٨٦.

(٢) ديوانه بشرح البرقوقي ٤ ٣٨٩.

١٠٧

فإذا هما اجتمعا لنفس مرّة

بلغت من العلياء كلّ مكان

١٢٧ ربّ عالم قد قتله جهله، و علمه معه لم ينفعه.(١) قال ابن أبي الحديد: قد وقع مثل هذا كثيرا، كما جرى لعبد اللّه بن المقفّع، و فضله مشهور، و حكمته أشهر من أن تذكر.

ثمّ ذكر كيفيّة قتله و مجمله أنّه كان كاتبا لعيسى و سليمان ابني عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس، و كتب لعبد اللّه بن عليّ عمّ المنصور كتاب أمان ليعرض على المنصور، و يوجد فيه خطّه، فكان من جملته:

و متى غدر أمير المؤمنين بعمّه عبد اللّه، أو أبطن غير ما أظهر، أو تأوّل في شي‏ء من شروط هذا الأمان فنساؤه طوالق، و دوابّه حبس،

و عبيده و إماؤه أحرار، و المسلمون في حلّ من بيعته.

فاشتدّ ذلك على المنصور، فكتب إلى عامله بالبصرة سفيان بن معاوية يأمره بقتله.

و كيفيّة قتله أنّه كان سفيان عليه ساخطا لأنّه قال يوما له: يا بن المغتلمة فدخل ابن المقفّع يوما على سفيان، و عنده غلمانه و تنّور نار يسجر، فقال له سفيان: أتذكر يوما قلت لي كذا و كذا أمي مغتلمة، إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد، ثمّ قطع أعضاءه عضوا عضوا، و ألقاها [ في النار ] و هو ينظر إليها، حتّى أتى على جميع جسده، ثمّ أطبق التنور

____________________

(١) في نهج البلاغة، الحكمة ١٠٧: لا ينفعه.

١٠٨

عليه....(١) ١٢٨ الرّاضي بفعل قوم كالدّاخل فيه معهم، و على كلّ داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، و إثم الرّضا به.(٢) وجه التشبيه اشتراكهم في الرضا به المستلزم للعمل إليه، و نفّر عن الدخول في الباطل بما يلزمه من الإثمين: أحدهما من حيث إنّه أراد القبيح، و الآخر من حيث إنّه فعله.

١٢٩ الرّحيل وشيك.(٣) الوشيك: السريع، و المراد من الرحيل ها هنا الرحيل عن الدّنيا و هو الموت.

و من كلامه عليه السلام: كان كثيرا ما ينادي به أصحابه:

تجهّزوا رحمكم اللّه فقد نودي فيكم بالرّحيل، و أقلّوا العرجة(٤) على الدنيا، و انقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزّاد.(٥) ١٣٠ رسولك ترجمان عقلك، و كتابك أبلغ ما ينطق عنك.(٦)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٢٦٩ ٢٧٠.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ١٥٤.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ١٨٧.

(٤) قال في مجمع البحرين ٢ ٣١٨ مادّة عرج: و أقلّوا العرجة بالضمّ، أي الإقامة.

(٥) نهج البلاغة، الخطبة ٢٠٤، ص ٣٢١.

(٦) نهج البلاغة، الحكمة ٣٠١.

١٠٩

قالوا في المثل: الرسول على قدر المرسل.(١) و قال الشاعر:(٢)

تخيّر إذا ما كنت في الأمر مرسلا

فمبلغ آراء الرجال رسولها

و روّ و فكّر في الكتاب فإنّما

بأطراف أقلام الرجال عقولها

و أمّا أنّ الكتاب أبلغ من ينطق عنه فلضبط مراده فيه دون لسان الرسول، لأنّه ربّما لم يؤدّ الرسالة على وجهها سهوا أو لغرض، فيقع الخلل بسبب ذلك، و ربّما قد يكون فيه هلاك المرسل.

١٣١ ردّوا الحجر من حيث جاء، فإنّ الشّرّ لا يدفعه إلاّ الشّرّ.(٣) الحجر كناية عن الشرّ، و ردّه من حيث جاء كناية عن مقابلة الشرّ بمثله، و لا ريب أنّ هذا ليس عامّا لأمره بالحلم في مواضع كثيرة،

بل كلّ ما لا يقطع إلاّ بالشرّ فواجب أن يقطع به.

و هذا مثل قولهم: إنّ الحديد بالحديد يفلح.(٤)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٠٧.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٣١٤.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٢١.

١١٠

قال الشاعر:(١)

فلّما صرّح الشرّ

فأمسى و هو عريان

و لم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا

و بعض الحلم عند الجه

ل للذّلّة إذعان

و في الشرّ نجاة حي

ن لا ينجيك إنسان

و في وصايا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذرّ (ره): كن ذئبا و إلاّ أكلتك الذئاب.(٢) ١٣٢ ربّ مستقبل يوما ليس بمستدبره، و مغبوط في أوّل ليلة قامت بواكيه في آخره.(٣) الغرض التنبيه من رقدة الغفلة و المعنى ظاهر.

و مثله قول الشاعر:(٤)

يا راقد الليل مسرورا بأوّله

إنّ الحوادث قد يطرقن اسحارا

____________________

(١) هو الفند الزمانيّ، انظر شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٢١.

(٢) في تحف العقول، باب قصار مواعظ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الموعظة ١٤٠: يأتي على الناس زمان يكون الناس فيه ذئابا، فمن لم يكن ذئبا أكلته الذئاب.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٣٨٠. و في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام،

ص ٦٩:

فكم من صحيح مات من غير علّة

و كم من عليل عاش دهرا إلى دهر

و كم من فتى يمسي و يصبح آمنا

و قد نسجت أكفانه و هو لا يدري

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٢١.

١١١

و مثله:(١)

لا يغرّنك عشاء ساكن

قد يوافي بالمنيّات السّحر

و قال السعديّ:(٢)

شخصى همه شب بر سر بيمار گريست

چون روز آمد، بمرد و بيمار بزيست

و قال آخر:(٣)

كم سالم صيحت به بغتة

و قائل عهدي به البارحه

أمسى و أمست عنده قينة

و أصبحت تندبه النائحه

٤

طوبى لمن كان موازينه

يوم يلاقي ربّه راجحة

١٣٣ الرّكون إلى الدّنيا مع ما تعاين منها جهل، و التّقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثّواب عليه غبن، و الطّمأنينة إلى كلّ أحد قبل الاختبار له عجز.(٥)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٢١.

(٢) كليّات سعدي، ص ١١٦. و قال أبو العتاهية:

فكن مستعدّا لريب المنون

فإنّ الّذي هو آت قريب

و قبلك داوى الطبيب المريض

فعاش المريض و مات الطبيب

[ العقد الفريد ٣ ١٤ ]

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٦٢.

(٤) القينة: الأمة.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٣٨٤.

١١٢

لا ريب أنّ الطمأنينة إلى من لا يعرف و لم يختبر، عجز أي عجز في العقل و الرأي، فإنّ الوثوق مع التجربة فيه ما فيه، فكيف قبل التجربة قال الطغرائيّ:

« و حسن ظنّك بالأيّام معجزة »

١ قال الشاعر:(٢)

و كنت أرى أنّ التجارب عدّة

فخانت ثقات الناس حين التجارب

١٣٤ ربّ قول أنفذ من صول.(٣) أي قد يبلغ الإنسان بالقول ما لا يبلغه بالشدّة و الصولة، فيكون القول أنفذ في غرضه.

و من هذا قولهم: و القول ينفذ ما لا تنفذ الإبر.(٤) و روي مكان أنفذ، أشدّ.(٥) و المعنى: ربّ قول يقوله الإنسان،

فيكون ضرره عليه أشدّ من صولة عدوّه، أو ربّ قول يسمعه من

____________________

(١) قد مضى آنفا في شرح الكلمة ٢٦، فراجع.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٢٥.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٣٩٤.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٥٩.

(٥) شرح ابن ميثم ٥ ٤٣٨.

١١٣

غيره كقذف أو هجر مثلا يكون أشدّ عليه من صولة العدوّ و هذا كما قال القائل:(١)

جراحات السّنان لها التيام

و لا يلتام ما جرح اللسان

١٣٥ الرّزق رزقان: طالب و مطلوب، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى يخرجه عنها، و من طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى يستوفي منها رزقه.(٢) هذا تحريض على طلب الآخرة، و وعد لمن طلبها بأنّه سيكفي طلب الدّنيا، و إنّ الدنيا ستطلبه حتّى يستوفي رزقه منها.

و قد قيل: مثل الدّنيا مثل ظلّك، كلّما طلبته بعد عنك، فإن أدبرت عنه تبعك.(٣) و لهذا قال عليه السلام كما في الديوان المنسوب إليه:

« إنّما الدّنيا كظلّ زائل ».

٤

____________________

(١) قال العلاّمة الشريف الأردكانيّ في جامع الشواهد، ص ١١٩: « لم يسمّ قائله،

و البيت من شواهد الجامي في النحو ».

و مثله قول الحمدوني:

و قد يرجى لجرح السيف برء

و لا برء لما جرح اللسان

[ العقد الفريد ٢ ٢٨٠ ]

(٢) في نهج البلاغة، الحكمة ٤٣١: رزقه منها.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٧٦.

(٤) البيت بتمامه:

١١٤

١٣٦ ربّ مفتون بحسن القول فيه.(١) طالما فتن الناس بثناء الناس، فقصّروا في تكميل الفضائل، كما رأينا كثيرا من طلبة العلم قصّر في اكتساب العلم اتّكالا على ثناء الناس عليه، و هكذا العابد في عبادته، فينبغي أن لا يغترّ الإنسان بثناء الناس، و لا أعجب بنفسه فيهلك، و لهذا ورد:

احثوا في وجوه المدّاحين التراب.(٢)

إنّما الدّنيا كظلّ زائل

أو كضيف بات ليلا فارتحل

ديوانه ٩٠.

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٦٢.

(٢) بحار الأنوار ٧٣ ٢٩٤ نقلا عن أمالي الصدوق.

١١٥

١١٦

حرف الزاي

١٣٧ الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن: قال اللّه سبحانه: لكيلا تأسوا على ما فاتكم، و لا تفرحوا بما آتاكم ١، و من لم يأس على الماضي، و لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزّهد بطرفيه.(٢) و يناسب هنا نقل كلام له عليه السلام كتبه إلى ابن عبّاس.(٣)

____________________

(١) سورة الحديد (٥٧) ٢٣.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٣٩.

(٣) لعلّ مراد المؤلّف (ره) هذا الكتاب: أمّا بعد، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته، و يسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، و ليكن أسفك على ما فاتك منها، و ما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا، و ما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا، و ليكن همّك فيما بعد الموت.

كان ابن عبّاس يقول: ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كانتفاعي بهذا الكلام.

[ نهج البلاغة، الكتاب ٢٢، ص ٣٧٨ ]

١١٧

١٣٨ زهدك في راغب فيك نقصان حظّ، و رغبتك في زاهد فيك ذلّ نفس.(١) أي نقصان حظّ لك، لأنّه ليس من حقّ من رغب فيك أن تزهد فيه، لأنّ الإحسان لا يكافأ بالإساءة.

قال العبّاس بن الأحنف في نسيبه، و كان جيّد النسيب:

ما زلت أزهد في مودّة راغب

حتّى ابتليت برغبة في زاهد

هذا هو الداء الذي ضاقت به

حيل الطبيب و طال يأس العائد

٢ يقول المؤلّف، العبّاس بن محمّد رضا القمّيّ (عني عنه): و ما أشبه حالي بحال العبّاس

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٥١.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٠١.

١١٨

حرف السين

١٣٩ سيّئة تسوءك خير [ عند اللّه ] من حسنة تعجبك.(١) لأنّ السيئة الّتي تسوءه مستلزمة للندم و التوبة عليها، و التوبة ماح لها، مع أنّ التوبة و الرجوع إلى اللّه تعالى فضيلة ندب الشارع لها بخلاف الحسنة المستعقبة للعجب.

١٤٠ السّخاء ما كان ابتداء، فإذا كان(٢) عن مسألة فحياء و تذمّم.(٣) التذمّم: الاستنكاف. و السخاء عبارة عن ملكة بذل المال لمن يستحقّه بقدر ما ينبغي ابتداء عن طيب نفس، و حسن المواساة لذوي الحاجة منه، و بهذا الرسم يتبيّن أنّ ما كان عن مسألة فخارج عن

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٦.

(٢) في النهج: فأما ما كان.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٥٣.

١١٩

رسم السخاء.

و ذكر عليه السلام له سببين: أحدها: الحياء من السائل، أو من الناس،

فيتكلّف البذل لذلك.

الثاني: الاستنكاف ممّا يصدر من السائل من لجاج أو نسبته إلى البخل و نحوه.

و يعجبني في هذا المقام ذكر هذا الشعر:

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله

عوضا و لو نال الغنى بسؤال

و إذا النّوال إلى السؤال قرنته

رجح السؤال و خفّ كلّ نوال

١ ١٤١ سوسوا إيمانكم بالصّدقة، و حصّنوا أموالكم بالزّكاة، و ادفعوا أمواج البلاء بالدّعاء.(٢) سوسوا: أي املكوا. و ذلك أنّ الصدقة من الإيمان التامّ مملكه و حفظه لا يكون بدونها، و قد ورد في الصدقة و الزكاة و الدعاء ما لا يخفى.

و في الحديث: إنّ الدعاء يردّ البلاء و قد أبرم إبراما.(٣) ١٤٢ السّلطان وزعة اللّه في أرضه.(٤)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ١٨٤.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ١٤٦.

(٣) الكافي ٢ ٤٦٩.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٣٣٢.

١٢٠